Skip to main content

Full text of "تحميل جمع مؤلفات د. نور الدين أبو لحية"

See other formats


هذه إيران.. وهذا مشروعها 
في 


9و 








هذا الكتاب 


العناوين التالية: 


ولاية الفقيه.. والحكومة الإلحية: ويتناول الأسس التي تقوم عليها نظرية الحكم في إيران» ١|‏ 77 


والتي يطلق عليها [ولاية الفقيه]» والتي تستند إلى مبداً [الحاكمية الإهية] 

ولاية الفقيه .. وقيم الجمهورية: وفيه حديث مفصل عن الآليات التي وفرها النظام الإيرانٍ 
حتى يعبر بها الشعب عن إرادته ومواقفه» حتى لا يصطدم النظام الشرعي بالرفض الشعبي. 

ولاية الفقيه.. والحرية المنضبطة: وفيه حديث مفصل عن مدى الحرية المتاحة للإيرانين» كى| 
ذكرنا القيود المفروضة على الحرية السلبية حفاظا على السلم والقيم الاجتاعية. 

ولاية الفقيه.. والأخوة الإنسانية: وتناولنا فيه اهتام النظام الإسلامي الإيراني بقيمة 
[الأخوة]ء سواء الأخوة الداخية» أو الأخوة الخارجية مع جميع شعوب العالم. 

ولاية الفقيه.. والمساواة العادلة: وتناولنا في قيمة [المساواة] باعتبارها من القيم التي قام 
عليها النظام الإسلامي الإيراني» وهي قيمة تجعل المواطنين في درجة واحدة. ودون تفريق | 
بينهمء لا في الحقوق, ولا في الواجباتء إلا ما اقتضته العدالة. 

ولاية الفقيه.. والقيم التربوية: وتناولنا فيه اهتمام النظام الإيراني بالقيم التربوية بجميع 
أصنافهاء وني جميع مجالاتهباء ذلك أن هدف هذا النظام هو بناء الإنسان» وتحقيق ما يطلق علبه |87 
[التقوى الاجتاعية] 


ولاية الفقيه.. والقيم الحضارية: وتناولنا فيه اهتمام النظام الإيراني بالدعوة لقيام حضارة 54 0 


إسلامية جديدة» تستند إلى القيم الإسلامية» والمصادر الدينية» في نفس الوقت الذي لا تخفل |09 


فيه المكتسبات المادية» والخيرات البشرية. 





هذه إيران .. وهذا مشروعها 


في 


إيران .. نظام وقيم 


قراءة موضوعية لنظام الحكم في إيران والمبادئ التي يقوم عليها 


د. نور الدين أبو لحية 


من 


1ن 200 . نلا /الانالا 


الطبعة الأولى 


الخ نضا 


دار الآنوار للنشر والتوزيع 


ع 
1 
ع 
3 


فهرس المحتويات 
المقدمة 
الفصل الأول 
ولاية الفقيه.. والحكومة الإلهية 
أولا ‏ التأصيل الشرعي للحكومة الإلهية: 


١‏ البراهين العقلية والواقعية على شرعية الحكومة الإلية: 


١‏ البراهين النصية على شرعية الحكومة الإلهية: 
ثانيا ‏ التأصيل الشرعي لولاية الفقيه: 
١‏ الأدلة العقلية والكلامية على ولاية الفقيه: 
النموذج الأول: 
النموذج الثاني: 
النموذج الثالث: 
النموذج الرابع: 
 ”‏ الأدلة القرآنية والروائية على ولاية الفقيه: 
أ الأدلة من القرآن الكريم: 
ب الأدلة الروائية: 
الرواية الأولى: 
الرواية الثانية: 
الرواية الغالثة: 


الرواية الراعة: 


1 


15 


516 


11 


1/1 


الا 


الا 


7: 


ك/ا 


70 


الفصل الثاني 
ولاية الفقيه.. وقيم الجمهورية 
أولا ‏ الكفاءة العلمية والأخلاقية للولي الفقيه: 
ثانيا ‏ القابلية الشعبية للولي الفقيه: 
ثالثا ‏ تور المرجعية الشرعية والقانونية للدولة: 
رابعا ‏ توفر المؤسسات التشريعية والتنفيذيه: 
الفصل الثالث 
ولاية الفقيه.. والحرية المنضبطة 
أولا ‏ المفهوم الإيجابي للحرية: 
١‏ - الحرية الفكرية: 
؟ -حرية الرأي: 
* الخرية السياسية: 
الجانب الأول: السياسة العامة للدولة: 
الجانب الثاني: التيارات السياسية في إيران: 
ثانيا ‏ المفهوم السلبي للحرية: 
١‏ المظاهر الغربية ومواجهتها: 
؟ الانحلال الأخلاقي ومواجهته: 
الفصل الرابع 
ولاية الفقيه.. والأخوة الإنسانية 
أولا ولاية الفقيه والتعامل مع الاختلاف العرقي: 


١‏ قدم التركيبة السكانية للأعراق الموجودة في إيران: 


١17 

١١ 
اخريل‎ 
اخريل‎ 

1 


1 


١7: 
188 
188 


١54 


؟ ‏ وحدة التركيبة السكانية وارتباطها بمصاحها: 
الأوضاع المزرية للتركيبة السكانية قبل الثورة الإسلامية: 
5 اهتمام النظام الإسلام في إيران باللغة العربية: 
4 اهتمام الدستور الإيراني باللغات المحلية واللغة العربية: 
5 موانع الانقسام لدى التركيبة السكانية: 

انيا ولاية الفقيه والتعامل مع الاختلاف الديني: 
١‏ الأقلية المسيحية في إيران ومظاهر التعامل المتسامح معها: 


؟ ‏ الأقلية اليهودية في إيران ومظاهر التعامل المتسامح معها: 


الأقلية الزرادشتية في إيران ومظاهر التعامل المتسامح معها: 


ثالثا ‏ ولاية الفقيه والتعامل مع الاختلاف المذهبي: 
١‏ - الموقف النظري من الاختلاف المذهبي: 
؟ ‏ الموقف العمل من الاختلاف المذهبي: 
رابعا ‏ ولاية الفقيه والتعامل مع الشعوب الإسلامية: 
2 الذغؤة للوضدة الاسام 
الدعوة لإصلاح الواقع الإسلامي: 
الدعوة لإصلاح الواقع الإسلامي: 
خامسا ‏ ولاية الفقيه والتعامل مع العالم: 
خامسا ‏ ولاية الفقيه والتعامل مع العالم: 
الفصل الخامس 
ولاية الفقيه.. والمساواة العادلة 


أولا المرأة وحقوقها في الرؤية السياسية الإيرانية:: 


7 


7 


08 


7 


ادحا 


51 


538 


موف 


رحن 


1 


كا 


لا 


51 


1 1/ 


11 


١‏ حقوق المرأة المرتبطة بالصيانة والتكريم: 
١‏ حقوق المرأة المرتبطة بالتربية والتعليم: 
حقوق المرأة المرتبطة بالعمل والإنتاج: 
5 الحقوق السياسية للمرأة: 
ثانيا ‏ العمال وحقوقهم في الرؤية السياسية الويرانية: 
الفصل السادس 
ولاية الفقيه.. والقيم التربوية 
أولا ‏ القيم الروحية ووسائل تحقيقها في الواقع: 
١‏ الاهتام بالقيم العرفانية والذوقية: 
؟ ‏ القيم الروحية والتشجيع على الحركة والثورة: 
3 القيم الروحية والتوحيد الخالص: 
5 القيم الروحية والسلوك التحققي والتخلقي: 
5 القيم الروحية ومركزية القرآن الكريم: 
ثانيا ‏ القيم الأخلاقية ووسائل تحقيقها في الواقع: 


١‏ مراعاة أحكام الشريعة ودورها في إصلاح الأخلاق: 


؟ ‏ مراعاة الإخلاص ودوره في إصلاح الأخلاق: 
الفصل السابع 
ولاية الفقيه.. والقيم الحضارية 
أولا ‏ الجانب السياسي وقيم الحضارة: 
ثانيا ‏ الجانب الاقتصادي وقيم الحضارة: 
ثالثا ‏ الجانب التربوي وقيم الحضارة: 


1م 
حرضر 
رضن 
كرو 
ذبن 
”> 
”> 
ركضس 
ال 
2ن 
فض 
لذن 
رذن 
30١‏ 


5305 


00 


00 


15 


1 


6 تجنب التقليد والاهتمام بالقيم الإسلامية:‎ . ١ 


؟ ‏ التخطيط الاستراتيجى لتكوين الشخصية المسلمة: ار 
رابعا ‏ الجانب العلمي وقيم الحضارة: ١‏ 
خامسا ‏ الجانب الفني وقيم الحضارة: ١ه‏ 


المقدمة 


لا يمكن لمن يريد أن يتعرف على إيران» أو على مشروعها الحضاري الجديد أن يمر مرور 
الكرام على نظامها الذي اعتمدته منذ انطلاقة الثورة الإسلامية قبل ما يقرب من أربعين سنة» 
ذلك أن كل اللهجمات السياسية والعسكرية والإعلامية والدينية التي تعرضت لما كانت بسبب 
ذلك النظام الذي أسسه قادة ثورتهاء ورضيه شعبهاء وعبر عن رضاه بوسائل مختلفة. 

وهو نظام متفرد من نواح كثيرة جدا؛ فلا هو بالنظام الديني المحضء ولا هو بالنظام 
العلماني والديمقراطي المحضء ولا هو مزيج ملفق من كليههماء بل هو نظام له خصوصياته التي 
تستدعي البحث الدقيق والموضوعي والمحادئ بعيدا عن شغب المشاغبين وجدل المجادلين. 

ولذلك اهتممنا في هذا الجزء بالتعرف على أسرار هذا النظام» والأسس الفكرية التي 
يقوم عليهاء ومثل ذلك الآليات التي استخدمها لتحقيق تلك الأسس النظرية على أرض 
الواقع. 

وقد دعانا إلى هذه الاهتّام مجموعة أمور: 

أولها: أن هذا النظام تعرض منذ انطلاقته لحملة تشويه كبيرة جداء لا من أمريكا 
وإسرائيل فحسب. وإنما من طرف الكثير من المسلمين الذين نمض ساستهم وإعلاميوهم 
ورجال دينهم لتشويبه وشيطنته وإلصاق كل أنواع التهم به. 

ولذلك كان الواجب على كل باحث صادق إنصافه. لا بنصرته عاطفيا؛ فهو لا يحتاج 
إلى ذلك» وإنما بوصفه وصفا دقيقا وموضوعيا من خلال المصادر التي أأسس عليهاء أو 
التطبيقات التي خرج بها إلى أرض الواقع. 

ثانيا: أن هذا النظام متفرد في كل شيء, ابتداء من الأسس الفلسفية التي يقوم عليهاء 
وانتهاء بالمئؤسسات التي يتكون منهاء ولذلك يعتبر تجربة فريدة يتطلع كل عاقل للاطلاع 


عليهاء ليستفيد من مزاياها» ويتجنب عيوبهاء ولذلك كان البحث الموضوعي في هذا الجانب 
مهما جداء حتى نتقي تلك الطروحات التي لا هم لما إلا تشويه الحقائق» وعرضها بصورة لا 
تتناسب مع الواقع. 

ثالثها: أن هذا النظام ييصنف ضمن ناذج الإسلام السياميء والتي نجد لها صورا كثيرة 
تحققت عبر التاريخ» وقد لقي الكثير منها ردود فعل سلبية بسبب الأخطاء التي وقع فيهاء 
ولذلك كان لدراسة هذا النموذج دوره المهم في عرض صورة أخرى. ربما تكون أحسن تمثيلا 
لنظام الحكم في الإسلام» أو ربا لا تكون كذلك.. والمؤمن الصادق هو الذي لا يحكم على 
شيء قبل أن يطلع عليه» ومن أهله. لا من أعدائه. 

رابعها: أن هذا النظام صمد فترة طويلة جداء مع الحروب الكثيرة التي تعرض لماء بل 
نراه يقوى يوما بعد يوم. ويتحول من مجرد نظام لدولة من الدول إلى محور قائم بذاته تهابه 
إسرائيل وأمريكا وكل من يحلق في فلكهماء وذلك يستدعي البحث عن أسرار ذلك الصمود 
والاستقرار على الرغم من كل تلك الزلازل التي تحيط به. 

خامسها: أن الكثير من الأخطاء التي يقع فيها السياسيون أو الإعلاميون أو رجال 
الدين في فهم المواقف الرسمية الإيرانية ناتج من عدم فهمهم للأسس الفلسفية والدينية التي 
يقوم عليها نظام الحكم في إيران» ولذلك كان البحث في هذا الجانب وقاية من الوقوع في تلك 
الأخطاء؛ فالمواقف السياسية تنبع في كل دولة تحترم نفسها من المبادئ والنظريات التي تقوم 
عليها. 

هذه بعض الاعتبارات التي جعلتنا نخصص هذا الجزء للحديث عن النظام الإيراني» 
والمبادئ والقيم التي تحكمه. وقد دعتنا القراءة الموضوعية له إلى اعتماد المصادر التي ينطلق 
منهاء وأهمها كتب قادة ثورته وخطبهم وبياناتهم» ومن أهمها كتب الخميني والخامنئي ومطهري 
وغيرهم. والتي يستند إليها الدستور الإيراني» وكل القوانين الإيرانية. 


بالإضافة إلى المواقع الخاصة بالمؤسسات الإيرانية المختلفة» والتي نجد فيها التجليات 
والمظاهر التي طبقت بها تلك المبادئ النظرية. 

وقد ألزمتنا القراءة الموضوعية لهذا النظام الاطلاع على ما كتبه أعداؤه من العرب 
وغيرهم» حتى نتبين صدق ما ذكروه أو تهافته» وحتى نعرض للقارئ الحقيقة من جوانبها 
المختلفة» ليبت فيها بعد ذلك با يرشده إليه دينه والقيم الأخلاقية التي تحكمه. 

وقد قسمنا الكتاب مثل| سبقه إلى سبعة فصولء تحاول أن تعرف بالأسس التي يقوم 
عليها هذا النظام وما ينبع منه من قيم ومؤسسات وقوانين» وهي كا يلي: 

١‏ -ولاية الفقيه.. والحكومة الإلية: وتناولنا فيه الأسس التي تقوم عليها نظرية الحكم 
في إيران» والتي يطلق عليها [ولاية الفقيه]» والتي تستند إلى مبدأ [الحاكمية الإلهية] الذي نص 
عليه قوله تعالى: إن الكْمُ إِلّا لله [الأنعام: /01]» وقد عرضنا فيه الأدلة التي اعتمدها 
دواسوو اف القناء دوين الوا يداع ليقي : 

 "‏ ولاية الفقيه .. وقيم الجمهورية: وتناولنا فيه الآليات التي وفرها النظام الإيرانٍ 
حتى يعبر بها الشعب عن إرادته ومواقفه» حتى لا يصطدم النظام الشرعي بالرفض الشعبي» 
وحتى يتخلص من سلبيات الحكومة الدينية التي شوهتها الكنيسة وبعض أنظمة الحكم 
الاستبدادي في التاريخ الإسلامي. 

ولاية الفقيه.. والحرية المنضبطة: وتناولنا فيه [الحرية] باعتبارها قيمة من القيم 
الكبرى التي ناضل من أجلها الشعب الإيراني ليتخلص من قيود الطواغيت والمستبدين» 
ويسترد ممتلكاته من مغتصبيهاء ويمارس حياته بعيدا عن كل الضغوطء. وقد ذكرنا فيه بتفصيل 
مدى ال حرية المتاحة للإيرانين تحت ظل ولاية الفقيه على عكس ما يشيع المغرضونء كا ذكرنا 
فيه أيضا القيود المفروضة على الحرية السلبية حفاظا على السلم والقيم الاجتاعية والهوية 
الدَينية للشعت الايراي. 


5 - ولاية الفقيه.. والأخوة الإنسانية: وتناولنا فيه اهتمام النظام الإسلامي الإيراني 
بقيمة [الأخوة]ء سواء الأخوة الداخية مع جميع الأعراق والأديان والمذاهبء أو الأخوة 
الخارجية مع جميع شعوب العالم» وخصوصا المستضعفين منهم. 

5 ولاية الفقيه.. والمساواة العادلة: وتناولنا في قيمة [المساواة] باعتبارها من القيم التي 
قام عليها النظام الإسلامي الإيراني» وهي قيمة تجعل المواطنين في درجة واحدة» ودون تفريق 
بينهم» لا في الحقوق. ولا في الواجبات. إلا ما اقتضته العدالة. 

5 ولاية الفقيه.. والقيم التربوية: وتناولنا فيه اهتام النظام الإيراني بالقيم التربوية 
بجميع أصنافهاء وني جميع مجالاتهاء ذلك أن هدف هذا النظام ليس توفير حاجيات الشعب 
الحسية فقط. وإنم| يدف فوق ذلك إلى بناء الإنسان» وتحقيق ما يطلق عليه [التقوى الاجتماعية] 

-١‏ ولاية الفقيه.. والقيم الحضارية: وتناولنا فيه اهتام النظام الإيراني بالدعوة لقيام 
حضارة إسلامية جديدة» تستند إلى القيم الإسلامية» والمصادر الدينية» في نفس الوقت الذي 
لا تغفل فيه المكتسبات المادية» والخبرات البشرية» بل تحاول أن تزاوج بينها لتحقق القفزة 
الحضارية» وتكون نموذجا عن الحضارة الإلحية التي تخلص البشرية من الحضارة المادية. 

ونحب أن ننبه إلى أنه مع اجتهادنا في أن نكون موضوعيين قدر الإمكان, إلا أننا ل 
نستطع أن نخفي إعجابنا ببعض مظاهر الجمال في هذا النظام» ولا أن نخفي نقدنا لبعض 
سلبياته؛ فالذاتية شيء لا مفر منه» لكنا لا ندخل ذواتنا في بيان الحقائق» أو وصف الوقائع» 
وإنما نذكرها تعليقا على تلك الحقائق والوقائع» وقد يوافقنا القارئ على ذلك» وقد يخالفنا فيه. 

ونحن ‏ مع احترامنا للقراء الكرام ‏ إلا أنه لا تهمنا موافقتهم ولا مخالفتهم؛ فالحق أحق 
أن يتبع» وقد طولبنا بالشهادة بالحق» لا با يرغب به الذين نصبوا أنفسهم قضاة على الخلق. 

ونريد بهذه المناسبة أن نطلب من الذين يذكرون منتقدين بأننا بهذا الكتاب وغيره نقوم 


بنوع من الإشهار لإيران أو مشروعهاء لأن ينكروا أولا على ما في مكتباتنا ورسائلنا الجامعية 


من الكتب التي تتحدث عن المشروع الشيوعي والاشتراكي» والكتب التي تتحدث عن الثورة 
الصينية والبلشفية والسوفياتية» والكتب التي تمدح الظاهرة اليابانية والماليزية والتركية 
وينكروا قبل ذلك على الأحزاب الشيوعية والاشتراكية والليبرالية.. والتي تتبنى مشاريع لا 
علاقة لها بالدين» ولا بأي قيم أخلاقية.. وبعدها يمكنهم أن ينكروا علينا هذا الطرح 
الموضوعي المتعلق ببلد كريم من بلاد الإسلام أجمع الجميع على تشويهه وظلمه وخذلانه 
واحتقاره. 

وواجبنا الشرعي يحتم علينا توضيح الحقائق التي تزيل الشبهات» وترفع الأوهام؛ 
فنصرة المظلوم واجب الشرعيء والساكت عن الظلم شيطان أخرسء ولا ينفع الحياد عندما 
تحتدم المعارك» ذلك أن المحايد ليس سوى متول عن الزحف. وقد حرم علينا التولي عن 
الزحف. والتثاقل إلى الأرض والمهوى. 


الفصل الأول 
ولاية الفقيه.. والحكومة الإلهية 


يتربع على عرش القيم والمبادئ التي تتحكم في نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية مبداً 
[الحكومة الإلهية]» أو مبدأ [الحاكمية]» وهو المبدأ الذي ينص على أن الله تعالى هو الحكم بين 
عباده» وأن شريعته هي المرجع في كل القوانين التي تحكمهم في شؤونهم جميعاء ابتداء من 
حياتهم الشخصية» وانتهاء بحياتهم الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية» واعتبار 


الحياة بذلك كله معبدا لله» تؤدى فيه أوامره مثلم| تؤدى في الصلاة تماماء كما قال تعالى: # قل 


8 
001 


إن صَلَاتٍ وَنْسْكِي وَعَنيَايَ وتاي طهرَبٌ الْعَاَِنَ (177) لا شَرِيكٌ لَه وَبذَِّكَ أَمِرْتُ وَأَنا أَوَلْ 
الْمسْلِحِينَ4 [الأنعام: 0175 177] 

وهذاء وإن كان من المتفق عليه بين المسلمين في الكثير من النواحي, لكنهم يختلفون 
اختلافا شديدا في تطبيقه في المجالات السياسية وما يرتبط بهاء حيث نرى فريقا من المسلمين» 
أو أكثر فقهاء المسلمين عبر التاريخ» يرون أن ذلك يمكن أن يتحقق عن طريق الخلفاء والملوك 
و 
المختلفة» وبذلك تتحقق حاكمية الشريعة عبر تلك الاستشارات»ء التي يكون فيها الفقهاء 
وسائط للتعريف بمراد الله من عباده. 

وهم يستدلون لذلك بالدول الكثيرة التي حكمت بلاد المسلمين ابتداء من الدولة 
الأموية» وانتهاء بالدولة العثانية» والتي نرى نموذجا معاصرالها في المملكة العربية السعودية» 
والتي شكلت هيئة كبار العلماء» واعتبرتها» واعتبرت مفتيها من المستشارين لدى الملوك 
والأمراء والسعوديين» وقد زكى الفقهاء ذلك» واعتبروا النظام السعودي بسببه نظاما إسلاميا. 


١١ 


بيدا يرى فريق آخر أن تطبيق الشريعة» وتحقيق الحاكمية الإلهية» لا يكون إلا عن طريق 
الفقيه العدل المجتهد الذي لا توكل إليه مهام الاستشارة فقط» بل توكل إليه قبل ذلك وبعده» 
جميع الصلاحيات التي يستطيع من خلالها أن يطبق الشريعة» باعتباره أكثر الناس فهما لماء 
وأكثرهم ودراية لكيفية تنفيذها. 

وقد تبنى قادة الثورة الإسلامية الإيرانية هذا النوع من الحاكمية» وأطلقوا عليه 
اصطلاح [ولاية الفقيه] » وهي تعني أن الشريعة لا تُطبق كقوانين فقط» وإنما تضيف إلى ذلك 
وجوب إشراف الفقهاء على ذلك التطبيق وفق استراتيجية تعمل على تحكيم شرع الله في جميع 
مناحي الحياة. 

وبما أن هذا النوع من الأنظمة لم يتحقق وقوعه على مدار التاريخ» وفي جميع الدول 
الإسلامية؛ فقد تعرض ‏ منذ بداية الدعوة إليه ‏ إلى ردود فعل كثيرة من أطراف متعددة» يمكن 
حصرها في أربع جهات: 

الأولى: العلمانيون والليبراليون الذين تصوروا أن الشريعة لا يمكنها أن تحقق التقدم 
والرفاه» وأن تطبيقها سيؤخر المسلمين عن ركب الأمم» وهؤلاء من يطلقون على أنفسهم لقب 
[التنويريين]» وهم -عادة ‏ ليس لديهم أي مشروع سياسي أصيلء بل هم تبع للمشاريع الغربية» 
ويستندون إلى التراث السياسي الغربي الذي تشكل من أدبيات الثورة الفرنسية والثورة 
الأميركية والانتفاضة البريطانية» أو من أدبيات الشرق الأوربي المؤسس على تراث الثورة 
البلشفية أو الفكر ماركسي بمدارسه المختلفة الصينية والكوبية واليوغسلافية والشيوعية 
الأوربية. 

وقد عانت الثورة الإسلامية في إيران في بدايتها الكثير من شغبهم» حيث تحولوا إلى 
إرهابيين يستعملون كل الوسائل لضرب بلدهم ومؤسساته. بحجة مواجهة نظام الملالي» ولا 
يزال الغرب يمد هؤلاء بمدده» ويستعملهم وسائل لتشويه الجمهورية الإسلامية الإيرانية 


١ 


ونظامها. 

بل إن انطلاقة الثورة الإسلامية كانت رد فعل على هذا التيار الذي كان يحكم إيران» 
واستعمل معها كل الوسائل التي استعملها أتاترك بغية تحويلها إلى دولة أوروبية علءانية لا 
علاقة لها بالدين» أو لا يشكل الدين فيها إلا الجانب الطقوسي. 

ومن قرأ رسائل وبيانات وخطب الخميني ني ذلك الحين» يجد الكثير من الطروحات 
التي يطرحها هذا الفريق ليرد بها على مشروع الحكومة الإلهية» ومن تلك البيانات قوله في 
خطاب وجهه لجمع من العلماء وطلبة العلوم الدينية والجامعيين وغيرهم بعد إطلاق سراحه 
من السجنء وبعد انتفاضة حصلت حينها: (لقد قالوا للعالم بأننا رجعيون» ونسبوا علماء 
الإسلام الى الرجعية السوداء! وتعتبرنا الصحف الصادرة في الخارج» وهي دار بميزانية 
ضخمة لضربناء بأننا معارضون للإصلاحاتء ويقولون: إن العلاء يريدون أن يتخذوا من 
الحمير وسيلة لرحلاتهم من ناحية إلى أخرى, ولا يريدون الكهرباء والطائرة» فهم رجعيون 
يبغون العودة إلى القرون الوسطى!) )١(‏ 

وهي كلمة تختصر ذلك التشويه الذي يواجه به هذا الفريق الدعوة للحكم الإسلامي» 
وقد رد الخميني عليهم بقوله: (إن علماء الدين يرفضون هذه الأيام الحالكة التي أصابت البلد» 
ويرفض العلماء الأعلام تمارسات الضرب والقتل والعجرفة والاستبداد» فهل هذه رجعية؟! 
وقد وقف علاء الإسلام في بداية مرحلة الحركة الدستورية بوجه الاستبداد الأسود وحققوا 
الحرية للشعب بدمائهم» وسئوا بأنواع العذاب والمصائب التي رأوها وتحملوها قوانين لمصلحة 
الشعب واستقلال البلد والإسلام واليوم انتفض الشعب أيضاً تبعاً للعلماء» وما يطلبه العلماء 
هو العمل بقوانين الإسلام» فهل هذه رجعية؟! وهل كان الرسول الأكرم # رجعياً؟! وهل 


الدعوة إلى القوانين السماوية رجعية؟! وهل كان- تبارك وتعالى - رجعياً؟! وهل جبريل الأمين 
)0غ( صحيفة الإمام» ج١2‏ ص: ا ؟. 


١6 


واسطة الوحي الإلمي رجعي؟! وهل الرسول الأكرم # رجعي؟! وهل أتثمة الهدى 
وعيو 601 
ثم بين أن أحكام الشريعة لا تنطوي إلا على العدالة وال رحمة والتحضر الحقيقي» ولذلك 
لا معنى لردها باعتبارها رجعية» بل الرجعية في الاستبداد والظلم ومصادرة الحريات» والذي 
مارسه الذين يدعون التنوير» ومثلوه أحسن تمثيل» يقول معبرا عن ذلك: (إن علماء الإسلام 
منذ صدر الإسلام إلى اليوم لم يطرحوا ولا يطرحون من أنفسهم شيئاً بل يبلغون قوانين 
الإسلام والوحي إلى الناس» فهل تبليغ القوانين الإلحية رجعية؟! وإذا كنتم تعتقدون بأحكام 
الإسلام» فإن الإسلام يحترم حرية الإنسان وسيطرته على ماله وحياته وعرضه. وقال بأن كل 
إنسان حر في كل ما لا يخالف القوانين الإلهية» وإذا هاجم أحد دار أحد فإن الإسلام يجيز لمن 
عَرّض للهجوم أن يقثل ذلك المهاجم. إلى هذا الحد يؤيد الإسلام الحريات! إن علماء الإسلام 
لا يأتون بشيء من أنفسهم» فكل ما نقوله هو قول رسول الله # وكل ما يقول الرسول أيضاً 
هو قول الله فلو كنا رجعيين فإن ذلك يعني أن رسول الله : رجعيء إذن أنتم تعتبرون رسول 
لله # رجعياً! تبآلهذا التجدد! فإذا كنتم تقبلون القوانين» وتقبلون الإسلام الذي نحن أتباعه 
فإن الإسلام هو مصدر جميع الحريات والتحرر والسيادة والاستقلال)7) 
ويقول: (إننا لسنا رجعيين» ولا نرفض آثار الحضارة» والإسلام لا يرفض آثار 
الحضارة» بل يتوق الى أن تتحكموا في جميع مقدرات العالم» والإسلام هو ذلك الذي أخضع 
هذه البلدان التي أصبحتم أسرى لما! وليست هذه الأفكار النيرة التي يحملها الرجال العظماء 
وعلماء الإسلام ومراجعنا العظام إلا من نور الإسلام. وأما الرجعية» فهي الأفكار المتهرئة 
والبالية التي يحملها السادة والتبعية العشواء للجميع وتقديم ثروات بلد للآخرين. وليسود 


دلق المرجع السابق» ج١.‏ ص: ا ؟. 
زفق المرجع السابق» ج١.‏ ص: 1 


1١5 


وجه هذه الرجعية!)(1) 

هذه ناذج عن خطابات الخميني التي وجهها لهذا الفريق من الناس» والذي ظل يحارب 
الجمهورية الإسلامية إلى اليوم» وللأسف وجد من المسلمين والعرب خصوصا من يقف في 
صفه. ويمد يذه إليه» مع أنه لم يكن سوى خادم ذليل لأمريكا وإسرائيل» وجميع المحور 
الإمبريالي. 

وقد اعتبره الخميني عميلا للاستعار؛ فهو يفعل نفس ما يفعله المستعمرء يقول في 
الخطاب السابق: (إن جميع صحفنا ومجلاتنا بيد الاستعمار» وهو الذي يجعل الصحف بهذا 
الشكل من الابتذال لكي يسمم أفكار شبابنا. والاستعمار هو الذي ينظم برامجنا الثقافية بنحو 
لا يكون به شباب أقوياء في هذا البلد يضحون في سبيل إنقاذ الشعب. والاستعار هو الذي 
ينظم برامج الراديو والتلفزيون تنظياً يرهق أعصاب الناس ويجعلهم يفقدون معه القوة 
والطاقة» ونحن نعارض هذه المظاهر الاستعمارية» فهل نحن رجعيون, وأنتم تقدميون؟ ليس 
في كلامنا خصام وجدال وسبابء فتعالوا لنرى أية حضارة نعارضها؟ نحن نعارض الفساد. 
وإسرائيل هي التي تنظم مشاريعكم الإصلاحية وأنتم تجلبون الخبراء العسكريين من إسرائيل» 
وتبعثون الطلاب من هنا إلى إسرائيل» ونحن نعارض هذه الأعمال» نحن نقول: إن جميع البلاد 
الإسلامية وقفت صفاً واحداً مقابل الكفر وإسرائيل؛ فيا تقفون أنتم وتركيا مع إسرائيل في 
الطرف المقابل. ونقول: ليس هذا عملا جيداً» فلا تتجاهلوا عواطف الشعب إلى هذه الدرجة» 
فيقف المسلمون في طرف, وإيران في طرف! فوالله إن هذا مضرء وعندئذ يظن الإخوة من أهل 
السنة أن الشيعة هم عبدة اليهود!)29) 


الثانية: الإسلاميون من أبناء الحركات الإسلامية» وخاصة من ذوي التوجهات 


)0200( المرجع السابق» ج١»‏ ص: /737. 
زفق المرجع السابق» ج١.‏ ص: 58 


١ا/‎ 


التقدمية» والذين راحوا ينتقدون تولي الفقهاء لشؤون السلطة» ورأوا أن ذلك ليس شأغهم» بل 
تصوروه نوعا من الاستبداد» وراحوا يصفونه با يصفون به الدولة الدينية التي مثلتها الكنيسة» 
وأساءت قثيلها. 

وقد كان هؤلاء في بدايتهم يمثلون نفس الخط الذي كان يسير عليه قادة الثورة 
الإسلامية الإيرانية» بل كان التواصل بينهم كبيرا إلى درجة أن بعضهم اعتبر الخميني مجدد هذا 
العصرء بل اعتبره الخليفة الشرعي الذي يجب على المسلمين جميعا اتباعه. 

وقد ورد في كتاب [الإخوان المسلمون وإيران: الخميني - خامنئي]» أنه بعد نجاح 
الثورة الإيرانية عام 191/4» بادرت الجماعة وعدة جماعات إسلامية سنية أخرى إلى تبنئة 
الخميني» ومد يد التعاون للعمل المشترك وفق مرجعية الثورة الإسلامية. 

وذكر أن وفدا من الإخوان زار طهران» وعارضوا استضافة الشاه في مصرء وناصروا 
إيران في حريها ضد العراق» خاصة في بداية المواجهات, وبعد وفاة الخميني» سنة 2١19/4‏ نعته 
الجماعة واحتسبته (فقيد الإسلام الذي فجر الثورة ضد الطغاة) 

لكنهم ‏ وبعد الحملة الشديدة التي قادتها السعودية ومصر ودول الخليج ضد إيران ‏ 
تحولوا تحولا جذرياء وصاروا ينتقدون هذا النظام» مع كونه يعبر عن طموحاتهم وأهدافهم. 

ولم يكن ذلك الانتقاد وليد بحث علميء ولا تحقيق موضوعيء بل كان مجرد ردة فعل 
لا مسوغلماء ذلك أنهم كانوا يريدون من الخميني أن يتخى عن تشيعه ومذهبه الذي ربي عليه 
ويصبح مالكيا أو شافعيا حتى يتحقق رضاهم عنه. 

وقد عبر عن ذلك سعيد حوى ‏ زعيم الإخوان المسلمين في سورية حينها ‏ حين قال: 
(عندما أنتصر الخميني ظن المخلصون في هذه الآمة أن الخمينية إرجاع للأمر إلى نصابه في حب 
آل بيت رسول الله وتحرير التشيع من العقائد الزائفة والمواقف الخائنة » خاصة وأن الخميني 
أعلن في الايام الأولى من انتصاره أن ثورته إسلامية وليست مذهبية » وأن ثورته لصالح 


18 


المستضعفين ولصالح تحرير شعوب الأمة الإسلامية عامة ولصالح تحرير فلسطين خاصة؛ ثم 
بدأت الأمور تتكشف للمخلصين » فإذا بالخميني هذا يتبنى كل العقائد الشاذة للتشيع عبر 
التاريخ » وإذا بالمواقف الخائنة للشذوذ الشيعي تظهر بالخميني والخمينية » فكانت نكسة كبيرة 
وخيبة أمل خطيرة) 217 
مع أن المواقف التي ذكرها الخميني بعد الثورة هي نفسها التي ذكرها بعد الثورة» ول 
يكن فيها أي غلو ولا شططء وقد تطرقنا إلى ذلك بتفصيل في الجزء السابق من هذه السلسلة. 
وهكذا كان الحال في الجزائر. حيث تأثر الحركيون الجزائريون بدعوة الخميني ومنهجه 
وانتصاراته» لكنهم ‏ للأسف ‏ وبتآثير من السعودية والخليج انقلبوا على ذلك. 
ومن باب الشهادة لله» نذكر أن بعضهمء بل من كبارهم من بقي على نظرته للجمهورية 
الإسلامية الإيرانية» ولنظامهاء ولم يتأثر بذلك الضخ الإعلامي الكبير» ويتربع على رأسهم 
شيخ الحركة الإسلامية في الجزائر الشيخ أحمد سحنون. الذي قال: (إِنَ الإمام الخميني عاش 
في المجد والفخار» وكان صادق العزم وصانع الصحوة الإسلامية)7) 
بل رثاه بقصيدة قال فيها: 
غاب الخميني تب لدنيا تصاب بالموت والدّمار 
لكن مجد الإمام يبقى بلا زوال ولا اندثار 
ما مات من كان كالخميني2 قد عاش للمجد والفخار 
يا قاهر الشاه يا مجيدا طرد العدو من الديار 
يا صادق العزم يا محيلا ‏ ضعف الشعوب إلى انتصار 
نا بائعا فد رةه أحالتع- . اعد" الطغاة .إل انسار 


دق الخميني: شذوذ في العقائد شذوذ في المواقف. سعيد حوى» ص 7. 


)١(‏ موقع رابطة الحوار الديني للوحدة. 


14 


تاق قلوب التسريها .يقن طني اللي والتهار! 
ودُمْ مناراً إلى المعالي أعظم بذكراك من منار! 
طهران بعدك سوف تمضيى 2 تقفو خطاك بلا عثار 
يا رب لا تحرم الخميني 2 من خير دار وخير جار 
ولا تعذّبه يا إلحمي بزمهرير ولا بنار 
فإنّه عاش في جهاد بلا هدوء ولا قرار 
أما موقف قادة الثورة الإسلامية الإيرانية من هذا الاتجاه خصوصا؛ فقد كان موقفا 
طيباء لاشتراكهم معهم في الدعوة لحاكمية الشريعة» ولذا نرى اهتماما كبيرا بكتب سيد قطب» 
وترجمتها للفارسية» بل تولى الترجمة القائد الحالي للجمهورية الإسلامية» السيد علي الخامنئي. 
ومن تلك الكتب التي ترجمها الخامنئي كتاب [المستقبل لهذا الدين] » وجعل عنوانه: 
[بيان ضد الحضارة الغربية]» وقد أثنى في مقدمته كثيرا على سيد قطب ووصفه ب [المفكر 
المجاهد]» وذكر أن كتبه تشكل خطوة على طريق توضيح معالم الرسالة الإسلامية. 
ونحب أن نرد هنا على من يصورون الخميني أو قادة الثورة الإسلامية بمثابة التلاميذ 
والأتباع للفكر الإخواني» وأنهم تأثروا في قولهم بالحاكمية بسيد قطب أو أب الأعلى المودودي. 
أو جماعات الإسلام السياسي» بأن ذلك غير صحيح. 
فكتابات الخميني وبياناته وفتاواه في هذا المجال سبقت سيد قطب وأبي الأعلى المودودي 
بكثر» ومن الأمثلة على ذلك تلك الرسالة التي كتبها الخميني سنة 455١م‏ وفسر فيها قوله 
تعالى: اقل إِنّا أَعِظَكُمْ بوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لله مَثْنَى وَفرَادَى4 [سبأ: 57 ]؛ فقال: (لقد بين الله 
تعالى في هذا الكلام الشريف مسير البشرية» منذ المنزل الأول المظلم للطبيعة وحتى نهاية هذا 
المسير. وهو أفضل موعظة اختارها إله العالم من بين جميع المواعظء واقترح على البشر هذه 
الكلمة الواحدة التي ينحصر فيها طريق إصلاح الدارين وهي: القيام لله الذي بلغ بإبراهيم 


خليل الرحمن منزل الخلّة وأطلقه من المظاهر المختلفة لعالم الطبيعة. لقد خاض إبراهيم في علم 
اليقين حتى قال لا أحب الآفلين.. والقيام لله هو الذي سلّط موسى الكليم بعصاه على آل 
فرعونء ودمّر عروشهم وتيجانهم» وأوصله إلى لقاء المحبوب ومقام الصحو.. والقيام لله هو 
الذي جعل خاتم النبيين # يتغلب ‏ لوحده ‏ على جميع العادات والعقائد الجاهلية» وأزال 
الأصنام من بيت الله» ووضع مكانها التوحيد والتقوى. وأوصل ذاته المقدسة إلى قاب قوسين 
أو أدنى.. وحب الذات وترك القيام لله أوصلانا إلى هذه الأيام السودء وسلطا أهل العام جميعاً 
عليناء وجعلا البلاد الإسلامية تحت نفوذ الآخرين.. فالقيام للمصالح الشخصية هو الذي 
خنق روح الوحدة والأخوّة بين الشعب المسلمء والقيام للنفس هو الذي فرق أكثر من عشرة 
ملايين شيعي وفصلهم عن بعضهمء فأصبحوا لقمة (في أفواه) حفنة من عباد الشهوة الجالسين 
وراء الموائد)127) 

ثم راح يخاطب الأمة بأن تنهض لتعيد الحاكمية لله فقال: (فيا أيها العلماء المسلمون 
الربانيون» أيها العلاء المتدينون. أيها المتحدثون الذين تحبون الشريعة» أيها المتدينون المحبون لله» 
أمها المحبون لله الطالبون للحقء أيها الطالبون للحق الشرفاءء أيها الشرفاء الوطنيون» أيها 
الوطنيون أصحاب الكرامة» اقرأوا موعظة إله العالم» واسلكوا طريق الإصلاح الوحيد الذي 
اقترحه؛ واتركوا المصالح الشخصية كي تنالوا سعادة الدارين جميعهاء وتتمتعوا بالحياة الشريفة 
فيهما.. اليوم يوم هب فيه النسيم الروحي الإلحي. وهو أفضل يوم للقيام الإصلاحي؛ فإذا 
فقدتم الفرصة؛ ولم تقوموا لله ولم تعيدوا المراسم الدينية» فسلّط عليكم غداً حفنة من التائهين 
الراكضين وراء شهواتهم» ويجعلون شريعتكم وشرفكم عرضة لأغراضهم الباطلة» وما هو 
عذركم اليوم أمام إله العالم؟! .. إنكم إذا لم تقوموا من أجل حقكم المشروعء :بض الحمقى 
الفاقدون للدين» وبدأوا في كل ناحية يضربون على وتر عدم التدين» ولسوف يتسلطون عليكم 


)0غ( صحيفة الإمام: ج١‏ ص 0 


5١ 


- أيها المتفرقون ‏ قريباً تسلطاً يجعل أيامكم أصعب من زمان رضا خخان)17) 

الثالثة: الإسلاميون من ذوي التوجهات السلفية» والذين وقفوا منه موقفا سلبيا منذ 
البداية» مع كوههم لم يعارضوا الشاه. ولا إيران في فترة علانيتهاء ولعل من أسباب ذلك تلك 
المواقف الشديدة من قادة الثورة الإسلامية من النظام الملكي» واعتباره بدعة لا علاقة لها 
بالإسلام» على عكس ما يذهب إليه فقهاؤهم الذين تحالفوا مع كل الأنظمة الملكية. 

ومن أمثلة ذلك قول الخميني في أوائل كتبه السياسية: (إِنَ الله تعالى يشير في هذه الآية 
يا لدي اندو ادو اله رطب 1ل فول وَأُولٍ الْأمْرِمِنْكُمْ 4 [النساء: 54] إلى تشكيل 
الحكومة الإسلامية حتى يوم القيامة. وواضح جداً أنه لم يوجب حاكمية أحد غير هؤلاء 
الثلاثة» ولآنه أوجب على جميع أفراد الأمة طاعة أولي الآمر فإنه يجب البحث حول من هم أولو 
الآمر.. إن بعضهم يقول: إنهم الملكوك والأمراء! وإن الله أوجب على الناس طاع سلاطينهم 
وملوكهم! وها نحن نحتكم إلى العقل الذي وهبه الله لنا.. إن إله العالم أرسل نبي الإسلام 
بآلاف الأحكام السماوية» ووضع أسس حكومته على مبدئي التوحيد والعدل. هذا الإله نفسه 
الذي قوى أساس العدل في العالم بتضحيات المسلمين» ومنع المظالم وانتهاك العفة؛ فهل يأمر 
الناس بأن يطيعوا أتاتورك الذي يعرف جميع الناس ماذا فعل بأصحاب الدين وكيف ظلم 
الناس؟! أو يأمر بطاعة بهلوي الذي رأيتم جميعاً ماذا صنع؟! والذي لو أراد أحد أن يعد 
خالفاته الصريحة لله والقرآن فإنه قد يحتاج إلى كتاب.. إن هذا الإله الذي وضع أسس الدين 
والعدل ويأمر بنفسه بهدم هذا البناء» لن يقبله العلاء إلاً عادلاً وقاسطأء وإن مقام الألوهية 
منزه عن هذه الأعمال التافهة)() 


ونحب أن نذكر هنا أن هذا الكتاب [كشف الأسرار]ء وربما بسبب مواقفه الشديدة من 


دلق المرجع السابق» ج١»‏ ص57 . 
)١(‏ كشف الأسرار» ص178.. 


33 


هذا النوع من الأنظمة ترجم ترجمات مشوهة من طرف الاتجاه السلفي» وصارت تلك الترجمة 
هي المصدر الذي يعتمدون عليه في تشويه إيران ونظامه(». 

وهكذا أعلن في كتابه [الحكومة الإسلامية] عن موقفه من هذا النوع من الأنظمة بقوله: 
(فالملكية والحكم الوراثي هي ما أبطله الإسلام وألغاه في صدر الإسلام في ايران وبلاد الروم 
الشرقية ومصر واليمن. ولقد دعا الرسول الأكرم 7 في رسائله المباركة امبراطورية الروم 
الشرقيين (هراكليوس) وملك ايران إلى التخلي عن نمط الحكومة الملكية والامبراطورية» وعن 
إلزام عباد الله بالطاعة والعبودية المطلقة لحم. وليتركوهم ليعبدوا الله الواحد الذي لا شريك 
له» الذي هو السلطان الحقيقي .. الملكية والحكم الوراثي هي ذلك الطراز من الحكم المشؤوم 
والباطل الذي ثار سيد الشهداء # واستشهد من أجل المنع من إقامته» فلقد ثار ودعا جميع 
المسلمين للثورة لكي لا يخضع لولاية عهد يزيد. ولكي لا يعترف رسمياً بسلطنته» فهذه الأمور 
ليست من الإسلام» الإسلام ليس فيه ملكية وحكم وراثي)0©) 

الرابعة: بعض مدارس الشيعة ومراجعهم, والذين تصوروا أن بناء دولة يحكمها الفقيه 
الشيعي» يتنافى مع مبدأ انتظار الإمام المهدي» بل تصوروا أن ذلك سيلغي دوره» ويرفع الحاجة 
لظهوره. 

وقد رد عليهم قادة الثورة الإسلامية ردودا كثيرة» منها قول الخميني مخاطبا ل هم: (من 


)١(‏ أثبت زيف تلك الترجمة بالأدلة الكثيرة د. إبراهيم الدسوقي شتا رئيس قسم اللغات الشرقية وآدابها في كلية الآداب 
بجامعة القاهرة في كتيب بعنوان (كشف الأسرار بين أصله الفارسي والترجمة الأردنية)» نشر كمقال في (مجلة الراصد - تموز ١199م)‏ 
ونشر في الترجمة الجديدة للكتاب من ص17١-759»,‏ وقد كشف المقال عن تحريف خطير ومغرض في الترجمة (الأردنية) بغية تشويه 
صورة الخميني» وتشويه صورة الشيعة والطعن فيهم؛ وقد تم ترجمة كتاب [كشف الأسرار] ترجمة صحيحة معرّبة. 

وقد اشترك في الترجمة الأردنية المحرّفة بشار عواد معروف. ومعه أستاذ الشريعة محمد أحمد الخطيب» ومعهم سليم الحلالي» 
ومعهم الشخصية الوهمية محمد البنداري التي اخترعوها ليكون في واجهة الغلاف بأنه المترجم للكتابء وقد تم هذا بمباركة الألبانٍ 
الذي ألحق فتواه في آخر الطبعة المذكورة بكفر الخميني. 

.١١ص الحكومة الإسلامية»‎ )١( 


3 





ليده م ا ب ل و ال لست 
منحصرة ة ومحدودة بزمانه 2 فهي مستمرة أيضاً بعد رحلته ا يَي. وفقاً للآيات القرآنية 
الكريمة» فإن أحكام الإسلام ليست محدودة بزمان ومكان خاصينء بل هي باقية وواجبة 
التنفيذ إلى الأبد؛ فلم تأت لأجل زمان الرسول الأكرم يي لتترك بعده ولا تنفذ أحكام 
القصاصء أي القانون الجزائي للإسلام. أو لا تؤخذ الضرائب المقررة» أو يتعطل الدفاع عن 
الأراضي والأمة الإسلاميتين» والقول بأن قوانين الإسلام قابلة للتعطيل» أو أنها منحصرة 
بزمان أو مكان محددين خلاف الضروريات العقائدية في الإسلام» وعليه فب أن تنفيذ الأحكام 
ضرورة بعد الرسول الأكرم يي وإلى الأبد. فإن تشكيل الحكومة وإقامة السلطة التنفيذية 
الإدارية يصبح ضروريا» فبدون تشكيل الحكومة» وبدون السلطة التنفيذية والادارية ‏ والذي 
يجعل جميع تصرفات وأنشطة أفراد المجتمع خاضعاً لنظام عادل» وذلك عن طريق تنفيذ 
الأحكام ‏ بدون ذلك تلزم الفوضىء ويتفشى الفساد الاجتماعي والعقائدي والأخلاقيء إذن 
لا مفر من تشكيل الحكومة؛ وتنظيم جميع الأمور التي تحصل في البلاد منعاً للفوضى والتفسخ. 
وعليه فا كان ضرورياً في زمان الرسول يِل وأمير المؤمنين بحكم العقل والشرعء من إقامة 
الحكومة والسلطة التنفيذية والادارية» فهو ضروري بعدهم.ء وفي زماننا أيضاً)() 

ثم راح يسأهم قائلا: (هل يجب أن ت, تبقى الأحكام الإسلامية طيلة فترة ما بعد الغيبة 
الصغرى إلى اليوم حيث مضى أكثر من ألف عام» ومن الممكن أن تمر مائة ألف عام أخرى دون 
أن تقتضي المصلحة ظهور صاحب الأمر ‏ فهل يجب أن تبقى مطروحة وبلا تطبيق» وليعمل 
كل امرئ ما يشاء؟ ولتعم الفوضى؟ فهل كانت القوانين التي جهد الرسول الأكرم يي في سبيل 
بيانها وإبلاغها ونشرها وتطبيقها مدة ثلاث وعشرين سنة» هل كانت لمدة محدودة فقط؟ وهل 
حدّد الله تعالى تنفيذ أحكامه بمدة مئتي سنة فقط؟ وهل ترك الإسلام كل ما فيه بعد الغيبة 


)١(‏ الحكومة الإسلامية» ص. 


3 


الصغرى؟) 

ثم أجاب على ذلك بقوله: (الاعتقاد بأمور كهذه أو إظهارها أسوأ من الاعتقاد أو 
الإظهار للقول بنسخ الإسلام... لا أحد يستطيع القول أنه لم يعد من الواجب الدفاع عن 
حدود وثغور جميع أراضي الوطن الإسلامي.. أو أنه يجب تعطيل قانون الإسلامي العقوبات 
والديات والقصاص. فكل من يقول أنه لا ضرورة لتشكيل الحكومة الإسلامية» فهو منكر 
لضرورة تطبيق الأحكام الإسلامية» ولجامعيتهاء ولخلود دين الإسلام المبين) 

ونحب أن نذكر هنا أن ما قرره الخميني في هذا المجال لا يعني ثورة على التشيع» أو 
تصحيحا له | ذهب بعض الباحثين» وإنها هو فرع أصيل في التشيع» لم تتح له الظروف التي 
تبرزه للواجهة ليؤدي دوره في التغيير السياسي؛ فقد كانت الحكومات المستبدة تمنع الشيعة من 
الحديث في السياسة» وهذا ما جعلهم يوارسون التقية حرصا على بقاء مذهبهم. 

ومثل ذلك حصل في المدرسة السنية» والتي اتفق فقهها السيامي القديم على عرض 
الفقه السياسي» أو السياسة الشرعية انطلاقا من الواقع السياسي, لا من حقيقة الإسلام ذاته. 

بناء على هذا سنحاول في هذا الفصل التعرف على الآدلة التي اعتمدها الخميني وقادة 
الثورة الإسلامية في هذه النظرية السياسية» وكيف ردوا على مخالفيهم, أما الآليات التي نفذت 
بها هذه النظرية» والضوابط التي تحكمهاء فسنتعرض لما في الفصل الثاني. 

وبما أ هناك اتفاقا بين قادة الثورة الإسلامية في إيران مع الحركات الإسلامية ذات التوجه 
السياسي على مواجهة العلانية والدعوة لتحكيم الشريعة الإسلامية؛ فقد ظهرت الكتابات 
الكثيرة التي تخدم الشق الأول من حاكمية الشريعة» وهو حاكمية الفقه الإسلامية» وكونه 
الإطار المرجعي الذي يعتمد عليه في جميع القوانين التي تسنها الدولة. 

أما الشق الثاني» وهو المرتبط بحاكمية الفقيه» ولزوم كونه المشرف على تطبيق الشريعة» 
بل المنفذ لذلك؛ فإن الكتابة فيه حسب| أعلم ‏ بقيت محصورة في قادة الثورة الإسلامية في إيران» 


الذين ألفوا المؤلفات الكثيرة التي تؤصل لهذا الجانب» بل تجعل من حاكمية الشريعة دليلا على 
حاكمية الفقيه» ذلك أنه لا يمكن عزل الفقيه؛ أو التهوين من شأنه في الوقت الذي يراد فيه 
تطبيق الشريعة؛ مثل| لا يعزل الطبيب أو المهندس عن مجاهها. 

ومن المؤلفات التي ألفت في ذلك» وكانت مصدرا من مصادر التأصيلات والتنظيرات 
المرتبطة بولاية الفقيه» وما يصحبها من حاكمية الشريعة كتاب [الحكومة الإسلامية أو ولاية 
الفقيه] للإمام الخميني» والذي كان عبارة عن دروس فقهية ألقاها على طلاب العلوم الدينية 
في النجف. وتحدث فيه بتفصيل عن الأدلة الكثيرة على ولاية الفقيه» وعلى التحريقات التي 
حاولت أن تزيل الجانب السياسي من الدين» وذكر فيه الأدلة العقلية والشرعية الموجبة لتشكيل 
الحكومة» ى| تحدث فيه عن نظام الحكم الإسلامي, وشروط الحاكم المسلم» والدور الذي يجب 
على العلماء القيام به لتحقيق ذلك في الواقع. 

وقد لاقى الكتاب ‏ منذ صدوره ‏ ردود فعل مختلفة من الإيرانيين وغيرهم. حيث أنه في 
الوقت الذي استقبل فيه استقبالا طيبا من العلاء وطلبة العلم الذين شكلوا فيا بعد الأساس 
الذي قامت عليه الثورة الإسلامية الإيرانية» استقبل استقبالا قاسيا من المعارضين سواء كانوا 
من السياسيين أو رجال الدين التقليديين الذين يرون أنه ليس عل الفقيه أن يتحدث في 
السياسة» ولا أن يمارسها. 

وقد ذكر نجل الخميني السيد أحمد بعض تلك المواقف, فقال: (أما [الحكومة الإسلامية 
أو ولاية الفقيه] فهو مجموعة تضم )١5(‏ درساً من دروس الإمام التي ألقاها في الحوزة العلمية 
في النجف. وعندما شرع الإمام في بحث ولاية الفقيه بدأ اعتراض الرجعيين في تلك الحوزة» 
فحركوا بعض الأشخاص لكي يترك الدرس عدد من الذين يحضرون هذه الدروسء وقد 
نجحوا في ذلك مع الأسفء. إذ قال الإمام: إن بعضهم لم يحضر منذ بداية هذا الدرس وحتى 
نهايته لأنهم كانوا يعتقدون ‏ حت بأنه يجب أن يحكم الشاه وصدامء وليس الإمام والمجتهد 


*”5 


الجامع للشرائط» فكانوا يقولون: إن الحكومة ليست من شأن الفقيه! وكم لاقى منهم أصحاب 
الإمام الخلْص من عذاب ومتاعبء وبدأت النزاعات فضايقوا الإمام وآذوه» ولكنه لو كان 
يمكن للإمام أن يعطل أعماله بسبب هذه الأمور لما انتهى به الأمر إلى النجف. ولترك الجهاد 
ضد الشاه ونظامه وهو في قم)(1) 

وقد ذكر موقف الخميني من تلك التشنجات التي أبداها المخالفون له؛ فقال: (لقد سمع 
الإمام مثل هذا الكلام كثيراً» ولذلك فعندما كان أصحابه القليلون الصابرون والصامدون 
المخلصون ينفد صبرهم وتتعبهم الشتائم» كانوا يأتون الإمام ليستلهموا منه روحاً جديدة» 
فيقول لهم: عليكم بالاستمرار في عملكم ولا تنصتوالهذه الأقوال. إتكم مسؤولونء وواجبكم 
العمل وفقاً لمسؤوليتكم وتحمل الصعاب والشتائم بصدر رحب. من أجل خلاص المسلمين» 
وعليكم أن لا تتركوا عملكم الصالح مهما قالوا لكم ومهما ضايقوكم؛ فلن يكون ذلك بمقدار 
يوم واحد من الصعاب التي تحملها الرسول ##. فكان أصحابنا القليلون يعالجون قلة عددهم 
برفع عزائمهم, ويغادرون الإمام بإرادة من حديد)(”) 

وذكر السيد أحمد كيف استقبل الكتاب في إيران» وموقف السلطات الحاكمة منه؛ فقال: 
(وفي الوقت نفسه قام أصحاب الإمام الموجودون بالآلاف في حوزة قم العلمية بطبع هذه 
الكتب وتوزيعها بكل قدرتهم» وحتى إن السيد لاجوردي مدعي عام طهران (سابقاً) باع 
الكراسات التي تحتوي على هذه الدروس (دروس الإمام في الحكومة الإسلامية) في محلّه علناً. 
واعتقل بعد ذلك.. لقد انتتشرت هذه الكتب بسرعة البرق في جميع الحوزات العلمية والمحافل 


الدينية» وبذل المرحوم آية الله الرباني الشيرازي جهداً كبيراً في نشر هذا الكتاب. وما أحسن ما 


. لمحة عن عبادة الإمام ومؤلفاته» السيد أحمد الخميني» مقال من كتاب: الإمام الخميني قدوة» ص5‎ )١( 


زفق المرجع السابق» ص/7. 


3 


أدى أنصار الإمام في إيران رسالتهم مع وجود التعذيب والسجن والنفي)22(7 

ويمكننا اعتبار هذا الكتاب هو المصدر الأكبر الذي ضم أكثر الأدلة وأقواها على 
مشروعية ولاية الفقيه» ولذلك كان له تأثيره كبيرا في الأوساط الإيرانية خصوصاء بل كان 
السبب الأكبر في جعلها مستعدة لتقبل هذا النظام الجديد» وهو ما يرد بقوة على تلك 
الأطروحات التي تصور قادة الثورة الإسلامية في إيران منقلبين على الشعب الذي وقف معهم. 
ذلك أن أطروحاتهم واضحة من خلال هذا الكتاب وغيره من الكتب والبيانات التي كانت 
تصدر على كل حين» وسنرى تفاصيل ذلك في الفصل الثاني من هذا الكتاب. 

ومن الكتب التي أصلت لهذا النظام كتاب [الإمامة والولاية: قيادة المجتمع الإسلامي 
ومسؤولية المسلم] للقائد الحالي للثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي» وقد ذكر فيه الكثير من 
المسائل المؤصلة لهذا النظام انطلاقا من القرآن الكريمء بالإضافة إلى ذكره لشروط الولي الفقيه 
وصفاته وغير ذلك. 

ومنها كتاب [أساس الحكومة الإسلامية] للسيد كاظم الحائري» وهو عبارة عن دراسة 
استدلالية مقارنة بين الديمقراطية والشورى وولاية الفقيه» وقد ذكر فيه ولاية الفقيه» وأثبتها 
من خلال ذكر شروط الولاية» ثم إجراء مقارنة بين الشورى وولاية الفقيه. 

ومنها كتاب [الأسس المهمة في النظام الإسلامي] للشيخ محمد علي التسخيري» وقد 
تطرق فيه إلى الكثير من التأصيلات لهذا النظام ابتداء من الرؤية الكونية» وانتهاء بتطبيقاته 
العملية. 

ومنها كتاب [الإرشاد إلى ولاية الفقيه] للسيد يوسف المدني التبريزي» وهو بحث 
استدلالي حول ولاية الفقيه» تحدث فيه عن أهمية الفقيه في الروايات» ثم عن ولاية النبي 6 
وأئمة أهل البيت؛ ثم تحدث عن ولاية الفقيه» والاستدلال عليها من الروايات» وني الكتاب 


2000 المرجع السابق» ص/7. 


371 


مباحث تفصيلية مهمة كمسألة القضاءء والفرق بين الحكم والفتوى» والتصرف بأموال 
الخمسء ومسألة الحدود والتعزيرات» إلى غير ذلك من المباحث المهمة. 

ومنها كتاب [الدولة الإسلامية] للشيخ عبد المنعم مهناء وهو بحث في ولاية الفقيه» 
تحدث فيه عن ولاية الفقيه في تاريخ الفقه الشيعي وتطوره؛ وفي كتب أهل السنة» ثم تحدث عن 
أدلة ولاية الفقيه في الكتاب والسنة والإجماع والعقل» ثم عن شروط الولي» مع مسائل أخرى 
مهمة مثل الفرق بين الحكم والفتوىءو حالة تساوي الفقهاء هل تنتج الشورى» ورأي 
الأكثرية» هل يلزم مشاورة الفقيه للعلماء؟ وغيرها من المسائل. 

ومنها كتاب [ولاية الفقيه والنظام الدستوري الإسلامي] للشيخ جعفر حسن عتريسي. 
وبحث فيه عن صفات الولي» وكون الإسلام مشروع حكم في ظل ولاية الفقيه» وعن 
صلاحيات الولي» وضرورة الدستورء وخصائص الدولة المعاصرة عبر أوجهها المختلفة» 
كالنظام البرلماني والرئاسي والماركسي والديمقراطي» وتحدث عن مبداً الفصل بين السلطات» 
مشيراً إلى السلطة التشريعية والتنفيذية والقضائية في النظام الإسلامي؛ ومبدأ فصل السلطات 
من وجهة النظر الإسلامية» ومتحدثاً عن الديمقراطية والشريعة الإسلامية. 

وغيرها من الكتب الكثيرة(27» والتي حاولنا الاستفادة منها جميعا في التعرف على حقيقة 
ولاية الفقيه» والآدلة الشرعية عليهاء وإن كان تركيزنا خصوصا على كتاب [الحكومة 
الإسلامية] للخميني باعتباره المصدر الذي رجع إليه كل من تحدث عن ولاية الفقيه. 

بناء على هذا سنلخص هنا مجمل الأدلة على كلا الفرعين في حاكمية الشريعة الإسلامية: 
حاكمية قوانين الشريعة» وحاكمية الفقيه من خلال طروحات قادة الثورة الإسلامية الإيرانية» 
وخصوصا الإمام الخميني. 

أولا ‏ التأصيل الشرعي للحكومة الإطية: 


.١ 58 انظر مقالا بعنوان: كتب في ولاية الفقيه» عباس رشيدء مجلة بقية الله السنة الثالثة عشرء العدد‎ )١( 


>39 


عند استقراء ما كتب حول البراهين الدالة على وجوب تطبيق الشريعة الإسلامية في 
المجال السياسي» وما يرتبط به من مجالات» نجد صنفين من الآدلة: 

أوها ‏ أدلة عقلية وواقعية تحاول أن تخاطب جماهير الناس بمختلف مشاريهم حتى 
العلمانيين منهم, لتثبت لهم أن الشريعة في حال تطبيقها الصحيح ‏ لا تتعارض مع أي مصلحة. 
ولا تتسبب في أي مفسدة» بل هي تضمن تحقيق جميع المصالح» وبأقل التكاليف. وبأجمل 
الصور. 

ثانيها ‏ الأدلة النصية» وهي الأدلة الواردة في القرآن الكريم والسنة المطهرة وما يفسرها 
من الروايات والشروح وأقوال الفقهاءء وهي تتوجه للمسلمين الملتزمين خصوصاهء لتبين لهم 
أن الشريعة التي آمنوا بها شريعة شاملة لجميع مناحي الحياة» ولذلك لا يصح أن يتوجه 
المؤمنون لله بالعبادة في صلاتهم وصومهم. في نفس الوقت الذي يضيعون فيه أوامر الله المرتبطة 
بالثقافة والاقتصاد والسياسة وسائر شؤون الحياة. 

وقد استعمل قادة الثورة الإسلامية الإيرانية كلا الأسلوبين في البرهنة على وجوب 
تطبيق الشريعة الإسلامية» واعتبار أحكامها قوانين قطعية تخضع لما كل المؤسسات. ولا خيار 
ها في تطبيقهاء باعتبارها أوامر الله ورسولهء وقد قال تعالى: وما كَانَ يُؤْمِنَ وَلَا مُؤْمِئَة ذا 
ََى الله وَرَسُولَهُ أَمْرًا أَنْيَكُونَ كَمُ الخيرَة من أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْص الله وَرَسُولَه َقَدْ ضَلَّ ضَكلًا 
مين [الأحزاب: 5"] 

وسنحاول هنا باختصار أن نورد كلا الصنفين من الأدلة من خلال المصادر التي سبق 
ذكرها. 

١‏ البراهين العقلية والواقعية على شرعية الحكومة الإلهية: 

تنطلق كل القوانين الوضعية» والفلسفات التي تقوم عليها من محاولة الوصول 
بالمجتمعات إلى تحقيق النظام والسعادة والرفاه» وتحاول أن تبحث عن أقرب السبل التي 


يمكنها تحقيق ذلك؛ من غير أن تصطدم بأي عقبة» لكنها لم تفلح في تحقيق ذلك في الواقع 
نتيجة تنوع البشر واختلاف مصالحهم وأذواقهم وطبائعهم وتصوراتهم للحياة» بحيث 
يستحيل أن يرضى الجميع بنظام واحد. 

وقد نقل العلامة الكبير وحيد الدين خان في كتابه [الإسلام يتحدى] عن فلاسفة 
القانون الغربي الاعتراف بهذا الإشكال الكبير» وقدم لذلك بقوله: (السؤال الأسامي الذي 
يفرض نفسه عند البحث في المشكلات الحضارية يكون دائم| عن التشريع أو الدستور» فهذه 
المشكلات تنشأ عن علاقة الفرد بغيره» والتشريع هو الذي يحدد هذه العلاقة على أساس من 
العدل والانصافء. ولكن من المذهل أن أقول: إن الانسان لم يفلح إلى الآن في الكشف عن 
دستور حياته! صحيح أن جميع الدول في العالم قائمة على أسس الدستور؛ ولكن هذه الدساتير 
محفقة تماما في الوصول الى أهدافهاء بل لايوجد هناك مايسوغ وجود هذه الدساتير سوى أنها 
تنفذ بالقوة والاجبار» ومن الحقائق المعروفة لرجال القانون أن جميع الدساتير الرائجة في هذا 
العصر تفقد أية أسس علمية أو نظرية تجيز بقاءها)(1» 

وهو ينقل من المصادر الغربية اعترافها بالعجز عن الوصول إلى القانون الحقيقي المبني 
على أصول نظرية وفلسفية مسلّم بهاء حتى أن الأستاذ (فولر) مؤلف كتاب (القانون يبحث 
عن نفسه)» قال: (إن القانون لم يكشف عن نفسه بعد!)27) 

ويذكر أنه (وضعت كتب لاحصر لما حول هذا الموضوع بالذات؛ وبذلت عقول جبارة 
من علمائنا أوقاتها في سبيل البحث عن مقومات القانون. وكا يرى محرر (موسوعة تشامبرز) 
(لقد أعطى القانون أهمية علم هام» حتى رفع من شأنه الى أقصى الحدود)»ء ولكن كل هذه 
الجهود لم توفق في الحصول على صورة متفق عليها من القانون» وقد تشعبت بهم السبل» حتى 


20200 الإسلام يتحدى» ص6 .١6‏ 


زفق المرجع السابق» ص5 .١9‏ 


7١ 


قال خبير في التشريع: (لو طلبت من عشرة خبراء أن يعرفوا القانون» فعليك أن تستعد لسماع 
أحد عشر جوابا!!)(00) 

وبناء على هذا انقسم خبراء التشريع الى مدارس فكرية كثيرة؟ والسبب في ذلك كما 
يرىء وكما ينقل عن فلاسفة الغرب هو (عدم توصلهم الى أساس صحيح يمكن إقامة صريح 
التشريع عليه إنهم يجدون أن القيم التي يحاولون جمعها في هيكل الدستور يستحيل وضعها في 
ميزان واحد. ومثل رجل القانون في محاولته هذه كمثل الرجل الذي يزن مجموعة من الضفادع 
بمجموعة أخرى مماثلة؛ فكلا وضع مجموعة في كفة وجد أن ضفادع الكفة الثانية قد وثبت الى 
الماء مرة أخرىء ومن ثم باءت كل الجهود التي استهدفت الحصول على الدستور المثالي بالفشل 
الذريع) 7 

أو كما عبر عن ذلك الأستاذ (و. فريدمان) بقوله: (إنها لحقيقة: أن الحضارة الغربية ل 
تجد حلا لهذه المشكلة غير أن تنزلق من وقت لآخرء من نهاية الى أخرى) 

وبناء على هذا ذهب الكثير من فلاسفة التشريع إلى أن القانون لا ينطلق من أسس 
فلسفية ولا علمية» وإن| ينطلق من السلطة والغلبة» فالمتغلب هو السيد الذي يمكنه أن يضع 
القوانين» ويمكنه أيضا أن يفرضهاء حتى لو لم تكن متناسبة مع طبائع المجتمعات التي يفرضها 
عليهاء وقد نقل وحيد الدين خان عن (جون آستين) قوله: (إن الدستورء أي دستورء لايصبح 
نافذ المفعول الا اذا كانت تسنده قوة من ورائه)» ولذلك عرف (القانون) في كتابه» الذي نشر 
لأول مرة عام »187١‏ بقوله: (القانون هو الحكم الذي أصدره رجل رفيع المنزلة سياسيا لمن 


هو أدنى منه ف المرتبة السياسية) 090 


دلق المرجع السابق» ص5 .١9‏ 
إفرفق المرجع السابق . ص91١.‏ 


إفرفق المرجع السابق» ص91١.‏ 


7 





ويذكر وحيد الدين خان أن هذا النوع من القوانين عورض بموقف آخر معاكس تماما 
لهء وهو أن الشعب هو الذي يمكنه أن يسن القوانين التي يمكنها أن تطبق عليه» لكن هذا 
أيضا اصطدم باختلاف أذواق الشعوب ومشاربها وتصوراتها للحياة» (وترتب على ذلك أن 
ضوابط كثيرة» يجمع على صحتها وإفادتها جميع أهل العلم ومعلمي الأخلاق لايمكن تنفيذهاء 
لآن الشعب لايوافق عليهاء وعلى سبيل المثال لم يتمكن الأمريكيون من إدخال مشروع قرار 
يحرم الخمرء لأن الشعب لم يرض عنه.. كم| اضطر البريطانيون إلى إدخال تعديلات هامة في 
قانون عقوبة القتلء واضطروا الى إباحة أنواع محرمة من العلاقات الجنسية» على الرغم من 
ضجيج المثقفين» واحتجاج علاء القانون!0 207 

وهكذا نرى عجر العقل البشري عن تحديد القوانين المناسبة التي تحكمه. والتي يمكنها 
أن توفر له السعادة والرفاه» وفي نفس الوقت تحمي القيم الإنسانية والاجتاعية والأخلاقية من 
أن تنهار وينهار معها الإنسان» مثل) هو حاصل في المجتمعات الغربية التي أتاحت كل أنواع 
الشذوذ إرضاء للأذواق التي لا يعجبها إلا الشذوذ. 

وقد استعمل قادة الثورة الإسلامية هذه المعاني لإقناع الشعب الإيراني بعقلانية تحكيم 
الشريعة» ذلك أنها وحدها من يراعي المصالح جميعاء مصالح الدنيا والآخرة» ولا يصطدم بأي 
مشكلة كتلك المشكلات التي اصطدمت بها المجتمعات الغربية. 

وقد ذكر الخميني أن السبب وراء الغفلة عن هذا مع كونه من البديهيات التي يذعن لها 
كل مسلم يعترف لله بالعبودية» اليهود والاستعار بأشكاله المختلفة» يقول في ذلك: (لقد 
ابتليت النهضة الإسلامية منذ انطلاقتها باليهود» فهم الذين شرعوا أولاً بالدعاية ضد الإسلام 
وبالدسائس الفكرية بنحو وصل مداه إلى أيامنا هذه. ووصل الدور بعدهم إلى طوائف هم 
بمعنى من المعاني ‏ أكثر شيطنة من اليهود» وهؤلاء استطاعوا الوصول إلى البلاد الإسلامية على 


دلق المرجع السابق . ص9/8١.‏ 


رن 


شكل استعمار منذ ثلاثة قرون أو أكثرء وقد رأوا أنه من اللازم لكي يصلوا إلى مطامعهم 
الاستعمارية أن مبيئوا الأرضية للقضاء على الإسلام. ولم يكن هدفهم إبعاد الناس عن الإسلام 
تقوية النصرانية» لأن هؤلاء لا يعتقدون بالنصرانية ولا بالإسلام» لكنهم ‏ وطوال هذه المدة 
وأثناء الحروب الصليبية ‏ شعروا أن الذي يقف سداً أمام مصا حهم المادية» ويعرّض مصالحهم 
المادية وقواهم السياسية للخطر هو الإسلام وأحكامه وإيان الناس به. فقاموا بالدعاية والدس 
ضد الإسلام بمختلف الوسائل» وقد تعاضد في العمل على تحريف حقائق الإسلام رجال 
الدين الذين أوجدوهم في الحوزات العلمية» والعملاء الذين كانوا يعملون لهم في الجامعات 
والمؤسسات الإعلامية الحكومية أو مراكز النشر والمستشرقين الذي هم في خدمة الدول 
الاستعمارية» فهؤلاء جميعاً تكاتفوا في ذلك بنحو صار فيه الكثير من الناس والمثقفين في حالة 
من الضياع والانحراف عن الصواب تجاه الإسلام) 227 

ويذكر الدور السلبي الذي قام به رجال الدين نتيجة تجاهلهم لما ورد في النصوص 
المقدسة من الأحكام المرتبطة بجميع شؤون الحياة» فقال: (إن هذا التصور الخاطئ عن 
الإسلام الذي يلقي في أذهان عامة الناس» والشكل الناقص الذي يعرض فيه الإسلام في 
الحوزات العلمية هدفه سلب الخاصية الثورية وا حياتية للإسلام؛ ومنع المسلمين من السعي 
للقيام والتتحرك والثورة» ومن أن يكونوا متحررين وساعين لتطبيق الأحكام الإسلامية» ومن 
أن يؤسسوا حكومة تؤمن سعادتهم ويكوّنوا الحياة اللائقة بالإنسان» فكانوا يشيعون مثلاً أن 
الإسلام ليس ديناً جامعاًء فهو ليس دين حياة» وليس فيه أنظمة وقوانين للمجتمع؛ ولم يأت 
بنظام وقوانين للحكم.ء الإسلام أحكام حيض ونفاس فحسبء وفيه بعض التوجيهات 
الأخلاقية أيضاًء لكن ليس فيه شيء مما يرتبط بالحياة وإدارة المجتمع» ومن المؤسف أن دعاياتهم 
العة هذه سد ا ترك وصالن: حهاذ عرو ساف النانى»فإن الطيقة لقف سواه بون الكاممية أن 


.٠١ص الحكومة الإسلامية»‎ )١( 


5 


الكثير من رجال الدين لم يفهموا الإسلام جيداً وهم يمتلكون تصورات خاطئة تجاهه. 
والناس يجهلون الدين» | يجهلون الأشخاص الغرباء عنهم. فالإسلام يعيش بين شعوب 
الدنيا بغربة ا أنه لو أراد الانسان أن يعرض الإسلام ىا هو فلن يصدقه الناس بسرعة» بل 
تواجهه أصوات الاستعمار في الحوزات بالضجيح والغوغاء)(2© 

ثم يذكر الخميني كثرة ما ورد في النصوص المقدسة من الأحكام المرتبطة بشؤون الحياة 
المختلفة» مقارنة بين ما ورد في الشعائر والعبادات التي استغرق الفقهاء جل وقتهم في الاهتمام 
بهاء مع تضييع الجوانب الأخرى؛ فيقول: (ولكي يتضح شيئاً ما عظم الفرق بين الإسلام وبين 
ما يعرض على أنه الإسلام ألفت نظركم إلى التفاوت الموجود بين القرآن الكريم وكتب 
الحديث, والتي هي مصادر الأحكام والقوانين من جهة» وبين الرسائل العملية التي تكتب من 
قبل مجتهدي العصر ومراجع التقليد من جهة أخرى من ناحية الجامعية والتأثير الذي يمكن أن 
تتركه في الحياة الاجتاعية» فنسبة الاجتاعيات في القرآن للآيات العبادية تتجاوز المئة مقابل 
واحدء | نجد أنه في كتب الحديث التي تشتمل الدورة منها حوالي خمسين كتاباً وتحتوي على 
جميع الأحكام الإسلامية» نجد أن هناك ثلاثة أو أربعة كتب حول عبادات الانسان ووظائفه 
تجاه ربه وشيئاً من الأحكام الأخلاقية» والباقي كله مما يتعلق بالأمور الاجتماعية والاقتصادية 
والحقوق السياسية وتدبير المجتمع) 7") 

وهكذا؛ فإن الخميني ‏ من خلال هذا النص ‏ يعرض دليلا عقليا وواقعيا ملموسا 
للمسلمين» بل لغيرهم أيضاء يمكن تقريره بأن الذين أذعنوا باختيارهم لقوانين الله المرتبطة 
بشعائرهم التعبدية على الرغم من المشاق الكثيرة التي تصيبهم من جرائهاء لا يعجزون عن 
الإذعان لقوانين الله المنظمة لحياتهم» بل إن استجابتهم لها ستكون أكثر فاعلية من استجابتهم 


دلق المرجع السابق» ص١١.‏ 
0( المرجع السابق» ص١١.‏ 


لأي قوانين أخرى. وبذلك فإن المجتمع المسلم لن يحتاج في تطبيقه للقوانين إلا إثبات كونها 
قوانين الله حتى يسلم لما عن طواعية ورضا. 

وانطلاقا من هذا يوجه الخميني خطابه للدعاة بأن يركزوا على هذه المعاني أثناء دعوتهم 
للحكومة الإلهية» ذلك أن الحائل بين المجتمعات الإسلامية وتطبيق الشريعة» ليس المعاندة» 
وإنما الجهل» ولو أنهم علموا أن الشريعة تحوي أحكاما سياسية واقتصادية» لما فرطوا في الإذعان 
والتسليم لها مثل| يفعلون في الأمور الأخرى, يقول الخميني: (أنتم أيها السادة يا جيل الشباب» 
الذين ستكونون مفيدين لمستقبل الإسلام انشاء الله» عليكم أن تكونوا بعد هذه النقاط الموجزة 
التي أبينها لكم مجدّين طوال حياتكم في بيان انظمة الإسلام وقوانينه» وأطلعوا الناس ‏ بأي 
شكل ترونه مفيداً كتابة أو مشافهة على المشاكل التي ابتلى بها الإسلام منذ بداية نمضته. وعما 
لديه الآن من أعداء ومصائبء لا تتركوا حقيقة الإسلام وماهيته مستورة كيلا يتصور أحد أن 
الإسلام كالمسيحية يمثل ‏ بالاسم لا بالحقيقة ‏ عدة قوانين حول العلاقة بين الله والناس 
فحسب: وأن المسجد لا يختلف عن الكنيسة) () 

ويبين لمهم ما عساهم أن يذكروه لربط الناس بأحكام الشريعة في جميع مجالات الحياة» 
وتحبييهم فيهاء ليصبحوا الحاضنة التي توفر الرعاية للحكومة الإسلامية عند نشوثها؛ فيقول: 
(في ذلك الوقت الذي لم يكن فيه الغرب شيئاً يذكرء وكان أهله يعيشون في حالة من التوحش» 
وكانت أمريكا موطناً للهنود الحمر شبه المتوحشين» وكانت امبراطوريتا الفرس والروم تحت 
سيطرة الاستبداد والطبقية وسلطة الأقوياء» ولم يكن فيها من أثر لحكومة الشعب والقانون 
أرسل الله تعالى من خلال رسوله الأكرم ## قوانين تدهش الإنسان بين فترة ما قبل انعقاد نطفته 
إلى ما بعد دفنه» ووضع قوانين للوظائف العبادية» وجعل للأمور الاجتاعية والإدارية قوانين 


وطرق ورسوم, فحقوق الإسلام حقوق راقية ومتكاملة وجامعة والكتب الموسوعية التي 


)020( المرجع السابق» ص١١.‏ 


75 


لت من قديم الزمان في مختلف المجالات الحقوقية بدءاً من أحكام القضاء والمعاملات 
والحدود والقصاص إلى العلاقات بين الشعوب, ومقررات السلم والحرب والحقوق الدولية 
العامة والخاصة إن| هي غيض من فيض الأحكام والأنظمة الإسلامية» ليس ثمة موضوع م 
يضع له الإسلام تكليفاًء وم يصدر حوله حكا) 2١‏ 

وهو يرد بقوة على تلك القوانين المستوردة التي تحكمت في بلاد المسلمين» من غير أن 
تكون لهم أي علاقة تربطهم بهاء ولا أي انسجام نفسي يجعلهم ينساقون لتنفيذهاء ويضرب 
المثل على ذلك با وقع في إيران عند تدوين الدستور؛ فيقول: (عندما أرادوا تدوين الدستور في 
أوائل المشروطة اقترضوا المجموعة الحقوقية البلجيكية من سفارة بليجكاء وقام عدة أشخاص 
(ولا أريذ أن أذكر هنا أية أسباء) بكتابة الدستون في تلك المجموعة 'ورتموا نقائصه من 
المجموعات الحقوقية لفرنسا وانجلتراء ومن أجل خداع الشعب ضموا إليه بعض الأحكام 
الإسلامية» فقد اقتبسوا أساس القوانين من هؤلاء وأعطوها لشعبناء فمواد الدستور هذه 
ومتمماتها المتعلقة بالملكية» والحكم الوراثي» وأمثال ذلك أين هي من الإسلام» فهذا كله ضد 
الإسلام ويناقض نمط الحكومة الإسلامية وأحكامها) 7) 

ويرد على تلك الشبه التي تصور الشريعة با ينفر عنها؛ فيقول: (يكتبون أحياناً في كتبهم 
وجرائدهم أن الأحكام الجزائية في الإسلام أحكام خشنة.. إن أعجب لمؤلاء كيف يفكرون! 
فمن جهة عندما يقتلون عدة اشخاص لأجل عشر غرامات من الهيروئين يقولون إنه القانون.. 
وعندما توضع هذه القوانين المخالفة للانسانية تحت شعار أخهم يريدون منع الفساد لا يكون 
فيها خشونة.. أنا لا أقول دعوهم يبيعوا ال ميروئين» ولكن ليس هذا جزاءه» يجب منعه. لكن 


يجب أن تكون عقوبته متناسبة معه» إذا ضرب شارب الخمر ثُانين جلدة فهذا أمر فيه خشونة» 


)020( المرجع السابق» ص١١‏ . 
0( المرجع السابق» ص١١‏ . 


7 


أما اذا أعدموا إنساناً أجل عشرة غرامات من الميروئين فلا خشونة في الأمر! مع أن الكثير من 
المفاسد التي ظهرت في المجتمع هي من شرب الخمر» فالكثير من حوادث السير التي تقع في 
الطرقات» وعمليات الانتحار والقتل سبيها شرب الخمر) () 

وهكذا يذكر الجرائم البشعة التي مارسها الغرب مع الشعوب المستضعفة» والتي تدل 
على انسلاخه من كل معاني الإنسانية» ويبين أن إقصاء الشريعة الإسلامية عن الحياة جزء من 
تلك الجرائم» حتى تبقى الشعوب خاضعة للغرب يستولي على ثرواتهاء ويتحكم فيهاء يقول في 
ذلك: (المخطط هو أن يبقوناء وعلى ال حال التي نحن فيها من الحياة المنكوبة لكي يتمكنوا من 
استغلال ثرواتنا ومنابعنا الطبيعية وأراضينا وطاقاتنا البشرية» يريدون لنا أن نبقى غرقى في 
المشاكل والعجزء وأن يبقى فقراؤنا مبذه التعاسة» ولا يخضعوا لأحكام الإسلام التي تحل 
مشكلة الفقر والفقراء» ولكي يبقواهم وعملاؤهم في القصور الفخمة مستمرين في تلك الحياة 
المرفهة. تلك مخططات قد وصل مداها حتى إلى الحوزات الدينية والعلمية» بشكل لو أراد 
الانسان أن يتكلم حول الحكومة الإسلامية ووضع حكومة الإسلام فيجب عليه أن يستعمل 
التقية» وأن يواجه معارضة أذناب الاستعمار كما أنه عندما طبعت الطبعة الأولى من هذا 
الكتاب انتفض عملاء السفارة (سفارة نظام الشاه في العراق» وقاموا بتحركات يائسة. 
وفضحوا أنفسهم أكثر فأكثر. والآن وصل بنا الحال إلى أن صاروا يعتبرون لباس الجندي منافياً 
للمروءة والعدالة مع أن أئمة ديننا كانوا جنوداً وقادة ومقاتلين. وكانوا يذهبون إلى الحروب 
التي تسردها كتب التاريخ وهم يرتدون بزة الحربء وكانوا يقتلون ويقدمون القتلى. وأمير 
المؤمنين كان يضع الخوذة على رأسه المبارك» ويلبس الدرع وكان لسيفه حمائل. وهكذا كان 
الإمام الحسن وسيد الشهداءء ولم يفسح المجال في| بعد وإلا لكان الإمام الباقر بهذا النحو 
أيضاًء ووصل بنا الحال الآن إلى أن صار ارتداء لباس الجندي مضراً بالعدالة وصار ممنوعاً» وإذا 


دلق المرجع السابق» ص١١‏ . 


78 


أردنا اقامة حكومة إسلامية فيجب علينا أن نقيمها مبذه العباءة والعامة» والا كان ذلك خلاف 
المروءة والعدالة. إنها تأثيرات تلك الدعايات» وهي التي وصلت بنا وأوصلتنا إلى هنا بنحو 
صرنا بحاجة إلى تجشم المشقات لنثبت أن الإسلام يمتلك قواعد للحكومة) (© 

هذه بعض المناهج التي استعملها الخميني في الدعوة للحكومة الإسلامية من خلال 
تخاطبة العقول والمشاعر حتى تسجيب هذا المعنى» وتوفر الحاضنة التي يمكنها أن تتقبل هذا 
النوع من الحكم, وقد آنت دعواته أكلهاء حيث استجاب أكثر الشعب الإيراني أثناء الاتتخاب 
على الدستور على هذا النظام ووافق عليه على الرغم من تعدد مشاربه ومذاهبه وأعراقه وأديانه» 
وذلك لثقتهم من أن الشريعة الإسلامية يمكن أن تستوعبهم جميعاء وتفيدهم جميعا. 

ومن النواحي التي لها علاقة عظيمة بهذا الجانب» وخاصة لدى المسلمين المتدينين ما 
يرتبط بالجانب الأخروي في تطبيق الشريعة» وهو ما عبر عنه المرجع الديني الكبير كاظم 
الحسيني الحائري(2 في كتابه [أساس الحكومة الإسلاميّة]؛ فقال: (تتابعت البحوث حول 
أفضل أشكال الحكم وأسسها التي تضمن إيصال البشرية إلى ساحل السعادة ورفع أنماط الظلم 
والتعدي التي ابتليت بها على مر التاريخ» وقد أغفل الباحثون غير المسلمين حول هذه المسألة 
عنصرين هامين لما أكبر الأثر في تشخيص أساس الحكم وشكله. وهما: السعادة في الحياة 
الأخرى. وتحقيق رضا الله تعالى» ولقد أثبتت التجارب الطويلة الأمد وستثبت أكثر فأكثر أن 
السعادة البشرية في الحياة الدنيا لا يمكن أن تنال مالم يرس شكل الحكم على أسس مستوحاة 
من الله جل وعلا العليم بأدواء البشرية الخبير بصلاحها الناجع. هذاء فضلاً عن سعادة الآخرة 
أو تحقيق رضا الله سبحانه) ”© 


إدلق المرجع السابق» ص9١.‏ 
(1) هو مرجع شيعي عراقي مُعاصر مقيمٌ بمدينة قم؛ وهو أحد أبرز تلاميذ محمد باقر الصدر. 
(') أساس الحكومة الإسلاميّة» الجائري» ص 0.. 


0 





ويضرب المثل على ذلك با يقع في الغرب نتيجة انحرافه عن الفطرة الإنسانية التي لا 
يمكن أن تجد سعادتهاء وهي بعيده عن الله يقول في ذلك: (وها نحن نرى العالم يغرق في بحر 
من الظلم والعذاب ويتهدده خطر الفناء والدمار ‏ في أي لحظة ‏ رغم كل ما طرحه مفكروه 
الكبار من مناهج وصيغ تحاول التخطيط لنظام الحكم على ضوء التجارب الاجتاعية الممتدة 
عبر المسيرة التاريخية» ورغم توفر كل الوسائل المادية للراحة وتقدم مستوى الصناعة والتكنيك 
الى مدى بعيدء كل ذلك لم يستطع أن ينتشل البشرية من الوهدة السحيقة التي تعاني تبعاتهاء 
الأمر الذي يؤكد عليها الضرورة الماسة لمد يد الحاجة للسماء الرحيمة والاستهداء بتعاليمها 
الوضاءة)(1) 


البراهين النصية على شرعية الحكومة الإلهية: 

وهي نصوص كثيرة جدا نجدها في القرآن الكريم والسنة المطهرة» ويتفق على 
الاستدلال مها دعاة ولاية الفقيه مع دعاة الحركات الإسلامية ذات التوجه السياسي» فهم جميعا 
يستعملون هذا الصنف من الآيات الكريمة للرد على العلمانية» وإقناع جماهير المؤمنين بضرورة 
التحاكم المطلق لشريعة الله» وعدم أخذ بعض الكتابء والتفريط في البعض الآخر مثلما حصل 
في الديانات الأأخرى. 

ومن تلك الآيات الكريمة قوله تعالى: ل وَمَنْ يحْكُمْ ب أَْرَلَ الله كَأولَيِكَ هم الكَافِوُونَ 
* [المائدة: 5 5]» وقوله: 8 وَمَنْ 1 يحكُمْ ب َنْرَل الله فَأوَيِكَ هم الظَابُونَ 4 [المائدة: 4]» 
وقوله: « وَمَنْ 1 يِحْكُمْ با أَنَْلَ الله فَأُولئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ 4 [المائدة: 40]» وهي آيات تبين 


مدى الكفر والظلم والفسوق الذي يقع فيه الذين فصلوا حياتهم عن شريعة الله» وقد ذُكرت 


دلق المرجع السابق» ص١‏ . 


الأحكام فيها بذلك الترتيب بحسب نوع الإعراض عن حكم الله» فإن كان إعراضا كلياء ممتلئا 
بالجحود والتحقير فهو الكفر بعينه» وإن كان الإعراض ناتجا عن التقصير والكسل» فصاحبه 
كما تنص الآيات الكريمة ‏ ظالم وفاسق. 

وهكذا نرى القرآن الكريم يعتبر الشرائع والقوانين التي تتعارض مع شريعة الله شرائع 
وقوانين جاهلية» قال تعالى: ‏ أَقَحُكْمّ الجَاهِلِيّة يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنْ مِنَّ الله حك لِقَوْم يُوقِنُونَ 
* [المائدة: 0 واضن غارك مريقة اللو الاين الغيرم مقر كاه فانط أ كن شركاة 
شّرَعُوا كَمْ مِنَ الدّين مَا كيد به الله 4 [الشورى: ]7١‏ 

بل نجد من الآيات الكريمة ما ينفي الإيوان عن المعرض عن أحكام الله كما قال تعالى: 
لقلا وَرَيّكَ لَايُؤْمِنُونَ حَنَّى نحَكُمُوكَ فيا سَجَرَبَيَْهُمْ نَم ا يجَدُوا في أَنْفْسِهِمْ حَرجَا ًا قَضَيْتَ 
ولو كنل [السياي م ] 

وضرب مثالا على ذلك با كان يحصل في عهد النبوة من مرضى القلوب الذين يدعون 
الإيهان بالله ورسوله؛ وفي نفس الوقت لا يذعنون لما يرد عنهما من أحكامء قال تعالى: 
لوَيَقُولُونَ آمنَا الله" وَبالرّسُولٍ وَأَطَعْنا ثم وَل قَِيقٌ مِنْهُمْ من يَعْدِ دَلِكَ وَمَا أُولَيِكَ بالمؤمنينَ 
(50) وَإِذَا دْعُوا إِلَ الله وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ يَْنَّهُمْ ذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرضْونَ (4) وَإِنْ يكن كُمْ 
الح يأنُو إِلَيِْ مُذْعِِيتَ 9 4) أي قُلُويمْ مَرَض أ ارْتَابُوا آم يخَافُونَ أن يحيف الله عَلَيهِمْ وَرَسُولَه 
َل أُولَئِكَ هُمْ الظَُونَ (00) 4 [النور: 517 - 031] 

وذكر في مقابلهم موقف المؤمنين الصادقين في إيمانهم والمذعنين إذعانا تاما لله ورسوله» 
وذكر جزاءهم ومصيرهم؛ فقال: ف إِنَّا كَانَ قَوْلَ المُؤْمِنِينَ !ذا دْعُوا إِلَ اللهوَرَسُولهِ لِيَحِكُمَ بَينَهُمْ 
أن يقُونُوا سَمِمْنَا وَأَطَْنَا وَأُوليِكَ هُمُ امفْلْحُونَ )0١(‏ وَمَنْ يْطِع الله وَوَسُولَهُ وَيخْشَ الله وَيَتَه 
َأُولَتِكَ هم الْقَائُونَ (4)0 [النور: 20١‏ 07] 


وهكذا نرى القرآن الكريم يعتبر الدعوة إلى الحكم بغير ما أنزل الله دعوة إلى الطاغوت. 


١ 


َيْلكَ 4 ا لد ل ا 


قال تعالى: 1 إل الذي يفون اعت ون رن ليك 
ييا كك إل الطاعرفك وقد انوا أن وان َيُرِيدٌ السّيِطَانُ أن يُضِلَّهُمْ ضَكَالَا بَعِيدَا وَإِذَا 
قل كم تََالَوَا إل مَا أَْرَلَ الله وَإِلَ الرّسُولٍ رَأَيْتَ امَافقِينَ يَضُدُونَ عَنْكَ صُدُودًا © [النساء: 


] "١ يه‎ 


1 
9 0 


4. 


وقد استعمل قادة الثورة الإسلامية الإيرانية هذه المصطلحات القرآنية في مواجهة 
الشاه؛ فقد كانوا يطلقون عليه لقب الطاغوتء ويدعون إلى الثورة عليه» وعدم جواز السكون 
والرضى بقوانينه» بل يدعون إلى مواجهتها وتحديها والإعراض عنهاء ويستعملون القرآن 
الكريم في تلك المواجهة» مثل| يفعل دعاة الحركات الإسلامية تماماء يقول الخامنئي: (القرآن 
يصطلح على كل ولاية غير ولاية الله بالطاغوت. فهو يؤكّد أنَّ من لا بخضع لولاية الله 
وحاكميته فهو خاضع لولاية الطاغوت وحاكميته؛ فا هو الطاغوت؟ .. الطاغوت هو ذلك 
الشخص الذي يستخدم مختلف الوسائل من أجل أن يجعل الناس يسيرون على خلاف نبج الله 
ورسالته ودينه.. إذأ» فليس الطاغوت ا خاضاء ولس ميحد اكفيلة السدوهة أذ 
الطاغوت اسم لصنم معين. نعم يطلق على الصنم ويسمى الصنم به لكنه ليس صناً معيناء 
وقد يكو الأتننان تنقمه عد]ء :وكذاك ترؤته وخناته العاظلة التراخية المثرفة» وكذاك أمائيه 
وآماله» وقد يضع الإنسان يده بيد إنسان هو صنم يغمض عينيه ويضع كل ما لديه بيده» وقد 
يكون الصنم هو الذهب والفضة أو النظام الاجتماعي أو القانون. فليس الطاغوت اساً لشيء 
محدد خاص. والذي يستنبط من القرآن الكريم أنَّ الطاغوت مقامٌ فوق مقام املأ وأشراف 
القوم والمترفين والجبارين والرهبان.. وعلى هذا فكل من يخرج عن ولاية الله وحاكميته فلا بد 
أن يدخل في ولاية الطاغوت والشيطان) 227 

ومثله قال الخميني ني الرد على العلماء الذين يدعون إلى السكون إلى الطغيان وعدم 


.47 - 97 الإمامة والولاية» الخامنتى؛‎ )١( 


5 


مواجهته: (لقد كان نبي الإسلام وأئمته وعلماؤه دائياً في نزاع مع سلاطين عصرهم. إن الذين 
كانوا ملوكاً باسم الخلفاء سجنوا الإمام موسى بن جعفر عشر سنين أو خمس عشرة سنة» لماذا؟ 
هل لأنه كان يصلي؟! لقد كان هارون والمأمون يصليان أيضاًء وكانا يؤمّان صلاة الجمعة 
والجماعة! فهل قبضوا عليه لأنه من أحفاد النبي أو لانه إمام؟! هل القضية هذه؟! كلاء بل لأن 
الإمام موسى بن جعفر كان يخالف ذلك النظام الطاغوتي! وكانت معارضته له سبباً لمشاكله» 
وقد ثار علم|ؤنا منذ صدر الإسلام والى الآنء وفي عصر الآئمة ثار أبناء الائمة وكان ذلك بدافع 
من الأئمة» فإذا كان زيد إنساناً ارتكب ذنباً فللاذا يثني عليه الأئمة؟! كم لدينا في عصرنا عدة 
ثورات قام بها العلماء. العلماء الذين يتحدث عنهم اليساريون والمنحرفو بأنهم أعوان البلاط! 
ولا غرابة في ذلك فهم لم يدرسواء وليست آذانهم مفتوحة ليعلموا كم مرة ثار علماء الإسلام 
في عهد رضا شاه وعهد محمد رضا شاه حيث كان يجتمع علماء أصفهان وآذربيجان ومشهد 
وقم ويُعلنون اعتراضهمء فهل كان أولئك من أعوان البلاط؟!)17) 

وهكذا كانوا يستدلون أيضا بالنصوص الكثيرة 00 0 الشريعة 
الإسلامية لكل شؤون الحياة» مثل قوله تعالى: # قُلْ إِنَّ صَلاَتي وَنُسَكِي وَعَنَا 
الْعَاكِنَ © [الأنعام:77١]»‏ وقوله: # ونَرَّلنَا عَلَيْكَ الْكَِابَ نا لل كه 00 و 
شوق للتشليين #[الفحل :15 ] 

ومثلها الآيات الكريمة التي تدعو إلى الدخول في الإسلام من جميع أبوابه» وفي جميع 
ل ا ا 
الشَّيْطَانِ إِنّهُ لَكُمْ عَدُوٌ مين 4 [البقرة: ]7١8‏ 


ل 


ا ا ا ل ا ا ا ا 
منكرا على اليهود: 9 أفتؤمنون بِبَعْضٍ الكِتَابٍ وَتَكفْرٌون بِبَعْضٍ ف جَرَاء من يَفعَل ذَلِكَ مِنَكُمْ 


ع0 
اما 

لخ 1١‏ 
0 
1 ع 


2000 صحيفة الإمام» ج4» ص: 32 


5 


إل خَرَئ ةق اليّاة الدّنيا وَيوْمَ القِيَامَةِ يُرَدُونَ إِلَ أَشَّدٌ الْعَدَابِ وَمَا الله بعَافِلٍ عَنَا تَعْمَلُونَ * 
[البقرة:860] 

ولهذا نرى الخميني ‏ في مناقشته للمعترضين على ولاية الفقيه - يستعمل مثل هذه 
النصوص.ء ومن أمثلة ذلك قوله: (الدليل الآخر على لزوم تشكيل الحكومة هو ماهية القوانين 
الإسلامية (أحكام الشرع) وكيفيتها. فىاهية هذه القوانين تفيد أنها قد شُرّعت لأجل تكوين 
دولة» ولاجل الإدارة السياسية والاقتصادية والثقافية للمجتمع إن أعا تشتمل غل قوانين 
ومقررات متنوعة تبني نظاماً اجتماعياً شاملا» ويتوفر في هذا النظام الحقوقي كل ما يحتاجه 
البشر» من نمط التعامل مع الزوجة والأولاد والعشيرة والقوم وأهل البلد والأمور الخاصة 
والحياة الزوجية. إلى المقررات المتعلقة بالحرب والصلح والتعامل مع سائر الشعوب. ومن 
القوانين الجزائية» إلى قوانين التجارة والصناعة والزراعة. ففيها قوانين لمرحلة ما قبل النكاح 
وانعقاد النطفة» وتبين كيف يجب أن يتم النكاح» وماذا ينبغي أن يكون طعام الإنسان عندهاء 
أو أثناء انعقاد النطفة» وما هي تكاليف الأبوين فترة الرضاعة» وكيف يجب أن يربى الطفل» 
وكيف يجب أن يتعامل الرجل والمرأة مع بعضههماء ومع أولادهماء فيوجد فيها قانون لجميع هذه 
المراحل؛ لتريُ الإنسان فردا كاملا فاضلاء يجسد القانون ويعمل على تطبيقه تلقائياً ويتضح 
بهذا إلى أي حد يبت الإسلام بالحكومة والعلاقات السياسية والاقتصادية للمجتمع؛ لكي يوفر 
كل الظروف لأجل تربية الإنسان المهذب الفاضلء فالقرآن الكريم والسنة الشريفة يشتملان 
على جميع القوانين والأحكام التي يحتاجها الانسان لسعادته وكماله)(1) 

ويستدل الخميني لهذاء بها ورد في كتاب الكافي تحت عنوان [الرد إلى الكتاب والسنة» 


وجميع مايحتاج الناس إليه إلا وقد جاء فيه كتاب أو سنة](2» وهو ما روي عن الإمام الصادق 


)١(‏ الحكومة الإسلامية» ص77. 


زفق أصول الكاني» ج١2‏ ص/80-7. 


5 


أنه قال: (إن الله تبارك وتعالى أنزل القرآن تبيانا لكل شيء, حتى والله ما ترك شيكاً يحتاج إليه 
العباد حتى لا يقول عبد: لو كان هذا أنزل في القرآنء إلا وقد أنزل الله فيه) 217 

ويضرب الخميني في كتابه [الحكومة الإسلامية] الأمثلة الكثيرة على ذلك» ومنها ما عبر 
عنه بقوله: (الضرائب التي فرضها الإسلام والميزانية التي طرحها تدل على أنها ليست لمجرد 
سد رمق الفقراء من السادة ا حاشميين وغيرهم, وإن| لأجل تشكيل حكومة. وتأمين المصارف 
الضرورية لدولة كبيرة» مثلاً: الخمس أحد الموارد الضخمة التي تصب في بيت المال» ويشكل 
أحد مصادر الميزانية» وبحسب مذهبنا يؤخذ الخمس بشكل عادل من جميع المصالح» سواء 
الزراعة أو التجارة» أو المصادر المخزونة في جوف الأرض. أو الموجودة فوقهاء وبشكل عام 
مذجع اماقم والعرانة بلشو يكل اديع يوالم لماوعل بان سسجت إل العامل و 
السفنء أو من يستخرج المعادن. فهؤلاء عليهم دفع الخمس من أرباحهم بعد صرف المصارف 
المتعارفة إلى الحاكم الإسلامي لكي يضعه في بيت المال. ومن البديبي أن مورداً بهذه العظمة إن 
هو لأجل إدارة بلد إسلامي» وسد جميع حاجاته المالية. فعندما نحسب حمس أرباح البلاد 
الإسلامية» أو جميع انحاء الدنيا ‏ فيها لو صارت تحت الحكم الإسلامي ‏ يتضح لنا أن الهحدف 
في وضع ضريبة كهذه ليس مجرد سد حاجة السادة ال هاشميين وعلماء الدين» بل ان القضية أهم 
من ذلك. فالحدف هو سد الحاجة المالية لجهاز حكومي كبير. ففيه| لو قامت الحكومة الإسلامية 
فيجب أن تدار بواسطة هذه الضرائب) 297) 

ومن الأمثلة على ذلك كما يعبر الخميني ‏ (أحكام الدفاع الوطني)» وهي (الأحكام 
التي تتعلق بحفظ نظام الإسلام والدفاع عن جميع أراضي الأمة الإسلامية واستقلالهاء وهي 
تدل على لزوم تشكيل الحكومة» فمثلاً هذا الحكم: لوَأَعِدُوا كُمْ مَا اسْتَطَْتُمْ مِنْ قُوَةٍ وَمِنْ 


020( أصول الكاني» ج١2‏ ص0-7/5/. 


(؟) الحكومة الإسلامية» ص78. 


هم 


باط لحيْلٍ ترْهِبُونَ به عَدُوَّ الله وَعَدَوَّكُمْ4 [الأنفال: »]1١‏ والذي هو أمر بالاستعداد وحشد 
ما أمكن من القوى المسلحة المدافعة بشكل عاء» وأمر بالتهيق والمراقبة الدائمة في فترة الصلح 
والهدوء؛ لو عمل المسلمون بهذا الحكم, وقاموا بالحشد الواسع من خلال تشكيل حكومة 
إسلامية» وكانوا في حالة استعداد قتالي كاملء لما تجرأت حفنة من اليهود على احتلال أرضنا 
وتخريب المسجد الأقصى وحرقه. دون أن يتمكن الشعب من القيام برد فعل فوري. فكل هذا 
نتيجة عدم قيام المسلمين بتنفيذ حكم الله» وتشكيل الحكومة الصا حة والمطلوبة. ولو كان حكام 
البلاد الإسلامية تمثلين للشعب المؤمن ومنفذين للأحكام الإسلامية» لوضعوا الخلافات 
الصغيرة جانبأه وتخلوا عن التفرقة والتخريب» وضاروا يداً واحدة فعئلها ما كانت حفنة مخ 
اليهود الاشقياء العملاء لأمريكا وانكلترا والأجانب لتستطيع القيام ببذه الاعمال حتى ولو 
كانت أمريكا وانكلترا داعمتين لها)(1) 

وهكذا نرى الأمثلة الكثيرة في كتب قادة الثورة الإسلامية» والتي تبين شمول الشريعة 
لكل مجالات الحياة» وهو ما يستدعي توفر الحكومة التي تطبق تلك الأحكام بحروفها 
ومقاصدها. 

ثانيا ‏ التأصيل الشرعي لولاية الفقيه: 

كل ما ذكرناه سابقا من التأصيلات المرتبطة بالحاكمية متفق عليها بين المسلمين جميعاء 
ما عدا أولئك المتنورين الذين ينادون بالعلمانية» أو يؤمنون بالحداثة» أو يتصورون أن الإسلام 
لا يختلف عن المسيحية في كونه مجرد علاقة بين العبد وربه» أو مجموعة قيم خلقية لا علاقة لها 
بالسياسة والاقتصاد وشؤون الحياة. 

ولكن الخلاف الكبير بين هؤلاء الذين اتفقوا على شرعية الحكومة الإلهية يبدأ من علاقة 


الفقيه هذه الحكومة» وهل هى قاصرة على الاستشارة» أو بعض الصلاحيات المحدودة» أو أن 
)020( المرجع السابق» ص ."١‏ 


65 


الفقيه هو عينه من تُوكل إليه مهام تطبيق الشريعة في الواقع» وذلك عبر الصلاحيات الكبرى 
التي تعطى له؛ فتجعله على أعلى هرم السلطة في البلاد. 

وربا يكون أقرب البيئات الإسلامية لتقبل إعطاء الفقيه هذه الصلاحيات التي 
بموجبها يصبح صاحب الكلمة النافذة في المجتمع هي البيئة الشيعية» بحكم علاقتها بالفقيه. 
والتي تتعدى الاستشارة إلى الولاية» فكل شيعي مكلف .على حسب فقه الشيعة ‏ باتخاذ مرجع 
حي يثق في علمه وتقواه وعدالته ليجعله واسطة لتلقي أحكام الشريعة» ى| يجعله واسطة لتبليغ 
الحقوق المختلفة» سواء كانت مالية أو غيرها. 

وقد رأينا في الواقع العراقي كيف استطاعت فتوى السيد السيستاني على الرغم من كونه 
م يتبوأً منصب ولاية الفقيه المطلقة» أن تجمع أكبر حشد من المتطوعين لمواجهة أكبر تنظيم 
إرهابي في التاريخ» وفي أقصر مدة. 

وقد أشار المفكر والإعلامي الكبير فهمي هويدي إلى تفرد البيئة الشيعية بتقبل مثل هذا 
النوع من النظام عند رده على رسالة أرسلها بعض العلماء الإيرانيين إلى الرئيس المصري حينها 
محمد مرسي ]ء دعوه فيها للاستفادة من التجربة الإيرانية في هذا المجال» وتطبيق ولاية الفقيه 
في مصرء والتي أحدثت حينها ‏ ىا يذكر ‏ فرقعة في الساحة السياسية» بل صارت محلا 
للسخرية. 

وقد كتب فهمي هويدي في ذلك مقالا يحسن ذكر بعض ما ورد فيه» باعتباره أكثر 
المفكرين والإعلاميين فهما للواقع الشيعيء والإيراني خصوصاء وله في ذلك كتابه المعروف 
[إيران من الداخل]» ولست أدري هل هو في رده على تلك الرسالة كان حزينا لعدم تمحكن 
المصريين من تقبل مثل هذا النوع من الأنظمة» أو أنه كان يرى مصر أرفع وأعظم من أن تقبل 
به 


يقول في بيان أسباب تفرد البيئة الشيعية بالقدرة على تقبل الولاية المطلقة للفقيه: (ولاية 


/ وا 


الفقيه فكرة مرتبطة بخصوصية المذهب الشيعيء ثم إنها ليست محل إجماع داخل المذهب ذاته» 
ولا نستطيع أن نستوعب الفكرة ما لم نضعها في سياقها التاريخي» ذلك أنه باستثناء الدولة 
الفاطمية التي استمرت نحو مائتي عام في مصر وتونس والشام (979 -117/5١م)»‏ فإن الشيعة 
عاشوا على مر القرون بلا دولة يستظلون ببهاء فقام الفقيه مبذه المهمة» إذ صار هو المظلة التي 
تحمي وترعى أتباع المذهبء به يلوذون» وإليه يقدمون زكواتهم ويستفتونه فيما يستشكل 
عليهم» وتقليد المرجع الديني الحي واجب على المتدينين)17) 

ثم بين نوع الولاية التي كان يمارسها الفقيه في البيئة الشيعية؛ فقال: (ولكي يقوم المرجع 
بواجباته فإنه يوفر الخدمات للأتباع ما يحصله من مال الزكاة. وهذه الخدمات تتراوح بين 
مساعدة الفقراء وإنشاء المدارس والمعاهد والمستشفيات وبعثات الحج والابتعاث الدراسي إلى 
الخارج» وله معاونون يباشرون تلك الأنشطة لا يختلفون كثيرا في أدائهم لوظائفهم عن الوزراء 
المختصين. كما أن له وكلاء في مختلف الأقطار يتسلمون الزكوات ويتلقون استفسارات 
المقلدين» وهم أقرب إلى السفراء فيه| يؤدونه من وظائف) 

ثم ذكر عن نفسه كيف التقى ببعض أولئك المراجعء والآدوار التي كانوا يارسونها في 
مجتمعاتهم؛ فقال: (لقد أتيح لي أن ألتقي بعضا من المراجع العظام في مدينة قم حين كنت أعد 
كتابي [إيران من الداخل]ء الذي صدرت طبعته الأولى في عام /1 »؛ ووجدت أنهم أقاموا 
تمالك مصغرة لا تختلف كثيرا عن الإمارات التي انتشرت في أوروبا العصور الوسطى» 
وأشرت في ثنايا الكتاب إلى أن الدور الذي يقومون به وفر لآتباع المذهب الغطاء الذي كانوا 
بحاجة إليه في غياب الدولة» وآن قيام المراجع بذلك الدور كان حلا عبقريا للحفاظ على 
المذهب» خصوصا في ظل المخاطر التي كانت تتهدده جراء ضغوط مجتمعات أهل السنة 
المحيطة بهء التي تحولت إلى صراع وحروب بين الدولتين العثانية السنية والصفوية الشيعية» 


)١(‏ انظر مقالا بعنوان: ولاية الفقيه لا تلزمناء فهمي هويديء. جريدة الوطن الالكترونية» بتاريخ /١9‏ ؟/ 3١١‏ م.. 


6 


استمرت ستة عشر عاما فيه| بين سنتي ١77‏ و200015719) 

وقد كان لذلك كله دوره الكبير في تقديس الشيعة لمراجعهم» وخضوعهم لهمء وقبولهم 
بولايتهم» يقول فهمي هويدي: (هذه الخلفية حفرت للفقيه دورا عميقا ومهما في المجتمعات 
الشيعية» أحسب أنه يتجاوز بكثير دور الفقيه في مجتمعات أهل السنة» وهذا الدور كان بمثابة 
التربة التي نمت فيها فكرة ولاية الفقيه عند الشيعة» ذلك أنه إذا كان في غيبة الدولة يقوم الفقيه 
بكل هذه الرعاية لصالح مقلديه فإن تأصيل هذه الفكرة من الناحية الشرعية من خلال ولاية 
الفقيه يغدو تطورا منطقيا ومفهوما) () 

وعلى خلاف هذا ى) يذكر فهمي هويدي ‏ ما جرى عليه العمل في البيئة السنية» 
وموقفها من علمائها؛ فقد قال في خاتمة مقاله عن اختلاف البيئتين: (لأنه لا مكان للإمامة في 
الفكر السياسبي لدى أهل السنة» فلا محل للحديث عن نائب الإمام أو عن مراتب الفقهاء الذين 
يتميزون بعلمهم» فضلا عن أن الفقهاء عند أهل السنة ليسوا خريجي المعاهد الدينية فقطء وإن| 
هم كل من حسن إسلامه وتبحر في أي فرع من فروع المعرفة الإنسانية.. وقد درج العمل في 
مجتمعات أهل السنة على الفصل بين المؤسسة الدينية والدولة» وثمة كتابات عدة تعرضت لهذه 
المسألة وشاركت في صياغة وضبط العلاقة بين الفقيه والسلطان. وظل الاتجاه الغالب ينحو 
نحو التمييز بينهما. والتمييز غير الفصل الذي يدعو إليه البعضء وإنا هو أقرب إلى تنوع 
الاختصاص واحترام حدوده) 7© 

وبناء على هذا يذكر فهمي هويدي أن [ولاية الفقيه]» ليست كى) يزعم بعض السنة 
والشيعة من أنها بدعة ابتدعها الخميني» وخالف بها أصول مذهبه» وإنما هي فكرة قديمة» 


)020( المرجع السابق. 
0( المرجع السابق. 


6: 





مورست في الواقع» ولم يكن دور الخميني إلا زيادة تأصيل طاء وتحويلها من مجرد ولاية ترتبط 
ببيئة محدودة إلى نظام سياسي يشكل دولة كاملة» بل يطمح إلى الوصول إلى جميع بلاد العالم 
الإسلامي» لتخضع جميعا تحت سلطة الولي الفقيه. 

وما ذكره فهمي هويدي في هذا الجانب ليس استنقاصا من دور الخميني في الدعوة لهذا 
النظام» أو التأصيل له ذلك أن الخميني نفسه أشار إلى هذاء وتحدث عنه كثيرا » حتى يرد على 
تلك الشبه التي يوردها المخالفون له من المدرسة الشيعية. 

ومن أمثلة ذلك قوله في كتابه [الحكومة الإسلامية]: (إن موضوع ولاية الفقيه ليس 
موضوعاً جديداً جئنا به نحنء بل إن هذه المسألة وقعت محلاً للبحث منذ البداية. فحكم 
المرحوم الشيرازي (22 في حرمة التنباك كان واجباً اتباعه. حتى من الفقهاء الآخرين أيضاً. وقد 
اتبع ذلك الحكم جميع علماء ايران الكبار ماعدا بضعة أشخاصء وهو لم يكن حك قضائياً في 
خلاف بين بعض الأشخاصء بل كان حكأً ولائياً (حكومياً) أصدره (رحمه الله) بالعنوان 
الثانوي(') مراعاة لمصالح المسلمين. وكان الحكم مستمراً مادام العنوان موجوداً. وبزوال 
العنوان ارتفع الحكم)””© 

وضرب له مثالا آخر ب (المرحوم الميرزا محمد تقي الشيرازي7؟» الذي حكم بالجهاد ‏ 


)١(‏ )الميرزا حسن (أو محمد حسن) بن محمود الحسيني الشيرازي (1117-1770ه ق) فقيه اصولي» ورئيس الامامية في 
عصره. انتخب بعد وفاة الشيخ الانصاري مرجعا للشيعة. وقصة التنباك المعروفة التي حصلت سنة وفاته وأدت إلى ترك استعمال 
التبغ من قبل ملايين الايرانيين» ما سبب إلغاء الاتفاقية مع الانكليز» كانت نموذجاً واضحاً عن قدرته الدينية وبصيرته السياسية. 

(؟) العناوين التي يتعلق بها الحكم الشرعي لما نحوان: الأول لا يكون العنوان أو الموضوع مقيدا بقيد كالاضطرار مثلاء ففي 
هذه الصورة يسمى الحكم المجعول لما بالحكم الأولي» والنحو الثاني يكون العنوان أو الموضوع مقيدا بقيد كالحرج والاضطرار 
والاكراه والضرر والفساد» ففي هذه الصورة يسمى ال حكم المتعلق بها بالحكم الثانوي.. 

(3) الحكومة الإسلامية» ص9١١.‏ 

(5) ) الميرزا محمد تقي بن محب علي الشيرازي الحائري ١7728(‏ ه ق) بعد اكمال دراسة المقدمات سافر إلى سامراء»؛ وحضر 


درس الميرزا الشيرازي (الكبير) وصار معدودا من أفضل طلابه؛ ونال مقام المرجعية بعد الميرزا في سامراء» وبعد السيد محمد كاظم 


وكان ذلك بصفة دفاع بالطبع ‏ فقد اتبعه بقية العلماء» لأنه كان حكاً ولائياً (حكومياً)(1) 

ومنهم ‏ كما يذكر الخميني ‏ (المرحوم النراقي الذي يرى ثبوت جميع شؤون رسول الله 
يي للفقهاء. والمرحوم النائيني أيضاً يقول أن هذا المطلب يستفاد من مقبولة عمر بن حنظلة)7) 

وقد عقب على هذه الأمثلة» ببيان الجديد الذي جاء به؛ فقال: (وعلي أية حال هذا 
البحث ليس جديداًء وإنما قمنا نحن بالبحث حوله أكثر فحسبء ووضعنا تشعبات المطلب 
المذكور في متناول السادة لتتضح المسألة أكثر» ى) قمنا تبعاً لأمر الله تعاللى في كتابه» وبلسان نبيه 
ببيان بعض الأمور المبتلى بها هذه الأيام. وإلا فإن المطلب هو نفس ما فهمه الكثيرون 
وذكروه) 07 

ثم طلب من الفقهاء بعده أن يتولوا البحث المفصل في كيفية تطبيق هذه الولاية 
وتنظيمهاء فقال: (لقد قمنا بطرح أصل الموضوعء وعلى هذا الجيل والاجيال القادمة أن تبحث 
وتفكر في ذيوله وتشعباته» وأن تجد السبيل إلى تحقيقه» ليطردوا عن أنفسهم التراخي والضعف 
واليأس» وسوف يتوصلون إن شاء الله إلى كيفية التشكيل» وسائر الفروع من خلال التشاور 
وتبادل وجهات النظرء ويضعون مسؤوليات الحكومة الإسلامية بيد خبراء أمناء عقلاء من 
أهل الإيان والعقيدة» ويقطعون أيدي الخونة عن الحكومة والوطن وبيت مال المسلمين 
ليتيقنوا أن الله القدير معهم) (؟) 

وقد ذكر فهمي هويدي أمثلة أخرى لم يذكرها الخميني؛ فقال: (يذهب بعض الباحثين 
في لبنان إلى أن فكرة ولاية الفقيه أطلقها أحد المجتهدين الكبار بين علماء الشيعة» هو الشيخ 


اليزدي تولى رئاسة الشيعة.. وأعلن الجهاد بفتواه المشهورة في العراق» ودعا الشعب إلى مواجهة الانكليز الذين دخلوا إلى العراق. 
)١(‏ الحكومة الإسلامية» ص9١١.‏ 
() المرجع السابق» ص9١١.‏ 
(9) المرجع السابق» ص9١١.‏ 


2( المرجع السابق» ص ١؟١١.‏ 


6١ 


محمد بن مكي الجزيني الذي عاش في القرن الرابع عشر الميلادي. وهو من قرية جزين في جبل 
عامل. وقد ألف كتابا كان عنوانه [اللمعة الدمشقية]» وفيه ذكر لأول مرة عبارة نائب الإمام» 
التي ذاع أمرها فيهم| بعد واعتبرت أساسا لقيام الفقيه أو المرجع بالدور الذي يتعين أن يقوم به 
الإمام الغائب في القيام بأمر الأتباع. وقيل في هذا الصدد : (إن التشيع أفلح على يد محمد بن 
مكي الجزيني في ملء فراغ السلطة» الذي استمر فترة تزيد على أربعة قرون, أي منذ الانتهاء 
العمل لفترة الإمامة)» أي منذ اختفاء آخر أئمة آل البيت)(2) 

ومن الأمثلة التي ذكرها: (الشيخ أحمد النراقي الذي ينسب إلى قرية نراق بمحافظة 
كاشان في إيران (توني سنة ١187م).‏ وقد خصص الشيخ النراقي فصلا في كتاب أصدره 
بعنوان [عوائد الإمام]ء كان عنوانه [ولاية الفقيه]» وسواء كان الرجل قد استقى العنوان من 
فكرة نائب الإمام التي صكها الشيخ الجزيني أم لاء فالثابت في الأدبيات الإيرانية أن الشيخ 
النراقي هو صاحب الفكرة» وأن آية الله الخميني تأثر بها ودعا إليها في مشروعه الذي جسده 
في كتابه عن [الحكومة الإسلامية]» وجمعت فيه محاضراته التي ألقاها على الدارسين في الحوزة 
العلمية بالنجف الأشرف (العراق) خلال ستينيات القرن الماضي)27) 

وقد ذكر فهمي هويدي ردود فعل بعض الفقهاء والمراجع» وما قابلوا به تلك 
التأصيلات التي أصل بها الخميني لولاية الفقيه» والتعرف عليها مهم جدا لفهم سر ذلك 
الانفعال والآلم الذي كان يبدو عليه الخميني» وهو يحاول أن يطرح ولاية الفقيه. 

يقول فهمي هويدي: (وني حين رحب بها البعض فإن آخرين رفضوها. وني المقدمة من 
هؤلاء السيد أبو القاسم الخوئي (المتوفى سنة )١9147‏ الذي كان مرجع زمانه ويتربع على رأس 
الحوزة العلمية في مدينة النجف بالعراق وقد أصدر رسالة انتقد فيها رأى الإمام الخميني كانت 


)١(‏ انظر المقال السابق: ولاية الفقيه لا تلزمناء فهمي هويدي. 
0( المرجع السابق. 


6 


بعنوان [أساس الحكومة الإسلامية]» أيده في ذلك المراجع الكبار في مدينة قم بإيران. وكان 
ذلك الموقف هو السبب الأسامي الذي دعا الإمام الخميني لأن يفضل الإقامة في طهران بدلا 
من قم» بعد نجاح الثورة وعودته إلى وطنه من منفاه بباريس» وكان لذلك التحفظ صداه في 
أوساط شيعة لبنان» فأصدر الدكتور محمد جواد مغنية» وهو من فقهائهم, كتابا بعنوان 
[الخميني والدولة الإسلامية]» فند فيه رأي الخميني ورفض فكرة الولاية المطلقة للمرجع. 
وأيده في هذا الموقف رئيس المجلس الشيعي الأعلى الإمام محمد مهدي شمس الدين (المتوى 
سنة »)30١١‏ وقد سمعت منه حديثا مطولا في المسألة انحاز فيه إلى فكرة ولاية الأمة ورفض 
ولاية الفقيه)17) 

وقد رد الخميني على هؤلاء جميعا ردا مفصلا في كتابه [الحكومة الإسلامية]» أو عبر 
بياناته وخطبه المختلفة» بل إن الأمر وصل به إلى اعتبار ولاية الفقيه قضية بديبية لا تحتاج 
لوضوحها لأي براهين» حيث يقول في مقدمة كتابه [الحكومة الإسلامية]: (وولاية الفقيه من 
المواضيع التي يوجب تصورها التصديق بهاء فهي لا تحتاج لأية برهنة. وذلك بمعنى أن كل 
من أدرك العقائد والأحكام الإسلامية ‏ ولو إجمالاً - ونمجرد أن يضل إلى ولاية الفقية 
ويتصورها فسيصدق بها فورأ» وسيجدها ضرورة وبديبية)7) 

وبين الأسباب الداخلية والخارجية التي حولتها من قضية بديبية إلى قضية تحتاج إلى 
البراهين والآدلة؛ فقال: (والسبب في عدم وجود أدنى التفات لولاية الفقيه وني أنبا صارت 
بحاجة للاستدلال هو الأوضاع الاجتاعية للمسلمين بشكل عام والحوزات العلمية بشكل 
خاصء وهناك أسباب تاريخية لأوضاعنا الاجتتماعية نحن المسلمين» ولأوضاع الحوزات 
العلمية نقوم بالاشارة اليهاء لقد ابتليت النهضة الإسلامية منذ انطلاقتها باليهود. فهم الذين 


)020( المرجع السابق. 
(؟) الحكومة الإسلامية» صل. 


ع0 


شرعوا أولاً بالدعاية ضد الإسلام وبالدسائس الفكرية بنحو ‏ وكا تلاحظون ‏ وصل مداه إلى 
أيامنا هذه. ووصل الدور بعدهم إلى طوائف هم بمعنى من المعاني ‏ أكثر شيطنة من اليهود. 
وهؤلاء استطاعوا الوصول إلى البلاد الإسلامية على شكل استعمار منذ ثلاثة قرون أو أكثر وقد 
رأوا أنه من اللازم لكي يصلوا إلى مطامعهم الاستعمارية أن يبيئوا الأرضية للقضاء على 
الإسلام. ولم يكن هدفهم ابعاد الناس عن الإسلام لتقوية النصرانية» لأن هؤلاء لا يعتقدون 
بالنصرانية ولا بالإسلام» لكنهم ‏ وطوال هذه المدة وآثناء الحروب الصليبية شعروا ان الذي 
يقف سداً أمام مصالحهم المادية» ويعرّض مصال حهم المادية وقواهم السياسية للخطر هو 
الإسلام وأحكامه وإيمان الناس به» فقاموا بالدعاية والدس ضد الإسلام بمختلف الوسائل. 
وقد تعاضد في العمل على تحريف حقائق الإسلام رجال الدين الذين أوجدوهم في الحوزات 
العلمية» والعملاء الذين كانوا يعملون لهم في الجامعات والمؤسسات الاعلامية الحكومية أو 
مراكز النشرء والمستشرقين الذي هم في خدمة الدول الاستعمارية» فهؤ لاء جميعاً تكاتفوا في ذلك 
بنحو صار فيه الكثير من الناس والمثقفين في حالة من الضياع والانحراف عن الصواب تجاه 
الإسلام)(217 

وهو يتعجب من الذين يريدون من الفقهاء اعتزال السياسة وتركها باعتبارها من الدنيا؛ 
فيقول: (لقد غرسوا في أذهانكم من البداية أن السياسة تعني الكذب وما شابه ذلك من المعاني» 
لكي يبعدوكم عن أمور البلاد» بيدا يتصرفون هم كا يريدون. وأنتم عليكم بالدعاء أيضاً 
عليكم بالجلوس هنا والدعاء ب (خلد الله ملكه) بين| هم يفعلون ما يحلو لهم» ويرتكبون القبائح 
التي يريدون. بالطبع فهم لا يمتلكون هذه الدرجة من الفهم ‏ ولله الحمد ‏ لكن أساتذتهم 
وخبراءهم هم الذين وضعوا هذه الخطط. وضعها الاستعمار الانكليزي الذي دخل بلاد 


2000 المرجع السابق» ص١.‏ 


كك 


الشرق منذ ثلاثة قرون» وتعرّف إلى جميع أمور هذه البلاد) 17 

ويذكر عن نفسه بعد خروجه من السجن. وكيف راحوا يستعملون الوسائل المختلفة 
لإقناعه بالابتعاد عن السياسة» والاكتفاء بالتدريس والمرجعية العلمية؛ فقال: (كتبوا في الجرائد 
بتاريخ 8/5/ 1977م حين أخرجوني من السجن ما يُفهم منه أن علماء الدين لن يتدخلوا في 
امياد وان ]لان ازع لكي هن الأدن لقد جار احته ول اريف فكو اسيم برقالدل: 
أمّها السيد إن السياسة كذب وخداع وغش ونفاق» والخلاصة أنها بلاء ولعنة فدعوا ذلك لنا 
نحن. وبا أن الظرف لم يسمح فلم أشأ مناقشته» فقلت له: نحن منذ البداية لم نتدخل في هذه 
السياسة التي تتكلم عنها. والآن حيث أن الظرف يستلزم ذلكء فإني أقول: إِنْ هذا ليس من 
الإسلام في شيء. والله إن الإسلام كله سياسة. لقد بيّنوا الإسلام بشكل غير سليم. إِنْ سياسة 
المدن تنبع من الإسلام. إنني لست من أولئك الملالي (رجال الدين) الذين يكتفون بالجلوس 
هنا والتسبيح. أنا لست [البابا] لكي أكتفي بتأدية بعض المراسم يوم الأحد. وأنصرف بقية 
الأوقات إلى شأني» دون التدخل في الأمور الأخرى) 7) 

بعد هذا التمهيد الذي رأينا ضرورته» سنسوق هنا باختصار ما ذكره الخميني وغيره من 
قادة الثورة الإسلامية ومراجعها من براهين على ولاية الفقيه» والتي يمكن تقسيمها إل 
قسمين: أدلة عقلية كلامية» وأدلة نصية روائية. 

١‏ الأدلة العقلية والكلامية على ولاية الفقيه: 

با أن المدرستين السنية والشيعية تختلفان في النظر للإمامة» وهل هي من أصول الدين 
أم من فروعه؛ فإن الخلاف أيضا امتد إلى مسأآلة [الحكومة الإلهية]» باعتبارها امتدادا للإمامة, 


أو نيابة عنهاء أو تمثيلا لهاء وسرى الخلاف أيضا إلى [ولاية الفقيه] باعتبارها تطبيقا من تطبيقات 


إدلق المرجع السابق» ص5١1١.‏ 
() الكوثر في خطابات الإمام الخميني» ج١؛‏ ص 5 .٠١5 ١١‏ يوم الجمعة /5/٠١‏ 1975م ضمن خطبة له في بيته. 


606 


الحكومة الإلحية. 

وقد أشار الخميني إلى هذا البعد الكلامي في [ولاية الفقيه]؛ فقال: (حفظ النظام من 
الزتجيات الأكيدةواعكلال أموق :مين من الأموو الميقواظة ولا يفوع ذاولا رسد عن هذا 
إلا بوالِ وحكومة. مضافاً إلى أن حفظ ثغور المسلمين عن التهاجم» وبلادهم من غلبة المعتدين 
واجب عقلاً وشرعاًء ولا يمكن ذلك إِلَا بتشكيل الحكومة. وكل ذلك من أوضح ما يحتاج إليه 
المسلمون» ولا يعقل ترك ذلك من الحكيم الصّانع. فا هو دليل الإمامة» بعينه دليل على لزوم 
الحكومة بعد غيبة ولي الأمر عجل الله تعالى فرجه الشريف... فهل يعقل من حكمة الباري 
الحكيم إهمال الملّة الإسلاميّة وعدم تعيين تكليف لهم؟ أو رضى الحكيم بالهرج والمرج واختلال 
النظام؟)200 

وأشار إليه من المعاصرين الفيلسوف والمفسر الكبير عبد الله جوادي آمل بقوله: 
(البحث الكلاميّ بشأن ولاية الفقيه» هو أَنْ الله عالم بجميع بع ذرّات العالم #لَا يَعْزْبُ عَنْهُ مِثْقَالُ 
دَرّة» فهو يعلم أن للمعصومين من أوليائه حضوراً وظهوراً خلال مدَّة معيّنة» وسيغيب خاتم 
أوليائه مذة مديدة» فهل أمر بشيء زمان الغيبة» أم ترك الأمّة لحالها؟ وإن أمر بشيء» فهل ذلك 
الأمر نصب الفقيه الجامع شرائط الولاية وضرورة رجوع الناس إلى هذا الوئّ أم لا؟ إِنَ 
موضوعا هكذا مسألة هو [فعل الله]» وبناءً عليه فالبرهان الذي يثبت يثبت ولاية الفقيه مرتبط بعلم 
الكلام)7) 

بناء على هذا اعتمد المنظرون لولاية الفقيه على نوعين من الأدلة: أدلة عقلية يُعتمد عليها 
عادة في علم الكلام» وأدلة نصية تستعمل عادة في الفقه. 

ونحب أن نزيل هنا الإشكال المرتبط بربط المسألة بعلم الكلام والعقيدة» وأن ذلك لا 


)١(‏ البيع» الإمام الخميني: 55١‏ و557. 
إفة ولاية الفقيه والقيادة في الإسلام» عبد الله جوادي آملي: ١57‏ . 


6 


يعني تكفير المخالف. وإن) يعني أهمية المسألة» وضرورتهاء وكونها لا ترتبط بأفعال المكلفين 
فقطء وإن) ترتبط أيضا بالعدالة الإلهية» ذلك أن الله الحكيم ‏ كما ينص القائلون بولاية الفقيه ‏ 
يستحيل عليه أن يترك خلقه للملوك والمستبدين» دون أن ينصب هم أئمة» أو دون أن يشرع 
لهم الشرائع التي تنوب عن الأئمة في حال فقدهم. 

وقد عبر عن هذا المعنى بعضهم؛ فقال: (إِنَ المباحث الكلاميّة لا تنّصف بالدرجة نفسها 
من الأهميّة» فبعض المباحث الكلاميّة جزء من مباحث أصول الدَّين مثل مبحث النبوّة 
والخاكم] فا مضه را نرقو متي امبرل امجح بو العاداين ا فلونها لد وم رط تان 
تلك المسألة وتفصيلاتهاء رغم كونها كلاميّة» ليست بِأْهمّيّة أصل المعاد. وبناءَ على ذلك» فولاية 
قدو لتكوية ور عسي الغريةه وق كونها تله كلام اهن ]د مزاوة مو سالة الامانة. 
ومن هناء فهي ليست من أصول المذهب)7) 

ونحب أن نشير هنا أيضا إلى أن ربط المسألة بالعقيدة وعلم الكلام ليست بدعة ابتدعها 
الخميني أو غيره من القائلين بولاية الفقيه» بل نجد هذا المعنى موجودا لدى قادة الحركات 
الإسلامية» وخصوصا سيد قطبء والذي اعتبر [الحكومة الإلهية] قضية عقدية» وليست مجرد 
فروع فقهية» بناء على ما ورد في النصوص من بيان خطورة التخلي عن حكم الله. كا قال تعالى: 
© وَمَنْ 1 يحْكُمْ ب أَنْرَلَ لله فَأُولَِكَ هُمُ الْكَافرُونَ) [المائدة: + 4] 

بل إننا نجد المدرسة السلفية نفسهاء والتي تنكر إنكارا شديدا على ولاية الفقيه» تضع 
في مسائل العقيدة قضايا فرعية جداء هي أدنى بكثير منهاء من أمثال المسح على الخفين» وتبرر 
ذلك با ذكره ابن جبرين في شرحه على الطحاوية بقوله: (مرت بنا مسألة فرعية» وذكرنا أنها 
أدخلت في الأصول لأجل أن الخلاف فيها مع المخالفين في الأصولء وهي مسألة المسح على 
الخفين» وذلك لأن الرافضة أنكروا المسح على الخفين» وصاروا يمسحون على القدمين 


. 187 الحكومة الإسلامية: دروس في الفكر السياسي الإسلامي» مركز نون» ص‎ )١( 


/اه0 


مكشوفتين» فتركوا سنة وارتكبوا بدعة» ولما كانوا مخالفين في العقيدة.. فقد ترتب على ذلك 
المخالفة في المسح على الخنفين» فذكرت في العقائد)(0) 

بل إن الأمر بلغ بالسلفية ما هو أخطر من ذلك حيث أدخلوا فروعا فقهية كثيرة مثل 
التوسل والاستغاثة وزيارة الأضرحة في أبواب العقائد» بل جعلوها من أصول العقائد. 
وكفروا على أساسها المخالفين باعتبارهم وقعوا في الشرك الجلي. 

وحتى لا نتيه في الخلاف في المسألة» لأنها في كلا الحالتين ‏ عند القائلين بولاية الفقيه ‏ لا 
علاقة لها بالكفر والإيعان» وإن| علاقتها بمدى أهمية المسألة» ذلك أنها عندما ترتبط بالعقيدة 
يكون الاهتمام بها أعظم من كونها مجرد فرع من الفروع الفقهية التي وقع فيها الخلاف. 

وقد أشار إلى هذا الشيخ عبد الله جوادي آمل عندما ذكر أن الخميني استفاد من التدرّج 
الذي حصل سابقاً في علاقة الفقيه بالأمة» والتي ابتدأت بعلاقة المحدِّث بالمستمع» ثم تطورت 
إلى علاقة مرجع التقليد بالمقلدين إلى أن بدت تتضح معالم ولاية الفقيه في الأبحاث العلمية» 
ويذكر أن الخميني قام بإنجاز عظيم حين أخرج بحث ولاية الفقيه من دائرة الفقه إلى موقعه 
الأصلي في علم الكلام» وأن لذلك تآثيره الكبير في نجاح الثورة الإسلامية» ذلك أن عموم 
الناس يهتمون للعقائد أكثر من اهتمامهم للفروع الفقهية» وخاصة إذا وقع الخلاف فيها. 

ونحب أن ننبه هنا أيضا إلى أن ربط المسألة بعلم الكلام لا يعني إعطاء الفقيه منزلة فوق 
منزلته» ذلك أن دور الفقيه لا يعدو النيابة عن الرسول ## والأئمة في تنفيذ الأحكام الشرعية» 
كما نبه إلى ذلك الخميني بقوله: (عندما نثبت نفس الولاية التي كانت للرسول 4# والائمة للفقيه 
في عصر الغيبة» فلا يتوهمن أحد أن مقام الفقهاء نفس مقام الأئمة والنبي #6 لأن كلامنا هنا 
ليس عن المقام والمرتبة» وإنما عن الوظيفة» فالولاية ‏ أي الحكومة وادارة البلاد وتنفيذ أحكام 


الشرع المقدس ‏ هي وظيفة كبيرة ومهمة» لكنها لا تحدث للانسان مقاماً وشأناً غير عاديء أو 


2200 شرح الطحاوية لابن جبرين (01/ 0( 


ترفعه عن مستوى الانسان العادي. وبعبارة اخرى فالولاية ‏ التي هي محل البحث» أي 
الحكومة والادارة والتنفيذ ‏ ليست امتيازاء خلافا لما يتصوره الكثيرون. وانما هي وظيفة 
خطيرة)(1) 

ثم وضح مرتبة ولاية الفقيه» وعلاقتها بالنبوة والإمامة؛ فقال: (ولاية الفقيه من الأمور 
الاعتبارية العقلائية وليس لها واقع سوى الجعل» وذلك كجعل القيم للصغاره فالقيم على 
الامة لا يختلف عن القيم على الصغار من ناحية الوظيفة والدور. وكأن الإمام قدعين شخصاً 
لأجل حضانة الحكومة أو منصب من المناصب. ففي هذه الموارد لا يعقل أن يكون هناك فرق 
بين الرسول الأكرم # والإمام والفقيه)(2) 

وهذا يعبر عن الولي الفقيه بكونه نائبا للإمام» أو خليفة له أو ممثلا في الأمة عنه» وهو 
ما يعطيه مكانة اجتماعية مهمة تجعل لأوامره من القداسة والأهمية ما ليس لغيرهاء ومع ذلك 
لا ترقى به إلى مرتبة النبوة والإمامة. 

بناء على هذا استعمل القائلون بولاية الفقيه» وخصوصا الخمينيء الكثير من الأدلة 
العقلية لإقناع المخالفين» أو جماهير الناسء وأوطا البداهة العقلية التي تبدو من خلال الإجابة 
على أمثال هذه التساؤلات: (هل يجوز تصدّي الفقيه للشؤون الاجتاعيّة والأمور العامّة 
المتلتين و لخرهز” ميعن لين طاعة إوانترةالنقيه وتواطية فق الأنوو اللجع اف 
والتياتة وهل قت هليهن ساعد الثفيه العادل فق عارسة الولايةغل مور المتلمين 
العائة؟ وهل عور للسبلمين أن يسلطوا عل أمورهم قي الفقيه العادل؟ :وهل تيب تطاعة 
أحكام الول الفقيه من قبل سائر الفقهاء؟ )© 


. الحكومة الإسلامية» ص52‎ )١( 
. 5 المرجع السابق» ص8‎ (0 


(©) انظر: الحكومة الإسلامية: دروس في الفكر السيامي الإسلامي»؛ مركز نون» ص ١79‏ . 


ايك 





فالإجابة البديبية على هذه التساؤلات هي أن الحكومة الإلهية تقتضي علما واسعا 
بالشريعة؛ وكيفية تنفيذهاء ذلك أنه لا يمكن أن ينفذ الشريعة من لم يحط علم| بفروعها وأصوها. 

وذلك يقتضي أن يكون لذلك العالم الفقيه الكثير من السلطات التي تتيح له ذلك 
التطبيق» وكلم| كانت السلطات أكثر كان التطبيق أفضل» وأحق باسم الشريعة. 

فلو آن دور الفقيه لم يتعد الاستشارة» ول يكن له دور التنفيذ» لم يتمكن من تنفيذ الكثير 
من أحكام الشريعة» ولذلك ستعطل باعتبار أنه لم يُستشر فيهاء أو لم يكن له رأي حتى يدليه 
تحوها: 

لكن إن كان للفقيه كل السلطات» بحيث يقدم ما يشاء» ويؤخر ما يشاء. ويخطط للدولة 
ومستقبلها في جميع المجالات بناء على علمه بأحكام الشريعة؛ فإن تطبيق الشريعة حينها سيكون 
في أوج كاله الممكن» وخاصة إن استعان بالمستشارين من الفقهاء وغيرهم؛ وني المجاللات 
المختلفة» وخاصة إذا علمنا أن مصطلح [الفقيه] الذي ترتبط به الولاية» لا يعني فقط العلم 
بالأحكام الشرعية؛ وإنما يعني علوما كثيرة سنتطرق لما عند الحديث عن الجانب التطبيقي من 
ولاية الفقيه. 

ونحب أن نذكر هنا باختصار بعض الناذج عن الآدلة العقلية التي اسنتد إليها القائلون 
بولاية الفقيه» وهي كما يلٍ27: 

النموذج الأول: 

وينص على أن علة بعث الأنبياء والأئمة موجودة في نصب الولي؛ فالمتكلمون ذكروا أن 
الله تعالى رحمة بعباده نصب لمم من يحفظ البلاد» وينظم أمور المعاش والمعاد» وأوجب ذلك 


على نفسه؛ فكم| وجب النصب عقلاً بالنسبة إلى النبي والإمام وجب النصب عقلا بالنسبة إلى 


)١(‏ انظر في تقريرات هذه الأدلة: ولاية الفقيه مفهوماً ودليلاً » السيد أبو الحسن الموسوي الغريفي» مركز الصدرين للدراسات 


السياسية» و الحكومة الإسلامية: دروس في الفكر السيامي الإسلامي» مركز نون. 


5” 


القائم مقامهم. وهو الولي الفقيه» أو ىا عبر عن ذلك الخميني بقوله: (لا يعقل ترك ذلك من 
الحكيم الصانع» فا هو دليل الإمامة بعينه دليل على لزوم الحكومة بعد غيبة ولي الأمر (عجّل 
لله فرجه) ولا سيها مع طول الأمد)17) 

وقد قرر بعضهم هذا الدليل عن طريق المقدمات التالية(»): 

١‏ الإنسان كائن اجتماعيّ» ومن الطَّبِيعيَ حدوث التََّازْع والاختلاف في كل مجتمع» 
ولذلك. فالمجتمع البشريّ بحاجة إلى التّنظيم والانضباط. 

؟ - لا بدٌ من أن يضمن نظام الحياة الاجتاعيّة البشريّة كمال الإنسان وسعادته الفرديّة 
والاجتاعيّة. 

لا يتم تنظيم الحياة الاجتاعيّة. با يجعلها خالية من التّاعات والاختلافات» 
واضبايتة لشعادة الانساة المتنوكة والغائة الام شلذل القوانن المناسية والفد ادير 

؛ ليس للبشر قدرة على تنظيم ال حياة الاجتماعيّة المطلوبة من دون الله. 

ه ‏ لا بل من أن يكون حامل القوانين الإلهيّة وحافظها معصوماً لتصل إلى الإنسان 
بصورة كاملة» ومن دون نقص وتدخل وتصرّف. 

١‏ تبيين الدّين الكامل وإجراؤه يتطلّب نصب الوصيّ والإمام المعصوم. 

”لا يؤمّن الهدف المذكور ‏ أي الحياة الاجتاعيّة المطلوبة والمنسجمة مع القوانين 
الشّرعيّة ‏ في حالة فقدان النبيّ والإمام المعصوم. إِلّا من طريق القائد العالم بالوحي والعامل 
به. 

وبناء على هذا؛ فالمقدمة السادسة. في هذا البرهان» مقيدة بلزوم نصب الإمام» والمقدمة 


السّابعة تثبت ضرورة نصب القائد في زمان غيبة الإمام. 


دق كتاب البيع» الخميني » ج 7 ص 515.. 
(؟) الحكومة الإسلامية: دروس في الفكر السياسي الإسلامي» مركز نون» ص؟7١7.‏ 


1١ 


وقد عبر عن الصّورة الحاصلة من اندماج مقدّمتي هذا البرهان الشيخ جوادي آملي 


بقوله: (إِنّ حياة الإنسان الاجتاعيّة وكىاله الفرديّ والمعنويّ تتطلّب» من جانبء قانوناً هيا 
فق الأيعاه الفردة والاتسراء 1ه مصونا وعفرظا من الحعقه والنتصى واتفطأ والصيياةة 
وتحتاج» من جانب آخرء إلى حكومة دينيّة وحاكم عالم وعادل تمدق وجرا ذلك القانون 
الكامل. والحياة الإنسانيّة لا تتحقّق» في بعدها الفرديّ والاجتماعيّ» بدونه) أو بأحدهماء 
وفقدانه) في البعد الاجتماعيّ يوجب الحرج والمرج وفساد المجتمع الذي لا يقرّه أيْ شخص 
عاقل. وهذا البرهان الذي هو دليل عقل» ولا يختصٌ بأرض وزمن معيّنين» يشمل زمان 
الأنبياء عليهم السلام. ولما كانت نتيجته ضرورة النبوّة» فإنّه يشمل» أيضاًء ما بعد نبوّة الرسول 
الخاتم ##» ما يعني أنه يفضي إلى ضرورة الإمامة» وكذلك إلى عصر غيبة الإمام المعصوم 
وحاصله ضرورة ولاية الفقيه)(1) 

النموذج الثاني: 

وهو متكون من حمس مقدمات: 

المقدمة الأولى: يلزم في كل مجتمع أن يكون فيه قانون وحكومة تحكمه, وإلا لساد ال هرج 
والمرجء وهذا أمر وجداني مؤيد بالنصوص المقدسة» ومن أمثال قول الإمام علي في جواب 
الخوارج عندما سمع قوهم: (لا حكم إلا لله)» حيث قال: (كلمة حق يراد بها باطل» نعم, إنه 
لا حكم إلا لله ولكن هؤلاء يقولون: (لا إمرة إلا لله)» وإنه لا بد للناس من أمير براً كان أو 
ع0 

المقدمة الثانية: أن المجتمع الإسلامي فيه قانون إهي» يعتقد المسلمون بصحته وكاله. 
وهو يوجب العمل والحكم على طبقه» كا في قوله تعالى: 8 وَمَنْ ! يحْكمْ ب أنْرَلَ الله فَأُولَيِكَ 


..١107و‎ ١6١ ولاية الفقيه:‎ )١( 


(؟) نبج البلاغة / الخطبة .5١‏ 


1 


هم الْكَافْرُونَ4 [المائدة: 5 4] 

المقدمة الثالثة: قوانين كل بلد يلزم أن تكون منسجمة فيا بينهاء وصادرة من منشأ 
واحد. حتى لا يحصل فيها التعارض والتزاحم والخلل» والأمر كذلك في قوانين الحكومة 
الإسلامية» حيث يجب أن تكون صادرة من اجتهاد فقهي واحد, أي جميع قوانين البلاد تكون 
مطابقة لفتوى فقيه معين» وهذه الوظيفة الأولى للولي الفقيه. 

المقدمة الرابعة: في كل إدارة يلزم أن يكون المدير واحداء ومركزه على رأس الهرم 
الإداري في إصدار الأوامر حتى لا يؤدي التعدد إلى حصول النزاع والتخاصم بين المدراءء 
ويؤدي إلى ضعف عملهم أو عدم انسجامه وتوحده في نظام عام» وكذلك الإدارة السياسية 
الإسلامية يلزم أن يكون الحاكم شخصا واحدا. 

المقدمة الخامسة: اتخاذ القرار السياسي لابد أن يكون صادرا من شخص الحاكم بحسب 
تشخيصه للمشكلة الموجودة في الواقع الخارجي وعلمه بالقانون» فيحدد القرار المناسب لرفع 
المشكلة على وفق القانون» حاله حال الطبيب الذي يشخص المرضء ويعطي العلاج المناسب» 
ولا يمكن الفصل بين الطبيب المشخص للمرض وبين المعطي للعلاج» وكذلك الحال في 
الحاكم الإسلامي لابد أن يكون فقيها عالم بالقانون الإسلامي على نحو يستطيع أن يستنبط منه 
الحكم المناسب لمشكلة الواقع السياسي الخارجي, وهذه الوظيفة الثانية للولي الفقيه. 

والنتيجة التي تدل عليها هذه المقدمات هي أن وظيفة الحاكم الإسلامي تتنلخص في 
أمرين: 

التقنين: أي تقنين قوانين الحكومة الإسلامية واستنباطها من مصادرها الشرعية بحيث 
تكون جميع أحكام الدولة مطابقة لفتواه واجتهاده الشرعي الذي توصل أليه. 

التطبيق: أي ممارسة السياسة بنفسه أو الإشراف عليها على نحو يطابق مبادئ الإسلام 
ويحول دون مخالفة أحكام الإسلام بحسب فتواه واجتهاده الشرعي الذي توصل إليه. 


لذ 


وهاتان الوظيفتان لا تمنعان من تفكيك القوى إلى السلطات الثلاثة» بحيث يكون دوره 
دور الإشراف» وصاحب القرار النهائي» وكل قرار سياسي يكون على طبق فتواه واجتهاده 
الشرعي الذي توصل إليه. 

النموذج الثالث: 

وهو دليل عقلي مركّبء يتكوّن من بعض المقدّمات الشَّرعِيّ بالإضافة للأدلة العقلية 
وقد ذكره العلامة الكبير السيد حسين البروجردي(1/17/0- ١151‏ )» بالاستناد لهذه المقدّمات 
العقليّة والنقليّة(0© : 

١‏ ييتصدّى الحاكم لتلبية الحاجات التي يتوقّف عليها حفظ نظام المجتمع. 

7 التفت الإسلام إلى هذه الحاجات» وشرّع لا الأحكام اللازمة» وطالب حاكم 
المسلمين بإجرائها. 

كان قائد المسلمين وزعيمهم» في صدر الإسلام» رسول الله #» ومن بعده الآئمّة 
الأطهار» وكان من وظائفهم سياسة شؤون المجتمع وإدارتها. 

4- القضايا السَّياسيّة وإدارة شؤون المجتمع لا تقتصر على ذلك الزمان» فهي من 
حاجات المسلمين في العصور والذهون جميعها. 

4 -لم يكن من السّهل على المسلمين» الوصول إلى الأئمّة في حياتهم» ولذلك. فإِنّنا نوقن 
بام تظبوا يعض الأقراك لإذازة هله الأموو وتحى له تععدل ‏ فى عضر الغرية:. أن يكور 
الأئمة قد خهوا عن الرّجوع إلى الطواغيت وأعواتهمء وفي الوقت نفسه أعملوا السّياسة» ولم 
ينضصّبوا بعض الأفراد لتدبير الأمور السّياسيّة» ورفع الخصومات وسائر المتطلّبات الاجتاعيّة 
المهمّة. 


١‏ بالتّظر إلى لزوم نصب الوليّه من جانب الأئمّة» لا بد من إحراز تعبين الفقيه العادل 
)١(‏ ولاية الفقيه: ١51/‏ و5/8١..‏ 


1 


لإحراز هذا المنصبء لأنه لا أحد يعتقد بنصب غير الفقيه لهذا المنصبء فليس هناك سوى 
احتمالين: 


الأوّل: أن الأئمّة لم ينضّبوا أحداً» وإنَّا هوا عن الرّجوع إلى الطّاغوت والسّلطان الجائر 


فقط. 

والثاني: إئْم نصّبوا الفقيه العادل لهذه المسؤوليّة. 

ويتّضح من المقدمات الأربع السابقة بطلان الاحتمال الأوّل. وعليه» قطعاًء تم نصب 
الفقيه العادل. 

النموذج الرابع: 

وقد قرّره الشيخ جوادي آمل على حسب المقدمات التالية(©©: 

١‏ . صلاحيّة الدّين الإسلاميّ وديمومته إلى يوم القيامة من المسلّمات والواضحات. 

؟. تعطيل الإسلام؛ في عصر الغيبة» مخالف لخلود الإسلام في جميع الشؤون العقديّة 
والأخلاقيّة والعمليّة. 


“'. إقامة النُظام الإسلاميّ وإجراء أحكامه وحدوده والدفاع عن كيان الدَّين وحفظه 
من الطامعين أمورٌ لا يشك في ضرورتها. 

5 الله تعالى بحكمته ولطفه بعباده لا يرضى ببتك الحرمات الشَّرعِيّة وأعراض الناس 
وضلاهم وتعطيل الإسلام. 

5. دراسة الأحكام السّياسيّة ‏ الاجتماعيّة للإسلام تفيد استحالة تحققها من دون زعامة 
الفقيه الجامع للشرائط. 

وبناء على هذه المقدمات, فإن العقل يحكم, على هذا الأساس. أن الله تبارك وتعالى لم 
يترك الإسلام والمسلمين في عصر الغيبة من دون زعامة. 


..١5/8و‎ ١51/ ولاية الفقيه:‎ )١( 


16 


 "‏ الأدلة القرآنية والروائية على ولاية الفقيه: 

من أكبر الآدلة على كون [ولاية الفقيه] مسألة من المسائل المطروحة قديماء وأنها ليست 
بدعة ابتدعها الخميني» ولا تصحيحا للتشيع» أو روجا عدف أو تأثرا بالمدوسة السنية» أو 
الحركات الإسلامية» ى) يزعم بعض الباحثين من المدرسة السنية والشيعية» هو تلك النصوص 
القرآنية والروائية التي تتحدث عن السلطات التي يمكن أن يتولاها الفقيه» باعتباره واسطة 
بين الله وعباده في تعريف الأحكام الشرعية» وفي تولي تنفيذها. 

وقد ذكر تلك النصوص أكثر الفقهاء القدامى(١»»‏ حيث نجد الحديث عن مسائل ولاية 
الفقيه كفتاوى من غير إشارة الى دليل عند الشيخ المفيد (المتوفى 17١5ه)»‏ فقد صرح بها في 
المقنعة("2 » والطوسي في النهاية20» ومحمد بن إدريس الحليٍ في السرائر؟»» والمحقق الأردبيلٍ 
في مجمع الفائدة والبرهان0*» والمحقق الأول في شرائع الإسلام27, وغيرهم. 

كما نجدها مذكورة ‏ مع الأدلة المختصرة ‏ عند العلامة الحل في المختلف والتذكرة» 
وباقي كتبه2» ونصير الدين الطومي» والشهيد الأول في الدروسء والشهيد الثاني في المسالك 
واللمعة» ى) نقل الإجماع عليها العديد من الفقهاء منهم المحقق الكركي في رسالة صلاة 
الجمعة200 وغيرهم. 


)١(‏ انظر: ولاية الفقيه مفهوماً ودليلاً» السيد أبو الحسن الموسوي الغريفي» وقد استفدنا منه الاقتباسات التي ذكرت ولاية 
الفقيه في الكتب الفقهية. 

)١(‏ المقئعة: هلال "7ك ١‏ لل 1د ملا 45707 لات 4لالا١١!‏ الاء 75٠‏ وغيرها. 

(9) النهاية: مك 97/0١‏ ل ة للعلا 

(5) السرائر» ج””. ص57"8 و579. 

(5) مجمع الفائدة والبرهان: 1/8:17.. 

(1) الحلي» جعفر بن حسنء شرائع الإسلام» مختلف الشيعة: 5: /517. تذكرة الفقهاء» ج١.‏ ص57 5 . 

(0) محمد علي المدرسء ج 7 ص 1717 . والرضويء محمد تقي المدرسء أحوال وآثار خواجة نصير الدين الطوسي. 

(8) رسائل المحقق الكركي (المجموعة الأولى): .١57‏ 








11 


كما نجدها ‏ مع الدليل المفصل ‏ عند الشيخ النراقي» الذي بحث فيها بحثا مفصلاً في 
عوائد الأيام(١"»‏ ومثله المير عبد الفتاح المراغي في كتاب العناوين(©, والسيد محمد آل بحر 
العلوم في كتاب بلغة الفقيه2"7» وصاحب المستند» وصاحب الجواهر الذي قال: (بل هو 
المشهورء بل لا أجد فيه خلافاًء ثم أخذ في الاستدلال بنصوص روايات كثيرة» وأخيراً قال: 
فمن الغريب وسوسة بعض الناس في ذلكء بل كأنه ما ذاق من طعم الفقه شيئاًء ولا فهم من 
لحن قولهم ورموزهم ‏ يقصد أئمة أهل البيت ‏ أمراً)7؟» » وختم قوله هذا بقوله: (هذا حكم 
أساطين المذهب». والميرزا محمد حسين النائيني في كتابه تنبيه الأمة وتنزيه الملة 0»» وغيرهم. 

وفي الأخير تحولت إلى مرحلة التطبيق العملي» وما تبعه من التأصيلات النظرية» 
والتحقيقات العلمية المرتبطة بهاء والتي حولتها إلى حقيقة بديبية واضحة. 

وقد اعتبر بعضهم هذه الموارد نوعا من الإجماع الفقهي عليهاء ى) عبر عن ذلك العلامة 
محمد هادي معرفة بقوله: (كانت هي مورد اتفاق الفقهاء فيا سلف حتى عصر صاحب 
الجواهر حيث بدت بعده وساوس المتشككين. وراق لبعضهم إنكارها رأساء إنكار أمر كان 
قد أحكمه أساطين المذهب)7) 

وهذا لا يعني عدم ورود الخلاف في المسألة؛ فقد صرح بالخلاف فيها الشيخ الأنصاري 
الذي حصر ولاية الفقيه في التصدّي للأمور الحسبية فقطء ومثله السيّد الخوئي الذي أنكر 


مطلق الولاية للفقيه حتى ولايته في شؤون القضاءء بل أثبت نفوذ قضائه» وحجّية فتوا 


..07”7 عوائد الأيام:‎ )١( 

(؟) العناوين 7: /501., العنوان "الا 5 لاء 0/ا. 

() بلغة الفقيه. رسالة في الولايات. 

(5) جواهر الكلام - ج١5‏ ص5 7917/79. 

(5) النائيني» محمد حسينء تنبيه الأمة وتنزيه الملق»ه ص١4‏ . 


(5) آية الله محمد هادي معرفة» ولاية الفقيه أبعادها وحدودهاء ص7... 


/ا1 





والتصرف في أموال القصّر أو غير ذلك لا من باب الولاية» بل من باب الأمور الحسبية. 

لكن السيّد الخوئي نفسه. وفي أواخر عمره. تصرف با تقتضيه ولاية الفقيه العامة) 
حيث أنه قام في أيام الانتفاضة الشعبانية بتنصيب عشرة من تلامذته الأكفاء لقيادة العراق في 
تلك الظروفء وكان ذلك نوعا من صلاحيات الول الفقيه. 

وهذا الموقف إما أن يحمل على تراجع السيد الخوئي عن موقفه القديم» والقول بولاية 
الفقيه» ى] فعل تلميذه السيد علي السيستاني بعد احتلال العراق» وصرح بعد ذلك بقبوهاء أو 
أنه وسّع الحسبة» ا برر ذلك بعضهم بقوله: (لا يتصور أن مفهوم الحسبة ضيق جداًء بل 
يشمل كل ما كان للمعصوم في إدارة شؤون الآمة الإسلامية)» وهذا بعينه القول بولاية الفقيه 
العامة. 

بناء على هذا نجد القائلين بولاية الفقيه يستدلون لها بالكثير من الأدلة النصية» والتي 
يمكن تصنيفها إلى ما يلٍ: 

أ الأدلة من القرآن الكريم: 

وقد حمعها العلامة الشيخ أحمد أزري قمّي في كتابه (ولاية الفقيه من منظار القرآن 
الكريم)» ومن الآيات التي أوردها للدلالة عليها: 

1 قله سال انها الذي آمثوا أطيخوا ان 1 اطيثوا الكشول وَأُولٍ الْأمْر مِنَكُمْ» 
[النساء: 154 والتي علق عليها الخميني بقوله: (إن جعل الرسول الأكرم ين رئيساً وعد 
طاعته واجبة ليس المراد منه أنه إذا ذكر الرسول حكرماً فيجب علينا القبول والعمل به» فالعمل 
بالأحكام إطاعة لله عز وجلء وكل الاعمال العبادية وغير العبادية التابعة للأحكام هي إطاعة 
لله» واتباع النبي الأكرم يي ليس عملا بالأحكامء وإنما هو أمر آخرء أجل طاعة الرسول الأكرم 
َي هي بمعنى من المعاني طاعة الله لأن الله قد أمر أن نطيع رسوله يَي فإذا أمر الرسول الأكرم 


يَأ الذي هو رئيس المجتمع الإسلامي وقائده ‏ أمر الجميع بلزوم الذهاب إلى الحرب مع 


16 


جيش أسامة؛ فلا يحق لأحد أن يتخلف. وهذا ليس أمر الله» وإنما هو أمر الرسول ##. فالله 
تعالى قد أوكل الحكومة والقيادة له يل ويقوم هو يك وفقاً للمصلحة بتجييش الجيوش. 
وتعيين القضاة والحكام والولاة» أو يعزلهم) 

وبناء على ما ورد في الرواية عن رسول الله 86: (الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في 
الدنيا». قيل: يا رسول الله وما دخولهم في الدنيا؟ قال: (اتباع السلطان؛ فاذا فعلوا ذلك» 
فاحذروهم على دينكم)(2 » فإن النص في الآية ‏ كا يذكر الخميني ‏ يتعلق بهم أيضاء حيث 
قال: (وبناءً على هذا فالفقهاء أمناء الرسل» تعني أن الفقهاء العدول مكلفون ومأمورون بالقيام 
بجميع الأمور التي كانت في عهدة الأنبياء» ولئن كانت العدالة من الأمانة» فمن الممكن أن 
يكون الانسان أميناً في الأمور المالية» دون أن يكون عادلاً» إلا أن المراد من أمناء الرسل هو 
أولئك الذين لا يتقاعسون عن أداء أي تكليف. والذين يكونون طاهرين ومنزهين)7» 

وقد ورد في هذا روايات كثيرة في المصادر السنية والشيعية تعتبر الفقهاء والعلماء بالدين 
من أولي الآمرء كما روي عن الإمام علي قوله: (أحق الناس بهذا الأمر أقواهم عليه وأعلمهم 
بأمر الله فيه)» وقال: (ولا يحمل هذا العلم إلا أهل البصر والصبر والعلم بمواضع الحق)0", 
وقال: (إن أولى الناس بالأنبياء أعلمهم بها جاءوا به)» ثم تلا قوله تعالى: إن أَوْلَ اناس 
بِإبْرَاهِيمَ َلَِّينَانبعُوهُ وَهَذَا الب وَالَذِينَ آمَُوا وَاَُ وَل الؤْمنِينَ4 [آل عمران: 14]» وقال 
تعالى: لأَقَمَْ دي إِلَ الح أحلٌ نيم من لا يدي إلا أن يخدَى ما لَكُمْ َف تَكُمُونَ»* 
[يونس: 0 0)]7:) 

وهاتان الآيتان الكريمتان واضحتان في الدلالة على ولاية الفقيه» حيث أنهم| تنصان على 

)١(‏ اصول الكافي» ج١.‏ ص08.. 
(؟) الحكومة الإسلامية» ص50. 


() نبج البلاغة» الخطبة رقم ..١5717‏ 


(5) مجمع البيان» ج 7 ص42/86.. 


4 


أن الاتباع لا يكون إلا للمهتدين» ولا يكون المرء مهتديا ما لم يكن له علم مفصل بمواضع 
الحداية» وذلك ليس إلا للفقيه العالم. 

؟ ‏ قوله تعالى: لوَإِذًا جَاءَهُمْ أَمْرٌمِنَ الْأَمْنِ أو الْحَوْفٍ اا ار عو 
ا 0 ا 0 
احنا لتر كر طق شرل اف ا ا 
إلا للفقيه العالم. 

وقد ذكر هذا المعنى الكثير من فقهاء المدرسة السنية» ومنهم الإمام الجويني» الذي نص 
على هذا بقوله: (إذا كان صاحب الأمر مجتهداً فهو المتبوع , الذي يستتبع الكافة في اجتهاده ولا 
يتبع » أما إذا كان سلطان الزمان لا يبلغ مبلغ الاجتهاد فالمتبوعون العلماء » والسلطان نجدتهم 
وشوكتهم » والسلطان مع العالى كملك في زمان نبي » مأمور بالانتهاء إلى ما ينهيه إليه النبي) 207 

ويصرح في موضع آخر من كتابه على ذلك بقوله: (إذا شغر الزمان عن الإمام» وخلا 
عن سلطان ذي نجدة وكفاية ودراية » فالآمر موكول إلى العلماء » وحق على الخلائق على 
اختلاف طبقاتهم أن يرجعوا إلى علمائهم » ويصدروا في جميع قضايا الولايات عن رأيهم » فإن 
فعلوا ذلك » فقد هدوا إلى سواء السبيل » وصار علاء البلاد ولاة العباد » وهم على الحقيقة 
أصحاب الأمر استحقاقاً . وذو النجدة من الحكام مأمورون بارتسام مراسمهم » واقتفاء 
أثرهم» والانكفاف عن مزاجرهم )() 

بل إنه ينص على كيفية تطبيق ولاية الفقيه؛ فيقول: (وإن كثر العلماء في الناحية فالمتبع 


دق الجويني » غياث الأمم » ص ."8١‏ 


0( المرجع السابق» (ص )2 


أعلمهم » وإن فرض استواؤهم في العلم » فإصدار الرأي عن جميعهم) 20 

ومثله قال الفخر الرازي: (لكن المقصود بأولي الأمر في الآية هم العلماء » وأعمال الأمراء 
والسلاطين موقوفة على فتاوي العلماء » والعلماء في الحقيقة أمراء الأمراء » فكان حمل لفظ أولي 
الأمر عليهم أولى) 27 

*- قوله تعالى: إن ْنَا الّوْوَاة فيهَا هُدَى وَتُورٌ يحَكُمْ با التيُونَ الّذِينَ أُسْلَمُوا لِلّذِينَ 
هَادُوا وَالرَنَاِيُونَ وَالْأَحْبَارُ يي اسْتْحْفِظُوا مِنْ كِتَابٍ الله وَكَانُوا عَلَيْه شهَدَاءَ قلا تَخْشَوًا النّاسَ 
وَاحْشَوْنِ وَكَاتَشْبَُوا كيت كَمَنَاقَِلَاوَمَنْ 1يحْكُمْ يأرل الله كأولَيكَ هُمُ الْكَافِرُونَ 4 [المائدة: 
4 حيث حصرت الآية الكريمة الحكم لثلاث أصناف من الناس: وهم( النبيون) والمراد 
بهم الأنبياء ورسل الله تعالى» و( الربانيون) وهم ورثتهم من الآثمة» و(الأحبار) وهم فاوثة 
الآئمة من العلماء» فأثبتت هذه الآية الكريمة الولاية للعلماء في حال غياب الأنبياء والآئمة. 

ب الأآدلة الروائية: 

وهي كثيرة جداء نذكر باختصار بعضهاء مع بيان وجوه استدلال الخميني بهاء على 
حسب ما ذكره في كتابه [الحكومة الإسلامية]: 

الرواية الأولى: 

وهي ما روي عن عمر بن حنظلة» أنه سأل الإمام الصادق عن رجلين حصلت بينهم| 
منازعة في دين أو ميراث» فتحاكما إلى السلطان وإلى القضاة؛ فقال له الإمام الصادق: من تحاكم 
إليهم في حقٌّ أو باطل فإنّا تحاكم إلى الطاغوتء وما يُحكم له فإنّا يأخذه سحتاً وإن كان حقّاً 
ثابتاً له لأنّه أخذه بحكم الطاغوت وما أمر الله أن يُكفر به» قال الله تعالى: #يُرِيدُونَ أَنْ 


- مر و 3 مه 2 َه 0 
تشاكمرا إل الطاغورت وقد أمتوا أن يكذ وانيد» [المناءة ]4 فقال لذ عبر فكيك 


دلق المرجع السابق» (ص مك4 
(؟) مفاتيح الغيب: )15٠١/0(‏ 


الا 


يصنعان؟ فأجابه الإمام الصادق: (ينظران من كان منكم قد روى حديثناء ونظر في حلالنا 
وحرامناء وعرف أحكامنا؛ فليرضوا به حكاً» فإني قد جعلته عليكم حاكاً؛ فإذا حكم بحكمنا 
فلم يقبل منه» فإنم| استخف بحكم الله وعلينا ردّ والرادٌ علينا الرادّ على الله» وهو على حد 
الشرك بالله) 207 

وقد اهتم الخميني ببذه الرواية» وأشار إليها كثيرا عند استدلالاته على ولاية الفقيه» وقد 
قال عنها: (هذه الرواية من الواضحات. وليس ثمة وسوسة في سندها ودلالتهاء فلا ترديد في 
أن الإمام الصادق قد عين الفقهاء لأجل الحكومة والقضاءء وعلى جميع المسلمين طاعة أمر 
الإمام) 290 

ومع كون الرواية واضحة في الدعوة لتحكيم الفقهاء والعلماء» بدل القضاة والسلاطين» 
إلا أننا سنقتبس بعض ما ذكره الخميني من وجوه الاستدلال بها(©: 

١‏ كما يتتحصل من صدر وذيل هذه الرواية» ومن استشهاد الإمام الصادق بالآية 
الشريفة» فإن موضوع السؤال كان حكاً عاماء ى أن الإمام قد بين التكليف العام» وقد ذكرت 
الرجوع في الدعاوى الحقوقية والجزائية إلى القضاة» وإلى المسؤولين التنفيذيين والحكوميين 
بشكل عامء فالرجوع إلى القضاة يكون لأجل اثبات الحق» وفصل الخصومات» وتعيين 
العقوبة» والرجوع إلى السلطة لأجل إلزام الطرف الآخر في الدعوى بقبول النتيجة: أو لتنفيذ 
الحكم الحقوقي أو الجزائي. 

” -في هذه الرواية يُسأل الإمام عن جواز الرجوع إلى سلاطين الجور وقضاتهم» ويجيب 


الإمام بالنهي عن الرجوع إلى دوائر الحكومات غير الشرعية» سواء التنفيذية أو القضائية 


00)غ20 الكافني » جلا ص١١‏ 5.» رقم 0.. 
)١(‏ الحكومة الإسلامية» ص8/8. 


فرق المرجع السابق» ص١1‏ 8/. 


ل 





ويقول بأنه على الشعب المسلم ألا يرجع في أموره إلى سلاطين وحكام الجور والقضاة العاملين 
لديهم؛ حتى لو كان حق الشسخص المراجع ثابتاء ويريد الرجوع لإحقاقه وتحصيله.. ومن رجع 
إليهم في موارد كهذه فقد رجع إلى الطاغوت, أي السلطات غير الشرعية» وما يأخذه من حق 
بواسطتهم فإن| يأخذه سحتاء وإن كان حقاً ثابتاً له فهو حرام؛ ولا حق له في التصرف فيه. 

 "“‏ بين الخميني بعض الأسرار الثورية التي يحملها قول الإمام الصادق؛ فقال: (هذا 
حكم سيامي للإسلام» حكم يبعث على امتناع المسلمين عن الرجوع إلى السلطات غير 
الشرعية والقضاة التابعين ل هم» وذلك لكي تتوقف الأجهزة الحكومية الجائرة وغير الإسلامية» 
وتتعطل هذه المحاكم الطويلة العريضة التي لا يعود للناس منها سوى التعب والمشقة وتفتح 
الطريق إلى أئمة ال هدى وإلى الأشخاص الموكل اليهم حق الحكم والقضاة من قبلهم» وال هدف 
الأسامبي هو عدم السماح للسلاطين والقضاة التابعين لهم بأن يكونوا مرجعاً للأمورء وبأن 
يتبعهم الناس في ذلك. فقد أعلن الأئمة للأمة الإسلامية أن هؤلاء ليسوا بمرجع. والله تعالى 
أمر الناس بالكفر بهم وعصياهم؛ والرجوع اليهم يتنافى مع الكفر بهم, فإذا كنت كافراً بم 
وتراهم ظالمين وغير لاثقين» فيجب ألا ترجع إليهم) 07) 

5 بناء على هذاء وبناء على حاجة الناس للقضاة والحكام؛ فإن قول الإمام الصادق» 
ليس سوى دعوة لتحقيق ولاية الفقيه في الواقع» ىما ينص الخميني على ذلك بقوله: (بناءاً على 
هذاء ف) هو تكليف الأمة؟ وما الذي يجب عليهم عمله في الحوادث والمنازعات؟ وإلى من 
يرجعون؟.. فالإمام لم يترك شيئاً مبهاً ليقول البعض إذن فرواة الحديث هم المرجع والحاكم» 
بل ذكر كل الجهات وقيد (الرواة) بكونهم من نظر في الحلال والحرام وفقا للقواعد, وله معرفة 
بالأحكام» ويمتلك الموازين لتمييز الروايات الصادرة على خلاف الواقع .. ومن الواضح أن 


دلق المرجع السابق» ص/17/. 


رف 


معرفة الأحكام ومعرفة الحديث أمر آخر غير نقل الحديث) 217 

يقول تعليقا على قول الإمام الصادق: (فإني قد جعلته عليكم حاك]ً): (أي منصباً 
من قبل للحكم والامارة» وللقضاء بين المسلمين. ولا يحق للمسلمين أن يرجعوا إلى غيره» 
وبناءاً عليه» فلو اعتدى أحدهم على مال لكمء فالمرجع في الشكوى هي السلطة التي عينها 
الإمام» وإذا تنازعتم مع أحد على دّينء واحتجتم إلى اثبات ذلكء فالمرجع هو ذلك القاضي 
الذي عينه أيضاًء ولا حق لكم في الرجوع إلى غيره. وهذه وظيفة جميع المسلمين» وليس تكليفاً 
خاصاً بعمر بن حنظلة حين يواجه تلك المشكلة» فأمر الإمام هذا عام وكلي» فكما كان أمير 
المؤمنين في زمان حكومته يعين الحكام والولاة والقضاة» وكان على جميع المسلمين أن يطيعوهم, 
فالإمام الصادق أيضاً بها أنه ولي الامر المطلق, وله الولاية على جميع العلماء والفقهاء والناس» 
فهو يستطيع أن يعيّن الحكام والقضاة لزمان حياته» ولما بعد مماته. وقد قام بذلك وجعل هذا 
المنصب للفقهاءء وإنما قال [حاكً] لكيلا يتوهم البعض أن الأمر مختص بالمسائل القضائية» 
ولا يشمل سائر أمور الحكم والدولة) 7 

الرواية الثانية: 

وهي ما روي عن سالم بن مكرم المكنى بأبي خديجة20, أنه قال: (بعثني أبو عبد الله إلى 
أحد أصحابناء فقال: قل لهم: إِيّاكم إذا وقعت بينكم خصومة أو تدارى في شيء من الأخذ 
والعطاء» أن تُحاكموا إلى أحدٍ من هؤلاء الفسّاق» اجعلوا بينكم رجلاً قد عرف حلالنا وحرامنا 
فإن قد جعلته عليكم قاضياً وإيّاكم أن تُخاصم بعضكم بعضاً إلى السلطان الجائر)9؟) 


)١(‏ المرجع السابق» ص17/. 

(؟) المرجع السابق» ص8/8. 

("» كان من أصحاب الإمامين الصادق والكاظم وروى عن كليهاء ونَّقه ابن قولويه؛ وعلّ بن فضّالء وعبّر عنه الرجاليّ 
الكبير النجاشيّ بالثقة. 


)2( وسائل الشيعة. ج18. ص١١٠.‏ 


7”: 


وقد ذكرها الخميني في كتابه [الحكومة الإسلامية ]» وذكر وجوه الاستدلال بها بتفصيل 
نختصره في| يل 20 : 

١‏ المراد من التداري المذكور في الرواية هو الاختلاف الحقوقي؛ فالمعنى أن لا ترجعوا 
إلى هؤلاء الفساق في الاختلافات الحقوقية والمنازعات والدعاوي. ومن قوله بعد ذلك: (إني 
قد جعلته عليكم قاضياً) يتضح أن المقصود من [الفساق] هم القضاة المعينون من قبل سلاطين 
ذلك الوقتء والحكام غير الشرعيين. ويقول في ذيل الحديث: (وإياكم أن يخاصم بعضكم 
بعضاً إلى السلطان الجائر)» أي لا ترجعوا في الأمور ذات العلاقة بالسلطة التنفيذية هؤلاء 
الحكام غير الشرعيين. 

؟. أن السلطان الجائر هو كل حاكم جائر وغير شرعي بشكل عام؛ ويشمل جميع الحكام 
غير الإسلاميين» والسلطات الثلاث القضائية والتشريعية والتنفيذية جميعاًء لكن بالالتفات إلى 
أنه قد نبى قبل ذلك عن الرجوع إلى قضاة الجور» يتضح أن المراد بهذا النهي فريق آخرء وهم 
السلطة التنفيذية. 

“- أن قوله: (إياكم أن يخاصم بعضكم بعضاً إلى السلطان الجائر) ليست تكراراً للكلام 
السابق» أي النهي عن الرجوع إلى الفساق. وذلك لأنه قد نبى أولاً عن الرجوع إلى القاضي 
الفاسق في الآمور المتعلقة به من التحقيق» وإقامة البيّنة» وأمثال ذلك» وأوضح وظيفة اتباع 
القاضي الذي عينه؛ ثم منع بعد ذلك من الرجوع إلى السلاطين أيضاًء ما يدل على أن باب 
القضاء غير باب الرجوع إلى السلاطين» وأنهما صنفان. وفي رواية عمر بن حنظلة حيث نمى 
عن التحاكم إلى السلاطين والقضاة أشار إلى كلا الصنفين» غاية الأمر أنه هنا إنم| عين القاضي 
فقطء بين في رواية عمر بن حنظلة عين الحاكم المنفذ والقاضي كلاهما. 

4 أن الإمام الصادق جعل منصب القضاء في حياته للفقهاء ‏ وفقاً لهذه الرواية ‏ بين 


)١(‏ الحكومة الإسلامية» ص84. 


جعل لهم منصب القضاء والرئاسة وفقاً لرواية عمر بن حنظلة. 

4لا يمكن لأحد أن يقول باعتزال الفقهاء عن هذه المناصب بموت الإمام؛ ففي انظمة 
الدنيا جميعا لا تلغي المناصب والمراكز العسكرية والتنظيمية بمجرد وفاة رئيس الجمهورية أو 
السلطانء أو تبديل الأوضاع وتغيير النظام. 

١‏ بناء على ما سبق؛ فإن مناصب العلماء باقية مستمرة» وكذلك مقام الرئاسة والقضاء 
الذي عيّنه الائمة لفقهاء الإسلام» فهو مستمر وباق؛ فالإمام يعرف أنه في حكومات الدنيا 
تبقى المناصب مستمرة حتى لو مات الرئيس؛ فلو كان يريد سلب حق الرئاسة والقضاء من 
الفقهاء بعد وفاته لكان يجب أن يعلن أن ذلك المنصب للفقهاء إنما كان فترة حياته فحسب» 
وأخهم بعد رحيله معزولون؛ فظهر إذن أن الفقهاء منصوبون من قبل الإمام لمنصب الحكومة 
والقضاءء وأن هذا المنصب لحم باق دابأ واحتمال كون الإمام المتأخر قد نقض هذا الحكم؛ 
وعزلهم عن ذلك المنصب. احتمال باطل. إذ عندما ينهى الإمام عن الرجوع إلى سلاطين الجور 
وقضاتهم» ويقول أن الرجوع اليهم رجوع إلى الطاغوت» ويتمسك بالآية الشريفة التي تأمر 
بالكفر بالطاغوت, ومن ثم ينصب («الفقهاء) قضاة وحكاماً للناسء فلو ألغي الإمام المتأخر 
هذا الحكم؛ ولم ينصب حاكاً وقاضياً آخرء فم| هو تكليف المسلمين؟ ولمن يجب عليهم الرجوع 
في الاختلافات والمنازعات؟ هل يرجعون إلى الفساق والظلمة» والذي هو رجوع إلى 
الطاغوتء ومخالف لأمر الله؟ أم يبقون دون مرجع وملجاًء وتعمٌ الفوضى؟ وليفعل كل امرئ 
مايريد من اكل حقء أو سرقة أو سواها؟ 

الرواية الثالثة: 

ما ورد في الحديث المعروف المتفق على روايته عند السنة والشيعة» وهو قوله # في فضل 
العلماء وطلبة العلم: (من سلك طريقاً يطلب فيه علماء سلك الله به طريقا إلى الجنة» وإن الملائكة 


لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا به. وإنه يستغفر لطالب العلم من في السماء ومن في الارض» 


ك5“ 


حتى الحوت في البحر. وفضل العالم على العابد كفضل القمر على سائر النجوم ليلة البدر؛ وإن 
العلماء ورثة الأنبياء» إن الأنبياء لم يورّثوا دينارا ولا درهماء ولكن ورّثوا العلم. فمن أخذ منه 
أخذ بحظ وافر)17) 

والحديث ‏ كما يذكر الخميني ‏ له دلالة واضحة على [ولاية الفقيه]ء ولذلك استدل به 
النراقي لإثبات ولاية الفقيه('2» ومحل الشاهد منه ‏ كا يذكر ‏ هو قوله #: (العلماء ورثة 
الأنبياء»» ومن وجوه الاستدلال التي ذكرها(": 

١‏ أن المقصود من العلماء هم علماء الأمة» وليس الأئمة» إذ أن نمط المناقب الواردة 
للائمة يختلف عما ورد في الحديث؛ فهذه العبارات من قبيل: (إن الأنبياء انما أورثوا أحاديث 
من أحاديثهم» فمن أخذ منه أخذ وافر) لا تصح لتعريف الأئمة. 

؟ ‏ أن الإشكال الذي يذكر أن الأنبياء . على الرغم من كونهم يتلقون العلم بواسطة 
الوحي ‏ إلا أن ذلك لا يقتضي الولاية لهم على الناس والمؤمنين» غير صحيح ذلك أن (الميزان 
في فهم الروايات وظواهر الالفاظ هو العرف العام والفهم المتعارف للناسء لا ما تؤدي اليه 
التجزئة والتحليل العلمي. ونحن أيضاً نتبع فهم العرف. فلو أراد الفقيه أن يدخل التدقيق 
العلمي في فهم الروايات لتوقف في كثير من المسائل)» وبناء على ذلك (يمكن القول بأن 
الأحكام التي تركها الرسول يي بعد وفاته هي نوع من الميراث ‏ وان كانت لا تسمى ميراثا 
بحسب الاصطلاح ‏ والذين يأخذون هذه الأحكام هم ورثة النبي) 

3٠‏ أن الولاية والامارة من الأمور الاعتبارية والعقلائية» وفي هذه الأمور يجب أن نرجع 
إلى العقلاء لنرى هل يعتبرون انتقال الولاية والحكومة من شخص إلى شخص آخر وراثة ام 

)١(‏ أصول الكاني» ج١»‏ ص 47» وقد روي الحديث في المصادر السنية التالية: مسند أحمد (5/ »)١47‏ والدارمي »)75٠(‏ وأبو 
داود (7”551) » وابن ماجة (77؟) 


(؟) عوائد الايام» 185. 


(") الحكومة الإسلامية» ص”97. 


/ا/ا 


لا؟ فلو سئل عقلاء الدنيا مثلا عمن قد ورث السلطة الفلانية» فهل يجيبون بأن هذا المنصب لا 
يقبل الوراثة؟ أم يقولون أن فلان مثلا هو وريث العرش والتاج؟ وأساساً فإن هذه الجملة 
[وريث التاج والعرش]ء من العبارات المعروفة. فلاشك في أن الولاية في نظر العقلاء قابلة 
للانتتقال» كمثل الإرث من الأموال التي تنتقل من شخص إلى آخر. 

5 - ومن يلاحظ الآية الشريفة # التي أَوْلَ بِالؤْمنينَ مِنْ أَنْفْسِهِمْ4 [الأحزاب: 1]» 
والرواية التي تقول: (العلماء ورثة الأنبياء» يلتفت إلى أن المراد هي نفس هذه الأمور الاعتبارية 
التي يرى قابلية انتقالها عقلا. 

© -بناءاً على هذاء لو كنا نحن وحملة العلماء ورثة الأنبياء فقط؛ وصرفنا النظر عرخ صدر 
الرواية وذيلهاء فالظاهر أن جميع شؤون النبي يل القابلة للانتقال بعد وفاته ‏ ومنها الامارة على 
الناس الثابتة للائمة من بعده . ثابتة للفقهاء أيضاً. ماعدا الشؤون التي تخرج بدليل آخر. ونحن 
نخرجها بمقدار مايدل الدليل. 

الرواية الرابعة: 

وهي خطبة للامام الحسين في منى حول وظائف الفقيه ومسؤولياته» وأسباب جهاده 
وثورته الداخلية ضد الحكم الأمويء وقد اهتم بها الخميني كثيراء وفصل في شرحهاء وذكر في 
مقدمته لها أنه (يتتحصل منها أمران مهمان: الأول: [ولاية الفقيه] والثاني: أنه يجب على الفقهاء 
أن يفضحوا الحكام الجائرين» ويوقظوا الناس من خلال جهادهم وامرهم بالمعروف وخبيهم 
عن المنكرء حتى تقوم الجاهير الواعية من خلال نهضتها الشاملة باسقاط الحكومة الجائرة» 
واقامة الحكومة الإسلامية)1(2) 

وسنذكر هنا الرواية بطوهاء ثم نذكر بعض تعليقات الخميني عليهاء فقد ورد فيها: 
(اعتبروا أبّا الناس بم| وعظ الله به أولياءه من سوء ثناته على الأحبار إذ يقول: 9# لَوْلَا ينْهَاهُمُ 


دلق المرجع السابق» ص7١١.‏ 


720 


كرود والكخاة ع توي الالم واقزي الفنقك لبن ماكائو تجقرة 4 [المابدة 3 
وقال:لالْعِنَ الَّذِينَ كَمَرُوا مِنْ بتي إِسْرَائِيلّ عَلَ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيِسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بها عَصَوًا 
وَكَانُوا يَعْتَدُونَ 4 [المائدة: 28]» وإِنَّ)ا عاب الله ذلك عليهم لأثْهم كانوا يرون من الظلّمة الّذين 
بين أظهرهم المنكر والفساد فلا ينهونهم عن ذلك رغبة فيا كانوا ينالون منهم» ورهبة مما 
يحذرون والله يقول: قلا تَمْمَّوًا النّاسَ وَاحْسَوْنِ * [المائدة: 44]ء وقال: ##وَاُؤْمِنُونَ 
وَالُؤْمَِاتُ بَحْضهُمْ أَوْلياءبَحْض يَأَمْرُونَ بامُْرُوف وَيَنْهَوْنَ عن انكر © [التوبة: ١/1]؛‏ فبدأ الله 
بالآمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضةً منه لعلمه بأئّها إذا أَدّيت وأقيمت» استقامت 
الفرائض كلها هيّنها وصعبها. وذلك أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دعاء إلى الإسلام 
مع رد المظالم» ومخالفة الظالم» وقسمة الفيء والغنائم» وأخذ الصدقات من مواضعها ووضعها 
في حقّها .نَم أنتم أيتها العصابة» عصابة بالهلم مشهورة: وبالخير مذكورة» وبالنصيحة معروفة» 
وبالله في أنفس الناس مُهابة» يهابكم الشريفء ويُكرمكم الضعيفء ويُؤثركم من لا فضل لكم 
عليه» ولايد لكم عنده» تشفعون في الحوائج إذا امتنعت من طلابهاء وتمشون في الطريق مميبة 
الملوك وكرامة الأكابر. أليس كل ذلك إِنَّا نلتموه بها يُرجى عندكم من القيام بحقٌّ الله» وإن 
كنتم عن أكثر حقه تُقصّرون؟ فاستخففتم بحقٌ الأمّة» فأمّا حقٌ الضعفاء فضيّعتم» وأمّا حقكم 
بزعمكم فطلبتم» فلا مالاً بذلتم» ولا نفساً خاطرتم بها للّذي خلقهاء ولا عشيرة عاديتم في 
ذات الله. أنتم تتمئون على الله جنّته ومجاورة رسله وأماناً من عذابه» لقد خشيت عليكم أبّها 
المتمئون على الله أن تحل نقمة من نقماته لأنكم بلغتم من كرامة الله منزلة فضّلتم بها ومن يعرف 
بالله لا تُكرمونء وأنتم بالله في عباده تُكرمون. وقد ترون عهود الله منقوضة فلا تفزعون, وأنتم 
لبعض ذمم آبائكم تفزعون, وذمّة رسول الله #2 محقورة» والعمي والبكم والزمن في المدائن 
مهملة لا ترحمون. ولا في منزلتكم تعملونء ولا من فيها تُعينون» وبالإدهان والمصانعة عند 
الظلمة تأمنون. كل ذلك مما أمركم الله به من النهي والتناهي وأنتم عنه غافلون. وأنتم أعظم 


آء+ى2, 


الناس مصيبة لما غلبتم عليه من منازل العلماء لو كنتم تسمعون. ذلك بأنّ مجاري الأمور 
والأحكام على أيدي العلاء بالله الأمناء على حلاله وحرامه. فأنتم المسلوبون تلك المنزلة» ما 
سُلبتم ذلك إلا بتفرّقكم عن الحقٌّ واختلافكم في السئّة بعد البيّنة الواضحة. ولو صبرتم على 
الأذى. وتحمّلتم المؤونة في ذات الله كانت أمور الله عليكم ترد وعنكم تصدر وإليكم ترجع 
ولكنكم مكنتم الظّلمة من منزلتكم وأسلمتم أمور الله في أيدييم» يعملون بالشبهات ويسيرون 
في الشهوات. سلّطهم على ذلك فراركم من الموت وإعجابكم بالحياة التي هي مفارقتكم. 
فأسلمتم الضعفاء في أيديهم» فمن بين مستعبد مقهور وبين مستضعف على معيشته مغلوب» 
يتقآبون في الملك بآرائهم. ويستشعرون الخزي بأهوائهم اقتداءً بالأشرار وجرأةً على الجبّا في 
كل بلدٍ منهم على منبره خطيب يصقع. فالأرض شاغرة وأيديهم فيها مبسوطة» والناس لهم 
خولء لا يدفعون يد لامس. فمن بين جبَارٍ عنيد وذي سطوةٍ على الضعفة شديد مطاع لا يعرف 
المبدئ والمعيد» فيا عجباً ومالي لا أعجب والأرض من غاش غشوم ومتصدّق ظلوم» وعامل 
على المؤمنين بهم غير رحيم. فالله الحاكم فيه| فيه تنازعناء والقاضي بحكمه فيها شجر بيننا.. 
اللّهمّ إِنّك تعلم أَنّه م يكن ما كان منّا تنافساً في سلطان ولا التماساً من فضول الحخطام» ولكن 
لثري المعالم من دينك وتُظهر الإصلاح في بلادك ويأمن المظلومون من عبادك؛ ويُعمل 
بفرائضك وسننك وأحكامك. فإن لم تنصرونا وتُنصفوناء قوي الظلمة عليكم وعملوا في 
إطفاء نور نبكم» وحسبنا الله وعليه توكلنا وإليه أنبنا وإليه المصير)7© 

وسأقتبس هنا بعض ما ذكره الخميني من استدلالات بالحديث27) : 

١‏ من البديبي أن هذا الذم والتقبيح الذي ذكره الإمام الحسين لا يختص بعلاء اليهود. 
ولا بعلماء النصارىء بل يشمل علماء المجتمع الإسلامي أيضاًء وجميع علماء الدين بشكل عام؛ 


)1١(‏ تحف العقول»ء ص/71.. 


(؟) الحكومة الإسلامية» ص 5 .٠١‏ فم بعدها. 


وبناءاً عليه» فعلماء الدين الإسلامي مشمولون للذم والتقبيح الإلحي أيضاً فيها لو ظلوا ساكتين 
أمام سياسة الظلمة ومبجهمء وهذا الامر لا يخص السلف والاجيال الماضية» بل تتساوى فيه 
الاجيال الماضية مع أجيال المستقبل. 

 ”‏ أن تساهل العلماء في وظائفهم ضرره أكثر من تقصير الآخرين في القيام بنفس تلك 
الوظائف المشتركة» إذ عندما يرتكب التاجر مخالفة ماء فإن ضررها يعود عليه» لكن إذا قصر 
العلماء في وظائفهم» فسكتوا مثلا أمام الظلمة» فإن الضرر يعود على الإسلام. وإذا عملوا 
بوظيفتهم؛ وتكلموا حيث يجب أن يتكلمواء فإن النفع سيعود على الإسلام أيضاً. 

٠‏ لقد ذكر قول الاثم وأكل السحت مع أنه يجب النهي عن جميع الأمور التي تخالف 
الشرع» وذلك من أجل بيان أن هذين المتكرين أخطر من جميع المتكرات» ويجب أن يعمل على 
إنكارهما ومحاربتههما بشكل أكثر جدية» إذ أنه أحيانا يكون لأقاويل الأنظمة الظالمة ودعاياتهم 
ضرر على الإسلام والمسلمين أكثر من عملهم في سياستهم» وغالبا ما يعرّضون كرامة واعتبار 
الإسلام والمسلمين للهتك؛ فالله تعالى يؤاخذهم على عدم التصدي لأقاويل الباطل» ودعايات 
السوء للظلمة» وعلى عدم تكذيبهم لمن يدعي أنه خليفة الله وأن الأحكام الإلحية هي تلك التي 
يطبقها هو والعدالة الإسلامية هي ما يقوله وينفذه مع كونه لا يخضع للعدالة أصلا. 

؛ -لو قام شخص ما بتفسير الأحكام بنحو لا يرضي الله» أو بإحداث بدعة بذريعة أن 
العدل الإسلامي يقتضي ذلكء أو بتنفيذ أحكام مخالفة للإسلام» فيجب على العلماء أن يبدوا 
معارضتهم له؛ فإذا لم يفعلواء فإنهم ملعونون من الله تعالى» وهذا واضح من خلال الآية التي 
استدل بها الإمام الحسين» وفي الحديث: (إذا ظهرت البدعء فللعالم أن يظهر علمه؛ وإلا فعليه 
لعنة الله)270» فإبداء المعارضة» وبيان الأحكام والتعاليم الإلهية المخالفة للبدع والظلم والمعاصي 


مفيد في حد ذاته» لأنه يؤدي إلى إطلاع الناس على الفساد الاجتماعي» ومظالم الحكام الخونة 


000 اصول الكافيء» ج١»‏ ص؛ 0. 


م١‎ 


والفسقة. أو الذين لا دين لهم؛ فإبداء المعارضة من قبل علماء الدين في موارد كهذه هو نبي عن 
المنكر من قبل القادة الدينيين للمجتمع» ويستتبع موجة من النهي عن المنكر» ومضة معارضة 
وناهية عن المنكر يشارك فيها جميع أبناء الشعب المتدينين والغيورين. 

ه ‏ حاول الخميني أن يعيد صياغة الخطبة السابقة» بشكل يتناسب مع العصر» ومن 
ذلك قوله مخاطبا العلماء والمراجع: (إذا لم تكونوا قادرين حاليا على منع بدع الحكام» وإزالة هذه 
المفاسد, فعلى الاقل لا تبقوا ساكتين. إنهم يحاربونكم. فضجوا واصرخوا واعترضواء ولا 
تستسلموا للظلم. فالاستسلام للظلم أسوأ من الظلم. استنكروا واعترضوا واصرخواء وانفوا 
اكاذيبهم» يجب عليكم أن تؤسسوا أجهزة اعلامية مقابل أجهزتهم» لتفضح وتنفي جميع 
أكاذيبهم» وتظهر للملا أنهم يكذبونء وأن العدالة الإسلامية ليست ما يدّعون ويجب أن تُعآّن 
هذه الأمور لينتبه الناس» ولا تجعل الاجيال القادمة سكوت هذه الجماعة حجة» وتحسب أن 
أعمال ومناهج الظلمة كانت مطابقة للشرعء وأن الدين الإسلامي المبين قد اقتضى أن يقوم 
بأكل السحت وسرقة اموال الشعب)17) 

وقال: (لقد أحرقوا المسجد الاقصى» ونحن نصرخ: دعوا المسجد الاقصى على حاله 
نصف المحترق هذا ولا تزيلوا آثار الجرم بينا نظام الشاه يفتتح الحسابات ويجمع المال من 
الناس باسم بناء المسجد الاقصىء ليتمكن من جني الفوائد» وملأ جيوبه عبر هذا السبيل» ومن 
خلال ذلك يزيل آثار جرم إسرائيل)7) 

وقال: (إن الاسباب الأساسية لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي هذه 
الأمور. بينا نحن قد جعلنا الأمر بالمعروف والنهي عن المتكر ضمن دائرة صغيرة وحصرنا 
ذلك في الموارد التي يترتب فيها الضرر على الفاعل للمنكرء أو التارك للمعروف» وقد غرس 


.٠١ا/ص الحكومة الإسلامية»‎ )١( 


زفرفق المرجع السابق» ص8١٠١.‏ 


م 


في أذهاننا أن المتكرات هي تلك الأمور التي نراها ونسمع بها بشكل يومي في حياتنا الاعتيادية 
فحسبء كساع الموسيقى في الباصاتء أو ارتكاب بعض المخالفات في المقاهي. أو تجاهر 
بعض الناس بالافطار» وأن هذه الأمور هي التي يجب أن ننهي عنها فقطء ولا نلتفت إلى تلك 
المتكرات الكبيرة» إلى أولئك الذين يقومون بضرب الإسلام معنويا» وسحق حقوق الضعفاء 
وما شابه من الموارد التي يجب أن ينهى فيها عن المنكر. لو صير إلى الاعتراض بشكل جماعي 
على الظلمة» وعلى المخالفات التي يقومون بهاء أو الجرائم التي يرتكبونهاء ولو أرسلت اليهم 
آلاف برقيات الاستنكار من جميع البلاد الإسلامية» فمن المتيقن أنهم سوف يتخلون عما 
مون )00 

وقال: (إني أستوضحكم الآن: هل الأمور التي ذكرها الإمام في هذا الحديث كانت 
خاصة بأصحابه المحيطين به» والذين يستمعون إلى كلامه؟ أليس خطاب [اعتبروا أيها الناس] 
موجّهاً لنا؟ ألسنا مصداق الناس وجزءً منهم؟ ألا يجب أن نأخذ العبرة من هذا الخطاب؟ وكم| 
ذكرت في أول البحث. فإن هذه المطالب ليست مختصة بجماعة معينة» وانها هي إعلان من الإمام 
إلى كل أمير ووزير وحاكم وفقيه» وإلى كل الدنياء وجميع البشر. فوصاياه قرينة للقرآن ومثله 
إذ وجوب اتباعها مستمرة إلى يوم القيامة. والآية التي استدل بها أيضاً #لولا ينهاهم 
الربانيون» وإن كانت خطاباً للربانيين والأحبار. لكن الخطاب موجه للجميع. ولقد ذم الله 
تعالى الربانيين والأحبار» واستنكر عليهم لسكوتهم أمام ظلم الظلمة خوفاً أو طمعاًء مع كونهم 
قادرين على القيام بها يمنع الظلم من خلال المعارضة ورفع الصوت والكلام, فعلماء الإسلام 
أيضاً إذا سكتواء ولم يقوموا بوجه الظالمين؛ فإنهم سوف يقعون محلاً لاستنكار الله عز وجل)7) 

هذه باختصار ‏ صورة عن القيمة الأولى من القيم التي يقوم عليها نظام الجمهورية 


.١١١ص المرجع السابق»‎ )١( 
.١١7ص فرق المرجع السابق»‎ 


8 


الإسلامية الإيرانية» وهي قيمة [الحكومة الإلهية]» والتي استطاع فيها النظام الإيراني أن 
يتجاوز كل التطبيقات الخاطئة التي وقعت فيها جماعات الإسلامي السياسي» ووقعت فيها 
قبلها الأنظمة الثيوقراطية المستبدة التي مارستها الكنيسة. 

ذلك أن النظام الإيراني استطاع أن يحافظ على قيم الحكومة الإلهية» والتي يتولاها الولي 
الفقيه» والمئؤسسات المختلفة» وفي نفس الوقت حافظ على إشراك الشعب في جميع قراراته عبر 
المؤسسات المختلفة» وهو مالم يتوفر في أي نظام من النظم. 

ونحن ‏ كما عرضنا ‏ هذه الصورة الجميلة لتلك المزاوجة التي حصلت في إيران بين 
الحكم الإسلامي بمبادئه وقيمه» في نفس الوقت الذي روعيت فيه كل القيم الجمهورية 
والديمقراطية» نتمنى أن تتخلى حركات الإسلام السياسي عن نظرتها السلبية لولاية الفقيه» 
وتنظر إليها من خلال مارساتها الواقعية» وتأصيلها النظريء لا لتتبناها بمثل الصورة التي 
تبنتها بها الجمهورية الإسلامية الإيرانية» وإنما بالصورة التي تتناسب مع كل بلاد تريد أن تطبق 
الحاكمية الإلهية عليهاء ذلك أنه يستحيل أنه يستحيل أن يطبق الحاكمية الإلهية من لم يكن عارفا 
بهاء وفقيها فيها؛ ففاقد الشيء لا يعطيه. 


1: 


الفصل الثاني 
ولاية الفقيه.. وقيم الجمهورية 


القيمة الثانية التي يتأسس عليها نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي [الجمهورية ]» 
والقيم النابعة منهاء وهي تشكل مع [الإسلام] اللقب الذي اختارته إيران لنفسها بعد انتتصار 
ثورتها؛ فهي [جمهورية إسلامية]» وليست إمارة إسلامية» ولا مملكة إسلامية» ولا خلافة 
إسلامية» ولا إمبراطورية إسلامية. 

وفَهم الجمع بين هاتين القيمتين الساميتين [الجمهورية]ء و[الإسلامية] ييسر التعرف 
على سر الكثير من المواقف الإيرانية» والمؤسسات التي تحكمها؛ فكلها تنبع من هاتين القيمتين» 
من الشعب احتراما له ولقراراته» ومن الإسلام باعتباره الخيار الذي ناضل من أجله الشعب 
الإيراني» وأثبت تمسكه به رغم كل المحن التي أصابته بسببه. 

بل إننا إذا رجعنا إلى الوراء» وبحثنا في السر الأكبر لنجاح الثورة الإيرانية نجده ينبع من 
اعتهادها على كلا القيمتين؛ فهي قد نمضت من أجل أن يسترد الشعب حريته وحقوقه التي 
صادرتها الأنظمة المستبدة بمعونة الاستكبار العالمي» واستعمل في ثورته الإسلام بدل 
الشيوعية أو الاشتراكية» أو غيرها من النظريات التي اعتمدها للأسف الكثير من الثوار 
العربء ولهذا كان شعار الثورة الإسلامية في ذلك الحين الذي كانت الشعوب فيها ترزح بين 
الشرق أو الغرب هو (لا شرقية» ولا غربية.. إسلامية إسلامية) 

وللأسف نجد الكثير من المغرضين ينتقدون الجمهورية الإسلامية الإيرانية في جمعها 
بين هاتين القيمتين» ذلك أنهم يتصورون استحالة تجمعهماء بل يتصورون أنها قيمتان 


متناقضتان» وذلك نتيجة تأثرهم بالمدارس الغربية» واعتبارهم أن مراعاة أحكام الإسلام 


يتناقض مع مراعاة مطالب الىاهير. 

ولحذا نجد قادة الثورة الإسلامية وفقهاءها ومفكريها يقدمون الشروحات الوافية» 
لكون الحكم الإسلامي لا يتناقض أبدا مع الحكم الجمهوريء بل يذكرون أن الحكم 
الجمهوري في البلاد الإسلامية لا يتم إلا بمراعاة الحكم الإسلاميء لأنه دين الشعب»ء 
والشعب لا يمتنع من أن يحكم بدينه. 

ولا بأس أن نذكر هنا بعض الناذج من تلك الردود؛ باعتبارها أحسن جواب عن تلك 
الانتقادات المغرضة» والتي يصدر معظمها للأسف من بلاد لا تعرف الجمهورية ولا 
الديمقراطية» بل هي تعيش في ظلال الحكم الملكي الذي يفتقد لأدنى معاني الحرية والكرامة. 

وأوها ما ذكره الولي الفقيه المعاصر السيد علي لخامنئي في بيان العلاقة بين قيم الجمهورية 
وقيم الإسلام» وذلك في لقاء له مع أعضاء مجلس خبراء القيادة بتاريخ /١5(‏ 7/ 7١٠5)؛‏ 
فقد قال في ذلك: (إِنْ حقٌّ الله في الإسلام ليس منافسًا لحقٌ الناسء ولا في مقابله. جميع حقوق 
الناس» ومن جملتها حقٌ الشعب في الانتخابء والذي هو حت في أمر الحكومة» ناشئة من 
الحكم الإلميّ» فقيمة جميع حقوق الشعب ناشكة عن حاكميّة الله وما أمر به الله تعالى» لذاء عبّر 
في القرآن الكريم» في الموضع الذي يتم فيه الاعتداء على حقوق الناس والتعرّض طمء كمسألة 
الرباء بقوله تعالى: لفَأَدَنُوا بحَرْبٍ مِنَ الله وَرَسُولِهِ» [البقرة: 1179] مع أن هذا العمل هو 
اعتداءٌ على حقوق النّاس. لكنّ الحرب مع الله.. ذلك لأن ما يرتبط بالناس على انّساعهء هو 
تكليف إليّ» الح الذي جعله الله للناس» التكليف الذي وضعه الله على عاتق من يتولّون أمور 
الناس يمكن القول إِنْ الجمهورية الإسلاميّة ليست حبرا على ورق» هي حقيقة» تعتمد على 
رأي الشعب حيث أمرنا الله سبحانه أن نولي الأهميّة لرأيه واختياره وإرادته في هذا المجال)17) 


وبناء على هذاء بسع أن مفهوم [ا جمهورية الإسلامية] يتحقق بمراعاة [الإسلام] 
)١(‏ تأسيس الحضارة الإسلامية في فكر الإمام الخامنئي (ص: 507). 


61 


وتكالفيه الشرعية» ذلك أن التكاليف الشرعية الإسلامية تراعي مطالب الشعبء وتطالب 
بتنفيذهاء ولول يطلبها الشعب نفسه.. والحاكم المسلم هو الذي لا يتنتتظر من الرعية أن تطالب 
بحقوقهاء ولا أن يمن عليها بتقديمهاء لأنه يفعل ذلك انطلاقا من واجباته الشرعية» يقول في 
ذلك: (وليست مشكلتنا في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة فقط» أن يسيء الناس فهمناء أو تتراجع 
ثقتهم بناء مشكلتنا هي التكليف الشرعي أيضّاء ولول يفهم الناس؛ فإذا قمنا في مكان ما بعمل» 
أَدَى إلى تضييع حقوق الناسء مع أن أحدًا لم يدرك أنّهِ تم التعرّض لحقوق الناس وكانت 
الدعايات صاخبة أيضّاء فإِنَ مشكلة التكليف الشرعي تبقى تواجهنا في أقاصي الجسم العظيم 
للحكومة وني طولها وعرضها ‏ حيث الحكومة ليست محصورة ومتجلّية في شخص القائد - 
الجميع شركاء في هذه السيادة الشعبيّة الدينيّة» والوظائف الملقاة على عاتقهم من هذه الناحية» 
سواءٌ رئيس الجمهوريّة» أم رئيس سلطة من السلطات الثلاثء أم نوّابٍ المجلسء أم أيّ 
مسؤول في ناحية من النواحي ‏ تكليف الجميع هو مراعاة حقوق الناس لله هذان الاثنان» 
متساويان بعضهم| مع بعضٍ ومتحدان)7) 

وهكذا نرى الخميني يدعو كل حين إلى تصحيح التصورات نحو معنى [ولاية الفقيه]ء 
وكونها لا تتناقض مع الجمهورية» بل هي تلبي مطالب الجمهور أحسن تلبية» لأنها تنبع من 
القيم التي يؤمن بهاء لا من القيم الغريبة عنه» يقول في ذلك: (إن من يدعي أن مبدأً ولاية الفقيه 
يستلزم ديكتاتورية فلا ريب أنه جاهل بهذا المبدأ وأهميته وقدسيته؛ بل العكس هو الصحيح؛ 
فإن الحامي للحريات وفق المبادئ الإسلامية» والحامي لإرادة الشعب وحقوقه والمدافع عنه 
هو مبداً ولاية الفقيه الذي يقوم بمهمة الإشراف على أمور البلد. حتى لا ينحرف أحد ممن 
يمكن أن يستلم مقدرات البلد» فهو الذي يمنع رئيس الجمهورية من أن ينحرف وأن يحكم 
مبواه» وهو الذي يمنع رئيس الوزراء من أن ينحرف ويحكم ببواه» وهكذا الكلام بالنسبة لأي 


)475 تأسيس الحضارة الإسلامية في فكر الإمام الخامنئي (ص:‎ )١( 


/ا/ 


مسؤولء كا أن مبدأ ولاية الفقيه يمنع الفقيه نفسه أن ينحرف وأن يحكم ببواه ولا يحق له 
ذلك أصلآًء بل عليه أن يحكم وفق رأي الإسلام حسب اجتهاده. والمفروض أنه بذل جهده 
كله للوصول إلى هذا الرأي واستكشافه من خلال وسائل الإستنباط الممكنة لهء ى) أن عليه 
بذل الجهد في تمحيص الوقائع وتشخيصها حتى يطبق عليها حكمها الإل مي ويحكم على وفقه. 
والمفروض في الفقيه الولي العدالة والورع والكفاءة بل الأكفئية في تحقيق كل ذلك. ى) أن 
المفروض أن في الأمة علماء وتقاة وثقاة ورعون يراقبون حركة الفقيه» بإمكانهم عزله إن انحرف 
وصار يحكم بهواه» وقد صان الدستور هذا الحق للخبراء وللأمة)070© 

وهو يذكر أنه لا وجه لاعتبار ولاية الفقيه حك ديكتاتورياًء ذلك أن هذالنوع من الحكم 
يطلق على من يستند في حكمه إلى الرأي الشخصي بعيداً عن أي اعتبارات صحيحة: ثم يجبر 
الشعب على اتباعه: (وإنم| يكون الحكم ديكتاتورياً إن كان الحكم وفق المهوى متاحاً للحاكم؛ 
وكان الحاكم قادراً على أن ينفذ جميع رغباته بدون أن يتجرأ أحد على معارضته) 

وهو يذكر أن من أكبر الأدلة على عدم وجود أي صلة بين ولاية الفقيه» والحكم 
الديكتاتوري هو تصويت أغلبية الشعب في إيران على ولاية الفقيه» يقول في ذلك: (ليس من 
الديكتاتورية في شيء أن يكون النظام المعتمد في إيران قد أيده أكثرية الشعب بحيث تجاوزت 
نسبة التأييد التسعين في المائة دون ضغط أو إكراه؛ فالشعب بغالبيته العظمى أيد ولا يزال نظام 
الجمهورية الإسلامية المبني على مبدأ ولاية الفقيه ى| نص عليه الدستور)() 

ويذكر أن المعترضين هم الذين يريدون مصادرة رأي الجمهور. والحديث باسم 
الشعب؛ يقول في ذلك: (الديكتاتورية متجسدة في كلمات المعترضين, إذ يحاولون وهم القلة 


أن ينصبوا أنفسهم في موقع يحسبون أنفسهم أوصياء على الشعب والأمة» وا حال أن الشعب لم 


)١7١ نقلا عن الفقيه والسلطة والأمة» مالك مصطفى وهبي العاملٍ (ص:‎ )١( 
)١7١ (؟) نقلا عن الفقيه والسلطة والأمة» مالك مصطفى وهبي العاملٍ (ص:‎ 


8/1 


يرض بذلك منهم بدليل أنه خالفهم. وهؤلاء عندما ينصبون أنفسهم في هذا الموقع يسعون 
لفرض رأمهم وإثارة جو نفسي وزعزعة ثقة الشعب والمسلمين بهذه الجمهورية والثورة» وهذا 
نحو من أنحاء الديكتاتورية)(17) 

ويذكر أن هؤلاء الذين يعترضون على ولاية الفقيه» بحجة تناقضها مع قيم الجمهورية» 
يعترضون في الحقيقة على الإسلام وقيم الإسلام» وليس عل الولي الفقيه» ذلك أن (هؤلاء 
المعترضين لن يعترضوا بهذا الإعتراض لو كانت الصلاحيات كلها التي ثبت في الإسلام أنها 
للفقيه قد أعطيت لإنسان آخر غير فقيه» بل وغير مسلمء بل ربها سيمدحون الشخص والنظام 
حينئذ» ولكنهم يعيشون عقدة الإسلام ولا يتجرؤون على قول ذلك) 7") 

هذه مقولات القائدين الكبيرين اللذين أتيح لما تولي منصب الولي الفقيه في الجمهورية 
الإسلامية الإيرانية» وقد اقتصرنا على هذه الناذج» وهي كافية لرد المعترضين الذين يصورون 
كليهها بصورة الحاكم المستبدء وهو تصوير ناتج عن الجهل والكبرء ولو أنهم كلفوا أنفسهم 
بمطالعة ما كتبه كل منهماء أوالتعرف على مواقفه بنية صادقة لما تجرأوا على مثل ذلك التصوير 
الظالم. 

ونحب أن نذكر ‏ بهذه المناسبة ‏ تنظيرا مهما جدا لمفهوم الجمهورية» وعلاقته بالحكم 
الإسلامي والولي الفقيه» وذلك عند فيلسوف وفقيه ومفكر كبير من قادة الثورة الإسلامية» 
ومن المقربين جدا من الخميني» وهو الشهيد مرتضى مطهريء فقد نظر لهذه المسألة في مقابلة 
تلفزيونية هامة أجريت معه قبل إجراء الاستفتاء العام على [نظام الجمهورية الإسلامية] في 
إيران» ثم طبعت ككتاب مستقل بعنوان [قضايا الجمهورية الإسلامية]» وقد تطرق فيها إلى 
مسائل مهمة جدا تتعلق بالنظام الإسلامي» وطبيعة الثورة ومستقبلها. 


دلق المرجع السابق» ص”77١.‏ 


0( المرجع السابق» ص”77١.‏ 


4 


وقد كان أول سؤال طرح عليه فيها حول مفهوم الجمهورية الإسلامية» والتناقض الذي 
قد يحمله الجمع بين هذين المعنيين» وحتى نفهم جواب مطهري جيداء نذكر نص السؤال 
باعتباره لا يزال يطرح إلى الآن» وبنوع من الاستفزازء وكأن الإيرانيين لم يجيبوا عليه» مع أنهم 
أجابوا عليه» وبتفصيل كبير» قبل الثورة وبعدها وفي كل حين» ولكن المغرضين للأسف لا 
يقرؤونء وإنا ينتقدون فقط. 

ونص السؤال هو: (مفهوم (الجمهورية الإسلامية) يبدو غامضاً إلى حد كبير؛ 
فالجمهورية تعني إعطاء الشعب حت الحاكمية» بينم| الصفة الإسلامية تقيد هذه الحاكمية 
وتحددهاء ويبدوا أيضاً أن مفهوم الجمهورية الإسلامية يتعارض مع المفاهيم الديمقراطية 
ومفاهيم الجمهورية بمعناها المطلق العام» فهل لكم أن تعطونا صورة واضحة لنظام الجمهورية 


الإسلامية؟20(00) 
وقد أجاب الشيخ مرتضى مطهري على السؤال إجابات مفصلة نلخصها ببعض تصرف 
في النقاط التالية29 : 


.١‏ مفهوم (الجمهورية الإسلامية) واضح لايحتاج إلى كثير من الشرح. فالمفهوم مركب 
من كلمتين: كلمة (جمهورية) وكلمة (إسلامية)» وكلمة الجمهورية: تعني شكل الحكومة 
المقترحة» وكلمة إسلامية: تحدد محتوى هذه الحكومة. 

١‏ - أن السر في اختيار لقب [الجمهورية] لإيران هو تمييز النظام الحاكم في إيران عن 
غيره من النظم التي حكمت العالم؛ فمنها النظام الفردي الوراثي» كنظام السلطنة والنظام 
الملكي» ومنها النظام الارستقراطيء كالنظم التي يحكم فيها الفلاسفة أو الحكماء أو 
المتخصصون أو الأشراف» ومنها حكومة المتنفذين وأصحاب رؤوس الأموال ودافعي 


)20 قضايا الجمهورية الإسلامية» مرتضى مطهري» ص: ؟» فا بعدها. 
0( المرجع السابق» ص ”3. 


الضرائب » وغيرها من النظم والحكومات. 

أن [الجمهورية] تعني حكومة عامة الناسء أو الحكومة التي يتمتع فيها جميع الناس 
بحق الانتخاب دون تمايز بينهم في الجنس أو اللون أو العقيدة» والشرط الوحيد في المتتخب هو 
البلوغ والنضوج العقلي لا غير .. إضافة إلى ذلك. فالهيئة الحاكمة المنتخبة تحكم لفترة معينة» 
وللشعب حق إبقائها أو تغييرها بعد انقضاء تلك الفترة .. وهذا الشكل من أنظمة الحكم هو 
(الجمهوري)» وهو الشكل المقترح لنظام الحكم في إيران. 

؛ ‏ أن كلمة [إسلامية] تعني تحديد محتوى هذه الحكومة» ومحتوى هذا الشكل ‏ أي أن 
المتتخب حين) يقول نعم للجمهورية الإسلامية» يقترح أن يكون : نبج الحكومة على أصول 
وتعاليم إسلامية» والإسلام كما هو واضح ‏ مدرسة فكرية وأيديولوجية وأطروحة لتنظيم 
الحياة البشرية بجميع أبعادها وشؤونها. 

© بناء على ما سبق؛ فإن (الجمهورية الإسلامية) تقوم على أساس نظام يتمتع فيه أفراد 
الشعب بحق الانتخاب وبحق تغيير الهيئة الحاكمة» وهذا هو شكل النظام .. أما المحتوى 
فإسلامى. 


3 
7 


5 أن الذين يجدون غموضاً وتناقضاً في كلمة (الجمهورية الإسلامية) قد اختلط عليهم 
الأمرء وخالوا أن ثمة تناقضاً بين حق السيادة وحق الالتزام بمدرسة فكرية عملية في الحياة» 
وهؤلاء ظنوا أن الإنسان الملتزم بخط فكري معين والمناضل من أجل تطبيق مبادئ هذا الخط 
في الحياة الاجتاعية» ليس بحرٌ ولا ديمقراطي. ومن خلال هذه المعادلة الوهمية الخاطئة 
يستنتجون أن الديمقراطية سيتهددها الخطرء إن أضحى النظام إسلامياً وأضحت الجماهير 
تؤمن بالمبادئ الإسلامية وتطالب بتطبيقها. 

: - أن مفهوم الجمهورية لا يعفي الجماهير من التمسك بخط فكري معين والالتزام 
بمبادئ مدرسة معينة» ويطرح مطهري هنا أسئلة وجيهة على أولئك المعترضينء ويقول لهم 


4١ 


فيها: (ثُرى. هل تعني الديمقراطية أن يلتزم كل فرد بخط فكري خاصء أو أن يتخلى جميع 
الأفراد عن أي التزام بمدرسة فكرية؟!.. ترىء. هل الإيهان بمبادئ قائمة على أساس العلم 
والمنطق والفلسفة» والتسليم لهذه المبادئ» يعارض الديمقراطية؟ !2070 

4 أن الأكثرية الساحقة من الشعب الإيراني تؤمن إيهانا راسخاً بمبادئ الإسلام؛ وليس 
ذا الخنانة اناق راشي كن انوي المع ته الاك السالضة ويق 
الأقلية غير المؤمنة» حق النقد والمناقشة والاعتراض. 

وفي جواب عن سؤال آخر لا يزال يطرح أيضاء وهو مهم جدا في فهم عدم التعارض 
بين النظام الجمهوري والنظام الإسلامي» وينص على كيفية الجمع بين حكم الشعب لنفسه. 
وتولي الفقيه لذلك الأمرء وقد أجاب عليه مطهري بقوله: (من أجل أن أجيب على ما تقول» 
لابد أن أذكر أن الشعب الإيراني نال في ثورته الدستورية حق سيادته» لكن هذا الشعب لم يكن 
يرى أي تعارض بين نيله هذا الحق» والتزامه بالإسلام فكراً وعقيدة وقانوناً ينظم جميع شؤون 
الحياة» ولحذا نص الدستور الإيراني» المدون عقب انتصار تلك الثورة» على ضرورة السير في 
إطار القوانين الإسلامية» وصرح بأن أي قانون يفقد اعتباره القانوني إذا كان معارضاً لقوانين 
الإسلام» كما نص الدستور الذي تمخضت عنه الثورة الدستورية الإيرانية على ضرورة وجود 
خمسة فقهاء في مجلس النواب للإشراف على القوانين» ولم يكن يخطر على بال رواد الثورة 
الدستورية أن التمسك بالإسلام والالتزام بالحدود والقوانين الإسلامية يعارض الروح 
الدستورية والروح الديمقراطية» كا أنهم لم يروا معارضة بين الإسلام وبين قدرة مجلس النواب 
على التقنين لأن القوانين كانت تسن في إطار المبادئ الإسلامية» المهم أن يكون الشعب هو 
المنفذ للقانون الذي آمن به وقبله سواء كان الشعب هو الذي سن القانونء أو أن يكون قد سنه 


صاحب مدرسة فكرية أو منظر قانوني» أو أن يكون القانون الذي آمنت به الجاهير قد تلقته 
2000 المرجع السابق» ص 0. 


45 


عن طريق الوحي الإلي» ويتضح من هذا أن الصفة الإسلامية للجمهورية لا تتعارض مع 
سيادة الشعب أو مع الديمقراطية بشكل عام, والمبادئ الديمقراطية لا تتطلب بالضرورة ابتعاد 
المجتمع عن كل خط فكري ملتزم)(1) 

ثم ذكر أن المشكلة التي يعاني منها المعترضون على نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية 
هو في كونه ينبع من الإسلام» أو يريد أن يطبق الإسلام في جميع شؤون الحياة» ولهذا لا نراهم 
يعترضون على الأيديولوجيات الأخرى. يقول في ذلك: (إننا نرى الأحزاب تنتمي إلى 
أبديولوجيات: معينة ولا عدن هذا الانعك معارضا لبادئة الديمقراظية :لك المسالة ينا 
تطرح على الصعيد الإسلامي, يثير بعضهم شكوكاً وتساؤلات حول إمكان انسجام المفهوم 
الإسلامي مع المفهوم الجمهوري) 

ثم يذكر منبع هذا الاعتراضء وخلوه من الصدق والموضوعية؛ فيقول: (أعتقد أن هذه 
الشكوك والشبهات تطرح من لدن أفراد لا يزالون يؤمنون بديمقراطية القرن الثامن عشر التي 
تحدد حقوق الإنسان بإطار مسائل المعيشة والمأكل والمسكن والملبس وحرية انتخاب طريقة 
المعيشة المادية. هذه الديمقراطية التي تحذف من دائرة الحقوق الإنسانية مسائل الانتماء الفكري 
والالتزام المدرسي والتكامل الإنساني والتحرر من سلطة البيئة والغرائز) 

ثم يبين الخصائص التي ميزت الثورة الإسلامية الإيرانية» والنظام الذي نبع منهاء 
وكونها خصائص فريدة تصحح الكثير من المفاهيم السائدة؛ فقال: (لابد أن أشير إلى حقيقة 
واضحة كل الوضوح هي: أن الأكثرية الساحقة للشعب الإيراني حددت في شعاراتها ومطالبها 
نوع النظام الذي تريده. لم يتجه كفاح الشعب الإيراني ضد التسلط السيامي والاستعمار 
الاقتصادي فحسب. بل اتجه أيضاً إلى مقارعة الثقافات والأيديولوجيات الغربية» إلى مقارعة 


التبعية للغرب تحت العتاوين المغرية نظن الخرية والديمقراطية والاشتزاكية واللدنية والتطوو: 


)020( المرجع السابق» ص6 . 


3 


والتقدم وغيرها من العناوين الزائفة التي يلوح بها الاستععار وعملاؤه في عالمنا.. إن الملايين 
من أبناء الشعب الإيراني حين طالبوا في مظاهراتهم الضخمة الصاخبة بإقامة الجمهورية 
الإسلامية» قد حددوا في الواقع الإطار الفكري لنظام الحكم الذي يريدونه.. المهوية الوطنية 
لأي شعب من الشعوب تتمثل في التراث الحضاري المتأصل في أعماق هذا الشعبء» وهذه 
الهوية الوطنية تتمثل لدى جماهير الشعب الإيراني بالإسلام) 
بعد هذه التصريحات الواضحة من قادة الثورة الإسلامية وفلاسفتهاء والتي تين مدى 
ارتباط ولاية الفقيه بكل قيم الجمهورية» بل تجاوزها لكل سلبياتهاء نرى في الواقع الديني 
والإعلامي من يقف يقف موقفا سلبيا من [ولاية الفقيه]» وينشر في ذلك الدعايات المغرضة» 
التي لا تستند إلى أي أدلة واقعية موضوعية» بل تكتفي فقط بتصويرها بصورة ما حصل في 
الماضي» وخصوصا عند المسيحيين من تلك الحكومات الثيوقراطية(21 الاستبدادية» والتي 
ثارت عليها الشعوب بعد ذلك. وانتقلت بسببها إلى النظام العلماني» بل إلى الإلحاد نفسه. 
ومن الأمثلة على تلك الدعايات المغرضة ما قاله بعض الخليجيين في مقال بعنوان 
[الثيوقراطية تعود من جديد]01) بعد أن قدم مقدمة في التعريف بالثيوقراطية: (بعدما تخلصت 
أوروبا وأغهبت الحكم الثيوقراطي بكل أشكاله وأنواعه» تطل علينا إيران بنظام ثيوقراطي جديد 
ومقنن» [حيث] تعتبر إيران نموذجاً جديداً للحكم الثيوقراطي» من خلال مجلس الخبراء» 
الذي يقوم بتعيين رجل دين بمنصب القائد الأعلى للجمهورية» الذي يمتلك جميع 
الصلاحيات التشريعية والتنفيذية بيده ولا تنازعه أي سلطة أخرى في إيران! مثل خامنئي الآن 
)١(‏ الثيوقراطية: تعني حكم الكهنة أو الحكومة الدينية أو الحكم الديني» وهي نظام حكم يستمد الحاكم فيه سلطته مباشرة 
من الإلهء حيث تكون الطبقة الحاكمة من الكهنة أو رجال الدين الذين يعتبروا موجهين من قبل الإله أو يمتثلون لتعاليم سماوية» 


وتكون الحكومة هي الكهنوت الديني ذاته أوعلى الأقل يسود رأي الكهنوت عليه.. 
)١(‏ نشرته الخليج أون لاين بتاريخ: »750117/-1١-57/8‏ ولم تذكر اسم صاحب المقال. 


4: 


الذي يعتبر أعلى سلطة دينية وسياسية بإيران. ويطلق على هذا النوع من الحكم سلطة [ولاية 
الفقيه]) 

هذا نموذج يختصر الكثير من المقالات التي يواجه بها النظام الإيراني» ويعتبر من خلالها 
نظاما ثيوقراطيا واستبدادياء وأنه بذلك أسوأ الأنظمة الموجودة في الواقع حتى الأنظمة الملكية 
والعسكرية ى) يذكر صاحب المقال. 

والدليل الأكبر الذي يستند إليه هؤ لاء جميعا هو تلك الصلاحيات الكبيرة المعطاة للولي 


الفقيه» والتي بموجبها يستطيع أن يغير كل أجهزة الحكم وأركانه؛ فقد تصوروا أن إعطاء مثل 
هذه الصلاحيات يجعل من الولي الفقيه شخصا مستبدا لا يختلف عن سائر المستبدين27 . 


)١(‏ نص الدستور الإيراني في المادة )١١١(‏ على الصلاحيات والوظائف التي يتولاها الولي الفقيه» وهي: 

١‏ - تعيين السياسات العامة لنظام جمهورية ايرانالاسلامية بعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام. 

؟- الاشراف على حسن اجراء السياسات العامة للبلاد. 

“- اصدار الامر بالاستفتاء العام. 

5- القيادة العامة للقوات المسلحة. 

4- اعلان الحرب والسلم والنفير العام. 

5- نصب وعزل وقبول استقالة كل من: [أ. فقهاء مجلس صيانةالدستور.. ب. أعلى مسؤول في السلطةالقضائية.. ج. رئيس 
مؤسسة الاذاعة والتلفزيون فيجمهورية ايران الاسلامية.. د. رئيس اركان القيادةالمشتركة.. ه. القائد العام لقوات حرس 
الثورةالاسلامية.. و. القيادات العليا للقوات المسلحة وقويالامن الداخلي] 





1- حل الاختلافات وتنظيم العلائق بين السلطات الثلاث. 

/- حل مشكلات النظام التي لا يمكن حلها بالطرق العادية من خلال مجمع تشخيص مصاحة النظام. 

4- امضاء حكم تنصيب رئيس الجمهورية بعد انتخابه من قبل الشعب. أما بالنسبة لصلاحية المرشحين لرئاسة الجمهورية من 
حيث توفر الشروط المعيّنة في هذا الدستور فيهم فيجب ان تنال قبل الانتخابات موافقة مجلس صيانةالدستور وفي الدورة الاولى تنال 
موافقة القيادة. 

-٠١‏ عزل رئيس الجمهورية مع ملاحظة مصالح البلاد. وذلك بعد صدور حكم المحكمة العيا بتخلفه عن وظائفه القانونية» 
او بعد رأي مجلس الشورى الاسلامي بعدم كفاءته السياسية » على أساس من المادة التاسعة والثانين. 

-١‏ العفو او التخفيف من عقوبات المحكوم عليهم في اطار الموازين الاسلامية بعد اقتراح رئيس السلطة القضائية. ويستطيع 
القائد ان يوكل شخصاً آخر اداء بعض وظائفه وصلاحياته. 


040 





وحتى نعالج هذه المسألة بهدوء» وبعيدا عن ذلك الشغب الذي يثيره الإعلام» ويثيره 
معهم بعض الإسلاميين التقدميين أو السلفيين» نحاول هنا أن نطلع على الكيفية التي تنفذ بها 
ولاية الفقيه في الجمهورية الإسلامية الإيرانية»؛ سواء من خلال واقعها السيامي» أو من خلال 
المصادر الفكرية التي تنظر لولاية الفقيه» وتبين منهج تطبيقها. 

وقبل أن نذكر تفاصيل ذلك؛ نحب أن نبين أن المشكلة لا تكمن في الصلاحيات المعطاة 
لأي جهة. وإن| المشكلة تكمن في تعامل تلك الجهة مع الصلاحيات التي أعطيت لاء وهل 
تعاملت معها بحكمة وأمانة وعلم أم لم تتعامل بذلك كله. 

ذلك أنه لا يمكن لأي شخص أو مؤمسة أن تنفذ مشروعها مالم تعط الصلاحيات 
التي تسمح لها بتنفيذه» وقد أشار إلى هذا قوله تعالى عن يوسف عليه السلام: #قَالَ اجعَلْنِي 
عل حَرَائنِ الَْرْض إِنِّ حَفِيظ عَلِيمٌ (00) وَكَذَلِكَ مَكَنَا لِيُوسْفَ في الْأْض يَتبََا مها حَيِتْ 
يَشَّاءُ نُصِيبُ بِرَحمَيَِا مَنْ نَشَاءُ ولا نضِيعٌ أَجْرَ الحْسنِينَ (07) 4 [يوسف: 0 - /51] 

فيوسف عليه السلام كما تنص الآيات الكريمة قد أعطاه الله من العلم ما استطاع به أن 
يضع مشروعا لمواجهة المجاعة التي ستحل بالمصريين» وقد أخبر عزيز مصر عن ذلك المشروع» 
ولكن با أنه لا يمكن تنفيذه إلا لصاحب الخبرة الكافية» مع الأمانة والحفظ» فقد رأى يوسف 
عليه السلام أنه لا يمكن لأحد أن يؤدي هذا الدور غيره؛ فطلب إعطاءه الصلاحيات الكافية 
لأداء ذلك الدورء والذي عبر عنه القرآن الكريم بالتمكين. 

فالتمكين هو توفير الصلاحيات للحاكم المسلم الذي يجمع بين العلم والأمانة 
والأخلاق العالية» والتي تجعله ييارس دوره بكل حرية» لأنه لا يمكن لشخص أن يؤدي دوره 
الإصلاحي في الوقت الذي تقيد فيه يده عم| ترشده إليه حكمته. 


وهكذا نرى أن الولي الفقيه ليبس مطلق الصلاحيات فعلى سبيل المثال نجد أنه لا يتمكن من تعيين رئيس الجمهورية بدون 
انتخاب شعبي » كا لا يمكنه عزله بدون صدور حكم المحكمة العليا اورأي مجلس الشورى الاسلامي.. 


1 


ولهذا أخبر القرآن الكريم عن سليمان عليه السلام أنه أعطي الصلاحيات الكثيرة التي 
يمكنه من خلالها أن يؤدي دوره كحاكم مسلم؛ وقد قال تعالى مخاطبه له: #إهَذًا عَطَاؤٌة قَامْئْنْ 
أوْ أَمْسِكُ بِعَيْرْ حِسَابٍ © [ص: 9*] 

وبناء على هذا؛ فلا حرج أن يعطى الفقيه الوارث للرسل عليهم السلام ما كان لهم من 
صلاحيات في إدارة البلاد» إذا ما كان لديه العلم الكافي بالدين والواقع» بالإضافة إلى الأخلاق 
العالية التي تجعله لا يقصد من أي حكم يصدره إلا المصلحة العامة» وخاصة إذا أضيف إلى 
ذلك كونه منتخبا من جهة الشعبء ويعمل تحت رقابته» وبمعونة الكثير من المستشارين في 
المجالات المختلفة» وهو فوق ذلك كله محاط بسياج الشريعة لا يحل له أن يخرج عنهاء أو 
يتملص من أحكامها. 

ففي هذه ا حالة» لا يمكن اعتبار النظام نظاما استبدادياء لأن المستبد هو الجاهل صاحب 
المصالح الذي يفرض آراءه على الأمة التي لم تختره. ول يتح لها أن تراقبه. 

بالإضافة إلى ذلك؛ فإنه لا يمكن لأحد أن يؤدي واجبه مالم يعط الصلاحيات الكافية 
التي تخول له أداء ذلك الواجبء كا أشار إلى ذلك الشيخ مصباح يزدي عند تبريره 
للصلاحيات المعطاة للولي الفقيه؛ فقال: (حين) يعيّنون لأحد واجباً فيلزم ‏ والحال هذه أن 
يوفروا له ظروف أداء ذلك الواجبء ويمنحوه القدرة القانونية لآدائه» وهذا يعني منحه 
الصلاحيات المناسبة لواجباته.. فحين يجعلون الحكومة مسؤولة عن الحفاظ على أمن البلاد 
الداخلي مثلاًء فلابد أن يمنحوها مستلزمات الحفاظ على الأمن» وكذلك حين يوكلون إليها 
مهمة الدفاع عن حدود البلاد فلابد أن تمتلك صلاحية العمل بم يلزم لحراسة الحدود, وإلا 
فإن تعيين المسؤولية دون منح الصلاحيات اللازمة عبث لا جدوى منه(21 


وأشار إليه الشيخ جوادي آمل بقوله؛ عند الحديث عن صلاحيات الحاكم الإسلامي: 
)١(‏ الحكومة الإسلامية و ولاية الفقيه» الشيخ مصباح يزدي (ص: /"07. 


41/ 


(يمكننا من خلال ما ذكر حول وظائف ال حاكم الإسلامي أن نتعرف على صلاحيات الحاكم 
في الإسلام. فعندما يتم تحديد الوظيفة للعامل لابد بشكل طبيعي وبالحد الأدنى» أن تؤمن 
ظروف القيام بها ويعطى السلطة القانونية لأدائها بالإضافة إلى الصلاحيات المتناسبة معها. 
كمثال» عندما يكون الحاكم الإسلامي مسؤولاً عن تأمين الأمن الداخلي للبلاد» ينبغي أن يحوز 
على كل ما من شأنه أن يحفظ الأمن. وهكذا في مورد الدفاع» وإلا لزم من ذلك اللغو 
والعبث)217 

بالإضافة إلى ذلك نرى في الواقع تلك التقلبات الكثيرة التي تصيب الدول التي لا تمنح 
مسؤوليها الصلاحيات الكافية؛ وهو ما يجعلهم لا يفكرون تفكيرا استراتيجيا يؤمن للدولة 
تقدمها وتطورهاء بقدر ما يفكرون في إرضاء أولئك الذين انتخبوهم» حتى لو كان في ذلك 
مفسدة لمصالح الدولة في مستقبلها أو مبادثها. 

وقد عبر عن ذلك الشيخ مالك مصطفى وهبي العاملي بقوله: (إن نظرية ولاية الأمة 
على نفسها هي نظرية الانقلابات المتكثرة واللاإستقرار الاجتماعيء والتخلي عن الدين كشرع 
يحكمنا في كل صغيرة وكبيرة؛ فإننا إذا بنينا على ولاية الأمة على نفسها بدون ضوابط» وكان 
هذا حقها الحصريء تأت مجموعة أسئلة لتثير حاوف تجعل مصالح الأمة في معرض التسيب 
والزوال؛ فإنه لو لم يكن للفقيه ولاية يتمكن من خلاهها من إلزام الأمة بسلوك الطريق 
الصحيحء ونقصد الإلزام الشرعي» فهذا يعرض الأمة للفساد ولتسلط المنحرفين عليها 
ويفسح المجال لظهور حكومات لا علاقة لها بالإسلام» وفي هذا تضييع للهدف المنشود من 
وراء تشكيل حكومة ترعى شؤون المسلمين.. ثم ما أسهل أن تسيطر قلة قليلة على الأكثرية من 
خلال الإعلام ونمط تثقيفي تربوي معين وقدرة مالية» فبدل أن تكون الولاية للأمة على 


)94 الكلمة الطيبة (دروس في ولاية الفقيه) جوادي آمل (ص:‎ )١( 


14 


نفسهاء وهو الشعار البراق» نكون قد أعطينا الولاية لتلك الفئة القليلة على الأمة)(١)‏ 

وبناء على هذا أشار الخميني في مواضع كثيرة من كتبه وخطاباته إلى ضرورة إعطاء الولي 
الفقيه جميع الصلاحيات التي تتيح له أن يؤدي دوره في تحكيم الشريعة» لما لديه من مؤهالات 
وكفاءات تسمح له بذلك» ومن ذلك قوله في بعض رسائله: (لو كانت صلاحيات الحكومة 
محكومة بسقف الأحكام الفرعية الإلهية الكلية يصبح جعل الحكومة الإلهية والولاية المفوضة 
لنبي الإسلام : لغواء وسيسبب ذلك ارتباكات على المستوى العملي لا يمكن لأحد أن يلتزم 
بهاء كشق الشارع المستلزم أحياناً للتصرف في منزل أو في حريم منزلء فإن مقتضى الأحكام 
الفرعية الكلية هو عدم جواز هذا التصرف. ومثل نظام التجنيد الإجباري والبعث الإجباري 
إلى الجبهات. مع أن الأحكام الفرعية الكلية تقتضي عدم جواز ذلك إلا حين الوجوب العيني 
على كل مكلف. ومثل المنع من إدخال وإخراج العملات الصعبة» ومقتضى الأحكام الشرعية 
الكلية جواز ذلك. ومثل المنع من إدخال وإخارج أي سلعة ومنع الإحتكار عموماًء مع أن 
مقتضى الأحكام الشرعية حصر منع الإحتكار بالموارد الأربعة المعروفة. ومثل فرض ال مارك 
والضرائب بالخمس والزكاة ونحوهما ما أوجبه الشرع. ومثل المنع من الغلاء وتحديد الأسعار» 
والمنع من نشر المواد المخدرة ومنع الإدمان بأي نوع غير المسكرات» ومنع حمل الأسلحة مهما 
كان نوعهاء ومئات من أمثلة ذلك التي تصبح بمقتضى ذلك التقييد خارجة عن صلاحية 
الحكومة)() 

وبناء على هذاء وبناء على كون الولي الفقيه يارس نفس الدور الذي مارسه النبي 4# في 
دولته التي أقامها بالمدينة المنورة» كان من الواجب إعطاؤه كل الصلاحيات التي تتيح له ذلك» 


)9/ الفقيه والسلطة والأمة مالك مصطفى وهبي العاملي (ص:‎ )١( 
م٠٠ نقلا عن 4 بحوث في ولاية الفقيه»سلسلة المعارف الإسلامية» نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية» ط؛, /اء‎ (20 


ص 60ه-09. 


15 





كا يذكر الخميني ذلك بقوله: (فالذي يجب قوله هنا أن الحكومة شعبة من الولاية المطلقة 
لرسول الله #. وهي من الأحكام الأولية المقدمة على جميع الأحكام الفرعية حتى الصلاة 
والصوم والحج. فبمقدور الحاكم أن هدم مسجداً أو منزلاً من أجل شق شارعء ويستطيع أن 
يعطل المساجد حين اللزوم؛ وأن هدم مسجداً يكون ضراراً إذا لم يمكن رفع الضرر بدونه. 
والحكومة تستطيع من طرف واحد أن تلغي العقود الشرعية التي عقدتها مع الناس حين يكون 
العقد مخالفاً لمصالح البلد والإسلام. ويمكنها المنع من أي أمر عبادي كان أو غير عباديء إن 
كان تنفيذه على خلاف مصالح الإسلام. ويمكنها أن تمنع مؤقتاً من الحج الذي هو من 
الفرائض الإلية المهمة حين يكون حسب تشخيصها على خلاف صلاح البلد الإسلامي)217 

وكل هذه الصلاحيات التي ذكرها الخميني مقررة في كتب الفقه للحاكم المسلم حتى 
لولم يكن فقيهاء فكيف به إذا كان فقيهاء وكان في نفس الوقت مفوضا من طرف الشعب نفسه 
كما عبر عن ذلك الخميني بقوله- في بيان يتعلق ببعض شؤون الدولة : (بناء على الحق الشرعي» 
وعلى أساس الرأي المعطى لي من الأكثرية الساحقة من شعب إيران» فإني أعين من أجل تحقيق 
الأهداف الإسلامية مجلس شورى باسم شورى الثورة الإسلامية..)20) 

ومثل ذلك قوله عند تعيين حكومة بازركان: (إننا واستناداً إلى آراء عموم الناس التي 
ترون» ورأيتم أنها معنا وقبلوا بتوكيلنا إن شئتم التعبير أو بولايتنا لذا فإني كحاكم عليهم عينت 
تلك الحكومة بها لي من الولاية من الشرع المقدس)7© 

بناء على هذاء نحاول أن نذكر هنا الإجراءات العملية التي يتم من خلاهها تنفيذ ولاية 


الفقيه في الجمهورية الإسلامية الإيرانية» وهى أحسن رد على كل تلك الشبه التى يطلقها 


)020( المرجع السابق. 
زفق صحيفة نور ج27 ص .٠١96‏ 


(') صحيفة النور ج77 ص 5 77. 





المغرضون من غير أن يكلفوا أنفسهم بمطالعة الدستور الإيراني» ولا طريقة الحكم في 
مؤسساتها المختلفة. 

وقد رأينا أن تطبيق هذا النظام يستدعي توفر أربعة شروط» كل شرط منها كفيل برد 
تلك الشبه. وبيان مدى مشروعية هذا النوع من الأنظمة وبعده عن كل الأشكال الاستبداد. 

وهذه الشروط هي: 

١‏ توفر الكفاءة العلمية والأخلاقية في الولي الفقيه. 

١‏ توفر القابلية الشعبية للولي الفقيه. 

 "“‏ توفر المرجعية الشرعية والقانونية. 

توفر المؤسسات التشريعية والتنفيذيه. 

وستتناولها بالشرح في المباحث التالية: 

أولا ‏ الكفاءة العلمية والأخلاقية للولي الفقيه: 

وهو ما يجعل قراراته أقرب إلى الصواب؛ فهو لم يرث الحكم كما هو الحال في الأنظمة 
الملكية» ولم يصل إليه عن طريق انقلابات» | هو الحال في الأنظمة العسكرية» وإنا تولاه بناء 
على ما لديه من كفاءات علمية وأخلاقيته زكته لدى العلماء» وعامة الشعبء. وبذلك تكون 
تلك الكفاءة أكبر حاجز له عن الاستبداد والظلم. 

وقد اهتم الفقهاء المؤيدون لولاية الفقيه ‏ سواء كانوا من قادة الثورة الإسلامية أو من 
غيرهم» وسواء كانوا إيرانيين أو غير إيرانين 27‏ با مواصفات المؤهلة للولي الفقيه» والتي تتيح 


)١(‏ يصر الكثيرون على اعتبار مسألة ولاية الفقيه مسألة مرتبطة بالحوزات العلمية المتواجدة في إيران فقط» وأن سائر الحوزات 
وخاصة الحوزة العلمية في النجف ‏ تخالفها. وذلك غير صحيح؛ فالشيخ النراقي وهو كما ذكرنا سابقا من أشهر من قال بولاية 
الفقيه العامة هو من حوزة النجف. ومثله الشيخ النائيني» والشيخ محمد رضا المظفر» والسيد عبد الاعلى السبزواريء والسيد محمد 
باقر الصدرء والشيخ محمد اسحاق الفياضء والشيخ بشير النجفيء والسيد كاظم الحائري» فكل هؤلاء تلاميذ حوزة النجف 
الاشرفء وهم جميعاً يرون ولاية الفقيه العامة والخميني نفسه أصدر كتابه (الحكومة الاسلامية) حين| كان في النجف. ففيها كان 


١١ 


له القدرة على أداء دوره في التعامل مع الصلاحيات المتاحة له. 

وهم ينصون على أنها ‏ مع كثرتبا وصعوبة اجتماعها في شخص واحد ‏ ضرورية جداء 
ولا يمكن أن توزع على أشخاص كثيرين» لأن ذلك سيضعف الدولة وقرارتهاء كما نص على 
ذلك المرجع الديني الكبير كاظم الحائري(2" في كتابه [أساس الحكومة الإسلامية]» والذي ألفه 
قبل انتصار الثورة الإسلامية بقوله: (إن نفوذ الكلمة في الحكومات الوضعية ‏ وحتى الانتخابية 
لا يخلو من أن يكون بيد فرد واحد أو بيد أكثر من فرد كاثنين أو ثلاثة» وهكذا بقدر ما تنتخبه 
الأمة مثلاً؛ فإن كان بيد فرد واحد تمتع الحكم بالمركزية والقوة والسيطرة الكاملة» وهي مفيدة 
في تنظيم الدولة» لكنه قد يبتلى بالاستبداد والعمل على إغفال الأمة. وكلم| اتسعت دائرة من 
بيدهم الأمر ابتعد الحكم بذاك المقدار عن معرضيته للوقوع في الاستبداد في حين ضعف تتعه 
بتلك الدرجة من القوة والسيطرة والتنظيم)7) 

وبناء على هذاء وحتى تستفيد الأمة من القوة والمركزية» وتتفادى الاستبداد والظلم» 
وضع الفقهاء السياسيون المؤمنون بولاية الفقيه معايبر نظرية وعملية كثبرة أشار إليها الحائري 
بقوله: (أما الشكل الذي جاء به الاسلام .. وفق ما تنقح في بحثنا عن ولاية الفقيه» فهو شكل 
ثالث؛ إذ هو لم يجعل الولاية بيد شخص واحد مما يقرب النظام إلى الاستبداد» ولا بيد مجموع 
الفقهاء بأن يشغل كل واحد منهم جزءاً من منصب الولاية ما يؤدي إلى ضعف المركزية» بل 
جعلها بيد كل واحد من الفقهاء الجامعين للشرائط» فكل واحد منهم حاكم مستقلء إلا أنه إذا 


يدرّس ولاية الفقيه العامة. 

(1) هو كاظم الحسيني الحائري ١917(‏ - الآن) هو مرجع شيعي عراقي مُعاصر مقيمٌ بمدينة قم الإيرانية» وهو أحد أبرز 
تلاميذ محمد باقر الصدرء وكانت تربطه علاقة وطيدة بالمرجع محمد محمد صادق الصدرء ويّتناقل أن الصدر قد أوصى مقلديه بأن 
يتبعوا ثلاثة مراجع من بعده كان الحائري أحدهم. والاثنان الآخران هما: محمد اليعقوي, وحُحْمّد إسحاق الفياض. وثلاثتهم يؤمنون 
بولاية الفقيه. 


(؟) أساس الحكومة الإسلامية» كاظم الجائري (ص: .07١‏ 





تقدم بعضهم للحكم والتنظيم لم يجز للآخرين شق صفوف المسلمين ويجب عليهم التسليم ما 
لم ينحرف الأولء ولم يتورط في أخطاء أشد من مفاسد شق الصفوفء وببذا الشكل احتفظ 
الاسلام بمزايا كلا الشكلين من القوة والسيطرة الكاملة من ناحية» لأن الفقهاء الآخرين لا 
يبرزون الخلاف مادام القائمون بالأمر غير منحرفين ولا متورطين في أخطاء أكبر من مفاسد 
المخالفة» ومن الابتعاد عن الاستبداد من ناحية أخرىء لأن الفقهاء الآخرين أيضاً يتمتعون 
بنفوذ الكلمة ويراقبون الحاكم الأول ويقولون كلمتهم لو اقتضت المصلحة ذلكء وكان لابد 
من هذا الأسلوب مادام رئيس الدولة غير معصوم(2 

ثم بين مدى أهمية هذا النوع من الأنظمة وضرورته وكونه يجمع بين قوة الدولة 
والحصانة من الاستبداد؛ فقال: (حينم| يكون هذا النظام مقترناً بحواجز الورع والتقوى 
والموضوعية من ناحية» وبمراقبة الأمة للفقهاء ‏ تلك الأمة العارفة باشتراط العدالة والكفاءة 
فيهم والمتربية على تعاليم السماء ‏ من ناحية أخرىء وبالمشورة مع ذوي الاختصاص والخبرة في 
كل فن من الفنون من ناحية ثالثة» فإنه سيشكل خير نظام متصور للحكم .. بعيداً عن كل 
ألوان الاستبداد والظلم, يوجّه الناس نحو الاقتراب من رضا الله تبارك وتعالى» وهو الهدف 
الأقصى للاسلام الذي يسعد المجتمع البشري في الدنيا والآخرة) 27) 

ومثله ذكر الشيخ جوادي آملي ‏ وهو من الفلاسفة والمفكرين الإيرانيين الكبار ‏ صورا 
لولاية الفقيه» وبين ضرورة كونها في شخص واحد. حفاظا على قوة الدولة» واستنانا بسنة 
الرسل عليهم الصلاة والسلام وخلفائهم؛ فقال: (قد تقدّمت الإشارة إلى أنْ الحياة الإنسانية 
الاجتاعية لا تتحقق بدون النظام والتشكيل» وهو قد يكون بالشورىء وقد يكون بالإمامة» 
بمعنى أن الحاكم الذي يرجع إليه في حل المشاكلء وبيّده أزمة أمور الملكة وتنفيذها.. هل هو 


دلق المرجع السابق» ص ؟/. 
0( المرجع السابق» ص١‏ 7. 


شخص واحد جامع لجميع الشرائط» أم أشخاص عديدون يتشاورون ويتبادلون وجهات 
النظر فيؤخذ بالمجمع عليه أو المشهور بينهم ‏ لأنهم إما أن يتفقوا على أمر فهو المجمع عليه؛ أو 
يختلفون فيه بالأكثر والأقل فهو المشهور لديهم ‏ ولكل من المسلكين فوائد ومزاياء ولكن الأولى 
هو الأول مهما أمكن؛ يا جرت عليه سيرة الأنبياء حيث لم تعهد نبوة استشارية» ولا رسالة 
بالشورىء بل إِنْ تعدد الأنبياء في عصر ما إن كان يختص كل واحد منهم بقوم وقطر من 
الأرضء أو كان بعض منهم تابعاً لآخر نحو تبعية لوط لإبراهيم عليه السلام .. أو نحو تبعية 
هارون لموسى عليه السلام وإن كان شريكاً في أمرهء ولكن لم يكن مساوياً له. بل كان وزيراً 
وعضداً لموسى عليه السلام» وهكذا جرت سمة الإمامة للأئمة حيث إنه لم تعهد إمامة 
استشارية» ولا خلافة وإمامة بالشورى 17 

بناء على ما سبق ذكره؛ فقد حدد الدستور الإيراني الشروط المؤهلة لأي شخص لتولي 
هذا المنصب الرفيع» وذلك في المادة (9 )٠١‏ منه. والتي تنص على أن (الشروط اللازم توفرها 
في القائد وصفاته هي: ١‏ - الكفاءة العلمية اللازمة للافتاءفي مختلف أبواب الفقه.. -١‏ العدالة 
والتقوى اللازمتان لقيادةالامة الاسلامية.. ”7- الرؤية السياسية الصحيحة» والكفاءة 
الاجتاعية والادارية» والتدبير والشجاعة, والقدرة الكافية للقيادة.. وعند تعدد من تتوفرفيهم 
الشرائط المذكورة يفضّل من كان منهم حائزاً على رؤية فقهية وسياسية أقوى منغيره) 

وهي نفس الشروط التي ذكرها الخميني في كتبه وبياناته حول ولاية الفقيه» والتي 
اختصرها في قوله ‏ عند حديثئه عن خصائص الول الفقيه ‏ : (الفقيه صاحب العلم والعمل» 
ذو السيرة الإسلاميّة» والسياسة الإسلاميّة» وأن يكون قد أفنى عمره في الإسلام والمسائل 
الإسلامية)0) 


)٠١ العناصر الرئيسية للفكر السياسي الإسلاميء جوادي آمل (ص:‎ )١( 


0( صحيفة نور» ج 5» ص 5 07. 


ونص عليها في مواضع أخرىء فذكر أنه ل(اشخص قد ثبت لدى الشعب أنه ذو أخلاق 
ودين» وأنه شخص وطنيٌ وصاحب علم وعمل.. وهو الذي ينتخبه الشعب. وهو الفقيه 
الذي أمضى عمره في الإسلام وخدمته.. وهو الفقيه المطّلع على المعايير والذي يعيش ال حياة 
التي يعيشها الناس العاديُون.. وهو المجتهد المؤيّد من قبل مجلس الخبراء» والمدافع عن حيئثيّة 
الإسلام في العالم .. وهو شخص وقف نفسه لخدمة الإسلام والجمهوريّة الإسلاميّة وكان في 
خدمة المحرومين والمستضعفين .. ويجب أن ينتخب للقيادة أكثر الفقهاء لياقة ومعرفة 
والتزاماً)07) 

وهي شروط مبنية على أدلة عقلية ونقلية كثيرة» نص عليها قادة الثورة الإسلامية 
وفقهاؤهاء ومنهم الخامنئ في كتابه [الحكومة في الإسلام]» بقوله: (إن المجتمع الذي يحمل 
أفراده إياناً بالله» ينبغي أن تكون الحكومة القائمة فيه حكومة دينية إسلامية» تطبق التعاليم 
الإسلامية» وتنفذ الشريعة والأحكام الإسلامية في حياة الناس. وينبغي أن يكون على رأس 
تلك الحكومة شخص يتمتع بصفتين بارزتين وأساسيتين هما: أولاً: أن يكون الأعلم بالأحكام 
والشريعة والفقه الإسلاميء ثانياً: أن يتمتع بملكة ضبط النفس والسيطرة عليها من الوقوع في 
المعاصي وهو ما اصطّلح عليه عرفاً ب [العدالة]( .. هاتان السجيتان: من الضروري توفرهما 
في الشخص الذي يريد تطبيق الأحكام الإلحية والقوانين الإسلامية في المجتمع الإسلامي» وقد 
صرح دستور دولتنا بذلك بشكل واضح في باب [ولاية الفقيه] )© 

ثم بين مدى البداهة التي تدل على هذا؛ فقال: (أعتقد أننا لسنا بحاجة إلى دليل نقلي 


)١(‏ المرجع السابق في مواضع متفرقة منها: ج 5. ص 2775؛ ج 41 ص 5١‏ » وغيرها. 

(؟) عرف الخامنئي العدالة بأنها (ملكة نفسية وخصلة روحية تمن الإنسان من صيانة نفسه من ارتكاب الذنوب واقتراف 
الآثام» بيد أنها لا تعني العصمة, فالخطأ يمكن أن يصدر من الناس العاديين» ولكنها تعني عدم التعمد في ارتكاب المعصية أو 
الإصرار على مقاربة الذنب) [الحكومة في الإسلام (ص: ])٠١‏ 

(") الحكومة في الإسلام (ص: 9). 


للبرهنة على [ولاية الفقيه]» على الرغم من أن الأدلة النقلية الروائية متوفرة في القرآن 
والحديثء وكلها تدلل على حكومة الفقهاء والعلماء الربانيين. بيد أننا لولم يكن لدينا أي دليل 
نقلٍ على حكومة الخبراء بالدين في المجتمع الإسلاميء فإن العقل والأدلة المنطقية تشير إلى 
حقيقة أنه من أجل تطبيق الأحكام الإلهية» وتنفيذ القوانين الدينية في المجتمع ينبغي أن يتصدى 
لذلك أشخاص يمتلكون الأهلية» والكفاءة والصلاحية اللازمة» في هذا المضمار من لديهم 
إطلاع ومعرفة بالشؤون الدينية» وإذا كان المتصدي لذلك . مثلاً . شخص لا يؤمن أساساً 
بحكومة الدين فإنه لا يكون جاداً في تنفيذ الأحكام الإلهية فيها بين الناس» ولربم| لا يرضى بها 
أساساً.. إن هذا يكفي للتدليل على هذه الحقيقة دون الحاجة إلى نقل ما ورد في الآيات 
والروايات» وخصوصاً إذا كان الطرف المخاطّب يحمل مثل هذا الاعتقاد بضرورة تطبيق 
الأحكام الإلهية والقوانين الإسلامية في المجتمع» ويرى أن هذا من مستلزمات الإيان بالله 
وبالإسلام؛ إذ من البديبي للمجتمع الذي ثدار إدارته للأحكام والقوانين الإسلامية» أن 
يحكمه ويديره امرؤ مطّلع وعارف ببذه الأحكام)() 

والتساؤل الوجيه الذي يثار بعد هذا هو عن كيفية التعرف على تلك الشروط ومدى 
توفرها في المتصدي لهذا المنصب الرفيع» خاصة مع وجود الكثير من المراجع والعلماء والفقهاء. 
وقد طرحت لتحقيق هذا الكثير من الصور. 

منها اعتاد الطرق التي تثبت بها المرجعية» وعيب هذه الطرق -ى| يذكر مالك مصطفى 
وهبي العاملٍ ‏ هي كونها تحدد الفقيه الذي يجيب عن التساؤلات البسيطة للفرد والمجتمع» ولا 
يرقى لأن يجيب عن التساؤلات التي تحتاجها الأمة جميعاء يقول في ذلك: (نحن نعرف طرق 
التشخيص المتبعة في المرجعية وقد ذكرت في الكتب الفقهية وهي الطرق الثلاثة المعروفة: 
شهادة أهل الخبرة» والشياع المفيد للعلم» والمعرفة الشخصية بالشخص المتصدي للمرجعية» 


.)١١ الحكومة في الإسلام (ص:‎ )١( 


وهذه الطرق الثلاثة وإن أمكن اعتمادها في باب المرجعية» لكن لا يمكن تبينها كلها في باب 
الولاية) 217 

أما سبب رفض الطريق الأول» وهو البينة المؤلفة من قول شاهدين من أهل الخبرة؛ 
فترجع ‏ ىا يذكر ‏ إلى ثلاثة نواح» هي7©: 

١‏ أن البينة ذات بعد فردي لا اجتماعي. ولذلك لا تشكل أساساً لمعرفة اجتماعية» إذ 
الذي يطلع عليها هو الفرد. وهذا لا يفيد بالنسبة للأمة. 

؟ ‏ أنه سيفسح المجال لأن يكون جميع الفقهاء ولاة فعليين» إذ ما من فقيه متصد أو يريد 
التصدي إلا وسيجد من يشهد له بأهليته لذلك» بل ربما يأتي أناس يدعون أنهم أهل خبرة كا 
يحصل أحياناً في مجال التقليد. فتضيع الأمور على الناس وتتشابك؛ ورب نتنازع فيم| بيننا وفي 
هذا تضييع لدف تشكيل الحكومة الإسلامية. 

7 أنه ستظهر حالات التعارض في شهادات أهل الخبرة لتعيين الأفضلء لأن البينة التي 
تشهد على أفضلية فلان تنفي أفضلية غيره فيقع التعارض والتناني بين البينات وتسقط تلك 
الشهاذات عن الاعقيان: 

أما الطريق الثاني» وهو المعرفة الشخصية» فهذا | يذكر العاملي ‏ (ينفع صاحب المعرفة 
فقط دون غيره» ويستحيل عادة أن يملك جميع أفراد الأمة الخبرة الشخصية الكافية لمعرفة أهلية 
الشخص للولاية) 9) 

أما الطريق الثالث» وهو [الشياع المفيد للعلم أو الإطمئنان]؛ فهو مع أهميته وعقلانيتة 


إلا أن المشكلة فيه هو صعوبة التحقق من مدى صدق ذلك الشياع. 


.)18 الفقيه والسلطة والأمة» مالك مصطفى وهبي العاملٍ (ص:‎ )١( 
(39 زفق المرجع السابق» (ص:‎ 
039 هرف المرجع السابق» (ص:‎ 





وقد تبنت الجمهورية الإسلامية الإيرانية هذا الطريق» بعد توفير الشروط المناسبة التي 
تؤمن صدق الشياع» وكونه مفيدا حقيقة لليقين العلمي» وذلك عبر (تشكيل مجلس حاشد من 
أهل الخبرة العدولء وبالتالي يمكن من خلال إيكال الأمر إلى هؤ لاء تحصيل العلم أو الإطمئنان 
بكفاءة الشخص المعين للولاية» أو بأفضليته إن كنا نبحث عن الأفضل.. ومع تحصيل العلم 
أو الإطمئنان من قول أهل الخبرة بالأفضلية لا يضر حينتئذ أي قول معارضء لأن قول هذا 
المعارض هو في أحسن الحالات لن يفيد أكثر من الإحتمال الضعيف الذي لا يعتني به 
عقلائياً)(1) 

وميزة هذا المجلس ‏ وهو ما يسمى في إيران [ مجلس الخبراء ] هو كونه مجلسا منتخبا من 
طرف الشعبء وبذلك يكون للشعبء ولو بطريق غير مباشره دورا في تحديد الولي الفقيه 
وهذا له دور كبير في تشخيص من توفرت فيهم الكفاءة العلمية والخلقية لهذا المنصب الرفيع» 
ذلك أن هذا الانتخاب يستدعي أن يكون الفقيه صاحب سمعة طيبة» وأخلاق عالية» وقدرات 
على فهم المجتمع» وبذلك يعزل عن هذا المنصب الرفيع كل من لم تتوفر فيه هذه الشروط 
الأساسية. 

وقد بين العاملٍ مزايا هذه الطريقة» وإن كانت لم تستعمل في التاريخ الإسلامي إلا بعد 
الثورة الإسلامية الإيرانية؛ فقال: (وهذا الذي قلناه يقنضي أنه لا يكفي أن يكون الشخص 
المطروح للولاية غائباً عن علم الناس وخبرائهم. كا لا يكفي أن يكون معروفاً عند القلة 
القليلة منهم» بل لابد من أن تعترف معظم الأمة به وقبوها لقيادته» وذلك إما من خلال 
معرفتها التامة به» أو من خلال شهادة كثيرين من أهل الخبرة المرضي عنهم من قبل الأمة 
بكفاءته وأهليته» أو من خلال تعينه من بين الفقهاء بذلك) 20 


)0غ( المرجع السابق» (ص: 6 
زفق المرجع السابق» (ص: 137) 


وبهذا استطاع هذا النظام أن يحتمي من أكبر أسباب الاستبداد والتسلط. وهو تصدي 
الظلمة والمستكبرين لتولي المناصب الرفيعة» والتمتع بالصلاحيات العالية التي تجعلهم 
يعارسون طغيانهم على المجتمع. 

ذلك أن المجتمع ‏ بحسب هذه الطريقة ‏ هو الذي يحدد خبراءه وفقهاءه الذين لا تتوفر 
فيهم القدرات العلمية فقط» وإن| يتوفر معها الكثير من التقوى والعدالة والأخلاق العالية» 
ذلك أن المرء مهما حاول أن يخفي أخلاقه. فستظهر لا محالة في سلوكه؛ ومع المختلطين به. 

ثانيا ‏ القابلية الشعبية للولي الفقيه: 

وهذا ما يطلق عليه في الاصطلاح الشرعي [البيعة]؛ فهي تعبر عن قابلية المجتمع لنظام 
الحكم. وللفقيه الذي يتولاهم. وهو بذلك يارس دوره وفق تلك القابلية» ولا يفرض نفسه 
عليهم. 

ومع أن نظام ولاية الفقيه - ىا عرفنا في الملبحث الأول يستند إلى الشرعية الدينية» 
باعتبار الفقيه نائبا عن الرسل والأئمة في إدارة شؤون الأمة, إلا أننا نجد للبعد الشعبي فيها 
محلا كبيراء ذلك أن الولي الفقيه نفسه ‏ كما ذكرنا سابقا ‏ لا يمكن أن يُرشح لهذا المنصب إلا بعد 
أن تتوفر له القابلية الشعبية» وبعدها تتوفر له قابلية النخبة في مجلس الخيراء. 

وقد صرح الخميني قبل انتصار الثورة وبعدها بن الغرض من الثورة هو أن يملك 
الشعب زمام أمره بيده» ويستقل في قراراته» ولا يفرض عليه أي شيء خارج إرادته» ومن ذلك 
قوله في حوار أجرته معه صحيفة [فاينانشل تايمز] البريطانية» قبل انتصار الثورة الإسلامية: 
(من الحقوق البديهيّة لآيّ شعب أن يمتلك زمام ومصير تعيين شكل ونوع حكومته)7) 

وعندما سكل عن المقصود من [الجمهوريّة الإسلاميّة] قال: (ماهيّة حكومة الجمهورية 
الإسلاميّة أنْها التي تتشكّل طبق الشروط التي وضعها الإسلام للحكومة معتمدة على آراء 


..47 الوصيّة الإلهيّة السياسيّة» ص‎ )١( 


عموم الشعبء وتتعهّد إجراء الأحكام الإسلاميّة)(20 

وقال في محل آخر: (نحن نتّبع رأي الشعب. ونحن نتّبع كل ما يريده الشعب. ونحن لا 
يحل لناء ولم يجز الله تعالى والرسول 47 لناء أن نجبر مسلا على شيء ما)() 

وهكذا نجد للشعب وقابليته محلا كبيرا في خطاباته» حيث يصرح فيها بأمثال هذه 
العبارات: (المعيار رأي الشعب». أو (أعيّن الحكومة با منحني الشعب من قبول)0© 

بل إنه يصرح بآن الولي الفقيه نفسه هو نتيجة عملية لقرار الشعب وخياره» حيث يقول: 
(الفقيه الْذي ينصبه الشعب للقيادة)(4»» ويقول: (يجب العمل على انتخاب أكثر الفقهاء لياقة 
وعلاً والتزاماً للقيادة»» ويقول في وصيته: (ووصيّني إلى الشعب الشريف أن يكونوا حاضرين 
في جميع الانتخابات... أو انتتخاب الخبراء لتعيين شورى القيادة» وأن يكون منتخبوهم وفق 
الضوابط الّْتتي تجب مراعاتهاء مثلاً لينتبهوا إلى أنّه إذا حصل تسامح في انتخاب الخبراء لتعيين 
شورى القيادة أو القائد.... فمن المحتمل جدًاً أن تلحق بالإسلام والبلد خسائر لا تعرّض)20» 

وقال فيها مخاطباً رئيس مجلس الخبراء: (إذا اتتخب الشعب مجلس الخبراء الذي يقوم 
باختيار مجتهد عادل للقيادة» فعندما يقومون بتعيين شخص هذه المهمّة فهو بالضرورة محل 
قبول الشعب. وسيصبح الول منتخباً من الشعب وحكمه نافذاً)0) 

ويبين أن كل المكتسبات التي حصلت عليها الجمهورية الإسلامية هي نتيجة لتضحيات 
الشعبء ولذلك يجب أن يحافظ عليه عبر مراقبته لكل ما يحصل في الواقع» يقول في وصيته: 


. ١١ص ه ش»‎ ١17/8 فروردين‎ ١ شهرية كتاب ماه‎ )١( 
.١١ فروردين 11/8١١اهاش» ص‎ ١ شهريّة كتاب ماه‎ )0( 
11/15/اه” هاش..‎ )9( 

(5) الإمام الخمينيٌ» صحيفة نور ج 27 ص 5 "57 . 

(6) الوصيّة الإلهيّة السياسيّة» ص١‏ 20. 


(5) صحيفة نور» ج١7‏ ص179. 





(أما وصيتي إلى الشعب الإيراني العزيز فهي أن (تقدروا) النعمة التي كسبتموها بجهادكم 
العظيم وبدماء شبابكم الرشيدين» قدّروها حق قدرها كأعز الأمور إليكم. وحافظوا عليها 
واحرسوهاء وابذلوا الجهد في سبيلها فهي نعمة عظيمة إطية وأمانة كبيرة ربانية. ولا تهابوا 
المشاكل التي تواجهكم في هذا الصراط المستقيم.. وشاركوا حكومة الجمهورية الإسلامية بكل 
مشاع ركم في مشاكلها واسعوا لحلهاء واعتبروا الحكومة والمجلس جزءاً منكم. وحافظوا عليها 
محافظتكم على محبوب عزيز)17) 

وهكذا راح يوصي مؤسسات الحكوم برعاية الشعب والاهتام به وتلبية حاجاته؛ 
فيقول: (وأوصي المجلس والحكومة والمسؤولين أن يقدروا هذا الشعب حق قدره. وأن لا يألوا 
جهداً في خدمته وخاصة المستضعفين والمحرومين والمظلومين منهمء فهؤلاء ضياء أعيننا 
وأولياء نعمتنا جميعاً والجمهورية الإسلامية عطيتهم وتحققها كان بفضل تضحياتهم» وبقاؤها 
رهين خدماتهم. اعتبروا أنفسكم من الجماهير والجاهير منكم؛ واسعوا دائ)ً إلى إدانة الحكومات 
الطاغوتية» (فحكامها) غزاة ناهبون متوحشون ومتعنتون وفارغون. (هذه الإدانة) طبعاً (يجب 
أن تتم) بأعمال إنسانية تليق بحكومة إسلامية)(2) 

وهكذا نرى القائد الحالي للجمهورية الإسلامية السيد علي الخامنئي يذكر في كتبه 
وخطبه القابلية الشعبية» وكونها الحصن الأكبر الذي يعتمد عليه نظام ولاية الفقيه؛ فهو نظام 
ولد من أحضان المجتمع؛ ولم يفرض عليه من جهة خارجية» ومن ذلك قوله في كتابه [الحكومة 
في الإسلام] عند بيانه لصلاحيات الولي الفقيه» وانسجامها مع المطالب الشعبية: (إن إشراف 
الولي الفقيه على جميع المراكز الأساسية والمرافق الحساسة في المجتمع الإسلامي» أمر ضروري» 


وقد استجاب دستورنا لهذه الضرورة ولبّاها؛ فإن الولي الفقيه يمارس بالفعل إشرافه ‏ كما ورد 


2000 وصية الامام (ص: لجو 


0( المرجع السابق» ص37 


في دستور الجمهورية الإسلامية ‏ على جميع المراكز الحيوية والحساسة في هذا المجتمع» وله 
حضور فاعل ومؤثر فيهاء وهذا أمر ليس بحاجة إلى دليل وبرهان» بل العجيب هو ما قد 
يطرحه بعض الأشخاص مما يعدّونه دليلاً على رفض ولاية الفقيه ودحضها)() 

ثم بين أسباب تلك القابلية الشعبية التي توفرت في الإيرانيين» فجعلتهم ينتخبون على 
ولاية الفقيه بنسبة عالية جدا؛ فقال: (وطبعاً إذا كان ثمة مجتمع ليس لديه أدنى اهتمام بالقيم 
الإلهية والمعايير الدينية» فإنه يرضى أن يكون على رأسه امرؤ يفتقد إلى أي من الأخلاق 
الإنسانية» وأن يكون الحاكم فيه شخص محترف للفن ‏ مثلاً ‏ أو ثري ذو أموال طائلة» ليقوم 
بتسيير عجلة الأمور فيه» أما المجتمع الملتزم بالقيم الإلهية» والقائم على اعتناق عقيدة التوحيدء 
والنبوة والشريعة الإلهية فإنه لا يرى بداً من القبول بأن يكون على رأسه شخص عالم بالشريعة 
الإسلامية والتعاليم الإلهية» وتتجسد فيه الأخلاق الفاضلة» وتتجلى فيه الخصال الحميدة» ولا 
يقترف الذنوب ولا يرتكب المعاصيء ولا يقع عمداً في الخطأ والاشتباه. غير جائر ولا ظالم ولا 
طامع في شيء من الحطام لنفسه. بل يتحرق للآخرين ويفضل إقرار القيم الإلهية على القضايا 
الشخصية والأمور الذاتية والمصالح الفئوية)(2» 

ومن خلال هذه النصوص والتصريحات, والتي سنرى الكثير من تطبيقاتها في الفصل 
الثاني من هذا الكتابء يتبين لنا مدى بعد النظام الإيراني عن الاستبداد. ذلك أن المستبد لا 
يعترف بشعبه» ولا يراعي له حرمة» ولا يهتم بقابليته» ولا برفضه. لأنه يعتبر نفسه وصيا عليه» 
لا ابنا من أبنائه» على خلاف ما نراه في الواقع السيامي الإيراني» والذي يتلاحم فيه الشعب 
ومسؤوليه تلاحما شديداء وهو ما أعجز قوى الاستكبار العالمي عن مواجهته. ذلك أنه يستحيل 
الانتصار على شعب يؤمن بنظامه؛ بل يقدسه. 


.)١١ الحكومة في الإسلام» السيد علي الخامنئي (ص:‎ )١( 


0( المرجع السابق» ص١١.‏ 


١1١ 


ثالثا ‏ توفر المرجعية الشرعية والقانونية للدولة: 

من أهم ما يرد به على دعوى الاستبداد المرتبط بولاية الفقيه كون الفقيه نفسه خاضعا 
في تصرفاته ومواقفه وحكمه. بل حتى في حياته الشخصية لما يمليه عليه وصفه الذي بموجبه 
أعطي تلك الصلاحيات» وهو وصف [الفقه]؛ فلو أنه تخلى عنه لحظة واحدة» ولو في حياته 
الشخصية» فارتكب كبيرة من الكبائر التي تخرجه من العدالة» لكان لمجلس الخبراء المتتخب 
شعبيا عزله ى) ينص على ذلك الدستور الإيراني. 

ولذلك كان هن الصعب وصشهمة هذا حاله بالمنشده وكش ركوة سسشداء عو 
يعمل بنفس القانون الذي يحكم به شعبه بل هو يلزم نفسه بن يكون أكثر التزاما منهم به لأنه 
لم يحظ بفرصة التولي عليهم إلا بعد ذلك التمحيص الطويل الذي رشحه لأن يزكيه لا عامة 
الشعب فقطء وإن)| يزكيه معهم الفقهاء والعلماء والمفكرون والنخبة المثقفة. 

ولهذا عندما نطالع بيانات وخطب ومواقف قادة الثورة الإسلامية نجد هذه المعاني 
تتردد كل حينء ليذكروا الشعب بأن القانون هو الحَكّم الذي بخضع له الجميع» وكيف لا 
يخضعون له» وهو مستمد من شريعة الله تعالى؟ 

ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره الخميني عند حديثه عن مدى التزام رسول الله #/# 
بالقانون» باعتباره أول ولي فقيه في الآمة» وباعتباره المرجع الأول لجميع الفقهاء؛ فقد قال في 
ذلك: (القانون هو الذي يحكم في الإسلام. والرسول الأكرم 4 لم يتخلف أبداً عن القانون 
الإلميّ» فهو تابع له. والله سبحانه وتعالى يقول: 8 وَلَوْ تَقَوّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلٍ (45) 
َأَحَذْنَا مِنّْهُ بالْيمِينِ (4 4) ثُمَ لقَطَعَْا مِنّْهُ الْوتِينَّ4 [الحاقة: 5 -10)]47) 


ويقول في موضع آخر: (ني باب أخلاق رسول الله 4 ذكر أنّهِ لم يطلب شيئاً لنفسه أو 


."١١و‎ "٠١ ص).٠١ صحيفة الإمام»ج‎ )١( 


١117 


يرد مظلمة عنهاء فإذا ما متكت محارم الله تعالى» فإِنه كان يغضب لله تبارك وتعالى) 7 

وبناء على ذلك يذكر أن جميع فقهاء الأمة» وأهل الحكم فيها ملزمون بتطبيق القوانين 
الإلهية» التزاما حرفيا استنانا بسنة رسول الله 2. يقول في ذلك: (إِنَ حكم الله وقانون الإسلام 
يجري على جميع الأفراد في الحكومة الإسلاميّة» فهو يشمل جميع الأفراد من الرسول الأكرم # 
إلى خلفائه عليهم السلام وسائر أفراد المسلمين بدون استثناء)(”) 

وبناء على ذلك أيضا؛ فإن القانون ‏ ى] يذكر الخميني ‏ هو السلطان الأكبر الذي يحكم 
الأمق والذي على جميع الشعب طاعته والخضوع له ابتداء من قائده» وانتهاء بجميع 
مؤسساته. يقول في ذلك: (إِنَْ حكومة الإسلام هي حكومة القانون» هي حاكميّة القوانين 
الإلهيّة من القرآن والسئّة. والدولة تابعة للقانون أيضاًء فنفس النبيّ # تابع للقانون» وكذلك 
تفن أمن لمق كان تايا للقانوت أبضاء ف انو التخلفو انعو القانون طزفة عي أبداء وها 
كانوا يستطيعون ذلك لو أرادوا)”) 

ويقول في خطاب له بعد انتصار الثورة الإسلامية: (الإسلام دين القانون» حتى النبي 
لم يكن باستطاعته أن يخالف.. إنه حكم القانون ولا حكم لغير القانون الإلهي, لا الفقيه ولا 
غير الفقيه» الجميع تحت القانون» إنهم مجرون للقانون ومنفذون, الفقيه وغير الفقيه كلهم 
بحرون للقانون, الفقيه ناظر على هؤلاء الذين يجرون القانون حتى لا يخالفوا القانون» لا أنه 
يريد هو أن يحكم.. يريد أن يمنع تحول الحكام الذين يفترض بهم أن يطبقوا القانون ‏ إلى 
طواغيت)10) 

ولهذا كان يدعو كل حين للتعجيل بسن القوانين التي تحكم البلاد» لأن الدولة القوية 

.7 5 5 شرح حديث جنود العقل والجهل» ص‎ )١( 
..59 55 الحكومة الإسلامية» ص‎ )( 


(؟) صحيفة الإمام» ج ١١ءص‏ 77. 


2( المرجع السابق» ج ٠‏ ١ع‏ ص8 1 


١1 


العادلة هي دولة القانون» يقول في خطاب وجهه لأساتذة وموظفي جامعة شيراز في أوائل أيام 
انتصار الثورة الإسلامية: (كلنا نعرف مواطن الخلل» إلا أن لذلك وقته» حاجتنا الأساسية الآن 
تدوين الدستور والاستفتاء عليه.. كل هذا الخلل القائم (في المرافق المختلفة) يجب أن يعالج» 
إلا أن وقت العلاج يحين عندما نستقر عندنا حكومة (دائمة).. ويمكننا أن نقول للعالم: هذا 
بلدناء هذا نظامناء هذا قانونناء وهذا رئيس جمهوريتناء هذا جلسناء ليعترف الناس وتعترف 
الدنيا بأننا نظام بكل معنى الكلمة» عندها ننصرف إلى هذه الجزئيات) 217 

ويقول في خطاب آخر: (أنتم تعلمون أننا نمر بمرحلة حساسة تستدعي اجتياز 
الاستحقاقات التي نواجههاء وهي الخطوات الأولية التي هي عبارة عن الدستور ومجلس 
الخبراء» ومجلس النواب ورئيس الجمهورية» وكل ما هو أساس في بناء الدولة» هذه هي 
الاستحقاقات ويجب أن يتحد الجميع لإنجاز ذلك. في مثل هذا الموقع الحساس يحاول الأعداء 
أن يحولوا دون اجتياز هذه المراحل» وههذا رأيتم أنهم لحأوا إلى التشويش في الاستفتاء على شكل 
الجمهورية» ويحاولون ذلك الآن ليمنعوا تحقيق الأهداف الإسلامية)(0) 

بالإضافة إلى هذا؛ فقد ضرب الخميني من نفسه أحسن مثال عن الخضوع والامتثال 
التام للقوانين التي تسن في البلاد» ومن الأمثلة على ذلك قوله في خطاب له لابنه أحمد: (جاءني 
مبعوث من قبل السيد كلبايكاني» وقال: إن سماحته أكد على الحذر من معارضة مسألة الملكية 
التي تم طرحها في مجلس الخبراء» للإسلام وتعاليمه» كي لا تثير الاعتراضء وطلب الاتصال 
بالسيد بهشتي» فتول أنت الاتصال وأكد لهم ضرورة الحذر من حصول أية مخالفة للشرع حتى 
لاتلقى معارضة)7) 


إبلق المرجع السابق» ج8 . ص78 . 
0( المرجع السابق» ج8 ص7 .٠١‏ 
هرف المرجع السابق» ج 9» ص: 7006. 





ومن الأمثلة على ذلك أيضاء قوله في رسالة له متحدثا عن ابنه أحمد وممتلكاته: (إني أعلن 
أنه ليس لأحمد في أي بنك داخلي أو خارجي أو أي مؤسسة أي سهم أو مبلغ» وأنه لا يملك في 
أي مكان ما في الخارج أو الداخل أي أرض زراعية كانت أو غير ذلكء ولا يملك أي مبنى أو 
ما شابه ذلك. وإذا تبين من بعدي أنه يملك أيا من ذلك في الداخل أو الخارج» فأنه على 
الحكومة آنذاك أن تصادرها منه بإجازة فقيه ذلك الزمان» وأن تحاكمه. والمؤمل هو أن يراعي 
مسؤولو الجمهورية الإسلامية دوما الضوابط» وأن يحترزوا من العلاقات)17) 

وعلى دربه سار خليفته الولي الفقيه المعاصر السيد علي الخامنئي الذي نراه لا يدع مناسبة 
إلا ويتحدث فيها عن كون القوانين هي الحاكمة في البلاد لا أهواء المسؤولين» ومن ذلك قوله 
في مراسم تنفيذ حكم رئاسة جمهوريّة الرئيس خاتمي (7؟/ :)2300١/8‏ (في النظام الإسلاميّ 
- أي سيادة الشعب الدينيّة - الشعب ينتخبء يتّخذ القرارات» ويتولى إدارة أمور البلاد من 
خلال منتخبيه» لكنّ هذه الإرادة وهذا الانتتخاب والاختيار هي في ظلّ الحداية الإلهيّة. ولا 
تسير أبدًا خارج طريق الصلاح والفلاح» ولا تتنكب أبدًَا عن الصراط المستقيم؛ المسألة 
الأساسيّة في سيادة الشعب الدينيّة» هيء أَتّْا هديّة الثورة الإسلاميّة للشعب الإيراني» هذه 
التجربة الجديدة والحديثة العهد» لكن يمكن التأمّل فيها ومتابعتها ومحاكاتهاء لكل الذين تتوق 
قلوبهم للفضائل وللمجتمع الإنسانيّ الطاهر والنزيه» ويعانون من الرذائل الأخلاقية وانتشار 
قبائح الأخلاق البشريّة)(0) 

ويقول في خطابه لأعضاء مجلس خبراء القيادة :)3٠١ 7 /7 /١5(‏ (إِنّه لخطأ كبير أن 
نخلط ونمزج اليوم بين سيادة الشعب الدينيّة» بهذه الفلسفة العميقة ورعاية حقٌ الشعبء وبين 


)١(‏ نص الرسالة كاملة في موقع: دار الولاية للثقافة والإعلام. 
(؟) تأسيس الحضارة الإسلامية في فكر الإمام الخامنئي (ص: 17) 


١15 





ما هو موجود في الغرب. هذه هي السيادة الشعبيّة الحقيقيّة» والشارع المقدّسء طبق الموازين 
الفقهيّة التي بين أيدينا.. ذلك لأنْ الأصل هو عدم سلطة أحد على أحد عندما يريد إنسان أن 
يتدخل في شؤون الناس الآخرينء ينبغي هذه المؤمّلات أن تكون موجودة حتماً. تشخيص هذه 
المؤمّلات - أيضًا وطبق خبج عقلائيٌ ومحطٌ ثقة يقع على عاتق الأشخاص الذين لهم القدرة 
عل ذلك» والشعب في نظام اللمهورةة الاسلامية علق عن هذا الطريق شاوه وبلعتة: إن 
مشاركة الشعب واختياره بواسطة الأشخاصء الذين يعرفون هذه المؤهّلات ولديهم القدرة 
على تشخيصها في الشخصء والذين هم مسؤولون عن الإشراف عليهاء ومراقبة وجودها 
وبقائهاء والذين يعرفون ما يجري - هي من أرقى الوظائف الموجودة)17) 

وهكذا نجد جميع القادة والمفكرين في الجمهورية الإسلامية الإيرانية يعتبرون القانون 
المستمد من الشريعة الإسلامية هو الحكم الأعلى في البلاد» ولا يجوز لأحد تجاوزه, ابتداء من 
الولي الفقيه نفسه. بل يذكرون أن دور الولي الفقيه هو مراقبة تطبيق القانون في الواقع» ولذلك 
تكون مسؤوليته في تطبيقه مضاعفة؛ بل هو أولى الناس بتطبيقه. 

ومن الأمثلة على ذلك قول الشيخ جوادي آمل في كتابه [ولاية الفقيه ولاية الفقاهة 
والعدالة] في معرض جوابه عن سؤال حول معنى [الجمهورية الإسلامية ]:(لقد حدد الإسلام 
علاقته بالجمهور أو الجمهورية أولآه وحدد ارتباط الجمهور بالدولة ومصادر الثروة وكيفية 
التوزيع وطريقة تنظيم العلاقات داخليا ودوليا ... ثانياًء وتتمثل علاقة الإسلام بالجمهور بأنه 
وليهم لا وكيلهم, فالمستشار والمعاون والمضارب والمساقي والمزارع والضمين والمحامي سواء 
كان حقوقيا أو مالياء وجميع الأشخاص الذين يحيون في ظل نظام الجمهورية الإسلامية, 
مسؤولين كانوا أم غير مسؤولينء القائد منهم وأعضاء مجلس الخبراء ورئيس الجمهورية 
وأعضاء مجلس الشورى وغيرهم إن| يخضعون لولاية الإسلام لا غير» وبالطبع فإِنْ الشخصية 


)020( المرجع السابق» (ص: )0 


الاعتبارية للقائد الإسلامي ‏ الفقاهة والعدالة ليس سوى الإسلام, فالقائد شأنه كشأن سائر 
أبناء الأمة تابع محض للشخصية الاعتبارية أي القوانين الإسلامية» ويتضح من خلال بيان 
كيفية ارتباط الجمهور بالإسلام أن ارتباط الجاهير بالأحكام الإلحية ارتباط ولائي» وليس 
توكيلا وما شابه ذلك. والموارد التي حددها الإسلام كحقوق أو واجبات أو صلاحيات أو 
تكاليف للجمهور إن| يصادق عليها وتنفذ في ضوء دراسة من قبل خبراء الأمة ‏ مباشرة أو غير 
مباشرة ‏ والرؤية الفقهية للفقهاء تحت إشراف الفقيه الجامع لشرائط القيادة» وكذلك في ضوء 
وجهة النظر الحقوقية للحقوقيين المتخصصين والملتزمين وبالأشراف الآنف الذكر) )21727 
ويقول في كتابه [الكلمة الطيبة: دروس في ولاية الفقيه] في بيان أنواع الحكومات 
وعلاقتها بالاستبداد: (يمكن تقسيم الحكومات إلى ثلاثة أنواع: أولهاء الحكومة الاستبدادية 
المبنية على أساس السيطرة والقوة» حكومة الأقوى الذي يمسك زمام الأمور بكل قدرة ممكنة» 
كما كان مثل فرعون.. الثانية حكومة الناس على الناس (حكومة الشعب): وتقوم هذه الحكومة 
على أساس رأي الأكثرية» وهدفها تأمين حاجات الناس»ء مثل الحكومات التي يصطلح عليها 
بالديمقراطية التي تنتشر في عالم اليوم» ويكون المعيار للمصلحة والفساد والجمال والقبح والحق 
والباطل والخير والشر مبنياً على رأي الأكثرية.. وثالثها الحكومة الإلحية» وهذا النوع من 
الحكومات ليس حقاً للحاكم الذي يظفر بالقوة والسلطة» ولا حقاً للناس بحيث تكون 
خاضعة لقوانينهم» بل هي حق لله الذي هو رب العالمين» أما حدود فعالية هذا النوع من 
الحكومات فإنها تشملء بالإضافة إلى الأمور الاجتاعية» الأخلاق والعقائد. فهي تقدم لهم 
البرنامج الواضح على مستوى العقيدة وتقرر لهم القوانين والقواعد على مستوى الأخلاق 
والسلوك. لهذاء فإن حق السلطة في الحكومة الإسلامية ينحصر بالله» وجميع المؤمنين في هذا 


الدين متساوونء وعليهم جميعا رعاية القانون والأمر الإلهي. وبتفويض أمورهم ومصيرهم 
200 ولاية الفقيه ولاية الفقاهة والعدالة جوادي آمل (ص: 65 


١18 


إلى الله في جميع الأحوالء فإنهم يقبلون بسلطة الحاكم والولي المعين من قبل الله. ومن هناء ففي 
مثل هذه الحكومة لا يوجد فرق بين الحاكم الذي يكون نبياً أو إماماً أو مجتهداً عادلاً وبين أفراد 
المجتمع ‏ سواء من ناحية شمولية الفتوى أو القانون أو من حيث القيادة والولاية ‏ وهذا ما 
يختلف عن سائر الحكومات الأخرى. فإن الحاكم وجميع أبناء الشعب ملزمون برعاية الأحكام 
الإهية والحكومية)7) 

ويضرب مثالا على ذلك بقول الإمام علي: (أيها الناس» إني والله ما أحثكم على طاعة إلا 
وأسبقكم إليهاء ولا أخباكم عن معصية إلا وأتناهى قبلكم عنها)(2) 

ونحب أن نرد هنا باختتصار على شبهة يوردها الكثير من المغرضين» وهي كون الدستور 
الإيران ينص على أن المذهب الرسمي في إيران هو المذهب الجعفري الاثنا عشري» ويبنون على 
ذلك بأنهم لا يستمدون قوانينهم من الفقه الإسلامي المتداول لدى المذاهب السنية» وإنم| 
يطبقون دينا آخر غير الإسلام» ويبنون عليه كذلك كون إيران دولة طائفية وأن دعواتها للوحدة 
الإسلامية لا تنسجم مع اعتبارها للمذهب الجعفري مذهبا رسميا. 

والذين يطرحون هذه الشبهة» لا يعرفون المذهب الجعفري, ولا الأصول التي يعتمد 
عليهاء ولا الفروع التي نشت عنهاء ولو أهم طالعوها من كتب الفقه القديمة والحديثة لعرفوا 
أن هذا المذهبء, وخاصة في شؤون الحياة المختلفة» لا يختلف كثيرا عن سائر المذاهبء بل هو 
يتفق معها في أكثر الفروعء بالإضافة إلى أنه يمنح مساحة كبيرة للاجتهاد المبني على القواعد 
الشرعية» والذي لا يخالف النصوص القطعية من الكتاب والسنة. 

بالإضافة إلى ذلك. فإننا نرى كل دولة من دول العالم الإسلامي تعتمد مذهبا رسمياء 


مع كونها قد يكون فيها مذاهب أخرىء ومن الأمثلة على ذلك» أن السعودية ‏ عبر هيئاتها 


.)١؟ الكلمة الطيبة (دروس في ولاية الفقيه) جوادي آمل (ص:‎ )١( 


(؟) نبج البلاغة» 7/ .1١‏ 


١1 


الدينية الرسمية ‏ تتبنى المذهب الحنبلي بل السلفي المغالي» مع وجود شيعة كثيرين فيها. 

وهكذا نرى الجزائر وليبيا تعتبران المذهب المالكي مذهبا رسميا على أساسه تحدد الكثير 
من الوظائف والفتاوى» مع وجود الإباضية فيهاء ولكنها مع احترامها لاء تعتبرها أقلية» ذلك 
أن المذهب الرسمي يعتمد على الأغلبية» لا على الأقلية. 

ولهذا؛ فإن دستور الجمهورية الإسلامية الويرانية» وحتى يحدد الإطار المرجعي لحاكمية 
الشريعة» ذكر المذهب الجعفري باعتباره مذهب الغالبية العظمى من سكان إيران» وهو مذهب 
لا يختلف عن سائر المذاهب الإسلامية» لأنه يعتمد القرآن الكريم والسنة المطهرة» بل يرى 
ضعف كل اجتهاد أو رواية تخالف القرآن الكريم والسنة القطعية. 

وهذا لا يعني تحقيره لسائر المذاهب الإسلامية» بل هو يحترمهاء بل يطبق أحكامها 
الخاصة بها في المدن التي تكون فيهاء وهي أحكام لا تعدو بعض الفروع البسيطة المرتبطة 
بالأحوال الشخصية. 

ولهذا لاا نرى في قادة الثورة الإسلامية, أو المنظرين لولاية الفقيه أي نبرة طائفية» بل هم 
يتحدثون عن الإسلام؛ ويعتبرون المسلمين جميعا إخوة» ولا يفرقون بينهم على أساس 
مذاهبهم. 

ومن الأمثلة على ذلك قول الخميني في بعض خطاباته الموجهة لأهل السنة: (إنني دائ) 
في خطاباتي وكتاباتي كنت أؤكد على أمرين, الأول أنه في الإسلام ليس هناك وجود للعرق 
والتعصب واللغة» فالإسلام للجميع ولمصلحة الجميع» ونحن إخوة بحكم القرآن والإسلام» 
فالآكراد والأتراك والبلوش إخوة» ويجب أن نعيش مع بعضنا بوئام» فقد قطعنا يد الأعداء عن 
بلادنا.. وما أريد التأكيد عليه هو أن لا يظن الإخوة السنة أن في الإسلام فرق بيننا وبينهم» 
فك أنه هناك أربعة مذاهب سنية وهم أخوة مع بعضهم البعض. فإن هناك مذهب خامس» 
وليس هناك أية عداوة بينناء فالجميع إخوة ومسلمون. الجميع أتباع القرآن والرسول الأكرم 


أما ما يثار هنا وهناك فإنه من نسج العناصر الفاسدة المتبقية من النظام البائد وعملاء 
الأجانب الذين يثيرون أمثال هذه الفتن لمصلحة أسيادهم» وعليكم أيها الأخوة أن تنتبهوا إلى 
هذا الموضوع. ولا يخفى إنهم بذلك يسعون للحؤول دون أداء الإسلام لدوره؛ فهم لا هدفون 
الى بث الفرقة بين الأكراد والفرسء وإنم| يعارضون الإسلام» ومن واجب المسملين جميعاً أن 
يقفوا في وجههم ويحبطوا مخططاتهم)17) 

ويقول مخاطبا لمهم: (الإسلام هو وحده الذي يحرص على مصالح الشعبء ومن يؤمن 
بالإسلام هم وحدهم الذين يعملون لأجلكم. فالقرآن مربي الجميع وللجميع ويجب علينا أن 
نكون معا تحت ظلال القرآن» وتأكدوا أن دعايات هؤلاء المخربين مغرضة وقد رأيتم كيف 
بدأوا بإحداث الفوضى والخراب وجيشنا جاء لكي يتصدى هم .. فكل هذه المناطق إسلامية 
وإيرانية وجميعنا ايرانيون ومسلمون وتابعون للقرآن)”) 

رابعا ‏ توفر المئؤسسات التشريعية والتنفيذيه: 

من أهم المميزات التي لا يمكن لأحد من المغرضين أو غيرهم تجاهلها أو غض الطرف 
عنها في النظام الحاكم في الجمهورية الإسلامية الإيرانية ما يسمى بالمؤسساتء فهي دولة ذات 
مؤسسات كثيرة» والقرار فيها يخضع للمعالجة في محال مختلفة» منها ما يرتبط بموقف الشعب» 
ومنها ما يرتبط بموقف الشريعة» ومنها ما يرتبط بالواقع المحلي والعالمي. 

وهكذا لا تصدر القرارات إلا بعد تمحيصها ودراستها دراسة متآنية من جميع النواحي 
العلمية والشرعية والواقعية» وهو ما تطلبه الشريعة الإسلامية التي تأمر بالاستعانة بالخبراء في 
جنيع المجالات. كما قال تعالى: لقَاسْأَل به حَبِيرًا © [الفرقان: 9 0]» وقال: #قَبَ) رَحْمَِ مِنَ الله 


026 


6 عراكاة 2 > 02 2 © سراهة 1 ٠.‏ -25 6 >4 6ي6.ه 2-6 
لِنْتَ كُمْ وَلَوْ كُنْتَ قَظَا غَلِيظً الْقَلْبِ لَانْمَصُوا مِنْ حَوْلِكٌ فَاعْفٌ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ هُمْ وَشَاوِرْهُمْ 


إدلق4 صحيفة الإمام» ج 4 ص: الت 
(5) المرجع السابق. 


في الْأَمْرِ مدا عَرَمْتَ قتَوَكلْ عَلَ اللهَإِنَ هحب امْتوَكلِينَ4 [آل عمران: ]١59‏ 

ولهذاء فإن الولي الفقيه الذي يستن بسنة رسول الله ## في توليه هذه الوظيفة» يستن به 
أيضا في جميع مستلزماتها وصفاتها والأخلاق التي ترتبط بها. 

وهذا المعنى لا نجده في أي نظام آخرء سواء كان من الأنظمة الاستبدادية كالاًنظمة 
الملكية أو العسكرية أو حتى الأنظمة التي تسمي نفسها أنظمة ديمقراطية» ذلك أن تلك 
الأنظمة حتى لو راعت مطالب الشعب في قراراتها إلا أنها قد لا تراعي المطالب الأخلاقية 
والمبادئ الإنسانية» على عكس الجمهورية الإسلامية الويرانية التي ترى تلك المبادئ حاكمة 
على الشعب جميعا حكاما ومحكومين. 

ولهذا نراها لا تتيح لأي كان لأن يرشح نفسه في الانتخابات المختلفة» إلا بعد أن يمر 
على المؤسسات التي تدرس شخصيته. وتبحث في مدى كفاءته وقدراته حتى لا يتسلل لتلك 
المناصب الرفيعة من لا يكون كفؤا لهاء على عكس الأنظمة الديمقراطية التي تتيح للمهرجين 
والممثلين لأن يرشحوا أنفسهم, وينالوا المناصب الرفيعة» لا بسبب قدراتهم وكفاءاتهم» وإنما 
بسبب تلك الشهرة التي نالوها. 

ولهذا أيضا نرى في الجمهورية الإسلامية بسطاء الناس» وأبناء الأحياء الفقيرة يصعدون 
إلى أعلى المناصبء وعبر انتخابات شعبية» لأنه لا توجد شركات أو مؤسسات مالية تتحكم في 
الانتخابات» مثلما هو حاصل في الغرب. وإن| تشرف عليها مؤسسات علمية ودينية وشعبية» 
بن فاق هو ترق قرافية مدق ققانة واراقة ار شوق 

وقد أشار إلى هذا المعنى الشيخ جوادي آملٍ عند رده على تهمة الاستبداد في ظل ولاية 
الفقيه» مبينا جذورها التاريخية؛ فقال: (إن ما يطرح تحت عنوان الاستبداد الديني» له جذور 
من الناحية التاريخية في الفكر الليبرالي» حيث يتهم الفقهاء بالاستبداد الديني في إجراء الأحكام 
الإلغية والضغط دون أي تسامح في ذلك» ومنشأ هذا الاتهام يعود إلى الاستبداد الديني الذى 


١" 


مارسته الكنيسة الأوربية في القرون الوسطى.. فعندما يقوم المتغربون بمطالعة تاريخ تلك 
الحقبة يقومون بمقارنة غير عادلة بين ما حدث في الغرب وما يطرح تحت عنوان ولاية الفقيه 
يريدون بذلك أن يشيروا إلى أن ولاية الفقيه تشبه الاستبداد الديني الذي حدث في الغرب على 
يد الكنيسة) )١(‏ 

وانطلاقا من هذا يذكر أن هناك فرقا كبيرا بين كلا النظامين: نظام ولاية الفقيه الذي 
تمارسه إيران في الوقت الحالي» والمبني على المؤسسات المختلفة» ونظام الكنيسة الذي كان 
يعارس في العصور الوسطىء والذي لم تكن تمثله أي مؤسسات سوى مؤسسة الكنيسة؛ فيقول: 
(لكن الحقيقة هي أن ولاية الفقيه تعنى ولاية العارف بالإسلام والعادل والتقي» ومثل هذا 
الحاكم يجب عليه أن يستشير أهل الخبرة» ولا يتناسب الاستبداد مع العدالة» أما لو اتجه الفقيه 
الحاكم نحو الاستبداد فإنه سيعزل تلقائياًء وحيث إن خبراء الأمة يشرفون على أدائه» فإنهم 
يعلنون عزله عندما يجدون أنه يستبد ولم يعد يمتلك صفة العدالة. فحكومة الولي الفقيه ليس 
فيها جهة الاستبداد والتسلط» بل هي حكومة القرآن والسنة) 9 

وهنا يورد الكثير من المغرضين شبهاتهم حول علاقة بعض المؤسسات بالولي الفقيه» 
وينكرون عليها كون الولي الفقيه هو الذي يحدد بعض أعضائهاء ومن الأمثلة على ذلك [ مجلس 
صيانة الدستور]ء وهو من الهيئات التنظيمية الرئيسية في إيران» والتي تلقى انتقادات كبيرة من 
المغرضين لآن وظيفتها الإشراف على عمل مجلس الشورى الإسلامي» حيث أن جميع قوانين 
البارلان يجب أن تحصل أولا على موافقة هذا المجلس قبل اعتمادها. 

فهم ينكرون أصل هذا المجلسء وينكرون كذلك كونه يتكون من اثني عشر عضواًء 
ستة أعضاء منهم من الفقهاء والخبراء في القانون الإسلامي» ويتم تعيينهم مباشرة من قبل الوللي 


دلق المرجع السابق» (ص: 15). 
زفق المرجع السابق» (ص: 15). 


١77 


الفقيه» والستة الباقون من المحامين ذوي الخبرة» و يتم ترشيحهم من قبل رئيس السلطة 
القضائية» و يتم التصويت عليهم من قبل أعضاء مجلس الشورى الإسلامي. 

وللرد على هؤلاء المغرضين نذكر أنه يمكننا أن نعتبر أولئك الأعضاء الستة الذين 
رشحهم الولي الفقيه في هذه المؤسسة, أو غيرهم من الأعضاء في المؤسسات الأخرى. مرشحين 
من طرف الشعب نفسه. ذلك أن للشعب نوعين من الانتخابات: 

أولها: اتتخاب على الدستور ونوع القوانين التي تحكم البلاد» وقد حصل في إيران على 
نسبة عالية من الموافقة الشعبية» مع كونه يعرّف بكل هذه المؤسسات. ويبين طريقة عملهاء 
وبذلك يكون الشعب الإيراني قد أتاح للولي الفقيه كل السلطات التي تسمح له بتطبيق الشريعة 
الإسلامية» أو مراقبة تطبيقها في الواقع. 

ثانيها: انتتخاب مباشر على الأعضاءء والذي أتيحت له الكثير من المؤسسات في النظام 
الإيراني» فرئيس الجمهورية والبرلمان والمجالس البلدية وغيرها كلها مؤسسات ينتخب عليها 
الشعب مباشرة» بل حتى المؤسسة التي يخرج منها الولي الفقيه. مؤسسة منتخبة من طرف 
الشبعت: 

وبذلك يكون للشعب دوره ورأيه في كل ما يحصل في المؤسسات المختلفة إما عن طريق 
الانتتخاب المباشر لأعضاء تلك المؤسسات. أو عبر الانتخاب غير المباشر» والمرتبط بالمبادئ 
والقيم والقوانين التي تحكم البلاد. 

وهذا يوجد نظير له في الكثير من الدول الديمقراطية» والتي لا تعطي الحرية الكافية 
للأعضاء المنتخبين في تقرير ما يشاءون» بل تضع دوههم الحوائل التي تحمي قراراتهم من أن 
تسيء للسياسة الاستراتيجية التي تعتمدها البلاد. 

وبذلك يمكن اعتبار مجلس صيانة الدستور في النظام الإيراني مشابها لحد كبير لبتعض 


المؤميشات الفيامنة الدمعوو فى القدو تن :القؤل الدومغزاطية نيف تجن فبها بها سنن 


١ 


بالمحكمة الدستورية» أو المجلس الدستوريء, والذي لا يختلف في وظيفته كثيرا عن مجلس 
ضنياتة الدسعو الايراق: 

وقد أشار الشيخ جوادي آمل إلى هذا المعنى في ردوده على ربط ولاية الفقيه بالاستبداد؛ 
فقال: (في الأنظمة الدينية» تكون حرية الناس في تعيين مصيرهم بيدهم واختيارهم ضمن إطار 
الدين» أي أن الناس يرسمون مصيرهم على أساس الدين أو المذهب الذي اختاروه. وكمثال 
على ذلك ما جاء في الأصل الثاني من دستور جمهورية الصين الشعبية أن [الحزب الشيوعي 
الصيني هو نواة القيادة لكل الشعب الصيني]» أي أن النظام الحاكم يجب أن يعمل وفق 
الموازين الاشتراكية» وهذا التحديد قد حصل من جانب الناس بانتخابهم المسبق للنظام 
الاشتراكيء وني النظام الجمهوري الإسلامي أيضاًء قبل الشعب من خلال اختياره المسبق 
للجمهورية الإسلامية» تحت عنوان مظهر الحاكمية الإلهية ومصداق الحكومة الإسلامية)(1) 

وردا على سؤال يقول: (يحصل الفقيه الجامع للشرائط على الولاية من دون أن يكون 
لرأي الناس دخل فى تعيينه» إذأ فلا اعتناء برأي الشعب في انتخاب الولي الفقيه)» أجاب 
الشيخ جوادي آمل بقوله: (يتم إعمال رأي الشعب من طريقين: الأول بصورة مباشرة حيث 
يتخب الشعب شخصاً بصورة مباشرة مثل رئيس الجمهورية وأعضاء مجلس الشورى» 
والطريق الآخر بصورة غير مباشرة» حيث يوكل الشعب أشخاصاً يقومون باختيار شخص 
لهذه المسؤولية» ولاشك أن الوكلاء هنا يعبرون عن رأي الشعب الذي انتخبهم, مثل اختيار 
الوزراء باقتراح من رئيس الجمهورية الذي انتخبه الشعب» حيث يقوم مجلس النواب بالموافقة 
عليهم» كونه يمثل رأي الشعب)() 

وبين دور الشعب في اختيار الولي الفقيه نفسه؛ فقال: (أما في مورد قيادة المجتمع 


دلق المرجع السابق» (ص: 1). 
زفق المرجع السابق. 


الإسلامي وطبقاً للتدبير الذي طرح في الدستور يوجد طريقان: الأول: من خلال الإقبال 
الحاسم لأكثرية الشعب على فقيه عادل وجامع للشرائط» حيث يصبح الأخير قائداً للمجتمع 
الإسلامي» )ا حدث مع قائد الثورة العظيم ومؤسس الجمهورية الإسلامية في إيران؛ فقد 
شاركت الأمة في تعيين القائد بشكل مباشرء والثاني: عبر الخبراء الذين ينتخبهم الشعب» حيث 
يختار هؤلاء من بين الحائزين على الشرائط قائداء ففي هذه الصورة أيضاء قام الشعب 
بالاتتخاب, ولكن بطريقة غير مباشرة» وني كلا الحالين يمكن الجمع بين ولاية الفقيه وحاكمية 
الشعب) )(1) 

ومن الميزات المهمة التي نجدها في المؤسسات الإيرانية ذلك الفصل بين السلطات؛ فكل 
مؤسسة تمارس دورها بكل حرية» وفي نفس الوقت تشعر أن هناك رقابة عليها حتى لا تخرج 
عن الدستور وقوانين البلاد» وبذلك تشعر بأنها مع حريتها المتاحة لما مسؤولة عن المبادئ 
والقيم التي تحكم الدولة. 

وقد أشار الخميني إلى هذا المعنى في خطاب مفصلي قال فيه: (عندما يؤدي كل فريق 
عمله ولا يتدخل في عمل غيره» ينتظم أمر الدولة فتصبح دولة يمكن أن تتقدم, أما إذا أصبح 
كل فريق يتدخل في عمل الآخرء فلا يستطيع أحد أن يؤدي مهمته.. هذا تكليف شرعي 
للجميع؛ للحرسء للشرطة؛ للجيشء للدرك» للمجلسء لرئيس الجمهورية.. الجميع 
مكلفون شرعاً يجب أن يلتزم كل بوظيفته التي حددها القانون..لقد حدد القانون لكلٍ 
وظيفته, فإذا تجاوز أحد القانون وأراد التدخل في مجال عمل غيره فقد خالف الشرع.. ليلتزم 
رئيس الجمهورية با حدده له القانون ولينفذه بطريقة جيدة.. كذلك المجلس. لا يتدخل 
المجلس في محال عمل السلطة التنفيذية أو السلطة القضائية.. إذا أراد أن يتدخل في مجال عمل 


دلق المرجع السابق. 


١75 


الآخر فلن تُبنى دولة) 2027 

ومن الميزات المهمة التي نجدها في المؤسسات الإيرانية أيضا عدم تدخل المؤسسات 
العسكرية في الشؤون السياسية» ولهذا لا نجد أي انقلابات عسكرية في إيران على عكس الكثير 
من الدول حتى المتطورة منها. 

وقد دعا الخميني في خطاب تاريخي له إلى عدم دخول الجيش ني الصراعات السياسية» 
فقال: (على قادة الجيش وجميع القوات المسلحة حفظ هذه القوات من التدمل في السياسة, إن 
تدخل الجيش في السياسة مساو لزوال حيثية الجيش.. الأمور السياسية في الجيش أشد فتكاً من 
المهيرويين.. كيف يقضي الميرويين على الإنسان» كذلك هي الأمور السياسية تقضي على روحية 
الجيش ورؤيته)() 

ويبين سبب ذلكء فيقول: (الجندي الذي يتدخل في الأمور السياسية يفقد جنديته 
الجندي الذي ينصبٌ تفكيره على أمور من قبيل من تقدم ومن تأخرء ماذا سيجري هنا.. وماذا 
هناك.. الفريق الفلاني كيف سيتصرفء والفريق الفلاني كيف؟ لا يعود أهلاً لاسم الجندية.. 
إنه شخص سيامي اغتصب قبعة الجندية)() 

وهكذا يخاطب قيادات الحرس الثوري بقوله: (المهم أن لا توجد في الحرس حالة تلحق 
الضرر بروحية أفراد الحرس .. يجب أن تحولوا دون دخول الجهات السياسية إلى الحرس. فإن 
دخول الجهات السياسية إلى الحرس يعني زوال الجهات العسكرية .. أوصوا الحرس دائاً أن 
يعتبر كل منهم نفسه دائياً محارباً في خدمة الناس)9؛) 

ويقول في خطاب آخر مخاطبا لهم: (لا يجوز لأفراد الحرس الدخول في التحزبات» 

.. 35١ص‎ ١١ج صحيفة الإمام»‎ )١( 
.. 4 ١ص‎ ١5ج المرجع السابق»‎ )0( 


2( المرجع السابق» ج8١‏ ص17 5 


فيصبح هذا مؤيداً لهذاء وذاك مؤيداً لذاك.. ما علاقتكم أنتم با يجري في المجلسء وقد بلغني 
أن الحديث كان يدور في الحرس حول الانتخابات.. الانتتخابات تبحث في محلها.. ما علاقة 
الحرس حتى يوجد الاختلاف بينهم.. هذا ليس جائزاً للحرس. ليس جائزاً للجيش. إن هذا 
يمنع الحرس عن القيام بواجبه الذي هو في عهدته) 2١7‏ 

ويقول مخاطبا مسؤولي وزارة الأمن: (الأمر الآخر الذي يحظى بالأهمية هو أن جميع 
الأشخاص في هذه الوزارة يجب أن لا يكون لهم انتماء إلى أي حزب ومجموعة.. الارتباط 
بالمجاميع يستتبع الارتباط الفكري والعلمي؛ وهذا يتنافى مع عملكم يجب أن تكونوا جميعاً 
حياديين» حياديين» أن تزاولوا عملكم بمعزل عن العداوة والصداقة والمعرفة وعدم المعرفة .. 


يحب أن يكون أفراد الأمن مستقلين نزيمين ومتقين) 7 


)١(‏ المرجع السابق» ج9١‏ ص8" 7؟.. 
(5) المرجع السابق» ج9١‏ ص/ا/ا١..‏ 


١17 


الفصل الثالث 
واللانة لفقي والى الشيظة 


تعتبر الحرية القيمة الكبرى التي ناضلت من أجلها كل الشعوب لتخرج من قيود 
الطواغيت والمستبدين» وتسترد ممتلكاتها من مغتصبيهاء وتمارس حياتها بعيدا عن كل 
الضغوطء ولهذا كانت شعارا أساسيا في كل الثورات ابتداء من الثورة الفرنسية إلى الآن. 

بل لو درسنا التاريخ جيدا لوجدنا أن كل الدعوات الإصلاحية في التاريخ ترتبط 
بالدعوة للتحرر والانعتاق من نير الظلمة والمستبدين» لتنعم الشعوبء مجتمعات وأفراداء 
بحقوقها بعيدا عن كل القيود. 

وهكذا كانت الحرية شعارا في الثورة الإيرانية» ل يحمله الشيوعيون أو الاشتراكيونء أو 
الليبراليون فقط. بل حمله معهم وقبلهم الإسلاميون» وخصوصا الذين تحولوا بعد ذلك إلى 
قادة للثورة الإسلامية. 

ولهذا نجد في الخطابات الكثيرة التي ألقاها الخميني أو غيره من قادة الثورة حديثا كثيرا 
عن الحرية والانعتاق من نير الشاه وظلمه واغتصابه الحقوق الشعبء. وتلاعبه بثروته. 

ومن الأمثلة على ذلك الخطاب التاريخي الذي يسمى [خطاب الإنتصار]ء والذي ألقاه 
الخميني بتاريخ ١191/4/5 /١‏ مء بمناسبة إعلان نظام الجمهورية الإسلامية في إيران» وتما جاء 
فيه مما يتعلق بالحرية» وكونها من المطالب التي تحقق بسبب الثورة الإسلامية: (على أي حال 
فإننا فزنا والحمد لله في هذا الاستفتاء» وقد ظهر بطلان ما كتب في الصحف الأجنبية» وقد أدل 
شعبنا برأيه مائة في المائة تقريباً لصالح الجمهورية الإسلامية» وعلى الشعب أن يطبق هذه 


الجمهورية الإسلامية بعد اليوم.. يجب أن تتغير جميع الأمور في إيران في ظل الجمهورية 


١ 


لإسلامية» فالجامعات يجب أن تتغير» وتتبدل الجامعات العميلة إلى جامعات مستقلة.. وثقافتنا 
يجب أن تتبدل» وتحل الثقافة المستقلة محل الثقافة الاستعمارية.. وزارة العدل يجب أن تتغير؛ 
فالقضاء الغربي لا بد أن يتحول إلى القضاء الإسلامي.. اقتصادنا يجب أن يتغير» فالاقتصاد 
العميل يجب أن يتحول إلى اقتصاد مستقل.. وجميع الأشياء التي كانت في حكومة الطاغوت» 
وكانت قد طبقت استجابة لأوامر الأجانب في هذا البلد الضعيفء هذه الأشياء يجب أن تنقلب 
رأساً على عقب بعد أن استقرت الحكومة الإسلامية والجمهورية الإسلامية)(1) 

فهذا النص يبين مفهوم الحرية لدى قادة الثورة الإسلامية» وهو مفهوم ينطلق من الحوية 
الإيرانية ذات البعد الإسلامي؛ فهو يدعو كل المراكز والمؤسسات التي كانت خاضعة للسيطرة 
والفكر الغربي إلى تعديل وجهتها لتنسجم مع الإسلام» ومع مطامح الشعب والقيم التي يؤمن 
بها. 

وهذا على عكس ما يريده المغرضون الذين يتصورون أن إبعاد الشعب عن هويته 
وتحقيق متطلبات غرائزه هي الحرية» مع كونها -ى| يذكر قادة الثورة الإسلامية ‏ ليست سوى 
مصايد لإفساد الشعوب وإلهائها عن المطالبة بحقوقها. 

ولهذا يتتقد الخميني تلك الرؤية الغربية للحرية» ويعتبرها من التدليس الذي يحتالون به 
على الشعوب للسيطرة عليهاء يقول في ذلك: (إن أحكام الجمهورية الإسلامية التقدمية تسبق 
جنيع الأحكام في سائر العقائد والطبقات.. نحن نرى إن دعاة الديمقراطية يتكلمون عن 
ديمقراطيتهم إلا أن ممارستهم للديمقراطية تختلف في الشرق عما في الغرب» ففي الشرق يواجه 
شعبهم ديكتاتورية كبيرة وفي الغرب كذلك» ونحن نرى أن بعض الأشخاص يدعون الدفاع 
عن حقوق الإنسان» ولكننا رأينا أن جمعيات حقوق الإنسان لم تتكلم كلمة واحدة خلال هذه 


)١(‏ انظر: نص الخطاب كاملا في: خطاب الانتصار [خطابات وكلمات الخميني التي ألقيت في المناسبات السنوية لذكرى 


انتصار الثورة الإسلامية في إيران]» ص 4 7 


الخمسين سنة التي سيطرت فيها حكومة بهلوي الغاصبة» ومن ثم حكومة ابنه حيث سرق 
جميع أموال الشعب» ونرى خلال هذه السنوات الخمسين كيف قضى شبابنا في السجون وكم 
من شباب قد تم نشر أرجلهم بالمنشار وحرقوهم بواسطة المقلاة وقد مكثوا في السجن وتحت 
التعذيب حتى الأيام الأخيرة لما قبل الثورة. لقد مضى جلاوزة الشاه السابق عليهم ول نر دعاة 
حقوق الإنسان طوال هذه المدة يتكلمون كلمة واحدة أو يستنكرون هذه الحوادث. لقد رأينا 
الرئيس الأمريكي كيف يساند الشاه السابق الظالم الشقي» ويؤيد هذا الجلاد الذي بعثر جميع 
ما نملك أدراج الرياح ولم نر دعاة حقوق البشر يستنكرون ذلك على الرئيس الأمريكي. ولكن 
الآن وقد سقط هؤلاء الجلادون في مصيدة الشعب ويريد الشعب أن ينتقم منهم» تعالت منهم 
صرخات [وا إنسانيتاه!!] أنا لا أقول شيئاً سوى إن هؤلاء عملاء للجلادين .. هؤلاء عملاء 
للقوى الكبرىء وإهم لا يعملون لحقوق البشر)(١)‏ 

ولهذاء فإنه يدعو الشعب الإيراني للمحافظة على حريته» وألا يترك المجال لأي مستبد 
أن يحكمه ويتسلط عليه» يقول ني الخطاب السابق: (على الناس أن يصلحوا أنفسهم؛ وعلى 
الظالمين الذين كانوا قد ظلموا الضعفاء ألا يظلموا بعد اليوم» الطبقات المختلفة يجب أن لا 
تظلم الطبقات التي دوههاء يجب أن تعطى حقوق الفقراء والمساكين. كل هذه الأعمال يجب أن 
تطبق في الجمهورية الإسلامية» وعلى الشعب في ظل الجمهورية الإسلامية ‏ أن يساند الحكومة 
التي هي في خدمة الشعب. وإذا رأى الشعب خلافاً من الحكومة فعليه أن يوقفها عند حدهاء 
وإذا رأى الشعب حكومة جائرة تريد أن تظلمه» فيجب عليه أن يقدم الشكوى ضدهاء وعلى 
المحاكم أن تقيم العدالة وإن لم تفعل فعلى الشعب أن يقيم العدل ويحطم أفواههم. ليس في 
الجمهورية الإسلامية ظلم ولا إجحاف. الطبقة الغنية لا تستطيع أن تظلم الطبقة الفقيرة ولا 
أن تستثمرهاء ولا تستطيع أن تأمر العمال بأداء أعمال كثيرة مقابل أجر زهيد. يجب أن نضع 


دلق المرجع السابق» ص١7.‏ 


١7١ 


الحلول الإسلامية لكل القضايا ويجب أن تطبق هذه الحلول حتى يشعر المستضعفون بالراحة 
والقوة» فالمستكبر لا بد له أن يتواضع ويشعر مع الضعفاء؛ ولا بد للمستضعف أن يصبح قوياً 
وعلى الجميع أن يعيشوا الأخوة في هذا البلد) 20 

ويصف في نفس الخنطاب كل الشعارات التي يحاول الغرب أن يظهر بهاء وبسبيها باجم 
إيران» بكونها شعارات جوفاء كاذبة» ويعتبر أن الحرية والديمقراطية وغيرها من قيم 
الجمهورية لم تتحقق فيهاء وإن| تحققت في إيران» يقول في ذلك: (نحن لا نخشى أن يتكلموا في 
الغرب ضدناء وأن يعترض علينا الذين يدعون إنهم يرعون حقوق الإنسان» يجب أن نعاملهم 
على أساس ميزان العدل وسوف نفهمهم ما معنى الديمقراطية» فالديمقراطية الغربية فاسدة» 
والديمقراطية الشرقية فاسدة أيضاً والديمقراطية الصحيحة هي الديمقراطية الإسلامية» وإذا 
وفقنا فسوف نثبت للشرق والغرب بعدئظٍ أن ديمقراطيتنا هي الديمقراطية» لا الديمقراطية 
التي عندهم والتي تدافع عن الرأسماليين الكبار, ولا التي عند أولئك المدافعين عن القوى 
الكبرى وقد جعلوا الناس كلهم في كبتٍ شديد.. لا يوجد اضطهاد في الإسلام» والحرية في 
الإسلام لجميع الطبقات للمرأة والرجل» للأبيض والأسود وللجميع.. إن حكومة العدل 
تقاوم الخلاف وتجازي المخالفين» وسوف لن يكن بعد اليوم بوليس سري أو التعذيب الذي 
كان يقوم به البوليس السري (السافاك)» لا تستطيع الشرطة أن تفرض علينا وعلى الشعب 
قولاً بعد اليوم. الحكومة لا تستطيع الإجحاف في حق الشعب. الدولة في ظل الحكومة 
الإسلامية خادمة للشعب ويجب عليها أن تكون في خدمة الشعب وإذا رأى الشعب ظلماً حتى 
من رئيس الوزراء فعليه أن يشكوه إلى المحاكم وعلى المحاكم أن تطلبه وأن ترى نتيجة عمله إذا 


ثبتت عليه جريمة. لا يوجد اليوم فرق بين رئيس الوزراء وغيره) (") 


دلق المرجع السابق» ص؟ 7. 
0( المرجع السابق» ص77 . 


ضن 


هذا نموذج عن مدى اهتام قادة الثورة الإسلامية بالدعوة للحرية» واعتبار انتتصار 
الثورة الإسلامية مكسبا عظيها تحقق من خلاله هذا الحق الطبيعي» ويتجلى من خلاله التفريق 
بين معنيين للحرية: 

١‏ المعنى الإيجابي: وهو يتفق في كثير من مناحيه مع المفهوم الغربي الذي انطلقت منه 
الثورات ضد الأنظمة العبودية والإقطاعية في العصور الوسطىء والذي (ترسخ بعد انتصار 
الثورات التي ألغت الإقطاع وأقامت الأنظمة الجمهورية» واستمر حتى صار يحمل دلالة 
تعادل صيغة تقرير المصير الفردي والجماعي)”١)‏ 

" -المعنى السلبي: وهو المعنى الذي أشار إليه كاظم الحائري ‏ وهو من المراجع المنظرين 
والمؤيدين لولاية الفقيه ‏ عند تفريقه بين المفهومين الغربي والإسلامي للحرية؛ فقال: (هذه 
الكلمة [الحرية] بمفهومها الغربي تستبطن انحرافات كثيرة عن الخط الاسلامي الصحيح؛ 
فالحرية الاقتصادية تشير إلى النظام الرأسالي الاقتصادي, بين] الاسلام له نظام اقتصادي 
مستقل عن كل من النظامين الرأسإلي والاشتراكي.. والحرية الفردية ترمز إلى السماح للفرد 
بأي تصرف يحلو له مالم يزاحم حرية الآخرينء أما عند الاسلام فلا حرية الا في اطار الحدود 
التي تفرضها السماء على تصرفات الانسان.. والحرية الفكرية لا مجال لما في العقائد عند 
الاسلام الا بمعنى أن العقيدة يستحيل حصوها بالاكراه» ولكن يجب على الإنسان التفتيش 
عن الأصول العقائدية الصحيحة ولا تترك له الحرية في الاهتمام بذلك وعدمه» ولو أدى فكره 
إلى عقيدة تخالف الاسلام لا تترك له الحرية في الإضلال ويحرم عن الحقوق الخاصة 
بالمسلمين)0) 

بناء على هذاء سنحاول هنا أن نذكر كلا المعنيين في الرؤية السياسية الإيرانية من خلال 


إبلق انظر: الديمقراطية ونقادهاء روبرت دال» ترجمة نمير عباس مظفرء ص ١7‏ 0.. 


(؟) اساس الحكومة الإسلامية كاظم الجائري (ص: 47). 


وض 


تصريحات قادة الثورة الإسلامية» أو المنظرين لسياستها. 

أولا المفهوم الإيجابي للحرية: 

يتردد كثيرا مصطلح الحرية بمعناها الإيجابي في كتابات وخطابات قادة الثورة 
الإسلامية؛ فهم يعتبرون أن ثورتهم لم تكن تهدف سوى لتحقيق ال حرية الحقيقية» والتخلص 
من الاستبداد والظلم وكل أشكال الهيمنة التي كانت تهدف لا إلى سرقة ثروة الإيرانيين فقطء 
وإنما سلب شخصيتهم ومقوماتها أيضا. 

وسنذكر هنا باختصار نصوصا وتصريحات من هؤلاء القادة» تدل على مدى اتساع مجال 
الحرية المتاحة في ظل ولاية الفقيه» مقارنة بم| كان متاحا في عهد الشاه. أو في الكثير من الأنظمة 
التي تزعم لنفسها أها أنظمة ديمقراطية» ونتبعها بم| عليه الواقع الإيراني. 

١‏ الحرية الفكرية: 

وأول ما تعنيه ‏ حسب| يصرح به القادة والمفكرون الإيرانيون ‏ التخلص من تلك التبعية 
التي كانت في عهد الشاه» والذي أراد أن يفرض أفكار المدارس الغربية على المجتمع الإيراني» 
لتصبح العلمانية والمادية واللادينية هي الأفكار السائدة» والتي بموجبها يصبح الشعب خاضعا 
لكل أنواع السخرة الغربية. 

ولهذا يعتبر الخميني الاستقلال الفكري أول استقلال ينبغي توفره لتتحقق الحرية 
بمفهومها الصحيح, يقول في ذلك: (أوّل شرط لتحقيق الاستقلال هو الاستقلال الفكري 
والعقلي)(» ويقول: (إذا تمكّنا من إنهاء التبعيّة الفكرية: فَإِنّنا سنتمكن من إنهاء سائر أنواع 
التبعية)(1) 


وهو يعتبر أن سبب تلك التبعية والعبودية للأفكار الغربية ناتج من عدم الثقة بالنفس 


)0غ( الكلمات القصارء» ص .١6١٠‏ 


0( المرجع السابق» ص57 .١‏ 


١ 


وبهوية الأمة ودينهاء يقول في ذلك: (ما لم ندرك أن لنا نحن أيضاً شخصيتنا. أن المسلمين لهم 
شخصيتهم؛ وأئّهم مجموعة أيضاء ويمكنهم أن يفعلوا شيئاً ما. وإذا لم تتحقق لدينا الإرادة على 
مر ماء فإذّنا لن نتمكن من تحقيقه» وإذا لم نتتبه من غفلتناء فِن تلك الإرادة لن تتحقق) (1) 

ويقول: (علينا أن نقنع أنفسنا بأنّنا بشر أيضاء وأنّنا موجودون في هذه الدنيا أيضاًء وأن 
الشرق مكان أيضاًء وأن الغرب هو ليس كل الأرض)() 

ويقول: (مادامت أيدينا ممدودة نحو الشرق والغرب فنحن تابعون. فإذا أردنا أن نكون 
مستقلين غير تابعين لأحدء وجب علينا أوّلاً: أن ندرك أَنْ لنا شخصيتناء وأنّنا نستطيع أن نفعل 
شيعا) 70 

أما الشيخ مرتضى مطهريء فقد فصل الحديث عن الحرية الفكرية في كتاب خاص 
أجاب به على كل الشبهات المثارة حولاء وقد ذكر فيه المدى الذي يعطيه الإسلام للعقل حتى 
يصل إلى الحقائق» ولذلك كان من الضرورات الكبرى إتاحة الحرية الكاملة له حتى يصل إلى 
الحقائق من غير أن يكره عليهاء وقد قال في ذلك: (هناك جملة قضايا لا تبلغ النضج الاجتماعيّ 
المطلوب إلا بترك الإنسان حرًا فيهاء ومنها النضج الفكريّء لكيلا يعترض تقدّمه أيّ مانع أو 
حاجز يحول دون تنمية قابليّاته التي ينشدها لتحقيق سعادته. وبا أن الفكر هو من أهمٌ ما ينبغي 
تنميته لدى الإنسان, والتنمية بحاجة إلى الحريّة | تقدّم» فالإنسان بحاجة إلى الحريّة في الفكرء 
لذا تعتبر حريّة الفكر من حريات الإنسان الاجتاعية» وتدخل في صميم شؤونه الحياتية.. 
وعليه فإِنَ الفكرٌ والتفكير عمل ضروريّ وواجبء بل هو من مستلزمات الحياة البشريّة حيث 
لا تستقيم بدونه)() 

.١ المرجع السابق» ص58‎ )١( 
. ١55 المرجع السابق» ص‎ )( 


إفرفق المرجع السابق» ص57 .١‏ 
(5) الحرية الفكرية» الشيخ مرتضى مطهري (ص: 9). 


١6 


وهو يذكر أن هذه الحرية متاحة حتى في مسائل الدين» لأنه لا يمكن لأي كان أن يقتنع 
بالحقائق الدينية مالم تكن لديه الحرية الكاملة في التعامل معهاء يقول في ذلك: (وكذلك الكلام 
في مسألة الذّينء فإِنْ الإنسان لا يمكن أن ينضح في القضايا الدينيّة مالم يُعط الحريّة الفكريّة. 
أمّا منع الناس من التفكير خشية الوقوع في الخطأ فيعدٌ خطأ فاحشء حيث يؤدّي إلى عدم 
النضج في قضاياهم الدينيّة والتقدّم فيها) 17 

وعن سؤال حول موقف الإسلام من الحرية الفكرية» أجاب بقوله: (إِنَّ الإسلام ل 
يكتفي بمنح حرية التفكير» بل جعله من الواجبات والعبادات) 27 

واستدل لذلك بها ورد (من الآيات القرآنيّة التي تحث على التفكّر. بحيث لا نجد في أيّ 
كتاب دينيٌ أو غير دينيٌ هذا القدر من دعوة الناس إلى التفكير في شتّى المجالات)» بالإضافة 
إلى أن (الإسلام لا يقبل الإيهان بأصول العقائد تقليداً» بل يطالب الناس بالتحقيق في أصول 
الدّينء فهو يرى للناس حريّة فكريّة تكون الأساس لقبول الإيان بوحدانيّة الله والنبوّة والمعاد» 
وسائر الأصول الاعتقاديّة مسائل يجب التفكر فيها والوصول إلى حقائقها من خلال الجهد 
العلميٌ) 20 

ويذكر من الأدلة على الحرية الفكرية في الإسلام ذلك التساهل الذي ورد في النصوص 
في التعامل مع الوساوس والشبهات» وقد طرح هنا شبهة تثار في هذا المجال» وهي (إذا كان 
التفكير يؤدّي إلى حصول وسوسات وشبهات في الذهن» فهل يِحقّ للشخص الذي يخطر في 
ذهنه شبهة أن ينقلها إلى الآخرين ؟)(5) 

وقد اشام عليه عزلة دلا ين الاقياة مدنا ولا يعدن نا :دافنت الوسا وس 

.٠١ المرجع السابق» ص‎ )١( 
.١١ المرجع السابق» ص‎ )9( 


إفرفق المرجع السابق» ص ؟١.‏ 
2( المرجع السابق» ص .١1١‏ 


١7 


والشكوك في القلب» وقد تطرّقت روايات كثيرة إلى مسألةٍ ما لو طرأ على الذهن بسبب هذا 
التفكير شبهات وشكوك ووسوسة.. وعلى الإنسان إن كان في حالة تحقيق وبحث. أن يرجع 
إذا شك إلى نبيّه وإلى تعاليم الإسلام» حيث يعتبر هذا الأمر ضروريّاً للوصول إلى الحقائق» 
وعليه لا بدّ أن نسلّم بأنه يحل لأيّ شخص حصلت لديه شبهة أن ينقلها إلى الآخرين يدف 
حلّها وهذا حقٌّ طبيعيّ له» ويجب حل شبهته) 0١7‏ 

وهو يعتب على الذين يشكون لأجل الشكء أو يقومون بالتشكيك من غير أن يبذلوا 
أي جهد ني البحث عما يزيل شكوكهمء ويعتبر هؤلاء من الذين يعارسون هذا النوع من الحرية 
بطريقة خاطئة» خاصة لو ضموا إلى شكهم تشكيك عوام الناس من ليس لهم قدرة على البحث 
والنظرء يقول في ذلك: (نعم» لو بقي الإنسان في حالة الشكُ وبقي في مكانه فهذا هو الحلاك 
وشكٌ الكسالى» وكذلك الأمر لمن أصبح عنده التشكيك هدفاً يحاول بواسطته التشويه 
والتشنيع على تعاليم ومفاهيم الإسلام؛ كما نرى ذلك في كلّ عصر من العصورء حيث تظهر 
طائفة من الشكّاكين الّذين ينشرون الشبهات بين عامّة الناس) (5) 

ومع عتبه الشديد على هؤلاء إلا أنه يعتبر أن لهم دورا في توضيح الحقائق وجلائهاء 
يقول في ذلك: (هناك وجه آخر لظهور الشكّاكين الّذين يلقون محاضرات ويكتبون مقالات 
ضدٌ الإسلام؛ فإئْهم يؤدّون إلى جلاء وجه الإسلام أكثر. حيث يتصدّى العلماء لهم بها يؤول 
لصالح الإسلام .. وهذا ما حصل فعلاً حين| كتبت بعض الكتب والمقالات ضدّ الإسلام» ما 
أدَى إلى قيام العلماء بشرح مسائل كانت غامضة لفترة من الزمن) © 


وقد رد مطهري على من يريدون أن يستعملوا الحرية الفكرية وسيلة لبث الشبهات 


)020( المرجع السابق» ص .١5‏ 
زفق المرجع السابق» ص .١9‏ 
هرف المرجع السابق» ص .١9‏ 


١ا/‎ 





والشكوكء أو الدعوة إلى الوثئنيات والخرافات» ويعتبرون الوقوف في وجه هذا الغزو قمعا 
فكرياء بأن ذلك نوع من المغالطة» يقول في ذلك: (قد يُقال» وبناءً على قاعدة أَنْ فكر الإنسان 
حرٌ وعقله كذلك. أنْ عقيدته لا بد أن تكون حرّة» ولذا فالوثنيٌ مثلاً حرٌ في عقيدته» وهذه 
مغالطة موجودة في العالم حاليَه وهي بدعواها منح ال حريّة للفكر فإئّها في الواقع تقيّد الفكر)(١)‏ 

وقد رد على هذه المغالطة بأن هناك مسلكين في ميزان احترام اعتقاد الإنسان(): 

أوهما: أن نعتبر الإنسان حرّاً وختارً» فنحترم كل ما يعتقد به ولو كنا نرفض ما اختاره» 
أو كنا نعلم بأنّه كَذِبٌ وخرافة» بل حتى لو ترتّب عليه مستلزمات باطلة وفاسدة. 

ثانيهها: أن يكون احترامنا له بتوجيهه نحو الرقيّ والتكامل والسعادة. 

وهو يرى أن (ترك الإنسان يختار العقائد الفاسدة» كأن يختار الوثنيٌ عبادة الوثن» هو 
تقييد لفكر الناس, واحترام هذا القيد هو عدم احترام لقابليّته الإنسانيّة ولاعتباره الإنسانّ في 
مجال التفكيرء في المقابل فإِنَّ المسلك الثاني هو الذي ينهض بالإنسان ويوصله إلى رقيّه المنشودء 
والنتيجة أنه لابدٌ من فكٌ هذا القيد ليكون فكرّه حرا وعليه فمن الخطأ على الصعيد الإنسانٌ 
احترام المرتكز العقائديٌ لشعب يريد تقييد الإنسان) ”© 

وهو يستدل لهذا با ورد في سيرة الأنبياء عليهم السلامء (فالنبيٌ إبراهيم عليه السلام 
مثلاً قام بتحطيم أوثان قومه التي كانوا يعتقدون بها ويعبدونها وترك الوثن الكبير. فشكل هذا 
الأمر صدمة لهم جعلتهم يرجعون إلى أنفسهم وفطرتهم ويتأمّلون في عقيدتهم» حيث إِنَ هذه 
الأصنام غير قادرة على الدفاع عن أنفسهاء وكبيرهم عاجز عن هذا التحطيم. #فَرَجَعُوا إِلَ 
أَنْمْسِهمْ فَقَانُوا إِنَّكُمْأَنتُمُ الظَاُونَ4 » ولذا فإنَّ ما مقام به إبراهيم عليه السلام هو عمل إنسانٌ 


)020( المرجع السابق» ص ؟5. 
0( المرجع السابق» ص بضة 


إفرفق المرجع السابق» ص بضة 


ادل 





لأنه حرّر فكرهم من قيد العقيدة الفاسدة) () 

ومثله موسى عليه السلام» (فقد كان عمله إنسانيًاً في حرقه لعجل السامريٌ) 

وهكذا حصل في (البعثة المباركة للنبيٌ الخاتم . حيث نجد أنه قد قام بمحاربة العقيدة 
الوثنيّة سنين طويلة كي يحرّر فكرهم, وتقدّم بذلك بهم نحو الرقيّ والتكامل» وفك قيودهم 
العقائديّة ووضع 9ل عَنّْهُمْ ِصْرَهُمْ وَالْأَعْكَالَ الي كَانَتْ عَلَيْهُمْ 4 [الأعراف: /191] 

وبناء على هذا قنن الدستور الإيراني للأديان المسموح لا بممارسة شعائرهاء حتى لا يدع 
الفرصة للعابثين من أمثال عبدة الشيطان وغيرهم من التسلل إلى المجتمع بحجة حرية العقيدة 
والتفكير. 

ومن تلك الديانات التي لا يسمح لا في إيران بممارسة شعائرها وطقوسها [الديانة 
البهائية]» وقد كان ذلك سببا لإنكار المغرضينء مع أنهم لا يعلمون أن هذه الديانة ليس 
مسموحا لا بمهارسة شعائرها في أكثر الدول العربية(©: ما عدا الإمارات والبحرين بسبب 
علاقتهما الوثيقة مع أمريكا وإسرائيل. 

والسبب الذي جعل إيران تتخذ منها ذلك الموقف السلبي علاقتها مع الشاه» وتأييدها 
له. بالإضافة إلى موقفها المؤيد للكيان الصهيوني» وكونها فوق ذلك فرقة من الفرق المنحرفة 
عن الإسلام» بل كونها نتيجة لصناعة المخابرات الأجنية» يقول الخميني ‏ قبل انتصار الثورة 
الإسلامية ‏ مبينا خطرها: (ولكن مَنْ هم المستشارون اليوم؟ إسرائيل! المستشارون 
الاشرائيليون! اليهود! لقد أرسل آلفان من البهائيين كا اعثرقوا هم أنفسهم بذلك في ضحيفة 
(دنيا)؛ فلا يأني غداً أحد التكرات (الشاه) ويقول بأن ذلك مجرد اشاعة» إذ ورد في صحيفة 

.7 5 المرجع السابق» ص‎ )١( 
(؟) من الأمثلة على ذلك أن الحكومة المصرية لا تعترف بشرعية الديانة البهائية» وقد جردت الديانة من الاعتراف في العام‎ 


ومنذ ذلك الوقت أغلقت جميع المؤسسات البهائية» و منعت جميع أنشطتهم الاجتاعية. و قد قضت محكمة ابتدائية بأن 


الدستور المصري لا يضمن حرية الاعتقاد للبهائيين. 


ريل 


(دنيا»: أخهم ألفا اسرائيلي» أعني البهائيين» طبعاً هم لم يذكروا اسم (البهائية»» بل قالوا: (عدد 
من اتباع بعض المذاهب (أسموها مذهباً) أرسل ألفي نسمة ‏ ويقال: إنهم خمسة آلاف ‏ من 
البهائيين باحترام تام بعد أن مُنح كل واحد منهم خمس مئة دولار من اموال الشعب المسلم» 
وأعطي كل واحد حساً في قيمة تذكرة االسفر بمقدار الف ومتتي تومان .. 1كل ذلك؟ ليذهبوا 
الى لندن للمشاركة في اجتماع معاد للاسلام يعقد هناك!070) 

ويقول عنهم مبينا دورهم في حكومة الشاه» وعلاقتهم به: (لينتبه الإخوة إلى أن الخطر 
المحدق بالإسلام اليوم لا يقل عن خطر بني أمية» إن الجهاز الحاكم العميل لاسرائيل قد فوض 
جميع السلطات لهذه الفرقة الضالة المضلة في الجيشء الثقافة» الإعلام وسائر الوزارات 
الحساسة. عليكم أن تنبهوا الآمة لخطر إسرائيل وعملائها إلى جانب المصائب التي طالت 
الإسلام ومراكز الفقه والشريعة وحماتها.. أعربوا عن مقتكم لإرسال العناصر الخائنة التي تعقد 
الاجتماعات المناوئة للإسلام والأمة في لندن» واعلموا أن الصمت في هذه الأيام لا يعني سوى 
تأييد الجهاز الحاكم وإعانة أعداء الإسلام, اتقوا الله واخشوا نقمته» إنكم مسؤولون عما يحدث 
للعلماء (إذا ظهرت البدع فللعالم أن يظهر علمه وإلا فعليه لعنة الله)() 

؟ -حرية الرأي: 

وهي في نظر قادة الثورة الإسلامية والمنظرين لولاية الفقيه. حرية متاحة وإيجابية» لأنها 
تسهم في تحريك الأفكار في المجتمع» وتصحح ما يقع فيه من أخطاءء بالإضافة إلى رعاية التنوع 
الموجود في أفراده. 

وإيران في ظل ولاية الفقيه من أكثر الدول الإسلامية اهتماما بالتنوع في مختلف مجالاته؛ 


فهى تحتضن الكثير من المدارس الفكرية والفقهية والعقدية والفلسفية» بل لها جامعات خاصة 


)0غ( صحيفة الإمام» ج اءعص: 31٠‏ 


(؟) الإمام الخامنئي.. السيرة والمسيرة (ص: 59 ؟7). 


بذلكء» ولا تمر بمكتبة من مكتباتها إلا وتجد فيه كل جديد من الكتب» ومن كل المدارس 
الإسلامية وغير الإسلامية» ى) ذكرنا ذلك في الجزء السابق من هذه السلسلة. 

وهكذا نرى في صحفها ومجلاتها تنوعا كبيرا في الطرح» ونرى فيها انتقادات صريحة 
وقوية للواقع والمسؤولين» من غير أن يقمع أصحاب الآراء» ولا أن تصادر الصحف 
والمجلات التي يبثون فيها آراءهم. 

وقد صرح كل قادة الثورة الإسلامية بوجوب إتاحة هذا النوع من الحرية» حتى تتلاقح 
الأفكار» وتصحح الأخطاءء ويراعى التنوع. 

ومن الآمثلة على ذلك قول الخميني: (إن هذه الحرية التي يتمتع بها أبناء شعبنا من النساء 
والرجال والكتّاب والعناصر الاخرى» هي من النوع الذي يصب في منفعة أبناء الشعب. فأنتم 
أحرار في التعبير عن أفكاركم وآرائكم» وفي انتقاد الحكومة.. انتقدوا كل مَنْ خطا خطوة 
منحرفة.. اذهبوا ودافعوا عن شعبكم.. إنكم أحرار في فعل كل ما من شأنه خدمة الإنسان.. 
كل هذا مسموح فيه.. إن الذي حاربه الإسلام ولن يسمح به» هو القمار الذي يقود أبناء 
الشعب إلى التيه والضياع» والخمر الذي يضيّع الشعبء وأنواع البغاء والفحشاء الذي راج في 
عهد ذلك المجرم ( محمد رضا مبلوي)» وعملوا على توفير مستلزماته. هذه الأمور هي التي 
حرّمها الاسلام وحاربها)217 

بل إن الخميني يفتح مجال الحرية حتى لأصحاب الفلسفات المادية أنفسهم؛ فهو يقول: 
(إن الماركسيين احرار في بيان عقائدهم في المجتمع الذي نفكر بإقامته» لأننا واثقون أن الاسلام 
يلبي حاجات الناسء وإن إيهاننا واعتقادنا قادران على مواجهة عقيدتهم» وقد طرحت الفلسفة 


الاسلامية منذ البداية موضوع أولئك الذين ينتكرون وجود الخالق» إننا ل نسلب حريتهم أبداء 


)١(‏ من حديث في جمع من المعلمات والطالبات في مشهد. بتاريخ »219174/9/7١‏ نقلا عن: الحرية في فكر الإمام الخميني 
(ص: 05 


ول نئل منها؛ فالكل حر في بيان عقيدته» لكنه ليس حرا في التآمر) 77 

وببذه العبارة يلخص الخميني الموقف من حرية الرأي [فالكل حر في بيان عقيدته لكنه 
ليس حرا في التآمر] 

فالقوانين الإيرانية تسمح بحرية الرأي» ولكنها لا تسمح أبدا للمتآمرين الذين لهم 
صلات بجهات أجنبية تريد أن تقوض أمن البلاد يقول الخميني محذرا: (إننا ومنذ اليوم الأول 
الذي تحققت فيه ثورتنا كانت جميع الحريات موجودة في ايران؛ فنئحن سمحنا لجميع الفئات» 
ولم نمنع أحداء لكن المؤامرات بدأت عندما وجدوا انفسهم أحراراًء إذ بدأت الأقلام بالتآمر 
حرف مسيرة الشعب. وهؤلاء كانوا نفس الأشخاص المرتزقة عند الملك السابق أو مرتزقة 
أمريكا وأمثا هاء وأرادوا من خلال ذلك حرف نهضتناء وتمكنا بعد خمسة أشهر من إعطاء 
الفرصة للجميع من العثور على المتآمرين» طلبنا من تلك الاقلام المتآمرة» والتي كانت تريد 
عودة الأجنبي للتسلط علينا مرة أخرى أن تكف عن عملهاء وقدمناها للمحاكم لنرى من هم 
هؤلاء» ووجدنا بعد التحقيق أن أكثرهم كانوا مرتزقة لإسرائيل» وكانوا أبواقا لأمريكا لكن 
بصورة أخرىء وإن من حق الشعب أن يمنع الذين يريدون التآمر عليه وحرفه وإعادة الأمور 
السابقة» وإلا فإن شعبنا يؤيد الحرية» ويؤيد كل أنواع الحرية إلا أنه لا يؤيد التآمر ولا يؤيد 
الفساد)(5) 

وكمثال على ذلك أنه سئل في مقابلة صحفية عن إغلاق النظام لبعض صحف 
المعارضة» وهي صحيفة (آيندكان)؛ فأجاب بقوله: (إن صحيفة (آيندكان) كانت على ارتباط 
مع أعدائناء كانت تتآمر ضدنا وعلى علاقة بالصهاينة. تأخذ التوجيهات منهم وتكتب ضد 
مصالح البلد. ولا يمكن التساهل مع الصحف التي تتآمر ضدناء وقد قمنا بإغلاقها كي تكون 


..717/١ منهجية الثورة الاسلامية» مقتطفات من أفكار وآراء الإمام الخميني» ص‎ )١( 


0( المرجع السابق» ص 7/6 


١ 


عبرة لغيرها. وقد اكتشف القضاء الخيانات التي تقوم بها هذه الصحف. وكيف أنها كانت 
تستلهم توجهاتهم من الشاه ومن الأجهزة الصهيونية. وقد تم ايقاف نشاطها مؤقتاً ليتم 
التحقيق في ذلك. هذا ليس خلافاً للحرية. وإن| هو تصدي للتآمر ومثل هذا يحصل في مختلف 
انحاء العالى)07) 

وهكذا يقيد الخميني الحرية دائم| بكونها لا تتسبب في ضرر الآخرينء كما عبر عن ذلك 
بقوله: (جميع أبناء الشعب أحرار في الأفعال السليمة» في الذهاب إلى الجامعة» وفي أي عمل 
سليم تمارسونه.. ولكن إذا ما أراد أحد أن يرتكب عملاً مخالفا للعفة» أو يلحق ضرراً بمصالح 
الشعبء أو يسي ء إلى السيادة الوطنية» فإننا سنقف في وجهه. وإن موقفنا هذا يدل على 
الرقي)0 

وهكذا نرى الخامنئ يصرح كل حين بضرورة توفير حرية الرأي» وخاصة للصحافة» 
حتى تؤدي أغراضهاء وتساهم في خدمة المجتمع» يقول في ذلك: (إن مهمة الصحافة غاية 
تتطلب وسيلة لبلوغهاء وتلك الوسيلة هي الحريّة» فحريّة الصحافة يجب أن تكون وسيلة لأداء 
مهمّة الصحافة لا أن تصبح مهمّة الصحافة ضحيّة لحريّة مطلقة متحذّلة)0» 

ويقول: (نحن أول من رفع شعار هذه الحريّات (حريّة الصحافة والاصدارات...)» 
ولا زلنا والحمد لله على موقفنا منها حتى يومنا هذاء غير أنّنا نعارض حريّة المعاصي وال حريّات 
الهدّامة)9) 

وهكذا يتحفظ ‏ مثل الخميني ‏ على تلك الحرية التي تريد أن تنشر الفساد في المجتمع» 
فالحرية تنتهي عند إضرارها بالآخرين» يقول في ذلك: (ليست القضيّة قضيّة مقصّ الرقابة» بل 

5/٠١ صحيفة الإمام:‎ )١( 
.)7١ نقلا عن الحرية في فكر الإمام الخميني (ص:‎ »1914 /١ /77” (؟) من لقاء مع صحيفة اطلاعات» بتاريخ‎ 


() الكلمات القصارء ص5١7.‏ 


2( المرجع السابق» ص5١7.‏ 


١57 


علينا أن لا نغذّي عقل وفؤاد الشاب با يجرفه نحو الخطيئة والفساد» فهذا يختلف عن منح 
الحريّة للعقل من أجل الاختيار في قضيّة ما)(0) 

وينبه إلى مسألة مهمة جدا يقوم بها المغرضون. وهي أنهم يسمحون لأنفسهم بنقد كل 
شيء؛ في نفس الوقت الذي يعتبرون فيه الردود الموجهة على انتقاداهم مصادرة للرأي» يقول: 
(يأمل العدو في أن تكتب الأقلام الموالية للاستكبار كل ما يحلو لما ولا يرّد عليها أصحاب 
الأقلام الموالون للنظام الإسلاميّ والخط الإسلاميّ ولو ردّوا عليهم سيقولون إِنْ الحريّة 
معدومة)() 

وهكذا يحدد الخامنئي الموقف من كل الآراء التي تدعو إلى انحراف المجتمع عن دينه 
وأخلاقه. ويعتبر معارضة ذلك شيئا طبيعياء يقول في ذلك: (من الطبيعي أنّنا نعارض بعض 
الحريّات» وهل يشكّك أحد في أننا نرفض حريّة الجنس ونعارض حريّة اقتراف الذنوب؟!)» 
ويقول: (لا تخشوا الضجيج ولا الدعايات التي تتهمكم بمناهضة ال حريّة)» ويقول: (لو منحتم 
أوسع ال حريّات وحافظتم على مبادئكم» سيتهمونكم أيضاً بمناهضة ا حريّة)» ويقول: ( إِنَ 
وجود مثل هذا الجوٌ تثير فيه الصحافة عدم الارتياح عند مسؤولينا الكبار الذين يمتلكون 
السيف والقلم مع هو دليل واضح على الحريّة التي تتمتّع بها الصحافة في بلادنا)» ويقول: ( 
ينبغي عدم التشبيه بين الحرية في نظام الجمهورية الإسلامية وحريّة الغرب با تعنيه من اطلاق 
عنان السلطويّين والأثرياء ومن تحلّل في سلوكيّات البشر وأفعالهم)» ويقول: (الحريّة الإسلاميّة 
تنطوي على حرية اجتاعيّة ومعنويّة وفردية لها قيودها وإدراكها وهديها ومفهومها الإسلاميٌ)؛ 
ويقول: (لا تسمحوا لحفنة من المتشدّقين باسم ا حريّة بإشاعة المنكرات والفحشاء والتحلّل في 
المجتمع)» ويقول: (لا يستطيع أحد انكار مناصرتي ححريّة الفكر وحريّة القلم وحريّة البيان 


020( المرجع السابق» ص5١7.‏ 


0( المرجع السابق» ص5١7.‏ 


١ 


ونشر مختلف أنواع المعارف في هذا البلد) 20 

وبناء على هذا نرى رقابة شديدة في إيران على ما يبث في الإنترنت وخصوصا على 
شبكات التواصل الاجتماعي باعتبارها أصبحت وسيلة للحرب الناعمة» بالإضافة إلى كونها 
وسيلة لنشر الأفكار المضللة» والانحرافات الأخلاقية. 

وقد حاول المختصون الإيرانيون أن يوفروا البدائل لذلك» حتى يتمكن الشعب من 
الاستفادة من هذه الوسائل» ويتجنب في نفس الوقت مضارهاء ومن الأمثلة على جهودهم في 
هذا المجال إنشاؤهم لمواقع للتواصل الاجتماعي بديلة عن تلك المواقع المعروفة. 

ومن أمثلتها ما ذكرته وسائل الإعلام تحت عنوان [إيران تنشئ موقعا لتبادل مقاطع 
الفيديو بدلا من اليوتيوب المحظور]ء جاء فيه: (قامت إيران بالإعلان عن إطلاقها لمنصه محلية 
جديده على شبكة الإنترنت تحمل اسم [مهر] خاصة بتبادل مقاطع الفيديو» حيث جاء هذا 
الإعلان عبر موقع مؤسسة الإذاعة والتليفزيون الإيرانية «1818» على لسان نائب رئيس 
الإذاعة)20) 

ثم ذكرت صاحبة المقال سبب ذلكء فقالت: (ومن المعروف بأن إيران تحجب العديد 
من خدمات جوجلء على رأسها موقع اليوتيوب.. ومواقع الأخبار الأجنبية» والشبكات 
الإجتاعية كالفيس بوك و تويتر بسبب احتواها على مواد تتعارض مع القيم الأخلاقية 
وتشكيلها مصدرًا للانحطاط الثقافي بحسب المزاعم الإيرانية.. وتعليقا على هذا الخبر أعلن 
نائب رئيس مؤمسة الإذاعة والتليفزيون الإيرانية أنه من الآن فصاعدا سيستطيع الايرانيين 
تحميل مقاطع الفيديو الإسلامية والثقافية والرسوم المتحركة فقط على هذا الموقع المحلي) 

والمشروع الأكبر من ذلك ما ورد في المقال عن أن (إيران أعلنت في شهر سبتمبر الماضي 


020( المرجع السابق» ص5١7.‏ 


١ 


أخها تعتزم تحويل مواطنيها إلى شبكة محلية لخدمات الإنترنت فى خطوة وصفها مسؤولون بأنها 
محاولة لتحسين الأمن الإلكترونى) 

وللأسف بدل أن يلقى هذا ترحيبا من الدول العربية» وخصوصا الخليجية منهاء 
نجدهم يشنون الحملة الإعلامية الشديدة عليهاء ويعتبرون أن ذلك يتنافى مع الحرية» ولست 
أدري أي حرية يقصدون, وهم يرون تلك الحرب الناعمة التي تشن عليها منذ انتتصرت 
ثورتهاء ولولا حنكة رجال أمنها بمختلف أصنافهم لحصل لا ما حصل للدولة العربية التي 
اخترقت ببذه الوسائل فيهما يسمى بالحراك العربي. 

مع العلم أن مثل هذا الموقف لم تتخذه إيران لوحدهاء بل نجد دولا كبرى تنخذه حرصا 
على أمنها القومي» ومن الأمثلة على ذلك الصين التي حجبت فيس بوك وتويتر منذ ٠٠١9‏ 
وإلى الآن» حيث أنه (على إثر مصادمات وأحداث عنف شهدتها البلاد » اتخذت الحكومة 
الصينية قرارًا بغلق مواقع التواصل الاجتتماعي فيس بوك وتويتر ويوتيوب وبلوجر إضافة إلى 
مواقع أخرىء وكانت المصادمات قد اندلعت بين مسلمي الإيغور والشرطة في مدينة أورمتشي 
التي تقع شمال غرب الصين ى] حجبت السلطات موقع أمازون» بسبب بيع الموقع لكتاب 
منوع من النشر في الصين يتحدث عن الثورات» حيث إنه إذا ما ضغط شخص على وصلة 
الكتاب من الصينءفإن الموقع يحجب بالكامل لمدة ١5‏ دقيقة على الأقل) 227 

الحرية السياسية: 

وهي من الحريات المتاحة في إيران» حيث نجد أحزاب موالاة» وأحزاب معارضة» 
وانتخابات بمختلف أنواعهاء وكل أنواع المارسات السياسية» ونجد معها نأيا للجيش وكل 
قوى الأمن عن التدخل في السياسة» تقيدا بالتعليمات التي نص عليها قادة الثورة الإسلامية. 

ولكن هذه الحرية مضبوطة أيضا بها ضبطت به سائر الحريات؛ حتى تتناسب مع 


دلق أشهر ١5‏ دولة مارست الحجب الكلي أو المؤقت لمواقع التواصل الاجتاعيء محمد فتحى» 5 يونيوأة 27١١‏ موقع ساسة.. 


١55 


الشريعة الإسلامية؛ فلذلك لا يسمح في إيران لأحزاب تريد أن تخالف الشريعة» أو تعمل على 
تقويض النظام الذي يدعو إلى تحقيقها في الواقع. 

وهذا ‏ وإن لقي إنكارا كبيرا من طرف المغرضين ‏ إلا أن واقع أكثر دول العالم تطورا 
ينسجم معه. وأوطا أمريكاء كى| سنرىء ولهذا قبل الخميني بلقب [الجمهورية] بعد الانتصار» 
ول يقبل بلقب [الديمقراطية] 

ولمعرفة سر ذلك نقتبس نصا من مقال هدف صاحبه إلى تشويه مفهوم الحرية السياسية 
في إيران» واعتبارها مجرد دعاية لا حقيقة لهاء وهو نص نجد أمثاله يردد كثيرا في وسائل 
الإعلام» ويقصد منه التشويه» ولكنا عندما نقرؤه بتمعن» وبعيدا عن الرؤية الغربية والعاطفية 
مثل هذه القضايا سنرى الأمر مختلفا تماماء ذلك أنه في الحقيقة مدح في قالب ذم. 

والمقال بعنوان [كيف نجح الخميني وفشل العرب؟]» وقد قال في مقدمته: (بعد نجاح 
الثورة مباشرة استمر الخميني بتنفيذ أهدافه النهائية» وقبيل الدخول في جدل حول إعادة إنشاء 
مؤسسات الدولة ما بعد الثورة» أراد الخميني أن يحسم أمرًا كان في منتهى الأهمية بالنسبة إليه» 
وهو اسم الدولة الجديدة» وذلك من أجل القطع تمامًا مع الماضي البهلويء ليس فقط في بنية 
الدولة بل في مساها أيضًاء احتدم الجدال بين رفقاء الثورة حول اسم الدولة الجديدة» 
وتراوحت الاقتراحات بين [جمهورية إيران الديمقراطية] و[الجمهورية الإيرانية]» و[الجمهوية 
الديمقراطية الإسلامية]» إلا أن الخميني رفضها كلها وأصر على [الجمهورية الإسلامية] فقطء 
حيث أخضع اقتراحه لاستفتاء شعبي حصل على غالبية مطلقة من قبل الشعب الإيراني ليحسم 
بذلك المسمى» ولينطلق من بعد ذلك لاستكمال باقي الخطوات) 2١7‏ 

ومع أن المعلومات التي ذكرها صحيحة؛ لكن تفسير الكاتب لذلك كان مجافيا 
للصواب؛ فقد نظر إلى الأمر من زاوية صورية» ولم ينظر إلى المعنى الذي جعل الذميني يرفض 


)20 كيف نجح الخميني وفشل العرب؟» نبيل عودة» موقع ن بوست. 


١ /ا‎ 


وصف الديمقراطية» ويقتصر على وصف الجمهورية؛ فقد قال في تعليل ذلك: (تجدر الإشارة 
إلى أن رفض الخميني لإدراج كلمة [الديمقراطية] في اسم الدولة يعود إلى اعتقاده بأن 
الديمقراطية منتج غربي ومن يتمسك بها؛ فكأنه يتمسك باستمرار التأثير الغربي على الشؤون 
الإيرانية الداخلية» وقد تمشى ذلك بشكل واضح مع المنطلقات العامة لفلسفة الخميني 
السياسية» فقد أراد أن يقدم نموذجًا جديدًا للنظام السياسي بعيدًا عن الثنائية السياسية التي 
كانت تحكم العالم آنذاك والمتمثلة بالرأسالية الغربية والاشتراكية الشرقية» ومن هنا كان الشعار 
الذي رفعه الثوريون الإيرانيون إبان الثورة: [لا شرقية ولا غربية.. بل حكومة إسلامية]1(0) 

وهذا غير صحيح تماما؛ فالخميني صرح في محال كثيرة بآن الديمقراطية بمفهومها 
الصحيح لا تتنانى مع الإسلام» فقد قال: (الإسلام دين سام» وديمقراطي بمعنى الكلمة)("), 
وقال: (إِنْ ديمقراطية الإسلام أكمل من ديمقراطية الغرب)27 , وقال: (الديمقراطية مندرجة 
في الإسلام» والناس أحرار في الاسلام في بيان عقائدهم أو في اع لهم ما لم تكن ثمة مؤامرة في 
الموضوع ولم يطرحوا مسائل تجر الجيل.. الى الانحراف) (؟) 

لكن مقصد الخميني من ذلك هو الحفاظ على هوية الدولة» حتى لا تتمكن قوى 
الاستكبار العالمي من العودة من جديد إلى حكم إيران تحت ظل الحكم الديمقراطي المطلق 
البعيد عن كل القيم» بخلاف وصف الجمهورية الذي يضمن المشاركة الشعبية» وفي نفس 
الوقت يضمن القيم والمبادئ التي تقوم عليها الدولة» والتي تنطلق من هوية الشعب. 

وحتى نفهم هذا المعنى جيداء لابد أن نفهم الفرق بين مصطلحي [الجمهورية]ء 
و[الديمقراطية]» حيث أن الديمقراطية ‏ بمفهومها الغربي ‏ تعني الحرية بمفهومها الواسع» 

)١(‏ المرجع السابق. 
(0) الكلءات القصارء ص ١50‏ .. 


2 المرجع السابق» ص57 .١‏ 
(5) منهجية الثورة الاسلامية» مقتطفات من أفكار وآراء الإمام الخميني» ص 704.. 


١ 


والذي يعني حسب تعريفاتهم لها (الانطلاق بلا قيد» والتحرر من كل ضابط» والتخلص 
من كل رقابة» حتى ولو كانت تلك الرقابة نابعة من ذاته هو. من ضميره» فلتحطم وليحطم 
معها الضمير إن احتاج الأمر» حتى لا يقف شيء في وجه استمتاعه بالحياة» وحتى لاتفسد عليه 
نشوة اللذة» ومعنى هذا ترك الإنسان وشأنه يفعل ما يشاء ويترك ما يشاءء وهكذا بدون قيود 
ولا ضوابطء ولا رقابة» وعلى المجتمع أن يسّلم بذلك الحق» وعلى الحكومة أن تحافظ على تلك 
الحرية وتحميهاء فلا دين يحكم النفوسء ويكبح جماحهاء ولا أخلاق تهذب طباعهاء وتوقظ 
مشاعرهاء وتثير فيها روح النخوة والغيرة والإباء» ولا مثل» ولا فضائل» تقاس على أساسها 
الأعمال خيرها وشرهاء ولا حياء يمنع ارتكاب الشططء والمجاهرة بالمتكر(©. 

على خلاف مفهوم الجمهورية» والذي يعني الاعتراف بالمبادئ والقيم التي تقوم عليها 
الدولة» والتي لا يجوز لأحد أي كان تجاوزهاء حتى لو كانت أغلبية الشعب نفسها. 

ولنفهم هذا جيدا نحتاج إلى التعرف على أكبر حزبين في أمريكا: الحزب الديمقراطي» 
والحزب الجمهوريء والفرق بينهماء حيث نجد الديمقراطيين ليبراليين في فلسفتهم» يرون أن 
دور الحكومة هو إدارة شؤون الاقتصاد. وإتاحة الكثير من الحريات» بخلاف الجمهوريين 
المحافظين في فلسفتهم, والذين يرون أن دور الحكومة هو إدارة المؤسسة الأخلاقية» ومن هذا 
المنطلق يتعين عليها ضمان معاقبة الناس في حال ارتكابهم أعمالا تتنافى مع الأخلاق» مثل 
تعاطيهم المخدرات» وأن يلتزم الناس بالنهج الصحيح في زيجاتهم عن طريق تحريم زواج 
المثليين» خلافا للديمقراطيين الذين يؤيدون هذا النوع من الزواج. 

والحزب الجمهوري يميل إلى التدين على عكس الحزب الديمقراطيء وني مقال بعنوان 
[أمريكا والجمهوريون والخلط بين السياسة والدين] ذكر صاحبه أنه قبل أن يلحق الناخبون 
الأمريكيون الهزيمة بالحزب الجمهوري في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس» حذر 


2020 انظر: مفهوم الحرية» علي فقيهي» ص 0 -1.. 


١.4 


السناتور الجمهوري جون دانفورثء سفير واشنطن السابق في الأمم المتحدة ومبعوث الرئيس 
بوش السابق إلى السودان في كتاب جديد بعنوان [الدّين والسياسة]ء من أن الحزب الجمهوري 
تحوّل إلى حزب ديني لليمين المسيحي المحافظ» وقال دنفورث: (إن الشعب الأمريكي يتعرّض 
للفرقة والانقسام بسبب تركيز الحزب على قضايا خلافية تتعلق بالقيّم الدينية) 

ومع أن السناتور دانفورث جمع في حياته بين أنه كان قسًا بالكنيسة الأسقفية 
البروتستانتية» وبين عمله في السياسة كعضو في مجلس الشيوخ عن ولاية ميسوري لمدة ١8‏ 
عاماء إلا أنه إنه تعرّض في كتابه للفرقة التي أحدثها المزج بين السياسة والدّين على يد الحزب 
الجمهوري. حيث اتسعت الهوة في أمريكا بين اليمين واليسار» وبين المحافظين والليبراليين» 
وبين المؤمنين واللحدين. بعد أن تحول الحزب الجمهوريء كما يقول في كتابه» إلى ذراع سياسي 
للمتطرفين من المسيحيين المحافظين اليمينيين» الذين سيطروا على توجّهات الحزب, استنادا 
إلى اعتقادهم بأن برناجهم يسانده الله. 

ودعا السناتور المتقاعد إلى الابتعاد عن القضايا الخلافية» التي فرّقت الأمريكيين في 
جدل مُحتدم حول الإجُهاض والخلايا الجذعية وزواج المثليين» وعرض الرموز الدينية في 
الأماكن العامة وحق المريض الميتوس من شفائه في إنباء حياته 2 . 

هذا بالنسبة لأكبر حزبين أمريكيينء أما السياسة الأمريكية العامة فهي تعتمد النظام 
الجمهوريء لا الديمقراطي» ويتجلى ذلك من خلال القسم الذي يقول: (أتعهد بالولاء لعلم 
الولايات المتحدة الأمريكية» وللجمهورية» أمة واحدة بعد الله» غير قابلة للتقسيمء بالحرية 


والعدل للجميع)”" 


)0( أمريكا والجمهوريون والخلط بين السياسة والدين» محمد ماضي - واشنطن» ١9‏ نوفمبر» 1 »© موقع سويسرا بعشر 
لغات.. 


.7١١ 5 انظر: ما الفرق بين الديمقراطية والجمهورية؟» محمد علاء عيسى» موقع ساسة, 71 سبتمبر»‎ (١ 


١6 





ومن الآدلة على هذا التوجهء أن القوانين التي يسنها الأغلبية قد ترفض بسبب خالفتها 
لقيم الجمهورية» ومن الأمثلة على ذلك قوانين [جيم كرو(١2»‏ والتي تنادي بالفصل 
العنصريء فقد اعتبرت غير دستورية» وتم إلغائها. 

وفي قضية شهيرة عام ١1054‏ بين المجلس التعليمي والسود؛ ألغت المحكمة العليا 
بالولايات المتحدة مدارس الفصل العنصري التي ترعاها الدولة بعد أن اعتبرت ذلك غير 
دستوري. 

وفي حاللات معاصرة» تم رفع قضية عام ٠٠٠١‏ ضد مشروع قانون إصلاح نظام 
الرعاية الصحية بالمحكمة العليا بالولايات المتحدة لأنها كانت تجبر الأفراد على شراء التأمين 
الصحيء مع أنه تم تمريره من الأغلبية» ولكن المنتقدين ادعوا أن هذا يخالف حرية الأفراد 
بإجبارهم على الدخول في التجارة» وهي السلطة التي لا تملكها الحكومة في هذه الجمهورية. 

وفي ولاية كاليفورنيا طالبت أغلبية المصوتين بجعل زواج متشامبي الجنس قانونيا؛ 
وحينها قال الناقدون للقانون أن هذا يخالف حرية الأفراد من المثليين والمثليات» وأنه ليس من 
حق الأغلبية فعل ذلك في الجمهورية. 

وهكذا نرى أن المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأمريكية تقرر مدى دستورية 
القوانين» ولديها سلطة إلغاء القوانين التي تعتقد أنها غير دستورية» وني ذلك إثبات على أن 
سيادة القانون ودستور الولايات المتحدة أعلى سلطة من رغبة الأغلبية في أي وقتء وذلك ما 
يدعم كونها جمهورية. 

ومع التفاوت الشديد بين الرؤية السياسية الأمريكية والرؤية الإيرانية إلا أن هذا المثال 
يقرب بينهم| من جهات كثيرة» ربها يمكن حصرها في جانبين: 

الجانب الأول: السياسة العامة للدولة: 


.)١19150 حتى‎ ١41/5 وهي مجموعة قوانين فصل عنصري تم تفعيلها من‎ )١( 


١6١ 


حيث أن النظام الإيراني ‏ مع احترامه للأغلبية ‏ إلا أنه مثل النظام الأمريكي ‏ لا يقر 
بكل القوانين التي تصدرهاء بل يمررها على المجالس الني تراقب مدى شرعيتها ابتداء من 
مجلس صيانة الدستور وغيرها. 

وقد أشار إلى هذا المعنى الأصل الرابع من [القانون الأسامي]» والذي ينص على أنه 
(يجب ان تقوم جميع القوانين والمقررات المدنية» الجزائية» المالية» الاقتتصادية» الإدارية» الثقافية» 
العسكرية» والسياسية وغيرها على أساس الموازين الإسلامية» وهذا الأصل يكون حاكيما على 
عموم أو إطلاق كافة أصول القانون الأسامبي وسائر القوانين والمقررات» وتقع مهمة 
تشخيص هذا الأمر على فقهاء مجلس صيانة الدستور» ويشمل هذا الأصل القائد أيضاًء فهو 
ليس فعالا لما يشاءء لما يتمتع به من صلاحيات قانونية وفقهية واسعة فبإمكانه العمل كيفما يشاء 
وإصدار أي قانونء فإذا ما حاول القائد ‏ لا سمح الله الخروج عن حدود القوانين الإسلامية» 
فهو يفقد شروط القيادة» وتسقط ولايته أيضاً» وفي ضوء هذا الأصل يفقد قانونه الاعتبار 
أيضاً)(17) 

وأهمية هذا الجانب ‏ كما أشرنا سابقا .هي في قوة الدولة وثباتها على مبادئهاء لأنها لو ترك 
الأمر للأغلبية الشعبية من دون قيود؛ فإنه يمكن أن يتسرب إلى مجالس الشورى من ليست له 
الأهلية» ثم ينجح فيها بفعل الدعم الخارجي أو الإعلامي الذي يتلقاه» ثم تكون له القدرة بعد 
ذلك على تغيير قوانين الدولة» بل تغيير نظامها جميعا. 

وقد أشار إلى هذا المعنى مالك مصطفى وهبي العاملي بقوله: (إن نظرية ولاية الأمة على 
نفسها ‏ أي الحرية السياسية المطلقة ‏ هي نظرية الإنقلابات المتكثرة واللااستقرار الاجتماعي» 
والتخليٍ عن الدين كشرع يحكمنا في كل صغيرة وكبيرة. فإننا إذا بنينا على ولاية الأمة على نفسها 
بدون ضوابط وكان هذا حقها الحصريء تأتي مجموعة أسئلة لتثير حاوف تجعل مصالح الأمة 


)0  :ص( انظر: ولاية الفقيه ولاية الفقاهة والعدالة جوادي آمل‎ )١( 


١6 


في معرض التسيب والزوال. فإنه لو لم يكن للفقيه ولاية يتمكن من خلالها من إلزام الأمة 
بسلوك الطريق الصحيح.» ونقصد الإلزام الشرعي» فهذا يعرض الأمة للفساد ولتسلط 
المنحرفين عليها ويفسح المجال لظهور حكومات لا علاقة لا بالإسلام. وفي هذا تضييع 
للهدف المنشود من وراء تشكيل حكومة ترعى شؤون المسلمين)17) 

ثم بين مدى يسر ذلك وسهولته على المندسين؟ فقال: (ما أسهل أن تسيطر قلة قليلة على 
الأكثرية من خلال الإعلام ونمط تثقيفي تربوي معين وقدرة مالية» فبدل أن تكون الولاية 
للأمة على نفسهاء وهو الشعار البراق» نكون قد أعطينا الولاية لتلك الفئة القليلة على الأمة؛ 
ولذا ترى كل الضغط المنحرف متجه نحو إلغاء فكرة ولاية الفقيه من نظام الجمهورية 
الإسلامية في إيران» والذي يتمظهر بمظاهر متعددة والتي منها المطالبة بإلغاء كل ما يشكل 
ضمانة للأمة من عدم الوقوع في الإنحراف. كإلغاء مجلس صيانة الدستور والتخفيف من 
شروط الدخول في مجلس الخبراء ونحو ذلك لكي يسهل لهم فيم| بعد الوصول بحكام غير فقهاء 
بل وغير عدول يتحكمون بالآمة ومصيرها)(» 

وأشار الشيخ تقي مصباح يزدي إلى أن هذا التقييد لرأي الأغلبية هو المارس في كل 
الدول القوية المستقرة» فكلها تمارس نظام [ولاية الفقيه] بطريقتها الخاصة» يقول في ذلك: 
(وهذا أمر لا يختص بالدين وحده. بل نجدناذج كثيرة منه في كل المذاهب غير الدينية وفي كل 
الأنظمة القانونية» فلنفترض مثلاً أن شعباً يحترم دستور بلاده احتراماً كبيراً وقد أقرّه بكل ما 
أوتي من قوة» لكن هذا الشعب نراه يختلف أحياناً في فهم نص مادة من هذا الدستورء وهنا نراه 
يعين مرجعاً لتفسير الدستور فيرجع إليه مثل مجلس الشورى أو مجلس الشيوخ أو مجلس 
الخبراء أو مجلس صيانة الدستورء وهكذا نجد في كل بلد مرجعاً يؤخذ برأيه في تفسير الدستور. 


.)18 الفقيه والسلطة والأمة» مالك مصطفى وهبي العاملٍ (ص:‎ )١( 


0( المرجع السابق» ص19. 


١07 


ثم إن هناك خلافاً يحدث بين المفسرين أنفسهم, فنراهم في النهاية يأخذون جميعاً برأي واحد. 
ويطبقونه. ولا حيلة غير ذلكء إذ حين لا يمكن التوصل إلى معنى النص ينبغي الرجوع إلى 
خبير أكثر بصيرة ومعرفة من غيره والوثوق بكلامه)() 

وقد أشار إلى هذا المعنى قبل هؤلاء جميعا محمد باقر الصدر في رسالته المحة فقهية 
تمهيدية عن مشروع دستور الجمهورية الإسلامية في ايران]» والتي كانت مرجعا أساسيا أثناء 
تدوين الدستور الإيراني أول مرة» فقد قال في مقدمتها: (في حالات عدم وجود موقف حاسم 
للشريعة من تحريم أو إيجاب, يكون للسلطة التشريعية التي تمثل الأمة أن تسن من القوانين ما 
تراه صا حاًء على أن لا يتعارض مع الدستورء وتسمى مجالات هذه القوانين بمنطقة الفراغ. 
وتشمل هذه المنطقة كل الحالات التي تركت الشريعة فيها للمكلف اختيار اتخاذ الموقف. فإن 
من حق السلطة التشريعية أن تفرض عليه موقفاً معيناً وفقاً لما تقدره من المصالح العامة على 
أن لا يتعارض مع الدستور)(2) 

ويذكر نوع الحرية السياسية التي تمارس في هذه المنطقة» وكونها حرية مسؤولة؛ فيقول: 
(إن السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية قد أسندت ممارساتها إلى الأمة» فالأمة هي صاحبة 
الحق في ممارسة هاتين السلطتين بالطريقة التي يعينها الدستور وهذا الحق حق استخلاف 
ورعاية مستمد من مصدر السلطات الحقيقي وهو الله تعالى» وبهذا ترتفع الآمة وهي تمارس 
السلطة إلى قمة شعورها بالمسؤولية لأنها تدرك بأنها تتصرف بوصفها خليفة لله في الأرض 
فحتى الأمة ليست هي صاحبة السلطانء وإنما هي المسؤولة أمام الله سبحانه وتعالى عن حمل 


الأمانة وأدائها )0) 


.)١7 الحكومة الإسلامية و ولاية الفقيه يزدي (ص:‎ )١( 
.)7 لمحة فقهية تمهيدية عن مشروع دستور الجمهورية الإسلامية في ايران باقر الصدر (ص:‎ )9( 


١6 





الجانب الثاني: التيارات السياسية في إيران: 

حيث نجدها تشبه إلى حد بعيد تلك الأحزاب الكبرى التي تتشكل منها التيارات 
السياسية في الولايات المتحدة الأمريكية» فهي تنقسم إلى قسمين كبيرين(©: 

التيار الأصولي(المحافظ): ويلتزم أصحابه بولاية الفقية المطلقة» ويطالبون بتدخل أكبر 
للفقهاء في السياسة» ويقاومون بشدة أي تيارات أخري اصلاحية أو تقدمية» ويضم هذا التيار 
الكثير من الأحزاب السياسية » مثل [حزب الجمهورية الإسلامي] و[حزب المؤتلفة 
الإسلامي]. ويتخذ هذا التيار موقفاً مناهضاً من الولايات المتحدة» ويؤمن بوجود مؤامرة 
عالمية لاسقاط الثورة الإسلامية. 

التيار الإصلاحي: ويلتزم بولاية الفقيه» إلا أنه ينادي بدور أقل للفقهاء في النظام 
السيامي. 

وكلا الحزبين يهارس دوره بكل حرية» وينشر المقالات التي تعترض عل الحزب الآخر» 
أو تعترض على الحكومة ومؤسساتها المختلفة من غير أن يكون ني ذلك أي قمع أو اعتقال لأي 
منتقد أو معارض. 

ومثلم| ذكرنا السابق؛ فإن الحرية السياسية لحذه الأحزاب مكفولة بشرط حفاظها على 
قيم الجمهورية الإسلامية» وأوها ولاية الفقيه» باعتبارها خيارا شعبياء وافق عليه الشعب 
بالأغلبية الساحقة القريبة من الإجماع» أما الأحزاب التي لا تحترم هذه القيم؛ فإنه لا يسم حلا 
بالعمل. 

وقد سثئل الخميني عن سر إيقاف (حزب تودة» وحزب فدائيان» ومنظمة مجاهدي 
خلق)؛ فأجاب بقوله: (الاحزاب ايضاً كانت بهذا النحو والتي لم تلجأ الى التآمر فهي تمارس 


نشاطها بحرية تامة) 
)١(‏ انظر مقالا بعنوان: ما هي أهم التيارات السياسية الفاعلة في إيران؟؛ عبد الرحمن ناصرء ١١‏ ماي» ١١5‏ ؟» ساسة بوست. 


١6ه‎ 


وعن سؤال حول دور الأحزاب اليسارية في الثورة» وأنها بعد انتصار الثورة الإسلامية 
حرموا من العمل السياسي» وهي شبهة يثيرها المغرضون كثيراء أجاب بقوله: (ليس صحيحاً 
أنهم ناضلوا وتعذبوا جراء هذا النضالء إن أبناء الشعب هم الذين عانوا وتحملوا الآلام. إن 
عدداً كبيراً من هؤلاء كان خارج البلدء والآن جاؤوا لقطف ثار الثورة دون عناء. كما أن فئة 
أخرى منهم كانت متخفية داخل الجحور أو في البيوت» وبعد ان ثار الشعب وتحمل الآلام 
وقدم الدماء وأنجز كل شيء, جاء هؤلاء» وبدأوا يستحوذون على الغنائم» ومع ذلك هم أحرار 
ول يتصد لهم أحد)(© 

والخميني يصر دائ| في كل لقاءاته الصحفية بعد انتصار الثورة الإسلامية» على كون 
الإسلاميين هم الذين مارسوا الثورة» وهم الذين قدموا التضحيات»ء وآن الشعب الإيراني م 
يكن لينهض لو لو تكن الثورة إسلامية» وقد أجاب الخميني في المقابلة السابقة عن السر في 
#بميش اليساريين» فقال: (لم يكن أي دور لهؤلاء في ثورتنا هذه» بل كانوا من المعارضين لنا. 
وإن هذه الأحزاب الاربعة التي تعمل الآن ضدناء كانت لها توجهات خاصة ولازالت مصرّة 
على نبجها. مضتنا نبضة اسلامية» وكان اليساريون يعارضونهاء حتى أن معارضتهم لها أشد 
من معارضة الشاه. كا أهم متواطئون ويريدون إعادة الأمور الى سابق عهدها. وفي تصوري 
أن اليساريين مزيفون وهم ليسوا يساريين حقيقيين» بل هؤلاء من صنع أميركا. بناء على ذلك 
فهم ليسواى| تتصورين» ول يكن لهم مساهمة في نمضتنا. لم يضطلع هؤلاء بأي دور في ثورتناء 
وإذا ما كان لدمهم تحرك ما فهو بدافع تحقيق أهدافهم ولا علاقة له بنهضتنا. لا علاقة لثورتنا 
باليساريين» واليساريون لم يقدموا أية خدمة لثورتنا. بل إن كل ما قاموا به هو إعاقة تحركنا 


والوقوف ضدنا)() 


00)غ20 صحيفة الإمام» ج١٠2‏ ص: 3586 


زفق المرجع السابق» ج ٠‏ اءعص: ا 


١675 


وهنا سألته الصحفية هذا السؤال المحرجء والذي لا يزال يردد: (هل يمكن أن 
توضحوا لنا بأن هذا الشعب ناضل من أجل الحرية أو من اجل الإسلام؟)» وأجابها الخميني 
بصراحته المعهودة قائلا: (إن هذا الشعب ناضل من أجل الإسلام. بيد أن الإسلام يشمل كل 
تلك المفاهيم التي يتصور العالم بأنه هو الذي أبدعها وأطلق عليها لفظ الديمقراطية.. الإسلام 
لديه كل هذه الافكار وإن شعبنا ناضل من أجل تحقيقها) )١‏ 

وعن سؤال حول سر تشطيب كلمة الديمقراطية» والإبقاء (الجمهورية الإسلامية)» 
أجاب بقوله: (ثمة عدة قضايا بهذا الشأن. القضية الأولى هي إيجاد مثل هذا الوهم لدى 
الكثيرين من أن الإسلام يفتقر إلى مثل هذه المفاهيم» لذا يجب استعارتهاء ومثل هذا محزن 
بالنسبة لناء لأننا نؤمن بأن الإسلام لديه من التعاليم ما يفوق هذه المفاهيم» وهو يشتمل على 
كل شيء. هذا الأمر بالنسبة لنا مزعج ومؤلم جداً أن تجد من يفكر بهذا النحوء هذا أولاء وثانياً: 
إن مصطلح الديمقراطية التي هي عندكم مهمة جداًء لا يوجد لها مفهوم واضح. أرسطو عرّفها 
بشكلء والسوفيبت عرّفوها بشكل آخرء والرأساليون بنحو ثالث؛ ونحن في دستورنا لا 
نستطيع أن ندخل لفظاً مبهاً كل واحد يفهمه مثلما يحب. نحن وضعنا الإسلام مكان 
الديمقراطية» لأن الإسلام يوضح ويبين ما هو الحد الوسط» وهو لا يْشى شيئاً. ولكن هؤلاء 
الذين يجهلون الإسلام» الاجانب الذين ليس لهم شأن بالإسلام» ومن في الداخل الذين لا 
يفقهون الإسلام» يتطلعون الى أمور مبهمة من هذا القبيل) 7) 

بعد هذه التصريحات من الخميني» نذكر هنا شهادة عيان من رجل موضوعي مختص 
بالشأن الإيراني» وهو د.حبيب فياضء والذي ذكر شهاداته في مقال له بعنوان [الحرية في 


الجمهورية الإسلامية]» وقد بين فيها المدى الذي وضلت إليه الحرية السياسية في إيران» وعبر 


دلق المرجع السابق» ج ٠‏ ابعص: الا 
زفق المرجع السابق» ج ٠‏ ايعص: 7 . 


١ /ا6‎ 


عن تجربته عن ذلك؛ فقال: (في هذا المجال أود أن أروي حادثة حصلت أمامي في جامعة 
طهران» فقد اختلف أحد الطلاب مع أحد الأساتذة» وقال الطالب لأستاذه: (الفرق بين ما 
قبل الثورة وما بعدها أنه كان عندنا شاه بتاج» الآن عندنا شاه بععامة)» ولم يعتقله أحد. بل م 
يتعرض له أحد. رغم أنه تعرض لأصل النظام» ومؤخراً هاشمي رفسنجاني وهو أحد أعمدة 
النظام» تعرض لحملة قاسية جداً من الانتقادات؛ ولم يلجأ إلا إلى القنوات القانونية من أجل 
رد الحملات التي تعرض طاء ففي إيران حرية تعبير وحرية معتقد, والشاهد أن إبراهيم يزدي 
الذي لا يؤمن بنظام الجمهورية الإسلامية وصاحب التوجهات القومية ظاهراً والعلمانية باطناًء 
يمارس حريته السياسية وعنده حركة سياسية في طهران ولم يتعرض له أحد على مدى ١0‏ سنة. 
ولكن متى تنكمش الحرية في إيران؟ عندما يتم الخوض في مسألتين» إما مسألة الدم وإما مسألة 
#بديد أركان النظام)17) 

ويبين الحدود أو الخطوط الحمراء التي تقف عندها الحرية؛ فيذكر ثلاثة أمور لا بد من 
التمبيز بينها في هذا الشأن. وهي(©): 

أولاً: التمييز بين ما هو أخلاقي وما هو قانوني؛ فالبعد القانوني إلزامي» أما البعد 
الأخلاقي فهو التزامي واختياري يقوم على الحرية؛ فعندما لا يتجاوز الشخص إشارة المرور 
الحمراء فجراًء حين لا يوجد شرطي ولا أحد يفرض مخالفة مرورء يكون الأمر أخلاقياء 
ومتعلقا بالحرية الشخصية؛ و(هذا العامل موجود بقوة في إيران» صحيح أن هناك تداخلاً بين 
ما هو تشريعي قانوني وما هو أخلاقيء لكن العامل الأخلاقي النابع من إرادة حرة في الالتزام 
الديني» يؤدي إلى بلورة مفهوم من الحرية يختلف إلى حدٍ كبير عم| هو سائد في الدول الغربية. 
فى)| هو معلوم؛ إذا انقطعت الكهرباء لخمس دقائق في مجتمع من المجتمعات الغربية فإنه 


. ١55 المقال موجود في كتاب بعنوان: الحرية قراءة في مرتكزاتها الإسلامية » نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية» ص‎ )١( 


زفرفق المرجع السابق» ص151١‏ 5 


١8 


يتحول إلى غابة) )١7‏ 

ثانياً: التمييز بين المجتمع والدولة» فالمجتمع الإيراني مسلم ملتزم قبل النظام ال حالي» 
وهو الذي ساهم في صناعة النظام ا حالي» (ففي إيران كل المظاهر الإسلامية التي نراها حالياً 
كانت موجودة حتى قبل نظام الشاه» وبالتالي الدولة هي انبئاق عن حركة مجتمع يتبنى الدين 
الإسلامي والقيم الإسلامية.. وهذا يعني أن المجتمع هو الذي يصنع الدولة الإسلامية تماماً 
كما مجتمع المؤمنين قبل قيام الدولة الإسلامية في المدينة. هذا أعلى درجات الحرية» لأنني أسعى 
إلى تحقيق مسألة وأبذل الغالي والرخيص من أجل تحقيقها وبالتالي هنا القرار ملكنا والاختيار 
عندناء وكذلك الجهد والمساعي الحثيثة من أجل الوصول إلى المطلوب) (7) 

ثالثا ‏ التمييز بين الالتزام والإلزام» فالالتزام حالة طوعيّة وتتجلى بشكل جماعيء (وهذا 
ذروة الحرية لأنه لا أحد يُلزمني» بل أنا ألم نفسي بهذا الخط وهذا الخيار وهذه الدولة. في حين 
حالة الإلزام هي عبارة عن فرض وقهرء وني إيران لولم يكن هناك حرية لدى الناس للالتزام 
بخيار الدولة الإسلامية» بالتأكيد لما كان هناك من إمكانية لاستمرار هذا النظام؛ يعني عندما 
يقرر الشعب الإيراني أن يكون حراً ومتحرراً من الدولة الإسلامية» لن يكون هناك دولة 
إسلامية) 9) 

ثانيا المفهوم السلبي للحرية: 

وهو المفهوم الذي عبر عنه قوله تعالى: لآ وَمَا كَانَ لُوْمِنِ وَكَا مُؤْمِئَةإِذَاقَقَى الله وَرَسُولَة 
َمْرًا أُنْيَكُونَ كُمُ اليه منْ أَمِْحِمْ وَمَنْيَخْصٍ اللهَوَرَسُولَه فَقَدْ ضَلَّ ضَكَالَا ميا 4 [الأحزاب: 


7 ,؛ وهي الآية التي لا تضع أي خيار أو حرية أمام المؤمن بالله ورسوله تجاه أي تشريع 


دلق المرجع السابق» ص535١‏ 5 
زفق المرجع السابق» ص135١‏ : 


022 المرجع السابق» ص172 ١ ١‏ 


١6 





أو حكم. 

وعبر عن الآثار الخطيرة لهذا النوع من الحرية قوله ##: (مثل القائم على حدود الله 
والواقع فيهاء كمثل قوم استهموا على سفينة؛ فأصاب بعضهم أعلاها وأصاب بعضهم 
أسلفهاء فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فآذوهم فقالوا: لو أنا 
خرقنا في نصيبنا خرقاً ول نؤذ من فوقناء فإن تركوهم هلكوا وهلك الناس جميعهم وإن منعوهم 
فكو وكون البانين ليد )7 

فهذا الحديث يشير إلى أن الحرية لها حدود ترتبط بالآخرين» ولذلك تتوقف حرية 
الإنسان عند تعرضها للآخر بأي نوع من أنواع الأذى. 

وبناء على هذا نرى قادة الثورة الإسلامية يعقبون على أحاديثهم عن ا حرية وضرورتها 
بالدعوة إلى الحذر عن السلبيات والعواقب السيئة التي قد تنجر عنهاء والتي تنش من سوء 
استعمالماء أو استعمالها في غير المواضع المرتبطة بهاء ذلك أن الحرية في الإسلام تقترن بالمسؤولية» 
وتنأى عن الفوضىء وتراعي حقوق الآخرين. 

وقد عبر الخميني عن هذا المعنى عند حديثه عن حقوق المرأة» والضوابط التي تحكم 
هذه الحقوق, بقوله: (إن الإسلام يأخذ ينظر الاعتبار حقوق النساءء مثل) مهتم بحقوق 
الرجالء وقد اعتنى بالنساء أكثر من اعتنائه بالرجال» فلهن الحرية في ممارسة نشاطاتهن وبكامل 
إرادتبن» وني انتخاب العمل» لكن ينبغي أن لا يغيب عن الأذهان أن في الشرق ثمة محدوديات 
للرجال أيضاًء وهي لمصلحة الرجال أنفسهم, فالإسلام يحرم ممارسة الأفعال التي فيها مفسدة 
للرجال كالقمار وتناول الخمور والمخدرات» لأنها مقرونة بالمفاسد» فهناك محدوديات للجميع» 
شرعية وإهية» محدوديات لمصلحة المجتمع نفسه. ذلك أن الإسلام لا يمنع من الأشياء التي 


)غ0( رواه البخاري» // 5"99.. 


ينتفع منها المجتمع) 217 

وذكر المساوئ الكثيرة المنجرة وراء ترك العنان للحريات من غير ضوابط ولا قوانين 
ولا مراقبة؛ فقال: (عندما تقرؤون الصحف فإنكم كثيرا ما تشاهدون فيها أن هذا يسيء إلى 
ذاك» وذاك يس ء إلى هذاء والآن بعد تحرر الأقلام فهل يصح أن يتحدث كل إنسان بها يشاء 
تجاه الآخرين» أو أن يتصرف كل واحد مع الآخر بحيث تدب الفوضى في البلاد» وتخرج من 
النظام؟ .. هل هذا هو معنى الحرية؟ .. وهل أن الحرية في تلك البلدان التي تريد نهبنا هي على 
هذه الشاكلة؟ .. لو كانت هكذا لما حصل الانسجام؛ ولما تطورتء إنهم يريدون من خلال 
كلمة [الحرية] التي يلقونها في عقول الشباب أن يفرضوا سلطتهم عليكم ويسلبوا حريتكم. 
إغهم يدركون ما يفعلونء يقولون: أنتم قمتم بثورة فأنتم الآن أحرار» أنت تحدث با تشاء عن 
ذاك» وذاك يتحدث عنك با يشاء» وهذا يسخر قلمه ضدك؛ وأنت تسخر قلمك ضد الآخرين» 
إنهم يدركون ما يفعلون» ويريدون من خلال الحرية أن يسلبوا حريتكم.. أي أن يوجدوا 
عندكم الحرية غير الصحيحة.» ويسلبوا منكم الحرية الحقيقية)(") 

وهو يقصد بالحرية الحقيقية المفهوم العرفاني لاه والذي يعني سيطرة العقل على ال حوى. 
وتحكم الروح في النفس» ىا عبر عن ذلك الشيخ مرتضى مطهري عند ذكره لقصة بشر الحافي 
مع الإمام موسى الكاظم.ء والتي عبر عنها تعبيرا جميلا في كتابه [الهجرة والجهاد]؛ فقال: (في 
عصر الإمام الكاظم كان في بغداد رجل معروف يقال له بشرء وكان من يشار إليه بالبنان» 
وحدث يوماً أن كان الإمام الكاظم ماراً من أمام بيت بشرء فاتفق أن فتحت جارية باب الدار 
لإلقاء بعض الفضلات». وحين رمت بها في الطريق سأها الإمام قاتلاً: يا جارية هل صاحب 


.)57 من حديث في أوساط طبقات الشعب المختلفة بتاريخ 79/ / 19174ء انظر: المرأة في فكر الإمام الخميني (ص:‎ )١( 


(؟) منهجية الثورة الإسلامية» مقتطفات من أفكار وآراء الإمام الخميني» ص .”31/١‏ 


١1١ 


الناس» وقالت: بل هو حرء فقال الإمام: (صدقت لو كان عبداً لخاف من مولاه)(1) 

ثم ذكر كيف أثرت تلك الكلمة في بشر عندما أخبرته بها الجارية» وأنه ذهب إلى منزل 
الإمام» فتاب على يده واعتذرء ثم حكى مطهري بلسان حاله قوله: (سيدي أريد من هذه 
الساعة أن أصبح عبداًء ولكن عبداً لله. لا أريد هذه الحرية المذلة التي تأسر الإنسانية ف وتطلق 
العنان للشهوة الحيوانية» لا أريد حرية السعى وراء الجاه والمنصبء لا أريد حرية الخوض في 
مستنقع الذنوب وأغدو أسيراً لهاء لا أريد أن تُؤسر فّ الفطرة السليمة والعقل السليم» من هذه 
الساعة أريد أن أصبح عبداً لله ولله وحده. حراً تجاه غيره) 

وانطلاقا من هذا دعا قادة الثورة الإسلامية إلى إحياء سنة الأمر بالمعروف والنهى عن 
المنكرء والتي مارسها الإمام موسى الكاظم كما مارسها سائر الأئمة» بل هي شريعة من شرائع 
مكلف بمراقبة سلوكات بعضه بعضاء والنهي عن أي منكر لا يتناسب مع الشريعة. 

وقد ذكر الخميني ذلك عند انتقاده للمفهوم الغربي للحرية» والذي لا يتناسب مع 
الفطرة السليمة» ىا لا يتناسب مع المجتمع الإيراني المحافظ؛ فقال: (لنعلم جميعا آن الحرية على 
الطراز الغربي تؤدي إلى تدمير الشبان فتيات وفتية» وهي مدانة بنظر الإسلام والعقل» ومحرم 
تلك الدعاية والمقالات والخطابات والكتب والصحافة المنافية للإسلام والعفة العامة 
ومصالح البلاد» وواجب علينا جميعاء وعلى المسلمين كافة منعهاء ويجب منع المدمر من 
الحريات» والجميع مسؤولون للتصدي بحزم لما يحرم في الشرعء, وما يعرقل مسيرة الشعب 
والبلد الإسلاميء ويتنانى وكرامة الجمهورية الإسلامية» الجميع مسؤولون. وإذا ما شاهد 


الناس وشبان حزب الله أيا من تلك الموارد فليراجعوا الأجهزة المختصة, وإذا ما قصرت هذه 


)0غ( الهمجرة والجهاد مطهري (ص: )2 


١1 


فهم بأنفسهم مكلفون بمنع ذلك وكان الله تعالى بعون الجميع)7) 

وقال: (كما أن كل فرد مطالب بإصلاح نفسه. فإنه مطالب أيضاً بإصلاح الآخرين)0) 

وهو ينقل لهم ما ورد في النصوص المقدسة من ذلكء ومنها قوله يه: (لا يزال الناس 
بخير ما أمروا بالمعروف ونبوا عن المنكر وتعاونوا على البر» فإذا لم يفعلوا ذلك نزعت منهم 
البركات وسلط بعضهم على بعضهم., ولم يكن لهم ناصر في الأرض ولا في السماء)0© 

فهذه الرواية تشير إلى (الارتباط الغيبي بين المعاصي والمشاكل الدنيوية.. فالمشاكل 
الاقتصادية والفتن بين الناس بالإضافة إلى أسبابها الطبيعية لما ارتباط بالنهي عن المنكر» وهي 
نوع من العقاب الإلحي لترك هذه الفريضة)؟) 

وينقل لهم أيضا ما روي عن الإمام الحسين» وأسباب ثورته» وقوله: (إني لم أخرج أشراً 
ولا بطراً ولا ظالاً ولا مفسداًء وإنا خرجت لطب الإصلاح في أمة جديء أريد أن آمر 
بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي)0©0» 

ويستنتج من هذه النصوص وغيرها أن (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على 
كافة أبناء الشعب)537) 

ويقول مخاطبا شعبه داعيا إلى المبادرة في مواجهة المنكر قبل أن يستشري: (إذا لم تقفوا 


بوجه الفساد منذ بداية ظهوره فليس من المستبعد أن نعود إلى ما كنا عليه في السابق) © 


..509 15٠5 منهجية الثورة الاسلامية» مقتطفات من أفكار وآراء الإمام الخميني» ص‎ )١( 
..7 الكليات القصار. ص55‎ )0( 

فرق وسائل الشيعة, ا حرٌ العاملّء ج ١١ص‏ 799.. 

(4) إصلاح المجتمع في فكر الإمام الخمينيّ» (ص: )١1‏ 

(5) بحار الأنوار» المجلبي» ج 5 4» ص 775.. 

(1) الكليمات القصارء ص ١٠١9‏ .. 

(0) المرجع السابق. 





١17 





بل إنه يدعو إلى التعامل بشدة مع من يحارب المجتمع بنشر قيم الفساد فيه» ويقول عنه 
وعن حكمه الشرعي: (إن من يعمل على إفساد المجتمع ولا يرعوي عن ذلك إنم| هو غدة 
سرطانية يجب فصلها عن المجتمع)7١)‏ 

ولهذا لا نستغرب من تلك الأحكام المشددة التي يواجه بها القضاء الإيراني المروجين 
للمخدرات والمتاجرين بهاء أو أولئك العابثين بالأمن العام» والتي لقيت نقدا كبيرا من 
المغرضين الذين راحوا ي رحمون المجرمين حفاظا على حقوق الإنسانء ويتركون الضحايا(" . 

وهكذا نجد الولي الفقيه الحالي السيد علي الخامنئي يصرح كل حين بوجوب قيام 
الشعب جميعا بالإصلاح والآمر بالمعروف والنهي عن المنكرء وإبلاغ السلطات المسؤولة في 
حال الحاجة إلى ذلك. 

ومن أمثلة ذلك قوله(": (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تكليف عام» ولا يوجد 
خطاب يفوق في شدَّته وحزمه خطاب الأمر بالمعروف»» وقوله: (الأمر بالمعروف ليس ضرباً 
من الفضولء بل هو نوع من التعاون والرقابة العامّة على نشر الخير وتقويض الشر والفساد)» 
وقوله: (عندما يشيع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بين أوساط المجتمع» فإن ذلك سيؤدّي 
إلى أن تعتبر الخطيئة في نظر الناس خطيئة إلى الأبد)» وقوله: (إذا أهمل الأمر بالمعروف والنهي 
عن المنكرء وتفشّت في المجتمع الأفعال المنكرة» إذ ذاك ستمهّد الأرضيّة إلى أن يمسك الأراذل 
بزمام الأمور»» وقوله: (على الشعب أن يطالب المسؤولين بالعمل الصالح» وليس ذلك عن 
طريق الدعوة والرجاء»ء بل عن طريق الأمر)» وقوله: (لا يتحدّد النهي عن المنكر بالردع عن 
الذنوب الشخصيّة» بل هو معشار العشر منه)» وقوله: (هناك منكرات شائعة على صعيد 

..٠١ الكلمات القصارء ص5‎ )١( 
ففيه: قالت [هيومن رايتس‎ 25١١17 يوليو‎ 7١ انظر مقالا بعنوان: على إيران إلغاء الإعدامات المتعلقة بالمخدرات. بتاريخ‎ )( 


ووتش] اليوم إن على الحكومة الإيرانية إلغاء جنيع عمليات الإعدام المتصلة بجرائم المخدرات.. 
(©) انظر هذه المقولات مع المناسبات التي قيلت فيها ني: الكلمات القصار, الخامنئي» ص ١717‏ .. 


١ 


المجتمع ينبغي النهي عنها من قبيل إهدار الثروات العامّة والحياتيّة)» وقوله: (القول بجواز 
النهي عن المنكر باللسان ووجوبه هو واجب الجميع ولا يسقط في ظل أيّ ظرف»» وقوله: 
(النظام الإسلامي هو نظام الآمر بالمعروف والنهي عن المنكر والقيام ببما واجب حتميّ على 
الجميع)» وقوله: (لا ينحصر المأمورون بالمعروف والمنهيّون عن المنكر في طبقة العوام فحسب» 
بل ّم كانوا من الخواصٌ أيضاً)» وقوله: (إيّاكم أن تتوجّهوا إلى شخص من النخبة بالرجاء» 
بل عليكم أن تنهوه. قاتلين: لا تفعل هذا الشي ء. فا حالة الاستعلائيّة لا بدٌ من تمثلها في الأمر 
والنهي»» وقوله: (الجميع مخاطبون بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى لو كان الشخص 
أكثر أهميّة)» وقوله: (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إحدى الواجبات, ولا يتحمّل محاباة 
وخجلاً) 

وغيرها من المقولات الكثيرة» والتي تحمل معاني سامية ترتبط بالإصلاح الاجتماعي» 
بل بكل أنواع الإصلاحء ذلك أن الهيئات الرسمية وحدها لا يمكن أن تقوم بكل شيء؛ أو 
تزافب كل فى 

ولهذا استطاع الإيرانيون بمشاركتهم لحكومتهم ونظامهم إحباط كل المؤامرات والفتن 
التي دبر لما الأعداء» ذلك أن الذي بادر بمواجهة المتآمرين هم الشعب نفسه قبل أن تتدخل 
قوات الأمن. 

انطلاقا من هذا سنذكر هنا باختصار نموذجين من ناذج الحرية السلبية التي واجهها 
النظام الإيراني لمنافاتها الشريعة الإسلامية» وقد لاقت تلك المواجهة الكثير من النقد من طرف 
المغرضين. 

١‏ المظاهر الغربية ومواجهتها: 

استعمل النظام الإيراني البائد كل الوسائل لنشر مظاهر الحياة الغربية في اللباس وأنماط 
المعيشة المختلفة» متأثرا في ذلك با عليه الحال في تركياء ذلك أنه بعد تنصيب الشاه (رضا 


١6 


بهلوي) في عام 1977م, حاول أن يتقرب من مصطفى كال أتاتورك» وأن يقيم علاقات 
جديدة معه» وكان متأثرا به تأثرا شديداء ولذلك استعمل كل الوسائل لتحويل إيران إلى نفس 
النمط الذي تحولت إليه تركيا الحديثة» ولولا مواجهة العلماء» وتأثيرهم في الشعب الإيراني لتم 
له الكثير مما أراد. 

ومن تلك المظاهر التي حرص على الدعوة إليها إدخال التقاليد الغربية في اللباس 
والحفلات وجميع شؤون الحياةه ولذلك كره الشعب الإيراني ‏ بحكم تدينه أولاء وبحكم 
كراهيته للشاه واستبداده ثانيا ‏ تلك المظاهر وراح يتعلق بالعلماء والمراجع الرافضين لذلك. 

ولهذا؛ فإن الدعوة لمواجهة التغريب ومظاهره المختلفة لم تلق أي ردود سلبية من طرف 
الشعب الإيراني» بل إنه نفسه بادر للدعوة إلى مواجهتهاء وخاصة بعدما تشبع بتلك الخطب 
والبيانات الكثيرة التي كان يلقيها قادة الثورة الإسلامية» وخصوصا الخميني الذي لم يكن يدع 
مناسبة إلا وينكر فيه على مظاهر التغريب والسفور والانحراف التي ينشرها الشاه» عبر 
القوانين التي يضعها كل حين. 

وقد عبر الخميني عن ذلك الدور المشبوه الذي قام به الشاه لنشر المظاهر السلبية 
للتغريب بحجة التمدن والتحضر؛ فقال: (في عهد هذا النظام (ببلوي) الذي كانت تتعالى فيه 
الصيحات (النساء حرات» الرجال أحرار) ماذا كانت نشاطات المرأة؟ النشاط الذي شاهدناه 
من النساء هو قيام مجموعة من النسوة بالذهاب إلى قبر رضا خان بذلك الوضع المخزي لتقديم 
شكرهن لأنه حررهن, أما كيف حررهن وماذا فعل؟ فإنهن لا يفكرن بهذا.. لا يفكرن بأنه 
أرادهن أحرارا مع الرجال من دون أي ضوابط أخلاقية.. لتشارك النسوة في تلك المجالس 
التي كانت تقام» وتظهر أمام أعين الرجال غير النزيهة بذلك الوضع.. إنهم يريدون حرية 


الفحشاء بكل أنواعها)(1) 
)١(‏ منهجية الثورة الإسلامية» مقتطفات من أفكار وآراء الإمام الخميني» ص 57 7701.. 


1١17 


ويذكر الخميني أنه في الوقت الذي كان يسمح فيه مهذا النوع من الحرية» كان الاستبداد 
والقمع ساريا في كل شؤون ال حياة؛ يقول ني ذلك متسائلا: (.. أي امرأة تمكنت أن تتحدث عن 
قضايا الساعة» وأي رجل استطاع أن يكتب كلمة واحدة عن المشاكل التي يعاني منها شعبنا 
بسبب تدخل الأجانب وعملائهم الداخليين؟.. وأي مطبوعة من مطبوعاتنا كانت حرة؟ 
ومتى كان المذياع والتلفاز حرا؟ ومتى كان الناس والشبان وطلاب الجامعات وطلبة العلوم 
الدينية أحراراً؟)17) 

ويجيب عن هذه التساؤلات بقوله: (إن الحرية الواقعية المفيدة لمجتمعنا كانت مسلوبة 
تماما خلال هذه الخمسين سنة التي شاهدت فيها مختلف القضايا؛ فالنسوة لم يملكن الحرية 
لمارسة النشاط الاجتماعي أو التتحدث عن المصائب التي يعانيها الشعب, والويلات التي 
لحقت به من الشرق والغربء ولم يسمح لمن بالتحدث ولا بكلمة واحدة عن مصائب الشعب 
من الحكومات العميلة وما أصاب الشعب بسببه) () 

وفي نفس الوقت الذي اهتم فيه الشاه بإشاعة المظاهر الغربية» لم مهتم بتطوير بلاده في 
النواحي التي كان عليها أن يستفيدها من الغربء يقول في خطاب له عند بيانه لآثار الشاه 
السلبية على المجتمع الإيراني: (إن هذا الشاه جعل ثقافتنا متخلفة بحيث لايحصل شباننا على 
العلم التام والكافي هنا ويمسون بعد مدة من الدراسة مع كل ما يرافقها من صعوبات وضغوط 
يمسون مضطرين للسفر إلى خارج البلاد لوكمال دراساتهم.. إننا نملك دراسات جامعية منذ 
خمسين عاما أو أكثر» ونملك جامعة منذ أكثر من ثلاثين عاماء ولكن ولآنهم خانوناء فإن هذه 


الجامعة لم تتطور ول تحقق لأبنائها بلوغا أنسانيا. لقد قضى هذا الشخص عل جميع أبنائنا وعلى 


دلق المرجع السابق. 
0( المرجع السابق. 


١ 1/ 


طاقاتنا البشرية)(1) 

وفي المقابل يذكر الخميني أن هذا الشاه الذي لم مهتم بالتطوير العلمي لبلده راح ميتم 
بمظاهر الابتذال المتنافية مع الشعب الإيراني» يقول: (لقد أقام هذا الشخص - ونتيجة لعبوديته 
للآخرين- بإنشاء مراكز الفحشاءء فبرامجه التلفزيونية ليست سوى فحشاء. وبرامجه الإذاعية 
في أغلبها فحشاءء وجميع المراكز التي أجازوا فتحها هي مراكز للفحشاء يعضد بعضها بعضاء 
فمراكز بيع الخمور أكثر من مراكز بيع الكتب» ومراكز الفساد اللأخرى تنتشر الى ما شاء الله)(2) 

ثم بين أنه لا ينتقد السينا ولا الفنونء» ولا التطورء وإنا ينتقد استخدامها لإشاعة 
الفحشاءء يقول: (نحن لا نعارض دور العرض السينائي» ولكننا نعارض مراكز الفحشاء. 
نحن لا نعارض الإذاعة ولكن نعارض الفحشاءء نحن لا نعارض التلفزيون بل نعارض ما 
يقومون به خدمة للاجانب وللإبقاء على ابنائنا متخلفين» ولتدمير طاقاتنا البشرية.. متى 
عارضنا التجديد؟ متى عارضنا مراكز التطور؟ .. إن السين) احد مظاهر التحضر التي ينبغي 
توظيفها لخدمة الناس ولتربيتهم» لكن وى] تعلمون فانها قد دفعت ابنائنا نحو الضياع» وكذا 
هو حال سائر هذه المراكز. لذا فاننا نعارضهاء وهؤلاء قد خانوا بلادنا مبذه الطريقة) (2) 

وهو يذكر أن ذلك التمجيد الذي حصلت عليه إيران في عهد الشاه من طرف القوى 
الغربية لم يكن بسبب مراعاته للحريات» أو حقوق الإنسان» وإنما بسبب تلك المصالح التي 
ينالونها منه» والتي تضر بالشعب الإيراني» يقول: (أما نفطنا فقد أعطوه إلى الآخرين بالكامل.. 
أعطوه لأمريكا وغير أمريكا. وماذا اخذوا في المقابل من أمريكا؟ أخذوا منها أسلحة ومعدات 


لإقامة قواعد لها؟ فنحن أعطيناهم النفط وأقمنا لهم قواعد في أراضيناء وتمكنت أمريكا مبذه 


20200 صحيفة الإمام؛ ج 5 » ص 77. 
زفق المرجع السابق» ج 5 » ص 4 7. 
هرف المرجع السابق» ج 5 »ص 717. 


١71 





الحيلة التي ساهم فيها هذا المخلوق (الشاه) من الاستحواذ على نفطنا وتشييد قواعد لها بثمنه» 
فقد صدرت امريكا إلينا اسلحة لا يمكن لحيشنا الاستفادة منها إلا بمساعدة المستشارين 
والخبراء الأمريكان)17) 

وهكذا يذكر الخامنئي ذلك التغريب السلبي الذي قامت به أسرة الشاه طيلة حكمها 
الاق فعان لحي ال الأتر ]ك أعرةمنوى وخر امن القعالة ماهر أنيو | وكلر خا اركت 
في العهد القاجاري؛ فأسرة بهلوي ضربت على قواعد الثقافة الذاتية الخاصة للشعب وزلزلت 
أركانهاء وأنشبت أظافر التخريب فيهاء حتى حلت الثقافة المستوردة بدلاً من الثقافة الخاصة» 
ونفذت في أغلب مرافق حياتنا وشؤونها)(» 

وضرب أمثلة على ذلك؛ فقال: (كان شعبنا ملتزماً طوال قرون الحضارة الإسلامية؛ 
برعاية الآداب في طبيعة العلاقة بين المرأة والرجل» وهذا لا يعني عدم وقوع حالات من الخطأ 
والمعصية؛ فالخطأ موجود في كل العصور وفي مختلف المجالات» وسيبقى أفراد البشر عرضه 
للخطأ أبداً. ولكن ثم فرق بين الخطأء وبين أن يتحوّل الخطأ إلى عرف عام في المجتمع وعلى 
صعيد الشعبء لقد كانت مجالس الأشراف وبلاطات الملوك والأمراء ومن يقع على شاكلتهم» 
هي وحدها التي تشهد مجالس اللذة والطرب والفحشاءء حيث تمضي الليالي الحمراء حتى 
الصباح بهذه الخطاياء قد سعى الأوروبيون ‏ الذين لا تغلق باراتهم طوال الليل والنهار ‏ أن 
يدفعوا مجتمعنا صوب هذه العادات المشؤومة الفاسدة)0) 

بل إن الأمر وصل به كما يذكر الخامنئي ‏ إلى درجة الدعوة إلى تغيير اللباس الوطني 
المحافظ للإيرانين» واستبداله بالزي الغربي» يقول: (لكم أن تلاحظوا الآن مقدار الفضيحة 


)020( المرجع السابق ع اأءعص: 001 
(1) الثورة الإسلامية والغزو الثقافي (ص: 5). 


هرف المرجع السابق» ص 6. 


١6 





التي تنطوي عليها ممارسة ملك قام باستبدال الزي الوطني لشعبه مرّة واحدة دفعةً! إذا ذهبتم 
إلى أقصى نقاط الدنياء كالهند مثلاً دون أن الشعوب لا زيّها الوطني وهي تفتخر به ولا تشعر 
بالخجل أو العار منه» ولكن هؤلاء غبّروا الزي الوطني ومنعوه مرة واحدة» لماذا؟ زعموا أن 
الإنسان لا يكون عااً مع هذا الزي! في حين نجد أن أبرز العلماء الإيرانيين» الذي لا زالت 
آثاره تدرس في أوروباء عاش بهذه الثقافة وأمضى حياته بهذا الزي» ترى ما هو تآثير الزي؟ وما 
هو الكلام الذي يجاني المنطق ويبعث على السخرية؟.. لقد استبدلوا الزي الوطني ومنعوا 
ارتداء الحجاب. وقالوا إن المرأة لا تستطيع أن تتحوّل إلى عالمة مع الحجاب (العباءة) ولا يمكن 
أن يكون لها مشاركة في الفعاليات الاجتاعية! أتوجه إلى هؤلاء بسؤال: إلى أي مدى استطعن 
النساء أن يشاركن في الفعاليات الاجتاعية بمنع الحجاب وتحريم العباءة؟ هل سمح عهد 
رضاخان وابنه للمرأة أن تشارك في الفعاليات الاجتماعية؟ في عهد حرم الرجل من مارسة 
الفعالية الاجتماعية ىا حرمت من ذلك المرأة أيضاً) 017 

ثم بين أن التتحضر والرقي لا يرتبط بتلك المظاهر الغربية» بل يرتبط بتوفير البيئة المناسبة 
للتطور والرقيء يقول: (لقد استطاعت المرأة في إيران أن تلج ميدان العمل الاجتماعي وتحوّل 
البلد بإرادته القوية» حيث جرّت الرجل إلى الساحة وراءهاء حين) ارتدت الحجاب ووضعت 
العباءة على رأسها.. ثم ما تأثير الزي والحجاب في عدم فعالية المرأة أو الرجل؟ المهم هو القلب 
الذي ينطوي عليه هذا الرجل وتلك المرأة.. والمهم هو كيف يفكر؟ وما هو قدر إييانهماء وما 
هي طبيعة الروحية التي ينطوي كل منهم| عليهاء وطبيعة الدافع الذي يسوقهم لمارسة الفعالية 
الاجتماعية والنشاط العلمي؟)7) 

ثم يعقب متأسفا على هذا الموقف الذي نشأً عن التبعية للغرب والشعور بالنقص: (لقد 


.)5 الثورة الإسلامية والغزو الثقافي (ص:‎ )١( 
.)7 الثورة الإسلامية والغزو الثقافي (ص:‎ )1( 


وضع رضاخان ‏ هذا الطاغية الأمي المتجبر ‏ نفسه ألعوبة بيد الأعداء؛ فغيّر الزي الوطني 
واستبدل الكثير من الآداب والسنن السائدة بين الشعبء ومنع مزاولة الفعل الديني» وزوى 
بالدين جانبا مارس جميع هذه الفعال بالقوة ‏ | تعلمون جميعاً ‏ وتحوّل إلى شخصية محبوبة 
لدى الغرب لم يكن محبوباً من قبل الرأي العام في الغربء أو أبناء الشعوب الغربية» وإنما 
أضحى محبوباً من قبل السلطويين والساسة الغربيين) 17 

انطلاقا من هذا الموقف شرعت القوانين بعد انتصار الثورة الإسلامية» لتواجه كافة 
أشكال التغريب ومظاهرها السلبية» وقد لقي ذلك انتقادا كبيرا من أولئك الذين كانوا 
يمجدون الشاه» ويعتبرونه مراعيا لحقوق الإنسانء مع أنه نمب ثروات البلاد ولم يجلب لا إلا 
الفساد وكل مظاهر الانحراف. 

ومن تلك القوانين التي لقيت انتقادا كبيراء بل جند الإعلام بمختلف وسائله لتشويه 
إيران بسببها موقفها من اللباس . سواء كان لباس الرجل أو المرأة» والذي وضعت قوانين 
ترتبط به» لتجعله محافظا على أحكام الشريعة» مع أن الشاه نفسه ومعه أتاتورك وضعا القوانين 
الداعية للسفور والمحرمة للحجابء ومع ذلك لم ينالا من الإنكار ما نالته إيران في عهد الولي 
الفقيه. 

ولو أن الإنكار كان من الغرب وحده لما تعجبناء ذلك أن الغرب براغماتي وصاحب 
مصالح» وهو يعطي ما يشاء من الأوصاف لمن يشاء من الدول؛ لكن المشكلة أن يكون الإنكار 
من الدول العربية» ذات المجتمعات المحافظة؛ فقد راحت مصر ودول الخليج خصوصا تنكر 
على تلك القوانين الإيرانية المرتبطة باللباس» بل راحت تدعو الشعب الإيراني للتمرد عليهاء 
واستعملوا في ذلك كل أنواع الأكاذيب. 

ومن الأمثلة على ذلك ما ورد في مقال بعنوان [ممنوعات على نساء إيران: الرقص 


)020( المرجع السابق. 


١ا/ا‎ 


والنرجيلة والدراجات وأشياء أخرى] جاء فيه: (منذ قيام الثورة الإسلامية الإيرانية عام 
خا أ ره قر ع عل المراطيق سومان واه حفتوض فق التكدوة اجر ةغل 
الالتزام بقواعد اللباس» ومُنعن من الاختلاط بالرجالء بالإضافة إلى منوعات أخرى تركزت 
على الفنون مثل الرقص والموسيقى الغربية ومشاهدة العروض الرياضية) ١7‏ 

ثم يفصل في بعض الممنوعات على المرأة الإيرانية» ومنها ‏ كما يذكر ‏ الرقص؛ يقول في 
ذلك: (منذ عام 2191/94 حظرت معظم أنواع الفنون» نتيجة قيود وأحكام المحافظين» وبينها 
الاستماع إلى الموسيقى الغربية والرقصء ما أنتج نوعاً من الحرب الثقافية بين السلطات الإيرانية 
وشبابهاء إذ اعتقلت السلطات الإيرانية أخيراً 6 شبان وشابتين» واهمتهم بتعليم الرقص 
الغربي» وبينها ال [زومبا]ء والسعي إلى [تغيير نمط الحياة] و[الترويج لخلع الحجاب]ء وفقاً 
لأحد قادة الحرس الثوري الإيراني» ورقص سبعة أشخاص (شبان وشابات) على أنغام أغنية 
غربية شهيرة في 4 ١ ١‏ 7» ونشروا مقطعاً مصوراً عل مواة قع التواصل الاجتماعي لكن السلطات 
الإيرانية اعتقلتهم» وفرضت عليهم أحكاماً بالسجن و١4‏ جلدة. ما أدى إلى إثارة الرأي العام 
العالمي» فأوقف الحكم مقابل اعتذارهم عبر التلفزيون الوطني الإيراني» وبعد أشهر عدة. 
رقصت شابة إيرانية على متن قطار في العاصمة طهران» وصورها الركابء وان نتشرت مقاطع 
الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي في إيران» لكن السلطات لم تستطع تحديد هويتها)””) 

هذا مجرد مثال انتقيناه من الكثير من المقالات الإخبارية باعتباره أكثرها لطفاء في مقابل 
مقالات إخبارية تصدر كل يوم, لتشوه الموقف الإيراني من المحاولات التي يقوم مها الغرب في 
إطار الحرب الناعمة لصرف الإيرانيين عن دينهم وعن نظامهم وفقهائهم. 

وقد كان في إمكان هؤلاء الذين يرغبون فيما شاءوا من اللباس أو الغناء أو الرقص أو 


(1) ممنوعات على نساء إيران: الرقص والنرجيلة والدراجات وأشياء أخرىء موقع (العربي الجديد)» ٠١‏ أغسطس .7١ ١!‏ 
00( المرجع السابق. 


١ا/‎ 


النرجيلة أن يوارسوه في بيوتهم من غير أن يتدخل أحد لاعتقالهم أو مواجهتهم» ولكن الغرض 
ليس هو التمتع بتلك المظاهرء وإن| الغرض هو مواجهة القيم التي تبناها المجتمع عبر توليه 
للولي الفقيه. والقوانين التي يصدرها. 

ولهذا تصر الكثير من القنوات العربية ووسائل الإعلام على القيام بحملة إشهار مجانية 
لأولئك الأفراد المحدودين الذين يتمردون على القوانين» ويصورون أن هؤلاء هم كافة 
الشعب الإيراني» وأن الشعب الإيراني ضاق بتلك القوانين التي تحد من حريته. 

وللرد على هذه المغالطة نحب أن نذكر هنا الموقف الشرعيء بل العقلي والفطري من 
هذا الأمرء وهو أن اللباس مع كونه حقا شخصيا للإنسان لا يجوز التدخل فيه لكنه إذا أثار 
فتنة في المجتمع» أو ساهم في إفساده والإضرار به؛ فإنه حينها يخرج عن كونه حرية شخصية» 
بل يتحول إلى قضية مرتبطة بالمجتمع» وحينها توضع القوانين التي تضبط ذلك. والتي نراها 
في قوانين العالم جميعا. 

ولا يقال هنا بأن على أفراد المجتمع أن يغضوا أبصارهم, لأن ذلك مستحيل؛ فالمجتمع 
يحوي جميع أصناف الناسء المتدينين وغيرهم» وفيه المراهقون والمنحرفون» ولا يصح أن 
يتحمل المجتمع جميعا وزر امرأة ظهر لما أن تخرج سافرة بين الناس لتفتنهم. 

ولو طبقنا هذا الآمر لأجزنا لمن يشاء أن يروج المخدرات والخمور وغيرها أن يفعل 
ذلكء ثم نطالب المجتمع بأن يتورع عن الشراءء أو أجزنا لمن شاء أن يضع شاشة في الشارع. 
ويضع فيها ما يشاء له هواه من الانحرافات» ونطالب المجتمع بأن يغلق عينيه وأذنيه إذا مر 
عليها.. وهذا لم يقل به أحد. 

ولهذا؛ فإن القادة الإيرانيين لم ينظروا إلى اللباس وغيره من المظاهر باعتبارها حريات 
شخصية؛ وإنا نظروا إليها باعتبارها اختراقا يحاول الغرب من خلاله أن يتسلل للمجتمع 
لوفساده» وتيسير السيطرة عليه. 


فل 


وقد أشار إلى هذا المعنى الخميني في حوار له مع مذيعة لإحدى القنوات حينها ‏ وكانت 
كبيرة السن ‏ حيث قالت له: (هل يعقل ان تخفي نفسها وراء هذا التشادور [العباءة السوداء] 
المرأة التي شاركت في الثورة» وقتلت وعذبت وناضلت ودخلت السجون؟) 

فأجابها بقوله: (أولًا إن المرأة خيرة في ارتداء التشادور وقد اختارته بصورة طوعية: ولا 
يحق لك أن تسلبيهن هذا الاختيار» نحن إذا ما طلبنا من النساء الراغبات في ارتداء التشادور 
أو الحجاب الإسلامي النزول إلى الشوارع» فسوف تخرج ثلاثة وثلاثون مليوناً من خمسة 
وثلاثين مليون امرأة» فهل يحق لك الوقوف بوجههن؟ أي استبداد هذا الذي تنسبينه الى 
النساء؟ .. ثانياً نحن لا نحدد حجاباً بعينه» ى| أن النساء اللواتي من عمرك» لا توجد أية 
حساسية بشأن حجايهينء ولكننا نتصدى للفتيات الشابات اللواي يستخدمن المكياج المفرط 
ويخرجن الى الشوارع متبرجات حيث يلاحقهن أفواج الشباب)17) 

وتمنينا لو أن هؤلاء الذين ينكرون على إيران التزامها مبذه المظاهر الدينية المحافظة» 
طبقوا ما ذكره الخميني» ولاحظوا أعداد الذين يطالبون بحقوقهم في التبرج والسفور. 
وقارنوها بعدد الذين يرتدون الحجاب من تلقاء أنفسهم, لخففوا من غلوائهم وتشددهم. 
وعلموا أنهم يقفون في وجه شعب كامل من أجل حفنة محدودة. 

ولو أنهم أضافوا إلى تلك المقارنة زيارة الجامعات والمدارس والسين) والمسرح 
والمؤسسات الرياضيةوكل المحال لوجدوا للمرأة حضورا قويا لا يضاهيه أي حضور في كل 
تلك الدول التي لا هم لا إلا تشويه إيران. 

 "‏ الانحلال الأخلاقي ومواجهته: 

بناء على ما ذكرنا في الفصل الأول من أن الحكومة الإلهية تختلف في وظائفها عن 
الحكومة الوضعية والعلانية» ذلك أن هدف الأخيرة قاصر على رعاية حاجات المجتمع المادية» 


)0غ( صحيفة الإمام» ج ٠‏ اءعص: 7/4 


1١: 


وعلى توفير رغباته الدنيوية» بين| الحكومة الإلهية» والتي مثلها الرسل وخلفاؤهم؛ لا تهتم 
بذلك فقطء وإنا تتم تتم قبله وبعده ببناء المجتمع الصالح. وتوفير كل ما يخدم هذا البناءء 
ورثيه في وجه كل ما يعترضه؛ | قال تعالى في تعداد وظائف رسول الله 2:: # هو الَّنِي 
مين رَسُولَا مِنّْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتهِ ويُرَكيِهمْ وَيُحَلّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالَْكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا 
نكل تب مكل مين [الجمعة: ؟] 

فالتزكية» وهي ترقية الإنسان وتربيته الإيهانية والروحية والأخلاقية من مهمات رسول 


الله يه والتى يذكر قادة الثورة الإسلامية في إيران أن على الولي الفقيه أن يتولاها باعتباره نائبا 


2 


عن رسول الله يه وعن الآئمة في هذه الوظيفة. 

ومن بين الوسائل التي تستعمل للتزكية ‏ حسبا ورد في النصوص المقدسة الحدود 
والتعزيرات التي يستعملها الحاكم المسلم ليحفظ المجتمع من تسرب أدوات الفساد إليه ذلك 
أن فردا واحدا أو أفرادا معدودين من المنحرفين يمكنهم إذا أعطيت لهم الحرية الكافية الخالية 
من أي ردع أن يفسدوا مجتمعا كاملاء ولذلك ورد في الأثر: (إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع 
بالقرآن) 

وقد نص القرآن الكريم على هذا المعنى في قوله تعالى عند بيان حد الفاحشة: #الزَّانِيَة 
َالزَاني فَاجْلِدُوا كُلّ وَاحِدِ مهما مِائَة جَلْدةِ وَكَا تَأَحْذْكُمْ با رَأََةٌ في دين اللهإِنْ كم تُؤْمنُونَ 
باللهً وَالْيَوْم الْآخِر وَلْيَشْهَدْ عَدَابَا طَائِفَةٌ مِنَ الؤْمنينَ4 [النور: 7]» فقد ربط الله تعالى بين 
عقوبة الزناة مع أمره بحضور جماهير الناس للعقوبة» حتى يكون ذلك وازعا تربويا لهم؛ 
بالإضافة لوسائل أخرى سنعرفها إن شاء الله في الفصل الخاص بالقيم التربوية من هذا 
الكتاب. 

وهكذا أخبر القرآن الكريم أن القصاص حياة؛ قال تعالى: #وَلَكُمْ في الْقِصَاصٍ 0 


ع عرو 7 - 


يا ولي الْألْبَابٍ لَعَلْكُمْ تَتَقُو نَ # [البقرة: 114]» ذلك أن إقامة القصاص على فرد واحد يحمي 


1١70 


المجتمع من سريان مثل هذه الظاهرة فيه» وبذلك يحيا المجتمع جميعا بحمايته من أمثال هذه 
الجرائم. 

بناء على هذاء كانت المقارنة في مجال الحريات وحقوق الإنسان بين النظام العلماني الذي 
تتبناه أكثر دول العالم والنظام الإيراني مقارنة خاطئة؛ فالفلسفة التي يقوم عليها كلا النظامين 
مختلفة تماما. 

وليس في ذلك أي إجحاف أو ظلم بحق الشعب الإيراني» لأنه هو من ارتضى هذا 
النظام» وهو من طالب حكامه بأن ينفذوه» وهو الذي ظل منذ ما يقارب أربعين سنة يتتخب 
مسؤوليه. ويخرج في كل المظاهرات والمسيرات التي تؤكد ولاءه المطلق لنظامه ومسؤوليه. 

ولذلك؛ فإن الدعايات المغرضة التي تنتقد قوانين العقوبات الإيرانية أو تقارن بينها 
وبين النظم العلمانية دعايات قد تقبل في المجتمعات غير المسلمة» لكن المسلم الحريص عل دينه 
العارف بربه» لا يمكنه أن يرفضهاء أو ينتقدهاء لأنها قوانين شرعية» ومنطلقة من الأحكام 
الفقهية» بالإضافة إلى دورها الكبير في مواجهة الجريمة والانحلال» وهي مع مقومات تربوية 
أخرى سنراها في محلها تشكل ركنا أساسيا في الإصلاح الاجتماعي. 

وقبل أن نسرد ما ذكره قادة الثورة الإسلامية في الرد على تلك الشبهات والاعتراضات 
التي يبثها الإعلام المغرض»ء با فيهم بعض الإسلاميينء أو كثير منهم» نذكر هنا مقارنة أجرتها 
بعض الصحف بين بعض المارسات التي يعتبرها القانون الإيرني جرائم يعاقب عليها بأشد 
العقوبات في نفس الوقت الذي لا يقاضى فيه مرتكبها حسب القوانين الأمريكية» وكأنه في 
رأي صاحب المقال أمريكا أكثر سماحة وعدلا من إيران. 

وعنوان المقال [ثمان جرائم تستوجب الإعدام فى إيران والبراءة في أمريكا](2» وما ورد 


7018 /01/ /78 » ثمان جرائم تستوجب الإعدام فى إيران والبراءة في أمريكاء دنيا الوطن  رام الله‎ )١( 


١ا/ك‎ 


فى الولايات المتحدة» حسب| ذكر موقع فوكاتيف الأمريكيء ورأى الموقع أن إيران تنفذ أحكام 
الإعدام هذا العام بوتيرة قياسية» حيث تم إعدام حوالى 745 شخصًا منذ شهر يناير الماضى 
وتتوقع منظمة العفو الدولية أن العدد سيزيد عن ألف بنهاية العام» وقال الموقع إن القانون 
الإيرانى يفرض عقوبة الإعدام على مجموعة جرائم» لا تفرض حتى عقوبة الحبس على 
الأشخاص ف الولايات المتحدة من بينها #بريب المخدرات والعلاقات الجنسية الشاذة.. وأشار 
الموقع إلى أن بعض الجرائم يتم توقيع العقوبة على مرتكبيها بعد الانتهاك الرابع» من ضمن 
ذلك الزنا والدخول فى علاقات جنسية شاذة ويعاقب الطرفان فى تلك الحالات بعقوبة 
الإعدام) 

وقد نشر الموقع جدولا تفصيليا يقارن بين ؟ ١‏ جريمة وعقوباتها فى كل من إيران 
والولايات المتحدة من بينها ثانى لا تعتبرها أمريكا جرائم يعاقب عليها القانون» بحسب 
بيانات الفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان. 

وحسبا ذكر الموقع» هذه هي المارسات التي يتأسف الكثيرون على اعتبارها جرائم في 
القانون الإيراني القاسي حسب| يصورونء بين| لا يعاقب عليها القانون الأمريكي الرحيم: 

.١‏ زنا المحارم: إيران (إعدام). الولايات المتحدة (سجن حتى ١5‏ عاما) 

؟. اغتصاب: إيران (إعدام) . الولايات المتحدة ( من 0 - ١6‏ عاما سجن) 

3 شخص متزوج يارس الرذيلة مع غير متزوج : إيران (إعدام) . الولايات المتحدة 

( لا تعتبر جريمة) 
5. ممارسة الرذيلة مع زوجة الأب: إيران (إعدام) . الولايات المتحدة ( لا تعتبر 
جريمة) 
4. غير مسلم يارس الرذيلة مع مسلمة: إيران (إعدام). الولايات المتحدة ( لا تعتبر 


جريمة) 


1١ا/ا/‎ 


5. علاقات الشذوذ الجنسى: إيران (إعدام). الولايات المتحدة ( لا تعتبر جريمة) 
. التآمر لإسقاط الحكومة: إيران (إعدام). الولايات المتحدة ( لا تعتبر جريمة) 
. تسهيل مهمة الجماعات المعارضة للحكومة: إيران (إعدام). الولايات المتحدة ( لا 
تعتبر جريمة) 
4. اغتيال متعمد للقادة السياسيين: إيران (إعدام). الولايات المتحدة ( لا تعتبر 
جريمة) 
.٠‏ سب النبى يَه: إيران (إعدام). الولايات المتحدة ( لا تعتبر جريمة) 
.١‏ القتل العمد: إيران (إعدام). الولايات المتحدة (إعدام) 
5. تبريب المخدرات: إيران (إعدام). الولايات المتحدة (5 سنوات سجن) 
وهكذا نجد موقعا آخرء وهو الموقع الرسمي لمنظمة العفو الدولية' يذكر اعتراض 
جماعات حقوق الإنسان على القوانين الإيرانية المرتبطة بالخمرء فقد ورد فيه هذا الخبر: (قالت 
منظمة العفو الدولية إنه يتعين عدم إعدام رجلين وجدا مذنبين بتعاطي الكحول للمرة الثالثة» 
وهو محظور بمقتضى قانون العقوبات الإيراني؛ فقد أعلن رئيس الهيئة القضائية في شال شرق 
إقليم خراسان رضويء السيد حسن شريعتيء أن السلطات تقوم بالتحضيرات لتنفيذ حكمي 
الإعدام اللذين أقرتب) المحكمة العليا في طهران» وقد نفذ بحق الرجلين» اللذين لم تتم 
تسميتهماء حكم بالجلد 4١‏ جلدة لكل منهما عقب إدانتين سابقتين بشرب الكحول» وتنص 
المادة 11/4 من قانون العقوبات الإيراني على عقوبة الإعدام الإلزامية لمن يدانون للمرة الثالثة 
بشرب الكحول, واحتفظت صيغة منقحة من قانون العقوبات» لم تصبح نافذة بعد. بأشد 
العقوبات قسوة هذه لمن تتكرر إدانتهم بالجرم) (1) 


25١0١5 إيران: ينبغي تخفيف أحكام الإعدام الصادرة بحق متعاطي الكحولء منظمة العفو الدولية» 19 حزيران / يونيو‎ )١( 
موقم تنظدة العفو الذوليةة:‎ 


1١7 


وجاء في الموقع أن [آن هاريسن] صرحت حول هذا الأآمر بقولها: (نناهض عقوبة 
الإعدام في جميع الأحوال؛ بيد أن شرب الكحول لا يمكن أن يصّف منطقياً بأنه من الجرائم 
الأشد خطورة» التي تشكل الحد الأدنى للمعايير الدولية التي تجيز عقوبة الإعدام بالنسبة 
للدول التي ما زالت تطبق العقوبة.. ومن المؤسف أن السلطات الإيرانية لم تستفد من عملية 
المراجعة الأخيرة لقانون العقوبات كي تجعله يتماشى مع التزاماتها الوطنية حيال حقوق 
الإنسان وتلغي عقوبتي الجلد والإعدام لمن يتعاطون الكحول)7) 

وهكذا تأسفت هذه المنظمة وغيرهاء والتي كانت تغض الطرف عن جرائم الشاه, على 
المناجرين بالمخدرات, والذين تحكم القوانين الإيرانية عليهم بالإعدام؛ فقد ورد في الموقع : 
(كثيراً ما تفرض إيران حكم الإعدام على الجرائم المتعلقة بالمخدراتء ولا سيما على المتّجرين 
بكميات تزيد على حد معين من المخدرات المختلفة أو العقاقير غير القانونية. وتستمر هذه 
الطريقة في معالجة المشكلة رغم عدم وجود أدلة واضحة على أن عقوبة الإعدام قد شكلت 
عامل ردع فعال ضد الجرائم المتعلقة بالمخدرات» وتأتي إيران في المرتبة الثانية بعد الصين من 
حيث أعداد أحكام الإعدام التي تنفذ سنوياًء وقد نفذ العديد من أحكام الإعدام الصادرة في 
١‏ ووالتي وصل عددها إلى أكثر من .5٠١‏ حسب) يعتقد» خلف ستار من السرية. وتصدر 
الأغلبية العظمى من أحكام الإعدام في البلاد على مرتكبي جرائم تتعلق بالمخدرات) 

واختتمت آن هاريسن تصريحها بقولما: (يتعين على إيران وقف فرض عقوبة الإعدام 
على مرتكبي جرائم المخدرات وتعاطي الكحول المزعومة» كخطوة أولى نحو الإلغاء التام هذه 
العقوبة) 

وهكذا نجد موقعا آخر يدافع عن العقوبات التي تسلطها القوانين الإيرانيين على 
[الوشم]ء ففي مقال بعنوان [تطاردهم شرطة الأخلاق وتعاقبهم أشد العقوبات.. أين يحصل 


دلق المرجع السابق. 


78 


الشباب الإيراني على وشومهم رغم تحريمها؟](22 جاء فيه: (الترويج للوشوم ليس أمراً يسيراً 
في هذا البلد المشهور بشرطته المخصصة للأخلاق» ويقوم عادةً بذلك من خلال عدة حسابات 
على الشبكات الاجتماعية. ولكنّ العاقبة قد تكون وخيمة؛ إذ يروي تجربة شخصية مريرة» 
قائلاً: (في أحد الأيام» وجدت شرطة الأخلاق تقتحم الاستوديو الخاص بيء واقتادوني إلى 
قسم الشرطة كأنني قاتل أو سارق, ثم تم اتهامي بتهمة مزاولة عمل منافٍ للآداب العامة 
وتعاليم الجمهورية الإسلامية» وتم الحكم علي بالسجن ٠١‏ أشهر) 

وهكذا نجد كل حين المواقع الإخبارية تتأسف للعقوبات المشددة التي وردت في قانون 
العقوبات الاسلامي الإيراني» والمتعلقة بالمحاربة» وتشمل كل من يوارس العنف في المجتمع 
سواء لغاية السرقة أو غيرهاء والتي نصت عليها [المادة »]١4٠‏ والتي تذكر أن (حدٌ المحاربة 
والفساد ني الأرضء أحد الأحكام الأربعة التالية .١‏ القتل» ؟. الاعدام» .٠"‏ قطع اليد اليمنى 
والرجل اليسرىء 5. النفي من البلد)» وتضيف [المادة ]١9١‏ أن (اختيار أي من الحدود 
الاربعة المذكورة» هو من صلاحيات القاضي» سواء أكان المحارب قد قتل أو جرح احداً أو 
سلب ماله أم لم يفعل ذلك)» وجاء في [المادة ١45‏ ]: (إذا تم صلب المجرم؛ فيجب إبقاؤه ثلاثة 
أيام على الصليب من دون أن يموتء ولايجوز أكثر من ثلاثة أيام» وإذا مات حينها يمكن إنزاله 
العليت) 

مع أن هذه العقوبات منصوص عليها في القرآن الكريم بصيغة قطعية لا تحتمل أي 
تأويل؛ فقد قال تعالى: #إإِنَّا جَرَاءُ الّذِينَ يحاربُونَ الله وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ في الْآرْضٍ قَسَادَا أن 
ُو أو يُصَلَبُوا أو تقَطَمَ دهم وَأَرْجُلْهُمْ مِنْ حلاف أَو يُنْمَوْامِنَ الأَرْض ذَلِكَ كَمْ ري في 
اَي وَكُمْ في الْآخِرَةٍ عَذَّابٌ عَظِيةٌ4 [المائدة: “*"5] 


)١(‏ تطاردهم شرطة الأخلاق وتعاقبهم أشد العقوبات.. أين يحصل الشباب الإيراني على وشومهم رغم تحريمها؟. شيماء 


محمد » عربي بوست» .75١187/0 5/١7‏ 


وقد كان لتطبيق هذا القانون, أثره الكبير في إحلال الأمن في الجمهورية الإسلامية 
الإيرانية مقارنة بالكثير من الدول حتى المتقدمة منهاء ولكن مع ذلك نرى المغرضين يدافعون 
عن الجلاد» وينسون الضحية» وهو ليس ذلك الفرد الذي تعرض للأذى فقط. وإنا المجتمع 

ونحب أن نذكر هنا بأن الكثير من عقوبات الإعدام التي نص عليها القانون الإيرانني 
مرتبطة بتكرار الجريمة» فقد ورد في [المادة ١774‏ ] من قانون العقوبات: (من كرّر شرب الخمر 
وأجري عليه الحد في كل مّرة» يكون جزاؤه الاعدام في المرّة الثالثة) 

وورد في [المادة 40 ]: (إذا زنى رجل أو زنت أمراة عدة مرات وأجري عليهم الحد بعد 
كل مرّة» يقتل في المرّة الرابعة) 

وورد في [المادة :]١51‏ إذا قذف امرئ الأخرين لعدّة مرات» وأجري عليه الحد بعد كل 
مرة» يقتل في المرّة الرابعة) 

وورد في [المادة ٠١١‏ ] بعد بيان حدٌ السرقة في المرة الأولى والثانية والثالثة: (جزاء 
السرقة في المرة الرابعة الإعدام» حتى إذا حدثت السرقة داخل السجن) 

وسبب ذلك إضافة إلى ما ورد في الأحكام الفقهية حول المسألة» هو أن تكرار الجريمة 
يدل على تمرد صاحبها على القانون» ونرى مثل هذا في القوانين الغربية؛ فقد ورد في بعض 
المواقع أن الحكومة الفيدرالية الأمريكية وأكثر من ١5‏ ولاية» نص قانونها على أنه إذا ارتكبت 
جريمة من نوع واحد لثلاث مرات» فعاد صاحبهاء وارتكبها بعد أن عوقبت عليهاء يعتبر بعد 
المرة الثالثة متمرداً (/20ا:0)» فتسلب منه كافة حقوقه. ويخسر حماية القانون» وتسمى الأحكام 
الصادرة ضد مثل هؤلاء المجرمين 5901606108 /22112002:00 أي الأحكام الثابتة التي لا تقبل 
التخفيف والتغيير والعفوء وهي السجن المؤبد بدون عفو أو تخفيف العقوبة» وتصدر مثل هذه 
الاحكام ضد السياقة في حال السكرء وارتكاب جريمة بسلاح خطرء وبيع المخدرات. وقد 


18١ 


سلب القانون الصلاحيات التقليدية التي كان يتمتع مها القضاة في اتخاذ القرارات بشأن هؤلاء 
المجرمين0©. 

بعد هذا العرض الموجز للمواقف المنتقدة لقوانين العقوبات الإيرانية» والمرتبطة 
بالاستعال السيء للحرية» نذكر هنا جوابا مفصلا للخميني يخاطب به جمعيات حقوق 
الإنسان» وهو بعنوان [خيانة وتآمر أدعياء حقوق الإنسان وإهمال المستضعفين ]» وقد ألقاه على 
أعضاء هيئة التجار الإيرانيين في البدايات الأولى لانتصار الثورة الإسلامية(20. 

وقد بدا جوابه ببيان السبب في تلك الحملة الشديدة من أدعياء حقوق الإنسان على 
الدولة الإيرانية الفتية في نفس الوقت الذي يسكتون فيه على جرائم الشاه» بل على جرائم دول 
الاستكبار العالمي؛ يقول: (من الطبيعي أن أولئك الذين يرون مصالحهم قد تعرضت للخطرء 
أو مصالح أربابهم سوف يعترضون على هذه الثورة» ويسعون لإخماد هذه النهضة بختلف 
الوسائل» فتارة بذريعة حقوق الإنسان والاعتراض على الإعدامات التي حصلت في إيران» 
ويعتبرونها من مصاديق العنف.. إنهم لم يكونوا في إيران حتى يشاهدوا ماذا جرى على إيران 
طوال أكثر من خمسين عاماء وماذا جرى على شبابنا مؤخرا» ومع ذلك فهم مطلعون.. إنهم 
يعلمون ماذا فعل الشاه السابق والأسبق في إيران» وما هي الخيانات التي ارتكبها هذان 
الرجلان في إيران.. وهم لم ينطقوا بكلمة أو اشارة إلى حقوق الإنسان.. إنهم لا يأتون بذكر 
لحادث الخامس عشر من خرداد. لقد قتلوا حسب ما نقلوا قرابة ١٠٠١٠١‏ شخص.. إن أنصار 
حقوق الإنسان هؤلاء كأنهم لا يعتبرون هذا لعدد بشراء أو يروم بشرا ولكنهم لايجعلون لهم 
حقوقاً .. إذا كان هؤلاء بشراً وهم حقوقء وكان هؤلاء ٠0٠٠١‏ أو أكثر الذين قتلوا في إيران 


خلال الأشهر الأخيرة وهم من أفضل شبابنا ومن جميع الفئات» إذا كانت لهم حقوق فإنهم 


)١(‏ انظر مقالا بعنوان: الجرائم الموجبة لعقوبة الاعدام في القانون الايراني وقانون العقوبات الاسلامي. 
(١‏ انظر: صحيفة الإمام» جلا ص: ٠‏ , ف]) بعدها. 


18 


حتى لم يسألوهم ما هذه الأعمال! إننا لم نسمع صوتهم يعترضون)(© 

ثم بين أن ما نصت عليه قوانين الجمهورية الإسلامية من عقوبة المفسدين والظالمين» هو 
تطبيق لحقوق الإنسان» ورعاية لهاء يقول في ذلك: (إننا نقوم بهذا العمل من أجل حقوق 
الإنسان» وإن هذه الجمعية التي علا صوتها تطالب بحقوق الإنسان» هم أجراء الاستععار» 
فأصل هذه الجمعيات التي أسست في أمريكاء أو في أماكن أخرى تحت عنوان جمعية حقوق 
الإنسان» جمعية كذا وكذاء وجدت أساساً لتضييع حقوق الإنسان) 7) 

ويقارن بين تلك المواقف التي تدافع عن المجرمين باسم حقوق الإنسان» وني الوقت 
تسكت عن إصدار بيانات التشجيب عن الضحايا الذين قتلهم أولئك المجرمون» ويضرب 
المثل على ذلك بقتل الشيخ مرتضى مطهريء فيقول: (هؤلاء الذين قتلوا الشيخ مطهريء الذي 
لم يؤذ حتى نملة» إنني أعرف هذا الرجل منذ ما يقرب عشرين عاماً إنسان بتلك الإنسانية 
وبتلك السلامة» بذلك الأدبء لماذا قتلوه؟ ما هو ذنب مطهري؟ هل قتل أحداً؟ ماذا فعل؟ 
أليس هو إنساناً؟! ألم يكن فيلسوفاً وعالاً وفقيهاًء ألم يكن بشراً؟! يقتلون هذا الإنسان بهذا 
الشكل دون أن يكون له أي ذنب.. إن لديهم الآن قائمة بأساء الذين يريدون قتلهم. يتتصورون 
أنه بقتل مطهري وأمثال مطهري. سينحبوا ليب هذه النهضة؛ وتضيع ثانية حقوق شعبناء بل 
أن أدعياء حقوق الإنسان لم يكتبوا حتى كلمة واحدة بخصوص مقتل الشهيد مطهري. ولم 
يتحدثوا بشيء: إننا ل نسمعهم يتكلمون بشيء» أليس هذا إنساناً؟! لم يعترضواء لم يتكلمواء م 
يستنكروا هذه الجريمة» هل يجهلون ذلك؟ فلماذا إذاً م يتتقدوا الجماعة التي قامت بذلك؟.. إننا 
إذا عثرنا الآن على قاتل الشيخ مطهري وعاقبناه» وحكمنا عليه بالقتصاص»ء سيرتفع صوتهم 


دلق المرجع السابق» جلا صص: 0 
زفق المرجع السابق» جلا صص: 0 


لديل 


اعتراضاً على ذلك بأنه عنف! أليس هذا عنفاً أن يقتل إنسان دون ذنب؟)20) 

ثم يبين المفارقة العجيبة التي يقع فيها أدعياء حقوق الإنسان حين يسكتون عن مقتل 
عالم وفيلسوف ومصلح في نفس الوقت الذي يدافعون فيه عن المجرمين» يقول: (نعم, أحياناً 
يكون الإنسان قد فعل شيئاء ولكن هذا الإنسان لم يكن لديه عمل غير التعلم والتعليم كان 
إنساناً محترماً أعرفه منذ قرابة عشرين عاماً ومطلع على أوضاعه وأحواله. وأعرفه بأنه لم يؤذ 
أحداً. شخص قد أجهد نفسه من أجل هذا الشعب. كان كاتباًء فيلسوفاًء مفكراً. هل يستحق 
القتل حتى قتلوه؟ أين هي جمعية حقوق الإنسانء لماذا لم تصدر منهم أية كلمة؟ إننا لو عثرنا 
الآن على القاتل وقتلناه» ستبداً أقلام (حقوق الإنسان) بالكتابة والدعاية ووصف ذلك 
بالعنف. وأنه يوجد في إيران عنف. ولا يراعون حقوق الإنسان. أي أناس؟ إنني لا أدري أية 
تربية تربى عليها هؤلاء» وأية حيوانات هم هؤلاء؟!)20) 

ثم يبين أن العلة التي جعلتهم يقفون هذه المواقف المتناقضة هي نوع التفكير الذي 
يفكرون به. والفلسفة التي ينطلقون منهاء وهي فلسفة مادية» تجعل كل مها منصبا نحو حرب 
الدين ومواجهته. وتستعمل لذلك كل الذرائع» يقول: (هذا هو وضع العال المادي. وهذا هو 
وضع أدعياء حقوق الإنسان الماديين. هذا هو وضع العالم المادي» حيث لا يلاحظ أبناؤه إِلَّا 
منافعهم المادية ومنافع أرباهم؛ وكأنهم غير مطلعين على أي شيء» يغضون أنظارهم عن كل 
شيء» فإذا رأوا مصالحهم تتعرض للخطر علا صوتهم؛ وهذه خصوصية التربية المادية» وهذا 
هو واقع الحكومات القائمة حالياً) (7) 


وفي مقابل ذلك يبين خصوصية موقف الإسلام من حقوق الإنسان» ومدى صدقها 


..7170 المرجع السابق: جلا ص‎ )١( 
..710 (؟) المرجع السابق: جلاء ص‎ 


زفرف4 المرجع السابق: 1 »ص 1 


10: 





وعمقها وموضوعيتها وعقلانيتها؛ فيقول: (خصوصية التربية الإسلامية تتمثل في المعنوية» فلا 
يصح سجن أحد بدون ذنبء لا يصح نفيه» لا يصح ولا يصح.. الحقوق الإنسانية الإسلامية 
هي هذه. لا يجوز الظلم» ولا يجوز إضاعة حق المظلوم أيضاً. فلا يجوز ظلم أحد, ولا يجوز 
غض الطرف عن ظلم الآخرين والقول بأن الظلم قد وقع وانتهى وتم الأمر) 20 

وكمثال على هذا يبين الفرق بين المعاملة التي كان يقوم بها الشاه مع السجناءء والظلم 
والتعذيب الذي كان يحيق بهم مقارنة بحالهم بعد الثورة الإسلامية» تطبيقا للشريعة 
الإسلامية؛ فقال: (لقد أوصينا أن يتم التعامل حتى مع هؤلاء الاشخاص الذين قاموا بذلك 
التعذيب وقتلوا الناس بنحو لا توجه لهم حتى كلمة سيئة واحدة في السجون. لقد أعلنت هذاء 
وأصدرت بياناً حوله.. ففي ظل الحكومة الإسلامية لا يحق للسجانين أن يتركوا السجناء 
جائعين» لا يحق لهم أن يصفعوه على وجهه. لا يحق لهم أن يعذبوه لا يحق لهم أن يشتموه. إن| 
حقه أن يحاكموه» ويعاقبوه بسب جرمه؛ وبقدر جرمه ليس أكثر من ذلكء هذا هو واقع 
السجون في ظل الجمهورية الإسلامية التي تضم أمثال هؤلاء الجلادين الذين لو كان أحدنا قد 
ابتلي ووقع في أيديهم سابقاً كانوا يتعاملون معه بذلك الشكل الفظيعء إن هؤلاء الجلادين 
موجودون الآن في سجونناء وقد جاءوا من الخارج وشاهدوا السجون وقالوا بأنها مطابقة 
للمقاييس الحضارية)(2) 

وانطلاقا من هذه كله يصور الغرض من الحدود والعقوبات الشرعية» وأن تطبيقها 
يحقق مصالح كثيرة» باعتبارها من وسائل تربية المجتمع» وتهذيب سلوكه. يقول: (الحدود 
الإلغية هي لتربية المجتمع» لا من أجل الانتقام فالقاتل إذا لم يقتل؛ فإن القتل سيكثر #وَّلَكُمْ في 


0 0 
ل 


القصَاص حَيَاةٌ يَاأُولٍ الْأَلْبَابٍ لَعَلَكُمْ تَتَّقَونَ4 [البقرة: 174 ]. إننا إذا أغلقنا باب القصاص» 


)020( المرجع السابق: جلاء ص 73171.. 


زفق المرجع السابق» جلا ص: ١‏ 


١/6 


ولم نعاقب القاتل» فإن القتل سيكثر حينئذ» وتختل حياة الناس» فكل من شاء يقتل من شاءء 
فالقصاص هو لضمان حياة الناس» إنه تربية لمصلحة المجتمع) )١(7‏ 

وهكذا يذكر بأن تطبيق الحدود الشرعية يحمي المجتمع» ويساهم في تنظيفه من كل 
العناصر الضارة» كا يساهم في #بذيب سلوكه. وتحقق كل متطلبات الأمن التي لا يمكن قيام 
المجتمعات من دونهاء يقول: (إن الحدود الإلحية هي لمصلحة المجتمع؛ فلو أن الفعل الفلاني 
الذي قَرّر له في الشرع عقوبة معينة لم تجعل له تلك العقوبة» فإنه سيكثر وقوعه؛ فالذي يذهب 
ويفعل ما يشاء مع زوجة شخص ولم يعاقب على ذلك فإن الفحشاء ستزيد. يجب منع شيوع 
الفحشاء) 020 

وقارن بين العقوبات ى) قررها الإسلام» وبين العقوبات التي وضعتها القوانين 
الوضعية؛ فقال: (إنهم يأخذون اللصوص ويودعونهم السجونء وهناك يتعلمون السرقة! 
يقولون بأنه قد تم فتح درس لتعليم كيفية سرقة الجيوب والأسلوب الأمثل لذلك؟ إنهم لو 
أخذوا أربعة من اللصوص وعاقبوهم, طبقاً للموازين؛ فإن السرقة ستنتهي في إيران» ويقضى 
عليها في العالم. فلو أقيم الحد على أربعة لصوص بالشكل الذي أمر به الشرع وهو الذي لا 
يرضى بظلم حيوان فضلًا عن الإنسان حيث أمر بإقامة الحد على من يسرق. وما ذلك إلا لأنه 
يحافظ على المصلحة الإنسانية» وحفظ حقوق الإنسان)9© 

وهكذا الأمر بالنسبة لعقوبة من يتاجرون في المخدرات أو بيع الأسلحة. وغيرها من 
الآفات الاجتاعية» والذين يعاقبهم القانون الإيراني بالإعدام» يقول: (ثمة مشكلة أخرى 


تتمثل بالمهربين» وبائعي المخدرات» ومهربي الأسلحة. وهذا أيضاً مرض وبلاء أصيب به هذا 


)020( المرجع السابق» جلا ص: 110 
زفق المرجع السابق» جلا ص: ار 0 


هرف المرجع السابق» جلا ص: حر 


1١م1‎ 





الشعب. إن هؤلاء يعتبرون خونة من الدرجة الأولى لهذا البلد. إن المتاجرة بالأفيون وتوزيعه 
بين الناس» جلب الهروئين وتوزيعه بين شبابناء سوف يقضي على شعبنا. ليلتفت هؤلاء إلى هذا 
الأمر ويتخلوا عنه قبل أن يأتيهم العذاب الإلي» قبل أن يضربهم السوط الإلحي. إنها جناية» 
تقود شبابنا الشرفاء إلى الحلاك» هذا إفساد للأجيال. وهل أغلقت أبواب العيش حتى يلجأ 
الإنسان إلى بيع ال هروئين؟ ليعمل عملا آخر! اذهب واعمل عملا آخر!)() 

هذا نموذج من أجوبة الخميني عن تلك الطروحات التي تشوه الموقف الإيراني من 
حقوق الإنسانء والعجيب كا ذكرناء أن تصدر من المسلمين» ومن كثير من الإسلاميين الذين 
يدعون إلى تطبيق الشريعة الإسلامية» ولست أدري كيف يمكن تطبيق الشريعة الإسلامية مع 
التخلٍ عن مثل هذه الأحكام. التي تعتبر جزءا أساسيا لا يمكن إصلاح المجتمع من دون القيام 
به حتى لو وقف العالم كله ضده. 

ذلك أن العالم الذي يجيز الاستعمار وقتل الملايين» بل يثني على حقوق الإنسان في دول 
الاستكبار العالمي لا يصح أن يستمع أحد لإنكاره وشجبه. وهذا ما فعله الخميني الذي لم 
يستسلم لكل تلك التنديدات والتشجيبات مراعاة لمنصبه الفقهي الذي انتخبه على أساسه 
الشعيه الاتراق: 


)020( المرجع السابق» جلا ص: ور 


1١ /ا4‎ 


الفصل الرابع 


ولاية الفقيه.. والأخوة الإنسانية 


وو 


من القيم الكبرى التي قامت عليها الجمهورية الإسلامية الإيرائية . بحسب ما نص عليه 
قادتهبا ودستورهاء ودل عليه واقعها ‏ قيمة [الأخوة]ء سواء الأخوة الداخية مع جميع الأعراق 
والأديان والمذاهبء أو الأخوة الخارجية مع جميع شعوب العالم» وخصوصا المستضعفين منهم. 

ومن النصوص الدستورية الدالة على ذلك ما ورد في المادة التاسعة عشرة من الدستور 
الإيراني» والتي تنص على ما يلي: (يتمتع أفراد الشعب الإيراني من أي قومية أو عشيرة كانواء 
بالمساواة في الحقوقء ولا يعتبر اللون والعنصر أو اللغة وما شابه ذلك سببا للامتياز) 

ومثلها المادة الثامنة والأربعون» والتي تنص على ما يلي: (لا يجوز التمييز بين مختلف 
المحافظات والمناطق في مجال استغلال المصادر الطبيعية للثروة والموارد الوطنية العامة وتنظيم 
وتقسيم النشاط الاقتصادي في مختلف المحافظات ومناطق البلاد» بحيث يوظف في كل منطقة 
رأس المال والإمكانات الضرورية في حدود حاجاتها واستعدادها للنمو) 

هذا في) بخص الأخوة الداخلية» أما الخارجية» فتنص المادة الرابعة والخمسون بعد المئة 
على هذه الأخوة كا يلي: (تعتبر الجمهورية الإسلامية الإيرانية سعادة الإنسان في المجتمع 
البشري كله قضية مقدسة لهاء وتعتبر الاستقلال والحرية» وإقامة حكومة الحق والعدل حقاً 
لجميع الناس في أرجاء العالم كافة» وعليه فإن الجمهورية الإسلامية الإيرانية تقوم بدعم النضال 
المشروع للمستضعفين ضد المستكبرين في أية نقطة من العالم» وفي الوقت نفسه لا تتدخل في 
الشؤون الداخلية للشعوب الأخرى) 

وتنص المادة الخامسة والخمسون بعد المئة على بعض مقتضيات هذه الأخوة كما يلٍ: 


184 


(تستطيع حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية منح حق اللجوء السيامي إلى الذين يطلبون 
ذلك باستثناء الذين يُعتبرون وفقاً للقوانين الإيرانية بحرمين وخونة) 

أما قادتها ومفكروها وسياسيوها؛ فتصريحاتهم في ذلك كثيرة جداء سنرى بعض ناذجها 
في هذا المبحثء ومنها ما ورد في مقابلة للخميني حول [وضع الأقليات في الحكومة الإسلامية] 
أجراها معه مراسلون أفارقة وآسيويون وغيرهم في /1" محرم ١5٠١‏ هه فمم| جاء فيها: (تارة 
نطلق كلمة الأقليات على الأقليات الدينية في إيران» وهؤلاء مشتركون مع سائر الإيرانيين في 
كل شيء» ويمنحون حقوقهم حسب القانون» وهم يعيشون في رفاه ودعة وحرية في الحكومة 
الإسلامية. وتارة يُراد بها القوميات الموجودة في إيران كالكرد واللّر والترك والفرس والبلوش 
وامثال ذلك» وأنا لا أرغب في أن أُسمّي هؤلاء أقليات؛ لأنه قد يفهم من ذلك فصل بين 
الأخوة» ومثل هذا الفصل غير مطروح في الإسلام إطلاقاًء فلا فارق بين اثنين من المسلمين 
يتكلمان بلختين. مسلم عربي ومسلم أعجمي)7" 

وذكر أن التفريق بين المسلمين على هذا الأساس ليس القصد منه رعاية حقوق من 
يسمون الأقليات» وإنا يقصد منه تفريق المسلمين وتشتيتهم وصدع وحلتهم» يقول: (من 
المحتمل جدَاً أن يكون أساس هذه الأمور الأيدي التي لا تريد للبلدان الإسلامية أن تتحد 
بعضها مع بعض. يثيرون قضية العرب والعجمء وقضية الكرد والعرب والفرس داخل 
البلدان. يثيرون في بلدنا قضية الكرد والعرب واللر والتركمن والبلوش وأمثال ذلك. يثيرها 
معارضونا وهم أصحاب دراسات جْمّة لبلدانناء لقد توصّلوا إلى أن الإسلام إذا طَبّىَ | هوى 
و تحقق كل ما يدعو إليه فسوف تعزل كل هذه القوى الموجودة في العالم» وستقع أكبر القوى في 
أيدي المسلمين وهم الاكثر عدداً والاكثر خيرات» ولذلك يريدون التفريق على نطاق واسع 


بين عرب هذه الناحية وترك تلك الناحية» وفرس هذه الناحية. ولهذا يثيرون النزعات القومية 


)غ0( صحيفة الإمام: ج١١‏ ص 010 


ايل 


خلافاً لمنطق الإسلام مثل: نحن إيرانيون ونحن ترك؛ وما إلى ذلك. ومرادهم أن لا يكون 
الإسلام ومنطقه هاهناء وأن يمزّقوا قوميات الإسلام) 21 

ثم بين سبب هذه الظاهرة وعلاقتها بنظام الشاه» ومنافاتها التامة مع الشريعة الإسلامية؛ 
فقال: (الأصل والقاعدة في إيران هي أن لا تطرح قضية الأقليات كالكرد أو الترك» ولا يقال: 
هذه أقلية وتلك اقلية» إنا هم أكثرية» فهل تراهم منفصلون بعضهم عن بعض؟ أليست 
إخوتهم الإسلامية واحدة؟ يجب أن أَذكْرَ بتقطة أخرى» وهي أن ما يُطرح من أَنَّ الكرد يقولون: 
أعطوا كردستان حقها. ولنفترض أن البلوش يقولون أيضاً أعطوا البلوش حقّهمء وهكذاء 
هذا سببه أن الحكومة التي حكمت إيران كانت ظالمة. ولأن هذه الحكومات كانت في الغالب 
أو دائياً من شريحة واحدة هم الفرس مثلاء لذلك لم يعطوا الكرد ما يحتاجونه» أو أعطوهم 
القليل. ىا لم يعطوا البلوش حاجتهم أو أعطوها منقوصة» وكذلك البختياريون وسائر 
الأقوام. كانت تلك أنظمةً غير إسلامية. كان النظام الشاهنشاهي نظاماً طاغوتياً غير إسلامي» 
ولذلك ظهرت هذه الخلافات والتمييزات داخل البلد مع الأسف) 2) 

وبين موقف الحكومة الإسلامية من هذه التفرقة العنصرية؛ فقال: (لو كانت الحكومة 
إسلامية كا أرادها الله تبارك وتعالى» وكانت الأحوال السائدة إسلامية» وكذلك وضع 
القائمين على الحكومة» وكيفية الحكومة ى| قرّرها الإسلام» ومثلم| كان الأمر في صدر الإسلام 
تنظر الحكومة نظرة واحدة لكل الافراد» والقانون يطبق على الجميع بشكل واحد.. إذا ظهرت 
مثل هذه الحكومة الإسلامية التي في آمالنا وطموحاتناء وني آمال الإسلام وآمال ائمة الإسلام 
وخلفاء الإسلام منذ البداية» فأنا واثق أن هذه الأقوال حول حقي وحقك ستزول لأنهم جميعاً 


على منوال واحد لهم حق واحد. ليس من حق الحاكم وولي أمر الزمان أن يعتني بمنطقة أكثر 


.7 57” المرجع السابق: ج١١1 )ص‎ )١( 
.5 55 المرجع السابق: ج١١1 .ص‎ )0( 


من منطقة أخرى. ليس من حقه إعمار جانب من البلد أكثر من جانب آخر. ليس من حقه حتى 
أن يرجح مكاناً على مكان كأن يمد فيه الشوارع والاسفلت مثلا. إذا انبثقت مثل هذه الحكومة 
التي هي مطمحناء فلا أظن الكرد ولا الترك ولا الفرس ولا العرب ولا غيرهم سيطرحون 
هذه الأمور. لقد اثيرت هذه الأمور لأن الحكومات لم تكن إسلامية» وكانت مجحفة. حين| لا 
يكون فرق بين طهران وباوة» ولا بين اصفهان وتركمن ولا يكون فرق في أماكن التركمن من 
حيث الحكومة والقضاء وتطبيق القوانين وتنفيذ البرامج» يزول داعي القول بأن المكان في أيدينا 
أو أيديهم)(2 

وبين المواقف العملية التي ستنتهجها الحكومة الإيرانية لتطبق هذه المعاني» وهو ما 
حصل بالفعل؛ فقال: (حتى لا يتصور السادة أن المفروض هو أن تفعل الحكومة المركزية كل 
ما تريده» تفعل كل ما تريده مع شريحة» نحن ننوي أن نحيل شؤون كل منطقة وكل مكان 
لأهالي ذلك المكان» للذين يعينون هناكء ليباشروا هم شؤون الإعمار وشؤون الزراعة وشؤون 
البلدية مثلًا وتعيين بعض المسؤلين الفرعيين» وأنا اقول هذا للجميع؛ طالما لم تنبثق الحكومة 
الإسلامية بالشكل الذي نريده. انتم ترغبون ونحن نُقدّم. ولكن اعلموا انه اذا انبثقت الحكومة 
الإسلامية يومآء سيقول حتى الكرد أنفسهم ليأتِ أيَآ كان. وسيقول الفرس ليحكم كائناً من 
كان. وسيقول العرب هذا أيضاً. سيقول الجميع هذا. هل كانت مثل هذه الأمور مطروحةً 
أصلًا في صدر الإسلام بأن يعين الناس في منطقة معينة لأنفسهم شخصاً ما؟ لم يكن مثل هذاء 
لأنه لم يكن ثمة اجحاف. لم يكن الحاكم إذا حكم يفرّق بين منطقة وأخرىء إِلَا إذا وقع 
الانحراف) 0) 


وهكذا ذكر في خطاب تاريخي له بمناسبة إعلان النظام الجمهوري الإسلامي في إيران 


.5 55 المرجع السابق: ج١١1 .ص‎ )١( 
.5 55 المرجع السابق: ج١١1 .)ص‎ )5( 


١04١ 


الموافق /١‏ 1914/5 م؛ والذي اهتم فيه كثيرا بهذه القيمة» ومن ذلك قوله: (لا بد من أن 
أقول لجميع طبقات الشعب: لا يوجد في الإسلام تمييز بين الأغنياء وغير الأغنياء» ولا بين 
البيض والسودء ولا يوجد امتياز أبداً بين السنة والشيعة» والعرب والعجم والأتراك وغير 
الأتراك» لقد جعل القرآن الكريم العدالة والتقوى ميزانا فالامتياز لمن يملك التقوى .. 
الامتياز لمن يملك النفس الطيبة» ولا يوجد امتياز في الماديات» ولا ميزة في الثروات» يجب أن 
تزال هذه الامتيازات؟ فالناس كلهم سواسية وحقوق كل الطبقات تمنح لماء فالجميع متساوون 
مع البعضء والأقليات الدينية تراعي حقوقهم, فالإسلام يكن لهم الاحترام .. الإسلام يكن 
الاحترام لكل الطبقات) 

ومنها قوله في ذكر بعض الناذج التفصيلية حول الأعراق التي ينتظم منها المجتمع 
الإيراني: (الأكراد وسائر الطبقات الموجودة مع لغاتهم المختلفة» كلهم إخواننا ونحن معهم 
وإنهم معنا وكلنا شعب واحد ولنا دين واحد. وبالنسبة إلى بعض العناصر المفسدة الذين 
يذهبون إلى مناطق مختلفة من إيران ويقومون هناك بالدعايات السيئة ويحرضون الناس 
المساكين على الفوضى وقتل الإخوة: إني آمل من الناس أنفسهم أن ينتبهوا ولا يسمحوالهؤلاء 
الخونة بالقيام بمثل هذه الأعمال فنحن جميعاً إخوة) 

وذكر عن موقفه من أهل السنة وغيرهم: (نحن إخوان لأهل السنة» ويجب أن نلاحظ 
حقوق الجميع. نحن جميعاً متساوون في الحقوق والقانون الذي سوف يصادق عليه الشعب 
فيا بعد» وقد لوحظ فيه حقوق جميع الطبقات وحقوق الأقليات الدينية والنساء وسائر الفئات 
ولا يوجد فرق بين فئة وأخرى في الإسلام إلا بالتقوى والاتكال على الله. ونحن نرجو أن 
يوفقنا الله تعالى ما دمنا حتى الآن قد أوصلنا الأمر إلى هنا وأعلنا الجمهورية الإسلامية) 

ومع كل هذاء ومع كون الواقع الإيراني قبل الثورة الإسلامية كان ممتلئا بالعنصرية» 


ويفرق بين الأعراق والمذاهب والآديان» بل كان يحلم بإعادة الإمبراطورية الفارسية» ويريد أن 


١045 


يقصي الدين ليحل بدله القومية» ولذلك استعمل كل الوسائل لبعث التراث القديم» وجعل 
رمز الدولة الأسد والشمس باعتبارهما يشيران للدولتين الأكمينية والساسانية. 

ومع كل هذاء ومع كون إيران في ثوبها الإسلامي ضحت بمكاسب مادية ومعنوية كثيرة 
في سبيل الحفاظ على هذه القيمة إلا أننا نجد المتربصين من قوى الاستكبار العالمي» وأذنابهم 
من الدول العربية» بل وأتباعهم من الذين يسمون أنفسهم إسلاميين» يستعملون كل الوسائل 
تشويه هذه القيمة» وتحريض جميع الإثنيات الموجودة في إيران لتتمرد على الولي الفقيه» وعلى 
الحكومة» وعلى كل مؤسسات الدولة. 

وقد استعملوا لذلك كل أنواع الحيل» بل صرحوا بأنهم لا يمكنوا أن يتغلبوا على إيران» 
ويسقطوا نظامها إلا بالتلاعب بالإثنيات الموجودة فيها. 

وللأسف. رأيت من الدعاة لهذا المنهج في مواجهة الخطر الإيراني ‏ كما يذكر ‏ دعاة 
إسلاميون يرون أنه لا يمكن أن يتحقق النصر على إيران إلا بتحريض العرقيات والطوائف 
الدينية والمذهبية فيهاء وهم يعلمون أن ذلك حرامء بل هو سنة اليهود الذين استعملوا هذه 
الوسيلة في عهد النبوة ليحدثوا الصراع بين المسلمين في الدولة الفتية الجديدة. 

ومن الأمثلة على ذلك الداعية والمفكر الكويتي الدكتور عبد الله النفيسبي» والذي لايدع 
مناسبة إلا ويحذر فيها من الخطر الإيراني» ويوصي معها بتحريض الإثنيات الموجودة فيها 
لتطالب بالانقسامء بل إنه دعا إلى تموين مليشيات للقيام بهذا العمل» فقد صرح لصحيفة 
المرصد داعيا دول مجلس التعاون الخليجي إلى مواجهة ما يسميه [الغطرسة الإيرانية] بإشراك 
شعوبها في الدفاع عن أوطانهم. 

وأوضح في تدوينات له عبر مواقع التواصل الاجتماعي أن عتالة,ظريقكين كسمن 
الميلشيات» إما عبر التجنيد الإجباريء أو عن طريق تشكيل ميليشيات تطوعية يتم نثرها عبر 
الحدود. 


١97 


وهكذا نجد الكثير من الدعاة للأسف ينسون القضية الفلسطينية» ليتحدثوا عن قضية 
جديدة مبتدعة اسمها القضية الأحوازية» ومن الغريب أنهم في غمرة حديثهم عنها ينسون أن 
أكثرية الأحواز شيعة لا سنة. 

وقد نبههم إلى هذا الخطأ بعضهم في مقال بعنوان [يتحدثون عن سنة إيران.. دون 
علم!]؛ وما ورد فيه: (على هامش زيارة الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد مؤخرا للقاهرة 
خرج علينا نفر من الكتاب ومحللي الفضائيات ومعهم أيضا رجال دين من الأزهريين 
والسلفيين ليعترضوا على ما يلاقيه [السنة في الأحواز] من مظالم وانتهاكات لأبسط حقوقهم» 
ولو آن هؤلاء تناولوا مظالم سنة ايران بصفة عامة دون تحديد مكانهم لما كان هناك داع لكتابة 
هذا المقال» ذلك أن تشديدهم على سنة الأحواز تحديدا كطرف يتعرض للظلم يكشف عن 
قصور فاضح لديهم في فهم الأوضاع والسياسات والتقسيمات الديموغرافية في إيران. وهذاء 
بطبيعة الحال» ناجم عن خلو جامعاتنا وكلياتنا من مراكز بحثية متخصصة بالشآن الايراني» 
مقابل العديد من المراكز الفارسية المتبحرة في كل ما له علاقة بالأوضاع والشؤون الخليجية 
والعربية السياسية منها والاقتصادية والاجتاعية والثقافية والعسكرية) )١(‏ 

ثم بين موضع الخطأً الذي يدل على الجهل المطبق» بل على الحقد الدفين: (.. فالأحواز 
وإن كان أكثرية سكانها من العربء فإن غالبيتهم من الشيعة وليس السنة» وهم يتكلمون 
اللهجة الأحوازية الشبيهة باللهجة العراقية» وبالتالي فإن سنة الأحواز لا يشكلون سوى أقلية» 
شأهم في ذلك شأن الأقلية السنية في كرمانشاه» ولارستانء والمدن المركزية الكبرى) 

وهكذا راح يصحح لهم الكثير من الأخطاء التي يقعون فيهاء بذكر المناطق التي يتواجد 
فيها أهل السنة» وإن كان هو الآخر قد وقع فيهم| وقع فيه غيره من الأخطاءء ذلك أنه راح يذكر 
التهميش الذي يعانيه أهل السنة ومعاناتهم المادية دون أن يكلف نفسه بمعرفة معاناة غيرهم 


)١(‏ يتحدثون عن سنة إيران.. دون علم. عبد الله المدني» موقع الإسلاميون. 


١24 


من الشيعة» والذين يوجد بينهم الفقراء ما يوجدون في سائر المناطق. 

وقد رد الخميني على هذه الشبهات التي تثار بانتقاء بعض مظاهر الفقر الموجودة في تلك 
المناطق» والحكم عليها لا انطلاقا من أسبابها الحقيقية» وهي الحصارء والحروبء ونحوهاء 
وإنما انطلاقا من كون هذه المناطق بالذات مهمشة مرات كثيرة في خطبه وكتبه ولقاءاته. 

ومنها ماذكره في حديث له في بدايات انتصار الثورة الإسلامية حول الدور اهام للإذاعة 
والتلفزيون في مواجهة المؤامرات التي تواجهها الدولة الفتية؛ فقد جاء فيه: (لقد عانينا في الفترة 
الأخيرة ومازلنا من مشكلة كردستان ومن وجود بعض المنحرفين والمفسدين هناك» وهوّلاء 
هم من الخونة العملاء والساعين إلى إثارة الفوضى والإضطربات في هذه المحافظة: وفي الحقيقة 
إن هؤلاء يهدفون للقضاء على الأكراد وعلى الاتراك والفرس أيضاً. لقد ذكرنا من قبل ومراراً 
لجميع الأخوة الأكراد الذين حضروا إلى هناء وللأخوة البلوش أيضاًء أن الإسلام لا يعترف 
بهذه التقسيمات والتصنيفات» بل يعتمد على مبدأ إن أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ الله أَنْقَاكُم4 [الحجرات: 
]» ولا يعترف بعرب وعجم وكرد بل عمل الإنسان وتقواه هو الأساس والمعيار» فالله 
سبحانه وتعالى لم يفرّق بين طائفة وأخرى بل أنزل على الجميع نعمه وطالبهم بالعمل والسعي 
ولم يفرق ني ذلك بين العرب والترك والعجمء وهذا رسول الله # مع أنه عربي» ولكنه يقول 
بصراحة أن لا فضل لعربي على أعجمي ولا أعجمي على عربي فكلكم من آدم. وكما يولي 
الإسلام هذا الأمر أهمية فإن الجمهورية الإسلامية #هدف إلى وضع هذا الامر في طليعة 
أولوياتهاء ولكن المهمة صعبة لشراسة الإعلام المعاكس)(22 

ثم ذكر بعض الأساليب التي استعملها الإعلام المغرض في ذلك الوقت» وهي نفس 
الأساليب التي تستعمل الآنء وبتركيز أشد؛ فقال: (إنهم يبلّغون ضدنا داخل البلاد وخارجهاء 
وبأشكال وصور مختلفة؛ ففي خارج البلاد يصوروننا كنظام دكتاتوري مثل هتلر أو أكثر 


)0غ( صحيفة الإمام» ج 01 


١546 


فظاعة» وأن فلاناً أمر ببتر أثداء النساء» وفي داخل البلاد ككردستان مثلًا يشيعون الدعايات 
المغرضة ضدناء وللأسف الشديد فإن الكثير من السذّج يصدقوحهم ويتأثرون بمزاعمهم 
هذه)<1) 

ثم ذكر موقفه وموقف قادة الثورة الإسلامية من الأكراد الإيرانيين؛ فقال: (إن أهلنا في 
كردستان هم أخوة لنا وأعزاء علينا. إنهم هاجمون أهلنا في كردستان ويقتلون أخوتنا. وفيا 
تسارع القوات الحكومية للدفاع عن كردستان وعدم السماح للمفسدين القادمين من الخارج 
أفواجاً أفواجاً والذين يرسلون المال والعتاد والمبلغين والجواسيس لإشعال المنطقة» وقتل 
أخوتنا الأكراد. فإن هؤلاء المفسدين يحاولون خداع السذج بآن القوات الحكومية عازمة على 
قتل الأكراد! ولكنهم أنفسهم يقومون بذلك ويقتلون إخوتنا الأكراد. وني المشافي أيضاً أثاروا 
سلسلة من الفضائحء كا أنهم وجّهوا إل اتمامات مختلفة! فيوم أمس أحضروا لي بياناً يبحمل 
توقيع (ميليشيا فدائيي خلق) يكيلون فيه سيلا من الاتبامات وينسبون الكثير من الفضائح إلى 
الجمهورية الإسلامية) 9) 

ثم رد على تلك الدعايات التي تصور التهميش المرتبط بالأكراد وغيرهم, ودور النظام 
البائد في ذلك؛ فقال: (لقد أشرت إلى هذه النقطة كثيراً وهي أن الأخوة في كردستان مثلًا غير 
مطلعين على الأوضاع في المناطق اللأخرى ويظنون أن كردستان وحدها التي تعاني من الحرمان 
ونقص الخدماتء والشي ء نفسه بالنسبة لأهالي بختياري حيث يظنون بأنهم من أكثر المناطق 
معاناة وتخلفاًء وهكذا أهالي بلوجستان يفكرون بالطريقة نفسهاء لأن هؤلاء جميعاً مطلعون على 
الأوضاع في مناطقهم فحسب. فمن يذهب إلى كردستان سيرى بأم عينه عدم توفر أي نوع من 
الخدمات» فلا مستشفيات ولا طرق معبدة ولا مدارس» وبلوجستان كذلك تعاني من نفس 


.5١7 ص:‎ ٠١ المرجع السابق» ج‎ )١( 
.5١5 :ص.٠١ (؟) المرجع السابق» ج‎ 


١045 


المشاكل» وإن السبب في كل ذلك يكمن في الدعايات الإعلامية التي يوارسها البعض والتي 
تدفع أهالي كل منطقة للظن بأنهم وحدهم الذين يعانون وأن أهالي المناطق الأخرى ينعمون 
برفاهية ورخاءء وبعد عودتنا إلى إيران ولقاءنا مندوبين عن الكثير من مناطق البلاد» أخبرتهم 
بإنهم على حق لأنهم يرون شيئاً وبسمعون شيئاً آخر. فلقد مارس نظام الشاه سياسة اعلامية 
موجهة تهبدف إلى اعتبار ايران بلد الحضارة الكبرى وبوابة التحضر وهذا ما صدقه الكثيرون 
واعتبروا أن مناطقهم وحدها التي تعاني بينا تتمتع المناطق الأخرى بخدمات وافرة» وبا أن 
البلد بلد الحضارة الكبرىء فبقية المناطق حتّاً تمتلك هذه الحضارة التي يتكلم عنها النظام ماعدا 
منطقتنا نحن . ولكن لو أمعثًا النظر جيداً لوجدنا أن الحرمان والتخلف كان م: منتشراً في كل بقعة 
من البلاد) 200 

ثم ضرب لهم مثالا على ذلك بالوضع المعيثشي لسكان العاصمة طهران؛ فقال: (اذهبوا 
إليها وقارنوا بين الأوضاع التي يعيش فيها سكان المناطق النائية في طهران والأوضاع في 
كردستان وبلوجستان» ستجدون أن هؤلاء الذين يعيشون في طهران أسوأ حالًا وأشد فاقة» 
وقد عرض التلفاز مؤخراً مشاهد للحفر والكهوف التي يقطنها هؤلاء! وصوراً من حياتهم 
اليومية المدقعة في الفقر وا حرمان» ولا بد من القول إن الظروف التي يعيشها هؤلاء هي اسواً 
حالًا من كردستان وبلوجستان. لقد تم التخطيط والبريجة لكل هذا التخلف والحرمان 
والوقوف أمام تنمية البلاد وتطورها ونهب ثرواتنا وممتلكاتنا ليعيش الشعب في بؤس وفقر 
وحرمان)(7) 

ثم بين أن الوضع في جميع المناطق الإيرانية واحدء وأنه وليد لسياسات الشاه الذي وهب 
كل ممتلكات البلاد لأمريكا والغرب؛ فقال: (لا تظنوا أن المناطق التي تعيشون فيها هي وحدها 


.5١5 :ص.٠١ المرجع السابق» ج‎ )١( 
.5١5 :ص.٠١ (؟) المرجع السابق» ج‎ 


١1/ 


المحرومة» بل جميع المناطق على درجة واحدة من الفقر وا حرمان وجميعكم محقون بأن مناطقكم 
محرومة. لقد كان البعض يخبرني عن ا حالة المأساوية التي يعيشها سكان المناطق النائية في طهر ان 
منذ أن كنت في النجف ولمست ذلك أيضاً من خلال المشاهد التي بثها التلفاز.. إن كل هذا 
البؤس والحرمان الذي ترونه جاء نتيجة لمخططات مدروسة وأهداف خبيثة) )١(‏ 

ثم بين الهدف الأكبر الذي يسعى له هؤلاء المحرضونء وهو ليس المطالبة بحقوق 
الأعراق والمذاهب والأديان» وإنما هو القضاء على الحكم الإسلامي الذي ارتضته إيران نظاما 
لهاء يقول في ذلك: (واليوم أيضاً هدفون إلى عرقلة تقدم الثورة ومنع تحقيق الأهداف 
الإسلامية. فتارة يصوّرون للناس أن هذا الإسلام الذي ترونه هو أسوأ من النظام السابق 
بكثير! وتارة أخرى يزعمون أن هؤلاء المعممين هم أكثر دكتاتورية من الآخرين! وأن دكتاتور 
العمامة أسوأ من الدكتاتور الفلاني! أي دكتاتور! أنا أيضاً أعتم العمامة فأي واحد منا تقصدون؟ 
وعن أي دكتاتورية تتحدثون؟ الجميع يرى اليوم حجم هذا الإعلام الموجه والتشويه الخطير 
لعقول الناسء لأن هؤلاء قد فقدوا كل شي ء ولم يبق أمامهم إلا دس سمومهم هنا وهناك 
لتشويه صورة الجمهورية الإسلامية والنيل من رجالاتها) 7 

بناء على هذاء سنحاول في هذا المبحث النظر في مدى موضوعية هذه الشبهة» وبيان 
المدى الذي وصلت إليه قيمة الأخوة في نظام ولاية الفقيه» مقارنة بنظام الشاه» وغيره من 
الأنظمة؛ وذلك من خلال الموقف من الإثنيات العرقية والدينية والمذهبية الموجودة في إيران» 
بالإضافة إلى الموقف من الأخوة الخارجية مع سائر الدول الإسلامية وغيرها. 

أولا ‏ ولاية الفقيه والتعامل مع الاختلاف العرقي: 

بناء على ما تقتضيه المصادر الشرعية التي يعتمد عليها نظام [ولاية الفقيه] يذكر الدستور 


.5١5:ص‎ ٠١ المرجع السابق» ج‎ )١( 
.5١5:ص‎ ٠١ (؟) المرجع السابق» ج‎ 


١54 


الإيراني» وكل المفكرين والفقهاء المؤمنين مهذا النظام أنه لا محل للاختلاف العرقي في التعامل 
مع الاثنيات الموجودة في إيران» بل إن الصراع بينهم وبين القوميين الذين كان يمثلهم الحكم 
البائد كان شديدا بسبب الفرق بين كلا الرؤيتين: الرؤية الدينية» والرؤية القومية. 

ولذلك بمجرد أن انتصرت الثورة الإسلامية أزيلت كل الشعارات القومية» وحل بدا 
شعار الإسلام, باعتباره دين الأغلبية» وباعتباره كذلك يحمي جميع الاثنيات» ولا يفرق بينها. 

بل إن الخميني يدعو في خطاباته وبياناته وفتاواه الكثيرة إلى تعميم هذا التعامل مع جميع 
المسلمين» ويعتبر التفريق بينهم على أساس أعراقهم ولغاتهم نوعا من الجاهلية التي أجج نيرانها 
أعداء الأمة ليفرقوا بينها. 

ومن ذلك قوله في خطاب ألقاه على جمع من المسلمين الباكستانيين قاموا بزيارته بعد 
انتصار الثورة الإسلامية [في 78 ذي الحجة ١51٠١‏ ه]: (منذ سنوات طويلة ونحن نسعى للم 
شمل المسلمين وتوحيد كلمتهم» لآن جميع المصائب والمشاكل التي يعانون منهاء سببها التفرقة 
التي يعيشونها والتي أوجدتها أيدي القوى الأجنبية الطامعة بإستغلال بلاد المسلمين ونهبب 
ثرواتهم الغنية» والساعية لإخضاعهم لسيطرتها. فقد سعى هؤلاء جاهدين لبث التفرقة بين 
المسلمين وما هذا الكلام الذي تبجح به هذا الخبيث إلا تنفيذاً لما يريدون. أن يضع العرب في 
كفة» وجميع المسلمين الآخرين في كفّة أخرى. فقط العرب مسلمونء أمّا الباكستانيون» 
الإيرانيون فليسوا بمسلمين» فقط العربي هو المسلم الحقيقي! وعلى هؤ لاء جميعاً- حسب بعض 
العبارات التي ذكرها في كلامه- أن يقبلوا بسيادة العربي عليهم, إن هذا ما يعارض الإسلام» 
إن هذا ما يعارض تعاليم القرآن» القرآن يجعل الميزان في الكرامة التقوى.. إن هذا ما كانت 
تصبو إليه القوى الكبرىء أن تفرق بين القوميات» أن تفصل العربي عن غير العربي» فتضع 
العربي في جانبء والفارسي في جانب آخر. حتى أخهم يريدون أن يزرعوا الفرقة بين العرب 


أنفسهم عبر التفريق بين طوائفهم. وكذلك الأمر بالنسبة للفرس وغيرهم من القوميات. 


١14 


ومحمّد رضا كان موظفاً لتنفيذ هذه المهمة في إيران» وكل من يعزف على هذه الأوتار؛ وتر 
القومية والطائفية هو موظفٌ لتنفيذ مآرب الأجانب الشريرة» والتي #هدف إلى بث التفرقة بين 
المسلمين) 217 

واعتبر في خطابه أن كل الهزائم التي لحقت بالمسلمين سببها ذلك التمبيز العنصري الذي 
أفلح الأعداء في استثاره وتأجيج الصراع بسببه بين المسلمين» يقول: (إن المسألة المهمة التي 
جعلت البلاد الاسلامية مغلوبة على أمرها وأبعدتها عن ظلال القرآن الكريم هي مسألة التمييز 
العرقي: فهذا من أصل تركيء ويجب أن يُصل صلاته بالتركية» وهذا من أصل ايراني ويجب 
أن تكون حروفه اللحجائية كذاء و ذلك من أصل عربيء ويجب أن تحكم العروبة وليس الاسلام» 
ويجب أن يحكم الأصل الآري وليس الاسلام متناسين ما يرتكز عليه المسلمون جميعاً! ويؤسف 
على أنهم جرّدوا المسلمين من هذا المرتكز» ولا أدري الى أين سيؤول الأمر؟! لعبة القومية هذه 
هي التي جاء الاسلام وشطب عليها بخط أحمرء ولم يفرق بين الأسود والأبيض. وبين الترك 
والعجمء وبين العرب وغير العرب الا بالتقوى والخوف من الله والتقوى بمعناها الحقيقي: 
التقوى السياسية والمادية والمعنوية .. ليس هناك ترك و فرسء» وعرب وعجم. فالمرتكز هو 
الإسلام)0) 

ويبين أن من أهداف الثورة الإسلامية القضاء على التفرقة العرقية التي كان نظام الشاه 
يعتبرها هدفا من أهدافه» يقول: (وأما قضية التفرقة العرقية» فإنها رجعية؛ إن السادة يعتبروننا 
رجعيين في حين أنهم يريدون أن يعودوا القهقرى إلى الفين وحمس مئة عام» فهل نحن 
وجعوة؟1 لاذاحِن أن تمت لباه الاستلامية عن هذه الآمرو؟1 اذا عن أن توابحه البادد 


الاسلامية بعضها بعضاً؟ أولئك أقاموا تحالفاً ثلاثياً مقابل هؤلاء» فليشكل هؤلاء تحالفاً آخر 


2020 صحيفة الإمام: ج ١‏ » ص5 74 .. 


زفق المرجع السابق» ج ١‏ وص 7550. 5 


مقابل أولئك. ل يتقاتلٌ المسلمون؟ وما الذي دفع المسلمين ليتحاربوا؟ أليست هي أيدي 
الاستعمار؟ فارفعوا يد الاستعمار عن البلاد الاسلامية» ثم شاهدوا أي صداقة تحصلء فإِنْ 
يحكمْ الدين الإسلامي تُحفظ جميع الثغور ولا تعتد حكومة على أخرىء لأنَّ الجميع 
مسلمون)7) 

وللأسف. فإن هذه الطروحات الممتلئة بالصدقء والتي تمثل العقل والحكمة ى! تمثل 
الإسلام المحمدي الأصيل وجدت من يرفضهاء ويشوه شخصية قائليهاء في نفس الوقت الذي 
يلمع فيه أولئك القوميون الذين قامت الثورة الإسلامية لمواجهتهم. 

وقد تولى القيام بهذا الدور القذر طرفان: أما أحدهما؛ فمشبع بالفكر الغربي» وبالرؤية 
الغربية» ولكنه مع ذلك متناقض مع نفسه؛ فهو يدعو القوميات الإيرانية لأن تنتفض على 
نظامهاء وتؤسس كيانات هشة ضعيفة» يدب الصراع بينها كل حين, في نفس الوقت الذي يرى 
فيه دول العالم المتقدم تمتلئ بالإثنيات» وترى كالما في ذلك التنوع» وترى أن المواطنة هي 
الأصلء لا العرق» ولا الطائفة. 

أما الثاني؛ فأولئك الإسلاميون الذين قرأوا النصوص المقدسة» وقرأوا معها المواقتف 
الشرعية المتشددة من كل دعوة للعنصرية والعرقية» لكنهم يتجاهلونها جميعاء ويطلبون من 
الأعراق المختلفة في إيران أن تنتفضء بل يطلبون منها أن تشكل ميليشيات لتقاوم النظامء 
وتحصل على استقلاهها. 

ومن الأمثلة على ذلك ما كتبه بعضهم تحت عنوان [تركيبة الشعوب في إيران ما قبل 
التاريخ المعاصر](" , والذي تحدث فيه عن التعدد في الأعراق الإيرانية» وتوزعها على مناطقه 


المختلفة من أزمنة قديمة» وعلاقة ذلك بدول الجوار» وعلاقته بالاقتصاد» حيث أن بعض 


)020( المرجع السابق» ج ١‏ . ص59" . . 


(1) تركيبة الشعوب في إيران ما قبل التاريخ المعاصر» د.كريم عبديان بنى سعيد موقع الأحواز. 


للا 


المناطق غنية جداء وأخرى فقيرة جداء بحيث لو حدث الانفصال» سيحدث انقلاب عجيب 
للأعراق المختلفة» بل يحصل الصراع بينها وبين دول الجوار. 

ولكن مع ذلك كله ظل مثل غيره مصرا على الدعوة للانفصال والمقاومة» لأن الغرض 
ليس تحقيق مصالح تلك الأعراق» وإنما الغرض انيار النظام الإيراني» ولو على حساب تلك 
التعوسه 

وسنحلل هنا بعض ما قاله من معلومات, لنرى أن مجرد التأمل فيها وحدها كفيل بالرد 
عليه وعلى طروحات جميع القوميين ودعاة الانفصالء وذلك في النقاط التالية: 

١‏ قدم التركيبة السكانية للأعراق الموجودة في إيران: 

كما هو معلوم؛ فإن تاريخ التركيبة السكانية للأعراق الموجودة في إيران يسبق الولايات 
المتحدة الأمريكية» وهذا يعني أن الثورة الإسلامية لم تقم بأي تغيير ديمغرافي كالذي قامت به 
أمريكا عندما أبادت السكان الأصليين» وأحلت أعراقا أخرى بدلهم, وإنم| تعاملت مع الوضع 
بحسب ما وجد عليه في فترات تاريخية قديمة ليست مسؤولة عنها. 

يقول في ذلك: (يعود شكل الدولة الايرانية المعاصرة إلى أوائل القرن السادس عشر 
الميلادي» وتحديدا الى العام 2١5٠ ١‏ وذلك مع تأسيس الدولة الصفوية على يد الشاه إسماعيل 
الصفويء وفي الحقيقة لم تكن الدولة في تلك الفترة قائمة على قومية بعينهاء إن| كانت تتكون 
من أقاليم مختلفة ومجموعات عرقية غير متجانسة ومستقلة عن بعضها البتعض وتعيش دون أي 
ارتباط عضوي.. بالإضافة الى الشعوب المختلفة التي كانت تعيش في هذه الواحة قبل الاسلام 
كانت هناك ديانات مختلفة مثل المانوية والمزدكية والميترائية و الزرادشتية حيث بقت تعيش في 
هذه المنطقة حتى بعدالفتح الاسلامي وهزيمة الساسانين على يد المسلمين العرب في 


مع ركةالقادسية)(1) 


)١(‏ تركيبة الشعوب في إيران ما قبل التاريخ المعاصر» د.كريم عبديان بنى سعيد موقع الأحواز. 


اليا 


؟ ‏ وحدة التركيبة السكانية وارتباطها بمصاحها: 

ذكر الكاتب المعلومات التاريخية ‏ بناء على المراجع التي يعتمدها ‏ والتي تدل على أن 
هذه الأقوام والشعوب بمكوناتها العرقية واللغوية والدينية والثقافية كانت مجموعات غير 
متجانسة . ولم يكن بينها في أي مرحلة أي انسجامء لا من الناحية التاريخية» ولا من الناحية 
السياسية إلى أن جاء دور الصفويين؛ فتوحدت هذه الشعوب تحت مظلة الدولة الصفوية. 

ولست أدري أي عيب في هذا التوحد, بل المصالح فيه؛ فقوة الشعوب في وحدتها لا في 
تفرقهاء وإن ذكر أن الدولة الصفوية كانت دولة ظالمة؛ فقد كان العثانيون لا يقلون عنهم ظل| 
واستبداداء وقد انتشروا في جميع البلاد الإسلامية» ومارسوا استبدادهم فيهاء ومع ذلك نرى 
الإسلاميين خصوصا يثنون كثيرا على العثمانيين في نفس الوقت الذي يشنون فيه حملتهم على 
الصفويين» ويربطونهم بنظام ولاية الفقيه مع الفرق الشديد والواسع بين النظام الذي اعتمده 
الصفويون, والنظام الذي اعتمدته إيران بعد الثورة الإسلامية. 

٠‏ الأوضاع المزرية للتركيبة السكانية قبل الثورة الإسلامية: 

وهي من القضايا المهمة جداء والتي يحاول المغرضون التكتم عليهاء وقد ذكر الكاتب 
بعض تلك الأوضاع التي سبقت الثورة الإسلامية بالنسبة لتلك الشعوبء. وهي أوضاع مزرية 
جداء وممتلئة بالعنصرية. 

وكان الأصل عند ذكر مثل هذا أن يقدم الثناء للثورة الإسلامية لقضائها على تلك 
العنصرية؛ لكن نرى العكس من ذلك؛ حيث يثنى على الشاه العنصري القومي في نفس الوقت 
الذي يسب فيه الخميني الذي يدعو إلى الأخوة بين جميع الأعراق والشعوب. 

يقول الكاتب: (بدأ حكم الشاه رضا بهلوي بتنفيذ مشروع القوميين الفرس المتطرفين 
بتبني مشروع الدولة الأمة» وهو نسخة مشوهة لمشروع الدولة الأمة في أروبا في القرن التاسع 
عشرء حيث أنه خلق كيانا سياسيا جديدا وهوية جديدة لهذا الكيان» بعيدة كل البعد عن 


7 


الوضع الذي كان قائ) قبل إنقلابه» وكان مشروع الدولة الأمة الذي تبناه البهلوي متناقض 
تماما مع المشروع الأروبي الذي شكلت الديمقراطية أساسه. حيث قام نظام الشاه على مجموعة 
من القرارات تضمنت تعديل بعض بنود الدستور الذي كان حصيلة الحركة الدستورية (ثورة 
المشروطة) وتعطيل بعضها الآخرء وانتهى أمده الى إفراغ الدستور من محتواها الأساسي 
وانحصرت مهمته في التصديق على القرارات التي يصدرها النظام تمهيداً لقيام دولة مركزية 
قوية قائمة على الاستبداد) 

وذكر أن النظام الشاهنشاهي وضع نظرية التعصب القومي والثقاني الإيراني الفارسي 
على (فرضية تاريخية خاطئة» مفادها أن الحضارة ني الأراضي الإيرانية هي من إبداعات الآريين 
دون سواهمء بالإضافة إلى تأكيدها على وحدة الدم والعرق. وهذه النظرية تستثني العرب 
والأتراك في إيران لأمهم غير آريين» في حين تعتبر الأكراد والبلوش هم من الشعب الآري) 

ونقل عن أحد اهتمام الشاه بالتنظير للفكر القومي العنصريء ونقل عن أحد منظريه 
[محمود أفشار] حديثه عن ضرورة تبني الفكر القومي الفارسي» مقابل الفكر القومي العربي 
والفكر القومي التركي» حيث كتب قائلاً: (إننا مضطرون لتبني الفكر القومي المتشدد وأن 
يكون لنا إيران موحدة» وإلغاء الوجود القومي للقوميات الإيرانية نهائياً) 

وذكر أن وجود العرب في إقليم عربستان يشكل خطراً على إيران» واقترح على رضا شاه 
وحكومته حلاً يتمثل باستئصال جذور اللغة العربية من إيران وإحداث تغيرات كبرى على 
التقسيمات الإدارية» حتى تتغير حدود عربستان كلياء بالإضافة إلى #بجير العرب إلى نقاط 
خارج عربستان وإسكانهم في مختلف المناطق الويرانية. 

وذكر أن رضا شاه كان يتعاطف مع مثل وجهات النظر هذه؛ لان كان قات إن تحن 
كبير بالأفكار القومية الإيرانية التي طرحت في القرنين التاسع عشر وبدايات القرن العشرين. 

وذكر أن ذلك كله أدى إلى معاداة لغة القوميات» وخصوصا العربية التي أهملت إهمالا 


شديداء بل ظهرت الدعوات إلى كتابتها بالحروب اللاتينية مثل) حصل مع اللغة التركية. 

5 اهتام النظام الإسلام في إيران باللغة العربية: 

أغفل الكاتب للأسف ذكر ذلك الاهتتام الكبير باللغة العربية الذي أبداه جميع قادة 
الثورة الإسلامية» بل نص عليه الدستور نفسه. لدرجة أن القوميين الفارسيين ‏ بعد نجاح 
الثورة الإسلامية ‏ راحوا يتهمونها بكونها ثورة على الفارسية لصالح العربية» وأنها بذلك تريد 
أن تستأصل المقومات الفارسية. 

ومن أمثلة ذلك ما ورد في مقال بعنوان [حضارة إيران التي شاكل وتصبح عربية: 
شوارع طهران تتكلم عرب 2١(]‏ » وهو مقال مهم جدا يقارن فيه كاتبه بين الوضع الذي كانت 
عليه العربية إبان الشاه» والوضع الذي صارت إليه بعد نجاح الثورة الإسلامية» وقد قال في 
مقدمته: (يعلن كثيرون بلا تحفظ أنْ إيران تسعى إلى إحياء امبراطورية فارس ونشر نفوذها على 
مناطق العالم العربي خصوصاء وني هذا الإعلان المجاننٍ سوء فهم تاريخي» بل وجهل شاسع 
بحقيقة الوضع في جمهورية إيران الإسلامية» فإيران الإسلامية ستذوب في العالم العربي ى| 
ذابت عشرات الأمم فيه تحت راية القرآن والإسلام) 

وبين أسباب ذلكء فقال: (في اسمها الذي تُصرٌ عليه دولة إيران» فقدت إيران ( وتعني 
الكلمة أرض الآريين) ثلثي هويتها الفارسية وتحولت إلى مجرد جمهورية إسلامية أخرى؛ فحين 
قامت ثورة الشعب ضد شاه إيران الذي حرص عل بناء مجد بلوي يستلهم المجد الساساني 
القاجاريء أراد الشعب أن يغادر النظام الملكي إلى نظام جمهوري بأيّ ثمن» وما إن ركب 
الإسلاميون ظهر الثورة حتى سقط الشاهء ووجد الشعب والإسلاميون أنفسهم أمام فراغ 
سيامي, لا بد من سده. فولدت جمهورية ارتجالية سريعة» ساها روح الله الخميني بسرعة 
[جمهوري إسلامي] مستعيرا المصطلح العربي لملء الفراغ اللغوي في الفارسية التي لا توجد 


)20 حضارة إيران التي تتآكل وتصبح عربية: شوارع طهران تتكلم عرب , ملهم الملائكة» موقع العرب. /٠‏ ”/ ان 


56 


فيها كلمة تصف النظام الجمهوري إلا الكلمة العربية» فيا لا يجادل أحد أن كلمة [إسلامية] 
عربية» وهكذا بات ثلثا العنوان الرسمي للدولة عربيا (جمهوري إسلامي إيران) 

ثم يذكر ‏ متأسفا ‏ أن الأمر لم يقتصر على اسم الجمهورية الإسلامية الذي تعرب. بل 
وصل إلى كل المحال» يقول: (قس على ذلك فإن اللغة الرسمية التي سارت عليها الجمهورية 
الفتية في مؤسساتها الثورية الوليدة نحت في الغالب إلى الفضاء اللغوي العربي لسد الثغرات في 
اللغة الفارسية التي لم تعرف مؤسسات ودستور دولة جمهورية إسلامية من قبل ولم تصغ لها 
مفردات تناسبهاء اختارت الجمهورية الإسلامية لنفسها دستورا أسماه المشرعون [قانون 
أسامي كشور]ء وهكذا فإن ثلثي الوصف للدستور [قانون أسامي] عرب وما تبقى هي كلمة 
[كشور]) 

ويذكر المدى الذي وصل إليه استعمال اللغة العربية في المحافل الرسمية؛ فقال: (لست 
بصدد أن أؤسس هنا لبحث لغوي متخصص يرصد كل تحولات اللغة الفارسية وذوباهها عبر 
أربعة عقود من عمر الجمهورية الإسلامية في اللغة العربية إلى درجة أن المصطلح الرسمي 
والسياسي الإيراني بات في خطابه الرسمي يتعامل بنحو 15 بالمئة بلغة ومصطلحات عربية» 
فهذا متروك للمراكز الأبحاث المتخصصة بالشأن الإيراني عبر العالم وهي كثيرة ولكنها 
مؤسسات غائبة في العالم العربي الذي ما فتئ ساسته يحذرون من التمدد الفارسي في الخليج 
وغيره!) 

وبناء على هذا راح يذكر متأسفا الكثير من الأمثلة التي حولت الإيرانيين إلى اللغة 
العربية؛ فقال: (أريد أن أعرض بشكل سريع طيفا من التغيرات التي يتعامل بها الإيرانيون كل 
يوم» ومن خلالها فقدوا أغلب هوية اللغة الفارسية الجميلة الثرية بسبب حرص المؤسسة 
الإسلامية القائمة على السلطة على ترويج المصطلح الإسلامي والذي هو بالتأكيد مصطلح 
عرب ينتمي غالبا إلى القرون السادس والسابع والثامن ميلادية حيث ولدت الدولة الإسلامية 


وامتدت وتوسعت) 

ومن الأمثلة على ذلك ما أورده في من نصوص وردت في مدخل الدستور الإيراني بين 
من خلالها (أفول اللغة الفارسية وتآكلها منهزمة أمام المصطلح العربي الذي يغزو مؤسسات 
الدولة في الجمهورية الإسلامية حاملا معه بالطبع آثارا عربية لا يدركها الإيرانيون في حماسهم 
المنقطع النظير لنشر الجمهورية الإسلامية ىا تصورها السيد الخميني ربيب الحوزة الشيعية 
العراقية في النجف) 

ثم أورد هذا النص: ( أصل :١‏ حكومت إيران جمهورى إسلامي است كه ملت إيران» 
بر اساس اعتقاد ديرينهءاش به حكومت حق وعدل قرآن, در بى انقلاب إسلامي ييروزمند)» 
وبين المدى الذي وصل إليه استعمال اللغة العربية في أهم قانون رسمي في البلاد» مع أنه كان 
يمكن أن تستعمل كلمات فارسية بدل العربية. 

ففي ذلك النص السابق نجد كلمات (حكومتء جمهوريء إسلامي. ملت (مله). 
أساسء اعتقاد. حق» عدلء قرآني» انقلاب (وتعني بالفارسية الإسلامية ثورة) في هذا السطر 
ونصف السطر المكون من 7١١‏ كلمة» ظهرت ١١‏ كلمة عربية. 

وهكذا ذكر الأمثلة التي تبين أن الذي وضع الدستور كان في إمكانه أن يجد مفردات في 
الفارسية لكنه تركها واستعمل العربية» فكلمة [أصل ]١‏ العربية (لو شاء المشرّع الفارسي أن 
يستفيد من مفردات لغتهم لاستخدم كلمة [رشته] في هذا المكان» لكنه لم يفعل. 

وقد ذكر الكاتب تململ القوميين الفارسيين من ذلك التوجه العربي الذي تميل إليه إيران 
في عهدها الجديد؛ فقال: (التوجه لأسلمة المجتمع يثير حفيظة الفرس في إيران على وجه 
الخصوصء إذا يرون فيه سياسة تعريب تتبعها حكومة السادة وهم يقولون علنا في كل مكان: 
إذا كان الخميني» والخامنئي وخاتقي من السادة» فهم هاشميو النسب. والهاشميون عرب 


وهكذا يذكر الكاتب متأسفا الحملة الشديدة التي قامت بها الثورة الإسلامية على الثقافة 
الفارسية؛ فيقول: (إذا تأملنا أثر سياسة الأسلمة التي انتهجتها وماتزال الجمهورية الإسلامية 
في إيران سنجد في المحصلة انحسارا حادا للحضارة الفارسية ولغتها وحتى مواريثهاء ففي 
إيران الإسلامية لا يحبذ المسؤولون إحياء عيد نوروز وهو الأساس الذي تحوم حوله حضارة 
فارس ومن يحيط مها (طاجيكستان. أذربيجان» كردستان بأقسامها الأربعة» أفغانستان» أجزاء 
من باكستان وغيرها). ويحاولون جاهدين تحوليه إلى عيد الربيع (ببار) وإضفاء ملامح إسلامية 
عليه تقصي رمزيته وطقوسه الزرادشتية (النار» والقفز فوق النار. إحياء رسم جهارشنبه 
سوري» وسفرة هفت سين التي أضاف إليها إسلاميو إيران القرآن» الاحتفال لمدة ١‏ يوما 
بموجب الطقوس الزرادشتية) 

وذكر كيف غيرت الثورة الإسلامية كل العادات والتقاليد القديمة لتصبها بالصبغة 
العربية الإسلامية؛ فيقول: (يسعى الإسلاميون في إيران إلى نشر الاحتفال بمواليد الأئمة 
والمعصومين (من آل الرسول) لتحل محل أيام نوروز الثلاثة عشرء وعيد الشتاء» ىا يسعون 
جاهدين إلى تغيير التقويم الفارسيء إلى تقويمهم الجديد الذي يسمونه (هجري شمسي). 
محاولين محو كل الكلمات الفارسية التي تثبّت هذا التقويم. 

ومع كل هذا نرى المغرضين» وخصوصا الإسلاميين منهم» يتهمون نظام ولاية الفقيه 
بالعصبية الفارسية مع كونه يتلقى العداء من القوميين من الفرس بسبب ذلك الانصهار 
الشديد مع اللغة العربية والإسلام» وكأنهم يريدون من إيران التي كانت في كل تاريخها تتكلم 
الفارسية» وتتعلم مهاء أن تتحول فجأة إلى دولة عربية» وتجعل اللغة العربية لغتها الرسمية. 

4 اهتمام الدستور الإيراني باللغات المحلية واللغة العربية: 

أغفل الكاتب ‏ مثل غيره ‏ ذكر ما ورد في الدستور الإيراني في تعامله مع اللغات 
المختلفة» واحترامه لما؛ ففي المادة الخامسة عشرة: (اللغة والكتابة الرسمية والمشتركة» هي 


الفارسية لشعب إيران» فيجب أن تكون الوثائق والمراسلات والنصوص الرسمية والكتب 
الدراسية مهذه اللغة والكتابة. ولكن يجوز استعمال اللغات المحلية والقومية الأخرى في مجال 
الصحافة ووسائل الإعلام العامة» وتدريس آدابها في المدارس إلى جانب اللغة الفارسية) 

وهذا ما يفسر حديث الخميني والخامنئي في خطبهم|ا ودروسه| بالفارسية مع إتقانها 
الشديد للعربية؛ وهو ليس تعصبا ضد العربية ى) يفهم المغرضون. وإن| هو مراعاة لقانون 
البلاد» الذي يراعي اللغة السائدة فيها. 

وفي المادة السادسة عشرة: (ب أن لغة القرآن والعلوم والمعارف الإسلامية هي العربية» 
وأن الأدب الفارسي ممتزج معها بشكل كاملء لذا يجب تدريس هذه اللغة بعد المرحلة الابتدائية 
حتى نهاية المرحلة الثانوية في جميع الصفوف والاختصاصات الدراسية)» وبذلك يجعل 
الدستور الإيراني اللغة العربية لغة ثانية وضرورية» وفي فترة كافية لإتقانها خصوصا مع 
اختلاطها الشديد بالفارسية. 

وهكذا نرى في سائر المواد اهتماما شديدا بكل ما يصبغ الدولة بالصبغة الإسلامية» وهي 
صبغة تجمع بين جميع القوميات الموجودة في إيران» وتوحد بينهاء وني ذلك ما يرد على أولئك 
الخصوم الذين يريدون تمزيقها لتعيش الفوضى والصراع الداخلي والخارجي مع جميع الدول 
المحيطة. 

١‏ موانع الانقسام لدى التركيبة السكانية: 

وقد ذكرها بتفصيلء نراه كافيا للرد على هذه الشبهة» والرد على كل المغر ضين» وسنذكر 
هنا باختصار ما ذكره عن بعض تلك الأعراق: 

الأتراك الأذربايجانيين: ويذكر أخهم أكبر قومية في إيران» وأخهم يسيطرون على [البازار]» 
أي اقتصاد السوق» وأنهم نافذون في الجيش والحرس الثوري ومؤسسات الدولة» وهذه 


الامتيازات ترد على تلك الطروحات التي تصور إيران بالامبراطورية الفارسية» والعنصرية 


المرتبطة مهاء وكيف يكون ذلكء وهو يقر ب لهذه القومية من امتيازات؟ 

لكنه يغفل عما ذكره؛ ويبين نقاط ضعف هذه القومية» والمتمثل حسب رأيه في (فقدانهم 
تنظيوات قومية قوية» وتشتت صفوفهم» وعدم وجود قيادة سياسية منسجمة لديهم, كما أنهم 
قياسا بالشعوب الإيرانية الأخرى يعيشون نوعا من الرفاه المعيشي والاقتصادي النسبي. وبا 
ان الكثير منهم يسيطر على اقتصاد السوق» فإن خوفهم من فقدان هذه الامتيازات تدفعهم إلى 
عدم التفكير او طرح مطلب الانفصال او الاستقلال أو حتى تقسيم السلطة والثروة) 

وكأنه يريد من هؤلاء مع كل هذه الامتيازات أن يتمردواء وينفصلوا ليشكلوا دولتهم 
الخاصة» وهو يحرضهم على ذلكء ويبين أن (النظام يحاول استمالتهم بشتى الطرق منها على 
سبيل المثال السماح هم بتشكيل تكتل في مجلس الشورى (البرلمان) من قبل حوالي ٠٠١‏ نائبا 
من المناطق التركية في ايران) 

وفوق كل هذا يذكر أن من الموانع التي تحول بينهم وبين الانفصال (خلافاتهم التاريخية 
مع الأكراد حول الحدود الادارية لاقليمي آذربيجان وكردستان» حيث يتنازع الطرفان حول 
بعض المناطق المختلطة بالكسان الاتراك والكراد أو بعض المدن والقرى ذات الاغلبية الكردية 
في حدود محافظات اقليم آذربيجان أو مناطق يقطنها الأتراك في مناطق تتبع اداريا لكردستان 
وتصاعد هذه الخلافات من شأنها أن تؤدي إلى حرب أهليه وبالتاليى إضعاف الجحبهة المعادية 
للنظام) 

وبالتالي يمكننا أن نستبعد هذه القومية الكبيرة من كونها #بدد إيران بالتمزق 
والانفصال. ونستبعدها كذلك من القوميات المضطهدة حسبم| يصور الإعلام المغرض. 

الأكراد : وهم كما يذكر مع كومهم أصحاب تاريخ نضالي طويلء (بالإضافة إلى وجود 
انسجام تنظيمي وقيادة قوية نسبيا إلا أن الغالبية العظمى من الشعب الكردي ملتفة حول هذه 


الأحزاب التي لا يتجاوز عددها أصابع اليد» بالإضافة إلى أن قرمهم العرقي واللغوي مع 


لم 


الفرس جعلهم يميلون إليهم» (حيث أن معظم مثقفي الشعبين يعتبرون أنفسهم من الآريين» 
ومشعوة اشوا ل مواخية عيوب للغرم خيىالارية اانه لقره والاتزاك. ون 
هذه الناحية كان الفرس دائ| يحاولون كسب الأكراد وبناء تحالفاتهم معهم على أساس خطاب 
تفوق العرق الآري على باقي شعوب المنطقة) 

وبذلك أيضا يمكن استبعاد هذه التركيبة» التي لو فسح لما المجال» وانفصلت؛ 
فستحدث فتن كبرى في كل الدول المحيطة» والتي تحوي جميعا على العرق الكردي. 

عرب الأهواز: وهم بالإضافة إلى كو:هم شيعة» وهو ما يجعلهم قريبين جدا من النظام 
الإيراني» ومؤمنون بطروحاته. مثلهم مثل أكثر شيعة العالم» يوجد على أرضهم أكبر آبار النفط» 
والذي أصبح حائلا بينهم وبين المطالبة بالانفصالء لا منهم فقطء ولكن من الغرب نفسه؛ 
ذلك أن (الشركات النفطية الكبرى ولاعتبارات اقتصادية والحفاظ على إيران كسوق 
استهلاكية فضلت التعامل مع حكومات مركزية قوية بعينها بدلا من التعامل مع عدد من 
الدويلات» ولهذا السبب حافظت الدول الغربية وبشكل حازم على وحدة إيران و عدم 
تجزتتهاء وقد حصل ذلك كله لاعتبارات اقتصادية بحتة. من جهة أخرى. فإن احتمال عدم 
الاستقرار والفوضى الأمنية بسبب الموقع الجيواستراتيجي للبلد ومن اجل الحافظ على مصالح 
الاقتصاد تعارض هذه الدول أي دعوة لتفكيك ايران) 

اللور والبختيارية: والذين يرى الكاتب أن نقاط ضعفهم تكمن في (شراء ذمم الكثير 
منهم من قبل النظام الذي منحهم امتيازات مادية وسياسية باعتبارهم ينتمون إلى العراق 
الآري» ويستخدمهم في مخطط التغيير الديمغرافي في منطقة الاهواز حيث يقوم الجنرال محسن 
رضائيء أمين مجلس تشخيص مصلحة النظام والقائد السابق الثوري الإيراني والذي ينتمي 
للبختياريين» بتهجير عدد كبير من اللور والبختياريين من مناطقهم وأسكنهم في وسط الإحياء 
والمدن العربية) 


51١ 


وهكذا يمكن أن نستبعد هذه التركيبة أيضاء باعتبارها نالت كل ما تحتاجه من امتيازات 
بإقرار الكاتب نفسه» وفوق ذلك ساهمت في تلاحم الشعب الإيراني واختلاط بعضه ببعض. 

البلوش: وهو يذكر أن من أهم نقاط ضعفهم تفرقهم مثل الأكراد في دول مختلفة 
كباكستان وأفغانستان» وانفصالهم يؤدي إلى صراع مرير مع تلك الدولء بالإضافة إلى كون 
العديد منهم موظفين كباراء ورجال أعمال ومسؤولين في عدد من دول الخليج» وبذلك تنتفى 
حاجتهم وفقرهم واضطهادهم ى| يزعم. 

بالإضافة إلى انتشار الحركات السلفية والمتشددة بينهم» وهو كا يذكر ‏ (ما أعطى 
النظام الايراني الحجج لشن حرب |إعلامية واسعة وقوية ضد نضال الشعب البلوشي) 

التركىان: ومن نقاط ضعفهم وعدم قدرتهم على الاستقلال ‏ كى| يذكر ‏ قلة عددهم 
بالنسبة للقوميات الأخرى. بالإضافة إلى أن (أرضيهم الزراعية الخصبة تمنحهم القدرة على 
الاكتفاء الذاتي)» بالإضافة إلى كومهم (محاصرين بعدة محافظات فارسية بالإضافة الى فقدائهم 
للتجربة التنظيم السياسي السياسية) 

وبهذا التفصيل الذي آثرنا أن نذكره لنثبت من خلاله أن مصلحة جميع الأعراق التي 
تتكون منها إيران في توحدهاء بالإضافة إلى كونها جميعا تحكم بنظام واحد, وقوانين واحدة» 
وليس هناك أي قوانين تميز جنسا عن جنسء أو منطقة عن منطقة. 

وإن ظهر في أي منطقة من المناطق بعض مظاهر الحاجة والفقر؛ فذلك لا يعود للنظام 
بالدرجة الأولى» بل قد يعود لأهل المنطقة» وجدهم واجتهادهم وعملهم, كما نرى ذلك في كل 
مدن العالم التي تتفاوت بحسب نشاط أهلهاء لا بحسب تقصير الدولة. 

وقد ذكرنا سابقا ما أجاب به الخميني على من يتهمون النظام الإسلامي بالتقصير في 
حق الأكراد» وقوله: (لقد أشرت إلى هذه النقطة كثيراً وهي أن الأخوة في كردستان مثلًا غير 
مطلعين على الأوضاع في المناطق اللأخرى ويظنون أن كردستان وحدها التي تعاني من الحرمان 


571 


ونقص الخدمات, والشي ء نفسه بالنسبة لأهالي بختياري حيث يظنون بأنهم من أكثر المناطق 
معاناة وتخلفاًء وهكذا أهالي بلوجستان يفكرون بالطريقة نفسهاء لأن هؤلاء جميعاً مطلعون على 
الأوضاع في مناطقهم فحسب. فمن يذهب إلى كردستان سيرى بأم عينه عدم توفر أي نوع من 
الخدمات. فلا مستشفيات ولا طرق معبدة ولا مدارس» وبلوجستان كذلك تعاني من نفس 
المشاكل» وإن السبب في كل ذلك يكمن في الدعايات الإعلامية التي يوارسها البعض والتي 
تدفع أهالي كل منطقة للظن بأنهم وحدهم الذين يعانون وأن أهالي المناطق الأخرى ينعمون 
برفاهية ورخاء) (1) 

ثانيا- ولاية الفقيه والتعامل مع الاختلاف الديني: 

من الاختبارات التي اختبرت بها الثورة الإسلامية من أول أيام انتصارها إلى الآن 
الموقف من الأقليات الدينية» ذلك أن إيران تحوي كثيرا من الأقليات الدينية مثلم| تحوي الكثير 
من الأقليات القومية والعرقية؛ فمن الأقليات الموجودة فيها المسيحيون ‏ من الأشوريين» 
والكلدانيين» والأرمن ‏ بالإضافة لليهود والزرادشتيين» والصابئة. 

وقد أشار الخميني إلى هذا الموقف عندما كان في منفاه في باريس أمام جمع من الطلبة 
الجامعيين والإيرانيين المقيمين في الخارج؛ فقال: (إننا كثيراً ما نُسأل كيف ستتعاملون مع 
الأقليات الدينية إذا ما أقيم الحكم الإسلامي؟ وإن سر تكرار هذا السؤال هو كثرة ما لقن 
هؤلاء بأنه إذا ما اقيم الحكم الإسلامي فسيقتلون اليهود والنصارى والزرادشتيين دون تمييز 
وبشكل جماعي)7) 

ثم راح يفند هذه الشبهة بقوله: (متى وقعت مثل هذه المجازر في ظل الإسلام وني بلد 
إسلامي لم تكن الاقليات الدينية في حالة حرب ضده؟! بل ومتى قتل في ظله احد منها؟! فمن 


دلق صحيفة الإمام» ج ٠ءص:9١1.‏ 


زفق صحيفة الإمام» اج ص ا 


١ 


هذه الاقلية الدينية كانت تلك المرأة اليهودية الذمية التي سلبوها خلخاطاء ولما سمع امير 
المؤمنين (الامام علي) بالخبر» قال: (لو أن امرؤا مسلماً مات من بعد هذا أسفاًء ما كان به ملوماً). 
لانه وقع في ظل حماية الإسلام» فهل هذا الإسلام ومثل هذا الحكم الإسلامي» يسيء إلى 
الاقليات الدينية؟!)10) 

ثم بين مصدر هذه الإشاعات؛ فقال: (هذه كلها دعايات يروج لها الشاه وانصاره عبر 
أبواقهم من أجل تشويه صورة الإسلام وحكومته وعلمائه في أذهان الناسء أو على الاقل في 
أذهان الاجانب خارج إيران من غير المسلمين واللادينيين» والإيحاء لهم بأن علماء الإسلام 
يريدون إقامة حكومة رجعية» رجعية إسلامية!) (1) 

وبين سبب إشاعة مثل هذه الشائعات؛ فقال: (إنهم يروجون لهذه الأقوال وهذه 
الشعارات في الخارج» كي يزرعوا الخوف من الحكم الإسلامي في نفوس بعض شبابنا فيقعوا 
- لا سمح الله - في هذا الخطأء ويخشون إقامة الحكم الإسلامي لأنه بزعمهم سيقفل الابواب 
على النساء كي لا يخرجن من البيت أبدأء في حين أن نساء صدر الإسلام كن حاضرات في 
ميادين القتال وني الحروب الإسلامية للقيام بمهام التمريض وغيره؛ وكن يتعرضن للقتل. من 
قال يجب الحجر على النساء؟ انبن حرّات كالرجال. ومن قال: ان الحكم الإسلامي يسبيء 
معامله الاقليات الدينية؟)29) 

ثم بين محال مخاوفهم الحقيقية» والتي يذكرون تلك الإشاعات للتستر عليها؛ فقال: 
(أجلء إن أحد مخاوفهم الحقيقة هو من إغلاق محال لعب القمار والبغاء والملاهي الفاسدة» 
فالإسلام لا يسمح ببقائها لأنها هي التي جرت شبابنا إلى هذه الحالة البائسة» وإذا كان أدعياء 


)020( المرجع السابق» اج ص ا 
زفق المرجع السابق» ج؟ ص ا 
هرف المرجع السابق» ج؟ ص و" 


31 





الثقافة والتحديث يؤيدون بقاء مراكز المفاسد هذه؛ فإن الحكم الإسلامي وحفاظاً على كرامة 
الشعبء يعارضها ويغلق أبواءهاء ويعمل على تصحيح توجهات دور السينا اذ أنها تقوم بإفساد 
شبابنا وجرّهم إلى الفحشاء) 2١7‏ 

ولحذا كان في لقاءاته مع ممثلي الأقليات الدينية يطمئنهم إلى أنه لا فرق بينهم في كل 
حقوقهم مع جميع المسلمين» ويدعوهم إلى المساهمة في خدمة بلدهم مثل إخوانهم من المسلمين» 
ومن ذلك ما قاله في لقاء له مع تمثلٍ [جمعية الزرادشت الإيرانيين] في بدايات انتصار الثورة 
الإسلامية» حيث قال: (أطمئن السادة من جميع الأقليات الدينية بآن الاسلام تعامل دوما مع 
الأقليات الدينية تعاملا إنسانيا وعادلاء وكانوا جميعا مرفهينن إنهم كسائر الأقليات جزء من 
شعبناء ونحن وإياهم نعيش معا في هذه البلاد وسوف يتحقق الرفاه لنا جميعا ان شاء الله)0) 

وذكر الدعايات الإعلامية التي تحرض هذه الأقليات» وتحاول أن تشوه صورة 
الإسلام» وصورة الحكم الإسلامي؛ فقال: (الدعايات الإعلامية كثيرة» وهي ترتبط بأمور 
مختلفة» وقد رددناها في أحاديثناء لكنهم يواصلون إثارتها في الصحف الحكومية المنتشرة داخل 
إيران أو المنتشرة هناء أو في أماكن أخرىء ومن هذه الدعايات التي يروجونها في إعلامهم هي 
المتعلقة بالأقليات الدينية إذ يقولون: إن الحكومة الإسلامية- إذا أقيمت- ستفعل كذا وكذا 
باليهود والنصارى والزرادشتء وسترتكب المذابح الجاعية لهم وأمثال ذلك» وهذا ادعاء 
خاطئ جداًء فإذا أقيم الحكم الإسلامي- إن شاء الله- واستقرت حكومة عادلة- بمشيئة الله- 
سندعو حتى اليهود الويرانيين المخدوعين الذين خرجوا من إيران» وذهبوا إلى اسرائيل بدافع 
من أوهام خدعوهم بها فوقعوا بأيدي اليهود والإسرائيليين القادمين من أميركا وغيرها فأنزلوا 


بهم الأذى وهم الآن في ضيق وعسر شديد» سندعوهم للعودة إلى وطنهم إيران» وستعاملهم 


دلق المرجع السابق» ج؟ ص 0 


0( المرجع السابق» ج5. ص: ١66‏ . 


316 


الحكومة الإسلامية بأفصل صورة. لأن الإسلام لا يريد العسر لأحد من بني الإنسان» 
وأحكامه تحترم جميع الفئآت» وبالطبع ثمة حالات استثنائية فيه ترتبط بمثيري الفتن والمخربين 
الذين لا يوجد من يقر التسامح في التعامل معهمء أما أمثال اليهود وسائر أهل الكتاب من 
النصارى والمجوس فهم من أهل الذمة الذين يعيشون في ظل الدولة الإسلامية برفاهية 
واحترام» فا يقال من إقامة الحكم الإسلامي تعني تعريضهم للأخطار دعايات إعلامية 
تحريفية» والهحدف حفظ الملك وضرب هذه النهضة)1(7) 

وبناء على هذا الموقف المستمد من الشريعة الإسلامية نص دستور الجمهورية الإسلامية 
الإيرانية في مواد كثيرة على كافة الحقوق التي تتعلق ببذه الأقليات» ومنها ما ورد في المادة الثالثة 
والعشرونء والتي تنص عل أنه (يمنع محاسبة الناس على عقائدهم, ولا يجوز التعرض لأحد 
أو مؤاخذته لمجرد اعتناقه عقيدة معينة) 

وتنص المادة الرابعة والعشرون على أن (الصحافة والمطبوعات حرة في بيان المواضيع ما 
م تخل بالقواعد الإسلامية والحقوق العامة) 

وتنص المادة السادسة والعشرون على أن (الأحزابء والجمعيات. والهيئات السياسيّة, 
والاتحادات المهنية» والهيئات الإسلامية» والأقليات الدينية المعترف بهاء تتمتع بالحرية بشرط 
ألا تناقض أسس الاستقلال» والحرية» والوحدة الوطنية» والقيم الإسلامية» وأساس 
الجمهورية الإسلامية» ك) أنه لا يمكن منع أي شخص من الاشتراك فيهاء أو إجباره على 
الاشتراك في أحدها) 

وتنص المادة المادة الرابعة والستون على الحقوق السياسية لهذه الأقليات الدينية» وهي 
تتناسب مع أعدادهم» حيث ذكرت أن (عدد نواب مجلس الشورى الإسلامي هو مئتان 


وسبعون نائباً وابتداءً من تاريخ الاستفتاء العام سنة ١774‏ هجرية شمسية ١989(‏ ميلادية) 


2020 المرجع السابق» ج5. ص: 16 


7” 


وبعد كل عشر سنوات مع ملاحظة العوامل الإنسانية والسياسيّة والجغرافية وأمثالها يمكن 
إضافة عشرين نائباً كحد أعلى» ويتخب الزرادشت واليهوة كل عل خدة نائباً واحداء 
فكت اللسيحيوة الآشوزيؤن والكلداتيون عا تائبا والحدا«ويستكب المميجيون الأزمة فى 
الجنوب والشهال كل على حدة نائباً واحداً) 

انطلاقا من هذا سنذكر هنا باختصار الديانات الثلاث الكبرى التي تتكون منها 
الأقليات الدينية في إيران» وبيان واقعها الحقيقي الذي يحاول الإعلام المغرض تشويهبه. وهي 
المسيحية» واليهودية» والزرادشتية. 

وقبل ذلك ننقل هذا النص من مقال يبين الواقع الحقيقي لتلك الأقليات» وهو من 
مصدر موثوق ومعايش., لا كأولئك الذين مهرفون ب! لا يعرفون, ولا ينقلون إلا ما تمليه عليهم 
أهواؤهم» وهو بعنوان [ما لا تعرفونه عن الحريات الدينية في إيران؟!](1)؛ فقد جاء فيه: (تمييع 
وتضييع الوجه الحقيقي لإيران» بات الشغل الشاغل للماكينات الإعلامية الغربية والعربية» 
ففي غياهب التسلح النووي والأقليات وغيرها من مفردات وجوقات إعلامية ما أنزل الله بها 
من سلطان. يِخيّل للبعض أن إيران بها فيها وكل ما فيها ليست سوى صورة طبق الأصلء لكن 
خيال الإعلام وفبركاته يجافيا الواقع» واقع أثبتت فيه إيران على مدى الأربعين عاما منذ انتصار 
الثورة الاسلامية أن صورتها النقية ساطعة» وشمس حضارتها لا تحجبها غيوم حملات عابرة 
غايتها تشويه الصورة واخختزاهاء يدف إخفاء التنوع الثقافي والحضاري في هذا البلد. والذي 
تجلى ويتجلى بالقيم والمثل العليا التي تنتهجها القيادة الإيرانية الحكيمة» سواء من خلال 
التعايش الاسلامي المسيحي النموذجي في زمن التكفير والاقصاءء أو حرية ممارسة الأقليات 
لشعائرها الدينية» أو من خلال عاصمتها طهران التي كانت وما تزال ملتقى الحوارات بين 
الأديان والمذاهبء أو لجهة دعم المستضعفين في العالم ضد الجور والظلم والمستمد من مبادئ 


.5١1١5/07/٠١ مالا تعرفونه عن الحريات الدينية في ايران؟! » علي عوباني. موقع العهد.‎ )١( 


”11/ 


الثورة التي حاربت ظلم الشاه ومن خلفه قوى الاستعمار والاستكبار» والمتجسد اليوم 
بمساندة إيران للمقاومة في لبنان وفلسطين ضد العدوان والاحتلال الصهيونيء او مساندة 
دول المنطقة ضد الإرهاب التكفيري) 27 

ثم ذكر موقف النظام الإيراني بمؤسساته المختلفة من ا حريات الدينية» والآديان؛ فقال: 
(احترام المذاهب والديانات الأخرى ومعتقدات الأقليات في إيران من المقدسات والمسلمات 
الوطنية» التي لا غبار عليهاء واندماج اتباع هذه الديانات في المجتمع الإيراني كامل لناحية 
تمارسة كافة حرياتهم وحقوقهم المدنية والسياسية بلا تمييز أو انتقاص يجعلهم موضع غبن أو 
تخوّف على وجودهم كا هو الحال في دول أخرى. وضمان هذه الحريات والحقوق, والحفاظ 
على خصوصيات الأقليات» ليس بالامر المستحدث في إيران» ولا هو منّة من أحد. ولا هم 
أهل ذمة في هذا البلد» بل هو مكرّس دستوريا وبشكل عصري وصريح. في طيات نصوص 
الدستور الإيراني ما بعد الثورة» ولا يزال مطبقا حتى اليوم» با يحويه من مواد خصصت 
للحديث عن الحريات. تتماثل الى حد بعيد مع دساتير الدول الغربية وشرع حقوق الانسان 
الدولية) 9) 

ثم ساق بعض النصوص في الدستور الإيراني» والمتضمنة لحرية المعتقد» وعلق عليها 
بقوله: (ميزة هذه الحريات الدينية المنصوص عنها في الدستور الإيراني انها تضمن التنوع 
والحفاظ على مكونات المجتمع الإيراني» الذي بينت آخر احصائية سكانية رسمية إيرانية 
صادرة عن مركز الاحصاءات الإيراني عام 250١١‏ أنه يتكون على الأساس الديني كالتالي: 
المسلمون:55875978لاء المسيحيون:5١17/٠ا١١».‏ الزرادشتيون:١/ا5507,»‏ اليهود:”ه/ا/, 


بقية الاديان مثل الصائبة١ 54٠١‏ » وهذا التنوع في التركيبة الديموغرافية يعتبر مصدر غنى 


دلق المرجع السابق. 
زفق المرجع السابق. 


5718 


لإيران» على أكثر من صعيدء لا سيما في ظل اندماج الأقليات الدينية الكامل في المجتمع الإيراني 
ومؤسسات الدولة» ما دفع كثيرين تمن زارو إيران للذهول حيال هذا التعايش والتكامل في 
النسيج الاجتماعي داخل إيران» وللتنويه مبذه الميزة الإيرانية المتمثلة بالحفاظ على التركيبة 
الدينية المتنوعة للمجتمعء باعتبارها نقطة قوة لصالح النظام الاسلامي في إيران» لا نظير لها في 
دول عربية وخليجية مجاورة) )١(‏ 

١‏ الأقلية المسيحية في إيران ومظاهر التعامل المتسامح معها: 

تتشكل التركيبة المسيحية في إيران» من عدة طوائف. ولكل منها حريته الكاملة في أداء 
طقوسه وشعائره. بالإضافة إلى حقوقه المادية والمعنوية» وحتى السياسية. 

ومنها [طائفة الأرمن] الذين يتوزعون جغرافيا على ثلاث مناطق هي أصفهان 
وأذربيجان وطهران» ومن مظاهر التسامح معهم» واعتبارهم مثل سائر المواطنين الإيرانيين كى| 
يذكر صاحب المقال السابق أن (لديهم حزبا سياسي (الطاشناق)» ويمثلهم عضوان في مجلس 
الشورى الإسلامي الإيراني» وهم يعملون بشكل أسامي في الصناعة والتجارة» من بينهم تجار 
أغنياء. ويهارس الأرمن طقوسهم وتقاليدهم الدينية بحرية» ومرجعيتهم هي المطرانية في 
إيران» ولدمهم عشرات الكنائس» معظمها مسجل في فهرس الآثار الإيراني الوطني» ولهم 
مدارسهم (50 مدرسة ليس للمسلمين الحق بدخوطاء أما الطلبة الأرمن فلا مانع من 
تسجيلهم في مدارس المسلمين)» التي يدرس فيها تاريخ أرمينيا ولغتهاء ولهم عطلاتهم 
الرسمية» ويمنحون أيام الآحاد إذنا خاصا لثلاث ساعات لحضور القداسء كا لهم نواديهم 
الرياضية» وجمعياتهم ومراكزهم الثقافية ١9(‏ جمعية)(") 


ومنها [طائفة الأشوريين]» والتي تنواجد في طهران وأرومية غرب إيران» وهي ‏ كما 


دلق المرجع السابق. 
زفق المرجع السابق. 


51 


يذكر صاحب المقال السابق ‏ (مركز الثقل للديانة المسيحية» ولديهم عدد من الكنائس (حوالي 
4 كنيسة في مدينة أروميا فقط» و” في طهران»» ويمارسون نشاطهم السياسي في البلاد» وهم 
تمثل خاص بهم في مجلس الشورى الإسلامي» فضلا عن مراكز ثقافية واجتاعية )5١(‏ 
وجمعيات )١7(‏ واتحادات مثل اتحاد الطلبة الجامعيين الآشوريين واتحاد الشبيبة الآشورية» 
ومدارس أهمها مدرسة مريم للبنات» ومدرسة بهنام للبنين) 227 

ومنها [طائفة الكلدان]» وتتواجد في أورميا وسلماس وطهران.ء و(لديهم 8 كهنة. اثنان 
من أصل إيراني و” أتوا من العراق» و” من فرنسا وواحد ينتمي إلى كنيسة سيرو مالنكار في 
المند)(50) 

ومنها [طائفة الكاثوليك]؛ و(لديهم عدد من الكنائس تتوزع بحسب تنوعهم ( ثمان 
كنائس للارمن الكاثوليك. ثان كنائس للاشوريين الكلدانيين» 4 كنائس للكاثوليك اللاتين)» 
كا لديهم جمعيات خاصة:» وهم يديرون عددا من المدارس من بينها ثلاث مدارس تعلم فيها 
التعاليم الكاثوليكية)(© 

ومنها [طائفة الإنجيليين ]» و(لها سبع كنائس إنجيلية في مقاطعة رزايه وحواء في شمال 
غربي إيران)0؟) 

ومنها [طائفة الأرثوذكس]ء و(يوجد في إيران كنيستان ارثوذكسيتان» الكنيسة 
الارثوذكسية الروسية» والارثوذكسية اليونانية» والكنيستان يعود تاريخههما الى بداية هجرة 


الزومن والبؤناقية آل إيراة ولا قال الكتمنان قانمون مارسان خاطاعن] الديية تع 


)١(‏ المرجع السابق. 
(0) المرجع السابق. 
() المرجع السابق. 
(5) المرجع السابق. 


را 


اليوم)(21 

والمسيحيون ‏ كى| تذكر المصادر الموثوقة ‏ يعيشون مثل غيرهم من المسلمين» وبنفس 
الحقوق. ولهم فوق ذلك بين الإيرانين (مكانتهم الخاصة وحضورهم يتجلى في شتى الميادين 
السياسية والاجتاعية والاقتصادية» والقيادة الإيرانية سعت جاهدة على مدى سنوات طوال 
للحفاظ على هذا التواجد وصيانته» وإلى إشراكهم في السلطة والقرار» وهم قدموا بالمقابل 
للوطن الكثير وقدموا شهداء في الحرب المفروضة على إيران» في أنموذج راق يحتذى لقتال 
المسلم والمسيحي جنبًا الى جنب دفاعا عن العرض والوطنء ولم تكن زيارة الامام الخامنئي 
الاخيرة (والتي سبقها زيارات مماثلة) في عيد الميلاد الذي مضى لعائلة شهيد مسيحي سوى 
أنموذج جلي لمدى الاحترام الذي تكنه القيادة الإيرانية للمسيحيين ليس في إيران فحسب بل 
في العالم كله» ولعل ذلك ما جعل الرئيس الإيراني حسن روحاني يضع زيارة الفاتيكان ولقاء 
البابااعلى رأس اولويات زيارته الاوروبية مؤخرًا) (0) 

ومن يتابع القنوات الفضائية المعتدلة وغير المغرضة يسمع ويرى الكثير من المشاهد 
الدالة على ذلك التسامح» يقول صاحب المقال السابق: (مظاهر الحرية الدينية» تبرز على لسان 
زائري طهران» ومنهم رجال دين مسلمون ومسيحيون وإعلاميون» فيتحدثون عن نموذج 
التكامل والتآلف الديني في إيران» وكيف أنهم شاهدوا بأم العين في عيد الميلاد إيرانيين مسلمين 
يشاركون إخوتهم المسيحيين الاحتفال في مناسباتهم الدينية» ويتصورون قرب شجرة الميلاد» 
كا يتحدثون بوقار عن عشرات الكنائس في هذا البلد( 5 7 كنيسة جنوب إيران وحدها منها 
كنيسة فانك في منطقة جلفا بمدينة أصفهان والتي تعتبر من أجمل الكنائس في إيران)» وكذلك 


عن تمثيل المسيحيين في البرلمان الإيراني بعدد من النواب» ومشاركة أبناء هذه الأقليات الدينية 


دلق المرجع السابق. 
0( المرجع السابق. 


571١ 


في ادارات الدولة ووظائفها بفعالية تامة) )١(‏ 

ولم تكتف القوانين الإيرانية بإتاحة حرية الاعتقاد والتعبد وبناء الكنائس فقط؛ بل 
أتاحت فوق ذلك (للمسيحيين الإيرانيين أن يكون لهم أحوال شخصية خاصة بهم من هنا 
فإن القرار الفعلي في أمور الزواج والطلاق والإرث هو بيد الكنيسة المسيحية باختلاف 
طوائفهاء كما أنهم يملكون محاكم دينية تبتم بأمورهم) (") 

ولتأكيد هذه المعلومات أنقل هنا تصريحات وشهادات لبعض الشخصيات الرسمية عن 
واقع المسيحيين في إيران» والحريات المتاح لهم. 

وأبدؤها بالسفير الإيراني في لبنان [غضنفر ركن أبادي]» والذي صرح لجريدة النهار 
اللبنانية عن مدى التسامح الذي يلقاه المسيحيون في إيران» والرؤية العقدية والفقهية التي 
ينطلق منها؛ فقال: (لقد تبلورت الثورة الاسلامية الإيرانية على أسس إنسانية وأخلاقية» 
وإسلامية النظام تقتضي أن تقف الجمهورية الاسلامية الإيرانية إلى جانب الإنسان با هو 
إنسان» وأن تنظر إلى الجميع نظرة واحدة. فاحترام الإنسان» بصرف النظر عن دينه وطائفته 
وقوميته» يشكل أصلا أساسيا في السياسة الخارجية للجمهورية الاسلامية الإيرانية» وهذا 
الاصل لا ينحصر داخل إيران» بل ان الجمهورية الاسلامية الإيرانية تعتمده كأصل عالمي» 
وعليه فان نظرة الجمهورية الاسلامية الإيرانية إلى البشر من أي دين وطائفة» هي نظرة متعادلة» 
وتتايز هذه النظرة عندما يطرح بحث الحق والباطل والظالم والمظلوم والمعتدي والمعتدى عليه 
في مثل هذه ا حال فان الجمهورية تقوم بواجبها طبق الاصول الإنسانية والاخلاقية والاسلامية 


المذكورة» وتعتبر أن من واجبها ان تقف الى جانب الحق والمظلوم والمعتدى عليه» وفي مواجهة 


)020( المرجع السابق. 
00( المرجع السابق. 


حر 


الباطل والظالم والمعتدي) 200 

وبعد ذكره للرؤية العقدية التي تنطلق منها الجمهورية الإسلامية في نظرتها للآخر راح 
يذكر الواقع المسيحي ني إيران» والحريات التي يتمتع مباء فقال: (يوجد في الجمهورية 
الاسلامية الإيرانية حوالى ثلاث مئة الف مواطن مسيحيء تشمل الآشوريين والكلدانيين 
والارمن والكاثوليك والبروتستانت والانجيليين» وأكثرية مسيحيي إيران هم من الأرمن, 
والمسيحيون في الجمهورية الاسلامية الإيرانية» رغم انهم يعتبرون أقلية» لكنهم في الحقيقة 
مكون أساسي في نسيج المجتمع الإيراني» ويتمتعون بالحرية الكاملة والحقوق السياسية 
والاجتاعية. ففي مجال الشؤون الاجتاعية يدير المسيحيون جميع شؤونهم المتعلقة بالزواج 
والطلاق والوصية وتقسيم الارث طبق الاحوال الشخصية المسيحية.. وفي مجال التعليم 
والثقافة توجد في إيران أكثر من 0٠‏ مدرسة خاصة مسيحية» ومن جملة النشاطات التي يوارسها 
المسيحيون في إيران: نشر الصحف والمجلات المتعددة مثل: ارارات» اراكس وغيرهاء اضافة 
الى طباعة الانجيل باللغة الفارسية وغيرها. ى] يوجد اكثر من 0١‏ مركزا ثقافيا مسيحيا في 
طهران وحدها. اضافة الى وجود مجتمعات ثقافية ورياضية باسم ارارات ومراكز عدة لرعاية 
كبار السن والايتام الخاصة بالمسيحيين» ويتمتع مسيحيو إيران بحرية اقامة المراسم الدينية 
والعبادية في شكل كامل. وللمسيحيين في طهران وباقي المدن الإيرانية كنائس. وإحدى اقدم 
كنائس العالم موجودة في محافظة آذربايجان الغربية في إيران» واسمها كنيسة قره» ويعتقد ان هذه 
الكنيسة هي مزار تاديوس أحد تلامذة السيد المسيح وحواريبه» وقد بنيت في القرن السابع 
الميلادي» وسجلت هذه الكنيسة العام ٠١٠‏ في منظمة الاونيسكو كتراث ديني عالمي)7) 


)١(‏ المسيحيون في إيران مكوّن أساسي للمجتمع» غضنفر ركن أبادي (السفير الإيراني في لبنان)» المصدر: النهار» موقع الجمل 
بها حمل.. 
0( المرجع السابق. 


ابض 





وبالإضافة إلى هذا الواقع يرد على ما يروجه الإعلام المغرض من تجاهل الحقوق 
السياسية والاجتماعية؛ فيقول: (في المجال السياسي أيضا للمسيحيين دور فعال» ففي مجلس 
الشورى الاسلامي (البرلمان) للمسيحيين ثلاثة نواب» للآشوريين والكلدانيين نائب» 
وللارمن نائبان» ودستور الجمهورية الاسلامية الإيرانية لحظ موضوع تزايد عدد السكان 
ومنهم المجتمع المسيحي في إيران» لذلك ورد في المادة 15 من الدستور زيادة عدد نواب 
المسيحيين في المجلس أيضاء تقول المادة 55 من الدستور: (للآشوريين والكلدانيين نائب في 
المجلس. ولأرمن الشهال والجنوب سويا نائبان» وعند زيادة تعداد أية أقلية مسيحية يضاف 
لنوابها نائب واحد في المجلس كل عشر سنوات وعن كل ١5١‏ الف نسمة)» ولمسيحبي إيران 
نشاطات واسعة في المجالين الاجتماعي والسياسي» وكان لهم دور اساسي في انتصار الثورة 
الاسلامية الإيرانية أيضاء الى جانب المسلمين في اسقاط نظام الشاه الملكي الاستبدادي. ى]| 
كان للمسيحيين حضور فاعل في ثهاني سنوات من الحرب العراقية المفروضة على إيران» وقدموا 
للثورة الاسلامية الإيرانية أكثر من مئة شهيد خلال هذه الحرب) )١(‏ 

ويقارن بين الحرية السياسية للمسيحيين في إيران مقارنة بالحرية السياسية المعطاة 
للمسلين في الدول الغربية؛ فيقول: (48 في المئة من سكان الجمهورية الاسلامية الإيرانية هم 
من المسلمين» ورغم أن المسيحيين اقل من ١‏ في المئة إلا أن حصتهم في البرلمان أكثر بكثير» في 
حين أن الدول الغربية ورغم وجود "١ - ٠١‏ في المئة من عدد السكان من المسلمين في بعض 
تلك الدولء إلا أنهم لم يمنحوا المسلمين أي نائب في المجلس) (") 

هذه الشهادة أو التصريح الأول» والذي يعبر عن الموقف الرسمي الإيراني» ويصور 
الواقع بدقة» ويؤكده شهادات الكثير من رجال الدين المسيحيين الذين أجمعوا على أن الحقوق 


020( المرجع السابق. 
0( المرجع السابق. 


ري 


التي أعطاها النظام الإيراني للمسيحيين لا يوجد مثلها في أي دولة إسلامية أخرى. 

ومنهم أمين عام الاتحاد العالمي للأشوريين [يوناتن بت كليا]» والذي صرح أثناء 
مراسم أقيمت بمناسبة ذكرى ميلاد السيد المسيح عليه السلام في أروميه بشمال غرب إيران 
بقوله: (إن المسيحيين في إيران لايحتاجون إلى الوصي وشفقة دعاة حقوق الإنسان الكاذبين) 207 

وأشاد بمواقف قادة الثورة الإسلامية تجاه المسبيحيين؛ وقال: (إن لدينا قائدا يتفقد منزل 
شهيد مسيحي .. فأي زعيم في العالم يقوم بمثل هذا الإجراء؟)» ونوه بأن (مفجر الثورة 
الاسلامية الامام الخميني أكد بعد انتصار الثورة الاسلامية بأن الشعب الإيراني» شعب موحد 
وكلامه هذا يدل على اننا نعيش في بلد لا يمكن لأحد أن يفصلنا عنه» ونحن إيرانيون بكل ما 
في الكلمة من معني) 27 

وأشار الى وقوف المسؤولين و مراجع الدين في إيران إلى جانب المسيحيين الإيرانيين 
وتقديم التهانيٍ لهم بمناسبة ذكرى ميلاد السيد المسيح عليه السلام» وقال: (ليت دعاة حقوق 
الإنسان يدركون هذه الحقائق»» | أشار إلى مشاركة المسيحيين في فترة الدفاع المقدسء وقال: 
(إن عددا منهم استشهدوا في تلك الحرب مؤكدا أن المسيحيين شاركوا في الدفاع عن أرضهم) 

ومثله يذكر المطران سيبوه مدى التسامح الذي يعيشه المسيحيون؛ فيقول:(عند التطرق 
إلى موضوع حرية الأقليات الدينية في إيران أو في أي بلد آخر ينبغي أن نميز بين مفهومين لحرية 
الأديان كي لا نقع في الخطأً: الأول: هي حرية العبادة؛ وفي سياق حديثنا عن حرية العبادة نحن 
الأقليات الدينية في إيران لدينا أكثر من حرية في التعبير عن عقائدنا الدينية وممارسة طقوسنا 


المقدسة, ومن هذا المنطلق أقول إن للأقليات حرية تامة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية ولا 


)١(‏ أمين عام الاتحاد العالمي للاشوريين:المسيحيون في إيران لا يحتاجون إلى شفقة دعاة حقوق الإنسانء قناة العالم نقلا عن 
وكالة إرناء الثلاثاء 75 ديسمير /ا١ .7١‏ 


إفرفق المرجع السابق. 


370 





أحد يستطيع أن ينكر ذلكء أما المفهوم الثاني: بخص حرية التبشير بالنسبة للديانات التي تعتبر 
أقلية في هذا البلد والتي يخضع فيها المسيحيون إلى جانب أتباع الديانات السماوية الأخرى, 
للدستور الإيراني وما ينصه القانون المعتمد في البلاد وهو أمر محترم لدينا) 77 

ومثله يشهد زعيم طائفة الأرمن الأرثوذوكس في لبنان [آرام الأول كشيشيان] بعد 
اطلاعه على أحوال الأرمن في إيرانء قائلاً: (إن المسيحيين لا يحظون بالحرية والاحترام في 
منطقة الشرق اللأوسط مثل| يحظون مب في إيران) () 

ومثله يشهد صاحب كتاب (المسيحية في إيران) [سركيس أبو زيد] قائلا:(مع بداية 
الثورة الإسلامية خاف الكثيرون» ودفع البعض ثمن علاقاتهم بالشاه» لكن الآن الوضع 
مستتب» ويوجد ما يقارب المئة وحخمسين ألف مسيحي يعيشون في إيران» ليس هناك من 
اضطهاد ولا إلغاء» للمسيحيين كنائس ومؤسسات وأندية ومدارس وجرائد ومجلات 
وجمعيات خيرية» يعلمون لغاتهم؛ لهم احترامهم المكرس في الدستور. ولديهم ثلاثة نواب» 
اثنان أرمن وواحد آشوريء ينضوون في الجيش» ولديهم قانون أحوال شخصية خاص بهم» 
زواج» طلاق وإرثء ويوجد في إيران أكثر من 0٠‏ مدرسة خاصة مسيحيةءو أكثر من 5٠‏ 
مركزا ثقافيا مسيحيا في طهران وحدهاء ويحق لهم طباعة الإنجيل باللغة الفارسية وغيرها)() 

ومثله [روبيرت بيغلاريان]» وهو نائب إيراني أرمني» والذي سثئل في برنامج حواري 
في قناة الميادين عن مدى اندماج المسيحيين في المجتمع الإيراني» ومع الناس» فقال: (أعتقد أن 
عملية اندماج المسيحيين في المجتمع الإيراني قد مرّت تاريخياً بمراحل متعددة وظروف متفاوتة 
ولكنها كانت إيجابية وجيدة بشكل عام. ونرى أن المجتمع المسيحيء في الوقت الذي استطاع 


..5١١7 المسيحيون في إيران» موقع السكينة» 5 أبريل»‎ )١( 
المرجع السابق.‎ (00 


امرلا 





أن يحافظ فيه على هويته الثقافية واللغوية والآأدبية وكذلك الدينية» نجح في إقامة علاقات 
اجتاعية واقتصادية مؤثرة مع المجتمع. مثلآ» عندما يطرح علّ هذا السؤال أجيب بأننا نرى 
أدواراً للأرمن في كافة المجالات ومنها قيامهم بأدوار مهمة على الساحة السياسية خصوصاً 
منذ الثورة الدستورية وحتى الآن» وهذا يدل على أن الأرمن لم يتجاهلوا مصير وطنهمء بل 
رأوا أن هذا الوطن يشكّل جزاً من هويتهم. فلو كانوا غير مبالين لما وجدناهم في مختلف 
المجالات ومنها السياسية أو أن نشاطهم كان ليقتصر على الحد الأدنى» في حين أننا نجدهم 
حاضرين في الرياضة والفنون وفي العلوم وفي مختلف المجالات الثقافية منها السين) والهندسة 
المعمارية» وهذا يدل على أنهم أوجدوا رابطاً مع المجتمع) )١(‏ 

وعن سؤال حول مدى حرية المسيحيين في إيران لأداء طقوسهم الدينية وشعائرهم 
وأعيادهم» أجاب النائب المسيحي بقوله: (بالنسبة إلى تمارسة الحريات الدينية فإنه» وفي ما 
يتعلق بالشعائر الدينية والتقاليد الدينية والأنشطة المقامة داخل الكنيسة أو بشكل فردي, لا 
يوجد محظورات من أي نوعء بطبيعة الحال» ونظراً للأصول الشرعية والقانونية للجمهورية 
الإسلامية الإيرانية» فإن التبشير بالمسيحيّة ممنوع» ولكن أن يجري التعامل بسلبية مع أي من 
الآثار المسيحية» فلا وجود لشيء من هذا القبيل. وعلى سبيل المثال» لدينا كنائس في (أذربيجان) 
صئفتها الأونسكو ضمن التراث العالمي وذلك بجهد ومساعدة النظام الحالي. وهذا النظام 
يعمل على حفظها وصيانتها | الآثار الأخرى. وبالتالي» نحن نتمتع بحرّية تامة لإقامة الشعائر 
الدينية داخل الكنيسة وخارجهاء أي داخل البيئة المسيحية) 

وعن سؤال حول ما ورد في القوانين الإيرانية من إجبار النساء على ارتداء الحجاب» 


)١(‏ المسيحيون في إيران اندماج أم اضطهاد, قناة الميادين» حصة استضافت فيها زينب الصفارء روبيرت بيغلاريان - نائب 


إيراني (أرمني)» بتاريخ: ٠4‏ حزيران 73١17‏ .. 


71/ 


بخص إقامة الشعائر الدينية أو الاحتفالات داخل الكنيسة أو حتى في الصالات الخاصة بناء 
نعم هناك حساسية تجاه الكحول بشكل عام, لكنه أمر غير مرتبط بالشعائر بحد ذاتهاء أما 
بالنسبة للحجاب الذي ذكرته؛ فإذا اعتبرناه شكلاً من أشكال القيود فإن نظرة المجتمع إليه 
كالتالي: المجتمع يعرّفه ضمن القوانين العامة للبلاد» وليس تضييقاً على الحرّيات الدينية أو منعاً 
لمارسة الشعائر كا أنه يجاري تقاليدنا أيضاً؛ فالمرأة أو الفتاة المسيحيّة عندما تريد دخول الكنيسة 
يجب أن تضع منديلاً على رأسهاء وهذا من ضمن التقاليد التي ورئناهاء ولا يمكن القول إنه 
أمر حديث جرى بعد انتصار الثورة. هذه هي الخصائص العامة) (©) 

وعن سؤال حول الدور الذي يقوم به النائب المسيحي» وهل هو مرتبط بالمسيحيين 
فقطء أم لا أجاب بقوله: (بناء على المادة 47 من الدستور الإيراني» يعتبر النائب المنتخب نائباً 
عن كل الشعب وبالتالي» ورغم أننا نتتخب من قبل المسيحيين وضمن صناديق اقتراع منفصلة 
إلا أننا عندما ندخل الب ركان ونؤدي القسمء نعتبر نواباً عن كل الشعب الإيراني كما أن لدينا 
مراجعات من أناس مسلمين يراجعون مكاتبنا لحل مشكلاتهم» وفي داخل المجلس أيضاءً على 
صعيد التشريع والرقابة والمشاركة في اللجان. فإننا نبحث في مسائل البلد والقضايا العامة ككل 
وليس في القضايا المرتبطة بالشريحة المسبيحية وحسب)() 

وعن سؤال حول ما يتداول في بعض وسائل الإعلام من عمليات اضطهاد واعتقال 
لبعض الأشخاص وزجّهم في السجون وعن العقاب والتعذيب أجاب بقوله: (أنا أرفض مثل 
هذه الإتهامات التي توجه إلى الحكومة أو النظام.. و طبعاً با أنني إنسان مسيحي مؤمن بحريّة 
المعتقد وحقوق الإنسان» أدين أي نوع من أنواع السلوك السيىء مع الناس» هذا رأيي 
الشخصيء لكن أن نقول أن المسيحي في إيران مضيق عليه لمجرد مسيحيته» فهذه تهمة أرفضها 


)020( المرجع السابق. 
0( المرجع السابق. 


7 


سوى ما كررته حول النشاط التبشيري وشددت عليه) (1) 

هذه بعض الشهادات الدالة على مدى التسامح الذي يعيشه المسيحيون بطوائفهم 
المختلفة في إيران» تحت ظل ولاية الفقيه» وهناك الكثير من الوثائق المصورة التي تثبت ذلك. 

وهي كلها تدل على المدى الذي يتعامل به فقهاء المسلمين مع المسيحيين» وكان الأجدر 
بوسائل الإعلام أن تعتبر هذا التسامح هو المقياس الذي يتعامل به الإسلام مع الأديان 
المختلفة» لكنها للأسف راحت تعتبر ما تقوم به الحركات المسلحة كداعش والقاعدة وغيرها 
هي المقياس» وتقوم بتعتيم كبير على التسامح في إيران» لتسيء بذلك إلى الإسلام. 

 "‏ الأقلية اليهودية في إيران ومظاهر التعامل المتسامح معها: 

كا هو معلوم؛ فإن الأقلية اليهودية في إيران تعتبر من أقدم الأقليات في العام؛ فهي 
موجودة فيها ‏ كا تذكر المصادر التاريخية ‏ قبل أكثر من ثلاثة آلاف عام» حيث وصلوا إليها 
بعد استيلاء الملك بخت نصر على القدسء وقيامه بسبي الآلاف من اليهود ونقلهم إلى بلاد ما 
بين النهرين» ومن بابل إلى إيران. 

وخلال فترة إقامة اليهود في بابل» قدمت هذه الجماعات المساعدة للفرس الذين احتلوا 
العراق في ذاك الوقت» ونقلوا لهم المعلومات المهمة عن الجيش والتحصينات, لتسقط المدينة 
عام 074 قبل الميلاد» ومقابل مساعدتهم للفرس سمح لم الملك كورش مؤسس 
الإمبراطورية الفارسية» بالمغادرة إلى أي مكان يريدونه» وجزء كبير منهم فضل البقاء في إيران. 

ولذلك يعتبر اليهود إيران [أرض كورش] الذي حررهمءوهم يعتزون ببذه الحادثة» 
(التي تعبر عن البقاء ونجاة اليهود من الموت في زمن الإمبراطورية الفارسية» وغالبًا ما تسرد 


هذه الحكاية خلال احتفالاتهم تقديسًا لهذا الملك الذي جعل بعض اليهود يرتبطون بإيران أكثر 


)020( المرجع السابق. 


5238 


من ارتباطهم بإسرائيل) 217 

وبا أنه كان لليهود علاقة طيبة بالشاه» بحكم علاقته مع أمريكا والكيان الصهيون» 
وإقامته سفارة لها في طهران» فقد كان ذلك مثار رعب للجالية اليهودية» والتي تصورت أن 
الثورة الإسلامية ستقوم بإبادتها» وعمل الإعلام المغرض عمله في إشاعة ذلك» وإشاعة 
المعاملات السيئة التي ستلقاها جميع الأقليات ني ظل الحكم الإسلامي. 

ولذلك نرى قادة الثورة الإسلامية يستثمرون كل مناسبة للرد على هذه الدعايات 
المغرضة» ومن ذلك قول الخميني في لقاء له مع جمع من أعضاء الطائفة اليهودية في إيران عقب 
انتصار الثورة الإسلامية: (عندما كنا في باريس كانت سوق الدعايات رائجة في مختلف 
المجالات» ومن جملة تلك الدعايات كان يقال إذا انتتصر المسلمون في إيران سوف يوقعون 
المجازر باليهود والنصارى لأن المسلمين يخططون لقتل جميع اليهود. وقد أوضحت مراراً في 
مقابلاتي التي أجريتها الحقيقة التي يؤمن بها الإسلام» وقد أتاني ممثل الطائفة اليهودية وتحدثت 
معه عن منهج الإسلام) (2) 

وبعد حديث طويل عن حقيقة الإسلام» وعلاقته بالإنسان» راح يطمئنهمء بأنه لى يحدث 
أبدا وأن تعرضت الأقليات الدينية في ظل الحكم للإسلام» لأي ممارسات عنفء ثم راح 
ينفصل بين موقف الثورة الإسلامية من اليهود في مقابل موقفها من الصهاينة؛ فيقول: (إننا 
نفصل بين اليهود وبين الصهاينة» فالصهيونية لا علاقة لها باليهودية» لأن تعاليم موسى سلام 
الله عليه تعاليم إلهية» وقد ذكر القرآن الكريم موسى أكثر من بقية الأنبياء» كانت تعاليمه قيمة» 
وذكر القرآن تاريخ موسى وسيرته مع فرعون .. كان راعياً للغنم ولكن كان معه عالامن القوة 

75 انظر مقالا بعنوان: كيف يعيش يبود إيران في ظل حكم الجمهورية الإسلامية؟» نور علوان» موقع نون بوست»‎ )١( 

..75 ١7 أغسطس‎ 


0( صحيفة الإمام» جلاء ص: 14 7. 


رم 





والإرادة وقد نمض لمواجهة طغيان فرعون وقضى عليه» لقد كان الاعتماد على القدرة الإهية 
والاهتمام بمصالح المستضعفين في مواجهة المستكبرين وعلى رأسهم فرعون والنهوض في وجه 
المستكرين» منهج موسى سلام الله عليه وهذا المعنى تالف تماماً للمشروع الصهيونيء إذ 
ارتبط الصهاينة بالمستكبرين» إنهم جواسيسهم وأجراء عندهم» ويعملون ضد المستضعفين» 
خلافاً لتعاليم حضرة موسى عليه السلام الذي اعتمد على هؤلاء الناس العاديين» مثل بقية 
الأنبياء من أبناء السوق والأحياء الشعبية» ونمض مهم ضد فرعون وجبروت فرعون. وكان 
المستضعفون هم الذين تصدوا للمستكبرين وأسقطوهم عن استكبارهم خلافاً لسلوك 
الصهاينة المرتبطون بالمستكبرين» ويعملون ضد المستضعفين)7١)‏ 

وهكذا راح يطنب في المقارنة بين اليهودية الحقيقة» والصهيونية التي استعملت اليهودية 
وسيلة للتغرير والخداع» يقول: (إن هذا التعداد من اليهود الذي خدع وجمع من أقطار العالم في 
فلسطين. لعلهم الآن نادمون» إن من كان يهودياً ولا يريد أن يتبع غير تعاليم موسى السامية» 
لعلهم نادمون الآن لذهابهم إلى فلسطين» وذلك لأن من يذهب إلى هناك ويشاهد سلوك هؤلاء 
وكيف يقتلون الناس بلا مبرر باسم اليهودية» لا يمكن أن يقبل بذلك؛ فهذه المارسات 
تتعارض مع تعاليم موسى عليه السلام» إننا نعلم أن حساب المجتمع اليهودي غير حساب 
الصهاينة» وإننا معارضون لهم ومعارضتنا نابعة من كونهم يعارضون جميع الأديان إنهم ليسوا 
بهوداًء بل هم أناس سياسيون يقومون بأعالهم تحت غطاء اليهودية؛ فاليهود يكرهونهم وجميع 
الدافن: عي أن يكرهوهم) () 

وبعد هذه الأحاديث الدعوية التي أراد الخميني من خلاها أن يعرفهم بعظمة الإسلام» 


وعلاقته بموسى عليه السلام» راح يطمئنهم بأن الدولة الفتية لن تضيع حقوقهم» وسيعيشون 


دلق المرجع السابق» جلا صص: ري 
(؟) المرجع السابق» جلاء ص: .77١‏ 


حرم 


فيها مثل سائر المواطنين الإيرانيين الذين تجمعهم المواطنة؛ يقول: (وآما الطائفة اليهودية» 
وسائر الطوائف الموجودة في إيران؛ فهي من هذا الشعب. فإن الإسلام يتعامل معهم | يتعامل 
مع بقية طوائف هذا الشعبء إن الإسلام لا يجيز الإجحاف بحقهم أبداًء ولا محاربتهم في 
معيشتهم» فهذا مخالف لأصل التربية الإسلامية» مخالف لما يريده الله تبارك وتعالى من الرفاهية 
ميغ لانن :]ل الانسلام يع الكنتكام الاطيةه وك] أن اف قيار وتعال برضن الاستراء 
لجميع طوائف الشعوبء كذلك الإسلام يفرض احترامهم. اطمئنوا لهذاء إنني قد ذكرت هذا 
حينم| كنت في باريس للشخص الذي جاءني ممثلا عنهم» وقلت له بآن الإسلام لا يرضى بإيذاء 
أحد. الإسلام للجميع» وينشد السعادة للجميع» فلا معنى لما يثار من أن المسلمين سيفعلون 
باليهود كذا وكذا. لقد شاهدتم كيف انتصر المسلمون ومع ذلك لم يتعرضوا لليهود» ولم 
يتعرضوا للزردشتيين» لم يتعرضوا لبقية الطوائف. وقد رأيتم ذلك بأعينكم ... هل تعرض 
أحد ليهودي بعد انتصارنا؟ هل تعرض لنصراني؟ هل تعرض لزردشتي؟ لم يكن هناك تعرض 
في البين. وبعد هذا أيضاً عندما تقام وتستقر الحكومة الإسلامية- إن شاء الله- بالشكل الذي 
يريده الله تبارك وتعالى» فسوف ترون أن الإسلام أفضل من جميع المناهج الأخرى فيا يرتبط 
بمراعاة حقوق جميع فئات الشعب» وسوف يعمل بشكل أفضل من الجميع) (0) 

وبعد ختام جلسته معهم راح يرفع يديه بالدعاء كعادته مع المسلمين» ويلقي عليهم تحية 
الإسلام» ومن دعائه المختلط بخطابه لمم: (أسأل الله تبارك وتعالى أن يكون جميع الناس في 
رفاهية» وأن تتحقق لهم السعادة والحداية. هداهم الله جميعاً للصراط المستقيم» من الله على 
الجميع بالسعادة.. واطمئنوا إنه لا يوجد ظلم في الجمهورية الإسلامية. إننا لاتَظلم ولا نُظلمء 
هذا ما علمنا الإسلام: لا تَظلموا ولا تُظلمواء فبمقدار ما نستطيع لا نقع تحت الظلمء ولا 


1 


تَظلم في أي وقت أبدا» وفقكم الله تعالى. احرصوا على مساهمتكم في هذه النهضة» كي يتسنى 
)١(‏ المرجع السابق جلاء ص: 777. 


تحرف 


لما تحقيق أهدافها. إن هذه النهضة نهضة انسانية لذا يجب على جميع الناس تأييدها. من الله تعالى 
عليكم بالسعادة جميعاً.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته) © 

وقد صدّق الواقع الإيراني ما ذكره الخميني» حيث عاش اليهود كل هذه الفترة في 
استقرار مثلهم مثل سائر المواطنين الإيرانيين. 

ومن الشهادات الدالة على ذلك ما ورد في تقرير بعنوان [قصة يبود إيران التي لا 
تصدّق]» في موقع بوديء جاء فيه: (وني الحقيقة» تضاءلت الجحالية اليهودية في إيران منذ الثورة 
الإسلامية الإيرانية» وقد هاجر نحو 7١‏ ألف بودي من إيران إلى إسرائيل في أعقابها. إلا أن 
وضع الجالية اليهودية اليوم في إيران يعتبر جيدا.. حتى أن هناك مثلا دائم للجالية اليهودية في 
مجلس الشورى الإيراني.. ويعيش ٠١‏ مليون نسمة في إيران» ويقدّر عدد الجالية بنحو ٠١‏ ألف 
شخص على الأكثر» رغم ذلك, لديها مقعد في مجلس الشورى باعتبارها أقلية معترفا مها)(2) 

ونقل الموقع بعض شهادات اليهود على ذلك» ومنها شهادة الناشطة الاجتاعية 
الإسرائيلية التي وَلدت وترعرعت في إيران» [أورلي نوي] التي ذكرت أنه (اليوم تتعامل 
السلطات الإيرانية مع الجالية اليهودية من وجهة نظر معادية لإسرائيل جداء ولكن ليست 
معادية للسامية) 

ونقل شهادة ممثل الطائفة اليهودية في مجلس الشورى الإسلامي الإيراني [سيامك مره 
صدق].ء وهو بروفيسور في الطب. وزوجته دكتورة في علم الوراثة» وذلك في مقابلة أجريت 
معهء وما جاء فيها: (لدينا [يبود إيران] كنس ومدارس ومقابر ومتاجر جزارة حلال ومطاعم 
حلال.. ويُسمح لليهود التعلم والتعليم في الأكاديمية الإيرانية أيضا) 

وعندما سّئل عن هويته» وهل هي اليهودية أم الإيرانية» قال: (أنا مودي وإيراني. أصلي 


.777 المرجع السابق» جلاء ص:‎ )١( 


(؟) قصة بهود إيران التي لا تصدّق» يردين ليخترمان» موقع المصدرء ٠0‏ نوفمبر .7١١5‏ 


ارذرف 


بالعبرية» ولكنني أفكر بالفارسية) 

وورد في تقرير صحفي آخر أجري مع الطائفة اليهودية في إيران» وهو بعنوان: [كيف 
يعيش بهود إيران في ظل حكم الجمهورية الإسلامية؟] » جاء فيه: (لأكثر من 0 سنة واليهود 
في إيران يعيشون تحت ظل الأحكام الإسلامية» وتبدو هذه المسألة مشوقة لمعرفة كيف كانت 
أوضاعهم وأحواهم في هذه الفترة وما حقوقهم وما العواقب التي يعيشونها داخل بلدهم الأم 
إيران؟)(20) 

وقد نقل هذا التقرير بعض شهادات رجال الدين من اليهود الإيرانيين» ومنهم [روبرت 
خالدر]ء وهو أحد أعضاء مجلس إدارة المعبد اليهودي, الذي قال: (الثورة الإسلامية عام 
89 كانت خطوة مهمة في حياة هود إيران» لأن هذه الثورة منحتنا حقوقنا الكاملة في ممارسة 
عقائدنا وشعائرناء ى) أنها جعلت الشعب اليهودي في إيران أكثر تديئًا وتمسّكا بعقائدهم بسبب 
الحرية الدينية والثقافية التي منحت لهم)(7) 

ومنها شهادة مسؤولة إدارة مستشفى خيري في جنوب طهران ‏ يعتبر واحدا من أربع 
مستشفيات خيرية لليهود في العالم -[فارنغيس حاسيدم ]» والتي قالت فيها: (عندما يأ مريض 
للمعالجة فإننا نسأله باذا يشعر وما الذي يؤلمه» ولا نسأله ما دينه وما عقيدته» 40 بالماتة من 
مرضانا وطاقمنا الطبي غير بهود) 29 

وذكرت أن هذا هذا المستشفى يعتمد بشكل أساسي على التبرعات التي يقدمها بود 
إيران أو الخارج» لكن في السنوات الأخيرة قام الرئيس أحمدي نجاد بتقديم تمويل مادي لهذا 
المستشفى بمبلغ ”7 ألف دولار أسترالي» (والذي اعتبر رسالة إيجابية جدًا من الحكومة لليهود 

75 انظر مقالا بعنوان: كيف يعيش يبود إيران في ظل حكم الجمهورية الإسلامية؟» نور علوان» موقع نون بوست»‎ )١( 

.7١ 117 أغسطس‎ 


0( المرجع السابق. 


0 


والتي كان لها مكانة وأهمية معنوية عظيمة» هذا بحسب ما قاله المدير العام للمستشفى سياماك 
مورسيديغ) 

ومن الأمثلة على حرية إبداء الرأي لليهود الإيرانيين موقفهم مما ذكره الرئيس الإيراني 
السابق أحمدي نجاد من المحرقة اليهودية واعتباره إياها خرافة» مما أثار غضب الجحالية اليهودية 
في إيران» وقد عبر تمثل اليهود في البرلمان الإيراني [موريس معتمد] في فيلم وثائقي عن مبود 
إيران؛ عن رأيه في ذلك قائلا: (عندما نفى السيد نجاد حقيقة المولوكوست في فترة استلامه 
الحكم» قمت أنا بإصدار تصريح معترضًا على خطابه» ولقد لقي هذا الاعتراض صدى كبيرا 
في دول العام المختلفة» والتي زاد تعاطفها مع الشعب اليهودي الذي شعر بالإهانة بسبب 
وجهة نظر الرئيس) 

وعندما سئل هذا النائب عن شعور المجتمع اليهودي في إيران بالتهديد بسبب هذا 
التصريح المعادي للسامية قال معتمد: (الحسن الحظه لم نشعر بأر 
للحكومة الإيرانية لم تكن معادية للسامية) 

وأشار إلى أن التميز الوحيد الذي يطبق ضدهم هو وجود قانون يذكر أنه في (حال اعتنق 
اليهود الدين الإسلامي؛ فإن أملاكه تورث للحكومة وليس لعائلته اليهودية إلا إذا أسلمت) 

وهذا مبني طبعا على حكم فقهي تبنته الجمهورية الإسلامية» وهو في حقيقته في صالح 
اليهود لأنه يجعلهم يمنعون أتباعهم من اعتناق الإسلام» ونتمنى أن يعيد فقهاء الجمهورية 
الإسلامية النظر في هذا القانون» لأن هناك أقوالا أخرى في المسألة» بالإضافة إلى عدم وجود 
نص صريح في القرآن الكريم يمنع ذلك» ونجد نفس القول في كتب الفقه السني» بل تعتبره 
قولا راجحا. 


تبديد» فالسياسية العامة 


3 الأقلية الزرادشتية في إيران ومظاهر التعامل المتسامح معها: 
تعتبر الديانة الزرادشتية» والتى يطلق عليها أيضا لقب [المجوسية] من الديانات 


موف 


الموجودة في إيران منذ القديم» وهي تنتسب لمؤسسها زرادشت» وتعتبر من أقدم الديانات 
الموحدة في العالم» وقد تأسست قبل 70٠٠‏ سنة تقريبا. 

وهي من الديانات التي وقع فيها الخلاف بين علماء المسلمين؛ فمنهم من يعتبرها من 
الديانات السماوية» وأن الزرادشتيين المجوس من أهل الكتاب» ولذلك يرون جواز الزواج 
منهم» وهو القول الذي انتصر له ابن حزمء وذكر الأدلة عليه» وذكر أنه مذهب الكثير من 
العلماء. 

وقد كان لابن حزم من العلم بالملل والنحل ما يؤهله لمعرفة ذلك» وقد قال في الفصل: 
(أما زرادشت فقد قال كثير من المسلمين بنبوته) 2١7‏ ثم عقب عل ذلك بقوله:(ليست النبوة 
بمدفوعة قبل رسول الله 7 لمن صحت عنه معجزة, قال تعالى: ١‏ يمن أ إلا ايها 
نَذِيرٌ4(فاطر:4 7)» وقال تعالى: 8 وَرُسلًا قَدْ قَصَضَْاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسْلَا 1 تَفْصُضْهُمْ 
عَلَيِْكَ #(النساء:50)13) 

ثم بين أن الذي ينسب إليه المجوس من الأكذوبات باطل مفترى منهم» واستدل على 
ذلك بالتحريفات الواقعة في الديانات المختلفة»» ثم بين قاعدة جليلة في ذلك فقال:(وبالجملة 
فكل كتاب وشريعة كانا مقصورين على رجال من أهلهاء وكانا محظورين على من سواهما 
فالتبديل والتحريف مضمون فيههماء وكتاب المجوس وشريعتهم إن| كان طول مدة دولتهم عند 
المؤبذ» وعند ثلاثة وعشرين هربذاء لكل هربذ سفر قد أفرد به وحده لا يشاركه فيه غيره من 
الهرابذة ولا من غيرهمء ولا يباح بشيء من ذلك لأحد سواهم, ثم دخل فيه الخرم بإحراق 
الإسكندر لكتاء بهم أيام غلبته لدارا ب بن داراء وهم مقرون بلا خلاف منهم أنه ذهب منه مقدار 


0 الفصل في الملل والأهواء والنحل .1١ /١:‏ 


30> ايوم ساق الل 


خرف 





اقلق ذكر ذلك بشي الناسك وغيزه مز عل ]نيب 17 

ونفس ما دفع به ابن حزم عن زرادشت ما نسبه إليه المجوس ذكره غيره من العلماء» قال 
الباقلاني:(وكذلك الجواب عن المطالبة بصحة أعلام زرادشت إما أن نقول إنها في الأصل 
مأخوذة عن آحاد» لأن العلم بصدقهم غير واقع لناء أو نقول إنه نبي صادق ظهرت على يده 
الأعلام» ودعا إلى نبوة نوح وإبراهيم؛ وإنما كذبت المجوس عليه في إضافة ما أضافته إليه من 
القول بالتثنية وقدم النور والظلام وحدوث الشيطان من فكرة وشكة شكها بعض أشخاص 
النور» وهو بمنزلة كذب النصارى على المسيح عليه السلام من دعائه إلى اعتقاد التثليث 
والاتحاد والاختلاط: وأن مريم ولدت مسيحا بلاهوته دون ناسوته وغير ذلك) (5؟) 

وقد ذكر ابن حزم أن هذا القول ليس بدعة للمتأخرين» بل أن من السلف من قال 
بذلك» قال:(وممن قال أن المجوس أهل كتاب علي بن أبي طالب وحذيفة رضي الله عنهماء 
وسعيد بن المسيب وقتادة وأبو ثور وجمهور أصحاب أهل الظاهرء وقد بينا البراهين الموجبة 
لصحة هذا القول في كتابنا المسمى الإيصال في كتاب الجهاد منه وفي كتاب الذبائح منه وفي 
كتاب النكاح منه) 2"7) ثم قال:(ويكفي من ذلك صحة أخذ رسول الله يي الجزية منهم» وقد 
حرم الله عز وجل في نص القرآن في آخر سورة نزلت منه وهي براءة أن تؤخذ الجزية من غير 
كتابي) 

وأحببنا أن نشر إلى هذا للرد على تلك الإهانات الكبيرة التي يوجهها الإعلام المغرض» 
والكثير من الإسلاميين للديانة المجوسية» وينسبون الثورة الإسلامية إليهاء ويرون أنها امتداد 


ا 


00 تمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل:7١7.‏ 


0 الفصل في الملل والأهواء والنحل .1١ /١:‏ 


خرف 





للمجوسية» وكلا الموقفين خاطى. أما الأول؛ فالمجوسية لا تختلف عن الديانات السماوية» 
وهي ديانة توحيدية» والواجب احترامها. 

وهي بالإضافة إلى ذلك لا تتواجد في إيران وحدهاء حسب| يعتقد الكثير» بل هي تتواجد 
في مناطق كثيرة» وقد قدر عدد الزرادشتيين في العالم بين ١15,6٠٠‏ إلى ١40,٠٠١‏ نسمة 
حسب إحصاء عام 25٠١5‏ وهم ينتشرون في المناطق التالية: (1 19.255 زرادشتي في الهند 
حسب إحصاء ٠٠١١‏ يتكونون من قوميتين وهما بارسي وإيراني» و 0.٠0٠١‏ زرادشتي في 
باكستان يتركزون في مدينة كراتشي» وازداد عددهم في السنوات الأخيرة بشكل كبير بعد هجرة 
الكثير من زرادشتي إيران إلى باكستان» و ما بين 18.٠٠٠١‏ إلى 750,6٠٠‏ زرداشتي في قارة 
أمريكا الشمالية» و 7١,5٠١‏ زرادشتي في إيران» حيث يتواجدون بشكل خاص في مدن يزد 
وكردمان إضافة إلى العاصمة طهران كا يوجد لهم نائب في البرلمان الأيراني وهو من أصول 
كردية» و ٠١.٠٠١‏ زرادشتي في مناطق آسيا الوسطى وخخصوصا في منطقة بلخ الواقعة في 
شهال أفغانستان» وفي جمهورية طاجيكستان» والتي كانت موطن الديانة المجوسية سابقاء 
وتوجد جالية كبيرة في أستراليا يقدر عددهم ",60٠6٠‏ وخصوصا في مدينة سيدني» و 
نسمة في شمال سوريا بمنطقة تسمى عفرين في مدينة حلبو أيضا في الشمال الشرقي 
من سوريا في مدين قامشلي و جوارهاء وعدد كبير منهم في مدن شال عراق و خاصة مدينة 
موصل وكلهم من الأكراد) (1) 

وأما الثاني؛ فعجيب جداء وقد رددنا عليه بتفصيل في الجزء الأول من هذه السلسلة» 
وقد أشار إليه الخميني في خطاباته متأسفاء ومن ذلك قوله عن دعاوى صدام حسين التي كان 


يطلقهاء ويزعم فيها أن حربه على إيران هي حرب على المجوس: (ماذا نعمل مع مثل هذا 


00 انظر مقالا بعنوان: الديانة الزرادشتية» اعداد وتقديم : سيد مرتضى محمديء القسم العربيء موقع تبيان. 


0 


الفاسد الذي يريد تدمير العراق وإيران كما يتصور؟ ولا ندري ماذا نعمل مع مثل هذا الرجل 
الذي يقول منذ البداية بأننا نريد مواجهة النظام الزرادشتي أو المجوس رغم أن الشعار الذي 
نرفعه هو شعار (الله اكبر)؟ .. إن كل العمارات الاسلامية الموجودة في العراق أو معظمها هي 
من صنع الإيرانيين» فكيف يحارب هذا الرجل إيران باسم محاربة الزرادشتية أو الفارسية؟ 
وهل يعتبر كون إيران فارسية منقصة؟ ويدعي انه يحارب الإيرانيين لانهم مجوس ثم علم ان 
الصفعة جاءته من الاسلام بشعار [الله اكبر 2١7]‏ 

بل إن من أهداف الثورة الإسلامية التي أعلنتها في كل محل الوقوف ضد تلك 
السياسات التي كان ينتهجها الشاه» ويريد من خلاها إعادة إيران إلى ما قبل الإسلام» وقد 
أشار الخميني إلى هذا في مواضع كثيرة من كتبه وخطبه. ومنها قوله: ( هل يعلم هؤلاء الذين 
يتذرعون بالذرائع المختلفة» ويواصلون صمتهم بل يأمرون أحياناً بالصمت. ما هي التطورات 
التي ستحدث لاحقاً؟ هل قرأوا جريدة (اطلاعات) رقم ١9014‏ التي نشرت ورقة شكر 
قدمها الزرادشتيون إلى الشاه جاء فيها: إن المجتمع الزرادشتي فيالعالم يرى من واجبه تقديم 
الشكر والعرفان للشاه وشعر بالمسؤولية لذلك؛ لأن أحداً لم يعمل من أجل إحياء وحفظ 
التاريخ والثقافة والدين الزرادشتي, ولم يقدم الدعم لهم» كما فعل الشاه» وذلك منذ أن هاجر 
الباريتون الأرض الإيرانية.. أَعَلِمَ هؤلاء أن تغيير التاريخ الإسلامي إلى تاريخ المجوس كان 
إحياء للزرادشتية ومذهبها ومعابد نيرانها على حساب الإسلام؟ ألهم عِلم أنه قال في لقاء خارج 
البلاد: (إنّه ليس للمذهب دور في حكومتي)؟ .. اليوم وبعد ممارسة الوان الكبت وسلب 
الحريات بأشكاله المختلفة وممارسة الضغوط التي لا تطاق» فإن إيران الواعية على اعتاب 


دلق 2 : 
صحيفة الإمام» ج5١‏ ص: يفره 


59 


انفجار عظيم؛ وتمضي قدماً بخطى حثيئة)17) 

بعد هذا التوضيح الذي رأينا ضرورته» نذكر أن إيران تحت ظل ولاية الفقيه» تعاملت 
مع الزرادشتيين بنفس معاملتها مع سائر أهل الكتاب من اليهود والمسيحيين» وسمحت لهم 
بأداء شعائرهم وطقوسهم بكل حرية؛ بل سمحت لهم بأن يمثلهم نائب خاص بهم في مجلس 
القور: 

وقد كان هذا الموقف مثار سخط لدى المغرضين, الذين لم ينظروا إلى هذا باعتباره خلقا 
إسلامياء وهو من حقوق الإنسان التي جاء الإسلام بالدعوة لمراعاتهاء بل رأوا فيه تأكيدا لما 
يطلقون عليه [مجوسية إيران] 

وكمثال على هذاء ما ورد في مقال بعنوان [الزرادشتية في إيران: الأصل الثقافي 
والتوظيف السياسي ]» والذي راح صاحبه يفسر كل تلك المواقف المتسامحة من الإيرانيين مع 
الزرادشتية باعتبارها إحياء لما؛ فمم| جاء فيه قوله: (الظهور العلني لطائفة من أعضاء الكهنوت 
الزرادشتية في حديقة شرق إيران في حفل يسمى [ساد] بداية شهر فبراير الجاري» واستعدادهم 
لتنظيم عيد النوروز والاحتفال بمولد زرادشتء هي مظاهر متظافرة على الوجود العلني 
لأتباع الديانة الزرادشتية» وجود يثير مفارقة متصلة بدواعي تغاضي نظام سياسي ديني منغلق 
مثل النظام الإيراني عن تواصل وجود هذه الديانة القديمة» ويدفع إلى البحث في العوامل 
الكامنة وراء تواصل بقاء هذا المكون الديني في ظل نظام يقصي كل ما يختلف عن صياغته 
لليق و 00 


ثم راح يردد ما يذكره الإعلام المغرضء وما يردده معهم بعض الإسلاميين الذين ملا 


00 المرجع السابق» ج23 ص: 0 


6 الزرادشتية في إيران: الأصل الثقافي والتوظيف السياميء عبدالجليل معالي» موقع العرب» /١1‏ 7011/7. 


53 





الحقد على إيران قلوبهم؛ فجعلهم يحولون الحق باطلاء والحسنة سيئة» يقول: (إيران تحرص 
على إعلاء قوميتها على الآخرين» وتتكئ على تاريخها وتبحث في ثناياه عم| يفيد الأيديولوجية 
الحاكمة» والفتح العربي الإسلامي لإيران حول المجتمع الفارسي إلى مجتمع مسلم وأحال 
الديانة الزرادشتية إلى مجوسية إلا أن المجتمع الفارسي تشبث بفارسيته» بل أضاف لما صنوفا 
شتى من العداء للآخرء وعندما قررإساعيل الصفوي. في القرن السادس عشرء اعتماد المذهب 
الشيعي الإثني عشري مذهبا رسميا لدولته» فقد تنكر للأصل التاريخي للإسلام وانطلق في 
سعي محموم لاستئصال الوجود السني في إيران» وحاول نشر التشيع الرسمي بحد السيف. 
ثم جاءت الثورة الإيرانية عام ١41/4‏ لتكرس التصور الصفوي وتطوره إلى ثورة إسلامية 
بمذاق شيعي سعت إلى تصديره خارج مجالها السياي» وفي كل هذه المحطات كانت الزرادشتية 
حاضرة في المخيال الشعبي الإيراني» بل كانت مستفيدة من هذا التعاقب. فبعد الفتح الإسلامي 
كانت الزرادشتية بالنسبة إلى الفرس (حتى من غير المؤمنين بها تمثل ضربا من الانتماء إلى 
مرحلة ما قبل العربء أي أنها كانت إحالة على الماضي الفارسي التليد بالنسبة إليهم» ذلك أن 
العصبية الإيرانية ولئن استوعبت الإسلام إلا أنها واصلت عنصريتها تجاه العرب. تشبثت 
بالإسلام وحاولت احتكاره وفي ذات الوقت كانت تنظر إلى الزرادشتية باعتبارها منهلا 
حضاريا يحق لها أن تفخر به)(22 

وهكذا راح يردد مثل هذا الهراءء ويبني الكثير من الاستنتاجات التي لا تستند لأي 
معطيات علمية» ولو أنه كلف نفسه. وقرأ ما كتبه قادة الثورة الإسلامية» ومواقفهم لاحترم 
نفسه؛ ولما ردد أمثال هذه الدعاوى. 

وهو يدعو في مقاله ‏ مثل الكثير من الإسلاميين ‏ النظام الإيراني إلى استعصال شأفة كل 
المجوس في إيران» وربما الذهاب إلى مواطنهم في البلاد الأخرى للقضاء عليهم؛ حتى يثبت أنه 


دلق المرجع السابق. 


5:١ 


ليس مجوسياء يقول في ذلك: (النظام القائم بعد الثورة الإيرانية مارس غض نظر واضح عن 
الديانة الزرادشتية» كان النظام الإيراني يحارب أصحاب البدع الدينية ويصدر أحكاما بالإعدام 
بتهمة محاربة الله وتهديد الأمن القومي الفارسيء وني الوقت نفسه كانت الديانة الزرادشتية 
تحظى بممثل في مجلس النواب من منطلق الحريات الدينية» وكان النظام الإيراني هذه 
الازدواجية يضرب عصافير عديدة بحجر واحدء فهو يقدم صورة للعالم على أنه متسامح مع 
الأديان والمذاهبء وهو يغازل المجتمع الإيراني بتصا حه مع ما تمثله الزرادشتية من إرث لدى 
عموم الشعبء وهو يقدم ما يثبت وفاءه للحظة إسماعيل الصفوي وعنصرية المجتمع الفارسي» 
أي أنه لا يلبس تبمة محاربة الله لكل ما يصدر عن الثقافة الفارسية) 217 

ويستنتج نتائج أخرى أكثر غرابة؛ فيقول: (الحضور المتزايد للديانة الزرادشتية القديمة 
في إيران» هو تعبير عن تداخل العوامل التاريخية والقومية والدينية والمذهبية والاجتاعية» 
والثابت أن العقل الإيراني توصل إلى صياغة متصور ثقافي مركب يسعى إلى التوفيق بين الأصل 
الزرادشتي والتشيع الرسميء فاللغة الفارسية والتقويم والأشهر والعادات والاحتفالات 
وحتى مكان دفن الإمام علي الرضا الإمام الثامن المجاور لمدفن زرادشت. كلها مظاهر دالة 
على التشبث الإيراني بالمنطلق الزرادشتيء بل توجد العديد من القراءات التي تعتبر أنه تم 
تطويع العادات الزرادشتية القديمة لخدمة التشيع السياسي الإيراني» ومثلها الاحتفالات 
السنوية بعيد النوروز هي في حقيقتها احتفال زرادشتي, تمارس علنا وبتشجيع رسمي إيراني 
وتمارس خلاها تقاليد القفز فوق النارء لتتاح الفرصة بعد ذلك للزرادشتيين لإحياء مولد 
زرادشت بعد أيام قليلة من رأس السنة الفارسية)() 


هذا مثال عن النظرة العجيبة التي يتعامل بها الإسلاميون وغيرهم مع إيران؛ فهي لا 


دلق المرجع السابق. 
0( المرجع السابق. 


الحدا 


تنجو منهم في حال من الأحوال؛ فلو أنها قمعت الزرادشتية» وأساءت إليها لصوروها بصورة 
المجرم» وراحوا ينقلون لها النصوص التي تدعو إلى التسامح» وإذا ما تسامحت راحوا يتهمون 
بالدعوة للمجوسية. بل للتدين بها.. 

ثالثا ‏ ولاية الفقيه والتعامل مع الاختلاف المذهبي: 

من أهم القضايا التي استثمرها أعداء الجمهورية الإسلامية الإيرانية» وأعداء نظامها 
الإسلامي قضية الاختلاف المذهبي؛ أو ما يسمى [الخلاف السني الشيعي]؛ ولذلك نرى 
الكثير من المغرضينء با فيهم الحركات الإسلامية نفسهاء لا تعتبر النظام الإيراني نظاما 
إسلامياء بل لا تعتبر إيران نفسها مسلمة» لسبب بسيط» وهي أن قادتها ليسوا من المدرسة 
السنية» بل من المدرسة الشيعية. 

ولهذا نجدهم يفضلون الحكم الملكي المتواجد في المنطقة» المعروف بولاءاته للغرب» 
ولأمريكا خصوصاء على النظام الإيراني» ويعتبرونه حك إسلاميا راشداء بل يعتبرون كل نظام 
في الدنيا أفضل من النظام الإيراني» حتى لو كان مستبدا ظاما ولا علاقة له بالإسلام» بل إن 
الحقد وصل بهم إلى اعتبار نظام الشاه أفضل من النظام الذي يسمونه [نظام الملالي] 

وقد ترجموا عن هذا الحقد بكل اللغات» وألبسوه جميع الألبسة» فاستعملوا اللغة 
الأكاديمية التي تحتال لتحول من النظام الإيراني مؤامرة غربية خفية لضرب الإسلام السني» 
ويستعملون اللغة الخطابية والعاطفية ليجعلوا من إيران مجوساء لا علاقة لهم بالإسلام وأنهم 
لم يدخلوا إلى الإسلام» وإن| تظاهروا به» حتى يخربوه من داخله. 

ولن نحتاج إلى ذكر الأدلة على ذلك هناء ذلك أن الكتب (221 والمحاضرات والأشرطة 
الوثائقية وكل ما في الدنيا من وسائل استثمر ليغرس هذه المفاهيم, لتمتلئ القلوب أحقادا على 


)١(‏ انظر على سبيل المثال: ماذا يجري لأهل السنة في إيران. من منشورات مجلس علاء باكستان عام :)١947(‏ وأحوال أهل 
السنة في إيران. لعبد الرزاق البلوشي طبع (عام »)١389‏ أحوال أهل السنة في إيران. لعبد الله محمد الغريب طبع (عام ..)١989‏ 


77 


النظام الإيراني» بل على الشعب الإيراني نفسه. 

ويحتجون لذلك كله بالتضبيق على أهل السنة» ومنعهم حقوقهم؛ ومنعهم من بناء 
المساجد أو الصلاة فيهاء والنهي عن أن يسموا أنفسهم بأسماء الصحابة» ومنعهم من الدخول 
للبرلان في نفس الوقت الذي يسمحون فيه لليهود بالدخول إليه» وغيرها من الأيقونات 
الحاقدة التي صار الجميع يرددها من غير أن يتحقق منها. 

ومن الأمثلة على ذلك ما ورد في كتاب تحريضي تملوء بالمغالطات التي لا يقصد منها إلا 
الشحن العاطفي والتحريض الطائفيء ألقاه بشكل محاضرات الشيخ تمدوح الحربي» وجمعت 
في كتاب باسم [موسوعة الشيعة]» ذكر فيه ما توهمه من مؤامرات على أهل السنة» وحاول أن 
يقارن فيه بين الوضع أيام الشاه» والوضع الجديد» ليفضل فيه أيام الشاه على الوضع الجديد» 
وكأنه يدعو الإيرانيين إلى الانتفاضة على النظام الجديد» وإعادة النظام الشاهنشاهي. 

يقول في كتابه» تحت عنوان [أهل السنة قبل الثورة الإيرانية وبعد الثورة الإيرانية]: (لا 
شك أن أهل السنة في زمن شاه إيران السابق وقبل الثورة الخمينية كانوا يتمتعون بحرية البيان 
في عقيدتهم» ومزاولة جميع النشاطات من بناء المساجد والمدارس وإلقاء المحاضرات وطباعة 
الكتب في خارج البلاد» ولكن في نطاق المذهب بل كان محظوراً وممنوعاً منعاً باتاً التعرض من 
الشيعة لمذهب السنة أوالسنة للشيعة) )١(7‏ 

ويذكر من الأمثلة على ذلك أن (رجلاً من الشيعة وزع كتاب فيه مساس بأم المؤمنين 
الطاهرة عائشة؛ فمسكه بعض الغيورين من أهل السنة وضربوه ضرباً موجعاً » ثم قبضت عليه 
حكومة الشاه» وأدخلته السجن؛ فمن هنا كان لأهل السنة والجماعة حرية تامة في نشر المعتقد 
السني» وتوعية الناسء وبيان التوحيد الصافي ورد الشرك . الذي صار محظوراً الآن في حكومة 


الملاللي والمعممين » بل يعتبر الداعي إلى التوحيد الآن في إيران وهابياً يقبض عليه فوراًء ىا أن 


>52 


أهل السنة كانوا يتمتعون بالأمن والأمان في أموالهم وأعراضهم ودمائهم في عهد شاه إيران 
وقبل الثورة الخمينية» | كان يتمتع أهل السنة أسوة بالشيعة في الحصول عل المواد الغذائية 
وبسهولة ويسر ودون تعب . أما بعد الثورة الخمينية فقد صارت كل هذه الموارد الغذائية بيد 
الحكومة والتي لا تقدمها إلا بعد الانقياد والخضوع أمامها للحصول عل المواد المعيشية 
كلها)<(1) 

ويتطرق في كتابه إلى تفسير كل قانون يقنن في إيران باعتباره قانونا لمحاربة أهل السنة» 
ولا ينسى أن يختلق الأكاذيب الكثيرة من أجل ذلكء مثل المؤامرة التي عبر عنها تحت عنوان 
[تزويج الشيعيات الإيرانيات من أبناء السنة]ء ثم بين كيفية تنفيذ هذه المؤامرة بقوله: (لقد 
اتخذت الحكومة الإيرانية وسائل أخرى للقضاء على أهل السنة والجماعة في إيران» منها تزويج 
السنة بالنساء الشيعيات؛ واللاتي يرسلن من قبل الحكومة بعد إعطائهن دروساً مكثفة 
وإقناعهن بأنبن داعيات إلى التشيع» وعليهن دعوة الأزواج وأهل بيوتهم وذريتهم إلى التشيع» 
وإظهار حسن الأخلاق والمعاملة الحسنة مع الزوج وأن تساير الزوج في طبيعته وشخصيته. 
فأحياناً تعلن الحكومة الإيرانية في أحدى مدن أهل السنة مثلآ» عن وصول امرأة [أي شيعية]؛ 
فمن يرغب بالزواج؛ فليبادر قبل فوات الفرصة» فيبادر أهل السنة إلى الزواج» وذلك بقصد 
الشهوة وقضاء الوطر من البيض الحسانء, وهذا التزاوج كثيراً ما يتأثر به الأزواج وأهلهم؛ 
فيميلون إلى معتقدات الشيعة» وأما الأبناء الذين يولدون من هذه المجندة الشيعية فيتشيعون 
حتماً ولا بد)0) 

ومن تلك المؤامرات [ مخططات لتغيير خارطة أهل السنة في إيران]» وبين كيفية تنفيذهاء 


فذكر أنهم (قاموا بإنشاء مستوطنات في مناطق السنة» وبناء بيوت حكومية في المدن السنية 


دلق المرجع السابق . ص .١١١‏ 
0( المرجع السابق» ص8١١.‏ 


5 


وتوزيعها على الشيعة القاطنين بعيداً عن مدن أهل السنة؛ إضافة إلى جلب الأيد العاملة الشيعية 
إلى مناطق السنة» وذلك لتكثيف العدد السكاني الشيعي؛ فمن زار مثلاً مناطق أهل السنة في 
إيران يلاحظ نشاط الشيعة الرهيب في إقامة المستوطنات وخاصة في كردستان وتركمان 
وبلوشستان, فمثلاً كانت مدينة زاهدان قبل ١5‏ عام لا يسكنها شيعي واحد لا يوجد فيها 
شيعي واحد؛ والآن يبلغ تعداد الشيعة إلى قرابة ..١‏ من تعداد سكان مدينة زهدان» ومع 
تشجيع الحكومة الإيرانية للشيعة في سكنى المناطق السنية» ففي المقابل يمنعون السنة القادمين 
من خارج إيران من الإقامة والاستيطان في أماكن السنة وخاصة المهاجرين الأفغان السنة) 17 

ومن تلك المؤامرات ‏ كما يذكر ‏ أنهم (قاموا بشراء بعض ذمم علماء السوء من أهل 
السنة» وذلك بإعطائهم بعض المناصب وبناء المساكن وإجراء المرتبات الشهرية لهم» ومن 
المحاضرات التي كان يلقيها هذا النوع من العلماء محاضرة لأحدهم كانت بعنوان [واعتصموا 
بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا] بيّن في هذه المحاضرة أن الخلاف بين السنة والشيعة لاف 
سطحيء ثم يقول وإننا نؤمن أن ما يقولونه الشيعة حقء وأن القول بولاية الفقيه قول حق» 
يجب علينا أتباعه» وأن الخلاف الوحيد بيننا وبين إخواننا الشيعة هوفي إرسال اليد وقبضهاء 
وهذا خلاف قد وقع بين أهل السنة أيضاً ىا هورأي عند بعض المالكية) (7) 

أما حال [علماء أهل السنة في إيران]» فيذكرهم بحسرة قائلا: (كم من علماء أفاضل 
ألقت عليهم الحكومة القبض بدعوى أنهم يحملون المعتقد الوهابي» وكم أغلقت مدارس 
بدعوى أن مؤسسيها وهابيون» وبلغ الحد بهم أن هدموا إحدى المدارس بالجرافات ليلا 


بدعوى أن الذي أسسها ممن يحمل العقيدة الوهابية) 9) 


)020( المرجع السابق» ص8١١.‏ 
0( المرجع السابق» ص ١١9‏ . 


إفرفق المرجع السابق» ص9١١.‏ 





وهو يختم كل محاضرة من محاضراته بمثل هذا الدعاء الذي يمتلئ بالعبرات. ما يثير 
عواطف الحاضرين: (اللهم انصر المستضعفين من أهل السنة في إيران» اللهم احفظ نساءهم 
وأبنائهم ودينهم وأعراضهم وأموالهم ومدارسهم ومساجدهم من كيد الحاقدين الخبثاء» اللهم 
احفظ أهل السنة في كل مكان فإنهم غرباءء» اللهم وأنصر المجاهدين في سبيلك في كل مكان» 
اللهم عليك باليهود والشيعة والنصارى والهندوس والعلانيين والشيوعيين والصوفية وكل 
فرق الضلال الذين تحزبوا على الموحدين القائمين بدينك يا عزيز يا قهارء اللهم وفق ولاة 
أمورنا من العلماء والأمراء لينصروا أهل السنة في كل مكانء اللهم ارفع سيف ا حق بيد الأمراء 
ليدفعوا الظلم والشرك عن البلاد والعباد)”١)‏ 

ولا ينسى في نباية كل محاضرة أن يحملق في وجوه الحاضرينء ويقول لهم: (اللهم هل 
بلغت اللهم فأشهد. اللهم هل بلغت اللهم فأشهد, اللهم هل بلغت اللهم فأشهد) 7 

هذه مجرد ن|ذج عن هذه الموسوعة التي جمعت من محاضرات الداعية الكبير الشيخ 
مدوح الحربي» والتي يعتبرها الكثير مصدرا أساسيا لهم في التعرف على كيفية تعامل النظام 
الإيراني مع أهل السنة. 

ونحب أن نذكر أن هذا الداعية الكبير» والذي جمعت محاضراته في هذا الكتاب» 
واعتبرت مصدرا للمعلومات حول المؤامرات التي يقوم بها النظام الإيراني في حق أهل السنة» 
له موسوعة أخرى حول الطرق الصوفية» كفرها فيها جميعاء وبين فيها مواضع انتشارهاء 
وحرض عوام الناس عليها. 

وهو من خلال كتبه ومواقفه يقصر أهل السنة على المدرسة السلفية» أتباع الشيخ محمد 


)١(‏ المحاضرات المسموعة للشيخ ممدوح الحربي في موقع طريق الإسلام» وهي مفرغة أيضا في نص بعنوان [إخواننا أهل السنة 
في إيران]ء موقع فيصل نورء .701١7/77/٠١‏ 
0( المرجع السابق. 


ا 





بن عبد الوهاب» ولذلك عندما يذكر أنه لا توجد مساجد لأهل السنة في إيران» يقصد بذلك 
عدم وجود مساجد للوهابية» لأنه لا يعتبر مساجد المذاهب الأربعة» ولا مساجد الصوفية» بل 
يسميها مساجد شرك» ى] هي عادة السلفية» حيث نراهم في كل مدينة يقيمون مساجد خاصة 
بهم» ويعتبرون ما عداها مساجد مش ركين. 

بناء على هذاء نحاول في هذا المطلب الرد على هذه الشبهة» وبيان المغالطات التي تحملهاء 
والتي يرفضها الواقع» وذلك عبر نوعين من الآدلة: 

الأول: المواقف النظرية لقادة الثورة الإسلامية من العلاقة بين السنة والشيعة» ومن 
الخلاف السني الشيعي. 

الثاني: المواقف العملية من حقوق أهل السنة في إيران» والامتيازات المعطاة لهمء 
والشهادات الدالة على كذب تلك الشبهات المثارة ضدهم. 

وستتناول هذين الموقفين من خلال العنوانين التاليين: 

١‏ الموقف النظري من الاختلاف المذهبي: 

من خلال بحثي المتأي في كتب قادة الثورة الإسلامية» وخطاباتهم» وبياناهم» وفي أدق 
التفاصيل لم أجد ولو كلمة واحدة تدل على الطائفية» ولا على كون الثورة الإسلامية ثورة 
شيعية» بل نجدهم جميعا يتحدثون عن الإسلام, لا عن الطائفة» ولا عن المذهبء ويعتبرون 
اتتصار الثورة في إيران انتصارا للإسلام وليس انتصارا لأي جهة. 

وهم في كل محل ينبهون إلى هذاء ويعتبرون الإسلام فوق الطائفية» وفوق المذاهب, لكن 
المغرضين لا ينظرون إلى هذاء وإنم| ينظرون إلى بعض اقتباسات قادة الثورة الإسلامية من كتب 
الشيعة» ويعتبرون ذلك طائفية ومذهبية وتحيزا. 

ولست أدري كيف يفكر هؤلاء» وهل يريدون منهم» وهم في البيئة الشيعية أن يقتبسوا 


أقوال مالك والشافعي» ويواجهوا جمهورهم الملتف حوهم بط لا يعرفونه» ولا يتمذهبون 


لسر 


بمذهبه؟ 

ثم ما الضرر في أن يذكر قادة الثورة الإسلامية في أحاديثهم واقتباساتهم أقوال الإمام 
علي والحسن والحسين وسائر الأئمة ومواقفهم. وهم محل إجماع من الأمة جميعا؛ فهل يعتبر ذكر 
مالك والشافعي إسلاماء بينم| ذكر الإمام علي والحسن والحسين مجوسية وطائفية وتحيزا؟ 

لا يمكن أن نفسر هذه المواقف إلا بالجهل والأنانية والكبرياء» ذلك أن الصادق ينظر 
إلى القيم» ولا ينظر إلى ما يرتبط بها؛ فسواء أخذنا مبادئ الحكم الإسلامي» ومعانيه من كلمات 
الإمام علي» أو من كلمات غيره المهم أن تكون هذه الكلمات متوافقة مع القرآن الكريم» ومع 
قيم الدين» التي هي محل اتفاق الأمة جميعا. 

ولذلك كان العاقل هو الذي يسأل عن توفر القيم في القوانين وصلتها بالشريعة 
الإسلامية» ولا يسأل من أي كتاب اقتبستء ولافي أي مذهب وردت. وهذا فإن ما نص عليه 
الدستور الإيراني من مراعاة المذهب الجعفري في تطبيق الشريعة» لا يعني إلا مراعاة البيئة التي 
ستطبق فيها الشريعة» مثل) هو حاصل في جميع البلاد الإسلامية التي تستند في أحواها 
الشخصية إلى الشريعة» ثم تربطها بالمذهب السائد في البلد. 

مع العلم أن إيران ‏ كما سنرى ‏ تترك للمناطق السنية فيها الحرية في أن تطبق المذاهب 
المرتبطة مها في فروع الشريعة» أما في القضايا المرتبطة بالحكم والسياسة والاقتصاد؛ فهي محل 
اتفاق الآمة. والخلاف فيها بسيطء لأنها أكثرها من النوازل العصرية. 

بناء على هذا سنذكر هنا بعض مواقف قادة الثورة الإسلامية» ابتداء من الخميني الذي 
كان يتحدث باسم الإسلامء لا باسم الطائفة» بل يحذر كل حين من الإيوان بالطائفة وتقديمها 
على الإسلام. 

ومنها ما صرح به في مقابلة صحفية مع بعض وسائل الإعلام الأجنبية» حين كان منفيا 


في باريس؛ فقد سأله الصحفي الأمريكي قائلا: (كيف ستعاملون الأقليات الدينية في الحكومة 


الإسلامية» وهم المسلمون السنة» الصوفيونء الآشوريونء المسيحون والأرمن واليهود 
والبهائيون؟) 

فأجاب الخميني على البديهة: (أولًا الإخوة أهل السنة ليسوا بأقلية مذهبية قطء ونحن 
قلنا مراراً بأن سلوكنا مع الأقليات الدينية جيد جداًء فالإسلام يحترمهم» ونحن سنعطيهم جميع 
حقوقهم. فلهم الحق أن يكون لهم تمثل في المجلس ولهم الحرية في ممارسة النشاطات السياسية 
والاجتماعية» وعباداتهم. إنهم إيرانيون مثل جميع الإيرانيين يعيشون بأمان في ظل الحكومة 
الإسلامية)(1) 

وهذا يفسر عدم وجود نص في الدستور يتعلق بحقوق أهل السنة» بخلاف النصوص 
الواردة حول الأقليات الدينية» ذلك أن الدستور الإيراني يعتبر أهل السنة مثل الشيعة تماماء 
وهم في حقوقهم ينتخبون على مرشحيهم بحسبب أعداد مدنهم» ولا علاقة لذلك بالمذهب 
والطائفة» وهذا من ذكاء واضع الدستور وحكمته. لأنه لو وضعت مواد تتعلق بهذاء لاعتبرها 
الجميع شاعة لاعتبار إيران دولة طائفية» ويحكمها دستور طائفي» ولهذا نرى النواب من أهل 
السنة يفوزون في مناطقهم, لا باعتبارهم أهل سنة» وإنما باعتبارهم مرشحين زكاهم الشعب. 

وقد أشار الخميني في نداء له قبل الاستفتاء الشعبي العام إلى تلك الحرب الناعمة التي 
تستعمل الاثنيات الموجودة في إيران لاستثارها في انبيار الحكم الإسلامي من بدايته» وقبل 
تجربته» فقال مخاطبا الشعب الإيراني: (تصل وبمنتهى الأسف أخبار مزعجة من كنبد وزاهدان 
واردبيل تتحدث عن قيام بعض المجموعات المنحرفة ببث الفرقة والسموم بين أهالي تلك 
المناطق» وترويج شائعة مفادها أن علماء الدين سيحرمون الإخوة من أهل السنة من حقوقهم 


المشروعة)20) 


)0( صحيفة الإمام» ج0» ص: 50 


6 صحيفة الإمام» ج51 ص:‎ (١ 


500 


ثم بين وجه التناقض الذي يحمله مثيرو تلك الفتن» والذين لا يعتقد أكثرهم بصلاحية 
الإسلام بمذاهبه جميعا للحكم أصلاء يقول: (إنني أقول وبمنتهى الأسف أن هؤلاء المنحرفين 
الذين يستلهمون أمريكاء ويتلبسون بلبوس اليسار» يسعون إلى إعادة عمليات النهب التي 
كانت رائجة في عهد النظام البائد» ولكن بأسلوب آخر) )١(‏ 

ثم يذكر العلاقة التي تربط قادة الثورة الإسلامية مع جماهير أهل السنة» والذين تشكل 
الطرق الصوفية أغلبهم: (إننا لانرى لنا أي خلاف مع إخواننا المسلمين من أهل السنة» 
ونطمئنهم بأن جميع الفئات الاجتاعية في البلاد ستنال حقوقهاء سواء أكانوا من السنة أو 
الشيعة؛ فليس هناك من فرق بين طوائف المسلمين في الحقوق السياسية أو الاجتاعية أو غيرهاء 
إنني اهيب بجميع الإخوة والأخوات في جميع أنحاء البلاد ألايكترثوا إلى السموم التي تبثها 
تلك العناصر الفاسدة وأن يتوجهوا في الغد إلى مراكز الاقتراع» ويدلوا بأصواتهم لما 
يريدون)272) 

وفي خطاب آخر له. في المدرسة العلوية بطهران دعا فيه جميع الاثنيات الإيرانية إلى 
المساهمة في إعمار البلاد» وقد استهله بقوله: (نحن والمسلمون من أهل السنة جسم واحدء لأننا 
مسلمون وإخوة. وإذا قال أحد كلاما يبعث على الفرقة بين المسلمين؛ فاعلموا أنه إما أن يكون 
جاهلا أو أنه من أولئك الذين يريدون الوقيعة بين المسلمين» فليس هناك مسألة سنة وشيعة 
أبداء الجميع إخوة)(© 

وعندما نجح بعض المغرضين في إثارة الفتن في بعض المناطق بعد انتصار الثورة 
الإسلامية» وخصوصا في منطقة الأكراد. راح الخميني يذكرهم بالأخوة التي تجمع بين السنة 


)020( المرجع السابق» ج5. ص: 10 
زفق المرجع السابق» ج5. ص: 1-0 
() المرجع السابق» ج5؛ ص: .١١١‏ 


50١ 





والشيعة» وقال في ندائه: (إلى اهالي كردستان المحترمين» علمنا بأن مجموعة تتحرك خلافاً 
للإسلام وتثير أعمال شغب في كردستان العزيزة» ولا تترك فرصة للمسلمين أن ينعموا براحة 
البال.. إن هذه المجموعة تنفذ هجمات على اليش وتوجه الإهانات إلى منتسبيه بعد أن عاد إلى 
أحضان الشعب المسلم وتبعه في نمضته. إن مثل هذه المارسات تناهض الإسلام ومصالح 
المسلمين.. وليعلم أهالي كردستان وسائر المناطق» بأن أي تعرض للجيش والجندرمة أمر 
مرفوض من قبلناء كا أننا لانعتقد بوجود أي خلاف بيننا وبين إخواننا من أهل السنة فجميعنا 
شعب واحد ولنا قرآن واحد)(1) 

وفي خطاب مفصل له مع بعض علاء أهل السنة» وفيهم الشيخ أحمد مفتي زاده وجمع 
من اهالي كردستان» راح الخميني يبسط لهم مسائل الخلاف بين السنة والشيعة» ويربطها 
بالأنظمة السياسية الجائرة» التي حاولت أن تثير الفتن بين مكونات المسلمين؛ فقال: (إن 
الاختلاف بين أتباع الطائفتين والمذهبين يعود في جذوره إلى صدر الإسلام» إذ سعى آنذاك 
الخلفاء الأمويون والعباسيون إلى إيجاد الفرقة والخلاف؛ فكانوا يعقدون المجالس لتكريس 
الاختلاف. ورويدا رويدا أدى هذا الاختلاف إلى ظهور حالة التنافس بين عوام السنة وعوام 
الشيعة» وإلا فلا عوام السنة عملوا ويعملون بسنة رسول الله يي » ولا عوام الشيعة اتبعوا 
الأتمة الأطهار) 

ثم بين مدى التعالي على الطائفية الذي مثله أئمة أهل البيت» والذين كانوا يعبرون عن 
الإسلام وحده. لا عن أي طائفة؛ فقال: (لقد سعى أثمتنا الأطهار إلى وضع الجميع في إطار 
المجتمع» فكانوا يصلون معهم» ويمشون خلف جنائزهم» ولكن الأمور اختلفت تدريجياء 
وقام المتجبرون بمثل هذه الأعمال لإشغال الطائفتين ببعضهه| كي يتسنى لهم أن يفعلوا ما 


)0غ( المرجع السابق» ج5. ص: 10 


30 


يشاءون)17) 

ثم ذكر المؤامرات الشيطانية للمستعمرينء والتي طبقوها في إيران» ى| طبقوها في سائر 
بلاد العالم الإسلامي لينشغل المسلمون بالصراع الداخلي عن مواجهتهم؛ فقال: (قبل ما يقرب 
من ثلاثائة عام تم تنفيذ سياسة أجنبية في إيران وفي الشرق استهدفت في الغالب تحقيق مثل 
هذه الأمور.؛ فقد عكف خبراؤهم على دراسة الطائفتين وبعض الشخصيات ونفسيات الناس 
بالإضافة إلى جوانب القضايا المادية المتعلقة بناء وحاولوا استغلالنا من طريقين: ماديا وا 
ترون فقد استغلوناء ونفسياً من خلال التركيز على توسيع شقة الخلاف بينناء وترون كيف أنه 
اذا تفوه أحد بكلمة واحدة؛ فإنهم يجعلونها نارا على علم» فينشرونها ويطبعونهاء وهذا ليس من 
فعل شخص عاديء إنه عمل الحكومات والأجانب الذين يسعون إلى نشر ذلك وتوسيع 
نطاقه) (5) 

ثم ذكر المشتركات الكثيرة التي تجمع بين السنة والشيعة» ودعا إلى التركيز عليهاء 
وتبميش الخلافات الفرعية؛ فقال: (نحن معا كيان واحد غير قابل للتفكيكء. والاختلاف بين 
المذهبين لا ينبغي أن يتحول إلى خلاف في أساس الإسلام» فالإسلام أسمى من أن يؤدي 
الاختلاف فيه إلى ظهور مسلك كذائي فيه.. إننا نرى الأخطار تهدد الإسلام, لذا علينا جميعا 
أن نتكاتف ونتجنب تلك الاشتباهات التي ارتكبت في الماضي» وأن نقطع الايدي التي تريد 
أن تفرقنا عن بعضنا) 9) 

ثم دعا جميع المدارس السنية والشيعية إلى الدعوة إلى المشتركات للحيلولة دون تحقق 


المؤامرات الخارجية؛ فقال: (إنني آمل أن نتمكن من تجاوز هذه الفرقة بمساعيكم وجهودكم 


دلق المرجع السابق» ج5. ص: ل 
زفق المرجع السابق» ج5. ص: 4١‏ 
زفرف4 المرجع السابق» ج15 ص: 1 


اا 





أنتم أمها العلماء في مناطقهم» وجهودنا نحن طلبة العلوم الدينية هنا) (7) 

ولم ينس أن يذكر أن الخلافات الموجودة بين المدرستين يوجد مثلها بين كل مدرسة» 
ولذلك لو طبق ما يريده الأعداء؛ فسيتحول الصراع بين المدارس إلى الصراع بين كل مدرسة 
وأتباعها؛ يقول: (إن الاختلافات موجودة حتى بيئنا نحن: كالاختلاف بين الإخباريين 
والمجتهدين, وهو باب من أبواب الاختلاف, والاختلاف بين الصوفية والمتشرعة» وأخيرا بين 
الأحزاب بعضها مع بعضء أو بين الجامعيين وطلبة العلوم الدينية» كل هذا موجود وهم 
يسعون إلى تكريس تلك الاختلافات كي نبقى مشغولين بأنفسناء وهم يقضون على ما لدينا 
من اعتبار» فهم ينهبون ثرواتنا على الصعيد المادي وما لدينا من معنويات على الصعيد المعنوي» 
إلا أن شعبنا قد استيقظ الآن» سواء في أوساطكم وذلك ببركة وجودكم أنتم» أو في أوساطنا 
ببركة وجود علاء الدين هنا) 7) 

وهكذا نرى القائد ال حالي للثورة الإسلامية» والولي الفقيه لإيران» السيد علي الخامنئي» 
يعتبر كل داعية للطائفية بين المسلمين عميلا للأعداء» وهو يذكر أن الإسلام للجميع» وحتى 
[السلفية] التي يدعيها المغرضون للجميعء يقول في خطبه صلاة الجمعة بطهرانء بتاريخ 
017/07/03 .م ولالسلفية] إذا كانت تعني العودة إلى أصول القرآن والسنة والتمسك 
بالقيم الأصيلة ومكافحة الخرافات والانحرافات وإحياء الشريعة ورفض التغرّب فلتكونوا 
جميعًا سلفيين» وإذا كانت بمعنى التعصّب والتحجّر والعنف في العلاقة بين الأديان أو المذاهب 
الإسلامية فإنها لا تنسجم مع روح التجديد والسماحة والعقلانية التي هي من أركان الفكر 
والحضارة الإسلامية» بل ستكون داعية لرواج العلمانية والتخلٍ عن الدين)0© 


)020( المرجع السابق» ج5. ص: ل 
زفق المرجع السابق» ج5. ص: ان 
زفرة انظر: وثائق الربيع العربي والصحوة الإسلامية» تحرير حسن الزين» ص57 7. 


530 





ثم راح يحذر كعادته من الإسلام الذي يدعو إليه الغربء. فيقول: (كونوا متشائمين من 
الإسلام الذي تطلبه واشنطن ولندن وباريس» سواء من النوع العَلماني المتغرّبء أو من نوعه 
المتحجّر والعنيف. لا تثقوا بإسلام يتحمّل الكيان الصهيوني لكنه يواجه المذاهب الإسلامية 
الأخرى دون) رحمة» ويمدّ يد الصلح تجاه أمريكا والناتو لكنه يعمد في الداخل إلى إشعال 
الحروب القبلية والمذهبية. وراء هذا الإسلام من هم أشداء على المؤمنين رحماء بالكافرين.. 
كونوا متشائمين من الإسلام الأمريكي والبريطاني إذ أنه يدفعكم إلى شرك الرأسمالية الغربية 
والروح الاستهلاكية والانحطاط الأخلاقي)(22 

وهو يدعو في كل خطاباته إلى تجاوز كل ما يثير الفتنة والفرقة بين المسلمين» وقد عبر 
عن ذلك في فتاواه وخطبه. ومن ذلك قوله: (على المسلمين أن يجاءهوا أيّ عامل من العوامل 
الناقضة والمضادة للوحدة؛ هذا واجب كبير علينا جميعاً؛ الشيعة يجب أن يقبلوا هذاء والسنة 
أيضاً يجب أن يقبلوه» وكذلك الفرق والشعب المتنوعة داخل الشيعة وأهل السنة يجب أن تتقبّل 
هذا الشيء)”) 

ومن ذلك فتواه الشهيرة بحرمة المساس بمقدسات المسلمين» وهي ليست مجرد فتوى» 
بل هي من الأصول التي نشأت عنها الفروع الفقهية الكثيرة» والتي تقطع كل الحجج التي 
يتشبث عادة دعاة الفتنة من سب الصحابة ولعنهم والتبري منهم؛ ففي سؤال حول معنى 
التبرتي» أجاب مقرر فتاواه: (التولي والتبرّي الذان يعدان أحياناً ضمن أصول الدين» ويعتبران 
في أحيان أخرى من فروع الدين» وكلا الرأيين صحيح. لما جانب عقيدي وجانب عملي. من 
الناحية العقيدة هو أن نعتقد بولاية الأولياء الإلهيين ورسل الله والآئمة الأطهار» وأن نحبّهم 


ونحبٌ أتباعهم ومواليهم» وهناك جانب عملي يتمثل في إطاعتهم, والتبرّي هو ال حالة المعاكسة 


020( المرجع السابق» ص5 ؟ 7. 


(؟) وذلك في كله له بتاريخ 01/19/ 015 5. تزامناً مع أيام أسبوع الوحدة الإسلامية. 


"0 


للتولى» بمعنى معاداة أعداء الله وأعداء أولياء اللّه» وعى المكلفين أن يؤمنوا مبذين الأصلين من 
الناشية لعفيو رة وموك بس مو لداعي العا 
وهذا من المتفق عليه بين المسلمين جميعاء وهو ما يسمى بالولاء والبراء» وقد قرره القرآن 


ال ا ان 


الكريم في آيات كثيرة منها قوله تعالى : اعد قَوْمَا يُؤْمِنُونَ بالل وَاليَوْمِ الآخر يُوَاذُونَ مَنْ حَادَ 


38 


الله وَرَسُولَُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهَمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أو إِخْوَاءَيُم أَوْ عَشِيرَتَجُمْ 4 [المجادلة: 77]» وقوله 
عَدُوّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلَِاءَ تُلَقَونَإِلَيْهِمْ امد وَهَد كَمَرُوا يا 
جَاءكُمْ مِنَ الحقّ يخرجُونَ الرسُولَ وَإَِاكُمْ أن تُؤْمِنُوا بالل رَبَكُمْ إن كنم حَرَجْنُمْ جهَادً في سَبيلٍ 
وَابْتِعَاءَ مَرْضَاتٍ ترون ِلَيْهِمْ بِالودَة وَأَنَا أَعْلَمْ با أَحْمَيْتم وَمَا أَعْلنتُمْ وَمَنْ يَفعَلَهُ مِنْكُمْ فق 
صَلَّ سَوَاءَ السّبيلٍ4 [الممتحنة: ]١‏ 

لكن الخلاف في كيفية تطبيق هذا الأمر الإلحي» وقد كان من الشيعة» وخاصة الإخباريين 
منهم من يلزم أتباعه بتسمية المتبرأ منهم» ولعنهم وهو ما يثير الفتن» لكن تطبيق فتوى 
الخامنئي تتجاوز هذه المشكلة؛ فقد قال فيها مقررها: (وليس هناك لزوم بالنسبة للشخص 
الذي يريد التبرّي بأن يرفق تبرّيه هذا باللعن والشتائم وسوء القولء كان هناك الكثير من 
المسلمين منذ صدر الإسلام وإلى العصر الحاضرء ونموذجهم سماحة الإمام الخميني وسماحة 
قائد الثورة الإسلامية نفسه. هؤلاء كانوا طبعاً من أهل التولي والتبرّي بحقء لكنهم ليسوا من 
أهل السباب واللعن. إذن» بوسع الإنسان أن يكون صاحب تبرّيء من دون أن يوجّه الإهانات 


تال نا ذا لزي اموا لا مد وعد 


0. - 


أَنْ 


00 


5 


والسباب واللعن لمقدسات الآخرين. ساحة السيد القائد لا يعتبر توجيه الإهانات لمقدسات 
الآخرين جائزاء بل يعتبيره حراماً)(؟) 


)١(‏ فتاوى الإمام الخامنئي فيها بخص أحكام أصحاب المذاهب والأديان الأخرىء مقرر الفتاوى» فلاح زاده - عضو مكتب 


استفتاءات سماحة آية الله العظمى السيد الخامنئي و رئيس مركز علم مواضيع الأحكام الفقهية» موقع الخامنئي, بتاريخ: /١7 /١7‏ 
حكن 


0( المرجع السابق. 


5705 


وعن سؤال حول (تنافي حكم الوحدة مع التبري)» أجاب المقرر بقوله: (من المؤكد أن 
وحدة المسلمين لا تتنافى مع التبرّي» أي إن الأفراد بوسعهم معاداة أعداء الله وأعداء أولياء الله 
ومجابهة الذين يحاربون المسلمين» ويكونوا في الوقت نفسه متحدين مع غيرهم من المسلمين» 
إذن وحدة المسلمين لا تتنانى إطلاقاً مع التبري من أعداء الله وأعداء أولياء الله» وكمثال على 
ذلك أن الإمام الخمينى كان ولائياً ومتبرتاً من أعداء الله وأعداء أولياء الله ولا يوجّه في الوقت 
نفسه الإهانات واللعن لمقدسات سائر المسلمين والأشخاص الذين يحترمونهم» وكان هناك 
الكثير من الأعاظم والأجلاء يدعون الناس إلى الوحدة ويتبرأون في الوقت ذاته من أعداء 
الله )20 

وهو يوجب هذا الآمر بحكم على ولايته على المسلمين حتى على غير مقلديه» وقد جاء 
في تقرير الفتوى: (والوحدة بين المسلمين وتجنب التفرقة حالة واجبة» وإيجاد التفرقة 
والخلافات بين المسلمين لصالح الأعداء ولصالح الاستكبار العالمي والصهيونية الدولية أمر 
محرم أما أنهم يجب أن يراعوا هذه الوحدة حتى لو لم يكونوا من مقلدي ساحة القائد فنعم 
يجب على الآخرين أيضاً أتباع هذه الأوامر حسب فتاوى كل مراجع التقليد الأجلاء الأعمال 
غير الواجبة عليناء حتى لو كانت مستحبة» إذا كان أداؤها يؤدي إلى استغلالها من قبل الأعداء 
ضد مذهب أهل البيت» وتؤدي إلى توجيه الإهانات لأتباع مذهب أهل البيت أو تؤدي إلى 
الخلاف بين المسلمين» فهي غير جائزة» ولا فرق في ذلك بين أن يكون الإنسان من مقلدي 
ساحة السيد القائد أو من مقلدي سائر المراجع» يجب عليهم مراعاة ذلك) 27) 

وعن سؤال حول موقف ال خامنئي من مراسم اللعن التي تقام في أيام خاصة في بعض 
المناطق» أجاب المقرر بقوله: (قال سماحة السيد القائد مراراً لا توجهوا الإهانات لمقدسات 


020( المرجع السابق. 
0( المرجع السابق. 


/ا0 7 


سائر المذاهبء إذن يجب اجتناب هذه الممارسات. والنقطة الجديرة بالملاحظة هي أن البعض 
يقولون: لا إشكال في أن نعلن في المجالس الخاصة؛ لكن سماحته لم يقيّد الأمر بأن يكون 
المجلس عاماً أو خاصاًء بل قال على نحو العموم: لا توجّهوا الإهانات لمقدسات سائر 
المسلمين» أي سائر الفرق الإسلامية» وقال سماحته في موضع من المواضع: (ذلك الشيعي 
الذي تدفعه جهالته وغفلته» أو المغرض أحياناً - ولدينا مثل هذه الخالات أيضاً ونعرف أفراداً 
من الشيعة مشكلتهم ليست مجرد الجهلء بل لديهم أوامر ومأموريات بزرع الخلافات - لتوجيه 
الإهانات لمقدسات أهل السنة» أقول: إن سلوك كلا الفريقين حرام شرعاً وبخلاف القانون). 
إذنء توجيه الإهانات لمقدسات سائر المذاهب الإسلامية حرام شرعاً في رأي سماحة السيد 
القائد) 217 

وحول المجالس العلمية التي تعقد حول الخلاف في القضايا بين السنة والشيعة وعن 
الشروط المرتبطة بها حتى لا تصطدم بفتوى مراعاة المقكدساتء. أجاب بقوله: (إما أن يكون 
هناك نقاش علمي فهذا من آراء سماحة السيد القائد» وهو يوافقه. الأمور التي توجد حوها 
اختلافات علمية في وجهات النظر بين فرق المسلمين» وبين الشيعة والسنة» فليجتمعوا في 
جلسات واجتماعات علمية بشكل محترم وينقدوا آراء بعضهمء ولكن بشكل علمي وفيٍ 
المحافل العلمية وبين أهل الفن والاختصاصء وأسلوب ذلك هو الجدل بالتي هي أحسن على 
حد تعبير القرآن الكريم. مثل هذا النقاش العلمي الذي لا يؤدي إلى الخلافات والنزاعات 
والتفرقة والفتن بين المسلمين لا إشكال فيه. الثشيء الذي فيه إشكال وهو حرام إيجاد التفرقة 
بين المسلمين وبين المجتمعات الإسلامية) (") 


وقد ذكر نص فتوى الخامنئي في هذا المجال» وهي: (إذا أرادوا أن يناقشوا نقاشاً مذهبياً 


دلق المرجع السابق. 
0( المرجع السابق. 


108 


فلا إشكال في ذلك إطلاقاً. إنني أوافق النقاش المذهبي. إذا أرادوا إقامة نقاش علمي مذهبي 
بين العلماء وأصحاب الخبرة والاختصاص فليجتمعوا وليقوموا بذلك» ولكن لا على مرأى 
الناس وأمامهم, بل ليتناقشوا علمياً في جلسات علمية) () 

والخامنئي في مناسبات كثيرة يعتبر المخالفين لهذه الفتاوى» والذين يصرون على إثارة 
الفتن» من أتباع [التشيع البريطاني ]» ومثلهم من يضاهيهم من أهل السنة» الذين ينافسونهم في 
الشقاق والصراعء ويسميهم أتباع [التسئن الأمريكي]ء ذلك أنه يوجد (في المنطقة اليوم إرادتان 
متعارضتان: إحداهما إرادة الوحدة والأخرى إرادة التفرقة» إرادة الوحدة تختصٌ بالمؤمنين» 
ونداء اتحاد المسلمين واجتتماعهم يعلو من الحناجر المخلصة التي تدعو المسلمين إلى الاهتمام 
بقواسمهم المشتركة؛ فلو حدث هذا وتحققت الوحدة لما بقيت أوضاع المسلمين الراهنة على ما 
هي اليوم عليه» ولاكتسب المسلمون العز.ة. لاحظوا كيف أن المسلمين اليوم» من أقصى شرق 
آسيا في ميانار إلى غرب أفريقيا في نيجيريا وأمثا اء وفي كل مكان, يقتلون؛ في بعض الأماكن 
على يد البوذيّين» وني أماكن أخرى على يد بوكوحرام وداعش ومن شاكلهم. وهناك من يصبٌ 
الزيت على هذه النيران؛ التشيّع البريطاني والتسئن الأمريكي متشابهان» وهما شفرتان لمقصّ 
واحدء حيث يسعيان لتنازع المسلمين وتقاتلهم. هذه هي رسالة إرادة الفرقة التي هي إرادة 
شيطانية؛ لكن نداء الوحدة يدعو إلى تجاوز هذه الاختلافات» والاصطفاف معًا والتعاون بين 
المسلمين كافة)() 

" الموقف العمل من الاختلاف المذهبي: 

لم تكن تلك الكلمات التي أرسلها قادة الثورة الإسلامية وفقهاؤها حول احترام جميع 
المذاهب الإسلامية» واعتبارها وأهلها جزءا أصيلا من الأمة الإسلامية» مجرد كلمات لا معنى 


دلق المرجع السابق. 
(؟) من خطاب ألقاه الخامنتي بمناسبة ولادة الرسول الأكرم يه بتاريخ 235١177/17/11‏ موقع الخامنئي. 


503 


لهاء بل كانت كلمات ذات معنى» ودلالتها تحققت في الواقع بأجمل صورها التي لا نجد مثلها 
للأسف في واقع المدارس السنية نفسها. 

وكمثال على ذلك؛ فإن إيران تتواجد فيها ‏ مثل جميع الدول الإسلامية ‏ الكثير من 
الطرق الصوفية» وفيها الكثير من الأضرحة المرتبطة بهم؛ ذلك أنها كانت مهدا للتصوف في 
جميع مراحل تاريخهاء ومع ذلك لم نسمع أن ضريحا فجرء أو أن شيخا من مشايخ الصوفية 
أوذي» أو ذبح» مثلما يحصل في الواقع السني» بل نجدهم على عكس ذلك يؤدون أورادهم, 
ويقيمون مجامعهم بحرية لا يجدون لا مثيلا في كل الدول الإسلامية التي ينتشر فيها العنف 
والتطرف. 

وهكذا نجد في المناطق السنية في إيران المدارس الفقهية» وبجنبها المدارس العقدية» التي 
لا تزال تؤدي دورها كى| أدته في سائر مراحل التاريخ» ولم يفرض عليها أحد أن تترك تدريس 
مذاهبهاء أو أن تتركها لتلتزم غيرهاء ولم يرمها أحد بالبدعة مثل| يفعل المتطرفون عندناء والذين 
يرمون الزوايا والأزهر والقرويين والزيتونة بكونها مدارس بدعة. 

وسر ذلك الأمن الذي تعيشه تلك المناطق هو تشدد النظام الإيراني مع المتطرفين» الذين 
يحتكرون لقب [السنة] لهم؛ فلذلك يُمنعون من انفرادهم بمساجد خاصة بهم حتى لا تصبح 
تلك المساجد مساجد ضرارء وهذا ما يفسر موقف السلطات الإيرانية من مسجد طهران الذي 
أغلق بسبب تحوله إلى مسجد ضرارء يجتمع فيه السلفيون» مثل| يجتمعون في المساجد الخاصة 
بهم في بلادنا ليثيروا الفتن. 

وذلك التصرف الذي أثار ضجة كبيرة من المغرضين مبني على حكم الفقهي مرتبط 
بأمثال هذه المساجد عند جميع المدارس الإسلامية» وهو غلقها أو منعها أو هدمهاء ائتمارا با 
ورد في القرآن الكريم عن مسجد الضرار» كما قال تعالى: لوَالَِّينَ اكَدُوا مَسْجِدًَا ضِرَارَاوَكُفْرًا 


وَتفِْيقَا َْنَ الؤْمِينَ وَِرْصَادًا ّنْ حَارَبَ الله وَوَسُولَهُ من قَبْلُ وَليَحْلِفُنَ إِنْ ْنا إِلّا الحُسْتَى 


3 الا 


3” 


وَاللهيَشْهَدُ ّم لَكَاوْبُونَ )٠١31(‏ لا تَقُمْ فيه أَبَدَا لَسْجِدٌ أَسّسَ عَلَ التَقْوَى مِنْ أوَلِ يَوْم أَحَقٌّ 
أنْ تَعُومَ فيه فيه رجَالُ يبُونَ أن يتطَهرُوا وَالفه نب امُطََرِينَ 401١7‏ [التوبة: 81017 ]١١‏ 

وورد في الكثير من المصادر السنية ما يبين كيفية تعامل رسول الله 5 مع هذا النوع من 
المساجد؛ فقد جمع الحافظ ابن كثير في تفسير الآيتين السابقتين الروايات الكثيرة في ذل4» فقال: 
(سبب نزول هذه الآيات الكريمات : أنه كان بالمدينة قبل مَقَدَّم رسول الله يك إليها رجل من 
الخزرج يقال له أبو عامر الراهبُ .. فلما قم رسولٌ الله يله مهاجرًا إلى المدينة » واجتمع 
طم رك ا م ا 
بريقه » وبارز بالعداوة » وظاهر بها » وخرج فارًا إلى كفار مكة من مشركي قريش » فألّبهم على 
حرب رسول الله يي .. ورأى أمرّ الرسول يَ؛ في ارتفاع وظهورء فذهب إلى هرقل ملك الروم 
يستنصره على النبي يِه فوعده ومَنَاهِ » وأقام عنده » وكتب إلى جماعة من قومه من الأنصار من 
أهل النفاق والريب يعدهم ويُمنّيهم أنه سيقدمٌ بجيش يقاتل به رسول الله يل ويغلبه ويرده 
عما هو فيه » وأمرهم أن يتخذوا له مَعقلا يقدم عليهم فيه من يقدم من عنده لأداء كته » ويكونٌ 
مرصدًا له إذا قدم عليهم بعد ذلك » فشرعوا في بناء مسجد مجاور لمسجد قباء » فبنوه وأحكموه 
» وفرغوا منه قبل خروج النبي يي إلى تبوك » وجاءوا فسألوا رسول الله يي أن يأتي إليهم فيصلي 
في مسجدهم »؛ ليحتجوا بصلاته عليه السلام فيه على تقريره وإثباته » وذكروا أنهم إنا بنوه 
للضعفاء منهم وأهل العلة في الليلة الشاتية » فعصمه الله من الصلاة فيه فقال : ( إنا على سفر 
» ولكن إذا رجعنا إن شاء الله ) » فلم| قفل عليه السلام راجمًا إلى المدينة من تبوك » ول يبق بينه 
وبينها إلا يوم أو بعض يوم » نزل عليه الوحي بخبر مسجد الصّرار » وما اعتمده بانوه من 
الكفر والتفريق بين جماعة المؤمنين في مسجدهم مسجد قباء الذي أسس من أول يوم على 
التقوى » فبعث رسول الله يَيق إلى ذلك المسجد من هَدَّمه قبل مقدمه المدينة)(1) 


)7”١١ /5( تفسير ابن كثير‎ )١( 


571١ 


هذا ما ذكره ابن كثير» وما ذكره قبله وبعده الكثير من العلاء الذين اعترفوا بصحة هذه 
القصة» وقد تعمدنا ذكرنا هنا لنبين أن المساجد ليست ببنائهاء وإنما بالتقوى والإيان الذي 
وجد فيها؛ فإذا تحول المساجد إلى أداة للفتنة» فإنه لا خير فيه» بل إن دور الملاهي والفجور 
حينها تكون أفضل منه. 

لهذاء فإن الصور التي يبثها البتعض حول مسجد مهدوم في إيران» نجد مثلها في كل بلاد 
المسلمين؛ فلا يمكن لأي دولة تحترم نفسها أن تغض الطرف عن دعاة الفتن والتحريض 
الطائفي دون أن تقطع دابرهم, أو تصد فتنتهم» حتى لو اتخذوا المساجد ملاجئ لهم, مثلم| فعل 
أولئك المنافقون الذي أمر رسول الله ييه يدم مسجدهم, وجعل ذلك سنة يتولاها كل حاكم 
صالح بعده. حتى لا يتخذ الدين» وشعائر الله محال للفتنة. 

ولذلك؛ فإن الذين يصيحون بأن إيران تمنع مساجد السنة محقون في ذلك إن قصدوا 
مثل تلك المساجد التي لا تمت للسنة بصلة» وإنما هي مساجد فتنة» وأما غيرها من المساجد 
التي يجتمع فيها عامة المسلمين يحترم بعضهم بعضا؛ فلا أحد يمنع ذلك. 

وفوق ذلك كله نرى المساجد في إيران لا تمنع مرتادا للها سواء كان من السنة أو الشيعة؛ 
فالمساجد لله» ومتى أدركت المصلي الصلاة صلى من غير أن يسأل: هل هذه مساجد سنة» أم 
مساجد شيعة؟ 

وقد ورد في الشهادات الكثيرة المتواترة ما يدل على هذاء وسننقل هنا بعضهاء ولمن شاء 
أن يتورع في الحكم على ما نقول لا ينبغي أن يبت بشيء, لا سلبا ولا إيجاباء بل عليه قبل أن 
يفعل ذلك أن يذهب إلى إيران» وإلى المناطق التي يتواجد فيها السنة» ليستعلم حقيقة الأمر. 

وأول الشهادات» هو ما ذكرته وكالات الأنباء؛ فقد أفادت [وكالة مهر للأنباء] أنه 
عقب انتشار شائعة عدم وجود مسجد لأهل السنة بطهران» وهدم مسجد ومصلى لأهل السنة 


في العاصمة» أوضح مركز متابعة شؤون المساجد بأنه يوجد 4 مساجد لأهل السنة في 


3717 


طهران(21» وقال: (ان هدم مركز باسم مصلى كان بسبب نقض القانون وتغيير استخدامه. وأن 
هذا المركز كان يعمل لترويج بعض الأفكار المتطرفة» وحسب عقيدة الناشطين الدينيين» فإن 
المسجد يطلق على مكان العبادة الذي تقام فيه الصلوات» ويكون مركزا لمراجعة جميع 
الاشخاصء. فالمسجد بيت الله وهو مكان العبادة» وإطلاق تسمية مسجد الشيعة أو مسجد 
السنة هي تسمية خاطئة» لأن الشيعة يصلون في مساجد السنة» وكذلك أهل السنة يصلون في 
مساجد الشيعة, لذا فان نشر الشائعات وتلفيق الاخبار» يؤدي إلى الخلافات المذهبية)() 

كما ذكرت الوكاله أنه (يوجد لأهل السنة في إيران اكثر من ١5‏ ألف مسجدء وهي أكثر 
من مساجد الشيعة» وعلى هذا الأساس يجب الالتفات إلى أن تخريب مركز متطرف جاء بعد 


عدة إنذارات وجهتها بلدية طهران إلى هو لاء الاشخاص الذين ارتكبوا المخالفة القانونية» ففى 


نقض القوانين وتحوله إلى مركز للأجانب؛ وبالرغم من توجيه إنذارات العام الماغي فإن هذا 
المصلى عاود نشاطه غير القانوني حيث تم تخريبه بحكم قضائيء فالمصلى المذكور تشكل من 


)١(‏ هذه محال مساجد لأهل السنة في طهران لمن يريد أن يتأكد: 
-١‏ مسجد صادقية» الكائن في الساحة الثانية بحي الصادقية 
؟- مسجد طهران بارسء الكائن في شارع دلاوران 
- مسجد مديئة قدسء الواقع في الكيلومتر ٠١‏ على طريق كرج القديم 
5- مسجد الخليج الفارسي الواقع في طريق فتح السريع 
4- مسجد النبي» الكائن في حي دانش 
1- مسجد هفت جوبء الواقع في طريق ملارد 
/ا- مسجد وحيدية» الكائن في شهريار 
/- مسجد نسيم شهرء الكائن في حي اكبرآباد 
4- مسجد رضي آباد» الواقع في مفترق طرق شهريار. 
زف انظر: مركز متابعة شؤون المساجد: اهل السنة لديهم 4 مساجد ني طهران واكثر من ١0‏ الف مسجد في إيران» وكالة مهر 


للانباء» 4 أغسطس 7١١6‏ -18:629.. 


رذحن 





عدد من الوحدات السكنية حيث تم تأجيره من قبل بعض الاشخاص على أنها مكان سكني. 
ثم تم تغيير استخدامه وتحول إلى مصلى» وأن هؤلاء كانوا يبغون من وراء ذلك ترويج بعض 
الافكار المتطرفة» وفي السنوات الماضية قامت الأجهزة المعنية باغلاق أو هدم بعض الاماكن 
الدينية حسب الظاهر ولكنها في الحقيقة متطرفة» وكان من بينها حسينية في مدينة قم)17) 

وهذا ما يذكرنا بها وقع في الجزائر أيام الفتنةه حيث كانت المساجد للأسف مراكز لهاء 
تما اضطر السلطات إلى هدمهاء ومثله يحصل في جميع البلاد الإسلامية» فلا يمكن لأي دولة 
تحترم نفسها أن تغض الطرف عمن يهدد السلم العام. 

وورد في خبر آخر ذكره موقع تابناك الاخباري الإيراني نقلا عن محمد صادق عرب نيا 
مدير هيئة التخطيط للمدارس الدينية السنية في إيران - أن هناك ما يقارب ١7٠٠١‏ مسجدا 
لأهل السنة في إيران» و 17٠٠١‏ رجل دين سني يقومون بإقامة الفرائض في هذه المساجد. 

وذكر أن المقارنة البسيطة بين عدد مساجد السنة والشيعة في إيران تظهر أن هناك مسجدا 
واحد لكل 7560٠١‏ مواطن شيعىء وبالمقابل مسجد واحد لكل 0٠٠‏ مواطن سنى. 

وذكر أن الدستور الإيراني لا ينظر إلى أهل السنة كأقلية دينية لأنهم مسلمونء وبلدنا 
إسلامي» والمسلمون هم الأكثرية في هذا البلد» وهناك محافظات في البلاد أغلبيتها شيعة» لكن 
أهل السنة هم الأكثرية في مجالسها البلدية» لآن الترشيح والانتخابات لا تتم على أسس 
طائفضة(5) , 

قد لا يقبل البعض هذه الأخبار بحجة كونها من وكالات أنباء إيرانية» مع أهم للأسف 
يقبلون من وكالات الأنباء الفرنسية والأمريكية والبريطانية بل حتى من الإسرائيلية» ولكن 


إيران عندهم دائم| كاذبة» وكل ما تفعله خذاع» ولهذا سننقل شهادات من جهات أخرى ربا 


020( المرجع السابق. 
زفق مقارنة بين مساجد السنة والشيعة في إيران» موقع تحرير» انشأ بتاريخ: 18 تشرين /١‏ نوفمبر ..7١0١5‏ 


5373 


تكون صادقة عندهم. 

وأوها تلك الرسالة التي أرسلها جمع من علماء أهل السنة في إيران إلى مفتي مصر الأعلى 
الشيخ شوقي علام ردا على الشبهات التي أثيرت بشأن أوضاع أهل السنة في إيران؛ فقد 
اعتبرت هذه الشخصيات البارزة من السنة الإيرانيين أن تلك الشبهات تنجم عن عدم 
الإحاطة بحقائق الأمر وأحوال أهل السنة في إيران» تأثرا بها تعكسه وسائل الإعلام المعادية 
للجمهورية الإسلامية في إيران. 

وهذا نص الرسالة» والتي ذكروا في آخرها أساء مرسليها 2١‏ : (بعد أطيب التحيات» 
نحن علماء أهل السنة في إيران نفتخر بالأزهر الشريف ونعتز بدار إفتاء الديار المصرية وذلك 
لما شاهدنا من المواقف الحكيمة والمعتدلة لها حول الحوادث المتعددة التي وقعت في مصر وسائر 


بلاد العالم الإسلامي حيث نتابع البيانات الصادرة منهما إلى الآن» كىم| نرى من واجبنا تقديم 


)١(‏ وهذه أسماؤهم لمن شاء الاتصال بهم للتأكد: 

-المولوى الدكتور نذير أحمد سلامى؛ تمثل اهل السنة فى محافظة سيستان وبلوتشستان 

-الماموستا فايق رستمى؛ تمثل محافظة كردستان فى مجلس خبراء القيادة 

-الماموستا عبدالرحمن خدايى؛ الممثل السابق لمحافظة كردستان فى مجلس خبراء القيادة وامام الجمعة لأهل السنة فى سنندج. 
-الشيخ قربان محمد اونق؛ عضو مجلس التخطيط لمدارس العلوم الدينية لأهل السنة والعضو البارز فى الهيئة الفقهية لأهل 
السنة فى شمال ايران. 

لمولوى الدكتوراسحاق مدنى؛ المستشار السابق للرئيس الايرانى لشوءون أهل السنة. 

-الماموستا ملا قادر قادرى؛ عضو مجلس التخطيط لمدارس العلوم الدينية لأهل السنة وامام الجمعة لأهل السنة فى مدينة باوة. 
-المولوى الدكتورعبدال رحمن سربازى؛ عضو مجلس التخطيط لمدارس العلوم الدينية لأهل السنة وامام الجمعة فى مدينة 
تكنانبان: 
-الشيخ خليل افرا؛ عضو مجلس التخطيط لمدارس العلوم الدينية لأهل السنة ورئيس هيئة الافتاء وعلماء السنة فى محافظة 
بوشهر. 
-المولوى شرف الدين جامى الا حمدى؛ عضو مجلس التخطيط لمدارس العلوم الدينية لأهل السنة وامام الجمعة تربت جام. 
المصدر: وكالة مهر للأنباء. 





3776 


الشكر لكم على إصدار البيان حول إدانة الهجوم الإرهابي الذي ارتكبه التكفير الداعشي 
المجرم في مجلس الشورى الإسلامي ومرقد الإمام الخميني في طهران) 

ثم ذكروا ما فعله المتطرفون مهمء والذين لا يفرقون في هجماتهم بين السنة والشيعة 
فكتوا: (طيلة سنوات ونحن نعانيٍ من الفكر التكفيري والذي يستهدف بالتفجيرات 
والعمليات الإرهابية السنة والشيعة معاء فإن هولاء المجرمين التكفيريين اغتالوا كثيرا من 
علماءنا في ايران والذي كان منهم ساحة المفتي الكبير لأهل السنة الشوافع في محافظة كردستان 
الشيخ الشهيد محمد شيخ الإسلام وزميله الشيخ الشهيد برهان عالي إمام جمعة الشافعية) 

ثم راحوا يفندون ما أورده المفتي المصري من دون علم عن أوضاع أهل السنة في إيران» 
فكتبوا يقولون: (ولكن ما يؤسفنا هو أننا نرى أن البيان الصادر عن دار الإفتاء حول المجمات 
الإرهابية في طهران يحمل معلومات خاطئة خاصة حول أوضاع أهل السنة في ايران» والذي 
هو غير موافق للواقع» وبالطبع لم يكن ذلك إلا عن الشفقة عليناء ولكن من الواضح والجلٍ 
أننا أهل السنة في وطننا إيران أعرف وأدرى بأحوالنا ممن يعيش في الخارج وليس له معلومات 
صحيحة إلا عبر الأخبار الظنية والدعايات الإعلامية المفبركة وأن 8 الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي 
من الحَقٌ شَيْنَا © [النجم: 1/8] وإذا أساء مسلم بأخيه ظنا غيرواقع ربما يصير مصداقا له ليا 
الَّذِينَ آمَنُوا اجِتزيُوا كَثيرًا ٠‏ مِنَ الظَنّ إنَّب: بَعْضٌ الظَّنٌ إِنْمُ 4 [الحجرات: )]1١7‏ 

ثم راحوا يضربون له بعض الأمثلة على الأخطاء التي وقع فيها المفتي وغيره من 
يتحدثون عن أهل السنة في إيران؛ فقالوا: (فعلى سبيل المثال منطقة الأهواز محافظة يسكنها 
العرب الشيعة في ايران [وسكانها ليسوا سنة]ء وهذا يدل على أن المصدر الذي يرسل إليكم 
المعلومات حول ايران وأهل السنة هو بعيد كل البعد عن المعلومات الصحيحة حيث يزودكم 
بمعلومات خاطتة أو مفبركة وفي نفس الوقت يتجاهل محافظة كردستان التي تعتبر العمود 
الفقري لأهل السنة في ايران) 


عو 
ا 


ان 


ثم راحوا يذكرون له الأوضاع الحقيقة لأهل السنة في إيران؛ فقالوا: (نحن أهل السنة 
في ايران يصل عديدنا إلى عدة ملايين نسمة نسكن في محافظات متعددة» ويوجد عندنا أكثر من 
٠‏ مسجلدء وعدد طلابنا في المدارس الدينية يتجاوز ٠٠٠٠١١‏ طالباء حيث يدرس 
جميعهم فقه أهل السنة والجاعة من الشافعية والحنفية» وهذا العدد من المساجد والمدارس 
والطلاب ارتفع إلى عشرة أضعاف بالنسبة إلى ما كنا عليه قبل إنتصار الثورة الإسلامية بقيادة 
الإمام الخميني» ولاريب أن كل ذلك لم يتيسر إن لم يكن الدعم من حكومة الجمهورية 
الإسلامية) 

ثم ذكروا له الحقوق السياسية التي يتمتعون بها؛ فقالوا: (نحن أهل السنة نتمتع بكامل 
الحرية في ترشيح النواب للبرلمان» وكذلك مجلس الخبراء لاختيار ولى الفقيه» حيث لنا الآن 
أكثر من ٠١‏ نائبا في البرلمان» وكذلك القضاة في محاكم المحافظات التي نسكن فيها نحن الغالبية 
السنية هم من علاثئنا يقضون بيننا بالفقه الشافعي أو الحنفي) 

ثم ختموا رسالتهم بدعوته إلى الإنصاف والتحري قبل إطلاق الفتاوى والبيانات» وألا 
يعتمد الإعلام المضللء فقالوا: (هذا نموذج من مواقف رؤساء الجمهورية الإسلامية قبال 
مواطنيهم من أهل السنة؛ فهل من الإنصاف أن نصف هذا العمل بالظلم!؟ وهل تتوقعون من 
العالم الحكيم المعتدل أن ينسب الظلم إلى الحكام في نظامنا الإسلامى الإيرانى» وينشر ذلك في 
الجرائد والعالم فقط بناء على ما سمعه في الإعلام!؟) 

وفي آخر الرسالة دعوه لزيارتهم» وزيارة المناطق السنية ليتأكد بنفسه؛ فقالوا: (في نهاية 
المطاف ندعوا سماحتكم باسم علماء السنة والجماعة في الجمهورية الإسلامية الايرانية لتشرفوناء 
أو من يمثلكم بالزيارة إلى إيران للإطلاع بصورة مباشرة على مدى الحرية الدينية والإجتاعية 
والثقافية التي نتمتع مها السنة في وطننا إيران) 


ونفس هذه الخاتمة نقوهها لكل من يدعي الورع والتقوى بأن يذهب إلى المناطق السنية 


/ا 7 


في إيران» وهناك يعاين الوضع بنفسه. وحينها يحكم ب يشاء. 

ومن الشهادات المرتبطة بهذا شهادة رئيس هيئة علماء السّنة في إيران الشيخ عبدالرزاق 
البخاري» فقد أوردت الصحف المختلفة هذا الخبر: (نفى رئيس هيئة العلماء السّنة في إيران 
الشيخ عبد الرزاق البخاري (2) أن يكون السنة في إيران مضطهدين, مؤكداً باهم يعيشون جنباً 
إلى جنب مع الشيعة في ظل من العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات.. وأن لديهم مراكز 
دينية وحوزات علمية مناهجها تطابق المناهج الدراسية في الأزهر الشريف والمدينة المنورة 
وسورية» وأبدى البخاري استياءه في لقاء مع «الوطن» خلال مشاركته في «ملتقى الإخوة 
الإسلامية الثالث»» من الاشاعات التي تطلق جزافاً دون التحقق من بعض ما يدور في الساحة 
مطالباً بالتحقيق والتدقيق» مشيراً إلى أن السّنة والشيعة يعيشون تحت راية التوحيد والشهادتين 
والإخوة في الإسلام» حيث أن الحكومة الإيرانية بعد الثورة الإسلامية استطاعت التأليف بين 
المسلمين وإذابة المشاكل التي كانت فترة الشاه) 

وعن سؤال حول وضع المسلمين سنة وشيعة بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران» أجاب 
بقوله: (هناك الكثير من الايجابيات بعد انتصار الثورة الإسلامية» فقد ذابت الخلافات التي 
كانت بين السّنة والشيعة خلال حكم الشاه» ولكن بعد انتصار الثورة الإسلامية أعلن السيد 
الخميني في كافة الصحف بأن المسلمين سّنة وشيعة جميعهم إخوة متساوون في الحقوق 
والواجبات» ومنع اهانة البعض معتيراً ان من يقوم بهذا العمل ليس سنيا ولا شيعياء حيث أن 
الأمة الإسلامية تجتمع على كلمة التوحيد والشهادتين ”لا إله إلا الله محمد رسول الله»» وأن من 
دخل الإسلام ونطق الشهادتين فقد عصم نفسه وعرضه وماله وجميعهم إخوة في الإسلام 
ويجب عليهم التآلف والمحبة وفقاً لما جاء في القرآن الكريم وكذلك الاحاديث النبوية الشريفة) 


١0‏ الشيخ عبد الرزاق البخاري: مفتي وخطيب الجامع» وعضو المجمع العالمي للتقريب بين المذاهبء ورئيس الجالية الشرعية 
العرفانية لأهل السّنة والجاعة.. 


ل 


ثم ذكر كثرة المشتركات التي تجمع جميع المسلمين سنتهم وشيعتهم؛ فقال: (والجميع 
يدرك بأن هناك اختلافاً في المذهب السني وبين المذاهب الاربعة» ولكن نلتقي ونجتمع على 
كلمة التوحيد والعقيدة الواحدة» ى) أن الجميع يؤدون العبادات والفرائض»ء وهذا ما هو 
موجود بين السنة والشيعة» والمعروف أن الاختلافات الفرعية الاجتهادية لا تدخل ضمن 
الخلافات والنزاع بين الإخوة المسلمين السنة والشيعة» ويمكن الوصول لحل هذه الخلافات 
الفرعية عن طريق الحوار والمناقشة وإبداء الرأي» ولكن المهم ان الجميع متفقون على المحور 
الاساسي ألا وهو كلمة التوحيد) 

ودعا في الأخير إلى الموضوعية والأناة والبعد عن التعصب؛ فقال: (أناشد الإخوة في 
الإسلام الابتعاد عن التعصب والتحجر في الرأي» وأجزم بأن هذه الخلافات أو من يقوم بها 
تأت عن طريق الجهلء لأن العقلاء ملتزمون بالآخوة الإسلامية» ى| جاء في القرآن الكريم 
لوَإِنَ هَلْهِ نكم مذ واد ونا ربكم َانَقَونِ» [المؤمنون: 57]. إذا الاساس هو التقوى 
والعبادة وليس السّنة أو الشيعة» فالمنزلة عن طريق التقوى كما قال الله تعالى: إن أَكْرَمَكُمْ عِدْدَ 
لله أَنَقَاكُمْ 4 [الحجرات: “17 ]» لذا الأساس هو التقوى حيث أنه لا فرق بين عربي أو أعجمي. 
ولا أسود ولا أبيض الا بالتقوى» ولذلك وبرغم كون الحكومة الإيرانية شيعية إلا أن الجميع 
سواسية أمام القانون؛ فالسنة والشيعة جميعهم إخوان في الدين والوطنية) 

ومع صدق هذه الشهادة وأمثاها كثير» نجد المغرضين يتفلتون منهاء ويحتجون بأن 
النظام الإيراني استطاع أن يخدع علماء إيران» وأن يشتري ذممهم» وهكذا لا ينجو النظام الإيراني 
مهما فعل» مع العلم أن شهادة الشيخ عبد الرزاق البخاري التي ذكرنا بعضها أدلى بها في 


الكويتء. ومن غير أن يغصبه أحد عليها. 


4 
اللّه 
2 


هذا بالنسبة لشهادات علماء الدين من المدرسة السنية في إيران» أما شهادات السياسيين» 


احا 


فكثيرة نذكر منها شهادة رئيس تكتل أهل السنة في مجلس الشورى الإيراني(27 » والذي صرح 
في حوار أجري معه أنه (أن الجماعات التكفيرية» التي باتت أداة رئيسية في الحرب التي تشهدها 
المنطقة» لا يربطها أي علاقة بأهل السنة)7© 

وذكر في تصريحه الذي أدلى به في لبنان عن أوضاع أهل السنة في إيران؛ فقال: (نحن 
أهل السنة في ايران لدينا رؤية مشتركة عن الإسلام مع إخواننا الشيعة» ولا نشعر بفرق كبير 
بينناء هناك ””١‏ محافظة في ايران» ونرى في جميع هذه المحافظات انتشاراً لأهل السئة حتى في 
بعض المحافظات كمحافظة «سيستان وبلوشستان» أو محافظة «آذربيجان» أو «غلستان» أو 
محافظة «فارس» أو حتى في محافظة «خراسان» عدد أهل السنة يفوق عدد إخواننا الشيعة» ولم 
نشهد طوال التاريخ حتى اليوم أي خلافات بين السنة والشيعة» لأننا نلتزم بشعار ومنهج وفكر 
مفاده أنه لو قلنا إن الشيعة تعني الحب لآل بيت رسول الله يه فنحن جميعنا شيعة» ولو قلنا 
إن السنة تعني العمل بسنة رسول الله يه فجميعنا من أتباع السئة» نحن نرى أن الخلاف بين 
السنة والشيعة يسبب في إضعاف الإسلام برمته) 

ثم ذكر مدى التسامح والفكر الوحدوي لدى الشيعة في إيران مقابل التشدد الذي يبديه 
الكثير من أهل السنة؛ فقال: (قبل عدة أسابيع حدثت عدة تفجيرات في السعودية وباكستان 
وأفغانستان والعراق» راح ضحيتها عدد من إخواننا الشيعة الذين كانوا مجتمعين في المساجد 
من أجل الصلاة» وهذه العمليات الانتحارية لم تؤد إلى ردود فعل من قبل إخواننا الشيعة 
داخل ايران ضد أهل السنة. نحن نعتبر أنفسنا ايرانيين أولاً قبل أن ننقسم الى قوميات 


)١(‏ هود. عابد فتاحي» طبيب عيون» ورئيس لتكتل أهل السنة في مجلس الشورى الإسلامي الإيراني. مثل مدينة أرومية» 
مركز محافظة أذربيجان الغربية» في المجلس.. 
(؟) رئيس تكتل أهل السنة في إيران: لا علاقة للتكفيريين بالسنة ولم نختلف مع الشيعة يوم موقع المنا. 5 .5010-:5-٠‏ 


5” 





وذكر الحقوق السياسية لأهل السنة في إيران؛ فقال: (لأهل السنة ممثلون في المجلس 
الشورى الإسلامي» وبحسب الدستور» يصل عدد نواب السنة في مجلس الشورى اليوم إلى 
عشرين نائبا من أصل 7١5١‏ » وهؤلاء يشكلون تكتل أهل السنة في المجلس» نحن في ايران 
حاولنا أن نتجاوز الأمور السطحية وابتعدنا عن الدخول في التفاصيل التي لا جدوى من 
الدخول فيهاء بالوحدة نستطيع أن نصل إلى الانتصارات الكبيرة) 

وعن سوّال حول الجماعات التكفيرية» وعلاقتها بأهل السنة» قال: (الجماعات التكفيرية 
كداعش وما شابه لا يربطها أي علاقة بأهل السنة» فليس في قلوب هؤلاء أي مودة أو شفقة 
تجاه أهل السنة. قتلوا المئات بل الآلاف وارتكبوا مجازر في مناطق تواجد أهل السنة في سورياء 
في الموصلء في الأنبار» في صلاح الدين. في اقليم كردستان العراق. انتهكوا حرمات المسلمين 
السنة» اقدموا على بيع البنات الكرديات في الأسواق. من هم الأكراد؟ أليسوا من السنة 
ويتبعون المذهب الشافعي؟ قابلت بعض الذين قدموا من إقليم كردستان» وسألتهم من هؤلاء 
الداعشيون وماذا يريدون؟ قالوا لي إنهم جماعة يختصرون الإسلام بصرخة [الله أكبر]ء ولا 
يعرفون شيئاً آخر عن الدين غير ذلك. أيّ دفاع عن أهل السنة هذا؟ هؤلاء أهرقوا ماء وجه 
أهل السنة.. علينا أن نسأل انفسنا من أين يأتي السلاح والتجهيزات لمؤلاء؟ لماذا يريدون بث 
الفتنة في بلاد المسلمين ويتركون الغرب وأعداء الإسلام؟ أعتقد لأن الغرب مركز القيادة هذه 
الجماعات) 

وفي الأخير ننقل شهادة من عالم من علماء السنة خارج إيران» زار إيران» والمناطق السنية 
فيها بالتحديد» وأدلى بشهادته في ذلك». وهو الناطق الرسمي لمجلس علماء فلسطين في لبنان 
الشيخ محمد الموعد(١)»‏ وما ذكره في شهادته التي أدلى بها لموقع العهد الإخباري أن (النظام 


الإسلامي في إيران لم يحفظ خصوصية الأديان الاخرى فحسب (مسيحية» بهودية» 


.5١1١5/07/٠١ مالا تعرفونه عن الحريات الدينية في ايران؟!» علي عوباني» موقع العهد.‎ )١( 


الا 


زرادشت..)» بل حفظ اوضاع وخصوصية اصحاب المذاهب الإسلامية الاخرىء والذين 
يعارسون طقوسهم الدينية بكل حرية وأريحية» وهم أيضا أحوال شخصية ومدنية خاصة بهم 
وهم تعاليمهم» ومدارسهم الدينية الخاصة حسب دياناتهم. ومن هؤلاء أهل السنة والجماعة» 
الذين يعارسون عبادتهم الدينية حسب فقههم (المذهب الحنفي» والشافعي..) بكل حرية في 
إيران» ولديهم أكثر من ١6٠٠١‏ مسجد. منها 4 في العاصمة طهرانء أكبر مسجد في إيران 
موجود في مناطق السنة» » الذي زار إيران مؤخرا يشير إلى انهم يتبعون مدارسهم الدينية 
وشؤون احوالهم الشخصية الخاصة (كالزواج والطلاق وغيره..) بحسب فقههم, وهم مفتون 
في مناطقهم» ويتقاضون أمام محاكمهم الشرعية الخاصة التي تتمتع باستقلالية كاملة في 
مناطقهم.. ولهم حقوق كاملة بوظائف الدولة والتمثيل على المستوى الحكوميء والنيابي» 
ولديهم تمثلون في مجلس الخبراء الذي يختار القائد وني جميع المجالس الأخرى, وأبعد من ذلك 
ليس هناك فقط نواب يمثلون المحافظات التي يتواجدون فيهاء بل هناك نواب من أهل السنة 
ببعض المحافظات يمثلون المسلمين (سنة وشيعة ..) وهناك سفراء ودبلوماسيون ومحافظون 
للمدن الإيرانية من أهل السنة) 

وأكثر ما يلفت الشيخ الموعد» في حديثه لموقع العهد الاخباري. أن المعاهد الشرعية 
السنية موجودة في إيران بالمئات» وانها مدعومة مباشرة من قبل القائد» وها ميزانية خاصة من 
الدولة» ما يدفعه للاشارة إلى ان ذلك يبرز مدى اهتمام الجمهورية بكل أبناء الدولة» واصفا هذا 
الامر بأنه بمنتهى الحضارة والتقدم الفكريء أن يتم تشجيع العلم واعطاء رواتب لطلاب 
العلم في المعاهد الشرعية السنية لاستكمال دراستهم المجانية بالكامل» ودراسة المذهب السني. 

وذكر الشيخ الموعد الجامعات الكبرى في إيران كجامعة الحديث» وجامعة المصطفى 
التي تدرس المذهب السني» وأشهار إلى أن عدد الطلبة الذين يدرسون فيها مهول, ك) أن هناك 
قسسًا خاصًا بالمكتبة يحوي آلاف الكتب السنية» ما يؤكد على مدى حرية الاعتقاد والبحث» 


ا" 


فضلا عن أن عدد الذين تخرجوا من جامعة المصطفى وحدها يزيد عن 7٠٠١‏ طالب وهم 
درسوا على مذاهبهم (حنفي» شافعي..)) ليخلص إلى ان كل ذلك يعتبر بمثابة تكريس للوحدة 
بكل معانيهاء وأن الحرية الدينية الموجودة في إيران ملموسة وليس دعاية وهي تعطي الناس 
كامل حقوقهاء بين| هناك اشاعات تطمس هذه الحقائق. 

وهكذا نجد الشهادات الكثيرة من أعلام السنة» بل من أعلام الحركات الإسلامية» 
ولكنهم للأسف,. وبمجرد أن يدلون بشهاداتهم يصنفون ضمن الشيعة» وتسقط عدالتهم, لأنه 
لا يمكن لأحد يشهد بشهادة حق عن إيران إلا ويرمى بكل أصناف التهم. 

ومن أمثلة ذلك ما حصل للدكتور كال الهلباوى» والذي كان قياديا بارزا في حركة 
الإخوان المسلمين» وكان يستضاف في كل القنوات ليدافع عنهم, لكنه بمجرد أن زار إيران» 
وشهد بحقيقة ما رأى فيهاء أسقط. وصار متهم|. 

ففي مقال بعنوان [هجوم سلفى على «الهلباوى» بعد زيارته إيران ]217 ورد هذا الخبر: 
(كشف علاء السعيدء المتحدث باسم ائتلاف الدفاع عن الصحب وآل البيت» عن تفاصيل 
زيارة الدكتور كيال الهلباوى القيادى الإخوانى السابق» لإيران» الأسبوع الماضى» وقال السعيد 
ل«الوطن»: «الزيارة تمت خلال مؤثتمر الوحدة الإسلامية» وشهدت تكريم الحلباوى لمجهوداته 
السابقة فى التقريب بين الشيعة والسنة» وهناك صور له أثناء تكريمه» وهى ليست الأولى» فكان 
له العديد من الزيارات السابقة لأنه شيعى» حيث يرى أن الشيعة مذهب من مذاهب أهل 
السنة» وصرح بأنه ضد تنفيذ حكم الإعدام على نمر باقر النمر» رجل الدين الشيعى فى 
السعودية» مع أن الأمر شأن داخلى» وحسب الأعراف والقوانين الدولية» لايحق لأحد التدخل 
فى السياسة الداخلية للدول.. وهو قد باع نفسه للشيعة وإيران.. وهو يسعى ليكون فى الصورة 
والمشهد كى لا يفقد الدعم الإيرانى» وأنا أسأله: بكم باع نفسه للشيعة؟) 


2200 هجوم سلفى على «الحلباوى» بعد زيارته إيران» سعيد حجازىء جريدة الوطنء العدد : /ا5 11 3015-01-5 


رفم 


وهي نفس العبارات التي تردد مع كل عالم ينصف إيران» أو ينصف الشيعة» أو يدعو 
إلى الوحدة الإسلامية» وهو ما يذكرنا للأسف با ورد في السيرة النبوية المطهرة عند إسلام عبد 
الله بن سلام» وكيف كان محترما صاحب جاه وكلمة عند اليهود» ولكن بمجرد إسلامه تغير 
ذلك كله؛ ففي الرواية أنه لما أسلم رجع إلى أهل بيته فأسلموا وكتم إسلامه. ثم خرج إلى رسول 
الله يي فقال: يا رسول الله إن اليهود قوم ببت؛ فإنهم إن يعلموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني 
بهتوني» فأحب أن تدخلني بعض بيوتك, فأدخله بعض بيوته فجاءت اليهود إليه فقال: أي 
رجل عبد الله بن سلام فيكم؟ قالوا: خيرنا وابن خيرنا وسيدنا وابن سيدناء قال: أرأيتم إن 
أسلم عبد الله؟ قالوا: أعاذه الله من ذلك؛ فخرج عبد الله فقال: أشهد أن لا إله إلا الله» وأشهد 
أن محمدا رسول الله يا معشر اليهود اتقوا الله واقبلوا ما جاءكم به. فو الله إنكم لتعلمون أنه 
لرسول الله تجدونه مكتوبا عندكم في التوراة باسمه وصفته. فإني أشهد أنه رسول الله» وأومن 
به وأصدقه وأعرفه؛ قالوا: كذبت» أنت شرنا وابن شرناء وانتقصوا. قال: هذا الذي كنت 
أخاف يا رسول الله ألم أخبرك أُمّْم قوم ببتء أهل غدرء وكذب وفجور(". 

ونفس الشيء يمارسه هؤلاء الذين يبنون مواقف سلبية من إيران» ثم يفسرون كل شيء 
بعدها على ضوء ذلك؛ فإن شهد شاهد بظلم إيران قبلوا شهادته. من غير أن يسألوا أو يحققواء 
وإن شهد شاهد عكس ذلك اتبموه في دينه» واعتبروه من أزلام النظام» أو من الذين اشتراهم 
النظام. 

رابعا ‏ ولاية الفقيه والتعامل مع الشعوب الإسلامية: 

على الرغم من تلك العداوة التي تبديها الكثير من الشعوب العربية والإسلامية للنظام 
الإيراني» بل حتى لإيران نفسها بسبب تلك الحملة الشرسة عليها من طرف رجال الدين 
والإعلام والسياسة إلا أن النظام الإيراني» والشعب الإيراني» يقفان على النقيض من ذلك 


)0 5 /١7( سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد‎ )١( 


8 


الموقف السلبي؛ وهو موقف يجسد حقيقة قوله تعالى عن القوم الذين يستبدل بهم العرب حال 
التقصير: لا يَأَيماالَذِينَ آمنُوا مَنْ يد مَكُمْ عَنْ ينه فَسَوْفَ ين البقم مبهُمْ ووه أذ 
عَلَ الْمنينَ أعرَةٍ عل الْكَافِرِينَ تحَاهِدُونَ في سَبيلٍ الله ولا يحَافُونَ لوم مَهَ لام ذَلِكَ قَضْلٌ الله 
يؤْتِيهِ مَنْ يَشَّاءُوَالله وَاسِمٌ عَلِيمٌ 4 [المائدة: 4 5] 

فهذه الآية الكريمة لا تكاد تنطبق على أحد كا تنطبق على الجمهورية الإسلامية 
الإيرانية» فهي مع مواقفها المتشددة الممتلئة بالعزة مع العتاة المتمردين من المستكبرين» تقف 
موقفا متواضعا إلى حد الذل مع الشعوب الإسلامية» حيث أنها تصفح عن كل تلك المواقف 
السلبية التي تقفهاء وتدعوها كل حين إلى الوحدة الإسلامية» وترك الخلافات المذهبية» وترك 
التنابر بالألقاب» وتنصر قضاياها في كل المحافل» بل تشارك فيها بكل قوة. 

انطلاقا من هذا سنحاول في هذا المبحث التركيز على ناحيتين مهمتين أولاهما النظام 
الإيراني أهمية كبرى. وهما: 

١‏ الدعوة للوحدة الإسلامية. 

١‏ الدعوة لإصلاح الواقع الإسلامي» وعودته إلى الدين. 

وقد أسيء فهم كلا الدعوتين من طرف الساسة والإعلاميين والمفكرين ورجال الدين» 
حيث اعتبروا الدعوة الأولى دعوة للتشيع» مع أن إيران لم تتحدث إلا عن وحدة المسلمين بغض 
النظر عن مذاهبهم, ولو أرادت تشبيع العالم الإسلاميء لبدأت بالملايين من أهل السنة الذين 
يتمتعون بجميع الحقوق» ويدرسون مذاهبهم بكل حرية. 

أما الدعوة الثانية» فقد اهمت بالتمدد الفارسيء والمؤامرة على العالم الإسلامي» مع أن 
إيران لم تتحدث عن كل ذلكء. بل كل مطالبها هي الدعوة إلى الثورة على الطاغوت, وعلى 
الاستكبار العالمي» والعودة للدين الأصيل. 


من خلال هذه المقدمة نحاول في هذا المطلب بيان موقف إيران من كلا الحانبين من 


ص 2 


8 


خلال تصريحات قادة ثورتهاء ومن خلال ممارساتها الواقعية. 

١‏ الدعوة للوحدة الإسلامية: 

مع ظهور الكثير من الدعوات للوحدة الإسلامية» ابتداء من جمال الدين الأسدأبادي 
الويراني» ومن بعده من المفكرين والدعاة» لا نجد جهة اهتمت بالوحدة الإسلامية» واعتبرتها 
هدفا من أهداف نظامها مثل الجمهورية الإسلامية الإيرانية» التي ضحت بمصالح كثيرة من 
أجل هذا الحدف النبيل. 

وذلك شيء طبيعي؛ فلا يمكن لنظام يزعم أنه نظام إسلامي» أن يتخلى عن الوحدة» أو 
يناقش فيهاء وهي مطلب قرآني كما قال تعالى: إإنَّمَِه أمََكمْ مه وَاحدَة وَنَاربُكُمْ َاغْبدُونِ4 
[الأنبياء: ؟95] 

ولذلك لا نرى في خطابات قادة الثورة الإسلامي ذلك البعد العنصري المرتبط 
بالقومية» ولا الجغرافي المرتبط بالوطنء ولا المذهبي المرتبط بالتشيع وإنا نلاحظ اهتتماما بكل 
المسلمين» وبقضاياهم جميعاء وكأنهم جسد واحد. 

ومن الأمثلة على ذلك قول الخميني في وصيته السياسية» والتي ذكر في مقدمتها أنها 
موجهة للعالم الإسلامي جميعاء وما ورد فيها من الدعوة إلى الوحدة الإسلامية قوله: (ليبادر 
العلماء الاعلام» والخطباء الموقرون في الدول الإسلامية إلى دعوة الحكومات لتحرير أنفسها 
من التبعية للقوى الاجنبية الكبرى» وليتفقوا مع شعوبهم فإنهم إذا فعلوا عانقوا النصر لا محالة» 
عليهم أيضاً أن يدعوا الشعوب إلى الوحدة ونبذ العنصرية المخالفة لتعاليم الإسلام؛ ومد يد 
الإخوة إلى اخوانهم في الايهان في أي بلد كانوا ومن أي عرق فإن الإسلام يعد الجميع إخوة» 
ولو أن هذه الإخوة تحققت يوماً ما بهمة الحكومات والشعوب وبتأيبد الله العلي» فسيظهر 


للعيان كيف أن المسلمين يشكلون أكبر قوة في العالم. عسى أن يمن الله سبحانه وتعالى علينا 


كا" 


هذه الإخوة والمساواة في يوم قريب)7١)‏ 

وهو يذكر بألم تلك الحرب المغرضة الموجهة ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية مع 
سعيها في خدمة جميع المسلمين» ودعوتها إلى الوحدة بينهم» يقول: (لماذا يقوم البعض في الحجاز 
والكويت والأماكن الأخرى بتأويل كلامنا وتوجيه التهم الباطلة إلى دولة إسلامية تسعى 
لإيجاد الوحدة بين المسلمين» وتناضل من أجل طرد الغرب من أرض المسلمين. إن هؤلاء 
يخدمون الغرب من جهة» ويفرقون المسلمين من جهة أخرى.. ألا يعلمون أنه لا تجوز إثارة 
التفرقة بين المسلمين وأن ذلك مخالف للنص القرآني؟.. ألا يعلمون ذلك حقاً أم أنهم يعملون 
على خدمة الغرب عن عمد وقصد لا سمح الله؟)0) 

ويذكر أن من أهداف الجمهورية الإسلامية الإيرانية السعي لتحقيق الوحدة الإسلامية» 
من غير أن يلغي حق أي حكومة في استقلالهاء على عكس ما يشيع المغرضون.ء يقول: (إننا 
نسعى للوصول إلى وحدة المسلمين جميعاً من خلال تضامن الحكومات مع شعوبها واتحاد 
الدول مع بعضها البعضء ولقد شاهد الجميع كيف تمكن الشعب الإيراني من سحق قوة كبيرة 
نتيجة الإتحاد ورص الصفوفء هدفنا هو إتحاد مليار مسلم مع بعضهم البعض. فباتحادهم هذا 
لن نسمع بمشكلة فلسطين وأفغانستان ثانية. ولو يدعنا وعاظ السلاطين بحالنا ولا يعرقلوا 
مسير وحدتنا فإننا سننتصر وجميع البلدان الإسلامية ستنتصر أيضاً) ©) 

وفي لقاء له مع بعض الوزراء والسفراء العربء قال: (آمل أن تكون علاقاتنا علاقات 
أخوة مع الجميع لاسبم| شعوبنا الإسلامية» وأن تتمتع الحكومات الإسلامية بعلاقات طيبة مع 
بعضها البعض. وعلى هذه الحكومات أن تعزز روابط الإخوة فيا بينها حتى تقطع دابر 


إبلق صحيفة الإمام» ج١27‏ ص: 0 
زفق المرجع السابق» ج117. ص: 6 
هرف المرجع السابق» ج117١.‏ ص: 6 


اا 





الطامعين الأجانبء وآمل أن نكون إخوة وأشقاء دائيأً» وأن لايحدث نفاق فيا بيننا أبدا)017) 

وهكذا نرى القائد ا حالي للجمهورية الإسلامية الإيرانية السيد علي الخامنئي لا يدع 
مناسبة إلا ويدعو فيها للوحدة الإسلامية» وخاصة في المناسبة السنوية التي تستضيف فيها 
إيران مؤتمر الوحدة الإسلامية المرتبط بمناسبة ولادة الرسول # والذي يدعى له النخبة المثقفة 
من العالم الإسلامي. 

ومن خطاباته في بعض تلك المؤتمرات. والتي يذكر فيها تصوره للوحدة الإسلامية 
قوله: (اليوم يعد الاتحاد في الأمّة الإسلامية أكثر ضرورة من أي شيء آخر. فعلينا أن نصنع 
الوحدة ونوحٌد كلمتنا ونجعل قلوبنا واحدة» فهذا تكليف كل من يمكن أن يكون له تأثير في 
هذه الأمّة الإسلامية الكبرى. سواء الحكومات أو المثقفون أو العلماء أو الفاعلون على المسرح 
السام أو الاجتماعيّ. وكل واحد من هؤلاء» في أي دولة من الدول الإسلامية» مكلّفٌ 
باستنهاض الأمّة الإسلامية وبيان هذه الحقائق» فليبيّتوا هذه الأوضاع المرّة التي أوجدها أعداء 
الإسلام للناس ويدعوهم لتحمّل مسؤوليتهم؛ فهذه وظيفة الجميع)”) 

ثم بين أن ما يحصل من خلاف بين المسلمين هو بسبب المؤامرة الكبرى التي قام بها 
الأعداء» ولا يزالوان» يقول: (اعلموا أن أعداء الإسلام والمسلمين يعتمدون بشكلٍ أساس 
اليوم على إيجاد الخلافات والتفرقة. إنهم لا يريدون أن تتقارب القلوب. لأثْهم يعلمون أن 
الأيادي إذا تماسكت والقلوب إذا تقاربت فإِنْ الأمّة الإسلامية ستبدأ بالتفكير في معالحة 
مشاكلها الكبرى. وإِنْ منشأ أكثر هذه المشاكل ‏ التي تُعدٌ قضيّة فلسطين منهاء ومنها قضيّة هذه 
الدولة الصهيونية المختلّقة ‏ هم هؤلاء المقتدرون في هذا العالم. فالعدو يعلم أَنّنا سنتمركزه وأن 


كل الأمّة الإسلامية في جميع قواها سوف تتحرّك على هذا الطريق حتى نواجه هذا الاعتداء 


020( المرجع السابق» ج4. ص: 1١5٠‏ 
زفق خطابات الخامنئي ١‏ ص ه0(. 


8 


السافر الذي يجري, لهذا لا يسمحون بتقارب القلوب) 21372 

وهو يذكر ‏ كمثال على الوسائل التي يستعملها الأعداء لنشر الفرقة بين المسلمين ‏ ما 
استعملوه من [الخلاف السني الشيعي] والذي انطلى على الكثير من المسلمين» يقول: (واليوم 
نداء التفرقة يرتفع من قبل أعداء الإسلام. وقضيّة الشيعة والسئة يطرحها اليوم الأمريكيون 
والإنكليزء وهذا عادٌ. فالمحلّلون الأمريكيون والإنكليز والغربيُّون» من جملة القضايا التي 
يطرحونها ويتباحثون بشأها ويؤكدون عليها هي قيامهم بالفصل بين الإسلام السئي والإسلام 
الشيعيّ وإيجاد النزاعات بينهم. إن هذا ما يريده العدوٌ وهذا ما كان يفعله دوماً. وقد سعى 
أعداء عالم الإسلام دوماً إلى أن يستغلّوا بأقصى ما يمكن هذه الخلافات المذهبية والقومية 
والجغرافية والإقليمية. وهم اليوم يستخدمون الوسائل الحديثة من أجل هذا العمل. وعلينا أن 
نلتفت إلى هذا الأمر ونكون يقظين. يريدوننا أن ننشغل ببعض لكي ننصرف عن تلك المسألة 
الأساس التي ينبغي أن نتوجّه إليها. يريدون أن ينشغل المسلمون» شعوباً ومذاهب شيعة وسنّة 
وغيرهماء ببعضهم بعضاً حتّى ينسوا قضيّة إسرائيل. يجب أن تقرّبنا حادثة اغتصاب فلسطين 
إلى بعضنا بعضا. وها هم اليوم يستغلّون هذه القضيّة من أجل إبعادنا عن بعضنا بعضاً. !نم 
تحدئون الاختلاف في العالم الإسلاميّ حول نفس هذه القضيّة الفلسطينية» ويجعلون الدول في 
مواجهة بعضها بعضاً. إن قضيّة فلسطين قضيّة واضحة ولا يوجد عند أي مذهب من المذاهب 
الإسلامية أي شك بأنّه إذا تعرّضت أراضي الإسلام والمسلمين في أي وقت من الأوقات 
للهجوم والاعتداء فإنّ الدفاع واجبٌ على جميع المسلمين. فإنَّ كلّ المذاهب الإسلامية تجمع 
على هذا الأمر. وهو ليس محل اختلاف. ومثل هذه القضيّة المتّمّقَ عليها يجعلونها مورد شك 


ويفرقون المسلمين ويشتتونهم» ويزيدون من العصبيات المذهبية والطائفية في القلوب 


ع 


بي 


)غ0( خطابات الخامنئي 5٠‏ ص١ه0.‏ 


57 


ويؤججون نيرانهاء حتى يقوموا با يريدون بسهولة) 217 
ويذكر اهتمام الجمهورية الإسلامية منذ نشأتها بالوحدة الإسلامية» ودعوتها لها بكل الوسائل» 
يقول: (علينا أن نستيقظ. وهذه هي كلمة الجمهورية الإسلامية. فالجمهورية الإسلامية منذ 
بداية تأسيسها جعلت في الأسطر الأولى الأساس من أهدافها اتحاد المسلمين وتقارب قلوبهم 
ومنها قضية فلسطين» وني كلمات إمامنا الراحل قدس سره تظهر هاتان القضيتان بوضوح تام 
وجلاء: إحداهما قضيّة إتحاد المسلمين في جميع القضايا والتقليل من خلافاتهم والتخفيف من 
اختلافاتهم ومنع الخلافات الفكرية والفقهية والكلامية وأمثالها من أن تمرٌ هاتين الفتتين إلى 
العداوة والتناحر» والقضيّة الأخرى هي قضية فلسطينء وقد التزمت الجمهورية الإسلامية 
بهذا الكلام. ونحن ندفع أثانه باهظة. إن شعبنا ينظر إلى هذه القضيّة كواجب ومسؤولية 
شرعية ويعلم أنّنا إذا استطعنا أن نُخرج هذا السرطان المهلك والخطر من جسد المجتمع 
الإسلاميّ إن الكثير من مشاكل مجتمعاتنا الإسلامية سوف حل وسوف يحل مكاتها الكثير من 
التعاون)() 

 "‏ الدعوة لإصلاح الواقع الإسلامي: 

الدعوة لإصلاح الواقع الإسلامي: 

انطلاقا من الأخوة التي يستشعرها النظام الإيراني تجاه جميع المسلمين؛ فإنه لم يكتف 
فقط بالدعوة للوحدة بين الحكومات والشعوب الإسلامية» وإنما دعا كذلك إلى خروج 
المسلمين من هيمنة الغرب, والفكر الغربي عليهم وذلك بالعودة إلى الإسلام في جميع مجالاته» 
والاستفادة من التجربة الإيرانية في ذلكء والتي استطاعت التخلص من الهيمنة الأمريكية» 


والاستقلال التام عن الشرق والغرب» والتمسك بالإسلام وحده» باعتبار النظام الإلهي الذي 


دلق المرجع السابق» ص 6/. 
زفق المرجع السابق» ص1 لا. 


ا 


يملك المنظومة الإصلاحية الشاملة المستغنية بذاتهاء والمتوافقة مع الفطرة. 

وهذا ما أطلق عليه مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية» وفيلسوفها الإمام الخميني 
[تصدير الثورة]ء والذي أسيء فهمه كثيراء لا من الحكام الخائفين على عروشهم فقط» بل من 
رجال الدين أنفسهم الذين راحوا يؤولون هذا بكونه تصديرا للتشيع» مع أن الخميني لم يتذكر 
التشيع أبداء بل تحدث عن قضايا مشتركة» يتفق عليها المسلمون جميعا. 

وقد فسر الخميني مراده من تصدير الثورة» ورد على الشبه التي يلفقها الأعداء حوها في 
مناسبات كثيرة» ومن ذلك قوله: (إن الهدف من تصدير الثورة إلى الدول الإسلامية وكافة 
الدول التي يناضل فيها المنتضعفون ضد المستكبرين هو الوصول إلى حالة معينة تكون فيها 
الحكومة غير مستبدة وغير ظالمة» ولا يكون الشعب فيها عدواً للحكومة. فهدفنا الأصلي هو 
المصالحة بين الشعوب والحكومات؛ فلو قامت حكومات بلدان العالم بدراسة التجربة الإيرانية 
واطلعت على حقيقة العلاقة بين الحكومة والشعب لتأثرت أي) تأثر)(1) 

ويذكر بأسف ما تقوم به ما يسميها (الأقلام المأجورة ووكالات الأنباء والقنوات 
المغرضة التي تعادي إيران حكومة وشعباً) من تشويه (صورة الثورة في الخارجء والجميع هنا 
يعرف الهدف من ذلك. فحكومتنا وشعبنا ملتحمين متحدين ويقف فيها الجامعيون مع رجال 
الدين جنباً إلى جنب وكذلك بقية فئات الشعب كما ينصهر الجيش والعسكر مع عامة الشعب 
في بوتقة واحدة» ومع وجود هذا التلاحم لا يمكن للغرب أن يصل إلى أهدافه ولا يمكن 
لحكومة خائنة أن تصل للسلطة وتعمل على خدمة المصالح الغربية. فلو أدل وزير أو رئيس 
الوزراء بكلمة تصب في مصالح الغرب لواجه معارضة شديدة من الشعب)”) 


وهو يذكر بأسف الدور الذي قام به رجال الدين في الدول الإسلامية من تشويه إيران» 


2000 صحيفة الإمام» ج7١.‏ ص: 9/. 


زفق المرجع السابق» ج117. ص: 54 


امجيس 


بدل أن يدعموهاء ويستفيدوا من تجربتهاء فيقول: (إننا فضلًا عن المعاناة التي تسببها لنا أمريكا 
والاتحاد السوفيتي فإننا في مواجهة فتنة عظيمة تتمثل بأولئك الذين يدّعون التدين ويتحدثون 
باسم الدين» والكثير من هؤلاء يتربع على رأس ارم الديني ومؤسسات الإفتاء في العالم 
الإسلامي. حيث يفسر هؤلاء كلامنا ى] يحلو لهم» ومن ثم يتهموننا بالكفر ويعتبرونا من 
الخارجين عن الدين. فإن كان ذلك ناتجاً عن سوء فهم فإني أنصح هؤلاء بالدراسة المعمقة 
والاطلاع الدقيق على الحقائق ليدركوا فداحة الخطأ الذي ارتكبوه وبطلان التهم التي انبالوا 
بها عليناء وأن الغرب هو الرابح الوحيد لانعكاسات هذه الفتنة» وإن كان في ذلك تعمداً 
مغرضاً فليعلم هؤلاء بأمهم يواجهون دولة إسلامية سعت ومازلت تسعى لرص الصفوف 
والمصالحة بين الإخوة في سبيل اتحاد الدول الإسلامية بعيداً عن أسلوب التكفير الذي يتبعه 
الجبناء ولكن البعض ممن يرتدي لباس الإفتاء ويلقب بالمفتي الأعظم والشيخ الأكبر راح ينشر 
سمومه ويغرس مخالبه) 23١7)‏ 

ثم يتساءل متعجبا من المصادر التي يستقي منها هؤلاء مواقفهم» وعن علاقتها بالدين؛ 
فيقول: ١لماذا‏ يقوم البعض في الحجاز والكويت والأماكن الأخرى بتأويل كلامنا وتوجيه التهم 
الباطلة إلى دولة إسلامية تسعى لإيجاد الوحدة بين المسلمين وتناضل من أجل طرد الغرب من 
أرض المسلمين؟ أن هؤلاء يخدمون الغرب من جهة ويفرقون المسلمين من جهة أخرى.. ألا 
يعلمون أنه لا تجوز إثارة التفرقة بين المسلمين وأن ذلك مخالف للنص القرآني؟.. ألا يعلمون 
ذلك حقاً أم أنهم يعملون على خدمة الغرب عن عمد وقصد لا سمح الله؟.. ألا يعلم هؤلاء 
بآن أفعالهم وتصرفاتهم هذه مخالفة للإسلام وتعاليمه وتصب في مصلحة الغرب ليس إلا؟.. 


ألا يعلم هؤلاء أغهم بأفعالههم وأقوالهم هذه يخدمون الغرب عن قصد أو غير قصد؟)(2) 


دلق المرجع السابق» ج7١2‏ ص: 4/. 
زفق المرجع السابق» ج117. ص: 6 


خلا 


وهو يذكر الشبه التي يوردها المغرضون من أجل تشويه الثورة الإسلامية» حتى لا 
تستفيد منها سائر البلاد الإسلامية» ومن الأمثلة على ذلك قوله: (عندما نتحدث نحن عن 
الإمام المهديء وهو القوة التنفيذية في الإسلام؛ فإننا نقصد أنه سيملاً الأرض بالعدل ولديهم 
هم نفس المعنى (يملاً الأرض قسطاً وعدلًا بعد أن ملئت ظلماً وجوراً)» ونحن نقول إن الأنبياء 
لم يوفقوا في الوصول إلى أهدافهم بشكل كامل» وسيرسل الله سبحانه وتعالى في آخر الزمان من 
يتابع طريق الأنبياء ويحقق أهدافهم المنشودة بشكل كاملء لكن هؤلاء الناس ولا أدري أن 
كانوا متعمدين أم غافلين راحوا يؤولون كلامنا ومعتقداتنا وقالوا بآن فلان يزعم بأن الإمام 
المهدي سيتمم الشريعة» إن هذا الأمر يبعث على الأسف الشديد وهو مخالف لا نعتقده فنحن 
نعتبر الإمام المهدي (عليه السلام) خادماً للإسلام وتابعاً لرسول الإسلام وهو في نفس الوقت 
نور عين رسول الله» وسيجري كل ما أمر به الرسول الأكرم 205 

وهو يبين المنهج الذي تصدر به الثورة؛ فيقول: (كونوا على ثقة بأنه لو تحقق الإسلام 
بكل معانيه في ايران» فإن الدول سوف تقتفي هذا النهج الواحدة تلو الأخرىء إن كل فئة تأت 
إلى هنا تقول بأن شعبها مهتم بإيران ويسعى لتحقيق هذا ال هدف هناكء ني العراق والكويت 
ومصر وفي كل مكان. فلو أدّينا هذا الدور بشكل جيد وطبقنا الإسلام ى) هو في ايران» فإنه 
بالاضافة إلى انتصارنا حتى النهاية بإذن الله سينتقل منا إلى الشعوب الإسلامية. ونحن نطمح 
أن تقام حكومة العدل الإسلامي في جميع البلاد الإسلامية! لقد كان حب مختلف الفئات من 
أبناء الشعب لهذا النظام الإسلامي حباً إلياً ووجد بيد غيبية لدى كل الناس بحيث أن الأطفال 
الذين أخذوا ينطقون حديثاً وحتى الشيوخ الذين هم على عتبة القبر» كانوا صوتاً واحداً 


ويريدون الإسلام!)() 


)020( المرجع السابق» ج17١.‏ ص: 54 
(؟) المرجع السابق» ج١٠‏ ص: 1775. 


الذيرا 


وهو يبين للعالم الإسلامي السبب الذي جعل الثورة الإسلامية في إيران تتتصرء ليقوموا 
بنفس العمل» فيقول: (إن حب الإسلام هو الذي نصرناء وعلينا الآن أن نحفظ هذه الكرامة 
وهذا الحب! فلنعلم أن كل شيء مرتبط بالله وكل شيء يتم بيده وأن إرادته هي التي أوصلتنا 
إلى منتتصف طريق النصر. وإذا ما حفظنا الجهات التي ينبغي حفظهاء فإن هذه الإرادة ستبقى 
محفوظة- إن شاء الله- وستوصلنا إلى النصر النهائي! والنصر النهائي هو انتصار كل البلدان 
والمستضعفين على جميع المستكبرين)217 

وهكذا نرى الخميني في لقاءاته مع المسؤولين» وخصوصا ممن لهم علاقة بالخارج» 
ينصحهم بأن يعطوا صورة حسنة عن الإسلام» حتى يتبعهم غيرهم, ويقتدوا بهم. 

ومن أقواله في هذا المجال» وهو يخاطب سفراء الجمهورية الإسلامية الإيرانية» وجمع 
من أعضاء الاتحادات الطلابية الإسلامية في الخارج: (إن التزام السادة المقيمين في الخارج 
أصعب بكثير من التزامنا نحن المقيمين في الداخل» وذلك لأن شعبنا مطلع على الموازين 
والمعايبر الإسلامية» وعلى فرض قيام بعض الفئات والأشخاص بأفعال منافية للإسلام فإن 
الشعب سيدين ذلك ويستنكره. وأمّا من في الخارج فإنهم يقيمون في بيئة غير إسلامية ويعيشون 
وسط شعوب غير مسلمة» وحتى إن كانوا مسلمين فإن اهتمامهم بمسائل الإسلام ليس ى] 
يجبء ولهذا فإن أي سلوك أو تصرف يصدر عنكم ويكون خالفاً للإسلام» سيعتبره هؤلاء 
الجاهلون بالإسلام» من الإسلام» ويكوّنون تصوراً عن الإسلام من خلالكم. فلو كانت 
سفاراتنا في الخارج لا تزال تعيش الأجواء الطاغوتية أو ما هو قريب منهاء فهذا يعني أن 
الإسلام لم يدخلها أبدا)29» 


وينصحهم قائلا: (من أهم الأمور التي تقع في دائرة مسؤوليتكم ومسؤوليتناء مسألة 


.1775 المرجع السابق» ج١٠ ص:‎ )١( 
7 زفق المرجع السابق» ج117. ص:‎ 


520 


تجسيد قيم الإسلام والثورة من خلال سلوككم وطريقة تعاملكم مع العاملين في السفارة 
والناس الذين يراجعونهاء لإعطاء صورة مشرقة عن الإسلام؛ ما يسهم في تصدير ثورتكم إلى 
البلد الذي تقيمون فيه. فالالتزام بالقيم الأخلاقية ورعايتهاء يسري تأثيره في نفوس الناس» 
وذلك لأن المسائل الأخلاقية ذات جذور فطرية» ونفوس الناس مجبولة على تقبلهاء ففطرة 
الناس سليمة ولكن طريقة التربية هي التي تفسدها.. وعليكم أن تمارسوا دوركم التربوي 
والتوعوي في البلدان التي أنتم فيهاء ىا لو أنكم في بلدكم» وأن تصدروا الإسلام إليها وذلك 
من خلال الالتزام العمل بتعاليم الإسلام وآدابه وقيمه الأخلاقية» وتجسيد ذلك في سلوككم 
وتعاملكم مع الناس من حولكم)0(١)‏ 

ويقول: (عليكم أنتم السادة في السفارات أن تحافظوا على البساطة فيها قدر الإمكان 
وأن تعاملوا من هم تحت أيديكم من الموظفين معاملة أخوية» على رغم إطاعتهم لكم, لابد أن 
تعاملوهم معاملة أخوية. كذلك ينبغي أن تكون معاملة ضيوفكم» بحيث يشعر كل قادم 
بتجسد الإسلام عملياً في سلوككم. فنحن مهما ادعينا بأننا مسلمون وأننا جمهورية إسلامية» 
فلن يصدقنا أحد مالم يطابق قولنا فعلنا ومالم نجسد الإسلام في سلوكنا وتصرفاتنا ومالم تكن 
سفاراتنا سفارات إسلامية. ولابد من ذلك حتى تصدر الثورة إلى البلدان الأخرى فإنه لا 
يمكن تصديرها بالقوة والإكراه» وهذه مهمتكم التي يمكن إنجازها من خلال سلوككم 
وكتاباتكم وإصداركم لمجلات فكرية إسلامية مصورة. واعلموا أنه لو سعيتم في تبليغ الثورة 
الإسلامية من موقعكم وكذلك قام الطلبة الإيرانيون في الخارج بتبليغ الثورة من موقعهم 
وقاموا بالرد على ما يكتب وينشر في الصحف والمجلات هناك وأثبتوا كذب إدعاءاتهم المغرضة 


ضد الثورة» فإن عملهم هذا سيسهم كثيراً في تصدير الثورة وتبيين حقائقها)”) 


دلق المرجع السابق» ج117. ص: 0 


زفق المرجع السابق» جا ص: 0 


511 


وفي لقاء له مع بعض الوفود من اند والباكستان وضح لهم مقصوده من تصدير الثورة؛ 
فقال: (إن المسألة الأخري هي تصدير الثورة» وقد قلت مراراً: إننا لانحارب أحداً لقد تم 
تصدير ثورتنا اليوم. ففي كل مكان نجد أن الإسلام يذكر» وأن المستضعفين يتطلعون إلى 
الإسلام يجب تقديم الإسلام إلى العالم ىما هو من خلال الدعايات الصحيحة؛ و عندما تعرف 
الشعوب حقيقة الإسلام فانها ستقبل عليه لامحالة» ونحن لانريد شيئاً إلا تطبيق أحكام 
الإسلام في العال) 207 

وهكذا نرى الخميني يقوم بنفس الدور من دعوة الشعوب الإسلامية كل حين لإصلاح 
حالماء والعودة للإسلام للتخلص من كل أشكال الهيمنة الغربية» ومن خطاباته في ذلك قوله 
في بعض مؤتمرات الوحدة الإسلامية: (الأمّة الإسلامية بلحاظ تعداد السكان تَثْل مجموعة 
عظيمة ‏ حولي المليار ونصف المليار نسمة هم مجموع الأمّة الإسلامية ‏ وإِنْ مناطق وجود هذه 
المجموعة العظيمة من حيث الوضع الجغرافي والخصائص الطبيعية والثروات الحيوية هي من 
أهمّ مناطق العالم وأكثرها حساسيّة» وبالرغم من أنه لا ينقصها شيء على صعيد القابليّات 
الإنسانية والإمكانات الطبيعية فإِنَ هذه الأمّة اليوم هي مجموعة حائرة. وعلامة حيرتها هو ما 
تاهدوه إن المصائب الكبرى في العالم تحدث بشكل أساس في هذه الدول الإسلامية. فالفقر 
في هذه الأمّة والظلم والتمييز فيها بيننا والتخلف العلميٌ والتكنولوجيّ والانهزام الثقافٌ 
والضعف الثقانّ كله يمثل حال الأمّة الإسلامية. والمقتدرون في هذا العالم يضيّعون حقٌ هذه 
الأمّة بكل بساطة وصراحة. ولا تستطيع هذه الأمّة الإسلامية أن تدافع عن حقها)() 

ويضرب لمم المثل على ذلك بها يحصل في فلسطينء فيقول: (انظروا اليوم إلى أوضاع 
فلسطينء فهي نموذج. ولا شكٌ بأنها نموذج هام جداًء لكنّه لا يختصٌ بفلسطين. فانظروا إلى 


020( المرجع السابق» ج6١.‏ ص: ااا 
زفق خطابات الخامنئى 0,7٠‏ ص ”لا 


الملا 


فلسطين» سترون أن الأمّة الإسلامية تعانٍ من جرح كبير في جسدهاء وهو قضيّة شعب 
فلسطين العظيم وأرض فلسطين التاريخية المقدّسة. ماذا أنزلوا بهذه الأرض؟» وعلى رأس هذا 
الشعب؟ وماذا يفعلون بو لاء الناس؟ وهل يمكن نسيان ما جرى على غزة؟ وهل يمكن محوه 
من ذاكرة الأمّة الإسلامية؟ .. لقد آلت أوضاع الأمّة الإسلامية مقابل هذه الظاهرة إلى حدٌ 
وكأن ما يحصل لا علاقة لها به» وكأن ما يُغصب ليست حقها وكأنها ليس هي التي تتعرّض 
للظلم. فلماذا نحن هكذا؟ ولماذا ابتليت الأمّة الإسلامية بهذه الحالة؟ لقد أوجد أعداء الإسلام 
والأمّة الإسلامية ذلك السرطان المهلك الخطر المسمّى دولة إسرائيل الصهيونية المزعومة في 
هذه المنطقة. والداعمون لهذا الكيان شركاء له في الظلم والجرائم الكبيرة التي يرتكبها. وها هم 
يدافعون عن إسرائيل ولا يمكن للأمّة الإسلامية أن تدافع عن نفسهاء فهذا ضعفنا. لماذا؟ علينا 
أن نجبر هذا الضعف بالرجوع إلى الإسلام وبجعل تعاليم الرسول المكرّم محوراً لكافة 
اهتّاماتنا) (1) 

هذه تصورات قادة الثورة الإسلامية لمعنى تصدير الثورة الذي أسيء فهمه. لا من 
السياسيين فقط» وإنما من المتدينين» بل من رجال الدين أنفسهم. الذين لم يقرؤوا ولو كلمة 
واحدة ما قاله هؤلاء القادة» واكتفوا بما يملى عليهم, أو بم| تذكره وسائل الإعلام, أو بم يذكره 
سادتهم من السياسيين. 

خامسا ‏ ولاية الفقيه والتعامل مع العالم: 

خامسا ‏ ولاية الفقيه والتعامل مع العالم: 

الرؤية المبدئية التي ينطلق منها النظام الإيراني في تعامله مع العالم هي ما نص عليه الإمام 
علي في وصيته لمالك الأشتر حين ولآه مصر وقال له: (لا تكوننَ عليهم سبعاً ضارياً تغتنم 


)غ0( خطابات الخامنئى دل ص "لا 


7 1/ 


أكلهم؛ فإنهم صنفان؛ إِما أخ لك في الدين» أو نظيرٌ لك في الخلق)007 

أو ما نص عليه قبل ذلك ما ورد في القرآن الكريم من الآمر بلزوم رعاية العدل. وعدم 
التتجاوز بالنسبة إلى أي إنسان ‏ مسلا كان أو غير مسلم ‏ كما في قوله تعالى: #إلا يَنْهَاكُمُ الله عَنٍ 
الَّذِينَيُقَاتِلُوكُمْ في الدّينٍ و ْرِجُوكُمْ من دِيَارِكُمْ أن تَبَدُوَهُمْ وَُفْسِطُوا إِلَيْهِمْ إن اللَنحبُ 
الْفُسِطِينَ» [الممتحنة: 8] 

ولهذاء فإن قادة الثورة الإسلامية لم ينظروا إلى العالم غير المسلم بكونه كافراء يجب 
استئصاله ى) تؤمن الحركات الإسلامية المتطرفة» وإن| ينظرون إليه باعتباره عالما محترما يحتاج 
منا أن نعرض له الإسلام بصورة حسنة» وأن نعايش قضاياه ومشاكله» ونحاول علاجه من 
منطلق الأخوة الإنسانية» لا من منطلق الهيمنة والاستبداد. 

ولهذا نلاحظ الإمام الخميني يصحح للحركة الإسلامية تعاملها مع العالم» فهو يرى أن 
الصراع ليس صراعا عقائديا بين الكفر والإيهان» وإنما هو صراع بين المستكبرين والمستضعفين» 
كما نص على ذلك القرآن الكريم في آيات كثيرة كقوله تعالى حكاية عن قوم صالح عليه السلام: 
لقَالَ مله الَِّينَ اسْتكْيرُوا من قَوْمهِ لِلَّذِينَ اسْتْضْعِفُوا يَنْآمَنَمِنّْهُمْ أتَْلَمُونَ أن صَاحَا مُرْسَلُ 
مِنْ رَبّهِ قَانُوا نابا أَرسِلٌ به مُؤْمنُونَ 070 قَالَ الَّذِينَ اسْتَخيئوا إل 
(/) # [الأعراف: هل/ا - /ا/ا] 

وقد نص على المبادئ التي تقوم عليها العلاقة بين إيران ودول العالم الإمام الخميني حين 
سئل عن سياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية تجاه الدول الأوروبية» فأجاب بقوله: إننا نريد 


الذي آمَنْتَمُ به كَافِرُونَ 


- 


المتبادل ما عدا الدول التى تعاملنا معاملة عدائية» وتريد أن تظلمناء وتحاول السيطرة عليناء 


فإننا نرفض ذلك» ولن نسمح لأحد أن يتدخل في أمور بلادناء ويتحكم فيهاء ىا كان يتتحكم 
)١(‏ نبج البلاغة الكتاب ("01). 


184 


فيها في العهد البائد. فنحن ‏ طبعاً لا نستطيع أن نقيم علاقات ودية مع هؤلاء. أما الدول التي 
هما معنا خلاقاك حستة؛ فلا مغها علاقات -كسنة أيضا. فإذا احتاجت هذه الدول إلى شيء 
نمتلكه نحن, واحتجنا نحن إلى شيء يمتلكونه همء فلا مانع من التبادل» فمثلًا: إذا كان هؤلاء 
يحتاجون إلى النفط» ونحن نحتاج إلى أشياء محدودة» فهذا تبادل يمكن أن يحصل بشكل طبيعي 
بين الأفراد ى| يمكن أن يحصل بين الدول. وأمر ذلك يعود طبعاً إلى مجلس الثورة» ثم إلى 
الحكومة)(1) 

وانطلاقا من النصوص المقدسة الداعية إلى البراءة من المستكبرين» وتحديهم» وعدم 
الركون إليهم نرى الخميني يوجه نداءاته المتتالية للمسلمين للوقوف في وجه الاستكبار العالمي؛ 
وإظهار البراءة منه» وهو ما أثار عليه غضب كل أذناب الاستكبار الذين يعتبرون أنفسهم 
حلفاء لهم» مع أخهم ليسوا سوى عبيد بين يديه. 

وقد رد الخميني على هؤ لاء» وخصوصا رجال الدين الذين وقفوا ضد دعوة الخميني؛ 
بل راحوا يصورونها بصورة التمدد الشيعيء لا بصورة النهضة الإسلامية» يقول الخميني: (من 
المسلم به أن المستعمرين وأعداء الشعوب لن يقر لحم قرار بعد هذه المراسم» وسوف يتوسلون 
بكافة المكائد والحيل ويحوكون المؤامرات ويستنجدون بعلماء البلاط وأجراء السلاطين 
والقوميين والمنافقين» ويتجهون نحو الفلسفة والتفسير المغلوط والمنحرفء ويقدمون على أي 
عمل يضمن لهم نزع أسلحة المسلمين وتوجيه ضربة قاصمة لأبهة واقتدار أمة محمد يه و ربا 
يقول الجهال المتنسكون أنه لابجب هتك حرمة بيت الله وكعبة الآمال بالشعارات والمظاهرات 
والمسيرات وإعلان البراءة» وأن الحج عبادة وذكر وليس ميدان استعراض وقتال» و ربا يوحي 
العلماء المتهتكون بأَنْ القتال والحرب والبراءة من عمل رجال الدنياء وولوج السياسة وفي أيام 


الحج بالذات دون شأن علماء الدين.. إِنَ هذه الإيحاءات تعد من خفي سياسات المستعمرين 
)١(‏ صحيفة الإمام» ج١1‏ ص: 170 . 


51 


وتحريضاتهم, لذا ينبغي على المسلمين أن بهبوا للدفاع عن القيم الالهية ومصالح المسلمين 
ويواجهوا الأعداء بكل الامكانيات والسبل المتاحة» وأن يرصوا صفوفهم لهذا الدفاع المقدس» 
وألا يفسحوا المجال لؤلاء الجهلة والمستائين وأتباع الشيطان للانقضاض على عقيدة وعزة 
المسلمين) 212 

ثم يبين المغزى من الدعوة إلى البراءة من المستكبرين والوقوف في وجههم. فيقول: (إِنْ 
صرختنا بالبراءة من المشركين اليوم هي صرخة من جور الظالمين» وصرخة شعب ضاق ذرعاً 
من تطاول الشرق والغرب عليه وعلى رأسهم أمريكا وأذناءهاء ونهب بيته ووطنه وثروته) 7) 

ثم يذكر ناذج عن المستضعفينء وما قام به المستكبرون تجاههم. يقول: (تمثل صر ختنا 
بالبراءة صرخة الشعب الأفغاني المظلوم» وأنا متأسف من عدم إصغاء الاتحاد السوفيتي 
لتحذيري بشأن افغانستان, فقام بمهاجمة هذه الدولة الإسلامية؛ قلت مراراً وأنا الآن أقول: 
دعوا الشعب الأفغاني وشأنه» دعوه يحدد مصيره بنفسه ويتكفل باستقلال بلده؛ أنه ليس 
بحاجة لولاية من الكرملين أو وصاية من أمريكاء ومن المسلم أنه لن يستسلم لسلطة أخرى 
بعد خروج الجنود الأجانب من وطنه. وسوف يقصمون ظهر أمريكا فيهما لو نوت التدخل في 
شؤون بلدهم.. و تمثل صرختنا كذلك صرخة الشعب الإفريقي المسلم» صرخة إخواننا 
وأخواتنا في الدين الذين يتحملون سياط ظلم الأشقياء العنصريين لا لشيء إلا لاسوداد 
بشرتهم.. إن هتافنا بالبراءة هو هتاف الشعب اللبناني والفلسطيني وكافة الشعوب الأخرى 
التي نهبت القوى العظمى نظير أمريكا واسرائيل ثرواتها وترنو إليها بطمع؛ فنصبت عملاتئها 
ومأجوريها على تلك الشعوب» وأمسكت بمقاليد الأمور في بلدانهم وهي تبعد آلاف الكيلو 
مترات» وأحكمت قبضتها على حدودها البرية والبحرية.. إن صرختنا بالبراءة هي صرخة 


)0غ( المرجع السابق» ج١”.‏ ص: 0 
0( المرجع السابق» ج .7١‏ ص: كلك 


4 


البراءة من جنيع الشعوب التي ضاقت ذرعاً بتفرعن أمريكا وغطرستهاء والتي لاترغب بكظم 
غيظها في حناجرها إلى الأبد» وأزمعت أن تعيش حرة وتموت حرة) )١(‏ 

وهو يرى أن هذه البراءة ليست خاصة بالمستضعفين من بلاد العالم الإسلامي» بل هي 
تشمل المستضعفين في جميع العالم» يقول: (تمثل صرختنا بالبراءة صرخة الدفاع عن المذهب 
والشرف والعرضء وصرخة الذود عن الأموال والثروات.و الصرخة المؤلمة للشعوب التي 
مزقت حربة الكفر والنفاق قلوبهم الطاهرة.. إن صرختنا بالبراءة هي صرخة الفقر والفاقة 
للجائعين والمحرومين لما ابتز المموهون واللصوص المحترفون حاصل عرق جبينهم وأتعابهم» 
وأقدموا على سلب ممتلكات الشعوب الفقيرة والفلاحين والعمال والكادحين باسم الراأسالية 
والاشتراكية والشيوعية» فربطوا شريان الاقتصاد العالمي بأنفسهم» وحرموا الناس من بلوغ 
أقل الحقوق) 27 

وانطلاقا من هذه المعاني حملت الثورة الإسلامية شعار [لا شرقية ولا غربية] لتبين عدم 
انحيازها لأي جهة أو دولة أو نظام» ولتعطي النموذج للمستضعفين حتى يتحرروا من التبيعة 
للشرق والغرب. يقول الخميني: (كان شعار [لاشرقية ولا غربية] الشعار المبدئي للثورة 
الإسلامية في عالم الجياع والمستضعفين» وراسم معالم السياسة الواقعية لعدم الانحياز في الدول 
الإسلامية» تلك الدول التي ستجعل الإسلام في القريب العاجل المدرسة الوحيدة لإنقاذ عالم 
البشرية» ولن تعدل عن هذه الاسياسة قيد أنملة» فلا يجب أن تعلق الدول الإسلامية 
والشعوب المسلمة في العالم آمالمها على الغرب وأوربا وأمريكا أو الشرق وروسيا) )00 


وهو يذكر أن من مقتضيات هذه الشعارات الخروج من أي تبعية ولأي جهة: يقول: 


.55١ المرجع السابق» ج١7؛ ص:‎ )١( 
.55١ (؟) المرجع السابق» ج١7؛ ص:‎ 


(”) المرجع السابق» ج١7؛‏ ص: 7557. 


501١ 





(لا يتصور متصور أن هذا الشعار مقطعي, بل هذه سياسة أبدية لنا ولشعبنا وللجمهورية 
الإسلامية ولكافة المسلمين في العالم؛ لأن شرط دخول صراط النعمة حق البراءة والابتعاد عن 
على المسلمين أن يفكروا في طرد الاستعمار من بلدانهم الإسلامية ويوظفوا كل طاقاتهم لذلك» 
وألا يجعلوا المستعمرين يستثمرون إمكانياتهم لصالحهم ولضرب الدول الإسلامية» فمن 
الخزي والعار على البلدان الإسلامية ورؤسائها أن يتوغل الأجانب إلى المراكز السرية 
والعسكرية للمسلمين» وعلى المسلمين أن لا يخشوا الضجيج والصخب والدعايات المغرضة» 
فإنٌ صروح الاستكبار العالمي وقدراته العسكرية والسياسية أوهن من بيت العنكبوت وتؤول 
إلى الانبيار.. يجب على المسلمين في العالم أن يعملوا على إصلاح القادة العملاء لبعض الدول» 
وأن يوقظوهم من هذا النوم العميق الذي يجعل مصالحهم ومصالح االشعوب الإسلامية في 
مهب الريح عن طريق النصيحة أو التهديد؛ وعليهم أن لايغفلوا عن خطر المنافقين ووسطاء 
الاستكبار العالمي» وأن لايقفوا مكتوفي الأيدي ويتفرجوا على مشهد اندحار الإسلام ونهبب 
ثرواته وانتهاك أعراض المسلمين) )١(‏ 

وهو يتحدث في كل مناسبة عن ضرورة وقوف الأمة جميعا مع فلسطين» ومواجهة 
العدو الصهيوني» وعدم الجلوس معه في أي مفاوضاتء يقول: (يجب أن تفكر الشعوب 
الإسلامية على إنقاذ فلسطين» وأن تعبر عن استنكارها الشديد من مساومة بعض القادة 
العملاء الذين أضاعوا أهداف مسلمي هذه المنطقة» وألا تسمح بجلوس هؤلاء الخونة على 
طاولة المفاوضات ليصبح ذلك وصمة عار في جبين الشعب الفلسطيني الباسل.. عجباً لو لاء 
البشر» فكل يوم يمضي على الكارثة المروعة لاغتصاب فلسطين يزداد صمت ومساومة قادة 


الدول الإسلامية ومجاراة إسرائيل الغاصبة» حتى وصل الأمر إلى أن شعار تحرير بيت المقدس 


صراط الضالين» ويجب أن يطبق ذلك في كل المجتمعات الإسلامية وعلى كافة الأصعدة.. يجب 


.7557 المرجع السابق» ج١7 ص:‎ )١( 


الل 


لا يتناهى إلى الأسماع؛ ولئن قامت دولة كإيران التي تمر بحالة من الحرب والحصار بمساندة 
الشعب الفلسطيني لاستنكروا وشجبوا ذلك. حتىأئّْم يفزعون من تسمية أحد الأيام بيوم 
القدس.. أخشى أن يتصور أولئك أن مرور الزمن سيلمع صورة اسرائيل والصهيونية» أو أن 
الذئاب الصهيونية الضارية قد تخلت عن فكرة تكوين بلد يمتد من النيل إلى الفرات) )١7‏ 

وهو يبين أن سياسة إيران نحو فلسطين مثل سياستها نحو جميع المستضعفين سياسة 
ثابتة ومستمرة حتى لو خالفها في ذلك جميع المسلمين» يقول: (لن يقلع المسؤولون الايرانيون 
المحترمون وشعبنا الأبي والشعوب الإسلامية عن قتال هذه الشجرة الخبيثة حتى استئصااء 
فتجب الاستفادة من عزم أنصار الإسلام والقدرة المعنوية لأمة محمد يي وإمكانيات الدول 
الإسلامية» وجعل إسرائيل نادمة عما ارتكبته من جرائم» وتحرير الأراضي المغتصبة عبر تشكيل 
خلايا للمقاومة في جميع أنحاء العالم.. إنني أحذر مجدداً من خطر استشراء الغدة السرطانية 
للصهانية في جسد الدول الإسلامية» وأعلن مساندة ايران شعباً وحكومة لنضال جميع 
الشعوب الإسلامية لا سيما الفتية الغيارى في طريق تحرير القدس» وأعرب عن جزيل شكري 
لشباب لبنان الأعزاء الذين رفعوا هامة الأمة الإسلامية عالياً بإذلالهم المستعمرين» وأدعو 
لنصرة كافة الأحبة في داخل الأراضي المحتلة وخارجها الذين يوجهون ضربة قاسية لإسرائيل 
ومصا حها مستندين إلى سلاح الايهان والجهاد) © 

وعلى هذا النهج استمر القائد الحالي للثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي الذي لا يكاد 
تخلو خطاباته من الدعوة لمواجهة المستكبرين ونصرة المستضعفين» وبكل الوسائل» ومن ذلك 
قوله في بعض خطبه: (إننا نقول الشيء الذي في قلوبناء ونعلم أنّه حديث قلوب الشعوب 


وقلوب الكثير من الحكومات. إِنّْنا نعارض الاستكبار ونعارض نظام الهيمنة ونعارض بشدة 


)0( المرجع السابق» ج70ءاص: كك 
زفق المرجع السابق» ج١7»‏ ص: 7177. 


رذحن 


تسلّط بضعة بلدان على مصير العالم ونكافح هذا التسلّط ولا نسمح هم بالتلاعب بمصير 
العالم)(21 

وهو مثل| ذكر الخميني ‏ يذكر أن هذا الخطاب لن يعجب قوى الاستكبار العالمي» لهذا 
تلفق التهم كل حين, والتي لا تنطلي إلا على المغفلين» يقول: (ومن الواضح أن تعارضنا تلك 
ا حكومات فتتذرع بذرائع الملفٌ النوويّ وما يتّصل بحقوق الإنسان والديمقراطية. والكل في 
العالم يعلم أَئّم يكذبون ويمارسون الرياء والنفاق. وقد بعثوا مأمورهم ثانية إلى هنا يجول في 
أطراف الخليج الفارميّ ويكرّر نفس تلك الأكاذيب والهذيان ضدٌ الجمهورية الإسلامية: إيران 
تروم ا حصول على قنبلة نووية! من الذي يصدّق كلامكم؟ من يصدّق أنْكم تفكرون بمصالح 
شعوب هذه المنطقة؟ أنتم الذين سحقتم شعوب هذه المنطقة» ما استطعتم وبمقدار ما سمح 
لكمء تحت أقدام مصالحكم غير المشروعة.. أنتم مثيرو الحروبء أنتم هاجمتم العراق وهاجمتم 
أفغانستان وتهاجمون باكستان وتعيدون جرائمكم هذه في أيّ مكان آخر استطعتم, ثم تأتون 
لتصرّحوا ضد الجمهورية الإسلامية؟ جميع شعوب المنطقة تعلم والكثير من حكومات المنطقة 
تعلم أن الجمهورية الإسلامية تناصر السلام وتناصر الأخوة وتناصر عرّة بلدان هذه المنطقة 
وعرّة البلدان الإسلامية)(2) 

هذه ناذج بسيطة عن موقف الجمهورية الإسلامية الإيرانية من دول العالم وشعوبهاء 
فهي تقسمها بحسب التقسيم القرآن إلى المستضعفين والمستكبرين» وتدعو إلى مواجهة 
المستكبرين مهما كان دينهم» حتى لو ادعوا الإسلام» وتدعو إلى مناصرة المستضعفين» حتى لو 
كانوا من غير المسلمين. 


وذلك كله ليس سوى تطبيق لما ورد في القرآن الكريم من الدعوة لاحترام الشعوب 


)غ0( خطابات الخامنئى ٠‏ ص5ث:. 


0( المرجع السابق» » ص؟ 5 . 


530 


بعضها لبعضء. وحوار بعضها مع بعضهاء وتعاونها جميعا على نصرة المستضعفين» ومواجهة 
المستكبرين» كما قال تعالى: » وهو ما نص عليه قوله تعالى: #إوَمَا لَكُمْ لا تَُاتلُونَ في سَسِيلٍ الله 
وَاُسْتَضْعَفِينَ من الرّجَالٍ وَالنسَاءِ وَالْولْدَانِ الّذِينَ يَقَولُونَ ّنا أَحْرِجْنًا مِنْ هَذِه الْقَْيَة الظَالم 
هلها وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُدْكَ وَلِيّا وَاجْحَلَ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا (75) الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتلُونَ في صَبِيل 
اله لدو ورا يُعَاتَلُونَ في سَبِيلٍ الطَاعُوتٍ َقَاَلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانٍ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانٍ كَانَ 


اه [النساء: هلاء 5/ا] 


5306 


الفصل الخامس 
ولاية الفقيه.. والمساواة العادلة 


تعتبر [المساواة] ‏ بحسب مفهومها الإسلامي الأصيل ‏ من القيم الكبرى التي قامت 
عليها الجمهورية الإسلامية الإيرانية» ى) نص على ذلك قادتها ودستورهاء ودل عليه واقعهاء 
وهي قيمة تشمل جميع المواطنين بغض النظر عن أعراقهم وأجناسهم وأديانهم ومذاهبهم. 

ومن النصوص الدستورية الدالة على ذلك ما ورد في المادة التاسعة عشرة من الدستور 
الإيراني» والتي تنص على ما يلي: (يتمتع أفراد الشعب الإيراني ‏ من أية قومية أو قبيلة كانوا - 
بالمساواة في الحقوق ولا يعتبر اللون أو العنصر أو اللغة أو ما شابه ذلك سبباً للتفاضل) 

وتنص المادة العشرون على أن (حماية القانون تشمل جميع أفراد الشعب ‏ نساء ورجالاً - 
بصورة متساوية» وهم يتمتعون بجميع الحقوق الإنسانية والسياسية والاقتصاديّة والاجتاعية 
والثقافية ضمن الموازين الإسلامية) 

وقد نص كافة قادة الجمهورية الإسلامية ومفكروها وفقهاؤها على هذاء واعتبروه من 
أساسيات الشريعة» بل كان من الأهداف الكبرى للثورة الإسلامية في إيران مواجهة الحكم 
الأرستقراطي والطبقية التي كان يفرضها الشاه» ولذلك كان يرمي الإسلاميين وقادة الثورة 
الإسلاميين بكونهم يساريين وشيوعيينء لأنهم يطالبون بالمساواة» وحقوق العمال وحقوق 
اسفن 

والاهتام هذه القيمة هو الذي أكسب الثورة الإسلامية جمهورا عريضاء ومن جميع 
أطياف الناس»ء ذلك أن قادة تلك الثورة لم يعتبروا الصراع صراعا دينياء وإنما اعتبروه صراعا 


بين المستكبرين والمستضعفين. ولذلك وقف بجنبهم جميع المستضعفين. 


5305 


وعند مطالعة الخطابات والبيانات والنداءات التي كان يلقيها الخميني في ذلك الحين 
نكتشف نمطا عجيبا من الدعاة الذين استطاعوا بحنكتهم أن يكسبوا ود كل الشعب. لأنه مثل 
قضاياهم وحاجاتهم» وبين في نفس الوقت أن الشريعة الإسلامية هي وحدها من يمكنها أن 
تراعي تلك الحاجات. وأن تكفل تحققها في الواقع. 

وقد استطاع الخميني بذلك السلوك أن يقضي على تلك المقولة التي يطلقها الشيوعيون 
[الدين أفيون الشعوب].؛ حتى أن الكثير من اليساريين تخلوا عن تلك المقولة بعد أن رأوا الدور 
العظيم الذي قام به الخميني» بل فيهم من صار ملتزماء بل فيهم من أعلن إسلامه. 

وقد أشار إلى هذا بعض المواقع المغرضة الحاقدة عند ذكرها لإسلام روجيه جارودي. 
ففي مقال بعنوان [حقيقة روجيه جارودي]» ورد هذا النص: (جارودي والرافضة: الباطنية 
جميعاً أمة واحدة وإن تعددت وجوههاء أو اختلفت في بعض المواقف والتفاصيلء» وهكذا 
نجدها جميعاً في صف الثورة الرافضية التي فجرها كاهن النجف: الخميني» وجارودي منهم. 
ولذلك نجده يقول: (مع هالة الظفر الحائل للطف والقوة الروحية في مواجهة قوة الأسلحة 
المادية» صار الإمام الخميني القائد الباهر للبلاد باسم الأخلاقية الإلهية المقاومة لقمع الشيطان 
الأمريكي وربيبه؛ الشاه السابق)(2 . 

بل إن جارودي لم يكف عن ذكر ذلكء بعد أن ببره الانتصار التاريخي الذي حققته 
الثورة الإسلامية بقيادة الخميني وفي أقل مدة» وبأقل التضحيات» وفي أصعب الظروفء فقد 
قال يصفها في أحد مقالاته: (إن الثورة الإسلامية التي تزعمها الإمام الخميني لا تشبه حقا أياً 
من الثورات السابقة التي قامت لتغيير النظم السياسية» وكذلك الثورات الإجتاعية التي 
شهدها العالم تعبيراً عن نقمة الفقراء وسخطهم على الأغنياء وأفرغت جام غضبها على رؤوس 
المستعمرين والغاصبين. لكن الثورة الإسلامية الإيرانية هي الاخرى كانت تحظى بكل هذه 


إللق حقيقة روجيه جاروديء الشيخ عبد الحق التركاني» موقع الراصدء ٠١‏ يونيو .5١١51‏ 


53/ 


الدوافع والمسببات» كان لهذه الثورة إلى جانب ما تقدم معان جديدة .فانها لم تطح بحكومة 
سياسية وإجتاعية وإستعارية فحسب وان| اطاحت كذلك بحضارة ورؤية عالمية تميزة كانت 
قد تحدّت الدين)7) 

بل إن جاروي ‏ نتيجة انبهاره الشديد بالثورة الإسلامية الإيرانية ‏ وكيف استطاعت أن 
تنتصر على الطاغوت الذي يمثله الشاه» ومن يقف خلفه من قوى الاستكبار العالمي» راح 
يؤلف كتابه الذي عنونه [ثورة الإمام الخميني]» وقد ورد في التعريف به ما يلي: (يبدو أن 
مفاجأة جارودي بحدث اختصار الثورة الإسلامية بإيران كان وراء اعتناقه الإسلام» وإعلان 
ذلك أواخر عام .١‏ وف هذه الفترة بالذات نشر عدة كتب عن الإسلام منها: وعود 
الإسلام »148١‏ الإسلام والغرب 1917١م.‏ ولم يبرح هذا المفكر الكبير على طول الأعوام 
العشرين الماضية عن مواصلة نشاطه العلمي سواءً أكان عن طريق الكتابة والتأليف أم المساهمة 
بإلقاء تصوراته وإيصاها إلى الناس عن طريق المؤتمرات في كل مكان يقصده. وبعد مرور 
فشريق اما على انتضار الثورة الأسلامية بإيران»وبمتاشنة الذكرئ السنوية العاشرة لرتعيل 
الإمام الخميني بالذات استضاف المركز الإسلامي بلندن مؤتمرا تحت عنوان [نظريات الإمام 
الخميني حول المشاكل المعاصرة] وكانت هذه المقالة هي إحدى الدراسات التي قدمت لهذا 
المؤتمر. وقد ألقاها الفيلسوف روجيه غاروديء وفيها حاول التركز على دور الإمام الخميني 
كقائد روحي ينفرد بمزايا الخاصة» وعلى الثورة العصرية التي بض بها كأطروحة بديلة لنظام 
جديد يجمع بين المكونات التي تقوم عليها الفلسفة التكاملية)() 

وعند مطالعة ما يسمى [صحيفة الإمام] تلك الصحيفة التي جمعت خطب وبيانات 


ونداءات ولقاءات الخميني» وني أجزائها التى تنجاوز العشرين جزءا نجد الشعور بالمساواة 


)1١(‏ نقلاعن مقال بعنوان: الثورة الإسلامية في ايران وقيمها الثقافية» محمد سالارء موقع إذاعة طهران العربية. 


(١‏ ثورة الإمام الخميني» روجيه غارودي» صضص”7.. 


16 


مع جميع المواطنين تتجلى بأنصع صورهاء بل إن الخميني يتجاوز فيها المساواة والندية مع شعبه 
المحب له إلى أن يعتبر نفسه مجرد خادم متواضع له. 

ولا بأس أن نذكر هنا حادثة ترتبط بمدى تواضع الخميني» وهي من الحوادث الكثيرة 
التي جعلت شعبه يثق فيه» باعتباره يمثل كل ما يقوله خير تمثيل» ويرويها أحد موظفي مكتبه 
الخاص أيام حياته» واسمه [الشيخ هاتفي]» والتي قدم لا بقوله: (كانت تأت إلى بيت الإمام 
أصناف مختلفة من الزوار» منهم المسيحي ومنهم اليهودي ومنهم الشيوعي ومنهم الليبرالي» إلى 
جانب أحبائه وأنصاره طبعاًء ولكن الكثير منهم كان بمجرد أن يطلع على زوايا البيت الصغير 
الذي كان يعيش فيه الإمام يبدأ بالبكاء» لأنهم لم يكونوا يصدقوا أن يكون بإمكان رجل يعيش 
كل هذه البساطة والزهد ان يتحدى جبابرة عصره أو أن يكون بإمكان هذا الرجل الزاهد 
تأسيس دولة عصرية؛ وكا اعتقد فان مثل هذه المشاعر طبيعية جداً لأي إنسان يمتلك فطرة 
منليينة) 2 

ثم ذكر الحادثة» وهي من عشرات الحوادث المروية عنه كا ذكرنا؛ يقول: (في أحد الأيام 
أصاب الحنفية التي كان يتوضأ منها الإمام عطل بسيطء فأمر الإمام بإصلاح العطلء لكنا 
فضلنا إبدال الحنفية بأكملها بأخرى جديدة» وعندما علم الإمام ب| قمنابه أخذ يوبخنالما اعتبره 
إسرافا في صرف المالء بل إنه قال لنا بأنه سوف لن يتوضاً من هذه الحنفية الجديدة حتى يتم 
إبدالها بتلك الحنفية القديمة التي اضطررنا إلى إصلاحها فيم| بعد وفي حادثة مشابهة كنا قد 
قررنا إعادة طلاء الجدار الداخلي للحسينية التي كان يقابل فيها الإمام زواره وجماهيره» وذلك 
بعد أن لاحظنا أن جانباً من الجدار بدأ يستهلك, لكن الإمام وعندما سمع أصوات العمال وهم 
همون بالعمل خرج إلى شرفة المسجد ليطلب منا إيقاف العمل فوراء مشيراً إلى أن هذا المسجد 


سيبقى ى] هو دون أي تجميل أو إعادة بناء ما دام هو حياء قائلاً: (عندما أموت افعلوا ما 
)١(‏ انظر مقالا بعنوان: تواضع الإمام الخميني حير الأعداء. 


314 


تشاءون) 

والإمام الخميني يذكر لزواره الذين يتآثرون بزهده وتواضعه ما كان عليه رسول الله 
يه وما كان عليه أهل بيته» حتى يصرفهم عن النظر إليه إلى النظر القدوة الأكمل الذي أمرت 
الأمة جميعا بالتأمي به. 

ومن أقواله في ذلك: (النبيّ الكريم يي الذي كان علمه من الوحي الإلهيّ» وكانت 
ا ا ا 1 
العادات الجاهليّة والأديان الباطلة تحت قدميه» ونسخ جميع الكتبء واختتم حلقة النبوة 
بشخصه الكريم» وكان هو سلطان الدنيا والآخرة والمتصرّف في جميع العوالم بإذن الله» ومع 
ذلك كان تواضعه مع عباد الله أكثر من أيّ شخص آخر. كان يكره أن يقوم له أصحابه احتراماً» 
وإذا دخل مجلساً لم يتصدّره» ويتناول الطعام جالساً على الأرضء قائلاً: إِنَّي عبدٌ» آكل مثل 
العبيد وأجلس مجلس العبيد.. كان ذلك الإنسان العظيم يركب الحار مع غلامه أو غيره 
ويجلس على الأرض مع العبيد» وفي سيرته أنه كان يشترك في أعمال المنزل» ويحتلب الأغنام 
ويرقع ثيابه ويخصف نعله بيده» ويطحن مع خادمه ويعجن. ويحمل متاعه بنفسه. ويجالس 
الفقراء والمساكين ويأكل معهم.. هذه وأمثالهاء ناذج من سيرة ذلك الإنسان العظيم وتواضعه. 
مع أنه فضلاً عن مقامه المعنويّ كان في أكمل حالات الرئاسة الظاهريّة)(© 

وبناء على هذا؛ فإن الدعوة التي كان يدعو من خلاهها للمساواة بين جميع أفراد المجتمع» 
ومواجهة الطبقية والظلم الذي كان يوارسه النظام الارستقراطي الذي تبناه الشاه» لم تكن دعوة 
باللسان» وإنما كانت واقعا عمليا يعيشه؛ فهو كسائر أبناء المجتمع يعيش مثلم| يعيشونء ويتام 
لكل ما يتألمون. 


ولهذا نجد في كلماته حرارة نفتقدها في الكثير من الدعاة الذين نجد عندهم الكثير من 
)١(‏ الأربعون حديثاًء الإمام الخمينيٌ قدس سرهء ص 45-48.. 


00 


الكلام» ولا نجد عندهم ذرة من الأفعال المثبتة لما يقولون. 

ومن الأمثلة على ذلك أنه قبل الدورة الأولى لانتخابات رئاسة الجمهورية» تعرض 
لوعكة صحية» وذهب إلى مستشفى القلب في طهران» ورأى بعض مظاهر الرعاية الصحية 
التي قوبل بهاء قال وهو يخاطب شعبه وكأنه يعتذر له عن تلك العناية الخاصة التي عومل بها 
-: (أريد أن أقول كلمتين: الأولى عن حالتي التي هي والحمد لله ليست بسيئة» وربا وفر لي 
السادة الأطباء والسيد وزير الصحة الكثير من الخدمات التي لم نتعود نحن طلبة العلوم الدينية 
عليهاء وسأكون مسروراً حين أعلم أن هؤلاء السادة بهتمون ويوفرون الرعاية حالياً لسكّان 
الأكواخ والخيام في المدن الذين لم يكونوا يحظون بأي عناية في زمن الطاغوتء إن الخدمات 
الصحية تعتبر من الحاجات الأولية للناس» ويجب أن تتوفر للجميع؛ فلا تكون لشخص رعاية 
خاصة ولشخص آخر لا شيء» وأنا أرجو أن يبتم الأطباء أين| كانواء والحكومة ووزير الصحة 
والشعب بالوضع الصحي لسكان الأكواخ» هؤلاء الفقراء وهم عيال الله)(0© 

ولهذا؛ فإنه في كل خطاباته قبل الثورة وبعدها يوجه الأنظار إلى العامة والمستضعفين» 
ويطلب أن تتحقق المساواة والعدالة بين كل أفراد المجتمع» ومن ذلك قوله أثناء تواجده في 
باريس قبيل انتصار الثورة الإسلامية مخاطبا جمعا من الطلبة والويرانيين المقيمين في الخارج رد 
فيه على بعض ما نشرته الصحف الشيوعية حول برجوازية الإسلام» وكونه أفيونا للشعوب. 
وما جاء فيه قوله: (ينبغي أن نلاحظ هل أن القرآنء وهو مصدر الإسلام الأول» والإسلام 
وبنصوصه الأصلية التي لم تمسها أيدي التحريف؛ هل كان يدعو الناس إلى الخضوع للأغنياء 
والسكوت على ما يرتكبه أصحاب النفوذ والأقوياء من سرقات وتجاوز على ثرواتهم» وهل 
كان يمنيهم بالجنة ثمناً لهذا السكوتء أم أن القرآن فتح الحجاز وهزم الطواغيت بهؤلاء 
المعدمين والفقراء الذين لم يكن لكثير منهم مأوى؛ فيضطرون للمبيت في صفة المسجد متقاربين 


إبلق صحيفة الإمام» ج4» ص: 5148 


فيها بينهم ولم يكن لديهم ما يقتاتون عليه إلا القليل الذي يعطونه من هنا وهناك أو يحصلون 
عليه» بل كانوا يتقاسمون التمرة الواحدة فيا بينهم. فهل من يفعل هذا مخدرء أم أنك أنت 
الذي تريد تخدير الآخرين بمثل هذه الادعاءات؟! .. إن الذين يصفون الإسلام بالأفيون 
يريدون إغراق المسلمين في نوم الغفلة وإبعادهم عن دينهم ليتمكنوا من نهب ثرواتهم» إذن 
الآفيون هو ذات الادعاء بآن الإسلام أفيون الشعوب وليس الإسلام إذ أن إطلاق مثل هذه 
الادعاءات بهدف إلى استغفال الناس وتخديرهم؛ وهذا هو الأفيون الحقيقي وليس الدين الذي 
جاء به النبي الأكرم وفتح في عهده الحجاز بمجموعة قليلة من الفقراء فنشر القسط والعدل في 
0002 

ويذكر كيف واجه أولئك الضعفاء كبار الامبراطوريات العالمية كفارس والروم» وكيف 
استطاعوا أن مهزموهم؛ فقال: (وفي وقت كان الفرس يزينون خيوهم بالذهب وأمثاله» جاء 
هؤلاء الحفاة الحاسري الرؤوسء تتناوب كل مجموعة منهم على جمل أو حصان واحدء لآنهم 
كانوا يفتقرون إلى التعداد الكافي من الخيل والجمال والمؤن المناسبة؛ لكنهم كانوا مقتدرين: إذ 
منحتهم تعاليم الإسلام الأصلية تلك القوة الفائقة» وقد منحهم ذلك الذي جسد حقيقة 
الإسلام» تلك القوة التي جعلت من أولئك المعدمين الذين كانوا يتخطفهم الناس» يحملون 
سيوفهم اليوم ومبزمون هاتين الامبراطوريتين» وفي ذلك الوقت كانت هاتان الإمبراطوريتان 
تبيمنان على العالم؛ فكيف هزمههم) تعداد قليل من العرب المعدمين والصعاليك الذين كانت 
جيوشهم تفتقد العدة الكافية من السيوف والدروع وسائر المعدات الضرورية؟! لقد انطلق 
هؤلاء بأيد خالية لكنهم كانوا يتمتعون بقوة معنوية عالية وهبها لمهم الإسلام, فلم يكونوا مثلنا 
ضعاف النفوس والقلوب!! انطلقوا بتلك العدة القليلة والقوة الإلهية والدعامة التي وفرها 


.757١ المرجع السابق» ج5»؛ ص:‎ )١( 


ايران وبلاد الروم في وقت لم يمض على ظهور الإسلام ثلاثون عاماء وامتدت دولة الإسلام 
إلى ذاك الجانب من إفريقيا والى إسبانيا. غير أن المسلمين انفسهم أظهروا فيها بعد تراخياً 
وضعفاً وهذه قضية أخرى)7) 

ثم يذكر كيف كان رسول الله يَدِدِه وخلفاؤه من بعده؛ فيقول: (عندما ندرس مصادر 
الإسلام الأصلية لانجد فيها أي تأييد لمزاعم من قبيل الإسلام جاء لتسليط السلاطين 
والأقوياء على الفقراء والضعفاء» لنرى كيف كانت حياة دعاة الإسلام؟ على سبيل المثال» 
الرسول الأكرم ومن بعده الخلفاء الأوائل ‏ الذين كانوا على نحو آخر ‏ ثم الإمام علي أمير 
المؤمنين.. فهل كانت حياتهم تشبه حياة وعاظ البلاط؟ وهل كان للنبي يي بلاط أم أنه حارب 
البلاطات ودمرها؟!.. هل كان أمير المؤمنين من أصحاب البلاطات آم أنه جاهد سلطة كانت 
تتستر بالإسلام مثل سلطة معاوية» وقتاله هذه السلطة هو حجتنا الشرعية على جواز 
ومشروعية بل وجوب الجهاد الذي يخوضه المسلمون ضد هذه السلطة الفاسدة (نظام الشاه»؟ 
كما أن حجتنا الشرعية على مشروعية ذلك تستند أيضاً إلى عمل سيد الشهداء (الإمام الحسين). 
حيث جاهد الإمام علي وابنه سيد الشهداء هذين الرجلين اللذين تسلطا على الشامات)27) 

ويرد على دعوى اقتصار تحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية على النظام الديمقراطي؛ 
فيقول: (هل كانت الحكومة الإسلامية» ونقصد هنا صدر الإسلام ومصادره الأصلية» حكومة 
ديمقراطية أم نظاماً متجبراً استبدادياً؟! أعطونا ن|ذج من الدول الديمقراطية الأولى في العالمء 
تشابه ما ينقله التاريخ عن الحكم الإسلامي؛ وبعدها قولوا: إن هذا أفضل من ذاك) 

ثم راح ينقل لهم بعض الوقائع التاريخية عن رسول الله يوه والخلفاء من بعده؛ فيقول: 
(الروايات بهذا الخصوص كثيرة» ولكن أنقل لكم ناذج احدها عن حياة رسول الله 2 


.777 المرجع السابق» ج5»؛ ص:‎ )١( 
.777 (؟) المرجع السابق» ج5»؛ ص:‎ 


»والآخر عن أمير المؤمنين» وثالث عن الخليفة الثاني. فعندما أراد عمر الذهاب إلى مصر بعد 
فتحها وتعاظم قوة الإسلام الذي انتشر في كل مكان؛ كان لديه بعير يتناوب على ركوبه مع 
غلامه؛ فكان أحدهما يركبه والآخر يأخذ بزمامه ويقوده فإذا تعب ركبه ونزل الآخر وهكذا؛ 
وعندما دخل مصر كانت نوبة ركوب الراحلة لمرافقه الغلام» حسبا يروي التاريخ؛ فكان 
الخليفة يقود الراحلة والغلام راكبا واستقبله أهل مصر على هذه الحالة؛ هكذا كان حال 
الخليفة» ورغم مؤاخذاتنا على عمرء غير أن هذا التصرف تصرف إسلامي» وهو من بركات 
الإسلام وتجسيد لتعاليمه. وهكذا كان نبي الإسلام» إذ كان يمتطي الحمار» ويردف خلفه 
شخصاً آخر يشرح له أحكام الإسلام ويعلمه» هاتوا لنا نموذجاً واحداً من هذه الديمقراطيات 
يشابه هذه الناذج حيث يتعامل سلطان زمانه الذي كانت رقعة سلطنته تتسع عدة أضعاف عن 
رقعة إيران أو فرنساء هاتوا لنا بسلطان ديمقراطي يتعامل مع خادمه على هذا النحو فيتناوب 
معه ركوب الراحلة دون أية أمبة» انظروا كيف يدخل سلطان (ديمقراطي) فاتح دولة مهزمة» 
ثم قارنوا ذلك مع خليفة يدخل بلداً مفتوحاً مترجلا وبيده زمام راحلة استقر عليها غلامه 
الذي كان يتناوب مع الخليفة ركوبها؛ فجاءه أشراف مصر وعظموه جميعاً. فما ذلك إلا من 
وحي تعاليم الإسلام)07) 

ويبين لهم كيف كان رسول الله يده مع رعيته» وتواضعه معهم» وعدم استعلائه عليهم» 
بل كونهم كأحدهم, يقول: (والنبي الأكرم يك كان يجلس بين أصحابه ويعلمهم ويحدثهم 
ويبين الأحكام لهم ويقضي بينهم ويقوم بكافة مهامه بنحو إذا دخل الغريب لم يتمكن من 
التعرف عليه بين الجالسين؛ فلا يميز الحاكم عن الرعية؛ فلم يكن لديه حتى هذا المقعد الذي 
أجلستموه عليه إذ أنه كان يجلس على الأرض وعليها يتناول طعامه؛ وأي طعام بسيط هو؟ 


هل تتصورون أنهم كانوا يعدون له طعاماً ومائدة متنوعة؟! كلا. كيف كان إدام الإمام أمير 


دلق المرجع السابق» ج5» ص: 0-1 


المؤمنين الذي كان يحكم دولة تزيد مساحتها على مساحة ايران أضعافا مضاعفة؟ كان طعامه 
قطعة من خبز الشعير يضعها في جراب ويختم عليها لكي لا تصب عليها ابنته مثلّا شيئاً من 
الزيت يرطبها قليلًا شفقة عليه» أجل هذا الخبز اليابس هو طعام (الامبراطور) الذي كان يحكم 
دولة عظيمة» وهكذا كان سلوكه) (1) 

ويضرب لهم مثالا على المساواة التي كان ييارسها رسول الله ييه إبان توليه قيادة 
المسلمين في المدينة المنورة» باعتباره ‏ | يذكر الخميني ‏ أول ولي فقيه في هذه الأمة؛ فيقول: 
(رسول الله يل ارتقى المنبر في أيامه الأخيرة» وخطب في الناس» وقال: (فمن كان له قبلي تبعة 
أو مظلمة فليتقص مني»» ولم يكن لأحد عليه حق؛ فقام رجلء وذكر أن قضيب ناقة الرسول 
يي أصاب بطنه في المعركة الفلانية» فقال له: (قم واقتص مني حتى ترضى)؛ فذكر الرجل أن 
بطنه كانت عارية» وطلب من الرسول ييه أن يكشف عن بطنه ففعل» فقبلها الرجل» فكان 
بهدف من قوله تقبيل بطن الرسول 70855" 

ثم علق عليها بقوله: (أي ديمقراطي» وأي رئيس جمهورية عادل! يقوم بمثل هذا 
العمل؛ أيهم يعطي أحداً من رعيته حق القصاص؟ أين تجدون مثل هذا السلوك في أية دولة 
من هذه الدول الديمقراطية.. هذا هو الإسلام الذي تصفونه بالاستبداد؛ وتلك هي 
الديمقراطيات الأخرى! نحن نقول: إن بلدانكم ليست ديمقراطية» بل هي إستبدادية» وإن 
تنوعت المظاهر» وإن رؤساء جمهورياتكم مستبدون غاية الأمر أن العناوين كثيرة جداً لكنها 
ألفاظ دون محتوى) 29 

وبعد أن ذكر هذا النموذج وغيره راح يذكر للحضورء وعلى مسمع من العالم» أن هذه 


)020( المرجع السابق» ج4» ص: 5 77. 
زفق المرجع السابق» ج4» ص: 7705. 
هرف المرجع السابق» ج4» ص: 7709. 





الحكومة التي مثلها رسول الله يَ همي الحكومة الإلهية التي يراد تحقيقها في الواقع الإيراني» بل 
الواقع الإسلامي جميعاء قال: (نحن عندما نطالب بالحكم الإسلامي إنما نتطلع لمثل هذه 
السلوكيات» نحن نريد حكومة إذا استدعى القاضي رئيسها لبى وحضر على الفور؛ فهل من 
الممكن أن يقول أحد ل (صاحب الجلالة) إنك غصبت مالي؟ هل يمكن لأحد أهالي مازندران 
أن يقول للشاه مثل ذلك؟ وهل يجرؤ القاضي على استدعاء (صاحب الجلالة) حتى في 
الأوضاع الحالية التي تعلو فيها صيحات الأطفال بالموت للشاه؟ وأنتم تعرفون أي وضع 
مأساوي كان حاكاً قبل أعوام؛ ولكنكم ترون في المقابل- في الحكومة الإسلامية- أن القاضي 
يستدعي رئيس الدولة فيحضر ويحكم القاضي ضده فيسلم لحكمه دون نقاش) )١(‏ 

وقد ظل الإمام الخميني يردد هذه المعاني بعد انتصر الثورة الإسلامية؛ ففي أول نداء 
وجهه للشعب الإيراني بمناسبة اعلان الجمهورية الإسلامية» قال: (لقد من الله تعالى علينا؛ 
فحطم نظام الاستكبار بيده المقتدرة التي تمثل قدرة المستضعفين» وجعل من شعبنا اماما ورائدا 
للشعوب المستضعفة وقيض لكم إرثه الحق بإقامة الجمهورية الإسلامية» إنني أعلن في هذا 
اليوم المبارك» يوم أمامة الامة ويوم الفتح والظفر للشعبء أعلن قيام الجمهورية الإسلامية 
الايرانية.. مبارك لكم الحكومة التي ستنظر سواسية إلى الجميع» مبارك لكم نور العدالة الالهية 
الذي سيسطع على الجميع بشكل متجانسء مبارك لكم غيث رحمة القرآن والسنة النبوية الذي 
سينزل على الجميع دون تفريق» مبارك لكم هذه الحكومة التي لا تنظر إلى اختلاف العنصر ولا 
تفرق بين الأسود والأبيض والتركي والفارسي واللري والكردي والبلوشيء فالجميع إخوة 
والكرامة فقط وفقط في ظل التقوى والتفاضل بالاخلاق السامية والآأععمال الصالحة» مبارك 
لكم هذا اليوم الذي ينال فيه كل أبناء الشعب حقوقهم المشروعة» ولا يفرق فيه بين المرأة 


والرجل أو بين الاقليات الدينية والآخرين في اجراء العدالة» لقد دفن الطاغوت وسوف يدفن 


دلق المرجع السابق» ج4» ص: 0 


بعده الطغيان والاستبداد» وتم انقاذ البلاد من أسر الاعداء الداخليين والخارجيين والناهبين 
والسارقين» واصبحتم الآن يا ابناء هذا الشعب الشجاع حراس الجمهورية الإسلامية» 
أصبحتم مكلفين بحفظ هذا الإرث الإلهي بحزم واقتدار والحيلولة دون نفوذ فلول النظام 
المتعفن الذين يتربصون بنا وأنصار اللصوص الدوليين وسراق النفط الطفيليين) 17 

وفي ذلك الإعلان التاريخي أعطى المساواة بين جميع أفراد الشعب أهمية كبرى؛ قال: 
(أقول لجميع فئات الشعب للجميع بأنه لايوجد في الإسلام تمايز بين الأغنياء وغير الاغنياء» 
بين الاسود والابيضء بين الفئات المختلفة» بين السنة والشيعة» العرب والعجمء والترك وغير 
الترك أبداء والقرآن جعل التمايز على أساس التقوى والعدالة؛فمن اتقى كان مميزاء ومن تتجسد 
فيه معاني روحية عالية فهو متميزء فالامتياز ليس بالماديات وليس بالملكية والثروة» يجب أن 
تزول هذه الامتيازات فالناس سواسية؛ الجميع يحصلون على حقوقهم. والجميع متساوون في 
الحقوق» كذلك يجب مراعاة حقوق الاقليات الدينية» فالإسلام يوليهم احتراما خاصاء 
الإسلام يولي جميع الفئات احتراماء الاكراد وسائر القوميات الموجودة» جميعهم اخواننا ونحن 
اخوانهم» جميعنا ابناء شعب واحد ودين واحد.. إننا إخوة» نحن إخوة لابناء العامة والسنة ولا 
يحق لنا التآمر على بعضناء بل علينا أن نحفظ حقوق بعضنا بعضا. نحن متساوون في الحقوق» 
والدستور أيضا إن شاء الله سيطرح أمام الشعب للاقتراع عليه لحظ حقوق الجميع» ولا يوجد 
في الإسلام فرق بين فئة وفئة» الفرق يكمن في التقوى فقطء في تقوى الله) (") 

وهكذا نجد خطاباته ونداءاته جميعا تدعو إلى المساواة باعتبارها ركنا أساسيا من الأركان 
التي يقوم عليها النظام الإسلاميء مثله مثل الحرية والإخاءء يقول: (ليس في الإسلام كبت 
وقمع» الإسلام يضمن الحرية لجميع الفئات: للنساءء» للرجالء والابيض والاسود. للجميع. 


دلق المرجع السابق» ج5. ص: ىر 
زفق المرجع السابق» ج5. ص: كر 


على الناس أن يخافوا من الآن فصاعداً من أنفسهم لا من الحكومة» أن يخافوا من انفسهم ومن 
احتمال ارتكاءهم لخطأ معين. فحكومة العدل تحول دون وقوع المخالفات والاخطاء. وتعاقب 
على ارتكابها. علينا أن نخاف من أنفسنا خشية أن نقع في المخالفات, وإلا فإن حكومة الإسلام 
ن ترتكب المخالفات؛ فلا يوجد جهاز استخبارات بعد الآن» وليس هناك من عذاب يمارسه 
هذا الجهاز ليس بوسع رجال السافاك بعد الآن أن يضطهدوننا أو يضطهدوا شعبناء لن تتمكن 
الحكومة من اضطهاد الشعب بعد الآن» فالحكومة الإسلامية في خدمة الشعبء عليها أن تكون 
في خدمة الشعب. وإذا ما مارس رئيس الوزراء أي ظلم فإن على أبناء الشعب أن يشكوه 
للمحاكم؛ وعلى المحاكم استدعاءه» وإذا ثبتت عليه التهمة فلتعاقبه؛ ففي الإسلام لا يوجد من 
فرق بين رئيس الوزراء ومن عداه)(17) 

ويبين في خطاب آخر أن سبب كل ما أصاب المسلمين من ويلات وتخلف هو ذلك 
التمييز العنصري الذي كان من آثار الجاهلية» يقول: (إن المسألة المهمة التي جعلت البلاد 
الإسلامية مغلوبة على أمرها وأبعدتبا عن ظلال القرآن الكريم هي مسألة التمييز العرقي: فهذا 
من أصل تركيء ويجب أن يُصِلٌّ صلاته بالتركية» وهذا من أصل ايراني ويجب أن تكون حروفه 
الحجائية كذاء وذلك من أصل عربي» ويجب أن تحكم العروبة وليس الإسلام» ويجب أن يحكم 
الأصل الآري وليس الإسلام متناسين ما يرتكز عليه المسلمون جميعاً! ويؤسف على أنهم 
جرّدوا المسلمين من هذا المرتكز» ولا أدري إلى أين سيؤول الأمر؟! لعبة القومية هذه هي التي 
جاء الإسلام وشطب عليها بخط أحمرء ولم يفرق بين الأسود والأبيضء وبين الترك والعجمء 
وبين العرب وغير العرب الا بالتقوى والخوف من الله والتقوى بمعناها الحقيقي: التقوى 
السياسية والمادية والمعنوية.. ليس هناك ترك وفرسء. وعرب وعجم. فالمرتكز هو الإسلام. 


وأما قضية التفرقة العرقية» فإنها رجعية» أن السادة يعتبروننا رجعيين في حين أنهم يريدون أن 


2000 المرجع السابق» ج15 ص: 71 


يعودوا القهقرى إلى الفين وخمس مئة عام)<1) 

ولكن الخميني مع كل هذه الدعوات للمساواة» يرد على تلك المفاهيم السيئة المرتبطة 
بهاء والتي حاول الشاه من خلالها أن يغير أحكام الدين أو يسيء إليه» ومن الأمثلة على ذلك 
معارضته لبعض القوانين التي أصدرها الشاه» والتي تسبيء إلى المرأة بحجة مساواتها مع 
الرجلء» فقال في نداء وجهه للشعبء يطلب فيه معارضة تلك القوانين: (إنا لله وإنا اليه 
راجعونء لقد اعتدت السلطة الحاكمة في إيران على احكام الإسلام المقدسة» وتنوي الاعتداء 
على احكام القرآن المسلّمة» إن نواميس المسلمين على وشك أن تنتهكء وأن السلطة المتجبّرة 
بمصادقتها على اللوائح المخالفة للشرع والدستورء تسعي للإساءة إلى النساء العفيفات وإذلال 
الشعب الايراني.. إن السلطة المتجبرة تتطلع للمصادقة على مساواة حقوق المرأة والرجل 
والعمل بهاء وهي بذلك تتخلّ عن أحكام الإسلام والقرآن الكريم الضرورية» أي أنها تسوق 
الفتيات ذوات السبعة عشر ربيعاً إلى الخدمة العسكرية» وتزج يبن في المعسكرات» وتدفع 
بالقوة والحراب الفتيات المسلمات العفيفات إلى مراكز الفحشاء)(7) 

بناء على هذه التصريحات التي تذكر الخلفية الفكرية التي ينطلق منها نظام الجمهورية 
الإسلامية» ومصادرها في ذلك نحاول أن نذكر هنا قضيتين مهمتين يتطرق الغرب إليهما عادة 
عند الحديث عن المساواة؛ فيعتيرهما معيارا لتحققهاء وهما الموقف من المرأة وحقوقهاء 
وعلاقتها بالرجلء والموقف من العال» وحقوقهم. وسنتناولم| في العنوانين التاليين: 

أولا ‏ المرأة وحقوقها في الرؤية السياسية الإيرانية: 

ربما تكون المرأة» والحقوق المرتبطة بها من أهم القضايا التي يتعلق بها الغرب وأذنابه من 
العرب» ومن ينطق باسمهم من جمعيات حقوق الإنسان في موقفهم من الجمهورية الإسلامية 


0( المرجع السابق» ج١»‏ ص: ١77”‏ . 


الإيرانية» ذلك أنهم لا ينتبهون لوجود المرأة الإيرانية في جميع المؤسسات العلمية» ومراكز 
الأبحاث» وجميع المعامل والمؤسسات التي تناسب طبيعتها وقدرتهاء وجميع المؤسسات 
الحقوقية والسياسية» وحتى الرياضية» ويكتفون فقط بالنظر إلى تلك العباءة التي تلبسهاء أو 
ذلك الخمار الذي تضعه على رأسهاء ويتصورون أنه فرض عليهاء وأنها لن تتحرر إلا بنزعه 
ولا يعلمون أنه التاج الذي وضعه على رأسها الولي الفقيه» حتى يخرجها من أن تكون سلعة 
مهانة» بدل أن تكون إنسانا مكرما. 

وذلك كله مبني على مغالطات كبيرة لمفهوم حقوق الإنسانء والذي أراد الغرب فرضه 
على هذه الأمة» بل على البشر جميعا ليمسخهم عن طبيعتهم؛ وينكسهم عما تقتضيه أخلاقهم 
وقيمهم؛ فمفهوم حقوق الإنسان عند الغرب يختلف عن مفهومه في الشرق. ويختلف مفهومه 
عند المسلمين خصوصا؛ فحقوق الإنسان في الإسلام ترتبط بحقيقة الإنسان» وبالقيم 
الأخلاقية الرفيعة» بيندا هي في الغرب مراعاة لكل نزوة وشذوذ وانحرافء ولذلك أجازوا 
الزواج المثلي» وحولوا المرأة إلى جرد سلعة يتاجرون بهاء مثل سائر السلع. 

ولذلك كان من قوة النظام الإيراني وسيادته واستقلاليته عدم تبعيته لهم فيم| يذكرونه 
عن حقوق الإنسان في هذا الجانب» ذلك أنه كان يمكنه أن يتيح أمثال هذه الحريات ليحافظ 
على صورته الحسنة» مثل| يفعل النظام التركي الذي يزعمون أنه نظام إسلامي, أو مثلا تفعل 
الكثير من الأنظمة التي تتيح كل الحريات» لتحافظ على سلطتها واستبدادهاء لآن المهم عندها 
منلطقها لا فميها. 

ولهذا نرى الخميني يرد على كل تلك الأطروحات المرتبطة بحقوق الإنسان» والتي 
تخالف في نفس الوقت الشريعة الإسلامية؛ فقد قال في حوار أجري معه في باريس قبل انتصار 
الثورة الإسلامية مبينا الفرق بين تصوره لحقوق المرأة» والحقوق التي يتصورها الغربء والتي 
كان الشاه ينفذها بكل دقة: (إِنَّ الشاه هو الذي ير النساء للفساد» ويريد أن يجعل منهن ليس 


كم 


أكثر من دُمى» والدين يعارض هذا الواقع المأساوي لا حرية المرأة» وقد برهنت مشاركة النساء 
في الاستفتاء الاخير على مدى تفاهة مزاعم الشاه الفارغة للجميع» النساء انتفضن للوقوف 
على قدم المساواة مع الرجال» وطالبن بحريتهن واستقلالهنء وأَدَنَ الشاه» وكا هو معروف قُتل 
في (الجمعة السوداء) نحو ستائة امرأة من نسائنا الحرات على أيدي عملاء الشاهء هذا هو فهم 
الشاه لحرية المرأة والتطور الحضاري) 27 

والخميني يذكر أن هذا ليس مطلبه فقط» ولا مطلب الدين الذي يفرضه الرجال على 
النساء» بل هو مطلب النساء الإيرانيات العفيفات المحافظات اللاتي يرفضن تلك الحرية 
والمساواة التي يريدها الغرب؛ فيقول: (إن النساء البارزات في إيران اللواتي يطالبن بحقوقهن 
الإنسانية» ويشكلن أكثرية النساء الإيرانيات يثرن اليوم على الشاه» ويردن تحطيمه وجميعهن 
اليوم يعلمن أن حرية المرأة في منطق الشاه إنم| تعني تحطيم مكانة المرأة الإنسانية والتعامل معها 
كأداة» إن الحرية في منطق الشاه تعني ملء السجون من النساء الإيرانيات اللواتي لا يرضخن 
للانحطاطات الأخلاقية الشاهنشاهية)(7) 

ويذكر الأسباب التي جعلت الشاه يطبق تلك الحقوق المزيفة للمرأة في نفس الوقت 
الذي يغض الطرف عن حقوقها الحقيقية التي تريدها؛ فيقول: (عندما زار هذا الرجل غير 
اللائق تركية رأى أتاتورك مارس مثل هذه الأعمال الشائنة» ومن هناك أرسل برقية إلى أزلامه 
أن يوحّدوا أزياء الناس.. ومّتك الحجاب تقليداً لأتاتورك غير اللائق» أتاتورك المسلم غير 
الصالح» وما تبع ذلك من فضائح. الله يعلم ماذا جرى على هذا الشعب الإيراني في نزع 
الحجاب هذاء هؤلاء مزّقوا حجاب الإنسانية» الله يعلم كم من المخُدَّرات متكت حرمتها على 


0200 صحيفة الإمام» ج 7" ص: .5١‏ 


زفق المرجع السابق» ج5. ص: 55لا . 


71١ 


أيدي هؤلاء وعدد الذين هتكوهم) (2 

وذكر بعض المظاهر عن ذلك التهتك والاستبداد الذي مارسه باسم حقوق المرأة» ومنها 
أنه كان يجبر النساء على سلوكات لا تليق بكرامتهن, يقول: (لقد أجبروا العلماء- بقوة 
الحراب- عل المشاركة مع نسائهم في الاحتفالات» وكانت أمثال تلك الاحتفالات على 
حساب الجاهير» والناس تدفع ثمنها بكاء وألمأء وهكذا كانوا يروّجون للتبرّج» ويدعون بقية 
الناس مجموعة مجموعة» ويجبرونهم على أن يحتفلوا مع نسائهم دون حجاب. كانت حرية المرأة 
هي هذه التي كانوا يفرضونبها. يجبرون الناس المحترمين» والتجار المحترمين» والعلماء 
وأصحاب المهن لتنفيذ رغباتهم بقوة السلاح. بكى الناس كثيراً» ولو أن هؤلاء كان لديهم حياءاً 
لندموا على ذلك الاحتفال)27) 

وقد كان الشاه مع كل هذا الاستبداد في فرض ما لا يتناسب مع طبيعة المجتمع الإيراني 
مرضيا عنه عند جمعيات حقوق الإنسان» لأن حق المرأة عندهم مرتبط بتبرجها وانحلاهها 
الأخلاقي؛ وما عدا ذلك لا يعتبره» ولا يهتم له. 

وفي مقابل ذلك المفهوم لحقوق المرأة والذي تبناه الشاه» ووافقه عليه الغرب» نرى 
مفهوما آخر لهذه الحقوق عند الخميني» وهو مفهوم يتناسب مع الإسلام والفطرة وكرامة المرأة؛ 
ففي مقابلة للخميني بباريس قبل انتصار الثورة الإسلامية سأله أستاذ بجامعة أمريكية قائلا: 
(يقال بأن الرئيسة السابقة لاتحاد النساء الحقوقيات الإيرانيات السيدة مهوش صفي نيا كانت 
قد صرحت بأن النشاط الديني في إيران أجبر المجلس على إقرار القوانين التي تحد حقوق 
النساء. مثل تخفيض سن الزواج إلى الخامسة عشرة» ومنع مشاركة النساء في الجيش وإعلان 
(الإجهاض) عملا اجرامياً.. فهل تؤيدون مثل هذه القوانين؟) 


دلق المرجع السابق» ج ”". صص: 1 


زفق المرجع السابق» ج07 ص: 10 


71 


فأجاب الخميني: (فيم| يتعلق بالزواج أعطى الإسلام المرأة الحرية في اختيار الزوج» 
وباستطاعة كل امرأة أن تختار الرجل الذي تريده في إطار القوانين الإسلامية. والإسلام 
يعارض الإجهاض. ويعده حراماً والنساء | قلت سابقاً يستطيعن الالتحاق بالجيش» والشيء 
الذي يعارضه الإسلام ويراه حراماً هو الفساد» سواء كان من جانب المرأة أو الرجل لا فرق 
في ذلك. فهؤلاء الذين تعتبرونهم فقهاء قانونيين هم الذين كانوا يضلون نساءنا دائيً» نساؤنا 
النجيبات ملأن السجون اليوم؛ وهؤلاء الفقهاء القانونيون كانوا يؤيدون دائياً جرائم الشاه. 
فأي الفريقين حرٌ وأصيل (نجيب؟)2270 

وعن سؤال يقول: (ماهي التغييرات التي تشعرون بأنها لازمة في المجتمع الايراني لمكانة 
المرأة في المجتمع الايراني؟ وحسب نظركم كيف ستغير الحكومة الإسلامية أحوال النساء في 
العمل في الإدارات الحكومية والعمل في المهن المختلفة مثل الطب والهندسة والشؤون الأخرى 
مثل الطلاق» الإجهاضء حق السفرء الإجبار على لبس الشودر (الحجاب). أجاب الخميني 
بقوله: (الشاه وأتباعه ضللوا الناس عن حرية المرأة» ليروا أن الإسلام جاء ليجلعها ربة بيت 
فقط. لماذا نعارض تعليم المرأة؟ لماذا نعارض عمل المرأة؟ لماذا لا تستطيع المرأة ثمارسة الأعمال 
الحكومية؟ لماذا نعارض سفر المرأة؟ المرأة حرة مثل الرجل في جميع هذه الأمور» ولا فرق بينه| 
أصلًا. نعم المرأة في الإسلام يجب أن تحتجبء ولكن ليس من الضروري أن يكون الحجاب 
شودراًء فالمرأة مخيرة في اتتخاب حجابها. نحن لا نستطيع والإسلام لا يريد أن تكون المرأة 
عبارة عن شيء أو لعبة أطفال في يدنا. الإسلام يحافظ على كرامة المرأة ويصنع منها انساناً فعالّا 
وماهراً.. ونحن لن نسمح أبدا بأن تكون النساء شيئاً أو آلة هوى للرجال. والإسلام يحرم 
الإجهاضء وتستطيع المرأة أن تحتفظ لنفسها بحق الطلاق ضمن عقد الزواج. وما أعطاها 


)0غ( المرجع السابق» ج5. ص: 00 


اندلا 


الإسلام من الحرية والاحترام لم يمنحها لها مدرسة ولا قانون) 227 

ومع هذا التصريح وأمثاله كثير لا يزال الغرب يفرض مفاهيمه على العالم وعلى الشرق 
وعلى المسلمين» ليصور لهم أن حقوق المرأة لن تتحقق في الواقع الإيراني إلا بعد أن تتحول المرأة 
إلى سلعة مهانة ذليلة مثلها مثل المرأة الغربية. 

وهكذا نجد الولي الفقيه المعاصر السيد علي الخامنئي يسير على نفس الدرب؛ فلا يتنازل 
رغم الظروف الكثيرة الصعبة التي مرت بها إيران عن أي مفهوم تلك المفاهيم التي طرحها 
أستاذه الخميني. 

ومن تصريحاته في ذلك قوله: (بالنسبة لقضية المرأة التي ما زالت تطرح في العالم» فإن 
كلاماً كثيراً قبل فيها ويقال» وعندما ننظر إلى الخريطة الإنسانية للعالم والمجتمعات البشرية وإلى 
المجتمعات الإسلامية كبلدنا وسائر البلدان الإسلامية» وإلى المجتمعات غير الإسلامية» ومنها 
المجتمعات التي تعد متمدّنة ومتطوّرة» للأسف فإننا نجد في كل هذه المجتمعات قضية باسم 
المرأة ما تزال موجودة» هذا الأمر يدل على وجود نوع من النظرة المعوجّة والسيرة المعوجّة 
ويحكي عن وجود نوع من قصر النظر تجاه القضايا الإنسانية. ويتبين أن البشر رغم كل 
إدعاءا: اهم؛ ورغم كل الجهود التي قام بها المخلصون والمتحمّسونء ورغم كل الجهود الثقافية 
الواسعة التي بذلت حول قضية المرأة خاصة؛ لكنهم حتى الآن لم يتمكنوا من العثور على 
صراط مستقيم وطريق صحيح لقضية الجنسين» ولقضية المرأة التي تتبعها قضية الرجل بشكل 
أو بآخر)(» 

وبذلك فإن الخامنئي ومثله الخميني لم يتنازلوا عن مفهومهم لحقوق المرأة» ولا لحقوق 
الإنسان لأي وجهة نظر غربية» بل هم طبقوا مفاهيمهم الخاصة على هذا الجانب كما طبقوها 


)0غ( المرجع السابق» ج5. ص: ا 


زفق دور المرأة في الأسرة» ص5١‏ . 


ا 


في سائر الجوانب» وهو دليل على استقلالية فكرية حقيقية» ولا يمكن أن تستقل الأرض مالم 
يستقل الفكر. 

وقد نص الدستور الإيراني على جميع تلك المعاني السامية والمتوافقة مع الشريعة» بل 
المنطلقة منها؛ فقد نصت الادة الحادية والعشرون على أن (الحكومة مسؤولة في إطار الإسلام 
عن تأمين حقوق المرأة في كافة المجالات وعليها القيام بها يلي: ١‏ إيجاد الظروف المساعدة 
لتكامل شخصية المرأة وإحياء حقوقها المادية والمعنوية..  ”‏ حماية الأمهات ولا سيّا في مرحلة 
الحمل وحضانة الطفلء ورعاية الأطفال الذين لا معيل لهم..  ”‏ إيجاد المحكمة الصا حة 
للحفاظ على كيان الأسرة واستمرار بقائها.. 5 توفير تأمين خاص للأرامل» والنساء العجائزء 
وفاقدات المعيل.. 5 إعطاء الأمهات الصا حات القيمومة على أولادهن عند فقدانهم الولي 
الشرعي من أجل رعايتهن) 

وانطلاقا من هذا سنحاول في هذا المطلب أن نبحث في أنواع الحقوق التي أولتها 
الجمهورية الإسلامية للمرأة» وقد رأينا أنه يمكن تصنيفها إلى أربعة حقوق. هي: 

أ الحقوق المرتبطة بالصيانة والتكريم. 

ب الحقوق المرتبطة بالتعليم والتربية. 

ج ‏ الحقوق المرتبطة بالعمل والإنتاج. 

د الحقوق السياسية: 

وسنذكر هنا باختصار ‏ الرؤية النظرية والتطبيق العملي لهذه الحقوق الأربعة الكبرى» 
وموقف المغرضين منها. 

١‏ -حقوق المرأة المرتبطة بالصيانة والتكريم: 

قد يستغرب الكثير من اعتبارنا صيانة المرأة وتكريمها حقالهاء بل أعظم حقوقهاء وهذا 
ناتج عن تلك الأفكار والفلسفات المادية التي حولت المرأة الإنسان المكرمة شيئا من الأشياء 


316 


وسلعة من السلع» ولذلك راحت تضحك عليهاء وتسخر من عقلهاء وتذكر لها أن حريتها في 
أن تضع نفسها بالصورة التي تجعل منها جسدا لا روح فيه ولا عقل له» وهو ما نراه في المرأة 
الغربية» التي أهينت بكل أصناف الإهانات. 

وبا أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية» ونظام الولي الفقيه» ينبني على فلسفة أخرى غير 
الفلسفة المادية؛ فقد راح يواجه ذلك الاحتقار والامتهان للمرأة؛ فسن من القوانين ما يحفظها 
من عبث العابثين» وأولهاء ما طالبت به الشريعة من فريضة الحجابء وكل ما يرتبط به من 
سلوكات أخلاقية تجعل المرأة مصونة مكرمة» لا يتعرض ها المتعرضونء أو يتحرش بها 
كرفو 

وإن فرضء. وحصل ذلك؛ فإن قوانين العقوبات الإيرانية المستمدة من الشريعة 
الإسلامية تتعامل بحزم شديد مع من يفعلون ذلكء بل قد تعتبرهم من المحاربين الذين 
يعدمون, ليكونوا عبرة لغيرهم» وهذا كانت المرأة الإيرانية من أكثر نساء العالم أمنا؛ حيث تسير 
في الشوارع متى تشاء, لا يجرؤ على التعرض لا أحد.. 

ولو قارنا المخالفات التي تقع في إيران حول النساء مع غيرها من دول العالم المتقدم 
لوجدنا قيمة تلك القوانين التي فرضتها الجمهورية الإسلامية» ودورها في حفظ الأمن» وحفظ 
المرأة» وكرامتها وصيانتها. 

ففي مقال بعنوان [ما لا تعرفه عن معدّلات التحرّش والاغتصاب في الغرب] ورد هذا 
التقرير: (يبدو أن بلاد الديموقراطية والحرّية تعان من مشكلة خطيرة عندما يأتي الأمر إلى 
معدّلات التحرش الجنسي والاغتصاب. على الرغم من ظهور عصر التنوير وحقوق المرأة 
ومساواتها بالرجل على النمط الغربيء إِلَا أن النظرة الجنسية للمرأة ما تزال قائمة حتّى في أكثر 
البلدان تقدمًا وتطورًا في العالم» وفي هذا التقرير نسلّط الضوء على إحصائيات موثوقة صادرة 


عن مراكز بحثية وهيئات غربية متعددة عن معدّلات التحرش الجسى والاغتصاب في الغرب. 


715 


ليس الغرض من هذه الإحصائيات القول بعدم وجود حالات شبيهة في شرقناء إلا أن الفارق 
بين النسبة والدوافع هي بين السماء والأرض)(2) 

ثم ذكر الإحصائيات التي تدل على المهانة التي تمتهن بها المرأة في الدول الغربية التي 
تزعم لنفسها أنها أكبر من دافع وحقق حقوق المرأة في الواقع» ومن ذلك قول صاحب المقال: 
(وفق إحصائيات 2١194‏ يتم الاعتداء على شخص ما جنسيًا في الولايات المتّحدة الأمريكية 
كل 48 ثانية» وهناك كمتوسّط حوالي 7٠٠٠٠١‏ ضحية للاعتداءات الجنسية أو التحرّش كل 
سنة في الولايات المتحدة. 4 بالمائة من هؤلاء هم بين عمر 15-١‏ سنة. و9١‏ بالمائة منهم 
بين الثانية والنتائعة عشرة ذق الغسر: ١‏ من .ين كل #اتساء يتعراضن للسعر قن واخدة على 
الأقل في عملهن)<) 

هذا بالنسبة لإحصيات »١119/8‏ أما بعد ذلك,» وفي إحصائيات »3١١5‏ فيذكر نقلا عن 
الجهات الرسمية أن (هناك ٠١‏ بالمائة من جميع نساء أمريكا تعرّضنْ للاغتصابء يبلغ 
تعدادهن حوالي ال؟ , ٠7‏ مليون امرأة» وهو عددٌ أكبر من عدد سككان السعودية» وهو ما يعني 
أن غنتن نشاء أمريكا فخصبات: والنسات .ين عمن ١5-15:‏ غامًا بعاضات 4 مراك أكثر 
للاعتداءات الجنسية المختلفة) 29) 

وهذا كله | يذكر بناء على ما يتم الإبلاغ عنه إلى الشرطة» مع العلم (أَنَّ 67 بالمائة من 
حالات الاغتصاب في الولايات المتحدة لا يتم الإبلاغ عنها إلى الشرطة) 

ويضيف التقرير: (أَمّا عن التحرّش الجنسي» فقد تعرّضت 88 بالمائة من الأمريكيات 
إلى التحرّش الجسي مرّة واحدة على الأقل في حياتهن. 15 بالمائة من هذه الحالات كانت على 

)١(‏ مالا تعرفه عن معدّلات التحرّش والاغتصاب في الغربء محمد هاني صباغء موقع تبيان لصنع الوعي» ٠١‏ رمضان 

58 اه 


زفرفق المرجع السابق. 


71 


الأقل من قبل زميل في العمل) 

ويذكر التقرير الآثار الاقتصادية لتلك الجريمة؛ فيقول: (الاغغتصاب يكلف الولايات 
المتحدة أكثر من أي جريمة أخرى في البلاد» حيث تدفع الولايات المتحدة ١717‏ مليار دولار 
سنويًا من ميزانيتها لأجل برامج دعم صحّية ونفسية للضحايا وأمورٍ أخرى متعلّقة بتلك 
الجرائم. بين| تدفع 47 مليار دولار سنويًا للاعتداءات العامة و١"‏ مليار دولار فقط لجرائم 
القتل سنويًا» 7") 

وقد ذكر التقرير إحصائيات أخرى عن سائر الدول الغربية» وكلها صادرة عن مراكز 
أبحاث رسمية» وهي تدل على ما يعانيه نساء الغرب من جراء تلك البهيمية البشرية التي سببها 
الانحلال الأخلاقي» كما سببتها تلك الحرية في اختيار الملبس الذي تخرج به المرأة إلى الشارع, 
والذي يحرض عل الجريمة. 

وقد يعجب الكثير بتلك العناية التي توليها القوانين الأمريكية للنساء المتحرش بهن» 
وتلك التعويضات التي تسلمها لهن» ولكنهم يغفلون عن أن أمثال هذه الجرائم لا يمكن 
مداواتهاء لأنها جرم شرف وعرضء وهي متعلقة بالجوانب النفسية التي لا يمكن لأموال الدنيا 
جميعا أن تسد آلامها. 

ولهذا نستطيع أن نذكر بكل جزم بآن الدولة الوحيدة في العالم التي وجدت الحل 
الجذري لخذه المشكلة هي الجمهورية الإسلامية الإيرانية لاعتمادها على الحلول الشرعية المرتبطة 
بالجانبين: 

الجانب الأول: المرأة بإلزامها الحجاب والآداب المرتبطة به» ذلك أن الرجل ينفر عادة 
من التعرض للمتحجبة الملتزمة. 


الجانب الثاني: وضع أقسى العقوبات في حق من يتعرض للمرأة» أو يذلا أو يتحرش 
)١(‏ المرجع السابق. 


718 


مباء والتي قد تصل إلى حد الإعدام باعتباره محاربا. 

وفوق ذلك استعمل النظام الإيراني كل مؤسساته الدينية والتربوية والإعلامية والثقافية 
في مواجهة تلك الظاهرة الخطيرة» حتى تحفظ كرامة المرأة وتصان؛ فلا يتعرض للا أحد. 

بل إننا لا نجد في قادة العالم أجمع من اهتم بالحجابء أو دعا إليه مثلم| نراه من قادة 
الجمهورية الإسلامية الإيرانية» وفي أرفع مستوياتهم. 

وكمثال على ذلك تلك الخطب الكثيرة التي ألقاها القائد الحالي للجمهورية الإسلامية 
الإيرانية السيد علي الخامنئي» وتعرض فيها للحجاب وضرورته وأهميته ومنها قوله: (عفة 
المرأة هي أهم عنصر في شخصيتهاء وهي وسيلة لسمو شخصية المرأة ورفعتها وتكريمها في 
أعين الآخرين» حتى في أعين الرجال المتهتكين, فعفة المرأة علة احترام شخصيتها.. فقضية 
الحجاب والمحارم وغير المحارم والنظر وعدم النظرء إن كل تلك الأمور والأحكام إنا 
وضعت للمحافظة على بقاء العفّة سالمة؛ فالإسلام يولي مسألة عفاف المرأة الأهمية» طبعاً فإن 
عفاف الرجل مهم أيضاًء فالعفة ليست مختصة بالمرأة» بل على الرجال أيضاً أن يلتزموا العفة» 
كل ما في الأمر أن الرجل في المجتمع يمتلك قدرة وقوة جسمية أكبر» ويمكنه بذلك أن يظلم 
المرأة» لذلك طلب من المرأة الاحتياط أكثر؛ فعندما تنظرن إلى العالم ترون أن أحد مشاكل المرأة 
في العالم الغربي وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية هي استغلال الرجال لقوتهم والاعتداء 
على عفة النساء)(1) 

ثم ذكر ما عليه الوضع في الدول التي تزعم أنها أعطت للمرأة حقوقهاء وهي تغفل عن 
هذا الحق العظيم الذي هو أولى الحقوق وأهمها؛ فقال: (إن الاحصاءات التي نشرها المسؤولون 
الرسميون في أمريكا نفسها .. إحصاءات مرعبة حقاً» ففي كل ستة ثوان يقع اعتداء عنف في 


أمريكا! انظرن إلى مدى أهمية العفة» عندما أهملوا العفة بلغ بهم الأمر هكذاء كل ستة ثوان يقع 
)١(‏ المرأة حقوق وحرية وحجاب (ص: 05). 


ا 


اعتداء بالعنف. خلافاً لميل المرأة يستخدم رجل قوته. رجل ظالم متهتك غير عفيف يعتدي على 
عفة المرأة» إن الإسلام يلاحظ ذلكء إن قضية الحجاب التي أكد عليها الإسلام إلى هذا الحد. 
تأكيده من أجل هذا )010 

وبين أهمية الحجاب ودوره في صيانة المرأة والحفاظ على كرامتها واعتبارها إنسانا لا مجرد 
سلعة يتلاعب بها؛ فقال: (من أجل أن لا يقع الاختلاط» وتحفظ الحدود الأخلاقية» قام 
الإسلام بتعيين الحجاب للمرأة» وهذا الحجاب وسيلة من وسائل الأمن» فبحجاب المرأة تجد 
المرأة المسلمة أمنهاء ويجد الرجل المسلم أمنه» وعندما يبعد الحجاب عن النساء وتقترب من 
العري والتهتك يسلب أمنها هي بالدرجة الأولى ويسلب الأمن من الرجال والشبّان ثانياً؛ لهذا 
فإن الإسلام عبّن الحجاب من أجل أن يكون الجو سالماً وآمنء ولتتمكن المرأة من مزاولة عملها 
في المجتمع» وليتمكن الرجل أيضاً من أداء مسؤولياته» وهذا الحجاب من الأحكام الإسلامية 
البارزة» وأحد فوائده هو ما ذكرته» وله فوائد أخرى )() 

بل إن السيد الخامنئي يتحدث عن بعض تفاصيل الحجاب الشرعي الذي يحقق المقاصد 
الشرعية بأحسن صورها؛ فيقول منتقدا بعض الطروحات التي تحاول أن تضع الحجاب في 
صورة أكثر تقبلا في المجتمع الدولي: (إننا نرى أن الدراسات والبحوث الجارية التي تدور حول 
ستر المرأة هي بحوث جيدة» لكن عليكنٌ الالتفات أن أيَا من هذه البحوث حول ستر المرأة 
يجب أن لا يكون متأثراً بالمجوم الإعلامي الغربيء فإن كان متأثراً فسيفشل. كأن نفكّر مثلاً أن 
الحجاب جيدء لكن لا داعي للعباءة ذلك تفكير خاطى ء, ولا أعني بذلك أن الحجاب لا 
يكون إلا بالعباءة» بل إني أقول إن العباءة هي أفضل أنواع الحجاب.. هل تظنون أننا إذا تركنا 
العباءة» وتمسكنا بالمقنعة بأن الغرب سيدعنا لشأننا؛ كلاء لن يقتنعوا بذلكء إنهم يريدون منا 


إبلق المرجع السابق» ص 07. 
زفق المرجع السابق» ص /0. 


37 


أن نتبع ثقافتهم المنحوسة) (0) 

وهكذا تحدث في مواضع كثيرة عن أن الحجاب مجرد لبنة من اللبنات التي أقام عليها 
الإسلام جدار العفة في المجتمع» ومن اللبنات الأخرى التي اهتم بها الخامنئي» ما عبر عنه 
بقوله: (هناك شي ء في الغرب يملا العيون» وهو عدم وجود تفاوت في السيرة الاجتماعية 
للرجل والمرأة في المجتمع؛ فكما أن الرجل يدخل إلى الاجتماع فيسلّم وينضم إلى الحاضرين» 
كذلك المرأة تدخل بنفس السهولة وتنضم إلى الموجودين» وهي نقطة ايجابية» لكنها سطحية 
وظاهرية وإلى جانبها سلبيات كثيرة) 99) 

ومن تلك السلبيات التي ذكرها عن هذه الظاهرة التي لا تتناسب مع أحكام الشريعة 
الإسلامية» ى| لا تتناسب مع كرامة المرأة (إنهما (أي الرجل والمرأة) داخل الأسرة ليسا كذلك 
إطلاقاً» فالاحصاءات والأخبار القطعية» لا الكلام المنبري والشعارات؛ كلها تشير إلى ظلم 
المرأة» حتى الرجل يظلمء لكنه رجل وصاحب اليد الأقوى, لكن التي تظلم بشكل قطعي هي 
المرأة ذلك لأن زوجها يقيم علاقات عاطفية وجنسية مع عدّة نساء غيرهاء وله علاقات حميمة 
ودافئة لا يقيمها مع زوجته! ذلك يشكل أكبر ضربة للمرأة؛ فالمرأة ترغب مع شريك حياتهاء 
وأن تكون بينهما علاقات عاطفية صادقة» وأن يكون الأقرب إلى بعضهم من العالم كلّه) 7) 

وهكذا تحدث عن الاختلاط السلبي وآثاره التي لا تتناسب مع الشريعة الإسلامية؛ 
فقال: (في الإسلام هناك حجاب بين المرأة والرجلء إنه أمر لا يمكن إنكاره» فهذا الحجاب 
موجودء وهو موجود لحكمة ماء وحقيقة لا بد من وجوده. وعندما يقال أن انفراد الرجل 


والمرأة داخل غرفة مغلقة لوحدهما حرام فإن لذلك التحريم معنى عميق وحكيم, وهو أمر 


)020( المرجع السابق» ص 137. 
زفق المرجع السابق» ص 01. 
إفرفق المرجع السابق» ص .1١‏ 


ردن 





صحيح» وكل رجل وامرأة إذا عادا إلى أنفسهم| فسيؤيدان هذا الحكم, والحكم الذي يحرّم على 
المرأة أن تظهر بزينتها أمام الرجال وني جمع من الرجال» حكم صحيح؛ فالثقافة الإسلامية تم 
التبرّج لغير الزوج) ١‏ 

لكنه ينبه إلى أن حرمة الاختلاط ليست مطلقة» بل هي خاصة ب ذكرته الشريعة» وفي 
المحال المحددة المضبوطة. أما ما عداها ما لا علاقة له بالفتنة؛ فإن الشريعة تساحت في ذلك» 
يقول الخامنئي: (ومن جملة ذلك (الأحكام الإسلامية) مسألة الحجاب, ومسألة وجود حد بين 
الرجل والمرأة» وذلك الحد في منطقة خاصة ولا يشمل كل الأماكن) 0) 

هذا مثال عن بعض مواقف السيد الخامنئي من حقوق المرأة المرتبطة بهذا الجانب» وعلى 
أساسه شرعت القوانين الإيرانية التي حفظت المجتمع من التهتك وإثارة الغرائز؛ فالذي 
يتحرك في الشوارع الإيرانية لا يرى إلا الطهارة والعفاف, الذي تفتقده أكثر المجتمعات 
الإسلامية. 

وهذا لا يعني عصمة المجتمع جميعا؛ فذلك مستحيل؛ فليس هناك مجتمع معصوم. 
ولكن العبرة بالعموم» وللأسف نجد المغرضين ينقلون صورا لتبرج بعض الإيرانيات أو 
كونبن في أوضاع مخلة بالحياء» وفي أماكن مغلقة» أو ربا اختلاسا عن الشرطة المكلفة برعاية 
الأخلاق ثم يذكرون أن هذا هو واقع المجتمع الإيراني» أو الواقع الذي يطالب به الشعب 
الويراني. 

 "‏ حقوق المرأة المرتبطة بالتربية والتعليم: 

وهي من أهم الحقوق التي أكد عليها قادة الثورة الإسلامية قبل انتصار الثورة وبعدهاء 
وقد كفلها الدستور وجميع القوانين» ولذلك نرى للمرأة حضورا قويا في المؤسسات العلمية 


دلق المرجع السابق» ص 1 
زفق المرجع السابق» ص 0 


بدردنا 


والتربوية في جميع المراحلء بل نراها تفوق الرجال في الكثير من المؤسسات العلمية» سواء في 
مراحل التعليم العادي أو التعليم العالي. 

وربا يكون سر ذلك في تلك الدعوات الحثيثة من قادة الثورة الإسلامية للمرأة 
بالمشاركة الفاعلة في تحقيق أهداف الثورة» ومن أهم نشر العلوم والمعارف بين جميع أفراد 
الشعين: 

وقد سبق أن ذكرنا بعض النصوص عن الإمام الخميني» واهتمامه بهذه الجوانب. 
وسنذكر هنا باختصار بعض تصريحات السيد الخامنئي» وتصوراته لكيفية تحقيقه في الواقع. 

فمن ذلك قوله في خطاب موجه للنساء؛ يدعوهن إلى التعلم» وجعله مقصودا لذاته. لا 
وسيلة لغيره: (إني أؤكد لكنّ أيتها النسوة المسلمات والمؤمنات اللواتي اجتمعتنٌ اليوم هنا: من 
كانت منكنٌّ تدرس فلتدرس بجدء لكن الدراسة ليست مقدمة للعمل فقط» ليست من أجل 
العمل وكسب الال إِنَّ دراسة النساء أمر مهم جداً ببدف اكتساب المعرفة» ومهمة من أجل 
رفع مستوى الرشد الفكري. أما العمل فإنّْهِ يت في الدرجة الثانية)(7) 

وبين أهمية دخول المرأة للمؤسسات العلمية في مراحلها جميها؛ فقال: (إن المجتمع الذي 
تدرس فيه النساء والرجالء فإن عدد المتعلمين فيه يكون ضعف علد المتعلمين في المجتمع 
الذي لا يدرس فيه إلا ذكوره. وعندما تدرّس النساء في المجتمع» فإن عدد المعلمين سيتضاعف 
عما هو عليه عندما يكون الرجال وحدهم معلمون)9) 

ويضرب مثلا على ذلك؛ فيقول: (على فرض أن لدينا بين الخمسين مليون إنسان في 
مجتمعناء لدينا مثلاً ثلاثيين أو خمسة وثلاثين مليون إنسان في عمر يناسب تقديم الثار لهذا البلد. 


فمن الطبيعي أن نصف هذا العدد هو من النساء» فهل من المعقول أن نغفل بسهولة عن كل 


..77 المرأة علم وعمل وجهاد» ص:‎ )١( 
. ١١ص زفق المرجع السابق»‎ 


تقدنا 


هذه الطاقات الكامنة؟ وهل يعقل أن نتغاضى عن هذه الخزانة الإلهية المتمثلة بوجودهنٌ ؟ لا 
بد أن يكون بينهنٌ العالمات) 2١‏ 1 

وهكذا نراه يدعو المسؤولين إلى تشجيع النساءء لاعلى الدراسة فقطء وإنم) على مواصلة 
البحث والتعليم إلى آخر مراحله؛ فيقول: (ادفعن النساء للدراسة» شجّعن الفتيات على 
الدراسات العلياء أَمّن وسهلن وسائل دخول الفتيات إلى المراكز العليا من خلال الطرق 
القانونية. إذا حصل ذلك فستحل كل الأمور برأيي) 7) 

وهو يدعو إلى ربط العلم بالتربية والسلوك الأخلاقي» والاهتام بالحكمة» باعتبارها 
الوسيلة التي يحقق بها الإنسان إنسانيته» يقول: (إن الجوهر الإنساني عزيز لدى المرأة والرجل؛ 
وعندما يتعلمان العلم والحكمة, فإنهها يسعيان إلى إبراز وجلاء ذلك الجوهر أكثر فأكثر. فإذا 
كانت هناك امرأة ما قد بلغت مستوى عالياً من العلم لكنها غفلت عن جوهرها الإنساني» وم 
تعتني به» وقللت من احترامه فىم| هي قيمتها حينئذ؟ إن الجوهر الإنسانيٍ يجب أن ينمو لدى 
المرأة والرجل» وهي مسألة ذات قيمة) © 

وهو يدعو النساء كذلك إلى الاهتمام بالمطالعة» وعدم الاكتفاء ب| يدرسنه في المئؤسسات 
الدراسية؛ فيقول: (إن من جملة الأمور الأساسية جداً تعليم النساء القراءة والكتابة» ومن جملة 
الأعمال المهمة جداً دفع النساء للمطالعة» جدن أساليب مبتكرة لجعل النساء يعارسن المطالعة 
داخل بيوتهنٌ . للأسف إن نساءنا لا يأنسن كثيراً بالمطالعة» آلاف الكتب تصدر في الأسواق 
وتنفذ دون أن يطّلعن عليها. هذه الكتب تمثل المعارف البشرية» وهي توقد الأذهان لفهم أفضل 
وفكر أحسن وابتكار أكثر» وتجعلها في موقع أفضل وأسلم) 7؟) 

. ١7ص المرجع السابق»‎ )١( 
. المرجع السابق» ص17‎ )9( 


إفرفق المرجع السابق» ص١١‏ 1 


2( المرجع السابق» ص؟ .١‏ 


رلا 


ويقول: (عليهم أن يسمحوا لبناتهم بالدراسة والمطالعة وقراءة الكتب», وأن يطّلعن على 
المعارف الدينية والإنسانية» لتقوى أذهاهنٌ وعقوحنّ وتنشطء إنه أمر ضروري جداً) 0 

وهو يدعوهن إلى الاهتام بتعلم كل ما يرتبط بالحياة» وخاصة الأسرية منها؛ فيقول: 
(من جملة الأمور الأخرى الحامة جداً تعليمهنّ الأساليب الصحيحة للعمل والتصرّف داخل 
البيت» أي كيفية التعامل مع الزوج والأبناء فهناك نساء جيدات» يمتلكن الصبر والعفو 
والأخلاقء لكنهنّ يجهلن الأساليب الصحيحة للتصرف مع الزوج أو الأولاد. علّموهنٌ 
الأساليب العلمية والأمور التي تطوّرت من خلال التجربة البشرية يوماً بعد يوم» حتى بلغت 
مراحل جيدة. ومنكنٌ من خاضت تجارب جيدة» عليكنٌ أن تجدن الأساليب المناسبة لإرشاد 
السيدات إلى هذه المسائل) 0 

وهكذا يدعوهن إلى التعرف على الأحكام والقوانين التي تتيح لما أن تحافظ على 
حقوقهاء حتى لا يظلمها أحدء يقول: (على المرأة نفسها أن تعرف قبل غيرها شأنها الإسلامي 
وتدافع عنه. عليها أن تعرف ما هو حكم الله والقرآن والإسلام حول قضاياهاء وما يراد منهاء 
وتفرضه عليها مسؤوليتها. وعليها أن تؤمن با قال الإسلام وأراد» وأن تدافع عن ذلك. لأنها 
إن لم تفعل ذلك فإن الذين لا يلتزمون بأي مبدأ سيسمحون لأنفسهم بظلم المرأة. ى) هو الحال 
اليوم في العالم الغربي حيث يلحق الرجل الغربي أفدح الظلم بالمرأة تحت ظل الأنظمة المادية 
لتلك الديار» ورغم كل الشعارات التي يطلقونها حول المرأة. حيث الأب يظلم ابنته» والأخ 
أخته. والزوج زوجته. وحيث تؤكد الإحصاءات التي ينشرونها أن أكبر ظلم وتعرّض وتعدٍ 
يلحق بالنساء والزوجات والأخوات بل وحتى البنات يرتكبه الرجال الذين يعيشون في 
الأنظمة الغربية. أي أنه عندما يكون النظام غير محكوم للقيم المعنوية» ولا تعمر قلوب أهله 


)020( المرجع السابق» ص؟ .١‏ 
0( المرجع السابق» ص؟ .١‏ 


مضنا 


بالل؛ فإن الرجل يجد الطريق أمامه مفتوحاً ليظلم المرأة ويعتدي عليهاء معتمداً بذلك على قدرته 
الجسدية» إن الذي يمنع ذلك أمران: الخوف من الله واحترام القانون وعمران القلب بالإيمان 
وما إلى ذلك؛ وأن تكون المرأة مطلعة جيداً على حقها الإنسان والإلميء وأن تدافع عنه» وأن 
تجد نفسها بالمعنى الحقيقي للكلمة) 0 

ومع أن هذا القول طبيعي» بل يدل على حرص أبوي كبير من السيد الخامنئي على المرأة 
الإيرانية» ودعوته إلى الترقي والتربية والتحضرء لكن المغرضين راحوا ينقلون حديثه هذاء 
مبتورا عن سائر الأحاديث» ويشيعون بأن النظام الإيراني يمنع المرأة من التعلم إلا في المجاللات 
التي تختص بالأسرة ونحوها. 

ومن الأمثلة على ذلك ما كتبته صحفية تونسية تحت عنوان [دور المرأة المتعلمة في إيران 
يقتصر على تربية الأبناء]» والذي قالت فيه: (تؤمن الطبقة الحاكمة في الجمهورية الإسلامية 
الإيرانية بأن المرأة خلقت لتنجب وتربي الأبناء وبآن تقبّل خروجها للتعلم ليس إلا لتمكينها 
من المؤهلات والثقافة التي تسهل عليها أداء هذه المهمة» ويترجم هذا الإيمان في كل ما يتصل 
بالمرآة في إيران) 27 

وكان دليلها على هذا هو أنه طهران ‏ | تذكر ‏ نظمت ندوة بعنوان [مكانة المرأة العالمة 
في إيران والعالم العربي]» وهي لم تشغل نفسها كثيرا بالاطلاع على المحاضرات التي ألقيت» ولا 
البحوث التي كتبت» وإن| اكتفت ببند من التوصيات» يذكر (دور المرأة العالمة في تنشئة 
الأجيال»» والذي علقت عليه بقوها: (لا تتغير نظرة السلطات الإيرانية للمرأة بحسب 
مستواها التعليمي» فلا فرق بين التي تحصلت على أعلى الشهادات العلمية أو الأمية أو ذات 
المستوى التعليمي المتواضع لأن دورها الأول والأخير يظل تربية الأبناء وتقديم فروض 


020( المرجع السابق» ص8١‏ . 
(؟) دور المرأة المتعلمة في إيران يقتصر على تربية الأبناء» سماح بن عبادة» موقع العرب» ١1‏ 70/01/70. 


امون 


الطاعة للرجل» هذه هي عقيدة الساسة الإيرانيين المتشددة والمحافظة إزاء المرأة والتي عملوا 
على ترسيخها وتكريسها في ثقافة ووعي المجتمع الإيراني) 

وللأسف؛ فإنها تردد هذه المغالطة الخطيرة مع كونها تقر بالنسب المرتفعة لتعليم النساء 
في إيران» وأنه ليس هناك حواجز تحول دون تعليمين» بل هناك المحفزات التي ترغب في ذلك» 
قالت: (.. ورغم أن نسب تسجيل الإيرانيات بالمدارس والجامعات مرتفعة» وقد تفوق أعداد 
الطالبات ني العديد من الجامعات أعداد الطلاب الذكورء وكذلك ترتفع نسب المتحصلات 
على شهادات التعليم العاللي إلا أن ذلك لا يترجم في أدوارهن في المجتمع والاقتصاد كقوى 
عاملة مؤثرة كى| لا يسجلن حضورا بارزا في التمثيل السياسي» وفي مواقع القرار في مختلف 
أجهزة الدولة) 

ثم عللت ذلك برؤيتها العلانية التي اكتسبتها من الأنظمة التي حكمت تونس؛ 
فأصبحت من حيث لا تشعر تنظر للدول الإسلامية» وكأن تونس ووضع النساء فيها نموذج 
ينبغي أن تحتذيه سائر الدول الإسلامية» تقول: (يفسر واقع المرأة في إيران با تراه الحكومة 
الإيرانية تطبيقا لقراءتها للشريعة الإسلامية القائمة على التمييز بين الرجال والنساءء وفي حال 
وجدت فعاليات تركز على المرأة فإنها لن تأتي با يخالف هذه النظرة» لذلك فإن طرح موضوع 
حول مكانة المرأة العالمة لا ينتظر منه غير التأكيد على أن تعليم المرأة لا يندرج ضمن تكوينها 
لتلعب أدوارا كثيرة وفعالة في بناء الاقتصاد ولا التأثير على السياسة بل هو فقط ينير عقلها 
ويمنحها الثقافة التي تلزمها عندما تصبح مسؤولة عن تربية الناشئة) 

ولو أن هذه الصحفية كلفت نفسها بالانتقال إلى الواقع الإيراني» أو بمطالعة خطب قادة 
الثورة الإسلامية» لصححت نظرتها القائمة على إسقاط نموذج طالبان وغيره على النظام 
الإسلامي في إيران. 


ومن الأمثلة على ذلك قول السيد الخامنئي مطالبا النساء بالتخصص في جميع فروع 


7 


الطب. وعدم الاكتفاء بأمراض النساء؛ فيقول: (وأشير هنا إلى ضرورة تخصص النساء في كافة 
الفروع والتخصّصات الطبية» وعدم الاكتفاء بالطب النسائي» فا دمنا نعتقد بضرورة وجود 
فاصلة في العلاقة والارتباط الاجتماعي بين المرأة والرجل» ونؤكد على رفض الاختلاط الجر 
بين المرأة والرجلء» ونعتقد بالحجاب بمعناه الواقعي والكامل؛ لذلك لا يمكننا إهمال المسألة 
الطبية. أي أنه يلزمنا وجود نساء طبيبات بنفس النسبة الموجودة من الأطباء الرجال» حتى 
تتمكن المرأة من مراجعة الطبيبة في أي اختصاص أرادت,. ولا داعي للمساس بتلك الفاصلة. 
بل علينا أن نرتب الأمر لتتمكن المرأة من مراجعة الطبيبة دون أي إشكالء الطبيبة المرأة وليس 
الطبيب الرجل» بعض النسوة يعتقدن أن على المرأة أن تدرس التخصصات النسائية فقط» وأن 
يبقى تخصصهنٌ محصوراً بأمراض الحمل والولادة» لكن الأمر ليس كذلكء على النساء أن 
يدرسن جميع أنواع وأقسام الفروع التخصصية مثل: القلب والأمراض الداخلية والأعصاب 
وغير ذلك؛ إن ذلك فريضة عليهنٌ » وهو تكليف على النساء أكثر من الرجال حالياً. فرغم 
جا عون درق قروة مكدع العارمي اخل وان تس 10 

ويدعوهن إلى الدخول ني كل الفروع العلمية؛ فيقول: (اسعين إلى تشجيع الجامعيات 
وقمن بإعدادهنّ في مختلف الفروع العلمية. فإن هذا العمل سيحقق أهداف الثورة والبلاد. 
والناس بحاجة لخدماتكن» )| إنهم بحاجة لأسلوب ولطريقة تعهدكن والتزامكنٌ بالدين)) 

ويقول في محل آخر: (إن العلم أمر عزيز جداً» وإني أؤيد أن تتعلم النساء في مجتمعنا جميع 
الفروع العلمية. في اللقاء السابق قبل عام أو عامين أكدت على أولوية الفروع الطبية» ذلك لأن 
الطب ضرورة نقدية وفورية لناء لكن على النساء أن يقبلن على جميع الفروع والاختصاصات» 


دلق المرجع السابق» ص7١‏ . 


0( المرجع السابق» ص8١.‏ 


ردلا 


ويستثمرن طاقاتهبن) 2009 

وهكذا نراه يدعو النساء إلى مواجهة ظاهرة توقيف البنات على الدراسة في سن مبكر 
لغرض تزويجهن, وهو ما يرد ردا حاسم) على ما يشاع عن مواقف النظام الإيراني في هذه 
الجوانب؛ يقول: (لقد قلت عدة مرات أن جزءاً مهيا من هذا الأمر يقع على عاتق واضعي 
القوانين» لكنّ الجزء المهم الآخر يقع على عاتق النساء أنفسهنّ» أولاً من خلال الدراسة 
واكتساب المعارف الدينية والعلمية وعدم الاكتفاء بالدراسة الرسمية فقطء وقراءة الكتب 
والأنس بها. ومن خلال الإطلاع على الحقوق التي ضمنها الإسلام للمرأة المسلمة» وحقوق 
المرأة داخل أسرتها. فإذا سرنا في هذا الطريق الذي أشار إليه الإسلام» فسيختفي الظلم الذي 
لحق بالمرأة طوال التاريخ في سائر المجتمعات» ومن بينها مجتمعاتنا الإسلامية مع الأسف)(2) 

وهو يدعو إلى التزام القيم الأخلاقية عند التعلم» وخاصة ما يرتبط بالصيانة وكرامة 
المرأة» يقول: (إن على نساء إيران» وخاصة اللواتي استطعن أن يدرسن العلوم المختلفة في إطار 
الإسلام وأحكامه. وأهم من ذلك أَنبنّ فعلن ذلك وهنّ ملتزمات بالحجابء عليهنَ أن 
يفهمن النساء والفتيات والجامعيات في العالم أن العلم لا يعني التهتك» وليس من شروط طلب 
العلم التهتك في الموازين الأخلاقية وفي المعاشرة بين المرأة والرجل؛ بل يمكن تحصيل العلم 
مع الالتزام الكامل ببذه الموازين» والوصول إلى درجات ومستويات عالية. وإن وجودكن 
يمكنه أن يشكل نموذجاً من ذلك النداء العالمي للإسلام) 0 1 

بل إنه يدعو المسؤولين للتفكير في إنشاء جامعات خاصة بالنساء؛ فيقول: (بلغني أن 


هناك نية وحديث لإيجاد جامعة خاصة بالنساء إن شاء الله» أي أن يكون الأستاذ فيها والمدير 


)020( المرجع السابق» ص8١.‏ 
0( المرجع السابق» ص9 .١‏ 
إفرفق المرجع السابق» ص9 .١‏ 


ردنا 





والطلاب» بل وحتى الجهاز الإداري من النساءء خاصة في الجامعات الطبية. إنها فكرة جيدة 
جداً. إني أنظر للأمر من بعيدء دون أن أتابع جوانب القضية بشكل مفصّلء لعدم وجود فرصة 
لذلكء لكني أرى بشكل إجمالي أن هذا الأمر جيد جداً» ويتناسب بشكل كامل مع الأهداف 
العامة والقيمة لحركة المرأة في مجتمعنا. أسأل الله أن يوفقكنٌ ويؤيدكنّ في ذلك) 20 

وقد آنت تعلييات قادة الثورة الإسلامية آثارها في المجتمع الإيراني؛ فوسائل الإعلام 
تنشر كل حين أخبار تفوق النساء الإيرانية في المجالات العلمية المختلفة» وهو أكبر رد على ذلك 
الإعلام المغرض الذي يحاول أن ينقل صورة مختلفة تماما ممتلئة بالتزوير والكذب. 

ومن تلك الأخبار ما ورد في مقال بعنوان [المرأة المتفوقة تحدٌ إيراني]» جاء فيه: (الدراسة 
الجديدة - التي قام بها مركز الشورى الإيراني حول التحولات التي طرأت على تعليم المرأة 
خلال العقد الماضي تشير إلى ارتفاع أعداد الطالبات المقبولات في مرحلة الاستعداد لدخول 
الجامعة من 7” بالمائة إلى 10 بالمائة » وقد تبين أن نسبة كبيرة من هولاء المقبولات هن 
متفوقات. ما ينعكس على مسيرة حياتهن الجامعية» وبالتالي يفرض على ا حكومة توفير فرص 
عمل للاستفادة من خبراتهن. الأمر الآخر هو أن الهيئات المشرفة على توزيع المقاعد الجامعية 
اضطرت خلال العامين الماضيين إلى اتباع سياسة جديدة في توزيع المقاعد الجامعية بحيث 
خصصت 50-7١‏ بالماتة للذكورء و٠50-7‏ بالمائة للإناث» في] تركت حوالي ١50‏ بالمائة 
للتنافس ال حر بين الجنسين) 250 

حقوق المرأة المرتبطة بالعمل والإنتاج: 

وهي من الحقوق الأساسية التي كفلها الدستورء ودعا إليها كل قادة الثورة الإسلامية؛ 
بل إن دعواتهم للمرأة بأن تؤدي واجبها في المجتمع» وني جميع المجالات التي تطيقها لا نكاد 


)غ20 المرجع السابق» ص .7١‏ 
(5) المرأة المتفوقة تحدَّ إيراني!ء محجوب الزويريء مجلة الغد الالكترونية» ١6‏ شباط / فبراير /705.. 


الرل 


نجد مثلها في أي نظام آخر. 

ومن الأمثلة على ذلك ما ذكره قائد الثورة الإسلامية الحالي السيد علي الخامنئي من 
ضرورة مشاركة المرأة في كل مجالات الحياة؛ فقال: (إنّنا نعتقد أن النساء في كل مجتمع بشري 
سالم قادرات وعليهنٌ أن يجدن الفرصة لبذل الجهد د في مجال التقدّم 51 
والحعتاس والتتاع والإدارة في هذا العام في حدود سهمهنً. وفي هذا المجال ليس هناك أيٌ” 
فرق بين المرأة والرجل)(© 

ويقول في موضع آخر: (في الساحة الثانية» أي ساحة النشاطات الاجتاعية والسياسية 
والعلمية وباقي النشاطات المتنوعة» يحق للمرأة المسلمة ى) يحق للرجل المسلم أن تقوم حسب 
مقتضى الزمان بملء الفراغ المحسوس وأداء المهام الملقاة على عاتقها)() 

ويقول: (لذلك ليس هناك أي تفاوت بين المرأة والرجل في مجالات الإعداد والاقتصاد 
والتخطيط والتفكير ووضع الدراسات لشؤون البلد والمدينة والقرية والجماعة والشؤون 
الشخصية للأسرة» فالكل مسؤول وعلى الكل أن يؤدي المسؤولية) 9 

ويرد على المتشددين الذين قد ينكرون هذا؛ فيقول: (لا يوجد تفاوت بين الرجل والمرأة 
في مزاولة النشاطات المختلفة في شتى المجالات في نظر الإسلام؛ فمن يقول إن الرجل يمكنه 
أن يدرس والمرأة لا يمكنها ذلك» والرجل يمكنه أن يدرّس والمرأة لا يمكنها ذلك» والرجل 
يمكنه أن يارس نشاطاً اقتصادياً والمرأة لا يمكنها ذلك» والرجل يمكنه أن يارس العمل 
السيامي والمرأة لا يمكنها ذلك؛ فإنه لا يبين المنطق الإسلامي» وكلامه مخالف لكلام الإسلام؛ 


فإن رأي الإسلام هو أن للرجل والمرأة أن يوارسا جميع النشاطات المتعلقة بالمجتمع البشري 


)١١ المرأة علم وعمل وجهاد (ص:‎ )١( 
.70 زفق المرجع السابق» ص‎ 
.50 هرف المرجع السابق» ص‎ 


حرس 





ونشاطات الحياة» وهما في ذلك سواسية) 0 

وهو يذكر دائ) الأدلة الشرعية التي ترد على أولئك الذين يقزمون دور المرأة» ويحصرونه 
في ممارسة نشاطاتها الأسرية؛ ومن ذلك قوله: (فالساحة مشرّعة أمام الرجال والنساء في 
المجتمع الإسلامي» والشاهد على ذلك جميع الآثار الإسلامية الموجودة في هذه المجالات» 
وجميع التكاليف الإسلامية التي تجعل المرأة والرجل متساويين في مسؤولياته| الاجتماعية) (9) 

ومن الأدلة التي يستدل مها عادة على ذلك قوله يي : (من أصبح ولم مهتم بأمور المسلمين 
فليس بمسلم)» ويعلق عليه بكونه (لا يختصّ بالرجالء بل على النساء أيضاً أن يدركن 
مسؤوليامنٍ تجاه أمور المسلمين والمجتمع الإسلامي وأمور العالم الإسلامي وكل ما يجري في 
العالم» وأن يبدين اهتماماً بذلك, لأنه واجب إسلامي)0© 

وهو يرى أن منع المرأة من ممارسة نشاطاتها التي تطيقها ظلمء يقول: (إذا كانت المرأة 
تمتلك طاقات علمية مثلاً أو قدرة على الاختراعات والاكتشافات»؛ أو كانت مؤهلة لأداء 
نشاط سياسي أو عمل اجتماعيء ولم يسمح لها أن تستغل طاقتها تلك؛ وأن تنمّي قدراتها تلك. 
فلذلك ظلم)0؟) 

ويقول: (نعم إطرحن هذا السؤال وهو: لماذا لا تتولى النساء مسؤوليات ومديريات 
أساسية؟ فهو سؤال مقبول. فحيث قتلك المرأة مؤهلات جيدة يمكنها ذلك. لا أن يأخذكنٌ 
التعضّب وتقلن يجب أن تتولى المرأة المنصب الفلاني» نعم في الأماكن التي لا يمنع الإسلام منها 
لابأس» فهناك أماكن قد يمنع الإسلام منهاء وني غيرها لا ضير من توي المستويات العلياء 
عندما يريدون اختيار الأصلح لتولي هذه الأمور يجب أن ينظر إلى النساء إلى جانب الرجال» 

.5 المرجع السابق» ص5‎ )١( 
المرجع السابق» ص”5.‎ )9( 


إفرفق المرجع السابق» ص”77. 


2( المرأة حقوق وحرية وحجاب (ص: 0 


تخسن 


ويرون من هو الأصلح منهم دون أي تعصّب)(2 

وهذه التصريحات التي ذكرها الخامنئي» والتي نجد نظائر لها كثيرة في كلمات الخميني» 
وقد سبق ذكر بعضهاء لم تكن مجرد كلمات» بل كان الواقع الإيرانيٍ كله يدل عليها. 

وقد ورد في مقال بعنوان [المرأة الإيرانية ودورها الرسالي في الأمة] ذكر مختصر لبعض 
الأدوار التي ساهمت بها المرأة في خذمة الثورة الإسلامية الإيرانية قبل الانتصار وبعده؛ وما 
ورد فيه: (اضطلعت المرأة الإيرانية بدور مهم وأساسي في حركة النهضة الإسلامية المباركة منذ 
انطلاقهاء وواكبت مسيرتهاء وقدمت لما دعماً كبيراً حتى تحقق النصر المنشودء فكان النصر 
نتيجة بطولات وتضحيات المرأة المسلمة. حتى إن مفجر الثورة الإسلامية الإمام الخميني 
الراحل أشاد بدور المرأة في الثورة الإسلامية وخاطبها بالقول: (أنتن أيتها النساء الأبطال» كنتن 
وما زلتن في طليعة هذا النصر).. وقال: (لقد أثبتن أيتها النساء أنكن دائياً في الصفوف الأمامية» 
وأنكن سباقات على الرجال» وأن الرجال يستلهمون عزيمتهم منكن. إن رجال إيران 
استلهموا بطولاتهم من النساء وتعلموا منهن)7) 

وذكر صاحب المقال أن ذلك النشاط الذي مارسته المرأة الإيرانية قبل الانتصار وبعده 
لم يتعارض أبدا مع القيم الأخلاقية والإيانية التي جاءت بها الشريعة» بل كان منطلقا منهاء 
يقول: (بالطبع إن النشاط الذي قامت به المرأة الإيرانية في فترة الثورة الإسلامية وبعدها ل 
يتعارض مطلقا مع حجاب المرأة واحتشامها والتزامها الديني والأخلاقي» فقد كانت القيم 
والأخلاق حاضرة بتفاصيلها مع المرأة الإيرانية أيننا حلت وأثناء حركتها وثورتها ثما جعلها 
لمنويجا لليؤاة المسلنة الوافة بضلاسات الحياة والدركة فلات الثمن تواهبية' المربعلة 


الراهنة وآفاق المستقبل) 


.)7"١ المرأة حقوق وحرية وحجاب (ص:‎ )١( 


() المرأة الإيرانية ودورها الرسالي في الأمة» موقع براس الإيراني الإخباري» /ا مارس ١18‏ 7.. 


تنرونا 


وأشار صاحب المقال إلى بعض الأدوار التي قامت بها المرأة الإيرانية بعد انتصار الثورة 
الإسلامية» فقال: (لقنتقائت المرأة الأيرانية بعد العؤرة الإسلامية بأدواز مهحة أيضاً غل:ضعيد 
بناء المجتمع وإنشاء المؤسسات الإجتماعية والإقتصادية والمدنية وأدت رسالتها على أفضل 
وجه تمكن ما دفع الإمام الخميني إلى القول: (إن نساء إيران يمارسن اليوم نشاطاتهن في كل 
المجالاتء سواء الثقافية أو الاقتصادية حيث تعمل شريحة كبيرة منهن في الزراعة وأخرى في 
الصناعة» وثالثة تمارس نشاطها في حقل الثقافة والأدب والفن» إن جميع هذه الجهود مشكورة 
عند الله تبارك وتعالى وهي في عنايته ورعايته إن شاء الله) 

وذكر أدوار المرأة في الخدمة الاجتاعية» والمؤسسات المرتبطة بها؛ فقال: (قامت المرأة 
الإيرانية بدور فاعل في رفع الحرمان عن الطبقات الفقيرة في المجتمع من خلال نشاطاتها في 
مؤسسات دعم المستضعفين التي تأسست بعد انتصار الثورة الإسلامية» بل إن هذه المرأة حملت 
هم المستضعفين في أقصى نقاط البلاد فقامت بتقديم ما تملكه من المدخرات والأموال من أجل 
تحقيق بعض الرفاهية والسعادة لهم وقد أشار الإمام الخميني إلى هذا المعنى في إحدى خطبه 
فقال: (فتات كثيرة ومختلفة من النساء جاءت لتقدم ما ادّخرته في حياتها إلى المستضعفين ليبنوا 
لهم بيوتا) 

وذكر أدوار المرأة على صعيد التعليم خصوصا؛ فقال: (شكلت ساحة العلم والتعليم 
مجالاً لتئارس المرأة الإيرانية دورها الرسالي بشكل واسعء فازدحمت المدارس والجامعات 
والمؤسسات التعليمية والمراكز الثقافية بالنساء اللاتي قدمن إليها من كل حدب وصوب من 
أجل أداء رسالتهن المقدسة) 

وما ذكره صاحب المقال يدل عليه الواقع الإيراني» والذي تشارك فيه المرأة مشاركة 
واسعة» قد تفوق في بعض المحال الرجل نفسه. 

وهي مع كل هذه المشاركة لا تتخلى عن قيمها الإيوانية والأخلاقية» وأوها التزامها 


737 


بالحجاب الشرعيء والآداب المرتبطة به» التزاما بتوجيهات قادة الثورة الإسلامية الذين 
يتحدثون كل حين أن حقيقة الإنسان وجوهره منوط بتلك القيم» وليس بالحقوق التي ينالمها. 

ومن ذلك قول السيد الخامنئي» وهو يخاطب مجمعا نسويا: (افترضن أن امرأة قد 
تقلّدت منصباً حكومياً كبيرً» وكان ذلك المنصب مهاً جد ويراجعه رجال كثيرون: فلا 
إشكال في ذلك. ولا مانع من تولي امرأة لذلك المنصبء فيمكن للمرأة أن تستقبل في منصبها 
آلاف الرجال والمراجعين» وبشكل حكيم» وكذلك الأمر في ساحة المواجهة وفي ساحة الحرب» 
كالساحة التي شاركت فيها السيدة زينب» والسيدة الزهراء» والسيدة حكيمة» أو أخت الإمام 
الصادق عليه السلام حيث طلب الإمام من سائليه أن يسألوه)() 

وقال ‏ يحث النساء على الاهتمام بالمشاركة في الوظائف المرتبطة بالمرأة خصوصا . : (ما 
دمنا نعتقد بضرورة وجود فاصلة في العلاقة والارتباط الاجتماعي بين المرأة والرجل» ونؤكد 
على رفض الاختلاط الحر بين المرأة والرجل» ونعتقد بالحجاب بمعناه الواقعي والكامل؛ 
لذلك لا يمكننا إغمال المسألة الطبية» أي أنه يلزمنا وجود نساء طبيبات بنفس النسبة الموجودة 
من الأطباء الرجال» حتى تتمكن المرأة من مراجعة الطبيبة في أي اختصاص أرادتء ولا داعي 
للمساس بتلك الفاصلة. بل علينا أن نرتب الأمر لتتمكن المرأة من مراجعة الطبيبة دون أي 
إشكالء الطبيبة المرأة وليس الطبيب الرجل) © 

وهو يدعو النساء إلى عدم إهمال أهم نشاط تزاوله المرأة» وهو اهتمامها بأسرتهاء يقول: 
(البعض يعيش الإفراط» والبعض الآخر يعيش التفريط» فالبعض يقول بط أن النشاط 
الاجتماعي لا يسمح لي بالاهتام بالبيت والزوج والأولاد. لذا علي ترك النشاط الاجتماعي» 
والبعض تقول با أن البيت والزوج والأولاد لا يسمحون لي بمزاولة النشاط الاجتماعيء إذاً 


.)57 المرأة حقوق وحرية وحجاب (ص:‎ )١( 
0) زفق المرجع السابق» (ص:‎ 


ع 


عل أن أتخلى عن الزوج والأولاد. وكلا النظرتين خطأء فلا يجوز ترك هذا لذاك ولا ذاك 
050 

ويقول: (أن يربّين في أحضانبنٌ بشرادون عقد؛ وإنساناً صحيحاً وسالمًء تلك هي أهم 
قيمة لعمل المرأة» وهو لا يتنافى مع العمل العلمي والعملي» وهو أحب عمل لدى النساء)29» 

ومع كل هذه التصريحات التي دل عليها الواقع الإيراني نجد ‏ للأسف ‏ الإعلام 
المغرض يصور الأمر بصورة مختلفة تماما؛ فهو يصورها بصورة المظلومة» لا لكونها لم تشارك في 
كل نشاطات الحياة» وإنا لكونها تمارسها وهي ملزمة بالالتزام والحشمة والحجابء وكأنه 
يتصور أنه لا يمكن أن تمارس أي وظيفة إلا بخلع تلك القيم الأخلاقية. 

ومن الأمثلة على ذلك ما ورد في مقال مغرض بعنوان [المرأة الإيرانيّة.. أنصفها التاريخ 
أكثر من الحاضر]ء والذي يقر صاحبه بمشاركة المرأة الإيرانية في كل شؤون الحياة» حتى 
السين|ء لكنه يحاول أن يصور بأن كل ذلك يارس تحت ضغوط كبيرة. 

يقول في ذلك: (باستثناء السين|ء تشارك المرأة الإيرانية في الفنون بمختلف أشكاها. في 
الموسيقى» نرى نساء يعزفن في حفلات عامة على مختلف الآلات الموسيقية. لكن لا يمكنهن 
الغناء بشكل منفرد. يستطعن فقط الغناء ضمن مجموعة. بعض الإيرانيات لم يحرمن أنفسهن 
من شغفهن بالفن التشكيلٍ. صحيح أنه ما من قانون يمنع ذلكء إلا أن الدولة تفرض عدداً 
من القيود بحق الفنانين والفنانات على حد سواء. على سبيل المثال» تحدد الجامعات المواضيع 
التي يمكن للطلاب العمل في إطارهاء وتمنع رسم جسد امرأة أو نحته حتى لو كان الأمر خدمة 
للفن التشكيلي. وإن برزت المرأة الإيرانية كعنصر أساسي على لوحة أو تمثال» فذلك لأنها تمثل 
الأم أو زوجة الشهيد. ويرى البعض في ذلك تكرياً للمرأة في هذا المجتمع» بعدما كانت تظهر 


دلق المرجع السابق» (ص: 0 
زفق المرجع السابق» (ص: را 


كرس 


في السابق كجارية أو غير ذلك. وخلال الأعوام التي تلت الثورة الإسلامية» شهدت السين| 
الإيرانية انحداراً كبيرأ وغابت المرأة عن معظم الأفلام. لكن مع وصول السينا الإيرانية إلى 
العالمية في تسعينيات القرن الماضي؛ أصبحت المرأة المخرجة والممثلة والمصورة جزءاً من جميع 
الأفلام. في البداية» لم تتطرق الأفلام إلى مشاكلها *مومها وطموحاتهاء علا أن أفلام اليوم باتت 
تتناول مشاكل وهموم وتطلعات المرأة) 227 

وماذكره صاحب المقال من القيود المفروضة عل المرأة في مجالات عملها صحيح» ذلك 
أن النظام الإسلامي في إيران لا يريد أن يكسب سمعة طيبة لدى حقوق الإنسان على حساب 
قيمه ومبادئه وأخلاقه. لأن تلك المبادئ هي الأساس الذي تقوم عليه كل النشاطات. 

وقد نبه السيد الخامنئي إلى هذا المعنى عند استعراضه للمجالات التي يمكن أن تعمل 
فيها المرأة» والمتناسبة مع طبيعتها؛ فقال: (إن أهم عمل تقوم به المرأة هو ذلك العمل الذي 
ينسجم ويتناسب مع خلقتها النسوية» ويتلاءم مع أحاسيسها وعواطفها التي أودعها الله في 
وجودهاء إن من المهم محاكاة العواطف الجيّاشة والتفاعل مع المحبّة التي أودعها الله تعالى في 
وجود المرأة كله)(7) 

ويضرب مثالا على ذلك؛ فيقول: (لنفترض أن بعض النساء قد يشكين من عدم تولي 
المرأة من قيادة الشاحنات مثلاً» ومن أمثال ذلك» تلك الأمور ليست هامة» وليس لا القيمة 
التي تجعل الإنسان يكافح لتحقيقها) 9 

ويذكر حادثة وقعت له في هذا؛ فيقول: (أذكر أن حللت ضيفاً على أحد الطلاب 


الجامعيين في الهند» أردنا أن نستريح بعد الظهر. فسمعنا صوتاً يأتي من الشباك لاصطدام شيء: 


.7١١5 المرأة الإيرانيّة.. أنصفها التاريخ أكثر من الحاضرء العربي الجديد. 4 ؟ نوفمبر‎ )١( 
070 (؟) المرأة علم وعمل وجهاد (ص:‎ 
.37 60 المرجع السابق» ص‎ 2 


وردنا 





نظرت من الشباك فرأيت داخل ساحة من خمسائة متر تقريباً سيدة في العقد الخامس من 
عمرهاء تحمل مطرقة في يدهاء وتحطّم الأحجار التي تملأ الساحة تلك.. فسألته: لماذا تتولّى تلك 
المرأة هذا العمل؟.. قال: إنها عاملة.. سألته: كم تتقاضى من الأجر يومياً؟.. قال: 5 أو ه 
روبيات يومياً.. وكان ذلك عام ١19/0‏ م بعد انتصار الثورة) 20 

ثم علق على هذه الحادثة بقوله: (أعتقد إنه لمن بواعث الفخر أننا لا نجد في الأجواء 
الإسلامية من يكلف المرأة بمثل تلك الأعمال الشاقة. نعم لدينا نساء يعملن في مزارعهنٌ» من 
يعملن في الشهال لحسابين» لكنهنّ لا يعلمن كأجيرات للآخرين! فهل من المعقول أن يخوض 
الإنسان نضالاً مريراً من أجل أن تصل المرأة إلى القيام بمثل تلك المهام الشاقة؟! ليست تلك 
الأموربذات بال) 0220 

ومن هنا؛ فإن القوانين والواقع الإيراني يمنع المرأة من ممارسة بعض الوظائف التي لا 
تنسجم مع طبيعتهاء وليس في ذلك إلا مزيد احترام لهاء يقول الخامنئي: (هناك بعض الأعمال 
التي لا تناسب المرأة» ولا تتلاءم مع تركيبها الجسدي. ك) أن هناك بعض الأعمال التي لا 
تناسب الرجلء ولا تتلاءم مع وضعه الأخلاقي والجسدي. لكن لا علاقة لذلك بقدرة المرأة 
على التواجد في ساحة النشاطات الاجتاعية أو عدم قدرتها. فإن تقسيم الأعمال يتم حسب 
الإمكانات والرغبة واقتضاء كل عمل) (”7) 

بل إنه يعتبر ممارسة المرأة لما لا يتناسب مع طبيعتها وقيمها وأخلاقها ظلم لهاء وليس 
حقوقا تطالب بهاء يقول: (إذا كانت الظروف بشكل يسلب المرأة قدرتها على الاهتمام بأخلاقها 
ودينها ومعرفتها بسبب كثرة عملها وضغط المشاغل المتنوعةأ فذلك ظلم) ©) 

.0 المرجع السابق» ص‎ )١( 
.0 (؟) المرجع السابق» ص‎ 


إفرفق المرجع السابق» ص١377.‏ 


2( المرجع السابق» ص ٠‏ 5. 


رولا 


5 الحقوق السياسية للمرأة: 

وهي من الحقوق التي دل عليها الواقع الإيراني حيث نرى المرأة تمارس كل النشاطات 
السياسية مثل الرجل تماما؛ فلها حق الترشح. وحق الانتخاب» وحق الدخول في الأحزاب 
السياسية» بل ترأسهاء وهكذا نجدها كل المجالات السياسية متاحة لما. 

وهي وإن لم يكن عددها كبيرا في مجلس الشورى مثلا؛ فذلك لا يعود للقيود التي تفرض 
عليهاء وتحول بينها وبين الترشحء وإن| لطبيعة المجتمع الإيراني الذي لا يختلف عن سائر 
المجتمعات الإسلامية في النظر إلى هذا الجانب» ولذلك قد لا تترشح المرأة في بعض المناطق 
المحافظة جداء وقد لا تنجح في حال ترشحهاء وذلك لا يدل على كون النظام الإيرانٍ ضد 
ممارسة المرأة حقها السيامي. 

وهذا نجده حتى في الدول المتطورة» والتي يسيطر الرجال فيها على أكثر المناصب 
السياسية» بل لا نكاد نجد امرأة تتولى المناصب الحساسة فيهاء مع كون القوانين تسمح بذلك. 

فلذلك لا يصح ما يذكره الإعلام المغرض عن الحقوق السياسية للمرأة الإيرانية» ذلك 
أنه لا يعتمد التنظيرات التي نص عليها قادة الثورة» ولا الحقوق التي نص عليها الدستور 
والقوانين الإيرانية» وإنم| يعتمد الواقع» ويحسب الأمر حسابا كميا؛ فيتصور أن قلة عدد النساء 
في البرلمان دليل على القيود التي تفرض عليهن» وذلك غير صحيح. 

ولو طبقنا هذا المقياس لذكرنا أن أمريكا لا تجيز للمرأة أن تتولى رئاسة الجمهورية» وأنه 
محجور عليهاء ونستدل لذلك بعدم تولي أي امرأة هذا المنصبء وهذا غير صحيح, ولا علمي. 

ولهذا؛ فإن المنهج الصحيح في التعرف على الموقف الحقيقي ني أمثال هذه القضايا هو 
النظر في الرؤية الفكرية للقادة السياسيين» لأنها تشكل القاعدة التي تنبني عليها القوانين. 

وعند مطالعة ما قاله الخميني» الذي يعتبر الأب الروحي للنظام الإيراني» ومن توصياته 
تشكلت أكثر القوانين» نجد أنه يتيح للمرأة عمارسة كل النشاطات السياسية التي تقدر عليهاء 


رونا 


بشرط الكفاءة التي تؤهلها لذلكء لأن ال هدف ليس هو أن تتولى المرأة المنصب. وإنا أن يكون 
المنصب حقيقا بهاء وهي حقيقة به. 

وقد ذكر الخميني رؤيته في هذا المجال قبل انتصار الثورة الإسلامية» أثناء جوابه على 
سؤال يقول: (تشغل النساء تجمعاً كبيراً بين المسلمين فا لنّ وما عليهن في ظل النظام 
الإسلامي؟)؛ فأجاب بقوله: (تشارك نساء إيران المسلمات الآن في المقاومة والنضال السياسي 
والطافرات عل القنائ وقد أعلدك أرق يعدن العاف نياسية فى ادن الأرزائية د وللمراة 
في ظل النظام الإسلامي نفس ال حقوق التي يتمتع بها الرجل: حق التعليم والعمل والتملك 
والانتتخاب والترشيح. وني كل المجالات التي للرجل حق فيها لها حق. ومن الأمور والمرافق 
ما يحرم على الرجل لظهور المفاسد فيهاء وهكذا على المرأة. فالإسلام يريد المحافظة على مكانة 
كل من الرجل والمرأة» ولا يريد أن تكون المرأة ألعوبة بيد الرجلء وما يشيع في الخارج من أن 
المرأة تعامل في الإسلام بقسوة وخشونة هو أمر غير صحيح وشائعات باطلة» فكلا المرأة 
والرجل يتمتعان بصلاحيات في الإسلام على الرغم من اختلافات الاثنين المتعلقة 
بطبيعته])(١1)‏ 

وهكذا نجد الخامنئي يرغب النساء في الثقافة والعمل السياسي في جميع مجالاته؛ فيقول 
تخاطبا لبعض التجمعات النسوية: (أدعوكن إلى زيادة الحضور في القضايا الإجتاعية 
والسياسية» والصمود والصبر والمقاومة والحضور السياسي والإرادة السياسية» والإدراك 
والوعي السياسي ومعرفة البلد والأهداف الوطنية الكبرى والأهداف الإسلامية للدول 
والشعوب الإسلامية» ومعرفة مؤامرات الأعداء» ومعرفة العدو وأساليبه. عليها أن تقدم في 


ذلك يوماً بعد يوم)7) 


)0( صحيفة الإمام» ج0) ص: 3 
زفهة المرأة علم وعمل وجهاد (ص: 077 


3” 


ويذكر لهن الأمثلة على ذلك من النساء الصا حات المؤمناتء اللاتي كن يشاركن في كل 
قضايا الأمة؛ فيقول: (أما الإسلام فكان قبلهم بكثير قد أثبت للمرأة حق البيعة والتملك 
والتواجد في الساحات الأساسية السياسية والإجتاعية بايا انب إِذَا جَاءَكَ المُؤْمِنَاتُ 
يَُاعْنَكٌ عَلَ أَنْ لا يُشْرِكُنَ بالل [الممتحنة: ؟١]‏ ؛ فكانت النساء تأتي لتبايع النبي #» ولم 
يرفض النبي يَي ذلك, ويقول ليت الرجال فقط للبيعة» ولم يأخذ برأي الرجال فقطء وم يجبر 
النساء على ما قرره الرجالء بل قال للنساء البيعة أيضاًء من إبداء رأيين بقبول حكومتي هذه. 
والمشاركة في قبول هذا النظام الإجتماعي والسياسي)0) ْ 

ويضرب الأمثلة على مدى كفاءة النساء» وقدرتهن على ممارسة العمل السياسي؟ فيقول: 
(وفق الساحات السياسية أيضاء رأينا:وما ؤلنا ترق سيذات يتلكن: القدرة على التحليلن 
وخطيبات» ومستعدّات لتون المسؤولية في النظام الإسلامي. طبعاً إن هذا الأمر يشهد انّساعاً 
ويجب أن يتطوّر) 29 

ويضرب المثل لمن بالنساء المؤمنات في زمن النبوة وبعده؛ فيقول: (أولسنا نقول أنها ‏ 
أي الزهراء ‏ كانت تذهب إلى المسجد رغم ضعفهاء لتحق الحقٌ؟ إذن علينا أن نسعى لإحقاق 
الحق في جنيع الحالاتء علينا أن لا نخاف من أحد أيضاً. أُوَلسنا نقول أنها وقفت وحيدة في 
مواجهة مجتمع ذلك الزمان؟.. علينا أن نقف في مواجهة عالم الظلم والاستكبار» ونواجهه دون 
خوف على رغم قلة عددنا) © 

وهو يعتبر أن العبرة في كل ذلك بالكفاءة» فهي التي تحدد نوعية العمل» وكيفيته» ولا 


علاقة لذلك بكون العامل رجلا أو امرأة؛ فيقول: (إني أرى أن أهمية هذا العمل الذي تقوم به 


)020( المرجع السابق» ص 37. 
0( المرجع السابق» ص ؟ 7”. 


هرف المرجع السابق» ص 0 37. 


لممحا 





السيدات اليوم لا يقل أهميّة عن المشاغل الأخرى التي يقمن بها في البلاد» بل إن أهميته أكبر 
من معظم تلك المشاغل. نعم إطرحن هذا السؤال وهو: لماذا لا تتولى النساء مسؤوليات 
ومديريات أساسية؟ فهو سؤال مقبول؟.. والجواب عليه هو أنه إذا كانت المرأة تمتلك طاقات 
علمية مثلاً» أو قدرة على الاختراعات والاكتشافات» أو كانت مؤهلة لأداء نشاط سيامي أو 
عمل اجتماعي, ول يسمح لها أن تستغل طاقتها تلك, وأن تنمّي قدراتها تلك؛ فذلك ظلم) © 

أما بالنسبة للاختلاط الذي قد تفرضه أمثال هذه الأدوار؛ فيجيب عنه بقوله: (لقد 
وضع الإسلام حدوداً لهذه النشاطات. لكن تلك الحدود لا علاقة لها بالمرأة والسماح لها 
بالنشاطء بل إنها متعلقة بمسألة الاختلاط بين المرأة والرجل حيث يبدي الإسلام حساسية 
تجاهها؛ فالإسلام يعتقد أن على الرجل والمرأة أن يحافظا على حدٌ بينهما في كل مكانء في الشارع 
والدائرة والمتجر. لقد عيّن حجاباً وحدّاً بين المرأة والرجل المسلمين؛ فإِنّ اختلاط المرأة 
والرجل ليس كاختلاط الرجال مع بعضهم واختلاط النساء مع بعضهنٌ» وعليهم أن يراعوا 
تلك الحدود. على الرجل مراعاة ذلك» وعل المرأة أيضاً مراعاة ذلك» وإذا روعيت حساسية 
الإسلام هذه حول العلاقة ونوع الاختلاط بين الرجل والمرأة» عندها ستتمكن النساء من 
مزاولة جميع الأعمال التي يمارسها الرجال في المجالات الاجتاعية» إن كنّ يمتلكن القدرة 
الجسدية لأدائهاء وكانت لديهبنٌّ الرغبة نحوهاء وأتيحت لمن الفرصة المناسية) 9) 

ويقول: (افترضن أن امرأة قد تقلّدت منصباً حكومياً كبيراً» طبعاً لا أذكر اسم المنصب» 
لأن خصوصيات أيّ منصب قد لا تكون واضحة جداً ودقيقة» ولا داعي لأن يضع الإنسان 
أضبعه غل منصب خاضء وكان ذلك المتصب مهما جداء ويراجعه رجال كثيرون: فلا إشكال 
في ذلك» ولا مانع من تو امرأة لذلك المنصبء فيمكن للمرأة أن تستقبل في منصبها آلاف 


020( المرجع السابق» ص 0 ". 


0( المرجع السابق» ص8 7. 


لدجلا 


الرجال والمراجعين وبشكل حكيم, وأن تقضي لهم ما يتوقعونه من ذلك المنصب من مطالب 
مشروعة ومحقة. لا مانع من ذلك) © 

وهو ينبه دائم| إلى أن الهدف ليس وجود المرأة في تلك الوظائف السياسية وغيرهاء ليقال 
بأن المجتمع الإيراني يراعي حقوق النساء في هذا الجانب» وإنما الهدف هو تحقيق المصالح 
الشرعية» ولذلك لا بهم أن يكون عدد النساء في تلك المؤسسات أكبر أم عدد الرجال؛ فالعبرة 
بالكفاءة» وليس بالعدد, يقول في ذلك: (إني مسرور جداً لرؤيتي الأخوات النواب وقد شكلن 
بحمد الله كتلة كيفية وكميّة مهمة في مجلس الشورى الإسلامي. ولا أعني بذلك مثلاً أن يكون 
ل نات دوين تاق اشويكر اله كانه ركنا انين الساءه كاذ لين الطلوي أن 
تحدد أعداد المسؤوليات التي تتولاها النساء وأعداد ما يتولآه الرجال.. بالمناسبة فإني أرى 
الاهتمام بذلك أمراً سلبياً» أن نظن أن عدد النساء يجب أن يساوي عدد الرجال في كل ساحة 
ومجال! فذلك فكر ابتدائي وبسيط وطفولي. إني لا أقول أننني مسرور من هذا المجال» بل إني 
مسرور لشعوري أن هناك حركة جدية وحقيقية تجري لحسن الحظ من أجل إعادة الاعتبار 
لشخصية المرأة) (5) 

ثانيا ‏ العمال وحقوقهم في الرؤية السياسية الإيرانية: 

للعمل في الرؤية السياسية الإيرانية قيمة كبيرة» سواء قبل انتصار الثورة الإسلامية» أو 
بعدهاء لأنها ثورة قامت ضد الأرستقراطية والرأسالية التي بنى عليها الشاه حكمه. لذلك 
كان يرمي الثوار الإسلاميين بكونهم يساريين وشيوعيين» نتجية مطالابتهم بحقوق 
المستضعفين» بمن فيهم العمال. 


وهذا نلاحظ كثيرا تبرق قادة الثورة الإسلامية من النظام الشيوعي» واعتبار ثورتهم 


دلق المرجع السابق» ص ٠‏ 5. 
0( المرجع السابق» ص78. 


ردنا 


ثورة إسلامية خالصة. لا شرقبة ولا غربية» وأن أهدافها أهداف تنسجم مع الإسلام وتنطلق 
منه حتى لو تقاطعت مع الشيوعيين أو غيرهم في بعض المطالب. 

ولنرى مدى تشرب قادة الثورة الإسلامية بالرؤية الإسلامية في التعامل مع العمالء ننقل 
نصوصا من خطاب مهم للخميني بمناسبة يوم العمال» ألقاه بعد الانتصار» والذي قدم له ببيان 
مشروعية الاحتفال في هذا اليوم من باب تكريم العمال؛ فقال: (إن اختصاص يوم بالعمال لعله 
بلحاظ التكريم والتعظيمء وإلا فإن كل يوم هو يوم العمل والعمال؛ بل العالم قد تشكل من 
العمل والعامل.. وإن تخصيص يوم للعالم كمن بخصص يوماً للنور» تخصيص يوم للشمسء إذ 
النور موجود ني كل يوم؛ والنهار نور. كل يوم هو يوم الشمسء ولكن لعل ذلك كان من أجل 
التعظيم والتكريم» ولذا فلا يوجد إشكال في هذا الأمر)(1) 

ثم بين أهمية العمل في الرؤية العقدية الإسلامية» وكونه واجبا وشرفا لا يمكن 
الاستغناء عنه. وفي كل المحال؛ فقال: (إذا أردنا الواقعية؛ فإن العمل والعامل موجودان في 
جميع عوالم ما قبل الطبيعة وفي عالم الطبيعة وفي عوالم ما بعد الطبيعة. فالعمل والعامل موجودان 
في كل مكان» وجميع موجودات العالم سواء موجودات ما قبل الطبيعة» أم الموجودات الطبيعية 
أم موجودات ما بعد الطبيعة فإن جميعها قد تحققت بسبب العامل. فالعمل نظير (الوجود) 
حاضر في جميع شؤون العالم)7) 

ثم ذكر بعض تفاصيل ذلكء. فقال: (لقد وجد العالم من فعالية الله ووجدت أجزاء 
العالم من الفعاليات لبعض الموجودات. إنكم لا تستطيعون العثور على موجود إِلَّا والعامل 
والعمل موجودان فيه» بل هو بنفسه عملء العمال أيضاً هم بأنفسهم عمل» وقد وجدوا من 
العمل.. إن ذرات الكائنات في عالم الطبيعة فعالة من أجل إيجاد جميع كائنات هذا العالم حتى 


2000 صحيفة الإمام» جلا ص: افيه 


0( المرجع السابق» ص١ ١1١‏ . 


>23 


الجمادات والأشجار جميعاً حية» جميعها عاملة» فالعمل محيط بكل العوالم» ومنذ البداية إنا وجد 
العالم بالعمل» فالعامل مبدأً جميع الموجودات)(22 

وبناء على ما ورد في النصوص المقدسة من أن الجنة مبنية بالأعمال الصالحة» والنار مبنية 
بالأعمال الخبيثة» يذكر الخميني أن العمل يمتد إلى عوالم ما بعد الطبيعة نفسهاء فيقول: (إن عالم 
ما بعد الطبيعة- الجنة والنار- أيضاً قد ظهر بالعمل» الجنة والنار تتحققان من عمل الإنسان؛ 
فعمل الإنسان إما عمل صالح وعمل حسن وهو مبدأ تحقق الجنة» وإما عمل غير صالح 
وفاسد وهو مبداً النار)20) 

وبعد هذه المقدمات العقدية التي تعود كل قادة الثورة الإسلامية أن ينطلقوا منها في 
توضيح الحقائق ليربطوا الدنيا بالآخرة» والغيب بالشهادة» يذكر أن الشرف العظيم للعمال 
مرتبط بالمسؤوليات العظيمة المناطة بهم» ذلك أنهم ‏ كا يذكر ‏ هم وراء تقدم الدول 
وانحطاطهاء وحال أعمالهم كحال الأعمال التي تنتج إما نارا أو جنة؛ يقول: (إذا اتجه بلد نحو 
التقدم, فإنه يسير باتجاه التطور بيدكم أنتم أيها العمال» وإذا سار بلد باتجاه الانحطاطء فهو أيضاً 
يبدكم أنتم» إذ بعدم العمل أو بقلة العمل أو بعدم الرغبة في العمل يسير البلد نحو الانحطاط؛ 
فالحكومة اليوم منكمء من العمالء والبلد بلدكم. فلم يعد للأجانب تدخل فيه. لم يعد هناك 
كبت. لم يعد هناك اختناق. لم يعد هناك نهبب. البلد اليوم بلدكم» وأنتم مسؤولون عنه مباشرة. 
فإذا لم تبذلوا الجهد في هذه المسؤولية» إذا لم تبذلوا الجهد في هذا الأمر الذي بعهدتكم. وإذا ل 
تؤدوا ذلك الدّين الذي عليكم تجاه بلدكم وتجاه الإسلام» ستتحملون مسؤولية ذلك)0© 

وهو خلافا لما عليه الفكر الماديء الذي تبنى عليه الأنظمة الوضعية ‏ والتي تنطلق من 


)020( المرجع السابق» ص١١1١.‏ 
0( المرجع السابق» ص”7 ١1١‏ . 


إفرفق المرجع السابق» ص1775. 


>23 





إغراءات مادية أو معنوية تقدمها للعال قصد تحفيزهم؛ ينطلق الخميني من ذلك الفضل 
العظيم الذي ورد في النصوص المقدسة حوهمء وتلك الأجور العظيمة التي ينالونها؛ 
فيقول:(إذا بذلتم جهدكم وأدرتم عجلة البلد» فإن لكم قيمة كبيرة عند الله تبارك وتعالى؛ 
فالإسلام يجعل لكم قيمة كبيرة» ويعتبركم ران الأرضء فأنتم الأمناء على خزائن الأرض» 
وعليكم إحياء الأرض)(2) 

وهو يحذرهم من تلك الصرخات التي تحرضهم. وتدعوهم إلى الثورة» ليستعيد النظام 
البائد بعد ذلك عافيته» ويحكم السيطرة عليهم؛ يقول: (لاتصغوا إلى الذين لايريدون لهذه 
العجلة أن تدور. إنهم لايحبونكم, الإسلام العزيز هو الذي يهتم بكم ويحترمكم ويطالب 
بحقوقكم ويعمل على إحقاقها. دعوا الإسلام يحكمء دعوا الجذور الفاسدة للاستبداد 
والاستعار تستأصل وتتلاشىء وليمنى الذين يريدون خدمة الأجانب بالخيبة والفشل)7() 

وهو يذكر هم أن الحكم الإسلامي لا يعني #بميشهم كما يشيع المغرضون . بل إنه يعطي 
الأولوية لهم» بل يجعل زمام الأمور بأيديهم, يقول: (إنكم إخوتناء إنكم أعزتناء عليكم إدارة 
هذا البلد» أنتم من يستطيع الأخذ بهذا البلد إلى برٌ الأمان. أنتم من يستطيع في المصانع ادارة 
عجلة المصانع وانقاذ البلد. أنتم أيها الفلاحون من يستطيع أن يحرك عجلة الزراعة» وفعاليتكم 
هي التي تستطيع تحقيق الزراعة بشكلها الصحيح؛ فى] تعلمون أنهم خربوا الزراعة ودمروهاء 
وعليكم أنتم الآن» بعد أن أصبح البلد بأيديكم وقطعت أيدي الأجانبء أن تهتموا بزراعتكم. 
وأعطوا الحكومة الفرصة حتى تساعدكم, تساعدكم بالمقدار الذي تستطيعه. وأنتم اخوتنا 
العمال» دعوا المعامل تعمل ليمكن إعمار هذه البلد للجميع» أعطوا الفرصة لتعمل هذه المصانع 
وتدور عجلة البلد» وإنكم جميعاً إخوة لناء ونحن جميعاً في خدمتكم. أنتم من يستطيع إدارة 


دلق المرجع السابق» ص”7 ١1١‏ . 


0( المرجع السابق» ص”7١1١.‏ 


5” 


البلد والقضاء على هذه الفوضى)217 

ثم يذكر لهم الواقع المادي الذي تعيشه إيران بعد ثورتهاء وأنه لا يسمح لما بالوفاء 
بالحقوق المادية التي يستحقها العمال | ينبغي» ولذلك يحتاجون إلى الصبر حتى تستعيد البلد 
عافيتهاء يقول: (كى| تعلمون أن هؤلاء قد رحلوا تاركين البلد مضطراً. نببوا ورحلواء أفرغوا 
عدراندا ورندلو :فيحن علينا الآن يها ولبينتك فقة واحدة غلينا هه أن تبس وتخرله 
عجلات هذا البلد حتى تنحسن أوضاعه. إن الإسلام جعل لكم حقوقاً» وسوف يعطي حقوق 
الجميع. الإسلام جعل حقوقاً للعمال من الرجال والنساء. لجميع النساء والرجال المزارعين. 
وهو يكرمهم وسوف يرد لهمء دعوا الإسلام يحكمء لتتحقق جمهورية الإسلام وأحكام 
الإسلام النورانية. لا تعبأوا بأولئك الذين لا يريدون لهذه العجلات أن تدورء ولا يريدون 
لزراعتنا أن تسير أمورهاء ومعاملنا أن تعملء لاتصغوا إليهم ولا تنخدعوا بهم ولا تفسحوا 
لهم المجال ليعملوا ما يريدون. إنهم يريدون خداعكم لينهبوا ثروات هذا البلد» لينهبوا خزائن 
هذا البلدء ليكون الطريق مفتوحاً أمام من يريد مدّ يده لينهب من هذه الخزائن. يجب أن تحولوا 
دون ذلك. علينا جميعا أن نمنع وقوع ذلك)22) 

وما ذكره الخميني في تلك الأيام التي بدأت بها الثورة الإسلامية» ينطبق على فترات 
كثيرة بعدهاء حيث أن المستكبرين استعملوا كل وسائل التضييق على الجمهورية الإسلامية 
الإيرانية» حتى ثُتهم لاحقا بالتفريط في حقوق العمال» مع أن المشكلة ليست في النظام» ولا في 
العمال» ولكن في الاستكبار العالمي الذي مارس كل أنواع الحصار. 

ومع ذلك. ومع الحصار المرير» واحرب الضروس استطاع العمال الإيرانيون أن يوفروا 
حدا أدنى من المعيشة أفضل بكثير أيام الشاه» الذي كانت تذهب أكثر الثروة الإيرانية فيه لحيبه 


دلق المرجع السابق» ص ١1١7”‏ . 


0( المرجع السابق» ص5 ١1١‏ . 


/ا37 


وجيب الاستكبار العالمي الذي خضع له خضوعا مطلقا. 

وقد أشار الخميني في خطاب له بعد أكثر من ست سنوات على انتصار الثورة الإسلامية 
وبحضور الخامنئي حين كان رئيسا للجمهورية ‏ فقال ‏ يعدد إنجازات الثورة في تلك الفترة 
القصيرة المملوءة بكل أصناف التضبيق .: (إنَّ ما أريد قوله للسادة القادمين من الخارج أن 
لاتشاهدوا وتجلسوا ساكتين إلى النهاية» تعالوا انظروا هناء اذهبوا وانظروا وضع السجناء 
والأسرى العراقيين وأوضاع فئات الشعب ووضع الفلاحين في القرى والأرياف البعيدة في 
أقاصي البلاد كيف كانت في العهد السابق وكيف هي الآن؟ ففي الوقت الذي نواجه الآن هذه 
المعارضة من قبل كل البلدان إِلّا القليل منهاء ومع ذلك فإننا خلال هذه السنوات المعدودة من 
انتصار الثورة وبدء الحرب التي * شنْتُ علينا من قبل أمريكاء فانظروا إلى هذا الشعب با أن 
خكومته تتعية ومققة مق الشيعت» فإن ركنسن وؤراته كان كاسباً ق الشوق»:وافترضتوا أن 
فلاحاً جاء وتسلّم المنصب الفلاني» ففي أيّ مكان من الدنيا تجدون مثل هذا؟ إين تجدون 
طالب علم يصبح رئيساً للجمهورية؟ .. وأين تجدون كاسباً يصبح رئيساً للوزراء؟ وفلاحاً 
يكون ما يكون؟ فهذا نموذج لا مثيل له في الدنياء وما هذا إِلّا تحوّل الناس وتغييرهم» وهؤلاء 
جزء من الناس)(1) 

وهو يطلب منهم أن يوضحوا للعالم مزايا النظام الإسلاميء والتي تحققت في الواقع 
العمل ولم تبق مجردا نظريات» يقول: (اعترضوا على هؤلاء الذين يبثون الدعايات المغرضة 
ضد إيران» فأنتم عند ما تتجوّلون في شوارع البلاد هل رأيتم أحداً يقتل الناس في الشوارع؟ 
وهل انزوت النساءفي إيران وحجزن في البيوت» أم يشاركن الرجال في إعمار البلاد ويسرن 
معهم جنباً إلى جنب؟ هل ترون أن تتهتّك النساء هنا وتتحلل من كل قيد؟ أن هذا خلاف 
التحوّل الذي ظهر لدى النساءء وخلاف التحوّل الذي طرأ على شعبناء لا تكونوا متفرجين 


.51١7 المرجع السابق» ج19١, ص:‎ )١( 


38 


فقط تأتون وتشاهدون ثم تعودون إلى أعمالكم ولا شأن لكم في شيء حتى العام القادم لتَدعَوا 
للحضور هنا مرة أخرىء إذ لو تكرر هذا الأمر بهذا الشكل مئة عام فلا يساوي شيئاً ولن ينتهي 
بنتيجة مثمرة. عند ما تأتون إلى هنا وتعودون إلى بلدانكم إذكروا لأبناء شعبكم وغيرهم 
مارأيتم» ولاتظنوا أن هذا غير ممكن فقد رأينا أنه نمكن وقد حصل)7) 

ثم يذكر لهم وضع الشعب الإيراني سابقاء فيقول: (هل تظنون أن إيران كانت في السابق 
هكذا؟ كلاء لم تكن هكذا من قبل» فكم تحمّل هذا الشعب من الآلام وكم ضحّى من الشبّان» 
وكم ضحَّى هذا الشعب بكل شيئ وما يزال يضحّيء وما ذلك إِلّا لأن هذا الشعب قد وعى 
واستيقظ وتقدم خطوة من أجل الله فتفضل الله تبارك وتعالى عليه بعنايته) (5) 

وهكذا نرى الخميني في كل خطاباته يشجع الععال» ويرفع معنوياتهم» ويدعوهم إلى 
العمل بإخلاص في خدمة بلادهم؛ ويخاطب في كل ذلك الإيان في قلوبهم» ويضرب لهم 
الأمثال على ذلك بها كان عليه رسول الله يه يقول:(لا بد أنكم سمعتم ما ورد عن الرسول 
الأكرم يَيهِ من أنه قبل يد العامل» أي تلك اليد التي أصبحت خشنة بسبب العمل» وهذه 
الحادثة تعكس مكان العامل على طول التاريخ» فالنبي الأكرم الذي هو أعظم إنسان كامل» 
وهو أول أفراد الإنسان» تواضع للعامل بهذا الشكلء وقبّل يده التي هي علامة للعمل» وقد 
قبّل باطن اليد لا ظهر اليدء وهذه ملاحظة مهمة إذ أن آثار العمل تظهر في باطن اليد وإنه يريد 
من ذلك أن يبين قيمة العمل لبني الإنسان» ويقول للمسلمين بأن قيمة العمل تتجلى هناك 
حيث عمل العامل» وقد ظهرت علامة بسبب العملء وأنا أقبّل ذلك المكان لكي تدرك 
الشعوب الإسلامية والبشرية قيمة هذا العمل)”" 


)020( المرجع السابق» ج4١»‏ ص: 5١9‏ . 
زفق المرجع السابق» ج4١»‏ ص: 5١9‏ . 
() العمل والعمال في فكر الإمام الخميني (ص: *). 


>53 





ويضرب لهم مثلا آخر عن الإمام علي» فيقول: (كان الرجل الثاني في الإسلام وهو علي 
بن أبي طالب عاملاً» أي كان يحفر بئراً ويستخرج منه الماء» كان عاملاً» وكان يعمل من أجل 
إعاشة نفسه أيضاء ورغم أنه قد حفر تلك الآبار بيده فإنه قد حمل في نفس اليوم بحسب النقل 
الذي بايعوه فيه بالخلافة والإمامة وعندما انتهت البيعة» فقد حمل المسحاة بيده وذهب 
للعمل)(07) 

ويضرب المثل على حرمة العمل وأهميته وشموله لجميع الناس» حتى الأئمة أنفسهم» 
فيقول: (لم يقتصر ذلك على الإمام علي بن أبي طالبء بل إن الإمام الصادق والباقر كانوا 
كذلك؛ فقد نقلوا أنهما كانا يعملان في مكانء ونُقل عن الإمام الصادق أنه كان يعمل في مكان 
ما رغم عمله الكثير» رغم عمله المعنوي الكثير وعمله الإعلاميء فقالوا له كما ينقل -: اترك 
لنا هذا العمل لكي نقوم به لكنه أجابهم: إنني أحب أن أشعر بحرارة الشمس في بدني إزاء 
ذلك العمل الذي أريد أن أقوم به بنفسي» ويا لها من قيمة كبرى أن يقوم الرجل الأول في زمانه 
ورغم امتلاكه لتلك المنزلة بممارسة العمل بنفسه. ما يعلمنا قيمة العمل)2() 

هذا بالنسبة للدعم المعنوي الذي أو لاه الخميني أهمية كبرى» حتى يجعل من شعبه شعبا 
عقائديا يقوم بأداء مهامه بإخلاص وتفان» ولوجه الله تعالى. 

لكنه مع ذلك لم يغفل الدعم المادي, لكنه لا يربطه بوعود قد لا تتحقق» وإن| يربطه 
ويعلقه ب| يقوم به الععال أنفسهم.. فهم ‏ باجتهادهم وعملهم وصدقهم ‏ يمكنهم أن يحققوا 
المكاسب التي لا تخدم بلدهم فقطء وإن) تخدمهم هم أيضاء يقول في خطاب الانتصار: (لقد 
رحل هؤلاء الخونة من إيران وتركوا لنا بلداً خرباً ومقابر عامرة» دمروا بلادنا وعمروا مقابرنا 


بقبور شبابناء ولا نستطيع في سنة أو سنتين أو خلال مدة قصيرة أن نبني هذا الخراب وأن نحفظ 


2000 المرجع السابق» ص؟ . 
زفق المرجع السابق» ص 0. 


بلدنا من هذا الوضع المتأزم. نحتاج إلى اتحاد كل الشعب الإيراني لكي نبني معاً ما خربوه. 
ولذلك لا تنتتظروا من الحكومة أن تعمّر كل شيء؛ الحكومة لوحدها غير قادرة على ذلك. لا 
تنتظروا من رجال الدين أن يعمروا الخراب» رجال الدين لوحدهم لا يستطيعون البناء» يجب 
أن يساعد الواحد منا الآخر» من الفلاح والعامل والصانع والعالم» رجل الدين والجامعي؛ 
حتى الموظف والعسكري. الثورة الآن في وسط الطريق .. لقد طردتم اللصوص فقط من 
بلادكم .. طردتم المفسدين» لكن الخرائب لا زالت باقية. الهم أن هذه الخرائب التي تركوها 
لناء نعمرها من جديد بالاستعانة بهممكم العظيمة وعزائمكم الراسخة)(0) 

وهو ينبه الال خصوصا إلى أنهم مستهدفون. وأن هناك جهات خارجية تريد أن 
تستعملهم لينفذوا أغراضهاء غير مراعين لوضع البلد؛ فيقول: (انتبهوا .. كونوا على حذر .. 
المفسدون قد نصبوا لكم المكامن» الأجانب مترصدون لكم. إنهم لن يغفلوا عنكم؛ وعليكم 
أن لا تغفلوا عنهم, إنهم يرسمون لكم الخطط بطرق وأشكال مختلفة. بعد أن سقط النظام 
الشاهنشاهي المنحطء يريدون أن يعودوا ولكن بشكل آخرء ويجددوا الاستثار ويبدأوا النهب 
والإرهاب من جديد.. علينا أن نحفظ ثورتنا بالوعي واليقظة. إذا مالت هذه النهضة نحو 
الجمود ‏ لا سمح الله فانتظروا إعادة تلك المصائب. إذا أردتم إنقاذ إيران .. إذا أردتم إنقاذ 
الإسلام .. إذا أردتم إنقاذ القرآن الكريم فيجب أن تحتفظوا ببذه النهضة قوموا بالمظاهرات 
عند الحاجة» أقيموا الاجتماعات. المظاهرات اليوم ليست مظاهرات غير سلمية. يجب أن تبقى 
هذه النهضة» يجب أن يحبى هذا الشعبء لقد ولى ذلك العصر الذي يحكمنا فيه شرطي واحد 
.. لقد ولى ذلك اليوم الذي يحكمنا فيه ضابط واحد. اليوم جميعاً (المسؤولون) في خدمتكم .. 
في خدمة الإسلام. اعرفوا جميعاً قدر هذه النعمة» لا تستسلموا إلى اليأس. لا تقولوا ولى ذلك 


2000 خطاب الانتصار. 


370 


الشخص (الشاه) وانتهى كل شيء) )١(‏ 

وهكذا نجد القائد الحالي للثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي يواصل المسيرة» 
ويخاطب العمال» ليبث فيهم الإييهان والوعي الذي يجعلهم بمنأى عن كل المؤامرات التي 
تستهدف النظام الذي تكفل بحقوقهم في حدود ما أتيح له من إمكانات. 

ففي خطاب له عند لقائه حشداً من عمال الجمهورية الإسلامية بمناسبة عيد العمال لسنة 
6 فذكر أهمية العنصر البشري في أي نظام» وأنه أهم بكثير من الثروات وغيرها من الأشياء 
التي تتوفر للدولة؛ فقال: (تعتبر القوى البشرية واحدة من أكبر وأهم ثروات أي بلد. أي إن 
قيمة وجود العامل والمصمّم والمهندس والناشط للإنتاج في أي مجال في البلاد أكبر بكثير من 
قيمة المصادر الجوفية ومن الذهب ومن النفط ومن الماس وما شاكل؛ فهذا هو ما يمكنه أن 
يعمّر بلداً. لاحظوا الآن أنَّ هناك بلداناً ينتج فيها كل أو أكثر ماس العالم لكنهم يعيشون في 
تعاسة وفقرء لماذا؟ لأنهم لا يمتلكون الطاقات البشرية الكافية ولا يمتلكون القوى الإنسانية» 
لا يمتلكون القوى الإنسانية المفكرة. القوى الإنسانية هي أكبر ثروة في أي بلد. وأنتم هي تلك 
القوى الإنسانية. أنتم العمال وأنتم صانعو فرص العملء وأنتم المهندسون. وأنتم المصممون. 
وأنتم الناشطون في مختلف المجالاتء أنتم القوى الإنسانية. هذه هي القيمة العالية للقوى 
الإنسانية» وطبقة العهال هي جزء من هذه القيمة الراقية وهذه الثروة العظيمة) 

ثم أشاد با يقوم به العمال الإيرانيون رغم الظروف الصعبة التي تمر البلاد بسبب 
الحصارات الكثيرة المتعاقبة» والتي لم يرضخ لا العمال» ولم يستسلمواء يقول: (جهود عنالنا 
جهود تفوق الحدّ المألوف والمتوسط في العالم من حيث القيمة. هذا ما قلته مراراً حول 
القطاعات المختلفة» حول الطلبة الجامعيين» وحول المحققين والباحثين» ثم إِنَّ التقارير التي 


يرفعوتها تؤيد كلها هذا المعنى» وهذا ما أعتقده بخصوص العمال أيضاً. العامل الإيراني من 
)١(‏ خطاب الانتصار. 


370 


أفضل العمال في العالم؛ أي إِنَّ يده الفنانة وفكره ودوافعه العالية أرقى من المتوسط العالمي. 
وهذا في حين لم يكن هناك اهتمام بالعمل والعامل والمجتمع العمالي والإنتاج والقضايا الوطنية 
خلال عهد القمع وفترة الظلم البهلوي وقبل ذلك خلال حقبة الغفلة والنوم الدائم) 

وبناء على هذه التوجيهات من قادة الثورة الإسلامية» نص الدستور الإيراني على كافة 
الحقوق المرتبطة بالعمال» والتي لا تقل عن نظيراتها في البلاد التي تدعي الديمقراطية وحماية 
حقوق الإنسان» بل قد تفوقها في رعاية الأخلاق والقيم التي لا نجد أي اهتمام بها في الدول 
الغربية» بل حتى في الكثير من الدول الإسلامية. 

ومن الأمثلة على ذلك ما ورد في المادة الثامنة والعشرونء والتي تضبط أنواع الأعمال 
التي يمكن أن يمارسها العامل الإيراني» ونصها: (لكل شخص ال حق في اختيار المهنة التي يرغب 
فيها مالم تخالف الإسلام أو المصالح العامة» أو حقوق الآخرين» والحكومة مسؤولة عن توفير 
فرص العمل للجميع» وإيجاد الظروف المتكافئة للحصول على العمل» وذلك مع ملاحظة 
حاجة المجتمع للمهن المختلفة) 

وهي مادة مهمة تبين مدى هيمنة الشريعة الإسلامية على الواقع الإيراني» ذلك أن أكثر 
الأنظمة العالمية تعطي حرية كبيرة للعمال في ممارسة ما يشتهون من وظائف. ولو على حساب 
القيم والأخلاق» مثلم) هو حاصل للأسف في بعض الدول التي يدعمها الإسلاميون» كتركيا 
أو قطر أو الإمارات وغيرهاء في نفس الوقت الذي يصبون فيه كل أحقادهم على إيران ونظامها 
الإسلامي. 

ومن المواد الضامنة لحقوق العمال في الدستور الإيراني المادة التاسعة والعشرونء والتي 
تنص على ما يلي: (الضمان الاجتماعي من الحقوق العامة» ويتمتع به الجميع في مجال التقاعد. 
والبطالة والشيخوخة. والعجز عن العملء وفقدان المعيل» وحالة ابن السبيل» والحوادث 
الطارئة» والحاجة إلى الخدمات الصحية والعلاجية والرعاية الطبية كالضمان الصحي وغيره. 


01م 


والحكومة مسؤولة حسب القانون عن تقديم هذه الخدمات وتقديم المساعدات المالية المذكورة 
آنفاً لكل فرد من أبناء الشعب من مواردها المالية العامة» ومن المساهمات الشعبية) 

ومنها المادة الثلاثون» والتي تنص على ما يلي: (على الحكومة أن توفر وسائل التربية 
والتعليم بالمجان لكافة أبناء الشعب حتى نباية المرحلة الثانوية» وعليها أن توسع وسائل 
التعليم العالي بصورة مجانية» لكي تبلغ البلاد حد الاكتفاء الذاتي) 

وتنص المادة الحادية والثلاثون على ما يلي: (امتلاك المسكن المناسب للحاجة حق لكل 
فرد إيراني» ولكل أسرة إيرانية» والحكومة ملزمة بإعداد مقدمات تنفيذ هذه المادة حسب أولوية 
الأكثر حاجة إلى السكن, لا سيّا سكان القرى والععال) 

وتنص المادة الرابعة بعد المئة على ما يلي: (مبدف تحقيق العدل الإسلامي والمساهمة في 
إعداد البرامج وتوفير التنسيق لتطوير مرافق الإنتاج والصناعة والزراعة» يتم تشكيل مجالس 
شورى من تمثلي العمال والفلاحين وسائر العاملين والمدراء في هذه المرافق» أما في المؤسسات 
التعليمية والإدارية والخدمية ونحوها فيتم تشكيل مجالس شورى من ممثلٍ أعضاء هذه 
المؤسسات) 

هذه بعض المواد التي تقرر وتنظم الحقوق التي تكفلها الدولة للععمال» ولجميع طبقات 
الشعب. وهي وحدها كافية في الرد على ما ينشره الإعلام المغرضء والذي يحاول أن يصور 
العامل الإيراني بصورة الأسير المسخرء لا بصورة العامل الحر المخلص الذي يتفانى في عمله 
ولو بأدنى الأجورء ليخدم بلده» لأنه يعلم أن ما أصابها من شدائد» ليس بسبب الفساد, وإن| 


بسبب الحصار الشديد» الذي يراد منه تقويض النظام. ليعود المستبدون من جديد. 


ولاية الفقيه.. والقيم التربوية 


من أهم ما يميز نظام ولاية الفقيه عن جميع أنظمة العالم» القديم منها والجديد اهتمامه 
بالقيم التربوية بجميع أصنافهاء وفي جميع مجالاتهاء ذلك أن هدف هذا النظام ليس توفير 
حاجيات الشعب الحسية فقطء وإنما هيدف فوق ذلك إلى بناء الإنسان» وتحقيق ما يطلق عليه 
[التقوى الاجتاعية] 

وهذا الدور الكبير للولي الفقيه» وللمؤسسات التابعة له» مرتبط با ذكرناه في الفصل 
الأول من أن هذا الولي ورث ولايته من رسول الله 4# ومن خلفاته من الآئمة» والذين نص 
لله تعالى على وظائفهم؛ فقال: هُوَ الذي بَعَتَ في الْأميّنَّ رَسُولَا مِنّْهُمْ يَدلُو عَلَبْهِمْ آَاته 
وَيُرَكهمْ وَيَُلمُهُمُ الكِتَاب وَاخَكْمَةَ وَِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضََالٍ مينِ4 [الجمعة: ؟] 

والجهل بهذه القيمة من لدن المغرضين هو الذي جعلهم يتهمون النظام الإيراني بكونه 
أسوأ الأنظمة في محال حقوق الإنسان. لأنهم يتصورون أن تدخله في تحريم المسكرات» ومنعه 
لدور اللهوء ومنعه لكل وسائل الإعلام التي تبث الانحراف» ومنعه لكل ما ينحرف 
بالأخلاق» تدخل في الشؤون الشخصية» ولم يعلموا أن النظام الحقيقي هو الذي يكون فيه 
الحاكم والدا لرعيته ومربيا لهم» يوجههم., ويحميهم من كل ما يمكن أن يتسبب في فسادهم 
وانحرافهم. 

ولهذا وضع النظام الإيراني المؤسسات التي تحمي الشعب من أن يمثله المتهتكون أو 
الفاسدون في أخلاقهم؛ ففي الوقت الذي نجد فيه كل ديمقراطيات العالم تأذن لمن هب ودب 


في الترشح لأي نوع من الانتخابات نجد على عكسها النظام الإيراني يضع الشروط الأخلاقية 


والدينية في الذين يمكن قبولههم» حتى لا يتسرب الفاسدون والمفسدون إلى الجهات الحساسة؛ 
فيفسدوا الشعب. ويعبثوا به ى| قال الخميني في وصيته السياسية: (من الأمور الضرورية 
أيضاء تديّن نواب مجلس الشورى الاسلاميء فقد رأينا جميعاً أيّة إضرار محزنة لحقت بالإسلام 
وبإيران نتيجة عدم صلاحية مجلس الشورى وانحرافه منذ الفترة التي تلت النهضة الدستورية 
وحتى عهد النظام البهلوي المجرم والتي كان سواها وأخطرها عهد ذلك النظام الفاسد 
المفروض. ياها من مصائب وخسائر مدمرة حلت بالبلاد والشعب على أيدي هؤلاء العبيد 
التافهين المجرمين, لقد أدى وجود أكثرية مصطنعة مقابل أقلية مظلومة خلال الخمسين عاماً 
الأخيرة ‏ من العهد البائد ‏ إلى تمكن إنجلترا والاتحاد السوفيتي وأمريكا بعد ذلك من تمرير كل 
ما أرادوه على أيدي هؤلاء المنحرفين الغافلين عن الله تما جر البلاد الى حافة الدمار والانبيار. 
فمنذ ما تلا الحركة الدستورية لم يطبق شيء تقريباً من مواد الدستور الأساسية» وقد تم ذلك 
قبل عهد رضا خان عبر المأمورين للغرب وحفنة من الباشوات والإقطاعيين» وعبر النظام 
السفاك وحواشي البلاط وأزلامه في عهد النظام البهلوي)27 

وبناء على هذه التجربة القاسية التي ذكرها الخميني» والتي مرت بها إيران دعا إلى 
التشدد في اختيار النوابء والاهتتمام بالتزامهم الديني والأخلاقي حتى لا يخترقهم العدوى 
ويمرر مشاريعه التدميرية من خلالحم» يقول في ذلك: (أما الآن» وحيث أصبح مصير البلاد ‏ 
وبلطف الله وعنايته وهمة الشعب العظيم ‏ بأيد المواطنين أنفسهم» حيث أصبح النواب منبثقين 
من سواد الجماهير يتم انتخابهم لمجلس الشورى الإسلامي دون تدخل الحكومة أو الباشوات» 
فإن المؤمل أن يحول التزامهم بالإسلام وحرصهم على مصالح البلاد دون وقوع أي انحراف. 
لذا فإني أوصي أبناء الشعب أن يصوتوا في كل دورة انتخابية ‏ حاضراً ومستقبلاً ‏ لصالح 


المرشحين الملتزمين بالإسلام والجمهورية الإسلامية انطلاقاً من إرادتهم الصلبة والتزامهم 
020( صحيفة الثورة الإسلامية» الخميني» ص ١‏ 5. 


اليكل 


بأحكام الإسلام وحرصهم على مصالح البلاد)(0© 

ولهذا نرى للأخلاق والتقوى والروحانية قيمة كبيرة في المجتمع الإيراني» ذلك أن كل 
من يريد أن يتولى أي منصب يحتاج إلى أن يكون له من تلك القيم ما يمكنه من ذلكء وإلا يحال 

وقد أشار الخميني إلى هذا المعنى عندما ذكره الفرق بين نظام ولاية الفقيه» وسائر 
الأنظمة» وذلك بعد ست سنوات من انتصار الثورة الإسلامية» وبعد تلك الضجة الكبيرة التي 
واجه بها العالم هذا النظام» فقد قال في ذكرى انتصار الثورة (عشرة الفجر)» بحضور جميع غفير 
من المسؤولين الإيرانيين:( إن هذه الثورة تختلف عن سائر الثورات, لأن الثورات التي حدثت 
في العالم لحد الآن قد نقلت السلطة من يد جبار إلى يد جبار آخر إما مثله أو أسوأ منه. طالعوا 
وضع الثورات التي حصلت أو الانقلابات التي تقع في الدنيا كل يوم تجدوها وقعت في غفلة 
من الناس حيث زالت سلطة وحلّت محلها سلطة أخرى مثلها أو أسوأ منها وم تختلف أوضاع 
الناس وقد تكون أسوأ من ذي قبل. فهذه الثورة الفرنسية» وهذه الثورةالروسية كيف كانت 
الأوضاع قبل وقوعها وكيف الحال الآن؟ وهل استفاد الناس منها؟ وهل فكّروا بتحسين 
أوضاع الشعوب أم مارسوا الاضطهاد والقمع؟)() 

ثم بين الميزة التي ميزت الثورة الإسلامية عن غيرها من ثورات العالم؛ وهي ارتباطها 
بالدين والأخلاق؛ فقال: (إنَّ الثورة التي حصلت في إيران قد وقعت قبلها ثورة في باطن أبناء 
شعبناء وهذه الثورة الباطنية هي اتجاه مختلف طبقات شعبنا وفئاته نحو الإسلام الذي لم يبق 
منه في هذا العصر سوى طقوس جافة لا تضرٌ أيّ أحد ولم يفكر أحد بحال الشعوبء وقد 


أوكل أمر هذا الدين إلى النسيان» ولكنّ هذا الشعب وبإرادة الله تبارك وتعالى وعنايته الخاصة 


020( المرجع السابق» ص١5‏ . 


00( صحيفة الإمام» ج9١2‏ ص: 7 5. 


/ا0 


قد تخيّر أوَلَا من الناحية المعنوية» وقد رجع الشبّان من ا حال السابقة إلى حال إسلامية» وفهموا 
ماذا يجب على الإسلام أن يفعل» وماذا عليهم أن يفعلواء وعلى إثر هذا حصلت الثورة» فلو 
يحصل هذا التحوّل والتغيير لكانت حال ثورتنا كحال الثورات الأخرى التي ترون حالما 
ورأيتموه)(1) 

وهو بذلك يفسر التغيير الخارجي الذي حصل لإيران با فسره به القرآن الكريم» والذي 
اعتبر التغيير معلقا بتغيير ما في الأنفسء قال تعالى: 9 إِنَّ الله لا يُكَيمَا بقَوْم حَبَّى يُعَيدُوا مَا 
بَِنْقَيِهِمْ 4 [الرعد: ]١١‏ 

وهكذا نرى الخميني يقول مفسرا سبب نجاح الثورة الإسلامي في إيران في الوقت الذي 
فشلت فيه باقي الثورات: (إن الذي حصل هناء والذي يجب أن نعدّه إحدى المعجزات هو 
الثورة الباطنية لهذا الشعب. فالثورة الباطنية للهؤلاء» ومعرفتهم للإسلام» وتوجههم نحو الله 
تبارك وتعاللى استوجب أن يكون الظرف الذي نعيشه منذ بداية النهضة وتحوّها فيا بعد إلى ثورة 
ثم انتصارها حتى هذه اللحظة حيث ترون حضور الشعب والتزامه يزداد يوماً بعد يوم؛ وهذا 
مالم يحصل بسبب هذه الثورة بل بسبب الثورة الباطنية» فالثورات كانت في كثير من الأماكن» 
لكنّ الثورة الباطنية التي حصلت في هذا البلد لم تكن إِلَّا بعناية الله تبارك وتعالى) 5) 

وهو كعادته في الحديث عن إنجازات الثورة وانتصاراتهاء ينسب كل شيء لله تعالى» 
ليعلم شعبه التواضع والعبودية والروحانية المتسامية؛ فيقول: (إننا لا نملك شيئاً من عندناء 
وكل الذي كان هو عناياته التي استوجبت ظهور هذه الثورةالباطنية التي حوّلت الشعب كله 
من الحال السابقة التي نعرفها كلنا إلى الحال المتغيرة التي ترونها الآن تما أدى إلى انتصار الثورة) 


وهو يعطى القاعدة العامة لهذا لكل الشعوب التى تريد أن تتحرر تحررا حقيقياء فيقول: 


020( المرجع السابق» ج41١‏ ص: 517 . 


زفق المرجع السابق» ج9١.‏ ص: 20 


(يجب علينا أن نبحث عن النصر في الثورة الباطنية للناس» ومالم يتحقق هذا الأمر فإنَّ الثورات 
لا تتعدى نقل السلطة من نظام إلى نظام آخر ويبقى وضع الشعب على حاله السابق) 2١‏ 

وللمشككين في نجاح الثورة» أو الذين يربطون نجاحها برخاء أو رفاه مزيف يذكر لهم 
أن النجاح الحقيقي هو في تلك القيم الأخلاقية التي أصبحت سائدة في المجتمع الإيراني» والتي 
لا يعوضها أي كسب مادي مهما كانت ضخامته. يقول: (على هؤلاء السادةالذين جاءوا من 
الخارج ‏ وأشكرهم على ذلك أن يلاحظوا أنهم في أيٍّ مكان من العالم يجدون هذا الاجتماع 
حيث يجلس فلاحه إلى جنب رئيس جمهوريته» ورئيس وزرائته إلى جنب عامله ومسؤولون 
بعضهم جنب بعض بشكل يجعل الداخل إليه لا يدري من هو رئيس الجمهورية؟ ولا من 
رئيس الوزراء؟ ولا من الفلاح؟ أين تجدون مثل هذا؟ إن هذا التحؤّل هو الذي أوجب ظهور 
هذا الإعجاز, أين تجدون رئيس الجمهورية يجلس جنباً إلى جنب مع الفلاح؟ فأنتم أيننا تنظرون 
تجدون رؤساء الجمهوريات في وضع لا ارتباط لهم بالناس» والااعييية النان عو ندم 
الكائناتء إنهم لا يرون إلا أنفسهم)0) 

هذا بعض ما ذكره الخميني في بيان أهمية التغيير الداخلي في الحكومة الإسلامية» والتي 
لا تبتم فقط بإصلاح الاقتصاد وتنمية البلاد وتطويرهاء وإن| تتم مع ذلك وقبله وبعده بإييان 
الشعب وتقواه وروحانيته وأخلاقه. 

ولم يكن ذلك مجرد حديث,. وإنما استعملت إيران كل المؤسسات الدينية والتربوية 
والثقافية لتحقيقه في الواقع» بل تولى قادتها ومسؤولوها الكبار شرحه. ذلك أن الكثير منهم 
جمعوا بين الدراسة الدينية والعلمية» وهو ما أتاح لهم أن يرفعوا مستوى خطابهم» ليؤدي دوره 


التوجيهي والإصلاحي. 


020( المرجع السابق» ج9١‏ ص: 517 . 


0( صحيفة الإمام» ج9١2‏ ص: 45. 


37084 


ولهذا يستغرب الكثير من الذين تعودوا على الأنظمة المدنية التي لا تبالي بمثل هذه 
المسائل من الخطاب السياسي الإيراني» وذلك لتصورهم أن السياسة بعيدة عن هذه الأمور, 
بين) الحقيقة هي أن السياسة ‏ بحسب الفلسفة التي يفكر بها النظام الإيراني -هي سياسة الأنفس 
قبل سياسة الشعوب. 

وقد أشار الشيخ جوادي آمل إلى الفرق بين نظام ولاية الفقيه وغيره من الأنظمة في هذا 
الجانب عندما قسم الحكومات إلى ثلاثة أنواع(©: 

١‏ الحكومة الاستبدادية: وهي المبنية على أساس السيطرة والقوة» والتي ترى أن 
الآقوى هو الذي يمسك زمام الآمور بكل قدرة مكنة» ا قال الله تعالى حاكيا عن فرعون: 
#وَقَدُ أفلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَ4 [طه: 14]. ولا مكان في هذه الحكومة لرأي الناسء ولا اهتهام 
لها بمصالحهم. ولا بأخلاقهم» ولا بدينهم» لأن الهدف عندها هو تأمين مصالح السلطة 
الحاكمة. 

بل إن هذه الحكومة قد تستعمل ‏ مثلما استعمل الشاه ‏ كل وسائل الانحراف». لتشغل 
الشعب بالشهوات عن مواجهة السلطة» ى) قال تعالى عن وسائل فرعون لتطويع شعبه: 
فَاسْتَحَفَ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوة إِّجمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ 4 [الزخرف: ؛ 5] 

١‏ حكومة الشعب: أو حكومة الناس على الناس» مثل الحكومات التي يصطلح عليها 
بالديمقراطية» وتقوم على أساس رأي الأكثرية» وهدفها تأمين حاجات الناس المادية» ويكون 
المعيار للمصلحة والفساد والجمال والقبح والحق والباطل والخير والشر فيها مبنياً على رأي 
الأكثرية» حتى لو كان ذلك الرأي مخالفا للصوابء ومنافيا للعقل والفطرة» وهو السائد. كى| 
قال تعالى: 9 وَمَا أَكْثرٌ اناس وَلَوْ حَرَضْتٌ بِمُؤْمِنِينَ4 [يوسف: ]1١7‏ 


 "‏ الحكومة الإلهية: وهي الحكومة التي ليست حقاً للحاكم الذي يظفر بالقوة 
)١(‏ الكلمة الطيبة (دروس في ولاية الفقيه) جوادي آمل (ص: ؟١).‏ 


م 


والسلطة» ولا حقاً للناس بحيث تكون خاضعة لقوانينهم» بل هي حق لله الذي هو رب 
العالمين» وحدود فعالية هذا النوع من الحكومات هي أنها تشملء بالإضافة إلى الأمور 
الاجتماعية» الأخلاق والعقائد؛ فهي تقدم للشعب البرنامج الواضح على مستوى العقيدة 
وتقررلهم القوانين والقواعد على مستوى الأخلاق والسلوك. 

وهذا البرنامج ليس خاصا بالشعب. وإنا هو عام بالشعب ومسؤوليه» والذين 
يخضعون جميعا لما تتطلبه القيم الإيانية والأخلاقية التي هي الحكم الأكبر في الدولة» ى) قال 
الإمام علي: (أبها الناسء إني والله ما أحثكم على طاعة إلا وأسبقكم إليهاء ولا أنباكم عن 
معصية إلا وأتناهى قبلكم عنها)(2 

وهذا المعنى الذي ذكره الشيخ جوادي آملي» ذكره الخميني في لقاء له مع جمع من أعضاء 
الطائفة اليهودية في إيران عقب انتصار الثورة الإسلامية» والذي حاول من خلاله أن يشرح 
لهم الفلسفة التي يقوم عليها نظام ولاية الفقيه» فقد قال: (إن كل الأديان التي أنزلت من عند 
الله تبارك وتعالى وجميع الأنبياء العظام هي من أجل راحة الانسان وتربيته» إن الله تبارك وتعالى 
قد أراد بإنزاله الوحي على الأنبياء العظام هداية الناس وتربية الإنسان» الإنسان بجميع 
أبعاده)(؟) 

ثم ذكر أن هذا البعد الذي تراعيه الحكومة الإلحية» وتعتبره في قمة أولوياتها وأهدافهاء 
لا تبالي بها الأنظمة الأخرىء لكوما أنظمة دنيوية محضة.» يقول: (إن المذاهب والمسالك 
الأخرى لا شغل لما بواذا يكون عليه الإنسان في ذاته وجوهره ومع نفسه. إنهم يتطلعون إلى 
حفظ دنياهم» وحفظ النظام بينهم فحسب؛ فإذا كان النظم مستقراً فليفعل الإنسان ما يشاءء 
وليرتكب كل ما يشاء من المخالفات بعيداً عن الأنظار إذ لا ربط لذلك بالحكومة؛ فليس من 


)١(‏ نبج البلاغة. 


زفرفق صحيفة الإمام» جلاء ص: 14 7. 


751 


قانون هنا في النظم غير التوحيدية ‏ يمنع الإنسان من بعض الأمور داخل بيته.. وإنا المهم 
عندهم فقط هو أن لا يسير الانسان في الشارع معربداً ويخل بالنظم؛ إن جميع المسالك غير 
التوحيدية هي بهذا الشكل وهذا بخلاف المسالك التوحدية والأديان التي نزلت على الأنبياء 
العظام) )١(‏ 

ثم أشار إلى المسؤوليات المناطة بالحكومة الإلية مقارنة بالمسؤوليات الملقاة على 
الحكومات المدنية؛ فقال: (إن جميع هذه الأمور من أجل ان يكون هذا الإنسان الذي يراد إيجاده 
إنساناً مهذباًء صا حا للعمل؛ متحلياً بمحاسن الاخلاق والاعتقادات الصحيحة؛ يقوم بأعمال 
حسنة ويعرف كيف ينبغي أن يكون سلوكه مع الناس» كيف ينبغي أن يكون سلوكه في 
المجتمع» كيف ينبغي أن يكون مع الجيران» كيف ينبغي ان يكون مع أبناء مدينته» كيف ينبغي 
أن يكون مع أبناء دينه» ومع أتباع الأديان الأخرىء إن الأديان التي جاءت من عند الله تبارك 
وتعالى إنم| تبتم بكل هذه الآمور لان الله هو الذي خلق الانسان ويريد تربيته في جميع أبعاده 
ولهذا لافرق بين دين وآخر في هذه المسألة» لآها جميعها جاءت لتربية الانسان) © 

بناء على هذا سنحاول في هذا الفصل التعرض إلى المجامع الكبرى للقيم التربوية» 
وتصورات قادة الثورة الإسلامية الإيرانية حولاء ومناهجهم لتحقيقها في الواقع» وهما 
قيمتان: 

الأولى: القيم الروحية» ونقصد بها كل المعاني والوسائل التي تربط المؤمن بالله» و تخرج 
دينه من دائر الظاهر والسطح إلى دائرة الباطن والعمق. 

الثانية: القيم الأخلاقية» ونقصد بها كل ما يساهم في #بذيب سلوك الإنسان» حتى 
يتوافق مع فطرته السليمة» ومع النظام الذي بنى الله عليه كونه. 


020( المرجع السابق» جلا ص: 731/4. 
0( المرجع السابق» جلا ص: 731/4. 


تددن 


أولا ‏ القيم الروحية ووسائل تحقيقها في الواقع: 

وهي الأساس الذي تنطلق منه كل القيم التربوية» ذلك أن من زكى نفسه وطهرهاء 
وسما بها إلى الملا الأعلى لن يصعب عليه أن يهذب نفسه في المجالات الأخرىء بل إن تزكية 
النفس في هذا الجانب قد تغني عن أي رياضة في الجوانب الأخرى, ذلك أن الله تعالى يزكي 
ديري من يتقرب مته» كبا قال تعالى عن الضلاة وغيرها من الشعائر التعيدية: #اثل ما أوسنيّ 
إِلَيْكَ مِنَ الكِتَابِ وَأَقِم الصَّلَاة إن الصَّلَاة تنْهَى عَنٍ الْمَحْسَاءِ وَامْكَر وَلَذِكْرُ الله َكب وَاللهيَعْلَمُ 
ما تَصْبَعُونَ * [العنكبوت: 50] 

وقد أشار إلى هذا المعنى الخميني عند بحثه عن أسباب الصراع والفتن القائمة بين 
البشر» وفي كل الأزمنة» فقال: (جميع الاختلافات القائمة بين البشر هي بسبب عدم التزكية» 
وغاية البعثة أن تُرْكّي الناس حتَّى يتعلّموا بواسطة التزكية الحكمة» ويتعلّموا القرآن والكتاب» 
ولايحدث الطغيان في لو تمّت التزكية) )1١(‏ 

ويضرب مثالا على ذلك بالغرور» الذي هو من أخطر الأمراض؛ فيقول: (إنَ من يُصاب 
بالغرور لا يرى نفسه فانياً أبداً #كَلَا إِنَ الْإنْسَانَ ليَطْعَى (5) أَنْ رَآهُ اسْتَغْتَى © [العلق: 3 07]؛ 
فعئدما يرى الإنسان نفسه» ويرى لنفسه مقاماً ويرى لنفسه عظمة؛ فإنْ هذه الأنانية ورؤية 
النشين تكوق سيا للطغياة: وَإِنْ أسان كل هذا الاخدلاق الموجوه بين البشره والاختلاف 
الحاصل بينهم حول الدنيا يعود إلى الطغيان الموجود في النفوس» وهذه مصيبة مبتلى بها 
الإنسان, مبتلى بنفسه وبأهواته النفسانيّة)20) 

وقد ذكرنا في الجزء السابق من هذه السلسلة مدى اهتمام الإيرانيين منذ القديم بالقيم 


الروحية» وكيف استطاع النظام الإيراني أن يستفيد من ذلك في إقامة الثورة أولاء وفي تعميم 


..7170 منهجية الثورة الإسلاميّة» ص‎ )١( 


زفق المرجع السابق» ص 5108 


7 


ذلك الاهتمام على كل المؤسسات ثانيا. 

وقد ذكرنا أن مظاهر ذلك الاهتمام تجلت في ثلاث نواح كبرى: 

أوها: الاهتمام بالشعائر التعبدية» والتركيز على الجوانب الروحية العميقة فيهاء بدل 
الجوانب الشكلية. 

ثانيها: الاهتام بالمجاهدات السلوكية التي وردت في النصوص المقدسة» وذكرها أئمة 
أهل البيت» واستفادها منهم الصوفية والعرفاء. 

ثالثها: الاهتام بالأذواق والمعارف الروحية» وفق ما ورد في النصوص المقدسة وفي 
الروايات الشارحة لما. 

وذكرنا أن هذه التجليات الثلاث كافية للدلالة على أن مفهوم التدين في إيران ‏ وخاصة 
في ظل نظامها الإسلامي الجديد ‏ ليس محصورا في تلك الظواهر والشعارات» وإنا يمتد إلى 
أعمق أعماق النفس الإنسانية» وهو ما يميز التجربة الإيرانية عن تجارب الحركات الإسلامية 
التي احتقرت التصوف والسلوك الباطني» واحتقرت معها الطرق الصوفية» واعتبرتها خرافة 
وضلالة» ولهذا لم تستطع أن تنجح في أي مشروع من مشاريعها. 

وبناء على ذلك سنحلل هنا وثيقة مهمة للإمام الخمينيء لها أهميتها الكبرى عند الشعب 
الإيراني عامته وخاصته؛ لأنها ‏ مع كونها وجهها لابنه أحمد وغيره ‏ إلا أن الشعب الإيراني 
يعتقد أنها موجهة إليه جميعا. 

وهذه الوثيقة هي ما يسمى ب [الوصية الإلية العرفانية]» وهي مع [الوصية السياسية] 
تشكل مصدرا مهما من مصادر النظام الإسلامي في إيران» الحسي منه والمعنوي. 

ومن خلال الاطلاع على محتويات هذه الوثيقة» والقيم الروحية المرتبطة بهاء نجد نوعين 
من الحديث: 


أولا ‏ الحديث عن المعارف والأذواق الروحية التي يجدها المؤمن عند تواصله مع الله 


371 


أو رسل الله وأوليائه» وقد أطلقنا عليها اصطلاح [القيم العرفانية والذوقية] 

ثانيا ‏ الحديث عن الطريق المؤدية لتلك القيم» وهي ما أطلقنا عليه [القيم السلوكية 
والتحققية] 

وسنحاول هنا ذكر الخصائص المميزة لكلا الناحيتين من خلال وصية الخميني» ومن 
خلال الواقع الروحي الذي تبنته الجمهورية الإسلامية الإيرانية» والذي يختلف عن ذلك الذي 
تبنته الطرق الصوفية في المدرسة السنية» وإن كان يشترك معها في الكثير من الأهداف. 

١‏ الاهتمام بالقيم العرفانية والذوقية: 

الهدف الأكبر من القيم الروحية هو تحويل الحقائق الإيوانية من مجرد معارف ومعلومات 
يختزنها الذهن إلى حقائق يمتلئ بها الكيان جميعاء ويحصل حينها التواصل الذوقي مع الله 
بالمحبة والشوق والآنس» وغيرها من الأحوال الروحية. 

وهذا ال هدف النبيل يخرج العقيدة الإسلامية من أن تصبح مجرد قوانين للإيهان من 
خالفها يُحكم عليه بالكفر والبدعة والضلالة» كا تفعل المدارس الإسلامية المتشددة» 
وخصوصا السلفية منهاء سواء سلفية السنة أو سلفية الشيعة» والتي تحصر العقيدة في متون 
تحفظهاء وتجعل كل من يخالف حرفا منها كافرا وضالا ومبتدعا. 

ولهذا نرى قادة الثورة الإسلامية في إيران لا يشجعون على هذا النوع من المعرفة» بل 
يدعون إلى المعرفة التحققية الذوقية» لأنها حقيقة الإييان أولاء ولأنها كذلك منبع لكل 
الفضائل» بخلاف ذلك الاختصار للحقائق العقدية» والذي مارسته المدارس المتشددة» والذي 
حول من العقيدة وسيلة للصراع والجدال. لا الطمآنية والسلام. 

وعند البحث عن التوجه الروحي لقادة الثورة الإسلامية» نجدهم جميعا من ذوي هذه 
المشارب» وخصوصا الخميني الذي ألف في ذلك المؤلفات وكتب الأشعار» ولو لم يقم مهذه 


الثورة» لأدرج ضمن الصوفية» ولم يدرج ضمن السياسيين. 


لل 


ومن أقوله في وصيته العرفانية» مخاطبا ابنه يبين له أهمية المعرفة التحققية الذوقية: (اعلم 
أن في الإنسان ‏ إن لم أقل في كل موجود ‏ حباً فطريا للكمال المطلق» وحباً للوصول إلى الكمال 
المطلق» وهذا الحب يستحيل أن ينفصل عنه؛ كما أن الكمال المطلق محال أن يتكرر أو أن يكون 
اثنين» فالال المطلق هو الحق جل وعلاء والجميع يبحثون عنه. وإليه تهفو قلومهم وإن كانوا 
لا يعلمون؛ فهم محجوبون بحجب الظلمة والنوره ولهذا فهم يتوهمون أنهم يطلبون شيئا آخر 
وهم لا يقنعون بتحقيق أية مرتبة من الكمال» ولا بالحصول على أي جمال أو قدرة أو مكانة. 
فهم يشعرون أنهم لا يجدون في كل ذلك ضالتهم المنشودة. فالمقتدرون وأصحاب القوى 
العظمى» هم في سعي دائم للحصول على القدرة الأعلى مهما بلغوا من القدرة. وطلاب العلم 
يطلبون الدرجة الأعلى من العلم مهما بلغوا منه ولا يجدون ضالتهم التي غفلوا عنها في ذلك. 
ولو أعطي الساعون الى القدرة والسلطة» التصرف في كل العالم المادي من الأرضين 
والمنظومات الشمسية والمجرات» وكل ما فوقهاء ثم قيل لهم: إن هناك قدرةً فوق هذه القدرة 
التي تملكونبهاء وهناك عالم أو عوالم أخرى أبعد من هذا العالم» فهل تريدون الوصول إليها؟ 
فإنهم من المحال أن لا يتمنوا ذلك بل إنهم سيقولون بلسان الفطرة: ليتنا بلغنا ذلك أيضا!.. 
وهكذا طالب العلم» فهو إن ظن أن هناك مرتبة أخرى -غير ما بلغه- فإن فطرته الباحثة عن 
المطلق ستقول: ياليت لي القدرة للوصول إليه أو يالبت لي سعةًٌ من العلم تشمل تلك المرتبة 
أيضا!)(1) 

وبعد أن قدم هذه المقدمة البديهية التي يتفق عليها جميع العقلاء» والتي يشير إليها الآثر 
المعروف: (منهومان لا يشبعان: طالب علم» وطالب دنيا)(؟ » ربط ذلك بمعرفة الله» وأن من 


عرف الله وصل إلى النبع الذي يرتوي منه ظمؤه وأشواقه. فقال: (إن ما يطمئن الجميع ويخمد 


.7١ الوصية الإلهية العرفانية » ص‎ )١( 


(؟) كشف الأستار عن زوائد البزار /1١(‏ 910) 


ادن 


نيران النفس المتمردة ويحدٌ من إلحاحها واستزادتها في الطلبء إنما هو الوصول إليه تعالى» 
والذكر الحقيقي له جلّ وعلا؛ إذا كان مظهراً له فإن الاستغراق فيه يبعث الطمأنينة وال هدوء, 
وكأنَ قوله تعالى: ل ألَا بذِكْر الله تَطْمَيِنُالْقَلُوبُ» [الرعد: 18] هو نوع من الإعلان أن: انتبه 
انتبه! عليك أن تلجأ إلى ذكره حتى تحصل على الطمآنينة لقلبك الحيران الذي يواصل القفز من 
مكان إلى مكان والطيران من غصن إلى غصن )217 

ثم يخاطب ابنه ‏ ومعه الشعب الإيراني ‏ بكل رقة قائلا: (فاستمع ياولدي العزيز -الذي 
أسأل الله أن يجعل قلبك مطمئنا بذكره- لنصيحة أب قلق محتار» ولا تتعب نفسك بالانتقال 
بطرق باب هذا الباب أو ذاك الباب» للوصول إلى المنصب أو الشهرة التي تشتهيها النفس» 
فآنت مهما بلغت من مقام. فإناك سوف تتألم وتشتد حسرتك وعذاب روحك لعدم بلوغك ما 
فوق ذلكء وإن سألتني: 14 تعمل أنت بهذه النصيحة؟ أجبتك بالقول: أنظر إلى ما قال» لا إلى 
من قال؛ ف| قلته لك صحيح؛ حتى وإن صدر عن مجنونٍ أو مفتون)7) 

وهو يقارن بين هذا النوع من المعرفة بتلك التي اهتم بها الفلاسفة والمتكلمون, ويبين 
مدى اتساع اللموى بين كلا المعرفتين؟ فيقول: (قد يبدو للوهلة الأولى أن هذا الادعاء (بأن بعض 
الأمور البرهانية يمكن أن لا تكون موضعا للتصديق والإييان) عقدةٌ يصعبٌ الاقتناع بهاء بل 
لعل البعض قد يقطع بأنه أمر لا أساس له. ولكن ينبغي أن تعلم بأن هذا الأمر أمر وجداني» 
وقد وردت إشارات إليه في القرآن الكريم» كالآيات الكريم من سورة التكاثر» وأما الوجدان, 
فأنت تعلم بأن الموتى لا تصدر عنهم أية حركة . وأنهم لا يستطيعون إلحاق الأذي بك.. إلا 
أنك قد لا تمتلك القدرة على النوم وحيداً براحة في المقابر» وهذا ليس إلآ لأن قلبك لم يصدق 


با عندك من علمء وأن الإيمان بهذا الأمر لم يتتحصل لديكء في حين أن أولئك الذين يقومون 


.7 ١ص» الوصية الإلحية العرفانية‎ )١( 


0( المرجع السابق» ص١7.‏ 


ا 


بتغسيل وتكفين الموتى تحصّل لهم الإيهان واليقين بهذا الأمر نتيجة تكرار العمل» فهم 
يستطيعون الخلوة مع الموتى براحة بال واطمئنان. كذلك فإن الفلاسفة الذين أثبتوا بالبراهين 
العقلية أن الله حاضرٌ في كل مكان» دون أن يصل قلوبهم ما أثبتته عقوهم بالبرهان» ولم تؤمن 
به قلوءهم » فإن أدب الحضور لن يتحقق لديهم» في حين أن أولئتك الذين أيقنوا بحضور الله 
بقلويهم» وآمنت قلوبهم بذلكء فإنهم -رغم أن لا مراودة لهم مع البراهين- فإنهم يتحلّون 
بأدب الحضورء ويجتنبون كل ما ينافي حضور المولى. فالعلوم المتعارفة إذن -وإن كانت الفلسفة 
وعلم التوحيد- لكنها تعد في حد ذاتها حجباء وكلم) ازدادت تزيد الحجاب غلظة وسمكاً)(1) 

وهو يذكر أن هذا المنهج العرفاني في تحصيل المعارف الإلية وتذوقها هو منهج الأنبياء 
والأولياء الذين جعلهم الله قدوة وأسوة لخلقه» يقول: (إننا نعلم جميعا ونرى بأن دعوة الأنبياء 
عليهم السلام والأولياء الخلص ليست من سنخ الفلسفة والبرهان المتعارفء بل إنهم ببتمون 
بأرواح وقلوب الناس» ويوصلون نتائج البراهين إلى قلوب العباد» ويبذلون الجهد لهدايتهم 
من داخل الروح والقلب. وإن شئت فقل: إن الفلاسفة وأهل البراهين يزيدون الحجب. في 
حين أن الأنبياء عليهم السلام وأصحاب القلوب يسعون في رفعها. لذا ترى أن من تربّوا على 
أيدى الأنبياء مؤمنون وعاشقونء في حين أن طلاب علماء الفلسفة أصحاب برهان وقيلٍ وقال» 
لا شأن لهم بالقلب والروح)7) 

وهو ينبهه إلى أن مقصده من هذا ليس احتقار الفلسفة ولا علم الكلام ولا العلوم 
العقلية المرتبطة بها؛؟ فيقول: (ليس معنى ما أوردته أن تتجنب الفلسفة والعلوم البرهانية 
والعقلية» أو أن تشيح بوجهك عن العلوم الاستدلالية» فهذا خيانة للعقل والاستدلال 
والفلسفة» بل المعنى هو أن الفلسفة والاستدلال وسيلة للوصول إلى الحدف الأساسيء فلا 


دلق المرجع السابق» ص5 7. 


0( المرجع السابق» ص7 37. 


الا 


ينبغي - وا حال كذلك- أن تحجبك عن المقصد والمقصود والمحبوب.. أو فقل: إن هذه العلوم 
معبرٌ نحو ال هدف وليست الحهدف بحد ذاتهاء فكى] أن الدنيا مرزعة الآخرة» فإن العلوم المتعارفة 
مزرعةٌ للوصول إلى المقصود. تماماً ى| أن العبادات معيرٌ نحو الله جل وعلاء فالصلاة -هي 
أسمى العبادات- معراج المؤمن والكل منه وإليه تعالى) )١(‏ 

وهو يذكر له أن هذه المعارف الإلهية بحر لا ساحل لهء وآنه لا يمكن الإحاطة بهاء 
يقول: (بني: لم أقصد من هذه الإشارات إيجاد السبيل لأمثالي وأمثالك لمعرفة الله وعبادته حق 
العبادة مع أنه قد نقل عن أعرف الموجودات بالحق تعالى» وأعرفها بحق العبادة له جل وعلاء 
قوله: (ما عرفناك حق معرفتكء وما عبدناك حق عبادتك)» وإن|ا لأجل أن نفهم عجزناء 
وندرك ضالتناء وبيل التراب على أنانيتنا وإنيتناء لعلّنا بذلك نكبح جماح هذا الغولء ولعلنا 
نلجمه بعد ذلك ونروؤضهه. فنتحرر بعدها من خطر عظيم يكوي -مجرد تذكره- الروح 
ويحرقها)20) 

وكعادة الخميني في خطاباته التي يمزج فيها بين خطابه لغيره وخطابه لنفسه يقول: (يا 
ليتنا نصحو من نومتنا ونلج أول منزل وهو اليقظة. وياليته جل وعلا يأخذ بأيدينا- بألطافه 
وعناياته الخفية- فيرشدنا إلى جماله الجميل» وياليت فرس النفس الجموح تهدأً قليلاء فتنزل عن 
مقام الإنكار» وياليتنا ُلقي هذا العبء الثقيل من على كواهلنا إلى الأرضء فننطلق مقن نحوه 
تعالى! ياليتنا نحترق كالفراش حول شمع جماله دون أن نتكلم, وياليتنا نخطو خطوة واحدة 
بقدم الفطرة ولا نبتعد عن طريقها بهذا القدر. وآلاف التمنيات والآماني الأخرى التي تزدحم 


في ذاكرتي» وأنا على شفير الموت في شيخوختي هذه ولكن دون أن تصل يدي إلى أي مكان)7» 


)020( المرجع السابق» ص ”3737 
0( المرجع السابق» ص ”3. 


إفرفق المرجع السابق» ص 37. 


اونا 





وبناء على هذا نجد لغة خاصة في التعبير عن المعارف الإلحية وحقائق الوجود تمتلئ مها 
كتب الخميني ورسائله» حيث نراها تمزج بين اللغة العلمية والفلسفية» مع اللغة الذوقية 
والشاعرية» وربم|ا يكون هذا من الأسباب الكبرى التي جعلت له تلك القابلية عند الشعب 
الإيراني؛ فالشعب الإيراني ‏ ىا ذكرنا في الجزء السابق ‏ يميل إلى التصوف والروحانيات أكثر 
من ميله للفلسفة والكلام» وإن كان لا يخلو اهتمامه من كليهماء وأبو حامد الغزالي أحسن 
نموذج على ذلك. 

؟ ‏ القيم الروحية والتشجيع على الحركة والثورة: 

وهي من الخواص الكبرى التي تميز العرفان بحسب رؤية الخميني وقادة الثورة 
الإسلامية عن أكثر المدارس الصوفية التي اهتمت بالحقائق أكثر من اهتمامها بتغيير المجتمع 
وإصلاحه. 

ومن الأمثلة على ذلك ما قاله الخميني في رسالته لابنه» فقد قال له: (بني: لا الإعتزال 
الصوفي دليل الإرتباط بالحق» ولا الدخول في المجتمع وتشكيل الحكومة شاهد الإنفصال عن 
الحق» الميزان في الأعمال هو دوافعهاء فكثيراً ما يكون العابد والزاهد مبتلَ شرك إبليس وهو 
يوسع ذلك الشَّرّك بها يناسبه من الأنانية والغرور والعجب والتكبر وتحقير خلق الله والشرك 
الخفي وأمثال ذلك مما يبعده عن الحق ويؤدي به إلى الشّرك.. وكثيراً ما يكون المتصدي لشؤون 
الحكومة ذا دافع إلمي فيحظى بمعدن قرب ال حق كداود النبي وسليان النبي عليه السلام. 
وأعلى منهما وأسمى كالنبي الأكرم يه وخليفته بالحق على بن أبي طالب. وكحضرة المهدي 
أرواحنا لقدمه الفداء في عصر حكومته العالمية.. ذا ميزان العرفان والحرمان هو الدافع؛ كلما 
كانت الدوافع أقرب إلى نور الفطرة. وأكثر تحرراً من الحجب حتى حجب النورء تكون أكثر 
ارتباطا بمبدأ النور إلى حيث يصبح الكلام عن الإرتباط كفراً) ١7‏ 


إدلق الوصايا العرفانية للإمام الخميني» ص 0 0. 


086 


وقال مخاطبا له يدعوه إلى أن يفر من أي مسؤولية تلقى عليه بحجة التفرغ للحق سبحانه 
وتعالى: (بني: لا تلق عن كاهلك حمل المسؤولية الإنسانية التي هي خدمة الحق في صورة خدمة 
الخلق.. فإن جولات الشيطان وصولاته في هذا الميدان ليست بأقل من جولاته وصولاته بين 
ال 
المقام المعنوي أم المادي- متذرعاً بأني أريد أن أقترب من المعارف الإلهية أكثر.. أ أني أريد أن 
لمر ل و و ا 0 

ويقول له: (الميزان في أول السير هو القيام لله» إِنْ في الأعمال الشخصية والفردية أو في 
النشاطات الاجتماعية» فاسع أن تكون موفقا في هذه الخطوة الأولى.. فإذا تيسر لإنسان ما 
بدافع إلي ‏ ملك الجن والإنس» بل إذا حصل عليه» فهو عارف بالله وزاهد في الدنيا.. وإذا 
كان الدافع نفسانيا وشيطانياء فكل ما حصل عليه حتى إذا كان سبحة فقد ابتعد بهذا المقدار 
عن الله تعالى) ) 

وهذه الكلمات الممتلئة بالحكمة» التي ذكرها الخميني وصية لابنه وللشعب الإيراني 
تتطابق تماما مع الحكمة العطائية المعروفة» والتي يقول فيها ابن عطاء الله السكندري: (إرادتك 
التجريد مع إقامة الله إيّاكَ في الأسباب من الشهوة الخفيّة» وإرادتك الأسباب مع إقامة الله إياك 
في التجريد انحطاط عن الهمّة العليّة) 

وقد قال صاحب الحكمة ابن عطاء الله يحكي عن نفسه. وما قال له شيخه» وهو يشبه 
إلى حد كبير ما ذكره الخميني في خطابه لابنه» فقد قال: (دخلت على الشيخ أب العباس المرسي» 
وفي نفسي العزم على التجريد قائلا في نفسي: إن الوصال إلى الله تعالى على هذه ا حالة التي أنا 
عليها بعيد من الاشتغال بالعلم الظاهرء ووجود المخالطة للناس» فقال لي؛ من غير أن أسأله: 


إبلق المرجع السابق» ص6 0. 
زفق المرجع السابق» ص56 0. 


الا 


صحبني إنسان مشتغل بالعلوم الظاهرة» ومتصدر فيها فذاق من هذا الطريق شيئاء فجاء إِلّ» 
فقال لي يا سيدي: أخرج عا أنا فيه وأتفرغ لصحبتك فقلت له: ليس الشأن ذاء ولكن امكث 
فيا أنت فيه» وما قسم الله لك على أيديناء فهو لك واصلء ثم قال الشيخ ونظر إلّ: وهكذا 
شأن الصديقين» لا يخرجون من شيء حتى يكون الحق سبحانه هو الذي يتولى إخراجهم. 
فخرجت من عنده وقد غسل الله تلك الخواطر من قلبي» ووجدت الراحة بالتسليم إلى الله 
تعالى)(1) 

وهو يذكر أيضا با قاله سيد قطب بعد ذكره لبعض المعاني الروحية التي ذكرها 
الصوفية» وكيف أخنهم انشغلوا بها عن واجباتهم الدعوية؛ فقال: (وهذه هي مدارج الطريق التي 
حاوطا المتصوفة» فجذبتهم إلى بعيد! ذلك أن الإسلام يريد من الناس أن يسلكوا الطريق إلى 
هذه الحقيقة وهم يكابدون الحياة الواقعية بكل خصائصهاء ويزاولون الحياة البشرية» والخلافة 
الأرضية بكل مقوماتهاء شاعرين مع هذا أن لا حقيقة إلا الله. وأن لا وجود إلا وجوده. وأن 
لا فاعلية إلا فاعليته.. ولا يريد طريقا غير هذا الطريق! من هنا ينبثق منهج كامل للحياة» قائم 
على ذلك التفسير وما يشيعه في النفس من تصورات ومشاعر واتجاهات: منهج لعبادة الله 
وحله. الذي لا حقيقة لوجود إلا وجوده. ولا حقيقة لفاعلية إلا فاعليته» ولا أثر لإرادة إلا 
إرادته.. ومنهج للاتجاه إلى الله وحده في الرغبة والرهبة. في السراء والضراء. في النعماء 
والبأساء. وإلا فا جدوى التوجه إلى غير موجود وجودا حقيقياء وإلى غير فاعل في الوجود 
أصلا؟! ومنهج للتلقي عن الله وحده. تلقي العقيدة والتصور والقيم والموازين» والشرائع 
والقوانين والأوضاع والنظمء والآداب والتقاليد. فالتلقي لا يكون إلا عن الوجود الواحد 
والحقيقة المفردة في الواقع وني الضمير.. ومنهج للتحرك والعمل لله وحده.. ابتغاء القرب من 
الحقيقة» وتطلعا إلى الخلاص من الحواجز المعوقة والشوائتب المضللة. سواء في قرارة النفس أو 


.77 إيقاظ ال حمم فى شرح الحكم؛ ص:‎ )١( 


فون 


فيا حوما من الأشياء والنفوس. ومن بينها حاجز الذات» وقيد الرغبة والرهبة لشيء من أشياء 
هذا الوجود! ومنهج يربط- مع هذا- بين القلب البشري وبين كل موجود برباط الحب 
والأنس والتعاطف والتجاوب.. فليس معنى الخلاص من قيودها هو كراهيتها والنفور منها 
وا مهروب من مزاولتها.. فكلها خارجة من يد الله وكلها تستمد وجودها من وجوده؛ وكلها 
تفيض عليها أنوار هذه الحقيقة. فكلها إذن حبيبء إذ كلها هدية من الحبيب!)(1) 

ولا يكتفي الخميني بدعوة العلماء إلى تمارسة الحياة السياسية» وإنما يحذرهم من أن 
تقاعسهم عن النهي عن المنكرء أو المشاركة في الحياة بكل مجالاتها سيؤدي إلى انتشار الفساد. 
وقد قال معقبا على قوله تعالى: #لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَبَنِيُونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْهِمُ الْإنمَ وَأَكْلهِمُ 
السَّحْتّ لَبِنْسَ ما كَانُوا يَضْنَعُونَ4 [المائدة: “77]: (وإن كانت خطاباً للربانيين والأحبار. لكن 
الخطاب موجه للجميع. ولقد ذمَّ الله تعالى الربانيين والأحبار» واستنكر عليهم لسكوتهم امام 
ظلم الظلمة خوفاً أو طمعاًء مع كو:هم قادرين على القيام بها يمنع الظلم من خلال الغاوفة 
ورفع الصوت والكلام؛ فعلماء الإسلام أيضاً إذا سكتواء ولم يقوموا بوجه الظالمين؛ فإنهم 
سوف يقعون محلاً لاستنكار الله عز وجل)7) 

وهكذا نرى أن العرفان الذي يدعو إليه الخميني» والذي تبنته الجمهورية الإسلامية 
الإيرانية عرفان إيجابي لا ينعزل عن المجتمع» ولا يتعالى على مشاكله. بل يخوض فيهاء ويحاول 
إصلاحه» ويقوم بواجباته نحوهاء لتحقيق ما يطلق عليه [التقوى الاجتماعي] أو [العرفان 
الاجتماعي] 

القيم الروحية والتوحيد الخالص: 

مع كثرة ما كتبه الخميني حول التوحيد الخالص لله نجد أعداءه وأعداء إيران يلهجون 


)5٠07 /5( في ظلال القرآن‎ )١( 
.)177 (؟) الحكومة الاسلامية (ص:‎ 


رفون 


كل حين برميه بالشرك» ورمي إيران جميعا بذلك» مع أن ما طرحه من رؤى حول التوحيد, ل 
يبخطر على بالهم» فالتوحيد عنده هو الأساس الذي تقوم عليه كل الحياة» وما نظام ولاية الفقيه» 
بحسب طروحاته سوى تجل من تجليات التوحيد. 

ومما ذكره في وصيته العرفانية قوله لابنه وللشعب الإيراني» وهو يحئهم على التأمل في 
الكائنات للعبور منها إلى الله تعالى: (اعلمء أن العالم سواء كان أزلياً وأبدياً أم لاء وسواء كانت 
سلاسل الموجودات غير متناهية أم لاء وسواء كانت سلاسل الموجودات غير متناهية أم لاء 
فإِئّها جميعا محتاجةٌء لأن الوجود ليس ذاتياً لهاء ولو تفكرت وأحطت عقليا بجميع السلاسل 
غير المتناهية فإنك ستدرك الفقر الذاتي والاحتياج في وجودها وكيلها إلى الوجود الموجود بذاته 
والذي تمثل الكالات عين ذاته» ولو تمكنت من مخاطبة سلاسل الموجودات المحتاجة بذاتها 
خطاباً عقليا وسألتها: أيتها الموجودات الفقيرة» من يستطيع تأمين احتياجاتكم؟ فإنها ستردٌ 
جنيعا بلسان الفطرة: (إننا محتاجون إلى من ليس محتاجاً مثلنا إلى الوجودء وكمال الوجود) (1) 

ويذكر حاجة كل الكون إلى الله وافتقاره إليه فقرا مطلقاء بمن فيهم أنبياء الله وأولياءه 
وكل خلق الله؛ فيقول: (والمخلوقات الفقيرة بذاتها لن تتبدل إلى غنية بذاتهاء فمثل هذا التبديل 
غير تمكن الوقوعء ولأنها فقيرة بذاتها ومحتاجه» فلن يستطيع سوى الغني بذاته أن يرفع فقرها 
واحتياجها. ى) أن هذا الفقر الذي هو لازم ذاتي لهاء هو صفة دائمة أيضاء سواء كانت هذه 
السلسلة أبدية أم لاء أزلية أم لاء وليس سواه تعالى من يستطيع حل مشاكلها وتأمين 
احتياجاتها) (7) 

بل إنه يتجاوز ذلك الافتقار» ليعمق ذلك التوحيد ببيان أن كل ما نراه من كال إنها هو 
كمال إِلهي» ولذلك كان الثناء عليه ثناء على الله» يقول: (إن أيّ كال أو جمال ينطوي عليه أي 


. ١١ص الوصايا العرفانية للإمام الخميني»‎ )١( 
.١١ص إفرفق المرجع السابق»‎ 


7 


موجود ليس منه ذاتاء إنم) هو مظهر لكمال الله تعالى وجماله #إوَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ الله 
رَمَى) [الأنفال: ]١1‏ حقيقةٌ تصدق على كل شيء وكل فعل وكل قول)17) 

ويقول: (اعلم أن ليس لأيّ موجود من الموجودات ‏ بدءاً من غيب عوالم الجبروت وإلى 
ما فوقها أو تحتها ‏ شي من القدرة أو العلم أو الفضيلة» وكل ما فيها من ذلك إنما هو منه جلّ 
وعلاء فهو الممسك بزمام الأمور من الأزل إلى الأبد» وهو الأحد الصمدء فلا تخش من هذه 
المخلوقات الجوفاء الخاوية الخالية» ولا تلق آمالك عليها أبداًء لأن التعويل على غيره تعالى 
شرك والخوف من غيره جلت عظمته كفر) (5) 

والنتيجة التي يصل إليها من تعمقت فيه هذه المعارف هي كما يذكر الخميني ‏ السعي 
للتواصل مع الله وحده باعتباره الهدف الأعلى من كل شيء» والغاية العظمة في الرحلة الأزلية» 
كا قال تعالى: 8 وَأَنَّ إِلَ رَبك امْتّهَى © [النجم: 47]» يقول: (إن كلّ من يدرك هذه الحقيقة 
ويتذوقهاء لن يتعلق قلبه بغير الله تعالى» ولن يرجوّ غيره تعالى) 7 

ثم يخاطب ابنه» ومعه الشعب الإيراني مبينا له المنهج الذي يصل به إلى هذه الحقيقة ذوقا: 
(هذه بارقةٌ إلهية» حاول أن تفكر فيها في خلواتك» ولقن قلبك الرقيق وكررها عليه إلى أن 
ينصاع اللسان لها وتسطع هذه الحقيقة في ملك وملكوت وجودك. وارتبط بالغنيٌ المطلق حتى 
تستغني عمن سواهء واطلب التوفيق منه حتى يجذبك من نفسك ومن جميع من سواه. ويأذن 
لك بالدخول والتشرف بالحضور) 247 

والنتيجة العظيمة التي يصل إليها المتأمل لذه الحقائق العظيمة ‏ كما يذكر الخميني ‏ هي 
الوصول إلى محبة الله» بل إلى عشه» فالبشر جميعا ‏ كما يذكر ‏ (مفطورون على عشق الكمال 

. ١7ص المرجع السابق»‎ )١( 
. ١5ص المرجع السابق»‎ )( 


زفرفق المرجع السابق» ص١١‏ : 


2( المرجع السابق» ص؟ .١‏ 


ا 


المطلق» ومن هذا العشق -شئنا أم أبينا- ينشاً العشق لمطلق الكمال الذي هو من آثار الكمال 
المطلقء والآمر الملازم لفطرتنا هذه هو السعي للخلاص من النقص المطلقء وتلازمه الرغبة في 
الخلاص من مطلق النقص أيضا) )١(‏ 

وبناء على هذاء فكلنا ‏ وإن لم ندرك ذلك (عاشقون لله تعالى» الذي هو الكمال المطلق. 
ونعشق آثاره التي هي تجليات الكمال المطلق. وأي شخص أو أي شيء نكرهه ونبغضه. أو 
نحاول التخلص منه» فهو نقص مطلق أو مطلق النقص الذي يقف في الجهة المقابلة» وعلى 
النقيض من الأول تماماً. ولا شك أن نقيض الكمال هو عدم الكمالء ولأننا محجوبون. فإننا 
نضل في التشخيص. ولو زال الحجاب لاتّضح لنا أن كل ما هو منه جل وعلا محبوب» وكل ما 
هو مبغوض فليس منه» وهو بالتالي ليس موجودا)7") 

وهو يؤكد هذه الحقائق عند تعليقه على ما ورد في المناجاة: (أيكون لغيرك من الظهور 
ما ليس لكء حتى يكون هو المظهر لك؟ متى غبت حتى تحتاج إلى دليل يدل عليك» ومتى 
بعدت حتى تكون الآثار هي التي توصل إليك؟ عميت عين لا تراك عليها رقيبا»9» 

ومثلها ما ورد في المناجاة الشعبانية التي يثني عليها كثيراء وخاصة على هذا المقطع منها: 
(إلمي هب لي كمال الانقطاع إليك» وأنر أبصار قلوبنا بضياء نظرها إليك» حتى تخرق أبصار 
القلوب حجب النورء فتصل إلى معدن العظمة» وتصير أرواحنا معلقة بعر قدسك. إِلهي 
واجعلنى من ناديته فأجابك» ولاحظته فصعق لجلالك) 

فقد علق عليههما قائلا: (بني: نحن ما زلنا في قيد الحجب الظلانية» وبعدها الحجب 
النورية» ونحن المحجوبون ما زلنا عند منعطف زقاق ضيق) (5) 

.7” ١ص المرجع السابق»‎ )١( 
.” ١ص المرجع السابق»‎ )( 


(') مقطع من دعاء الإمام الحسين يوم عرفة» ويروى كذلك في مناجاة ابن عطاء الله السكندري. 


2( المرجع السابق» ص؟ .١‏ 


كا 


وهو يبين أن هذه المعارف التوحيدية ليست معارف كالية» بل هي ضرورية» وأن على 
كل مؤمن السعي لتحصيلها حتى يتجنب سوء الأدب مع الله» وخاصة عند الخاتمة» يقول: 
(عليك أن تنتبه! فهناك خطر قد يعترض الإنسان في اللحظات الأخيرة من عمره. وهو بهم 
بمغادرة هذا العالم» والإنتقال إلى مستقره الأبدي. فإن ذلك قد يجعل المبتلي بحب النفس وما 
يولّده من حب الدنيا. بأبعادهما المختلفة -يرى وهو في حال الإحتضارء وحيث تنكشف 
للإنسان بعض الأمور فيراها عياناء أن مأمور الله جل وغلا يريد فضلة عن محبوبه ومعشوقه! 
فيرحل عن هذه الدنيا وهو غاضب عل الله جل وعلا متنفر منه! وهذه عاقبة وثمرة حب 
النفس والدنياء وقد أشارت إلى ذلك الروايات المختلفة) )١(‏ 

ويروي في ذلك حكاية عن أحد المتعبدين الثقاه أنه قال: (ذهبت لزيارة أحدهمء وكان 
يحتضر؛ فقال وهو على فراش الموت: إن الظلم الذي لحقني من الله تعالى لم يلحق أحدا من 
الناس» فهو يريد أن يأخذني من أبنائي الذين صرفت دم القلب في تربيتهم ورعايتهم! فقمت 
من عنده ثم توفى) (7) 

ثم يعلق عليها بقوله: (لعل هناك بعض التفاوت بين ما نقلته وما سمعته من ذلك العالم 
المتعبد» على أية حال» فإن ذلك ولو كان مجرد احتمال الحدوث فهو أمر على درجة خطيرة من 
الأهمية تدفع الإنسان إلى التفكير بجدية للنجاة منه) 7) 

بل إنه يذكر أن رؤية الأنا والغفلة عن التوحيد قد تنزل أولياء الله من المراتب الرفيعة 
التي حوهاء لأنهم لم ينزلوا تلك المراتب إلا بفنائهم عن أنفسهم, واعترافهم بقصورهم 
وعجزهم وافتقادرهم الدائم إلى الله وقد روى في ذلك (أن الله تعالى خاطب أحد أنبيائه» 


)020( المرجع السابق» ص١‏ 7. 
0( المرجع السابق» ص6 7. 


إفرفق المرجع السابق» ص١‏ 7. 


نا 





فطلب إليه أن يأتيه بمخلوق أسوأ منه. فقام النبي عليه السلام بعدها بسحب رفاة حمار قليلا 
إلا أنه ندم فتركهاء فخوطب بالقول: لو أنك أتيتني بتلك الجيفة» لكنت سقطت من مقامك)17) 

ثم علق على الرواية بقوله: (وأني لا أعرف مدى صحة الحديثء ولكن لعل الأمر 
بالنسبة لمقام الأولياء» يعد سقوطاً حين| يرون الأفضلية لأنفسهم على غيرهم, فتلك أنانية 
وغرور. وإلآّ فلم كان النبي الأكرم يأ يأسف ذلك الأسف المرير على عدم إيهان المشركين؛ إلى 
الحد الذي خاطبه الله تعالى بقوله: لمَلََلّكَ بَاحَمٌ تَفْسَكَ عَلَ آنَارِهِمْ إِنْ 1 يُؤْمُِوا بهذَا الْحدِيثِ 
أَسَفَا 4 [الكهف: 5]؛ فليس هذا سوى أنه عشق جميع عباد الله» وعشق الله هو عشق لتجلياته. 
فهو يي يتألم مما تؤدي إليه الحجب الظلانية للأنانية والغرور في المنحرفين» من دفعهم إلى الشقاء 
ثم العذاب الأليم في جهنم نتيجة لأع الهم في حين أنه يريد السعادة للجميع. فهو مبعوث 
لتحقيق السعادة للجميع. والمشركون المنحرفون -عمي القلوب- وقفوا بوجهه؛ ونصبوا له 
العداء رغم أنه جاء لإنقاذهم)7) 

هذه بعض الاقتباسات من كلام الخميني في التوحيد» وكونه الهدف الأكبر من السير 
التحققي, وهو أكبر رد على من يرمونه بالغلو في الأئمة» وأنه ينزهم فوق منازهم» ومثل هذا 
نجد نصوصا كثيرة جدا في أعماق التوحيد التي لا تلوح على بال أولئك المنكرين. 

5 القيم الروحية والسلوك التحققي والتخلقي: 

من أهم المزايا التي تميز بها الطرح العرفاني للخميني والمدرسة التي ينتمي قادة الثورة 
الإسلامية الإيرانية هي ذلك الاهتمام بالسلوك التحققي والتخلقي, أو ما يطلقون عليه لقب 
[العرفان العمل ]» وهو ما أبعدهم عن تلك الشطحات التي وقع فيها بعض المدارس الصوفية» 
الذين أهملوا العمل أو قصروا فيه بل إن بعضهم اعتبر الاهتمام بالعمل والسلوك نوعا من 


دلق المرجع السابق» ص77 . 
0( المرجع السابق» ص77 . 


لكلا 


الانشغال عن الحق. 

ولهذا نرى الخميني ينهى عن الاهتمام بمطالعة كتب العرفان» مع الخلو من العمل» لأن 
ذلك قد ينشئ الغرور» ويبعد عن التقوى. يقول في وصاياه مخاطبا زوجه ابنه فاطمة: (ابنتي: 
الإنشغال بالعلوم حتى العرفان والتوحيد إذا كان لاكتناز الاصطلاحات -هو حاصل- أو 
لأجل نفس تلك العلوم, فإنه لا يقرب السالك من الحدف بل يبعده عنه (العلم هو الحجاب 
الأكبر)» وإذا كان البحث عن الحق وعشقه هو الهدف -وهو نادرٌ جداً- فذلك مصباح الطريق 
ونور الهداية» (العلم نور يقذفه الله في قلب من يشاء من عباده)» وللوصول إلى يسير منه يلزم 
التهذيب والتطهير والتزكية؛ #هذيب النفس وتطهير القلب من غيره فضلاً عن التهذيب من 
الأخلاق الذميمة التي يحتاج الخلاص منها إلى كثير من المجاهدة وفضلا عن تبذيب العمل ما 
هو خلاف رضاه جل وعلاء والمواظبة على الأعمال الصالحة» من قبيل الواجبات التي هي في 
الطليعة» والمستحبات بقدر الميسور وبالقدر الذي لا يوقع الإنسان في العجب والأنانية) 2١0‏ 

ولهذا نجد الخميني ينتهج منهج صوفية المجاهدات» من أمثال المحاسبي والغزالي؛ 
فيحذركل حين من الخطرات ووساوس النفس الأمارة بالسوء» ويدعو إلى مجاهدتهاء واستعمال 
كل الوسائل الشرعية فى :ذللك: 

ومن ذلك ما ذكره في وصيته العرفانية» والتي يقول فيها مخاطبا ابنه وشعبه: (إن ما هو 
مذموم» وأساس ومنشأً جميع ألوان الشقاء والعذاب والمهالك» ورأس جميع الخطايا والذنوب 
إنما هو [حب الدنيا]» وهو حب ناشئ من [حب النفس]؛ فمع أن عالم الك ليس مذموما في 
حدّ ذاته» فهو مظهر الحق. ومقام ربوبيته» ومهبط ملائكته» ومسجد عبادهء وتربية أنبيائه 
وأوليائه» وموطن تجلي الحق على قلوب عشاق المحبوب الحقيقي» فإن كان حب [عالم الملك] 
ناشئاً عن حب الله باعتباره مظهرا له جل وعلا؛ فهو أمر مطلوب ويستوجب الكمال. أما إذا 


دلق المرجع السابق» ص .١١١‏ 


ون 


كان منشؤه حب النفسء فهو رأس الخطايا جميعا. فالدنيا المذمومة هي في داخلك أنت» والتعلق 
بغير صاحب القلبء هو الموجب للسقوط. وجميع المخالفات لأوامر الله وجميع المعاصي 
والجرائم والجنايات التي يُبتلى بها الإنسان» كلها من حب النفس الذي يولّد حب الدنيا 
وزخارفهاء وحب المقام والجاه والمال ومختلف الأماني. وفي الوقت نفسه فإن أي قلب لا يمكنه 
فطريا أن يتعلق بغير صاحب القلب الحقيقي لكن هذه الحجب الظلانية والنورانية هي التي 
تجعلنا نميل خطأً واشتباهاً نحو غير صاحب القلب» وهي ظلمات فوقها ظلمات) )١7‏ 

وهو يعتبر حب الدنيا أكبر العقبات الحائلة بين السالكين والوصول إلى الحق» ويعتبر 
تحطيم صنم حب الدنيا البداية الصحيحة للسلوك التحققي والتخلقي؛ فيقول: (مادمنا في 
حجاب النفس والأنانية» فنحن شيطانيُون مطرودون من محضر الرحمن» وما أصعب تحطيم 
هذا الصنم الذي يعد أم الأصنام؛ فنحن ما دمنا خاضعين لله (جل وعلا) ولا مطيعين لأوامره» 
ومالم يحَطَّم هذا الصنم؛ فإن الحجب الظلانية لن تتمزق ولن تُزال. علينا أن نعرف ما هو 
الحجاب أولآء فنحن إذا لم نعرفه» لن نستطيع المبادرة إلى إزالته» أو تضعيف أثره. أو على الأقل» 
الحد من تزايد رسوخه وقوته بمرور الوقت)7) 

وهكذا نراه يتدرج في خطابه ومواعظه العرفانية» ويأمر ابنه وشعبه كل حين بالمسارعة 
إلى التوبة؛ فيقول: (بني: أتحدث إليك الآن وأنت ما زلت شابا» عليك أن تنتبه إلى أن التوبة 
أسهل على الشبان» كما إن إصلاح النفس وتربيتها يتم بسرعة أكبر عندهم. في حين أن الأهواء 
النفسانية والسعي للجاه وحب المال والغرور أكثر وأشدٌ بكثير لدى الشيوخ منه لدى الشبان. 
أرواح الشبان رقيقة شفافة سهلة القياد» وليس لدى الشبان من حب النفس وحب الدنيا بقدر 
ما لدى الشيوخ. فالشاب يستطيع بسهولة نسبيا أن يتخلص من شر النفس الأمارة بالسوءء 


دلق المرجع السابق» ص717. 
0( المرجع السابق» ص4 7. 


لا 


ويتوجه نحو المعنويات. وفي جلسات الوعظ والتربية الأخلاقية يتأثر الشبان بدرجة كبيرة لا 
تحصل لدى الشيوخ» فلينتبه الشبان» وليحذروا من الوقوع تحت تأثير الوساوس النفسانية 
والشيطانية» فا موت قريب من الشبان والشيوخ على حدٌ سواء وأيّ من الشبان يستطيع 
الاطمئنان إلى أنه سيبلغ مرحلة الشيخوخة؟ وأيُّ إنسان مصون من حوادث الدهر؟ بل قد 
يكون الشبان أكثر تعرضا لحوادث الدهر من غيرهم) )١(‏ 

وهو يرد على أولتك الذين يضيعون الفرصء. ويتصورون أن الشفاعة وحدها 
ستكفيهم» وتصد عنهم عذاب الله الذي كتبه على المنحرفين من عباده؛ فيقول: (بني: لا تضيع 
الفرصة من يديك. واسمًّ لإصلاح نفسك في مرحلة الشباب» وعلى الشيوخ أيضاً أن يعلموا 
أنهم ما داموا في هذا العالم» فإنهم يستطيعون جبران ما خسروا وما ضيّعواء وأن يكفروا عن 
معاصيهم, فإن الأمر سيخرج من أيديهم بمجرد انتقاللهم من هذا العالم» والتعويل على شفاعة 
أولياء الله عليهم السلام» والتجرؤ في ارتكاب المعاصي من الخدع الشيطانية الكبرىء تأمّل أنت 
حالات الذين عوّلوا على شفاعتهم غافلين عن الله وتجرأوا على المعاصي» تأمل في سيرتهم» 
وانظر في أنينهم وبكائهم ودعائهم وتحرقهم واعتبر من ذلك) 27) 

ويروي عن الإمام الصادق أنه جمع أهل بيته وأقاربه في أواخر عمره» وقال لهم: (إنكم 
ستردون على الله بأعمالكمء فلا تظنوا أن قرابتكم لي ستنفعكم يوم القيامة)» وعلق عليه بقوله: 
(إن كان هناك احتمال بأن تناللهم الشفاعة, لأن الارتباط المعنوي حاصل بينهم وبين الشافع لهم» 
فالرابطة الإلهية بينهم تجعلهم مؤهلين أكثر من غيرهم لنيل الشفاعة» وإن لم يحصل هذا الأمر 
لهم في هذا العالم» فلعله يحصل لهم بعد تنقيات وتزكيات أنواع من العذاب البرزخي أو 


الجهنمي: حتى يصبحوا بعده لاثقين للشفاعة؛ والله العالم بمدى ما سيصيبهم» فضلاً عن هذاء 


)020( المرجع السابق» ص 37. 


00( المرجع السابق» ص١3737.‏ 


لك 


فإن الآيات التي وردت في القرآن الكريم حول الشفاعة لا تبعث ‏ بعد التأمل فيها ‏ الاطمئنان 
في الإنسان» قال تعالى: ا مَنْ ذا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَه إِلَّا يذه 4 [البقرة: 50 ؟] وقال: وا 
يَشْمَعُونَ إِلّا كن ارْتََى 4 [الأنبياء: 8 7]» وأمثال ذلك من الآيات التي تثبت موضوع الشفاعة» 
ولكنها في الوقت نفسه لا تبعث الاطمئنان لدى الإنسان ولا تسمح له بالاغترار مهاء لأنها ل 
توضح من هم أولئك الذين ستكون الشفاعة من نصيبهمء أو ماهي شروطهاء ومتى تكون 
شاملة لهم.. نحن نأمل بالشفاعة» ولكن ينبغي أن يدفعنا هذا الأمل نحو طاعة الحق تعالى لا 
تحرو معطليقه) () 

وبناء على هذا كله يدعوه إلى الورع في التعامل مع أبسط الحقوق, سواء تلك الحقوق 
المتعلقة بالله» أم المتعلقة بخلقه» يقول له. ولشعبه: (بني: احرص على أن لا تغادر هذا العالم 
بحقوق الناس؛ فم| أصعب ذلك وما أقساه. واعلم أن التعامل مع أرحم الراحمين أسهل بكثير 
من التعامل مع الناس. نعوذ بالله تعالى أنا وأنت وجميع المؤمنين من التورط في الاعتداء على 
حقوق الآخرينء أو التعامل مع الناس المتورطين.. ولا أقصد من هذا دفعك للتساهل بحقوق 
الله والتجرؤ على معاصيه. فلو أننا أخذنا بنظر الاعتبار ما يستفاد من ظاهر بعض الآيات 
الكريمة» فإن البلية ستزداد باطراد» ونجاة أهل المعصية بالشفاعة يتم بعد المرور بمراحل 
طويلة. فتجسم الأخلاق والأععمال» وما يستتبع ذلك من ملازمتها للإنسان إلى ما بعد الموت 
وإلى القيامة الكبرى؛ ثم الى ما بعدها حتى الوصول إلى التنزيه وقطع الروابط بنزول الشدائد 
والعذاب بمختلف اشكاله في البرزخ وفي جهنمء وعدم التمكن من الارتباط بالشفيع» 
والاشتمال بالشفاعة» كلها أمور يؤدي التفكير فيها إلى إثقال كاهل الإنسان» ويدفع المؤمنين 
نحو الجدية ني الإصلاح. ولاايمكن لأي شخص أن يدعي أنه يقطع بخلاف هذه الاحتمالات» 


إلا إذا كان شيطان نفسه قد تسلط عليه بدرجة عالية» حتى راح يتلاعب به» ويصده عن طريق 


دلق المرجع السابق» ص8 7. 


لخلا 


الحق» فيجعله مُنكراً لا يفرق بين الضوء والظلام» وأمثال هؤلاء من عمي القلوب كثير. حفظنا 
الله من شرور أنفسنا) (1) 

القيم الروحية ومركزية القرآن الكريم: 

من الخصائص المهمة التي نكتشفها في التراث العرفاني الذي تركه الخميني» ومن معه 
من قادة الثورة الإسلامية ذلك البعد عن الشطحاتء أو الاهتتمام بنقل قصص الكرامات 
والغرائبء أو الاهتمام بذكر الكشوف والمشاهدات وغيرها ما نجد أمثاله في التراث الصوفي.. 
بل نجده مهتم| إما بالسلوك التحققيء أو بذكر المعارف مرتبطة بالقرآن الكريم خصوصاء مع 
تدعيمها بها ورد في الروايات والأدعية ونحوها. 

ولهذا نجدهم يعطون مركزية للقرآن الكريم في التعامل مع الحقائق العرفانية» باعتباره 
مصدرا قطعيا معصوماء على خلاف الكشوف والمشاهدات الروحية التي قد لا تخلو من 
الشوائب والخلل. 

وهذا لا يعني عدم اعترافهم بالشهود والكشف. ولا يعني كذلك عدم احترامهم لمن 
كتبوا في ذلك؛ فهم يستندون إليهم أحياناء ولكنهم في نفس الوقت يعطون المركزية الكبرى 
للقرآن الكريم» ويجعلونها معيارا لنقد كل كشف أو شهود أو عرفان يخالفه. 

ولحذا نرى الخميني في كل مناسبة يدعو إلى قراءة القرآن الكريم وتدبره باعتباره المصدر 
الأكبر للعرفان» يقول في خطابه لابنه وشعبه: (بني: تعرف إلى القرآن» كتاب المعرفة العظيم» 
ولو بمجرد قراءته» وشق منه طريقا إلى المحبوبء ولا تنوهمن أن القراءة من غير معرفة لا أثر 
هاء فهذه وساوس الشيطانء فهذا الكتاب كتابٌ من المحبوب إليك وإلى الجميع» وكتاب 
المحبوب محبوبٌ» وإن كان العاشق المحب لا يدرك معنى ما كُتب فيه وقد جاء إليك هادفاً خلق 


هذا الأمر لديك: [حب المحبوب] الذي يمثل غاية المرام» فلعله يأخذ بيدك» واعلم أننا لو 


دلق المرجع السابق» ص9 37. 


اننا 


أنفقنا أعمارنا بتّامها في سجدة شكر واحدة على أن القرآن كتابنا؛ لما وفينا هذه النعمة حقها من 
الشكر) (1) 

وهو يضع بين يدي مريديه الكثير من الطرق والمناهج التي يستفيدون من خلاها من 
المدد المعرني القرآني الذي لا حدود له. ومن ذلك قوله بعد تبيانه لمقاصد القرآن الكريم» 
وإحاطتها بكل الشؤون: (إذا علمت الآن مقاصد هذه الصحيفة الإلحية ومطالبها فلا بد لك 
أن تلفت النظر إلى مطلب مهم يكشف لك بالتوجه إليه طريق الاستفادة من الكتاب الشريف». 
وتنفتح على قلبك أبواب المعارف والحكمء وهو أن يكون نظرك إلى الكتاب الشريف الإلحي 
نظر التعليم» وتراه كتاب التعليم والإفادة وترى نفسك موظفة على التعلم والاستفادة)() 

وهو ينفي مقصوهه التعليم والتعلم والإفادة والاستفادة ما نراه في الواقع من التركيز 
على الأدب والنحو والصرفء (أو تأخذ منه الفصاحة والبلاغة والنكات البيانية والبديعية» أو 
تنظر في قصصه وحكاياته بالنظر التاريخي والاطلاع على الأمم السالفة» فإنه ليس شيء من هذه 
داخلاً في مقاصد القرآن» وهو بعيد المنظور الأصلي للكتاب الإلمي بمراحل والذي أوجب أن 
تكون استفادتنا من هذا الكتاب العظيم بأقل من القليل هو هذا المعنى» فإما ألا ننظر إليه نظر 
التعليم والتعلم ىا هو الغالب عليناء ونقراً القرآن للثواب والأجر فقط وهذا لا نعتني بغير 
جهة تجويده؛ ونريد أن نقرأه صحيحاً حتى يعطي لنا الثواب ونحن واقفون في الحد وقانعون 
بهذا الأمرء ولذا نقرأ القرآن أربعين سنة ولا تحصل الاستفادة منه بوجه إلا لأجر والثواب 
والقراءة» وأما أن نشتغل إن كان نظرنا التعليم والتعلّم بالنكات البديعيّة ووجوه إعجازه 
وأعلى من هذا بقليل فإلى الجهات التاريخية وسبب نزول الآيات وأوقات النزول» وكون الآيات 
والسور مكية أو مدنية» واختلاف القراءات واختلاف المفسرين من العامة والخاصة وسائر 


020( المرجع السابق» ص9 .١‏ 
(0) القرآن الثقل الأكبر (ص: /”7) 


321 


الأمور العرضية الخارجة عن المقصد بحيث تكون هذه الأمور نفسها موجبة للاحتجاب عن 
القرآن والغفلة عن الذكر الإلمي) (2 

وهو مع احترامه ‏ ى| يذكر ‏ للمفسرين والعلماء الذين بحثوا في علوم القرآن إلا أنه 
ينكر عليهم إهمال هذا الجانب من التعليم القرآني؛ فيقول: (إن مفسّرينا العظام أيضاً صرفوا 
عمدة همّهم في إحدى هذه الجهات أو أكثر ولم يفتحوا باب التعليهات على الناس» وبعقيدقي 
الكاتب لم يكتب إلى الآن التفسير لكتاب الله لأن معنى التفسير على نحو كل هو أن يكون 
شارحاً للقاصد الكتاب المفسّر ويكون مهمٌ النظر إلى بيان منظور صاحب الكتابء فهذا الكتاب 
الشريف الذي هو بشهادة من الله تعالى كتاب الحداية والتعلم ونور طريق سلوك الإنسانية يلزم 
للمفسّر أن يعلّم للمتعلم في كل قصّة من قصصه بل في كل آية من آياته جهة الاهتداء إلى عالم 
الغيب وحيثية الحداية إلى طريق السعادة وسلوك طريق المعرفة والإنسانية) 7") 

ويضرب مثالا على ذلك؛ فيقول: (ففي قصة آدم وحواء أو قضاياهما مع إبليس من 
ابتداء خلقههم) إلى ورودهما في الأرضء وقد ذكرها الحق تعالى مكررة في كتابه» كم من المعارف 
والمواعظ مذكورة فيها ومرموز إليهاء وكم فيها من معايب النفس وكالاتها ومعارفها وأخلاق 
إبليس موجودة فيها نتعرف عليها ونحن عنه غافلون) 7" 

وبناء على هذا يدعو المفسرين إلى التركيز في تفاسيرهم على هذه الجوانب. باعتبارها 
مقاصد القرآن الكبرى من نزوله؛ يقول: (كتاب الله هو كتاب المعرفة والأخلاق والدعوة إلى 
السعادة والكمال» فكتاب التفسير أيضاً لا بد أن يكون كتاباً عرفانياً وأخلاقياً ومبيّناً للجهات 


العرفانية والأخلاقية وسائر جهات الدعوة إلى السعادة التى في القرآن. فالمفسٌر الذي يغفل عن 


)020( المرجع السابق» ص8 3. 
0( المرجع السابق» ص9 37. 


إفرفق المرجع السابق» ص ٠‏ 5. 


> 





هذه الجهة أو يصرف عنها النظر أو لا بهتم مها فقد غفل عن مقصود القرآن والمنظور الأصلٍ 
لإنزال الكتب وإرسال الرسلء وهذا هو الخطأ الذي حرم الملة الإسلامية منذ قرون من 
الاستفادة من القرآن الشريف». وسد طريق الهداية على الناس» فلا بد لنا أن نأخذ المقصود من 
تنزيل هذا الكتاب من نفس هذا الكتاب مع قطع النظر عن الجهات العقلية البرهانية التي 
تفهمنا المقصد) )١(‏ 

وهو يعطي الحجج الكثيرة على هذه الدعوة» وأوها مراعاة المقاصد الموضوعة في القرآن 
الكريمة» والتي صرحت بها الآيات الكثيرة» يقول: (منصف الكتاب أعرف بمقصده. فالآن 
إذا نظرنا إلى ما قال هذا المصنف فيم| يرجع إلى شؤون القرآن, نرى أنه يقول ##ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا 
رَيْبَ فيه هُدَى لِلْمُتَقِينَ4 [البقرة: ؟]» فعرّف هذا الكتاب بأنه كتاب الحداية» ونرى أنه في سورة 
قصيرة كرّر مرّات عديدة قوله: #وَلََدَ يَسَرْئَا الَْرْآنَ لِلذَّكْرِ قَهَلْ مِنْ مُدّكِرٍ 4 [القمر: 117]» 
نرى أنه يقول: 8 وَأَنْرَلنَا إِلَيِكَ الذّكْرَ لين لِلنّْسٍ ما نزُلَ إِلَيْهمْ وَلعَلَهُمْ يَفَكَرُونَ 4 [النحل: 
5 ونرى أنه يقول: لكِتَابٌ أَنَْلاه لَيْكَ مُبَارَك تبروا آيَاتِِوَِتَذَكَرَ أُولُو الَْلبَاب4 [ص: 
4 إلى غير ذلك من الآيات الشريفة التي يطول ذكرها) 2 

وهو لأجل تحقيق هذه القاصد القرآنية يدعو إلى رفع الحجب ا حائلة بين المؤمن الذي 
يريد أن يتحقق بالعرفان والقرآن الكريمة» ذلك أن الهداية القرآنية تحتاج إلى توفر شروط 
لتنزلهاء يقول: (إذا علمت الآن عظمة كتاب الله من جميع الجهات المقتضية للعظمة» وانفتح 
طريق استفادة المطالب منه؛ فاللازم على المتعلم والمستفيد من كتاب الله أن يجري أدباً آخر من 


الآداب المهمة حتى تحصل الاستفادة وهو رفع موانع الاستفادة» ونحن نعبّر عنها بالحجب بين 


دلق المرجع السابق» ص ٠‏ 5. 
0( المرجع السابق» ص١5‏ . 


اكلا 


المستفيد والقرآن) (1) 

ثم ذكر الأمثلة الكثيرة عن تلك الحجبء وكيفية رفعهاء ومنها [حجاب رؤية النفس]» 
حيث (يرى المتعلم نفسه بواسطة هذا الحجاب مستغنية أو غير محتاجة للاستفادة» وهذا من 
المكائد الأصلية المهمة للشيطان من حيث إنه يزيّن للإنسان دائا الىالات الموهومة» ويرضى 
الإنسان ويقنعه بب| فيه» ويسقط من عينه كل شيء سوى ما عنده؛ مثلاً يقنع أهل التجويد بذلك 
العلم الجزئي ويزيّنه في أعينهم إلى حدّ يسقط سائر العلوم عن أعينهم» ويطبّق في نظرهم حملة 
القرآن عليهم ويحرمهم من فهم الكتاب النوراني الإلهي والإستفادة منه» ويرضى أصحاب 
الأدب بتلك الصورة بلا لبّ ويمثل جميع شؤون القرآن فيا هو عندهم؛ ويشغل أهل التفاسير 
المتعارفة بوجود القراءات والآراء المختلفة لآأرباب اللغة ووقت النزول وشأن النزول وكون 
الآيات مكية أو مدنية وتعدادها وتعداد الحروف وأمثال تلك الأمورء ويقنع أهل العلوم أيضاً 
بعلم فنون الدلالات فقط ووجوه الاحتجاجات وأمثالها حتى إنه يحبس الفيلسوف والحكيم 
والعارف الاصطلاحي في الغليظ من حجاب الاصطلاحات والمفاهيم وأمثال ذلك» فعلى 
المستفيد أن يخرق جميع الحجب هذه وينظر إلى القرآن من ورائهاء ولا يتوقف في شيء من هذه 
الحجب ولا يتأخر عن قافلة السالكين ولا يحرم من الدعوات الحلوة الإلهية» ويستفاد عدم 
الوقوف وعدم القناعة إلى حدٌ معين من نفس القرآن) 27) 

وهو يستشهد لهذا با وقع للأنبياء عليهم السلام؛ والذين لم ينشغلوا با عندهم من 
العلوم عن سؤال المزيدء يقول: (فموسى الكليم مع ما له من المقام العظيم في النبوّة ما اقتنع 
بذلك المقام وما توقف في مقام علمه الشامخ, وبمجرد أن لاقى شخصاً كاملاً قال له بكل 


تواضع وخضوع: مَل أَتَبِعُكَ عَلَ أَنْ تُعَلّمَنِ ينآ عُلَمْتَ رُشْدَاك [الكهف: 0117 وصار 


020( المرجع السابق» ص؟ ؟ . 
0( المرجع السابق» ص؟ ؟ . 


ا 


ملازماً لخدمته حتى أخذ منه العلوم التي لا بد من أخذهاء وإبراهيم لم يقتنع بمقام شامخ 
الإيهان والعلم الخاص للأنبياء» بل قال: إرَبٌ أَرِني كَيْف نحي المُوْتَى 4 [البقرة: »]77١‏ فأراد 
أن يرتقي من الإيمان القلبي إلى مقام الاطمئنان الشهوديء وأعظم من ذلك أن الله تبارك وتعالى 
يأمر نبيّه الخاتم وهو أعرف خلق الله بالكريمة الشريفة #وَقْلُ رَبّ زِدْن عِلَاك [طه: 5 »]١١‏ 
فهذه الأوامر في الكتاب الإلحي ونقل هذه القصص لآن نتنبّه ونستيقظ من نوم الغفلة) () 

ومن الحجب التي دعا الخميني إلى رفعها حتى يتحقق السالك بالحقائق القرآنية» ويمد 
يده إليها [حجاب الآراء الفاسدة والمسالك والمذاهب الباطلة]» وهو يذكر أن مصدره هو 
التبعية والتقليد» ويضرب مثالا على ذلك؛ فيقول: (مثلاً إذا رسخ في قلوبنا اعتقاد بمجرّد 
الاستماع من الأب أو الأم أو من بعض جهلة أهل المنبر تكون هذه العقيدة حاجبية بيننا وبين 
الآيات الشريفة الإلحية» فإن وردت آلاف من الآيات والروايات تخالف تلك العقيدة» فإما أن 
نصرفها عن ظاهرها أو لا ننظر فيها نظر الفهم) 27) 

ويضرب مثلا على ذلك با ورد في القرآن الكريم من ذكر [لقاء الله]» والذي راح 
المتكلمون يحجبون عنه ‏ ى] يذكر ‏ بسبب ما ارتبط به من التشبيه الذي وقعت فيه بعض 
المدارسء أوتعلق به العوام؛ فيقول: (قد وردت الآيات الكثيرة الراجعة إلى لقاء الله ومعرفة 
الله ووردت روايات كثيرة في هذا الموضوع مع كثير من الإشارات والكنايات والصراحات 
في الأدعية والمناجاة للأئمة؛ فبمجرد ما نشأت عقيدة في هذا الميدان من العوام وانتشرت بأن 
طريق معرفة الله مسدود بالكلية» فيقيسون باب معرفة الله ومشاهدة جماله على باب التفكر في 
الذات على الوجه الممنوع بل الممتنع» فإما أن يؤوّلوا ويوججهوا تلك الآيات والروايات؛ 
وكذلك الإشارات والكنايات والصراحات في أدعية الأئمة ومناجاتهم» وإما ألا يدخلوا في 


تهم 


دلق المرجع السابق» ص 50 . 
زفق المرجع السابق» ص 50 . 


لكلا 


هذا الميدان أصلاً ولا يعرّفوا أنفسهم بالمعارف التي هي قرّة العين للأنبياء والأولياء» فمّا 
يوجب الأسف الشديد لأهل الله أن باباً من المعرفة الذي يمكن أن يقال إنه غاية بعثة الأنبياءء 
ومنتهى مطلوب الأولياء قد سدّوه على الناس بحيث يعد التفوّه به محض الكفر وصرف 
الزندقة) 20 

وهو يذكر أن سبب هذا الموقف يعود إلى أن (هؤلاء يرون معارف الأنبياء والأولياء في 
ما يختص بذات الحق تعالى وأسمائه وصفاته مساوية لمعارف العوام والنساء فيه» بل يظهر من 
هؤلاء أحياناً ما هو أعظم من ذلك فيقول أحدهم: إن لفلان عقائد عامية حسنة فيا ليت لنا 
مثلم| له من العقيدة العامية.. وهذا الكلام منه صحيح لأن هذا المسكين يتفوّه مهذا الكلام قد 
أخرج من يده العقائد العامية ويرى معارف الخواص وأهل الله باطلة» فهذا التمني منه عيناً 
كتمني الكفار) (") 

وهو يرى أن هذا السلوك الذي امتد لنواح كثيرة في القرآن الكريم» نوع من ال حجران 
للقرآنء ونوع من تقديم غيره عليه» يقول: (إن مهجورية القرآن لها مراتب كثيرة ومنازل لا 
تحصىء ولعلنا متصفون بالعمدة منهاء أترى أننا إذا جلّدنا هذه الصحيفة الإلهية جلداً نظيفاً 
وقيّاً وعند قراءتها أو الاستخارة مها قبّلناها ووضعناها على أعيئنا ما اتخذناه مهجورا؟ أترى إذا 
صرفنا غالب عمرنا في تجويده وجهاته اللغوية والبيانية والبديعية قد آخرجنا هذا الكتاب 
الشريف عن المهجورية؟ هل أننا إذا تعلّمنا القراءات المختلفة وأمثالها قد تخُلصنا من عار 
معان القراة؟ هل آنا إذااتعلتنا وجوه إعتحان القران.وفتون كسوساته قن #خلضتا م 
شكوى رسول الله ؟ هيهات.. فإنه ليس شيء من هذه الأمور مورداً لنظر القرآن ومنزلها 


العظيم الشأنء إن القرآن كتاب إلهي وفيه الشؤون الإلهية» والقرآن هو الحبل المتصل بين الخالق 


020( المرجع السابق» ص8 5 . 
زفق المرجع السابق» ص 50 . 


اكلا 


والمخلوق, ولا بد أن يوجد الربط المعنوي والارتباط الغيبي بتعليماته بين عباد الله ومربّيهم» 
ولا بد أن يحصل من القرآن العلوم الإلهية والمعارف اللدنيّة) 20 

ومن الحجب التي دعا الخميني إلى رفعها حتى يتحقق السالك بالحقائق القرآنية 
[الاعتقاد بأنه ليس لأحد حق الاستفادة من القرآن الشريف إلا با كتبه المفسّرون أو فهموه]ء 
وقد عزا هذا الحجاب إلى الاشتباه الواقع بين الدعوة القرآنية للتفكر والتدبّر في الآيات 
الشريفة» مع ما ورد في النصوص من تحريم التفسير بالرأي الممنوع» وبناء على هذا الاشتباه 
حصل نوع آخر من الحجران للقرآن الكريم» يقول: (بواسطة هذا الرأي الفاسد والعقيدة 
الباطلة جعلوا القرآن عارياً من جميع فنون الاستفادة واتخذوه مهجوراً بالكلية في حال أن 
الاستفادات الأخلاقية والإيوانية والعرفانية لا ربط لها بالتفسيرء فكيف بالتفسير بالرأي, فمثلاً 
إذا استفاد احد من كيفية مذاكرات موسى مع الخضرء وكيفية معاشرته| وشدٌ موسى رحاله 
إليه مع ما له من عظمة مقام النبوّة لأخذ العلم الذي ليس موجوداً عنده وكيفية عرض حاجته 
إلى الخضرء وكيفية جواب الخضر والاعتذارات التي وقعت من موسى [عظمة مقام العلم 
وآداب سلوك المتعلم مع المعلّم]» ولعلها تبلغ من الآيات المذكورة إلى عشرين أدباً؛ فأي ربط 
هذه الاستفادات بالتفسير» فضلاً من أن تكون تفسيراً بالرأي) 70) 

ويضرب مثلا آخر على ذلكء» فيقول: (والاستفادة من هذا القبيل في القرآن كثير» ففي 
المعارف مثلاً إذا استفاد أحد من قوله تعالى: # الْحَمْدٌ لله رب الْعَاكِِنَ * [الفاتحة: ؟] الذي 
امد عي الجافة يغ ورد يجي الد الع قا 31 عد لاق رقا بل كسا ماين 
الآية الشريفة أن كل كمال وجمال وكل عرّة وجلال الموجودة في العالم وتنسبها العين الحولاء 
والقلب المحدوب إلى الموجودات من الحق تعالى» وليس لموجود من قبل نفسه شيء»: ولذا 


دلق المرجع السابق» ص57 . 
0( المرجع السابق» ص8 5 . 


م 


المحمدة والثناء خاص بالحق» ولا يشاركه فيها احد, فأيّ ربط لهذا إلى التفسير حتى يسمّى 
بالتفسير بالرأي أو لا يسمّى؟ إلى غير ذلك من الأمور التي تستفاد من لوازم الكلام ولا ربط 
لها بوجه إلى التفسير) )١7‏ 

هذه مجرد ناذج عن دعوة الخميني إلى مركزية القرآن الكريم للتحقق بالحقائق العرفانية 
النظرية والعملية» ونجد مثلها في سائر المجالاات» وهذا ما يصدق ما يذكره قادة الثورة 
الإسلامية عن ثورتهم بكونها ثورة قرآنية» تريد أن تحيي الحقائق القرآنية في الواقع» وتعيد لها 
الأعمان: 

ثانيا ‏ القيم الأخلاقية ووسائل تحقيقها في الواقع: 

بناء على النتيجة التي خلصنا إليها في الجزء السابق» وفي الفصل الخاص بالقيم 
الأخلاقية» والتي عبرنا عنها بقولنا: (والنتيجة التي خلصنا إليهاء هي أن إيران في الوقت 
الحالي» تمثل ‏ اجتماعيا وسياسيا وتراثيا ‏ جميع القيم الأخلاقية النبيلة التي جاء الإسلام بالدعوة 
إليهاء وبذلك هي تمثل نموذج التدين الأصيلء الذي يعتبر الأخلاق ركنا أساسيا لا يمكن 
الاستغناء عنه.. بل إننا لو تخلينا عن أحقادنا وقرأنا الواقع الإيراني جيدا قراءة منصفة. لعلمنا أن كل 
ما حصل لإيران من حروب وحصار وظلم في العقود الأخير كان نتيجة لتمسكها بالقيم الأخلاقية 
التي لم تسمح لها أن تتخلى عن مبادئها لأجل تحقيق مصا حهاء فهي دولة مبدئية ‏ شعبا ونظاما ‏ ولهذا 
ابتليت بكل أولئك الأعداء)7) 

وذكرنا أن (الذين يقارنونها بغيرها من الدول الإسلامية» وخصوصا تركيا ودول الخليج 
يخطئون كثبراء لأمهم ينظرون إلى التقدم المادي ولا ينظرون إلى التقدم في القيم والأخلاق» وقد كان 
في إمكان إيران أن تحصل على الكثير على ما يحصل عليه غيرها من التقدم المادي والرخاء الاقتصادي 


020( المرجع السابق» ص58 . 


.7”60٠ إيران: دين وحضارة» ص‎ (١ 


530١ 


لو أنها تنازلت كما تنازلت تركيا ودول الخليج» لكنها لم تفعل» وهذا ما يبرهن على مدى تغلغل القيم 
الأخلاقية في المجتمع والسياسة الإيرانية» ذلك أن السياسة لم تكن لتقف تلك المواقف الصلبة لولا 
وجود حضانة شعبية لمواقفها)7١2‏ 

بناء على هذاء وحتى لا نكرر ما ذكرناه سابقا من الأدلة المفصلة التي تثبت اهتمام 
المؤسسات الإيرانية الدينية والتربوية والإعلامية بالأخلاق» ووضعها منظومة تشريعية كاملة 
لذلكء نكتفي هنا ببيان اتساع مفهوم الأخلاق لدى قادة ثورتها. 

فالأخلاق عندهم ليست تلك السلوكات والآداب الظاهرة» فحسبء وإنا تمتد لتشمل 
السلوكات الباطنة» والتي لا يمكن الاطلاع عليها مع أهميتها وضرورتهاء وكونها الأساس 
الذي تقوم عليها الأخلاق الظاهرة. 

وبا أننا ذكرنا في المبحث السابق رؤية الخميني للقيم الروحية؛ فسنذكر هنا رؤية 
الخامنئي للقيم الأخلاقية» وإن كان كلاهما من مدرسة واحدة» وكلاهما اهتم بجميع أنواع 
القيم التي يقوم عليها النظام الإيراني ابتداء من القيم الروحية» وانتهاء بالقيم الأخلاقية 
والحضارية. 

فالخامنئي في كل كتبه وخطبه يركز على الأبعاد الأخلاقية» ويعتبرها الأساس الذي يقوم 
عليه الكال الإنساني» ولذلك فإن المظهر الأول الدال على رقي أي دولة ليس مستواها 
الاقتصادي ولا العسكريء وإنما رقيها ورقي شعبها الأخلاقي, يقول في ذلك: (إِنَ تبليغ الدّين 
وتبيين الحقائق» الذي يُعدَ واجب علاء الإسلام والمبلّغين العظام. يشمل اليوم كل تلك 
الأمور. فلو أننا بلغنا أعلى المستويات الاقتصاديّة» وضاعفنا من قدرتنا وعرّتنا السياسيّة الحاليّة 


عدّة أضعاف. لكنْ أخلاق مجتمعنا لم تكن أخلاقاً إسلاميّة» وكنًا نفتقر إلى العفو والصبر والحلم 


دلق المرجع السابق» ص ١‏ 70. 


اللا 


وحسن الظن» لساء وضعنا)(17) 

ولذلك؛ فهو يرى أن الأخلاق هي الأساس الذي تقوم عليه الدولة» ويرى أن من 
الأدوار المهمة للحكومة الإسلامية قبل التطور المادي أن تراعي هذه الجوانب» يقول: 
(الحكومة الإسلاميّة تهدف إلى تربية البشر في هذا الجوٌء لتسمو أخلاقهم؛ وليكونوا أقرب إلى 
اللموا و أن يقفئدوا القريه منه ةافح «البتائنةه لا تن فيها مو اقضيد القررةوالقفا نا البياسة له 
بد فيها من قصد القربة» فمن يتحدّث في القضايا السياسيّة والّذي يكتب عنهاء والّذي تُلّلهاء 
والّذي يتَخذ القرارات فيهاء لا بُدَ لحم من قضد القربة)7) 

ويبين مراده من [قصد القربة]» فيقول: (عندما يبحث الإنسان ويُطالع الأمور وينظر 
إلى مدى رضا الله فيهاء فإنْ وجد رضا الله في هذا الأمر عندها يُمكنه قصد القربة)(© 

وبناء على هذاء يذكر أنه يمكن أن توضع البرامج التي تساهم في إصلاح الأخلاق» 
وذلك لكونها ليست صفة لازمة لا يمكن تغييرهاء بل هي مثل أي شيء آخرء يمكن تغييره إن 
توفرت الإرادة لذلك. 

وقد أشار إلى هذا المعنى الذي قرره علماء الأخلاق المسلمونء بل أكده القرآن الكريم» 
فقال: (التحوّل الأخلاقيّ يعني أن يتخلّ الإنسان ويجتنب كل رذيلة أخلاقيّة» وكل أخلاق 
ذميمة» وكل روحيّة سيّئة ومرفوضة: مما يوجب أذيّة الآخرينء أو تخلّف الإنسان نفسه. وأن 
يتحل بالفضائل والسجايا الأخلاقيّة. فالمجتمع الخالي من الحسد والضغينة والحقدء والمفكّرون 
الّذين لا يستخدمون فكرهم في التآمر على الآخرين والتزوير والخداع» والمثقفون وأصحاب 


العلوم إذا لى يستخدموا علومهم في إلحاق الضرر بالناس ومساعدة أعداء الناس» وكان جميع 


.)١9 توجيهات أخلاقية (ص:‎ )١( 
.)١5 (؟) توجيهات أخلاقية (ص:‎ 


هرف المرجع السابق» (ص: .)1١6‏ 


اللنا 





أبناء المجتمع يريدون الخير لبعضهم)(22 

والطريق الذي يتحقق به ذلك كى] يذكر . هو مجاهدة النفس وضبط شهواتها وأهوائها 
لتنسجم مع الشريعة الإسلامية انسجاما كلياء وهو الانسجام الذي يضمن ا التحلي بمحاسن 
الأخلاقء والابتعاد عن رذائهاء يقول: (إِنْ الإنسان في أسمى شكل وأكمل حياة هو ذلك 
الإنسان الذي يُمكنه التحرّك في سبيل الله ويرضي الله عنه. والّذي لا تأسره شهواته. ذلك هو 
الإنسان السالم والكامل. أمّا الإنسان المادّيّ الذي يقع أسير شهوته وغضبه وأهوائه النفسيّة 
وألخاسيسه فإئه تساك حتقين» مه كان كرا غل الظاعر ولفتصت» فرتيين مهوركة أكبر دول 
العا التي تمتلك أكبر ثروات العالً» إذا كان عاجزاً عن لجم شهواته وقمعهاء وكان أسير طلباته 
النفسيّة» فإنّهِ إنسان وضيعء أمّا الإنسان الفقير الذي يُمكنه أَنْ يتفوّق على شهواته» ويطوي 
الطريق الصحيح. أي طريق كمال الإنسان وطريق الله» فإنّهِ إنسان عظيم)() 

وهو يذكر أن الإنسان بمفرده قد لا يستطيع أن يواجه هذه العقبات التي تحول بينه وبين 
التخلق» خاصة إن كانت البيئة التي يعيش فيها تزيد وضعه الأخلاقي سوءاء ولهذا كان 
لإصلاح المجتمع» وللدولة» دورها الكبير في نشر الأخلاق الصالحة» ومواجهة الأخلاق 
الفاسدة» وكل أنواع الانحراف, يقول: (الأمر الذي يستوقفني اليوم في بحثِ حياة الرَسُولٍ 
الأكرّم يي هو أنَّ نبي الإسلام سعى لتثبيت القيم والأخلاقٍ الإسلاميّة بشكل كامل في 
المجتمع» ولتمتزج بروح الناس وعقائدهم وحياتهم وتختلط فيهاء لذلك كان يُعطَّر جو الحياة 
بالقيم الإسلاميّة» فقد يُصدر الإنسانٌ أوامر أو يُوجّه توصياتء كأنْ ينصح الناس ويُعلّمهِم 
ويأمرهم ويوصيهم بحسن الخُلق والعفو والصبر والاستقامة في سبيل الله وعدم الظلم 
والسعي لإقامة العدل والقسطء وعلى رغم أنْ ذلك أمر لازم لكنّ نبي الإسلام كان يُعلّمهم 


)١(‏ توجيهات أخلاقية (ص: 17)) وهو جزء من كلمة ألقاها في عيد الربيع (١؟/‏ 7/ 1991١‏ م) 
زفق المرجع السابق» ص18١.‏ من خطبة الجمعة ١1 /١(‏ م( 


320 


دروس المعرفة والحياة» كان يُّارس التعليم من جهة» ويُنَفَذ ذلك في سيرته. فمن أجل تثبيت 
هذه الأخلاق والواجبات الإسلاميّة في المجتمع كان يواجه العقائد الخاطئة للناس» ويحارب 
الأحاسيس الجاهليّة ورواسب الأخلاق غير الإسلاميّة ويواجههاء ويُعطي المجتمع شحنات» 
ويوارس في المناسبات وبأسلوب مناسب الصفة والأخلاق والأسلوب الحسن بشكل كامل» 
وإذا أراد أي مجتمع أن يتطوّر وأنْ يوجد الأخلاق الإسلاميّة الصحيحة في محيطهه فإنّه يحتاج 
إلى هذا الأسلوب)(17) 

وعلى هذا الأساس يفسر ما ورد في القرآن الكريم من اعتبار [التزكية] دورا من أدوار 
رسول الله يه فيقول:(ولعل المقصود من التزكية التي ذُكرت في عدّة آيات قرآنية» بتعبير 
يرَكيهم] بعد عبارة [يُعَلّمُّهُمُ] أو قبلهاء لعلّ المقصود في هذه الاآيات هو هذاء أي تنقية وتطهير 
وتزيين الناس» كالطبيب الذي لا يكتفي بتوصية مريضه أنْ يفعل كذا وكذاء بل يضعه في مكانٍ 
خاصٌء ويُعطيه ما يلزمه من دواء وعلاج. ويُخرج منه ما يضرٌّه. هكذا كان وضع النبيّ الأكرم 
يه وهذا أسلوبه طوال ثلاثة وعشرين عاماً من نبوّتهه وخصوصاً خلال السنوات العشر الَّني 
عاشها في المدينة ومرحلة حكم الإسلام وتشكيل الحكومة الإسلامية) 7) 

وانطلاقا من ذلك كله. القيم الأخلاقية عنده تنتظم في أمرين: 

أولما مراعاة أحكام الشريعة» لأنها من يضع المعايير الأخلاقية وحدودها وموازينهاء 
وليس الأهواء البشرية التي قد تخلط بين الخلق الحسن والخلق السيء. 

والثاني: مراعاة الإخلاص والصدق والتجرد لله والبعد عن الرياء والعجب والغرور 
والأخلاق البراغماتية التي تنطلق من المصالح. 

وسنشرح كلا المعنيين في المطلبين التاليين: 


.75١ حديث الولاية»ج اءص‎ )١( 


(0) المرجع السابق» ج 7.ص 5١‏ 5. 


300 


١‏ مراعاة أحكام الشريعة ودورها ني إصلاح الأخلاق: 

بناء على كون المقصد الأعلى من الشريعة الإسلامية تحقيق الأخلاق في الواقع الإسلامي 
الفردي والاجتماعي» والسيامي والاقتصاديء بل في كل مجالات الحياة؛ فإن رعاية الشريعة» 
وعدم تجاوز حدودها هو الكفيل وحده بتحقيق المسلم المتخلق, والمجتمع المتخلق, والسياسي 
المتخلق, وهكذا لا تمس الشريعة شيئا إلا وأضفت عليه محاسن الأخلاق» وجميل الآداب, ىا 
قال رسول الله َي : (إنم| بعثت لأتهم مكارم الأخلاق)(2 

ولهذا لم تكن عقوبة الذنوب قاصرة على تلك السيئات التي تنال الواقعين فيهاء وإن| 
عقوبتها الأكبر في تلك الأخلاق السيئة التي تغرسها في المرتكب لهاء وقد تصبح ملكة فيه 
يصعب عليه الانفكاك منها. 

وبا أن التقوى هي الحجاب الأكبر الذي يحول بين المؤمن والوقوع في الذنب» كانت 
هي الوسيلة الأكبر لتحصيل الأخلاق الطيبة» الظاهرة منها والباطنة. 

ولهذا نجد قادة الثورة الإسلامية يركزون في كل المحال على الدعوة للتقوى. لا الفردية 
وحدهاء وإنا الاجتتاعية والسياسية وفي كل مجحالات الحياة» ومن كلمات القائد ا حالي للثورة 
الإسلامي السيد علي الخامنئي قوله في تحديد مفهوم التقوى. ودورها في حياة المؤمن: (معنى 
التتقوى هو أنْ يؤدّي الإنسان جميع التكاليف التي أمره الله تعالى بأدائهاء أنْ يودي الواجبات 
ويترك المحرّمات. تلك هي أولى مراتب التقوى. لذا لا بد من معرفة المحرّمات الإلهيّة والابتعاد 
عنها وعدم الحوم حوهها. وعندما يتم ترسيخ روحيّة التققوى وتسليم القلب لله والتعامل مع الله 
وذكر الله والتوجّه والدعاء والتوكل في قلب هذا الشابٌ التعبويٌ المؤمن الجامعيٌ أو طالب 


العلم أو من أيٍّ فئةٍ ومدينة وقرية كان عندها سيّمثْلون الصف المرصوص والقويّ الذي تعجز 


)69489( "م1١ رواه أحمد ؟/‎ )١( 


امنا 


عن هزه أي قرّة في العا. وهو الضامن لتقدّم أهداف الإسلام والثورة)17) 

وهو يذكر كل حين بآن التقوى هي الوصفة الربانية التي لا ينال المؤمن ثوابها في الآخرة 
فقطء بل ينال ثوابها في الدنيا قبل ذلك» يقول الخامنئي: (إِنَّ التقوى» هذا العامل العظيمء تؤثّر 
في جميع ميادين الحياة. لاحظوا القرآن كم أكثر من الحديث عن التقوى» ليس فقط عندما 
تموتون وتنتقلون إلى العااً الآخر ستنالون الأجر من الله» كلا فالتّقوى تُدير الحياة في هذه 
النشأة» صحيح أن الحياة في هذه النشأة هي التي تصنع تلك النشأة. لكنْ ترك التقوى يجعل 
الإنسان غافلاء والغفلة تلطم رأس الإنسان بالأرض)70) 

وانطلاقا من هذا يتحدث عن آثار التقوى الاجتاعية» ودورها في تقدم المجتمع 
وتحضره. فيقول: (إذا انّصف الشعب أو الفرد بالتّقوى» فستأتيه كل خيرات الدنيا والآخرة. 
فائدة التقوى لا تنحصر في كسب رضا الله ونيل الحئة الإلهيّة يوم القيامة» فالإنسان المتقي يجد 
فائدة التّقوى في الدنيا أيضاً فالمجتمع المتّقي. والمجتمع الذي يختار طريق الله بدقة» ويتحرّك 
في هذا الطريق بدقة» فسينال نِعّم الله في الدنيا أيضاء وسينال العزّة الدنيويّة أيضاء وسيلهمه الله 
العلم والمعرفة بشؤون الدنيا أيضاً. والمجتمع الذي يتحرّك في طريق التّقوى يكون جوّه سالاً 
ومفعماً بالمحبّة والتعاون والتنسيق بين أفراده)(© 

ويضرب لهم المثل بتأثير الذنوب حتى لو كانت صغيرة في حصول الحزيمة؛ ومن ذلك 
والمقعن ل منرفة قلع بلقو ل ةكيك القعلة الدج الاقباة؟ عدا مرك الخد عون 
الانتتصار إلى هزيمة بسبب التقصير الجماعيّ للمسلمين. أي أنْ المسلمين انتصروا في البداية» 
لكنٌّ الرماة الّذِين يُفترض أن يبقوا عند شق الجبل ليحفظوا ظهر الجبهة من التفوذ والتسثّل» 


..777 حديث الولاية» ج 48» ص‎ )١( 
..751١7” زفق المرجع السابق» ج كياصض‎ 


(*) أخلاق ومعنويت (فارسى)؛. ص .١١5‏ 


ا 





طمعوا بالغنائم وتركوا متاريسهم وتوجّهوا نحو الساحة, فالتفٌ العدوٌ من الخلف ونقذ 
كجوبة فق اللتلد كانت سريب ادو ذلك وه قدت عكر أن افا عت اله 
مرخ سووة آل عمران عو قمكة المرينة للف لآن المتلمين كانوا بعشو افنطرانا شديداً 
بسبب تلك الهزيمة» وكانت ثقيلة عليهم كثيرا فجاءت آيات القرآن تلك لتهبهم الاطمئنان 
وتهديهم» ولتفهمهم سبب هزيمتهم وسبب ذلك الضعفه إلى أن يصل إلى الآية الشريفة: ( 
إن الَّذِينَ توَلَوَا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْحمْعَانِ إِنَّا اسْترَطُمْ الشَّيْطَانُ بَعْض ما كَسَبُوا وَلَقَد عَمَا الله 
عَنْهُمْ إن ال عَمُودٌ خلِية 14ل عمراق: 168]» أي :ما رايتهوء في معركة أخد.من استدبار 
بعضكم للعدوٌ وتسبّب بالهزيمة كانت له أسبابه ومقدّماته» فكان هؤلاء يُعانون من ضعفي 
داخليٌ فقد أزههُم الشيطان بمساعدة الأعمال التي كانوا قد ارتكبوها من قبل» أي إِنّْ ذنوبهم 
السابقة قد تظهر آثارها في الجبهة» في الجبهة العسكريّة أو السياسيّة أو عند مواجهة العدوٌ أو 
عند ممارسة البناء أو في ممارسة التعليم والتربية» وحيث تجب الاستقامة» وحيث يجب الفهم 
والإدراك الدقيق» وحيث يجب أنْ يكون الإنسان كالفولاذ يقطع ويتقدّم ولا تقف الموانع 
بوجهه. طبعاً تلك هي الذنوب التي لم تمحها التوبة النصوح والاستغفار الحقيقيٌ) 00 

ولهذا يخاطب المسؤولين كل حين من موقع مسؤوليته كولي عليهم بالدرجة الأولى؛ 
يحذرهم من أن تحيق بهم أمثال تلك الهزائم بسبب تقصيرهم في تحقيق التقوى؛ فيقول: (أين| 
كنتم» ومهما كان عملكم, وأيّة مسؤولية تحمّلتم» وأيّ شأن من الشؤون الاجتاعيّة كان لكم» 
يجب أنْ تنصبٌ همّتكم في الدرجة الأولى على نيل رضا الله وأداء التكليف الإلميّء وذلك هو 
التتقوىء فالتّقوى هي أنْ تُقدموا على أداء التكليف وتحترزوا من الانحراف والضياع. إذا وجد 
فيكم هذا الحسٌء وبذلتم الحمّة والسعي» وخطوتم أوّل خطوة» فسيعينكم الله تعالى في الخطوة 


دلق المرجع السابق» ص .١١5‏ 


للا 


التالية)172) 

ويخبرهم عن التقوى وأنها الكفيلة بكل انتصار ونجاح يحققونه» فيقول: (كلّما علت 
مناصبنا احتجنا إلى التّقوى أكثر. والتّقوى هي التي تنصر الإنسان في ساحة الجهاد أيضاً. 
والتّقوى هي التي نصرتكم في ساحة المواجهة مع الاستكبار وخلال سنوات الثورة حتى 
اتتصرتم في مثل هذه الأيّام من عام ١1414‏ م. لقد انتصرتم بتقوى ذلك القائد الذي لا يهتمٌ 
أبداً إلا بالأوامر الإلهيّة والتكليف الشرعيٌ وبتقوى كل واحد منكم يا أبناء الشعب الّذين 
تخلّيتم عن أهوائكم ومصالحكم الشخصيّة من أجل الله)0) 

ويذكرهم بها حصل هم أيام الثورة حين تحققت فيهم التقوى؛ فمن الله عليهم 
بالاتتصارء يقول: (تذكرون في تلك الأيّام كيف توجّهت القلوب كلها باتجاه الهدف المقدّس. 
م يذكر أحدٌ نفسهء لم يُفَكّر أحدٌّ باكتناز المال» لم يُفَكّر أحدٌ بزيادة ثروته» لم يُفكّر أحدٌّ بعملٍ أو 
منصبء ل يُفَكّر أحدٌ باستباق الآخرين بل كلّ واحدٍ كان يُفكّر في تكليفه الشرعيّ والإسلاميٌ 
والثوريّ فيؤدّيه» علينا أن نقوم اليوم بذلك أيضاً)0») 

وعندما يحلل ما حصل للغرب من مآس وانحراف عن الإنسانية والقيم المرتبطة بهاء 
يجعل سبب ذلك في هجر التقوى» وعدم التزامهم بهاء يقول: (التقوى هي مفتاح السعادة 
الدنيويّة والأخرويّة» إِنَّ البشريّة الضائعة التي تن من أنواع الصعاب والآلام الشخصيّة 
والاجتاعيّة» تعاني من سياط عدم التّقوى والغفلة وعدم الالتفات والغرق في وحول 
الشبهوات التي أعذاك هها. فالمجتمعات المتخلّفة أمرها معلوم؛ لكنْ المجتمعات المتقدّمة التي 


تحسٌ بالسعادة في بعض نواحي حياتها بسبب تنبّهها ويقظتها في بعض شؤون حياتهاء تُعان 


)020( المرجع السابق» ص5١١.‏ 
0( المرجع السابق» ص5١١.‏ 


إفرفق المرجع السابق» ص7١ ١‏ 


كن 





أيضاً من الفراغ ومن النقص المميت الذي يُعبّر عنه الكتّاب والخطباء والفئانون بائة طريقة 
وتعبير)(1) 

وهكذا نرى الخميني في وصيته. وعند حديثه في البند السابع من بنود الوصية عن 
السياسة الداخلية والأحزاب والانتخابات والمبادئ التي تحكمهاء يقول: (من الأمور 
الضرورية أيضاً تدين نواب مجلس الشورى الاسلامي» فقد رأينا جميعاً أيّة إضرار محزنة لحقت 
بالإسلام وبإيران نتيجة عدم صلاحية مجلس الشورى وانحرافه منذ الفترة التي تلت النهضة 
الدستورية وحتى عهد النظام البهلوي المجرم» والتي كان سواها وأخطرها عهد ذلك النظام 
الفاسد المفروض. يالها من مصائب وخسائر مدمرة حلت بالبلاد والشعب على أيدي هؤلاء 
العبيد التافهين المجرمين, لقد أدى وجود أكثرية مصطنعة مقابل أقلية مظلومة خلال الخمسين 
عاماً الأخيرة ‏ من العهد البائد . إلى تمكن إنجلترا والاتحاد السوفيتي وأمريكا بعد ذلك من تمرير 
كل ما أرادوه على أيدي هؤلاء المنحرفين الغافلين عن الله ثما جر البلاد الى حافة الدمار 
والانبيار. فمنذ ما تلا ا حركة الدستورية لم يطبق شيء تقريباً من مواد الدستور الأساسية؛ وقد 
تم ذلك قبل عهد رضا خان عبر المأمورين للغرب وحفنة من الباشوات والإقطاعيين» وعبر 
النظام السفاك وحواشي البلاط وأزلامه في عهد النظام البهلوي)(» 

وبناء على هذه التجربة القاسية التي ذكرها الخميني. والتي مرت بها إيران دعا إل 
التشدد في اختيار النوابء والاهتتام بالتزامهم الديني والأخلاقي حتى لا يخترقهم العدوى 
ويمرر مشاريعه التدميرية من خلالهم» يقول في ذلك: (أما الآن» وحيث أصبح مصير البلاد ‏ 
وبلطف الله وعنايته وهمة الشعب العظيم ‏ بأيد المواطنين أنفسهم» حيث أصبح النواب منبثقين 
من سواد الجاهير يتم انتخابهم لمجلس الشورى الإسلامي دون تدخل الحكومة أو الباشوات» 


)١(‏ خطاب ألقاه خلال لقائه بقادة قوات حرس الثورة الإسلاميّة /١19(‏ 9/ 1990 م) 


(١‏ صحيفة الإمام» ج ارح ص: ا 


فإن المؤمل أن يحول التزامهم بالإسلام وحرصهم على مصالح البلاد دون وقوع أي انحراف. 
لذا فإني أوصي أبناء الشعب أن يصوتوا في كل دورة انتخابية . حاضراً ومستقبلاً ‏ لصالح 
المرشحين الملتزمين بالإسلام والجمهورية الإسلامية انطلاقاً من إرادتهم الصلبة والتزامهم 
بأحكام الإسلام وحرصهم على مصالح البلاد) 2 

ثم ذكر أن العادة جارية بأن أمثال هؤلاء لا يكونون من الطبقة المترفة المستغرقة في الدنياء 
بل يكونون من عامة الناس» وهم لذلك أكثر احتكاكا بهم وأكثر إحساسا بحاجاتهم» يقول: 
(ولا شك أن مثل هؤلاء المرشحين يكونوا غالباً من الطبقات الاجتباعية الوسطى ومن بين 
المحرومين غير المنحرفين عن الصراط المستقيم نحو الغرب أو الشرقء ومن غير الميالين نحو 
المدارس العقائدية المنحرفة» ومن المتعلمين المطلعين على مجريات الامور المعاصرة والسياسات 
الإسلامية) 90) 

 ”‏ مراعاة الإخلاص ودوره في إصلاح الأخلاق: 

يعتبر الإخلاص وما يلزم عنه من التجرد والصدق ركنا أساسيا لا يمكن أن تقوم 
الأخلاق من دونه» ذلك أن المرائي والمعجب والمغرور مهما فعل من خصال يظل أسير رؤية 
الناس له أو أسير رؤيته لنفسه. بينا المخلص ينطلق منه الخلق بسهولة ويسرء وفي الخلوة 
والجلوة» وفي كل الأحوالء بل لا يشعر أصلا به» لأنه فطري وبديبي عنده؛ وليس فيه أدنى 

ولهذا نرى قادة الثورة الإسلامية يركزون في خطبهم لعامة الشعب على الإخلاص؛ لأنه 
لا يمكن أن تقوم دولة من دون إخلاص أهلهاء ولا يمكن أن تستقيم علاقات المجتمع من 
دون أن يكون الإخلاص هو المحرك الدافع لها. 


دلق المرجع السابق» ج ء)ص: لا 


زفق المرجع السابق» ج ١ء)ص:‏ ا 


ومن الآمثلة على ذلك ما ذكره الخميني في خطاب عام له ألقاه على القوات المسلحة 
وغيرها بعد انتصاراتها على الحرب الموجهة على الجمهورية الإسلامية الإيرانية: (لا تتوقعوا 
انتم أمها المقاتلون أن أكون أنا أو أي شخص آخر قادرا على تكريمكم. فالله هو الذي اشتراكم» 
حيث قدمتم كل ما تملكون حتى الروح وهي أغلى ما تملكون في سبيل الله» سواء منكم من 
استشهد ولقي الله أن شاء الله أو أنتم الموجودون هناء لقد حققتم أمرين ولا يستطيع أحد من 
البشر أن يكرمكم على ذلك الأول هو أنكم وضعتم أعظم ما تملكون وهو ا حياة على طبق 
الإخلاصء والآخر هو أنكم قدمتم هذه الهدية مخلصين؛ فالأساس هو الإخلاص الذي تجلى 
فيكمء وبهذا الإخلاص والإيثار ضمنتم الجمهورية الإسلامية» فالانتصارات التي تحققت على 
أيديكم خصوصا في الفتح المبين» لا يمكن قياسها بأي معيار كان» ولا يستطيع أي لسان أن 
يعبر عنها ويصفهاء لكن الأهم من كل هذا هو صدقكم وإخلاصكم عند الله تعالى» فالإيثار 
إخلاصا أهم من كل شيء عند الله)20 

ويضرب لهم المثل على قيمة الإخلاص ودوره الجوهري ني أي عمل من الأعمال 
الصا حة بها ورد في قوله تعالى: #وَيُطْعِمُونَ الطّعَامَ عَلَ حُيّهِ مشكيئًا وَيَتِيا وَأسِيرًا () إِنَّا 
تُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله لا نُرِيدٌ مِنْكُمْ جَرَاء وََا شّكُورًا () إِنا نَخَافٌ مِنْ رَبنايَوْمّا عبُوسًا قَمُطَرِيرًا 
* [الإنسان: م ]٠١-‏ 

ويعلق عليها بقوله: (فالإطعام في حد ذاته ليس شيئا مهماء خاصة عندما يكون بقرص 
من خبز الشعير» بل المهم أن يكون ذلك (على حبه)؛ فالإخلاص والحب اللذان تملكانه| لها 
القيمة عند الله تعالى» ولا يستطيع أحد وصفههماء لأنكم تضحون بأرواحكم, وهناك الكثيرون 
يفعلون ذلك في أمور منحرفة» فالعمل واحد في الشكل لكن المعنى والفحوى يختلفان» والمعيار 


دلق المرجع السابق» ج5١‏ ص: ١59‏ . 


اليه 


هو فحوى العمل وليس شكله) © 

. وهكذا يضرب لهم المثل ببطولات الإمام علي» ومواقفه في الإسلام؛ فيقول: (السيف 
الذي جرده الإمام علي» وضرب به ذلك الشخص وقتله. هو ما يقع في كل مكان وقد فعل 
ذلك كثير من الناس ويفعلون. والقيمة ليست هناء بل القيمة هي ما كانت في قلب علي أبي 
طالب وما كان يدور في ذهنه ودرجة الإخلاص الذي كان في عمله.. إن درجة الإخلاص هي 
التي جعلت تلك الضربة أفضل من عبادة الثقلين» أي عبادة الإنس والجن) (7) 

ثم يدعوهم إلى المحافظة على نعمة الإخلاص التي لا تعدهها أي نعمة» لأن جزاءها عند 
الله أعظم الجزاء؛ فيقول: (يا أعزائي حافظوا على هذه النعمة التي منحكم الله إياها وغيركم 
بفضله الذاتي وبيد غيبية وجعلكم مخلصين لذاته يضحون بكل ما عندهم وبأرواحهم في سبيل 


5 د هلد شير تومه اماماي ووه 21 يون ارك و ا 1 ار ره د 2 
الله إن الله اشترَى مِنَ المؤْمِنِينَ أَنْفْسَهُمْ وَأَمْوَاهُمْ بأن هُمْ الجنة يُقَاتَلُونَ في سَبيل الله فيقتلون 


- 


لع 


و 


وَيُفتَلُونَ وَعْدَا عََيْهِ حَمَا في التَّوْرَاةٍ وَالْإِنْجِيلٍ وَالْفَرْآنِ وَمَنْ أَوْقَ بعَهْدِهِ مِنَ الله فَاسْتَبْشِرُوا 
ببَنِعِكُمُ الَّذِي بَايَْتُمْ به وَدَلِكَ هُوَ الَْْرُالْعَظِيمْ4 [التوبة: »]١١١‏ فالجنة التي منحكم المشتري 
ليست كالجنة التي يعطيها للآخرين» وأرجو أن تكون هذه الجنة جنة اللقاء» وأرجو أن 
يستضيفكم المشتري عنده» حيث أن أولياء الله في الدار الآخرة لا يرجون غير الله حيث 


يصرفون النظر عن نعم الجنة» ويرغبون في لقاء الحق تعالى» وأنتم حيث تضحون بأرواحكم 


4 


وتتوجهون إلى ساحات الحرب ببدف الشهادة وتدافعون عن الإسلام وتزرعون اليأس في 
الدول الطامعة في هذا البلد» إن| تقومون بعمل قيم ونفيس جداء لكن الأفضل من ذلك هو 
إخلاصكم وإيثاركم في سبيل الله فهو أسمى من كل قيمة لكم. ولا يمكن قياس هذا الإيثار 


دلق المرجع السابق» ج5١‏ ص: ١59‏ . 


زفق المرجع السابق» ج1١.‏ ص: ١6‏ 


وه 


والإخلاص في ميزان عالم الغيب بل يقاس ويعرف عند الله تعالى) )١(‏ 

وهكذا نراه في حديثه مع الععال والطلبة والمسؤولين وكل الجهات يدعوهم إلى 
الإخلاصء والتوجه بصدق لله» وعدم انتظار أي جزاء من أحد, لأن المكاسب الحقيقية لا 
تتحقق إلا لمن صدق مع الله» وقصد وجهه الكريم. 

وهكذا نرى خليفته الولي الفقيه المعاصر السيد علي الخامنئي لا يدع مناسبة إلا ويذكر 
فيها بالإخلاصء ومن ذلك قوله ني التعريف بالإخلاص وبيان الآثار التي يحدثها في الواقع: 
(الإخلاص هو أنْ يؤدّي الإنسان عمله لله ومحبّةٌ في أداء الواجبء وأنْ لا يعمل الإنسان من 
أجل هوى النفسء ولتحصيل المال والثروة» ونيل المنصب والسمعة وحكم التاريخ والدوافع 
النفسيّة» وإشباع صفة الحسد والطمع والحرص والزيادة» بل أنْ يؤدَّي واجبه لله ولأداء 
الواجب محضاًء هذا هو معنى الإخلاصء وهكذا يتقدّم العمل. إن مثل هذا العمل كالسيف 
البتّار يُزِيل كلّ الموانع عن طريقه. والإمام الخميني كان مجهّزاً بهذا السلاح؛ حيث قالها عدّة 
مرّات: إن لن أغضُ الطرف عن أقرب المقرَّبِين إليّ إذا خطوا خطوة خلافاً للحقٌ» وهكذا كان 
حقاً وقد أظهر في المواقع الحسّاسة أن المهمٌ بالنسبة إليه هو أداء الواجبء لقد أظهر ذلك في 
العلن وفي الوحدة» وفي الأعمال الكبيرة والصغيرة» وأضحى فعله ذاك درساً لمريديه وأبنائه 
وتلامذته. مما جعلهم يسطّرون المعاجز في جبهات الحرب بهذا السلاح نفسه)0© 

ويبين لهم أن أهم مظهر للإخلاص الحقيقي أن يتجرد الشخص من نفسه وكل أهوائهاء 
وأن لا يقصد من العمل إلا الله» حتى لو نسبت أعماله وكل جهوده لغيره» فهو لا يبالي لأنه ل 
يرد بها إلا الله تعالى» ويحكي في ذلك أنه قرأ عن بعض كبار أهل السلوك والمعرفة في رسالة له 


دلق المرجع السابق» ج1١.‏ ص: .١6‏ 
(؟) توجيهات أخلاقية (ص: 77)» والمخنطاب ألقاه خلال الاجتماع الكبير لقوات التعبئة الشعبية بذكرى تشكيلها (0؟/ 


الاو . 


1 





قوله: (لو افترضنا محالاً أنَ جميع الأعمال التي قام بها نبي الإسلام المكرّم يِه والتي كان ينوي 
القيام بهاء كان عليه أن يؤدّيها باسم أحدٍ آخر فهل كان نبي الإسلام سيسخط من ذلك؟ وهل 
كان سيرفض القيام بها لأمّها ستتمٌ باسم غيره؟ هل كان الأمر كذلك؟ أم أنَّ هدفه كان أَنْ تتم 
تلك الأعمال» وليس مهنا بأيٌّ اسم ستتمٌ؟ إذاً فالهدف هو المهمّ» أمّا الشخص و<أنا) و(نفسي) 
فليست مهمّة عند الإنسان المخلصء فلديه الإخلاص ولديه الاعتماد على الله ويعلم أنْ الله 
تعالى سيغلّبٍ هذا الهدف. لأنّه قال: لوَإِنَ جُنْدَنَا ُمْ لْخَلُِونَ4 [الصافات: 107] » وكثير 
من هؤلاء الجنود الغالبين يسقطون شهداء في ساحة الجهاد ويرحلون» ورغم ذلك قال: #وَإِنَ 
جُنْدَنَا كُمُ الْعَالِمُونَ4 » فالغلبة لهم رغم ذلك) 0 

وهو يذكر في مواطن كثيرة أن كل ما تحقق لإيران من انتصارات على أعدائها الذين 
اجتمعوا عليها يريدون سحقها لم يتحقق لولا إكسير الإخلاص والصدق الذي تحلى به أبناء 
الشعب الإيراني؛ فصبروا على الحصارء وقدموا كل شيء من أجل الدفاع عن وطنهم؛ فيقول: 
(بلطف الله وبسبب جهاد الجاهير وإي|نهم وإخلاصهم فقد فشلت جميع الحسابات الدولية. 
هذا هو فعل الله وإلآ فمن الذي قام بذلك؟ أنتم؟ وهل هناك من يُمكنه أنْ يذّعي أَنّه قام 
بذلك؟ كلاء لا أحد يُمكنه ذلك. إِنْ الحركة المخلصة والجهاديّة للجميع هي التي فعلت ذلك. 
كما أن انتصار الثورة الإسلاميّة ليس لأحدٍ ما أنْ ينسبه لنفسه. والإمام الخميني بعظمته 
وامخطقه قاد ات التقارها اذ قاذةمعاضرة العال وله جل تلن فق اناه كته 
ينسب النصر لنفسه أبداً. وإذا دققنا في الأمر لوجدنا أن الأمر كذلك. لأنّه كان يُشْكّل في الحقيقة 
وسيلة إِهيّة للناس. فحركة الناس العظيمة والإخلاص والتضحيات أدّت إلى الانتصار هنا.. 
فالقدرة الإلهيّة طريقها الإخلاص. عليكم أنْ تخطوا هذه الخطوة بالإخلاص والتسامح 
والوحدة والأخوّة ولا يتحرّك أحدّ لنيل السلطة» وليتحرّك الجميع في سبيل الله وأنْ تكون 


)١(‏ توجيهات أخلاقية (ص: 38). والمخطاب ألقاه خلال لقائه بأعضاء الحرس والتعبئة (75/ 1998/١١‏ م) 


6 


النيّة لله في كل عمل» فإِنُْ أضحت الأمور هكذاء فإنَّ الله تعالى سيُبارك هذه الخطوة ويجعلها على 
أفضل وجه)(7) 

وبناء على هذا يذكر أن الإخلاص هو الترياق الذي تحل به المشاكل» وتفتح به كل 
الأبواب» وتصد به كل ا هجمات» يقول: (علاج كل مشاكلنا هو الإخلاص. فإِنْ كان هناك 
إخلاص فستزول كل الأمور الّتي تؤذي حالياً نظامنا ومجتمعناء فالإخلاص في العمل سيؤدّي 
إلى تعميق الوحدة)7") 

وهو يبين أن أعظم المكاسب التي تحققت في إيران بعد الثورة ليس ذلك الوقوف في وجه 
أعدائهاء ولا تحكمها في وضعهاء وسيرها التصاعدي نحو التطور في جميع المجالات» وإنا في 
بناء الإنسان» وتوفير عنصر الإخلاص فيهء يقول: (لله الحمد. فإنْ نسبة كبيرة من هذه المعايير 
موجودة في بلدناء ومن الأفضل أنْ نتطوّر في هذا المجال» فالبلد الذي يمتلك هذه الخصائص» 
من طالبه الجامعيٌ إلى تاجره ومتنوّره وعالمه ودولته» وبهكذا إيهان ودافع ووحدة» فلن تتمكن 
لا أمريكا ولاعشر قوى كأمريكا أنْ تنال من شعرة من رأس أحد أبنائه في مواجهتها وعدوانها 
على مثل هذا الشعب في ساحة السياسة الدوليّة)20) 

هذه بعض النماذج عن خطابات وبيانات قادة الثورة الإسلامية في دور الإخلاص في 
تحقيق جميع المكاسب الدنيوية والأخروية» وعلى جميع الأصعدة الشخصية والاجتاعية 
والسياسية والعسكرية» وكل المجالات. 

وهي تبين لنا قيمة وجود الولي الفقيه في الدولة» فهو لا يقوم فقط بدور المراقبة» ولا سن 
القوانين» ولا التحكم في المئؤسسات المختلقة» وإن| يقوم قبل ذلك وبعده بدور الأب الناصح» 


إبلق حديث الولاية» ج 1 ص 0. 


(0) المرجع السابق» ج 4 ص ..١199٠‏ 
("؟) من بيانه بمناسبة اليوم العالميّ لمقاومة الاستكبار العالميّ 1997/0١ /٠(‏ م. 


605 





والشيخ المربي» والداعية المهادي» وهي أدوار لا يمكن أن يقوم بها أي سيامي في الدنيا. 
ولذلك فإن قيمة الولي الفقيه تتجاوز بكثير الدور السيامي» فهو ليس إلا جزءا بسيطا 

من وظائفه؛ فوظيفته الحقيقية هي الإشراف الكل على كل ما في الدولة ابتداء من أفرادها 

بتربيتهم وتوجيههم وإصلاحهم. وانتهاء بالإشراف على كل المؤسسات بنصحها وتوجيهها 


الفصل السابع 
ولاية الفقيه.. والقيم الحضارية 


مثل| رأينا الاختلاف الشديد في مفهوم الجمهورية» والحرية» والأخوة» والمساواقق 
وغيرها من المفاهيم في الفصول السابقة» بين رؤية نظام ولاية الفقيه» وغيره من الأنظمة؛ 
فسنرى في هذا الفصل نفس هذا الاختلاف في مفهوم الحضارة» والقيم المرتبطة بها. 

ذلك أن نظام ولاية الفقيه» يحاول الجمع بين المادة والروح» وبين الدين والحياة» وبين 
الفرد والمجتمع» بخلاف سائر الأنظمة التي تركز على المادة المجردة عن الروحء أو الحياة 
المجردة عن الدينء أو الفرد المجرد عن المجتمع» أو المجتمع المجرد عن الفرد. 

ولهذا نلاحط التنافر الشديد بين النظام الإيراني» والأنظمة الغربية؛ فلا هو يتقبلهاء ولا 
هي تتقبله» بل إنها لا تكتفي بعدم تقبله» وإنم| تستعمل كل الوسائل لحربه وتشويهه» وتستعمل 
كل أدواتها لتحقيق ذلكء لاعتقادها أن انتشار نموذجه سيقضي عليها تماماء لأنه يمسك بكل 
ما تحن إليه البشرية من قيم» من غير أن يفرط في مكتسبات الحضارة الحديثة. 

وهو كذلك يستعمل الوسائل التي تعود عليها لإقناع جماهير شعبه. أو المقتنعين بمبادثه» 
بأن هذه الحضارة حضارة عرجاء عمياء» تتكئ على المادة وحدهاء وتهمل الروح؛ ولذلك لا 
يمكن أن يرجى منها خير» ولا يمكن أن تتشرف بتخليص البشرية» وكيف تخلصهاء وهي 
نفسها تحتاج إلى من يخلصها. 

وقد أشار إلى هذه المعاني السيد علي الخامنئي» فقال: (دعوتنا هي إيجاد حضارة تستند 
إلى المعنويات» وتعتمد على الله وعلى الوحي الإلحي وعلى التعليم الربّاني والهداية الإلهية. فلو 
استطاعت الشعوب الإسلامية اليوم - حيث إن الكثير من هذه الشعوب بحمد الله استيقظ 


ونمض - أن تؤسّس مثل هذه الحضارة. فإِنْ البشرية ستصبح سعيدةً. وهذا ما تدعو إليه 
الجمهورية الإسلامية والثورة الإسلامية. إِنْنا بصدد مثل هذه الحضارة)(1) 

وهو يذكر دائما أن من أهداف الثورة الإسلامية الكبرى تحقيق الحضارة الإسلامية 
بصيغة جديد في الواقع» متوافقة مع الإسلام المحمدي الأصيل» لتكون نموذجا للبشرية: يدها 
على الحداية» ويخلصها من آفات الحضارة الغربية» يقول: (لو أخذنا التقدّم من جميع الأبعاد 
بمعنى بناء الحضارة الإسلاميّة الجديدة ‏ ففي النهاية يوجد مصداقٌ عينيٌ وخارجيّ للتقدّم 
وفق المفهوم الإسلاميّ هنا سنقول إِنْ هدف شعب إيران» وهدف الثورة الإسلاميّة» هو عبارة 
عن إيجاد حضارة إسلامية جديدة)7") 

ويبين المرتكزات التي تقوم عليها هذه الحضارة الجديدة» فيذكر أنها تقوم على 
ركيزتين20: 

أولاهما: تتعلّق بالأداة والوسيلة» ويقصد منها (تلك القيم التي نطرحها اليوم تحت 
عنوان تطوّر البلد: العلم» والاختراع» والصّناعة» والسياسة» والاقتصاد, والاقتدار السياسيٌ 
والعسكريّء والشأنيّة الدولية» والإعلام وأدواته» فكل ذلك هو من قسم أداة الحضارة 
ووشيلتي)27) 

وهو يذكر أن إيران لم تقصر ني تطورها ني هذه الجوانب» بحسب الوسائل والزمن 
المتاح» يقول: زلقد جرت أعمالٌ كثيرة وجيّدة» سواء في المجال السياميٌ أو العلميّ أو القضايا 
الاجتاعيّة» وفي مجال الاختراعات» وما شابه إلى ما شاء الله على مستوى البلد ككل. ففي هذا 
القسم المتعلّق بالأداة والوسيلة» حصل تطوّرٌ جيّدٌ في البلاد بالرغم من كل الضغوط والحظر 

.7 ص57‎ 7١١7 خطابات الخامنئي‎ )١( 
.444 (؟) المرجع السابق» ص‎ 


إفرفق المرجع السابق» ص55 5 . 


2( المرجع السابق» ص55 5 . 


6 


21١7 وأمثاله)‎ 

وثانيها: تتعلق بالمضمون والأساس والأصلء ويعتبرها الركيزة الحقيقية للحضارة» 
فيقول: (أَما القسم الحقيقيٌّ فهو تلك الأمور التي تشكل مضمون حياتناء وهو نمط الحياة التي 
تحدثنا عنه. فهذا هو القسم الحقيقيّ والأساسيٌ للحضارة» كقضيّة الأسرة» ونمط الزواج» 
ونوع المسكن واللباس ونمط الاستهلاكء ونوعيّة الغذاء والطبخ والترفيه» ومسألة الخطّء 
واللغة» وقضيّة التكسّب والعمل» وسلوكنا في محل العمل والجامعة وفي المدرسة» وفي النشاط 
السياسيّ وفي الرياضة. وني الإعلام الخاضع لإرادتناء وفي سلوكنا مع الأب والأم ومع الزوج 
والأبناء ومع الرئيس والمرؤوس والشرطة والعامل الحكوميّ» وفي أسفارنا ونظافتنا وطهارتنا 
وسلوكنا مع الصديق والعدؤٌ والأجنبيّ» فكل هذه ترتبط بالقسم الأساميّ للحضارة التي تمثّل 
صلب حياة الإنسان) 29) 

وهو يذكر أن أحكام الشريعة تنطوي على كل ما يرتبط بهذا القسمء وتفي به» وبكل ما 
يحتاجه من تفاصيل» يقول: (إِنْ الحضارة الإسلاميّة الجديدة ‏ ذاك الشيء الذي نريد التطرّق 
إليه ‏ في قسمها الأساميّ تتشكل من هذه الأمور؛ فهذه هي المضامين الأساسيّة للحياة» وهذا 
هو الشيء الذي يُعبّر عنه في المصطلح الإسلاميّ ب [العقل المعاش("©]؛ فالعقل المُعاش لا 
ينحصر بتحصيل المال وإنفاقه وكيفيّة تأمينه وصرفه؛ كلاء فكل هذه السّاحة الواسعة التي 
ذكرت تعد من العقل ا معاشنء وتوجد ف كتزنا الروائية الأضيلة والمهمّة أبواث تحت عنوان 


[كتاب العشرة] فكتاب العشرة يتناول هذه الأمور. وفي القرآن الكريم نفسه توجد آياتٌ كثيرة 


.590 المرجع السابق» ص‎ )١( 

(7) المرجع السابق» ص 490. 

() ويراد به: حسن التدبير وإتقان العمل والحكمة في ابتغاء الوسيلة والتصرّف وفق مقتضيات العقل والحكمة؛ كا رد في نمج 
البلاغة: أوحى الله إلى داود عليه السلام: (إذا رأيت عاقلاً فكن له خادماً) 


5٠ 


ناظرة إلى هذه الأمور) (1) 

وهو يستعمل الأساليب المعاصرة في شرح هذا المعنى» فيذكر أن هذا القسم يشبه قسم 
البرمجيّات (50461/306) في عالم الكمبيوترء أما القسم الأوّلء فيرتبط بالأجهزة والآدوات» 
وهو لذلك يشبه القسم الصلب فيها (ع631010/36) 

وبناء على هذا التشبيه المبسط والبليغ في نفس الوقت يذكر أن التحضر يقتضي كلا 
الركيزتين» وإن كانت حاجته إلى الركيزة الثانية أكبر» ذلك أنه كما يذكر ‏ (لو أنّنا لم نتقدّم في 
هذا القسم المتعلّق بمتن الحياة» فإِنْ كل أنواع التطوّر التي حقّقناها في القسم الأوّل لا يمكنها 
أن تنقذناء ولا يمكنها أن تمنحنا الأمن والطمأنينة النفسيّة» ى| لاحظتم كيف أنّْها لم تتمكن من 
ذلك في الغرب. فهناك توجد الكآبة واليأس والإحباط والدمار الداخلّ وانعدام أمن الناس 
في المجتمع وفي الأسرة» واللاهدفيّة والعبثيّة بالرغم من وجود الثروة والقنبلة النوويّة والأنواع 
المختلفة للتطوّر العلميّ» والقوّة العسكريّة. فأساس القضيّة هو أن نتمكن من إصلاح الحياة 
في جوهرها ومضمونهاء وإصلاح هذا القسم الأساسيّ للحضارة) 9) 

وهو على عكس ما أشاد به من تطور في الأساس المادي من الحضارة في إيران» يرى أن 
الأساس الثاني يحتاج إلى المزيد من الجهد باعتباره أصعب الجوانبء وأهمهاء يقول: (بالتأكيد. 
لم يكن تطوّرنا في الثورة في هذا المجال تطوّراً ملحوظاً؛ فلم يكن تمحرّكنا في هذا المجال مشابهاً 
للتحدّك الذي حصل في القسم الأوّل» فلم نتطوّر) © 

ولذلك يدعو إلى معالجة الأسباب والعقبات التي تحول دون تحقيق الجانب الثاني؛ 


فيقول: (يجب علينا أن نحدّد الآفات»؛ فلاذا لم نتطوّر في هذا القسم؟ .. وبعد كشف العلل 


قرف المرجع السابق» ص 50 5 . 


١١ 





والأسباب ننهض لتناول كيفيّة معالجة هذه الأمور. فعلى من تقع هذه المهامٌ؟ إِنّها تقع على عاتق 
النخب ‏ النخب الفكريّة والسياسيّة ‏ وعلى عاتقكم وعلى عاتق الشباب. فلو وجد في بيئتنا 
الاجتماعيّة الخطاب الناظر إلى رفع الآفات في هذا المجال» يمكن الاطمئنان إلى أنّنا سنحقق 
تقدّماً جيّداً في هذا القسمء بالنظر إلى النُشاط الموجود في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة وفي شعب 
إيران» والاستعداد الحاصل. حينها سيصبح تألّق شعب إيران وانتشار الفكر الإسلاميّ لشعب 
إيران والثورة الإسلاميّة الإيرانيّة في العالم أسهل. يجب علينا أن نحدّد الآفات وبعدها نقوم 
بالعلاج) 00 

وبذلك فإن الحضارة ‏ كى| يتصورها قادة الثورة الإسلامية ‏ تقوم على جناحين: جناح 
العلماء والباحثين والتقنيين» وجناح الفقهاء والفلاسفة والمفكرين.. فكلاهما له دوره الكبير في 
هذه الحضارة. 

والأمر يشبه في ذلك نظام الولي الفقيه نفسه. والذي يعتمد على الحكومة الإلهية» ىا 
يعتمد في نفس الوقت على الجمهورية» والقابلية الشعبية. 

ويذكر الأصناف التي يمكن أن تؤدي دورها ني رعاية الجانب الروحي من الحضارة» 
فيقول: (النخب مسؤولونء وكذلك الحوزة والجامعة والوسائتل الإعلاميّة والمنابر المختلفة 
ومديرو الكثير من الأجهزة» وخصوصاً الأجهزة العاملة في المجال الثقاّ والتربية والتعليم. 
وأولئك الذين يخطّطون للجامعات أو المدارس في المجال التعليمي هم مسؤولون في هذا 
المجال. والذين يحدّدون المناهج التعليميّة ومخططات الكتب الدراسيّة. هم أيضاً مسؤولون. 
فكلّ هذه تثّل مسؤوليةَ واحدةً ملقاة على عاتق الجْمِيع. يجب علينا أن نستنفر جميعاً ونعلي 


الصوت. في هذا المجال يجب علينا أن نعمل وأن نتحرّك) 20 


دلق المرجع السابق» ص15 5. 


0( المرجع السابق» ص95 5 . 


دده 


وردا على ما يذكره المغرضون الذين يريدون عزل الدين عن الحياة» وعزل القيم عن 
الحضارة» يذكر أنه لا يمكن أن تقوم أي حضارة من دون أيديولوجياء حتى لو كانت 
أيديولويجا مادية» يقول: (لا يوجد أيّ شعب يدعو إلى بناء حضارة» يمكنه أن يتحرّك من دون 
أيديولوجيًا. ول يحدث مثل هذا سابقاً. لا يوجد أيّ شعب يمكن أن يكون صانعاً للحضارة 
من دون أن يكون ممتلكاً لأيّ فكر أو أيديولوجيًا أومذهب. تلك الأمور التي تشاهدونها اليوم؛ 
والتي أوجدت الحضارة المادّية في العالم» إِنَّ)ا تحققت من خلال الأيديولوجيّاء وقد صرّحوا 
بذلك وقالوا نحن شيوعيّون» وقالوا نحن رأساليّون» وقالوا نحن نعتقد بالاقتصاد الرأسالي» 
وطرحوه واعتقدوا به وسعوا نحوه. بالطبع لقد تحمّلوا المتاعب ودفعوا الأثمان. فدون امتلاك 
مذهب أو فكر أو إيمان» وبدون السعي من أجله والإنفاق عليه لا يمكن صناعة الحضارة) 217 

وبذلك يذكر أنه على من يريد أن يبني حضارة جديدة أن يمتلك قبل ذلك أيديولوجيا 
صحيحة وقوية ومبتكرة يمكنه أن يجعلها أساسا لتحضره. ذلك أنه لا يمكن أن تقوم حضارة 
شعب يعتمد على غيره. أو يقلد غيره تقليدا مذلاء يقول: (بالطبع» بعض الدّول مقلّدة» إذ أخذ 
من الغرب ومن صنّاع الحضارة المادَيّة شيئاً وشكّل حياته على أساسه. أجلء إِنّ هؤلاء من 
الممكن أن يصلوا إلى بعض أنواع التقدّم, وإلى تقدّم شكيَ وسطحيّء ولكنّهم مقلّدون وليسوا 
صنّاع حضارة» فهم فاقدون للجذور وعرضة للآفات. فلو حصل إعصارٌ ما نّم سيزولون 
لآئّم فاقدون للجذور. وبالإضافة إلى أَئّم بنوا أعمالهم على التقليد» والتقليد سيطيح مهم» فهم 
سينالون» بعض منافع الحضارة المادَيّة الغربيّة دون أن يكون الكثير منها من نصيبهم» لكنّْ جميع 
آفاتها وأضرارها ستكون من نصيبهم. أنا لا أريد أن آني على ذكر أساء الدول. هناك بعض 
الدول التي يطرحها بعض مثقفينا كنماذج تحتذى في النموٌ الاقتصاديّ في كلماتهم وكتاباتهم. 
أجل؛ من الممكن أتِم قد حصلوا على صناعة» وحمّقوا تقدّما في مجالٍ ماديّ أو في مجالٍ علميّ 


دلق المرجع السابق» ص59 5 . 


وداحف 


وصناعيٌ» لكنّهم مقلّدون أَوَّلآه وقد وُسمت جباههم بمذلّة التقليد وشينه. وبالإضافة إلى 
هذاء فإِئّهم يعانون من جميع آفات الحضارة الماديّة للغرب» ولكنهم فاقدون لأكثر منافعها. 
واليوم نرى الحضارة الماديّة الغربيّة تظهر ما أوجدته من مشاكل للبشريّة ولأتباعها)(© 

وهو يقصد ببذا أولئك الذين ينفرون من الدين» ويتصورون أنه حجاب دون تحقيق 
الحضارة» أو يختصرون دورهم في الشؤون البسيطة التي لا علاقة لها بالحياة» يقول: (في يومنا 
هذا وفي البيئات الثقافيّة» يوجد أشخاصٌ يحذّروننا من الشعارات الدينيّة بأشكالٍ وطرق 
مختلفة» ويشككون بمرحلة ذروة الشعارات الدينيّة التي حصلت في السنوات العشر التي تلت 
الثورة» وهم اليوم يوهمون أنفسهم بشأن تكرار الشعارات الدينيّة والشعارات الثوريّة 
والإسلاميّة» ويريدون أن يلقوا هذه الأوهام في قلوب الآخرين ويقولون: أبّها السيّد إِنَ هذا 
مكلفٌ وموجعٌ للرأسء ويستتبع الحظر والتهديدات. وإذا أحسنا الظّنّ بهم نقول إِثهم لم 
يطالعوا التاريخ؛ فلو كانوا قد قرأوا التاريخ» واطّلعوا على ما جرى وما بدأت به الحضارات 
وانطلقت منه. ومنها هذه الحضارة الماديّة الغربيّة التي تريد اليوم أن تسيطر على العالم» لما قالوا 
مثل هذه الكلام)0") 

وهو يحذر هؤلاء الدعاة التنويريون أو الحداثيون من الآفات التي تعترضهم» وتعترض 
هذا الصنف المشوه من الحضارة؛ فيقول: (إِنْ المجتمع دون مبادئ ودون مذهب ودون إيان 
يمكن أن يصل إلى الثروة والقدرة» لكنّه عندما يبلغهم فإنّه يصبح حيواناً شبعانَ ومقتدراً. ون 
قيمة الإنسان الجائع هي أهمٌّ من الحيوان الشبعان؛ فالإسلام لا يريد هذاء الإسلام يؤيّد 
الإنسان الذي يحوز على أمور وهو مقتدر وهو شاكرٌ وعبدٌ لله» فيمرغ جبهة العبودية بالتراب. 


الإنسانيّة والاقتدار والعبوديّة لله. هذا ما يريده الإسلام. يريد أن يصنع نودو تجن 


دلق المرجع السابق» ص59 5 . 


زفق المرجع السابق» ص .6٠٠١‏ 


أنموذجاً لصناعة الإنسان) 227 

وهو يذكرهم بالعولمة التي تمارسها الحضارة الغربية التي يدعون إليها؛ فهي تستعمل 
كل الوسائل للقضاء على هويات الشعوب, وتخليصها من القيم التي تحكمهاء وأحسن مثال 
على ذلك كم يذكر هو ما حصل للشعوب التي رضيت لنفسها أن تصير تابعة ذليلة للغرب» 
يقول: (إِنَّ تقليد الغرب بالنسبة للدّول التي استحسنت هذا التقليد لنفسها وعملت به لم يعد 
عليها إِلّا بالضرر والفاجعة» بها في ذلك الدّول التي وصلت بحسب الظاهر إلى الصناعات 
والاختراعات والثروة لكنّها كانت مقلّدة. والسبب هو أن ثقافة الغرب هي ثقافة هجوميّة. 
هذه الثقافة هي ثقافةٌ لإبادة الثقافات. فأينم) جاء الغربيّون أبادوا الثقافات المحلَيّة واجتنّوا 
الأسس الاجتاعيّة» وغيّروا تاريخ الشعوب ولغاتها وحروفها (خطوطها) ما استطاعوا) 7) 

وهو يضرب امثل على ذلك با فعله الإنكليز الذين حيث) حلوا (بذلوا لغة الناس المحليّة 
إلى الإنكليزيّة» وإذا وُجدت اللغة المناسبة» فإِئّهم كانوا يجتثونها من الجذور. ففي شبه القارّة 
الهنديّة كانت اللغة الفارسيّة هي اللغة الرسميّة لعدة قرون.. إلى أن جاء الإنكليز ومنعوا اللغة 
الفارسيّة بالقوة في الهند» وروجوا للغة الإنكليزية) 29 

وهكذا ‏ كما يذكر ‏ فعل الفرنسيّون حين راحوا هم أيضاً يفرضون اللغة الفرنسيّة في كل 
الدول التي كانت تحت استعمارهمء ومثلهم البرتغاليُون وا مهولنديُّون والإسبانيُون» (فأين) 
ذهبوا فرضوا لغاتهم» وهذا ما يمكن تسميته بالثقافة المجوميّة. لهذاء فإنْ ثقافة الغرب 
هجوميّة: أين| استطاعواء اجتثوا أسس الثقافات والعقائد) ©) 

وهي بالإضافة إلى هجومياتها وهيمنتها واجتثاثها لهويات الشعوب. حضارة مادية) 

.50١ص المرجع السابق»‎ )١( 
.5١0١ص المرجع السابق»‎ )( 


2 المرجع السابق» ص” ٠‏ 6. 
)2( المرجع السابق» ص” ٠‏ 6. 


66 


(تجعل الأذهان والآفكار مادّيّة» وتنمّي النزعة المادّية» وتجعل المال والثروة هدف الحياة» وتجتث 
المبادئ السامية والقيم المعنويّة والرقيّ الروحيّ من الأذهان)17) 

ونتيجة لذلك لا تراعي هذه الحضارة القيم الدينية والأخلاقية» فهي ‏ كما يذكر ‏ تجعل 
(المعصيّة أمراًعاديّا وكذلك الآثام الجنسيّة» وقد جلب هذا الوضع في يومنا هذا العار للغرب. 
في البداية» كان الأمر في إنكلتراء ثم انتقل إلى بعض الدّول الأخرى وأمريكا. فأصبحت هذه 
المعصية الكبرى المتعلّقة بالشذوذ الجسيّ قيمةً» ويتمٌ الاعتراض على السياميّ الفلانيّ لأنّه 
يخالف الشذوذ أو يعارض الشاذين! انظروا إلى أين يصل الانحطاط الأخلاقيٌ» هذه هي 
الثقافة الغربيّة. كذلك هناك تفكّك الأسرة وانتشار المشروبات الكحوليّة والمخدّرات) 270 

بناء على هذاء نحاول في هذا الفصل ومن خلال ما طرحه قادة الثورة الإسلامية التعرف 
على القيم التي تقوم عليها الحضارة الجديدة التي دعوا إليهاء وذلك في المجالات السياسية 
والاقتصادية والتربوية والعلمية والفنية» باعتبارها أهم المجالات التي تظهر فيها القيم 
الحضارية. 

أولا ‏ الجانب السياسي وقيم الحضارة: 

رأينا في الفصول السابقة تصورات النظام الإيراني للجانب السيامي» ومدى 
استقلاليتها وتفردها عن كل أنظمة العالم في القديم والحديث؛ فهي تمزج بين الحاكمية الإطية 
مع الجمهورية والقابلية الشعبية» وتمزج بين الدعوة للحرية» في نفس الوقت الذي تدعو فيه إلى 
الانضباط والمسؤولية» وهكذا في كل الشؤون نرى تفردها وتميزها وإبداعهاء وهو أساس من 
الأسس التي تقوم عليها الحضارة» فالحضارة إبداع لا تقليد» ولا تبعية. 

وبالإضافة إلى ذلك كله؛ فإن أهم القيم الحضارية التي تحكم الجانب السياسي لدى 


إبلق المرجع السابق» ص5 .6٠‏ 


زفق المرجع السابق» ص ٠5‏ 6. 


615 


النظام الإيراني هي العدالة» ذلك أن العدالة بحسب ما تدل عليه النصوص المقدسة هي أساس 
الحكم» كما قال تعالى مخاطبا داود عليه السلام: 8 يَادَاوُودُ نا جَعَلْنَاكَ تَلِيمَة في الْأرْضٍ فَاحْكُمْ 
ييْنَ انا بالحيٌ وََا تع الى فَبْضِلكَ عَنْ سيل الله إن لين يَضِلُونَ عَنْ سبل الله كُمْ 
عَذَابٌ شَدِيدببَا تَسُوايوْمَ الْْسَابِ © [ص: 77] 

ولهذا نرى قادة الثورة الإسلامية يركزون في خطاباتهم على ضرورة العدل في كل 
المجالات» بل يدعون شعبهم إلى مراقبة كل حركة وقانون» ومحاسبة من يوارس أي جور أثناء 
أدائه لصلاحياته. 

ونحب في هذا المقام أن نقتبس بعض الأفكار والنصوص من محاضرة قيمة لمرشد الثورة 
الإسلامية ا حالي السيد علي الخامنئي ألقاها في الملتقى الثاني للأفكار الإستراتيجية» عام ١ 57١‏ 
هء والتي استهلها بذكر مدى اهتتام الأديان والنخبة المفكرة بالعدالة؛ فقال: (إحدى هذه 
النقاط أَنْ العدالة كانت همّاً دائياً للبشر عبر التاريخ. ونتيجة الشعور بالحاجة إلى العدالة التي 
عمت جميع الناس على مر التاريخ وإلى يومنا هذاء دخل مفكرو البشرية والفلاسفة والحكماء في 
هذه المقولة وأضحت مورد اهتمامهم. لهذا تمّ البحث بشأن العدالة والعدالة الاجتماعية من 
الأزمنة القديمة وإلى يومنا هذا بهذا المعنى العام» وقُدّمت النظريات» لكنّ دور الأديان كان 
دوراً استثنائياً. أي أن ما ذكرته الأديان عبر الأزمنة حول العدالة وأرادته واهتمّت به كان 
منقطع النظير واستثنائياً. ومثل هذا الاهتام الذي أولته الأديان لا نشاهده ني آراء الحكاء 
للم )200 

وهو يبين نتيجة لذلك أن العدالة هدف الأديان النهائي» على خلاف ما يعتقد دعاة 
العلمانية من اقتصار الأديان على الشعائر التعبدية» و الشؤون الشخصية. يقول معلقا على قوله 
تعالى: #الَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بالبيْنَاتِ وَأَنْرَلَْا مَعَهُمُ لْكِتَابَ وَاليرَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطٍ * 


.15١ص‎ 7١١١ خطابات الخامنئى‎ )١( 


/ااة 


[الحديد: 75]: (من المؤكّد أن هذه الآية تحكم بِأنْ هدف إرسال الرسل وإنزال الكتب وبجيء 
البيّنات هو القيام بالقسط؛ ولا شك بأنْ القيام بالقسط وكل ما يتعلّق بالحياة الدنيوية 
والاجتاعية والفردية للثاس» هو مقدّمة لذاك ادف المتعلّق بالخلق ##وَمَا حَلَقتٌ الْحنَّ 
وَالْإنْسَ إِلّا لِيَعبْدُونِ4 [الذاريات: 557 » أي العبودية» أي هدف الخلقة صيرورة الإنسان 
عبداً لله» حيث إِنْ هذه العبودية نفسها تُعدّ أعلى الكالات. إلا أنّه للوصول إلى ذاك الهدف» 
الذي هو هدف النبوّات وإرسال الرّسلء يحتاج إلى العدالة وبناء النظام) )١(‏ 

ويستدل لهذا بكون الأنبياء عليهم الصلاة والسلام | يصورهم القرآن الكريم ‏ كانوا 
دائما في صف المستضعفين والمظلومين» بخلاف أعدائهم الذين كانوا من الطواغيت والمترفين 
والملأ؛ كما قال تعالى: لإوَما أَرْسَلًْ في قَريَة من تذِير إلا َال مُثْرَفُوهَا نايا أَرْسِلتُمْ به كَافرُونَ» 
[سبأ: 5 ']» وقد علق عليها الخامنئي بقوله: (ف| نجد من نبي إلا وكان في مقابله مُترَفون وكان 
النبيّ يحاربهم» وهكذا كان حال الممسكين بالقدرة وأصحاب السلطة. والطاغوت له معنى 
يشمل جميع هؤلاء. لهذا فإِنَ الأنبياء كانوا دائياً إلى جانب المظلوم في الصراع بين الظالم والمظلوم؛ 
فكانوا ينزلون إلى الميدان من أجل العدالة وتحاربون؛ وهذا ما لا نظير له) 5 

ويقارن بين الدور الذي قام به الأنبياء وورثتهم في الدعوة للعدالة» والدور الذي قام به 
الفلاسفة والمفكرون, ويرى أن دور الفلاسفة والمفكرين أحقر بكثير» ذلك أن الأنبياء وورثتهم 
لم يكتفوا بالكلام» وإنا نزلوا للميدان» وضحوا بأنفسهم في سبيل ذلك» بخلاف غيرهم» 
يقول: لقد تحدّث الحكماء عن العدالة» ولكنهم في أوقات كثيرة كانوا مثل كثير من المفكرين 
المختلفين الذين يكتفون بالكلام ولكنهم لا ينزلون إلى الميدان عندما يحين دور العمل. وقد 
شاهدنا مثل هذا في مرحلة المواجهة [ضد الشاه] وأيضا شاهدناه بعد ذلك في مرحلة الدفاع 


دلق المرجع السابق» ص١16١.‏ 
زفق المرجع السابق» ص ؟165١.‏ 


18 


المقدّس. وهذا ما نشاهده تقريباً اليوم أيضاً. لم يكن الأنبياء هكذاء بل كانوا ينزلون إلى الميدان 
ويعرّضون أنفسهم للخطرء حتى أنه في الوقت الذي كانوا يقولون هم لماذا تقفون إلى جانب 
الطبقات المظلوفة#انفصضلواع: عنهم؛ كان الأنبياء يواجهوخهم. فالآية الشريفة» #وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ 
َزْدَرِي أَعَبنَكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمْ الله حَيْرًا الله أعْلّمْ بها في أَنْفْسِهمْ إن إِذَا ين الظَلمينَ4 [هود: ]"١‏ 
تتحرّث عن جواب النبي نوح لمعارضيه هي في هذا المجال أيضاً. لذاء فأولئك الذين كانوا 
محرومين من العدالة كانوا أوّل من يُوْمِن بالأنبياء أيضاً) )١(‏ 

وما ذكره الخامنئي هو نفس ما ذكره الخميني عند رده على الذين صوروا الثورة 
الإسلامية أنها ثار قام بها الشيوعيون وحصد ثارها الإسلاميونء أو قوهم بآن الدين أفيون 
الشعوبء, ولذلك كانت مواجهتة للشيوعية لا تقل عن مواجهته لل رأسمالية. 

ومن أقواله في ذلك: (إن شبابنا تُدعون بصورة عفوية دون الالتفات إلى ما يقوله هؤ لاء 
وماهو هدف المدرسة الشيوعية التي يعرفونها مثلًا! أن هدف هؤلاء إظهار الإسلام والمسلمين 
بصورة يرتد بها الشباب عن الإسلام! يظهرون الإسلام وكأنه جاء لسيطرة الأعيان والاشراف 
على رقاب الناس دون أن يعترضواء والحق لهم فهم لم يقرؤوا القرآن ليدركوا لماذا جاء الإسلام؛ 
ذلك أن الحجم الكبير من آيات القتال الواردة يشير إلى أن الإسلام قد أعلن حربه ضد هؤلاء 
الرأساليين والأعيان والملوك والسلاطينء لا أنه سايرهم ليسلبوا الناس)202) 

وراح يذكر الأمثلة الكثيرة التي اتفق على تدوينها المؤرخون؛ فقال: (لقد كان نبي 
الإسلام وأئمته وعلماؤه دائاً في نزاع مع سلاطين عصرهم. إن الذين كانوا ملوكاً باسم الخلفاء 
سجنوا الامام موسى بن جعفر عشر سنين أو خمس عشرة سنة» لماذا؟ هل لأنه كان يصلي؟ ! لقد 
كان هارون والمأمون يصليان أيضاًء وكانا يؤمّان صلاة الجمعة والجماعة! فهل قبضوا عليه لأنه 


020( المرجع السابق» ص ١97‏ . 


00( صحيفة الإمام» ج؟» ص: 19. 


من أحفاد النبي أو لأنه إمام؟! هل القضية هذه؟! كلاء بل لأن الامام موسى بن جعفر كان 
يخالف ذلك النظام الطاغوتي! وكانت معارضته له سبباً لمشاكله) )١(‏ 

وهكذا يذكر الكثير من الثورات التي حصلت في التاريخ» والتي قام مها العلماء 
والصا حونء والذين لم يقرأ عنهم الشيوعيون, وم يعرفوا التضحيات التي قدموهاء يقول: (كى| 
لدينا في عصرنا عدة ثورات قام بها العلماء. العلماء الذين يتتحدث عنهم اليساريون والمنحرفو 
بأخهم أعوان البلاط! ولاغرابة في ذلك فهم لم يدرسواء وليست آذانهم مفتوحة ليعلموا كم مرة 
ثار علماء الإسلام في عهد رضا شاه وعهد محمد رضا شاهء حيث كان يجتمع علماء أصفهان 
وآذربيجان ومشهد وقم ويُعلنون اعتراضهمء فهل كان أولئك من أعوان البلاط؟!)20) 

وهو يذكر أن أمثال هذه الدعايات التي تصور العلماء بصورة المخدرين للشعوب». 
والتي تعتمد على أفراد محدودين منحرفين عن الدين الصحيح دعايات مغرضة الحدف منها 
إبعاد الإسلام عن الحكم بحجة منافاته للعدالة» وهو يخاطب هؤّلاء بالدعوة إلى الرجوع إلى 
مصادر الدين وممثليه الحقيقيين» يقول: (انظروا إلى زعماء هذه المدارس الفكرية» فكيف كان 
يعيش الرسول #َيِ الذي جاء مبذه المدرسة؟! وكيف كان يعيش أمير المؤمنين علي خليفة 
الرسول يي الحق؟! شاهدوا حياته كيف كانت بالرغم من أن حكومته كانت تشمل رقعة 
واسعة تعادل عدة أضعاف إيران» من الحجاز إلى أقصى إفريقيا! وكيف كان يقضي يومه وكيف 
كان ليله وكيف كانت عبادته» وكيف كانت رعايته للناس وكيف كان مع الضعفاء؟! كان يحزن 
إذا ما أكل هو خبز الشعير خشية أن يكون هناك شخص على الحدود. وفي اليهامة» ليس لديه 
من الطعام ما يكفيه!)”) 


000 صحيفة الإمام» ج؟» ص: 19. 
زفق المرجع السابق» ج5» ص: 8ذظ 
هرف المرجع السابق» ج5» ص: 8ذظ 


ره 





ويقارن هذه المواقف ب) عليه حال زعماء الشيوعية الذين يكذبون على الناس حين 
يصو رون أنفسهم دعاة للعدالة؛ فيقول: (إن هؤلاء الرؤساء الذين خدعوكم مُتخمون من كثرة 
الأكل! فذلك قائد الصين الذي يدعي الشيوعيون أنه محبّ للإنسان وقائد الجماهير! حينم| دخل 
إيران قد مرّ فوق جماجم الناس وأشلاء قتلانا! فالشاه لم يتمكن من السير معه في الشوارع 
لايصاله إلى محل اقامته. لان الجاهير لم يسمحوا له بالمرور وسط تظاهراتهم وهتافاتهم الموت 
لفلان. لذا اضطر إلى نقله بالمروحية إلى محل اقامته. فمثل هذا الشخص الذي يقول: إننا 
شيوعيون واننا نفعل للجاهير كذا وكذاء يرى كل هذه الافواج من القتلى غير أنه يتتجاهل ذلك 
ويأتي ويضع يده بيد الشاه) 77 

ويذكر بعض ما عايشه من خداع الشيوعيين؛ فيقول: ( ما زلت اتذكر جيداً عندما جاء 
رؤساء الحلفاء إلى ايران» فقد جاء تشرشل بسيارته ووصل روزفلت في مراسم اعتيادية» غير 
أن ستالين جاء ببقرته كي لا يشرب حليباً غير حليبهاء هذا الذي يأتي ببقرته كانت جيوشه 
منتشرة في المناطق الايرانية المحاذية للاتحاد السوفيتي» وقد رأيت بنفسي في الطريق إلى خراسان 
كيف أن جنوده كانوا يأتون ويستجدون السجارة» وكيف أن وضعهم كان مزري للغاية) 7) 

ويخاطب المتأثرين بالشيوعية» والذين تصوروا أنها تطالب حقيقة بالعدالة قائلا: (أشهد 
الله أنهم يخدعونكم! إنهم خدعوا أبناءنا الذين جاءوا إلى الخارج» أن أولئك الافراد الذين 
يعيشون في إيران وأكثر الذين يعيشون هنا ليسوا بشيوعيينء إنهم من رجال الأمن» ولذلك 
رفعوا شعارات شيوعية في مقبرة بهشت زهراءء» وكشفهم الناس» وقالوا لهم أنتم جئتم من 
الأمن إلى هناء فطردوهمء يريدون ارسال جماعة من هؤلاء الموظفين إلى الجامعة أيضاًء ليرفعوا 


الشعارات الشيوعية ويرعبوا الناس! حتى يقولوا إذا ذهب (صاحب الخلالة») ستضطرب 


دلق المرجع السابق» ج4» ص: 8ذظ 
زفق المرجع السابق» ج5» ص: 8ذظ 


"١ 


الدنيا بعد ذلك! وتصبح إيران شيوعية! كلاء فإذا ذهب سيتحسن وضع إيران تحسناً كبيراًء 
ويكون قد ذهب من كان مسيئاً لإيران» وإيران تستطيع إدارة نفسها بنفسها!) (1) 

وبناء على هذا يصر جميع قادة الثورة الإسلامية على أن القائمين الحقيقيين بالثورة في 
إيران هم الإسلاميون» وذلك ردا على ما كان ينشره المغرضون ولا زالوا عن كون الثورة 
الإيرانية كانت شيوعية» تلاعب بها الإسلاميون» وحولوها إلى صفهم. 

يقول الخميني في خطاب طويل في بداية انتصار الثورة الإسلامية محذرا من تسلل 
الشيوعيين وغيرهم إليهاء ليحرفوها عن مسارها: (إن العلامة التي تعرفون بها الخارجين عن 
مسيركمء الخارجين عن مسير هذا الشعب الذي ضحى في سبيل الإسلام» هو أن تلاحظوا 
هؤلاء الذين قدموا دماءهم» شبابنا الذين نزلوا إلى الشوارع ونساءنا اللاتي نزلن إلى الشوارع 
وتظاهروا وقضوا بقبضاتهم المحكمة على هذا العدو القوي. لابد من ملاحظة هؤلاء وأنهم 
هل كانوا ديمقراطيين؟ هل كان مذهبهم وطريقهم ديمقراطياً؟ هل كانوا يريدون جمهورية مثل 
الجمهورية التي يريدها الاتحاد السوفييتي؟ هل كانوا يتطلعون إلى الجمهورية التي تريدها سائر 
الدول المعادية لنا؟ أمريكا جمهورية أيضاً. أن شعبنا الذي بذل دمه ونادى (الله أكبر)» ونادى 
(الجمهورية الإسلامية)» فهل هذه التضحية والفداء وبذل الدماء كانت بوحي في الإسلام؛ أم 
أن الأهداف التي يسعى إليها الاتحاد السوفييتي كانت هي الدافع؟ أم أن الذي دفعه لذلك هي 
تلك الأهداف التي تسعى إليها أمريكا؟ أم كانت أهداف إسرائيل هي المحرك؟ فهذه أيضاً 
جمهوريات)7) 

وذكر أن أهداف الثورة كانت واضحة منذ البداية» وأنها لم تتلاعب. ولم تخادع أحداء 


قال: (لقد أعلنت منذ البداية ورفعت صوت بأننا نريدهاتين الكلمتين (الجمهورية الإسلامية)» 


دلق المرجع السابق» ج5» ص: 7ع 
0( المرجع السابق» جلا ص: /737. 


5 


إذا رأيتم أهم قد أضافوا كلمة أخرى فاعلموا أن مسيرهم مخالف لمسيركم. حتى ولو وضعوا 
إلى جانبها كلمة الإسلامية فإنهم يريدون خداعكم. وإذا رأيتم أنهم قد أسقطوا كلمة وقالوا 
(الجمهورية) فاعلموا أن مسيرهم مخالف لمسيركم, إنهم يريدون استدراجكم إلى ما يخالف 
الإسلام. حتى لو فرضنا أخهم معارضين للنظام السابق ‏ وأكثرهم كذلك ‏ ولكن هدفنا لم يكن 
مجرد القضاء على النظام السابق. ليس هدف المسلم القضاء على الطائفة الفلانية مثلًا. لقد 
عارضنا النظام لأنه كان حائلًا دون تحقق الإسلام؛ دون تحقق أحكام الإسلام» دون العمل 
بالقرآن. لو أن النظام كان يعمل بأحكام الإسلام, لما كان هناك نزاع بيننا.. لقد بُذلت تلك 
الدماء لا من أجل القضاء على النظام فحسب وإنما من أجل تطبيق الإسلام. أن الهدف من 
إزالة الأنظمة الفاسدة» وقطع أيدي الأعداء هو أن تصبح إيران دولة إسلامية» حكومة 
إسلامية» وأن تكون سياساتها سياسة إسلامية. لو كان الهدف ينحصر فقط في إزالة الحكومة 
والنظام السابق ومجيء نظام آخر غير إسلامي؛ لكانت دماء شبابنا قد ذهبت هدراً. لأننا تكون 
نحن الذين قمنا مبذه الثورة وحطمنا هذا السد. فيا جاء الآخرون وحصدوا ثار تضحيات 
أبناء شعبنا)(1) 

ثم يصرح بقوة» بأن كل من ينادي بشعار غير شعار الإسلام» أو بعدالة غير عدالة 
الإسلام» فهو معاد للثورة الإسلامية» يقول: (إن عدونا لم يتمثل في محمد رضا خان فحسب» 
بل إن كل من لم يكن مسيره مسير الإسلام فهو عدو لنا مهما كان اسمه. كل من يطالب 
بالجمهورية بمعزل عن الإسلام فهو عدو لنا لأنه عدو للإسلام. كل من يضع إلى جانب 
الجمهورية الإسلامية كلمة الديمقراطية فهو عدو لنا. كل من ينادي بالجمهورية الديمقراطية 
فهو عدولناء لأنه لا يريد الإسلام. إننا نريد الإسلام. لقد قدّمنا كل هذه التضحيات» وخاض 


شبابنا كل هذا الصراع وتحملوا المتاعب والآلام وبذلوا الدماء. لأنهم ينشدون الإسلام. إن 


دلق المرجع السابق» جلا ص: ار 


رضحه 


الذي دفع ببذه الثورة إلى الأمام هو ذاك الذي كان يقول: إنني أرى الشهادة فوزاً عظياً. هل 
كان يرى الشهاة فوزاً للديمقراطية؟ هل يرى الإنسان الشهادة فوزاً لليسار أو لليمين؟ هل كان 
شبابنا يطالبون بالجمهورية على نسق ما موجود في الاتحاد السوفيبتي» هل كانوا ينشدون 
الجمهورية التي يريدها الشيوعيون ولذلك كانوا ينادون بها تبعاًلهم؟! هل قدّمنا الدماء من 
أجل تلك الجمهورية؟! هل بذلنا الدماء من أجل جمهورية غربية؟! لقد بذلنا الدماء من أجل 
الإسلام. بذل شبابنا الدماء من أجل الإسلام. أنتم أيها الشباب الذين قدمتم من مكان بعيده 
تجشمتم عناء السفر وجتتم إلى هناء هل جئتم لتلتقوا مع ديمقراطي؟! لتلتقوا مع من يميل إلى 
الاتحاد السوفييتي؟! لتلتقوا مع أمريكي؟! بريطاني؟! آم جتتم لتلتقوا مع المسلم؟ لتلتقوا مع 
من يدعو إلى الإسلام؟ تحملتم كل هذه المشقة لتلتقوا مع روسي؟! لتلتقوا مع بريطاني؟! لتلتقوا 
مع ألماني؟! إنكم لم تأتوا إلى هنا من أجل ذلكء لقد جئتم إلى شخص تكون آلامه الامكم. إننا 
جميعاً ننشد الإسلام. لابد من الانتباه إلى ذلك والتعرف على علائمه التي ذكرتها. مايريده هو 
ماتريدونه. يجب أن تعرفوه» وعلامته هي هذه التي ذكرتها)(22 

وهكذا كانت القيم الإسلامية في المجال السياسي هي الحاكمة منذ البداية على مسيرة 
الثورة الإسلامية وتصوراتهاء فهي لم تخلط معها لا شرقا ولا غرباء ولم تتبن أي فكر يكون 
منافسا أو بديلا عن الفكر الإسلامي الأصيلء يقول الخميني: (إن مسيرهم غير مسيرنا. إن 
مسيرنا الإسلام؛ إننا نريد الإسلام. فنحن لانريد الحرية التي لا إسلام فيها. إننا لا نريد 
الإستقلال الذي لا إسلام فيه» إننا نريد الإسلام. إننا نريد الحرية في ظل الإسلام» ونريد 
الاستقلال ني ظل الإسلام. ماذا تفيدنا الحرية والاستقلال إذا كانتا بمعزل عن الإسلام؟ عندما 
لا يكون الإسلام مطروحاًء وعندما لا يكون نبي الإسلام مطروحاًء عندما لا يكون قرآن 
الإسلام مطروحاًء فلو كان هناك ألف لون للحرية فإننا لا نريدهاء فالدول الأخرى عندها 


دلق المرجع السابق» جلا ص: ار 


حريات أيضاً)7١)‏ 

ويقول محذرا: (إنهم يريدون تأسيس دولة غربية لكم فتكونون أحراراً وتكونون 
مستقلين أيضاًء ولكن على أن لا يكون الله مطروحاًء ولا النبي» ولا إمام العصرء ولا القرآن. 
ولا أحكام الله ولا الصلاة» ولا أي شيء آخر. هل تعتبرون الشهادة فوزاً لكم لتكونوا مثل 
السويدء أم أنكم تنشدون القرآن؟ لقد نمضتم من أجل الإسلام. إن كل هذه المعاناة والمشقة 
التي تحملها ويتحملها علماء الدين إنما هي من أجل الإسلام. أين| قالوا (الجمهورية) فاعلموا 
أن هناك مؤامرة حيث لم يذكروا اسم الإسلام. أين| قالوا (الجمهورية الديمقراطية) فاعلموا 
أن هناك مؤامرة » واعلموا أنهم يريدونها من دون الإسلام؛ الحرية من دون الإسلام 
الاستقلال من دون الإسلام)7) 

ويؤكد الخامنئي بعد سنوات طويلة من هذا الخطاب الصريح الذي ألقاه الخميني على 
أن الثورة الإسلامية حافظت على أصالتهاء وعلى القيم التي جاء بها الإسلام, ولم تتبن أي منهج 
آخر بل إنها تسير في مسار تصاعدي لتحقيق ذلك بصورة ترفع الواقع إلى المستوى الإسلامي 
بعيدا عن كل التوجهات. 

يقول في ذلك: (نَ العدالة في ثورتنا الإسلامية التي كانت حركة دينية كانت بشكل 
طبيعي في موقع متاز» والآن هي كذلك. وهذه الموقعية المميّرّة مشهودة في الشعارات الشعبية» 
وفي الدستورء وفي كلمات الإمام الراحلء وفي الخطابات المقطعية» وفي الأزمنة المختلفة» وفي 
المواقف المختلفة التي أعلنتها الجمهورية الإسلامية)(© 


وهو يؤكد مثلم| فعل الخميني على أن مفهوم في العدالة الذي تتبناه الجمهورية الإسلامية 


دلق المرجع السابق» جلا ص: 379 7. 
زفق المرجع السابق» جلا صص: ا 
زفرف خطابات الخامنئى ١١‏ ”"» صضص”67١1.‏ 


رده 





ليس هو بالضرورة ذلك المفهوم الذي يتبناه الغربء. لآأن الغرب له تصوراته الخاصة المبنية على 
الفلسفة المادية التي تعزل الدين» ولا ترى له أي أثر في توجيه ا حياة» يقول: (إِنْ توجّه الرؤية 
الإسلامية إلى العدالة يختلف مع توجّه النْظّم والنظريات الغربية. ففي الإسلام تنشأ العدالة من 
الحق» بالإضافة إلى هذا يوجد في العدالة الوجوبء أي أن التوجّه نحو العدالة في الإسلام يُعدَ 
وظيفة إهية» في حين أن الأمر في المذاهب الغربية ليس كذلك. في المذاهب الغربية تُطرح العدالة 
بأشكالٍ مختلفة؛ ففي الاشتراكية تطرح بنحوء وفي الليبرالية بنحو آخر مع كل التطوّرات 
والأشكال المختلفة هذه المذاهب. وفي جميع هذه المذاهب لم يكن النظر إلى العدالة نظراً بنيوياً 
وأساسياً ومبنياً على القيم الأصولية كى| هو الحال في الدين والإسلام)17) 

هذه بعض تصورات قادة الثورة الإسلامية لمفهوم العدالة والقيم المرتبطة بهاء والمصادر 
التي تستند إليهاء وعلى أساس هذا المفهوم قامت التشريعات والقوانين في النظام الإيراني» 
والتي لم تستند للشرقء ولا للغربء وإنم| استندت للشريعة الإسلامية» كى| رأينا بعضها في 
الفصول السابقة» ورأينا تلك الضجة التي تثار عليها كل حينء والتي لا يبالي بها النظام 
الإيراني» لآنه يعلم أن تلك الضجة ليس لها من هدف سوى تحويل الجمهورية الإسلامية 
الإيرانية إلى الجمهورية الديمقراطية الإيرانية» ومن ثم يتسلطون عليهاء مثلل) تسلطوا على كل 
الديمقراطيات في العالم. 

ثانيا ‏ الجانب الاقتصادي وقيم الحضارة: 

مثلا رأينا دفاع قادة الثورة الإسلامية عن العدالة وفق الرؤية الإسلامية» نراهم في 
الجانب الاقتصادي أيضا يتبنون نفس الرؤية؛ فهم لم يتبنوا منذ اليوم الأول بل قبله بكثير» أي 
نموذج للاقتصاد عدا نموذج الاقتصاد الإسلامي المبني على القيم الأخلاقية» وليس على 
الجشع الرأسإلي» ولا الاستبداد الشيوعي. 


دلق المرجع السابق» ص5 ١9‏ . 


ار 


يقول الخميني في وصيته السياسية: (من الأمور التي تستلزم التوصية والتذكير هي أن 
الإسلام لا يتفق مع نظام الرأسالية الظالم المتسيّبء والمؤدي إلى حرمان الجاهير المظلومة 
المسحوقة. بل يدينه بقوة في الكتاب والسنة» ويعتبره معارضا للعدالة الاجتماعية)(1) 

وهو يرد بشدة على بعض الفقهاءء وخصوصا السلفيين منهم ممن تميل مواقفهم 
وأطروحاتهم إلى النظام الاقتصادي الرأسإلي بإباحة الملكية المطلقة» يقول: (.. ورغم وجود 
بعض ذوي الفهم المنحرف. والجاهلين بطبيعة نظام الحكومة الإسلامية» وبالمسائل السياسية 
الموجودة في الإسلام» الذين كانوا ولا يزالون يوحون في أقوالهم وكتاباتهم أن الإسلام يؤيد 
الرأسمالية والملكية (الخاصة) دون حدّ أو حصرء وببذا الفهم المعوجّ عن الإسلام يغطّون على 
وجه الإسلام النيرّ» ويمهدون السبيل للمغرضين وأعداء الإسلام كي يطعنوا بالإسلام» 
ويعتبروه نظاماً كالنظام الرأسالي الغربي السائد في أميركا وبريطانيا وسائر البلدان الغربية 
الجشعة» هؤلاء (المغرضون) يستندون إلى أقوال وأفعال أولئك الجهلة عن قصد أو عن بلادة» 
ودون الرجوع إلى علماء الإسلام الحقيقيين» فيهبون لمعارضة الإسلام) 7") 

وهكذا يرد على الذين يصورون الاقتصاد الإسلامي بصورة النظام الشيوعي؛ فيقول: 
(ليس الإسلام أيضاً كالنظام الشيوعيء والماركسي اللينيني الذي ينفي الملكية الفردية» ويعلن 
مفهوم الاشتراك (في كل شيء) على اختلاف كبير بين هذا المفهوم في العصور القديمة والحديثة» 
والذي ينطوي على دكتاتورية واستبداد ساحق) 9) 

وفي مقابل ذلك يذكر أن النظام الاقتصادي الإسلامي (نظام متعادل يعترف بالملكية 
ويحترمها مع تحديد السبل الحصول على الثروة وسبل إنفاقها. ولو طبق هذا النظام حق التطبيق 


.7/١ وصية الإمام السياسية» ص‎ )١( 


إفرفق المرجع السابق» ص ./١‏ 


إفرفق المرجع السابق» ص .7١‏ 


/ة 





لأدى إلى دفع عجلة الاقتصاد السليم إلى الأمام» ولتحققت العدالة الاجتماعية التي يستلزمها 
أي نظام سليم) 20 

وبناء على هذا يرى أن النظام الإسلامي» تحت مظلة ولاية الفقيه» له من الصلاحيات 
ما يمكن أن يصحح الأوضاع في حال تحول الأغنياء إلى الثراء الفاحش الذي يهدد المجتمع 
بالطبقية» وخاصة إن كان ذلك الثراء قد حصل من طرق مختلطة» يقول: (الإسلام أكثر معرفة 
بالفقراء والمعوزين منه بالأثرياء والمترفين. وكما ذكرتم فإن هؤلاء أصحاب رؤوس الأموال 
الضخمة؛ انما جمعوا هذه الأموال من طرقٍ غير مشروعة؛ والإسلام لا يعترف رسمياً ببكذا 
أموال» فالأموال في الإسلام يجب أن تكون مشروعة ومحدودة بحب بحيث إن زادت عنه ورأى 
الحاكم الشرعي أو الولي الفقيه عدم صلاح ذلكء يمكنه أخذ هذا المقدار الزائد والتصرف به. 
فمن مهام ولاية الفقيه هي تحديد هذه الأمورء ولكن المؤسف أن مفكرينا لم يدركوا بعد حقيقة 
ولاية الفقيه. ففي نفس الوقت الذي اعتبر الشارع المقدس الملكية الشخصية حقاً محترماء ولكن 
أعطى الولي الفقيه الحق في تحديدها وإن كانت مشروعة» ومصادرة الباقي إذا ما اقتضت 
مصلحة الإسلام والمسلمين ذلك)7) 

وهكذا نرى الخميني يدعو الفقهاء والمفكرين والاقتصاديين إلى استنباط الحلول التي 
تحقق القيم الحضارية الإسلامية في المجال الاقتصادي في الواقع بعيدا عن كل التأثيرات 
الخارجية» معتمدين على الإسلام وحده. يقول: (إحدى المسائل المهمة الأخرى التي تقع على 
عاتق العلماء والفقهاء هي مواجهة الثقافة الاقتصادية المنحطة للشرق والغرب ومجابهة 
السياسات الاقتصادية لل رأسمالية والاشتراكية في المجتمع) 7" 


)020( المرجع السابق» ص .7(١‏ 
زفق صحيفة الإمام ج ٠‏ اءعص: 10 


زفرف المرجع السابق» ج ٠‏ 23 ص: ا 


0 





ويبين أن التبعية لأحد النظامين الرأسالي أو الشيوعي لن ينتج عنه إلا التبعية 
والاستعمار الاقتصادي» يقول: (إن استشرت هذه المصيبة وشملت جميع الشعوب في العالم ما 
يفرض عليهم عبودية جديدة» فالتحقت أغلب المجتمعات البشرية بأسيادها الظلمة في ال حياة 
اليومية» فسلب منهم حق اتخاذ القرار في الشؤون الاقتصادية» فعلى الرغم من امتلاكهم ثروات 
طبيعية غزيرة وأكثر الأراضي خصوبة في العالم ومياه وبحار وغابات واحتياطياً لاينضب من 
ذلك. ابتلوا بالفقر المدقع» سلب الشيوعيون والمموهون والرأساليون حق المبادرة من عامة 
الناس بإقامة العلاقات الحميمة مع المستكبرين» وأمسكوا عملا بزمام الاقتصاد العالمي 
بإحداث شركات احتكارية ومتعددة الجنسيات» وجعلوا جميع سبل التصدير والاستخراج 
والتوزيع والعرض والطلب بالاضافة الى التسعير والصناعة المصرفية تختص بهم وأوهموا 
الجماهير المحرومة عن طريق إيحاءاتهم ودراساتهم الملفقة بأنّه لاسبيل لهم إلا العيش تحت 
سيطرتهم أو الاستسلام للفقر مدى الحياة» وهذا مقتضى الخلقة للمجتمع الانساني» حيث 
يتضور أغلب الناس جوعاً وتصاب ثلة منهم بالتخمة من الافراط بالأكل) )١(‏ 

ثم يبين أن هذه الخدع التي يستعملها الغرب قصد السيطرة على الدول المتخلفة 
المستضعفة قد انطلى على أكثر بلاد العالم الإسلامي» والتي راحت تسلم نفسها للنظم الغربية» 
تاركة النظام الإسلامي الممتلئ بالعدالة» يقول: (على أية حال» تلك مصيبة فرضها المستكبرون 
على البشرية فآل المآل بالدول الاسلامية الى هذا الوضع المزري نتيجة ضعف الادارة والتبعية 
للغير» وهنا تبرز أهمية قيام العلماء والمحققين والمتخصصين الاسلاميين باستبدال النظام 
الاقتصادي المزيف السائد في العالم الاسلامي ببرنامج بناء ومتضمن لمصالح المحرومين 
والمضطهدين لإخراج المسلمين والمستضعفين من دائرة الفقر) (") 


دلق المرجع السابق» ج ٠‏ 23 ص: ا 


زفق المرجع السابق» ج ٠‏ 23 ص: ا 


وإضافة إلى هذه المفاهيم والقيم المرتبطة بالاقتصاد الإسلامي ‏ كما يتصوره الخميني ‏ 
نرى الخامنئي يعرض مفهوما جديدء أو قمية حضارية اقتصادية جديدة» يسميها [الاقتصاد 
المقاوم]ء وذلك بعد أن رأى الاستكبار العالمي» وبعد فشله في كل مخططاته في مواجهة النظام 
الإسلامي في إيران» راح يستعمل الحصار الاقتصادي وسيلة لذلك. 

وهذا الاقتصاد يعتمد بالدرجة الأولى على (دعم مختلف الوحدات الانتاجية» وتفضيل 
السلع والمنتجات المحلية على السلع الأجنبية في كل القطاعات, والحد من اعتماد الموازنة العامّة 
على الايرادات النفطية)17) 

ومن أحاديثه الداعية إليه» والمبينة لقيمته» ودوره في دحض كل المؤامرات الأجنبية» 
وتحقيق الرفاه والاستقلال الاقتصادي قوله: (كان هدف العدوٌ أن يركز على الاقتصاد لكي 
يصيب النموٌ الوطني بضربة» ويوجّه لطمة لحالة العمل والععالة من أجل أن يصاب الرفاه 
الوطني بالاختلال والخطرء ويقع الناس في المشاكل» ويضطربون وينفصلون عن النظام 
الإسلاميء .. وكان ملموساًء وبإمكان المرء أن يشاهد هذا الأمر. لقد قلت عام ١987‏ م: إِنْهم 
يلاحقون القضية الاقتصادية» وكان المرء بعدها قادراً على أن يستنتج أن هذه الشعارات المتعلّقة 
بكلّ عام» هي حلقات ضمن سلسلة تهدف إلى إيجاد منظومة كاملة في المجال الاقتصاديٌء أي 
ترشيد الاستهلاك» وقضية اجتناب الإسراف. وقضية الحمّة المضاعفة والعمل المضاعف. 
وقضية الجهاد الاقتصادي.. نحن لم نطرح هذه الأمور كشعارات عابرة» بل كانت أموراً 
بإمكانها أن توجّه وتنظّم الحركة العامّة للبلاد في المجال الاقتصاديء وكان بالإمكان أن تتقدّم 
بناء وعلينا أن نكمل هذا الطريق)(0) 


ويذكر أن الاقتصاد المقاوم هو الاقتصاد الأقرب للشعبء والأكثر خدمة لمصالحه. 


)١(‏ خطابات الخامنئى .7١ ١5‏ ص555). 


0( المرجع السابق» ص 719 7. 


6 


باعتباره اقتصادا شعبيا بالدرجة الأولى» يقول: (إِنْ للاقتصاد المقاوم مقتضيات. منها الاقتصاد 
الشعبي (جعله شعبياً) وهو يُعدَ من متطلّبات الاقتصاد المقاوم. وهذه السياسات التي تم 
الإعلان عنها في الدستور يمكنها أن تحدث تحوّلا ويجب القيام بهذا العمل. بالطبع» لقد تمّ 
إنجاز مجموعة من الأعمال» ويجب بذل المزيد من المساعي. يجب تقوية القطاع الخاصء ويجب 
العمل على تحفيز النشاط الاقتصادي. ويمكن للنظام المصرفي في البلد» والأجهزة الحكومية 
المختلفة وكذلك تلك الأجهزة ‏ كالسلطة التشريعية والسلطة القضائية ‏ أن تعين على ذلك» 
وتحفز الناس على النزول إلى هذا الميدان) (1) 

ومن مقتضيات الاقتصاد المقاوم -ى) يذكر ‏ (خفض الاعتماد على النفط, فهذا الاعتماد 
هو الإرث المشؤوم للقرن الأخير الذي مر عليناء فلو أنّنا استطعنا أن نستفيد من هذه الفرصة 
المتاحة اليوم» وسعينا لنستبدل النفط بالأنشطة الاقتصادية المنتجة الأخرى, لكنا قد أنجزنا 
أعظم حركة مهمّة في المجال الاقتصادي) (2) 

ومن أهم البدائل التي يطرحها الخامنئي عن الاعتماد على النفط بالإضافة إلى ما سبق» 
الاعتهاد على المعلوماتية» يقول: (في يومنا هذاء إِنْ الصناعات المعتمدة على العلم من الأمور 
التي يمكن أن تملا هذا الفراغ إلى د كبير. هناك الاستعدادات والطاقات المتنوّعة في هذا البلد 
التي يمكن أن تملا هذا الفراغ. فلنبذل همّتنا في هذا المجال» ونتجه نحو التقليل من هذه التبعية 
مهما أمكن) (7) 

ومن أركان الاقتصاد المقاوم | يشرحها الخامنئي في خطابه السابق ‏ ما يسميه [إدارة 


الاستهلاك]ء ويشرحه بقوله: (إنّ قضية إدارة الاستهلاك 0 من أركان الاقتصاد المقاوم. أي 


)020( المرجع السابق» ص 719 7. 
0( المرجع السابق» ص 719 7. 


إفرفق المرجع السابق» ص 719 7. 


١ 





الاستهلاك المتوازن والبعيد عن الإسراف والتبذير. فالأجهزة الحكومية وغير الحكومية» وكل 
أفراد هذا الشعبء والعائلات يجب أن يلتفتوا إلى هذه القضية» وهذا بحدّ ذاته جهاد, إن 
اجتناب الإسرافء ورعاية التوازن في الإنفاق هما بلا شك نشاطان جهاديان بوجه الأعداءء 
يمكن للمرء أن يدّعي أن لهذا الأمر أجر اللجهاد في سبيل الله) )١(‏ 

ومن أركان الاقتصاد المقاوم كما يذكر ‏ [الاستفادة من الإنتاج المحل ] ويدعو جميع 
أجهزة الدولة المرتبطة بالسلطات الثلاث إلى (أن تسعى لكي لا تستهلك أي مُنتج غير إيراني» 
فليعقدوا العزم على ذلك. وليفضّل أبناء شعبنا استهلاك المنتجات المحلّية على البضائع أو 
الماركات الأجنبية المعروفة - حيث إِنْ بعضهم يسعون وراء الماركات الأجنبية فقط لأجل 
اسمها ولأجل التفاخر والتظاهر في المجالات المختلفة؛ فليقم شعبنا بسدّ طريق استهلاك 
البضائع الأجنبية بأنفسهم) (2) 

ومن أركان الاقتصاد المقاوم -ى] يذكر ‏ الإجراءات المرتبطة بترشيد الاستهلاك» حتى 
لا يقع المواطن في التبذير المحرم» والمضر بالاقتصاد. ويضرب مثالا على ذلك بالحصص المتعلقة 
بالمحروقات» ويذكر أنه (لو لم يتم اعتماد نظام الخصص في البنزين لكان استهلاكنا لهذه المادّة 
قد تجاوز أكثر من مئة مليون ليتر في اليوم» لقد تمكّنوا من السيطرة على هذا الأمر وهو اليوم 
بمستوىّ مهم جداً. حتى أَنّه يجب العمل بطريقة لا نحتاج معها إلى الخارج) ©) 

وهو يذكر ‏ كمثال على جدوى الاقتصاد المقاومة في مواجهة المخططات الخارجية ‏ أن 
ترشيد استهلاك البنزين» قد حماه من الآثار التي حصلت بعد ذلك حين| (وضعوا الحظر على 
البنزين ضمن برناجهم. وقد أحبط الاقتصاد المقاوم ذلك. وكذلك فيه| يتعلّق بسائر الأمور 


)020( المرجع السابق» ص 719 7. 
0( المرجع السابق» ص 719 7. 


إفرفق المرجع السابق» ص 719 7. 


حر 





التي يحتاجها البلد) (1) 

هذه بعض الناذج عن طروحات قادة الثورة الإسلامية للقيم الحضارية التي تحكم 
الاقتصاد. وقد دل الواقع على جدواهاء حيث نرى تمتع الاقتصاد الإيراني ‏ على الرغم من 
الحرب التي مر بهاء والحصار الذي أعقبها ‏ من الانبيار» ووفر الاكتفاء الذاتي في الكثير من 
المجالاات. 

ثالثا ‏ الجانب التربوي وقيم الحضارة: 

بناء على البعد العقاتدي لنظام ولاية الفقيه» وبناء على كون المؤسسات التربوية 
والتعليمية هي المراكز التي تتخرج منها الأجيال» وتبنى فيها المفاهيم» وترسخ بين عرصاتها 
القيم» كان لهذه المؤسساتء وللجانب التربوي أهميته الكبرى لدى قادة الثورة الإسلامية» 
ولدى جميع مسؤوليها. 

وقد أشار إلى هذه الأهمية الخامنئي بقوله: (لو أن الإنسان في الواقع أراد أن يقسّم أعمال 
البلد وقطاعاته المختلفة ويضعها بحسب الأهمية, فإِنْ التربية والتعليم توضع في أعلى اللائحة 
وعلى رأسها)27) 

وانطلاقا من هذا وضعت في إيران فلسفة خاصة للتربية والتعليم تتميز عن غيرها من 
بلاد العالم» وهي أيضا كانت كسائر الجوانب ‏ هدفا للمغرضين, الذين لا يتصورون أن هناك 
مناهج تعليمية وتربوية تختلف عن المناهج الغربية التي يعرفونها. 

ومن خلال استقراء ما كتبه قادة الثورة الإسلامية» أو ألقوه من خطبء ومن خلال 
الواقع التربوي في إيران يمكننا أن نكتشف خاصيتين بارزتين» أو قيمتين حضاريتين كبيرتين» 


نفتقدهما للأسف في أكثر البلاد الإسلامية. 


دلق المرجع السابق» ص 719 7. 


0( المرجع السابق» ص908١.‏ 


رفره 


١‏ تجنب التقليد والاهتمام بالقيم الإسلامية: 

وهي الخاصية التي نجدها في كل المناهج والمؤسسات التربوية وغيرهاء والتي يمكن 
تسميتها ب [التربية المقاومة]» وهي مبنية على أساس الموقف من الغربء وفكره المادي الذي لا 
ينسجم مع الإسلام الذي يجمع بين المادة والروح» وبين العلم والتربية» ويعتبر كل مفاصلة 
بينهم| نوعا من العلمانية» أو الأخذ ببعض الكتاب. 

وقد ذكر الخميني ذلك في خطاب الانتصار بعد نجاح الثورة الإسلامية» ووعد به شعبه 
فقال: (يجب أن تتغير جميع الأمور في إيران في ظل الجمهورية الإسلامية. فالجامعات يجب أن 
تتغير في الجمهورية الإسلامية» وتتبدل الجامعات العميلة إلى جامعات مستقلة. ثقافتنا يجب أن 
تتبدل» وتحل الثقافة المستقلة محل الثقافة الاستععارية. وزارة العدل يجب أن تتغير. فالقضاء 
الغربي لا بد أن يتحول إلى القضاء الإسلامي. اقتصادنا يجب أن يتغير. الاقتصاد العميل يجب 
أن يتحول إلى اقتصاد مستقل. وجميع الأشياء التي كانت في حكومة الطاغوت وكانت قد 
طبقت استجابة لأوامر الأجانب في هذا البلد الضعيف» هذه الأشياء يجب أن تنقلب رأساً على 
عقب بعد أن استقرت الحكومة الإسلامية والجمهورية الإسلامية)7) 

وما ذكره الخميني وقادة الثورة الإسلامية عن التغيبر لا يقصدون به التغيير لأجل 
التغيير» وإنما يقصدون به التغيير ال هادف. وامبني على أن تلك المؤسسات كانت خاضعة 
للغربء وثقافة الغرب وقيمه لا تتناسب مع الإسلام» ولا مع إيران» ولا مع أي شعب من 
الشعوب. كما عبر عن ذلك الخامنئي في قوله: (لقد حقق الغربيٌون نقلة نوعيّة في المجال المادي 
وقاموا بقفزة في فترة من الفترات, بيد أنْ هذه القفزة كانت منفصلة ومتعارضة مع الحركة 
الأخلاقيّة. كانت قفزة ماديّة مئة بالمئة. في البداية» لم يدرك أحد ما الذي حصل! لكن ها هم 


الآنء قد بدأوا يفهمون بالتدريج» فهم يشعرون بخسائر لا تعوّض تصيبهم شيئًا فشيئًا. لا 
)١(‏ خطاب الإنتصار (ص: 27)» والخطاب ألقاه بتاريخ ١191/9/4 /١‏ م. 


وك 


يتوهمنٌ أحد أن حضارة ماديّة حضة, وبعيدة عن المعنويّة ستستطيع أن تروي شعوبها ماءً هنينًا 
زلالًّا. كلا! سوف يلاقون الأمرّين» وهاهم الآن يعانون الأمرّين. ليس بسبب هذه التظاهرات 
في شوارع أوروبا وما إلى ذلك؛ كلاء إن مصيبة الغرب هي أعمق من هذه الأمور. إِنْ حاجة 
الإنسان الضروريّة والأساسيّة قبل كل شيء» هي للأمن الروحي والأمن الأخلاقي, والأمن 
الوجداني وراحة الضمير. وهذه الأمور مفقودة في البيئات الغربيّة» وسوف يزداد الوضع سوءًا 
يومًا بعد يوم. حين تطّلعون على ما يقوله كتّاهم ونقآدهم ومفكروهم, تشاهدون بوضوح 
كيف أنِّْم ومنذ سنوات ارتفعت أصواتهم» وقرعوا جرس الإنذار» وها هم ينشرون أخبار 
وأسرار الزوايا المظلمة والفاسدة» وكيف أن الفساد يتضاعف في مجتمعهم. هكذا هي الحياة 
الماديّة. نعم» هم تطوّروا من النواحي العلميّة والتقنيّة وما شابه. أنجزوا أعمالًا كبيرة» لكنّ 
الجانب الآخر من القضيّة بقي متروكًا ومعطَّلّاء وهذا ما يشلّهم ويطرحهم أرضًا)(© 

وهو يذكر بألم واقع العالم» وبعده عن مراعاة القيم الأخلاقية» والسلوك المتناسب مع 
طبيعة الإنسان ووظائفه. فيقول: (العالم يسير حالياً في طريق سيى. ويعيش أوضاعاً سيئة. 
الأخلاق تُسحق في العالم. والشعوب تعاني وتتألم من هذا الانحطاط الأخلاقي» ومفكرو 
الشعوب متنبهون لهذه الخسارة الكبرى» ويبدون انزعاجهم وقلقهم» وهذا ما يمكن أن يلاحظ 
من كلامهم وآرائهو)») 

ويذكر كذلك الدور الذي على إيران أن تفعله لإنقاذ البشرية من هذا التيه»ء وذلك 
بإعطائها النموذج المثالي عن القيم الرفيعة التي تحكم الحياة» وتساهم التربية في تشكيلهاء يقول: 
(هذا المصير المفزع الماثل أمام البشرية يمكن تغييره» والخطوة الأولى أن نوجد في أنفسنا ذلك 
التحرك الكبير والتحول العظيم. والأمر يبدأ من التربية والتعليم. لقد توفرت البنى التحتية 


)غ0( خطابات الخامنئى 7١١5‏ ص .77١‏ 


زفق خطابات الخامنئي .5١6٠١‏ ص١18.‏ 


2 


والحمد لله طوال هذه السنوات الثلاثين في القطاعات المختلفة بشكل جيد. ويمكن التحرك 
على أساس هذه البنى التحتية. والمسؤولية ثقيلة والطريق طويل والعمل صعبء ولكن في نباية 
الطريق يلوح الضياء والنور الذي يمنحه الله» وبوسع المرء أن يرى ذلك. خباية الطريق مشرقة» 
والأفق مشرق» ويمكن السير في هذا الطريق بصورة جيدة. هناك حالات عداء ضدنا)17) 

وهو يذكر أن كل ذلك العداء الموجه لإيران ليس سوى تعبير عن الخطر الذي يشعر به 
المستكبرون خوفا من تنفيذ القيم الإسلامية في الواقع» وإعطاء النموذج المثالي لذلك» والذي 
قد يحرك جهات أخرى للتأمي به» يقول: (أي نجاح يحرزه الشعب الإيراني يؤدي إلى أن يشعر 
بعضهم في العالم بالإخفاق. الأقوياء يصطفون بشكل طبيعي إزاء هذه التحركات غير 
المنسجمة مع مصاحهم غير المشروعة. وهذا ليس بالشيء العجيب وغير المتوقع. إنم| هو شيء 
متوقع بالنسبة لكل شعب يدخل ساحة الكفاح الحياتي العظيم .. شيء متوقع. واصل شعبنا 
مسيرته هذه منذ بداية الثورة وإلى اليوم مواجهاً هذه العقبات والموانع. هذه ليست بشيء. هذه 
التهديدات والكلمات التي يطلقونها وحالات المعارضة والعرقلة التي تصدر عنهمء أثبتت 
تجربة الشعب الإيراني أن لا تأثير لها في مسيرة الشعب ولن تؤدي إلى إبطاء حركته وسيواصل 
الشعب مسيرته وطريقه. المهم أن يعرف كل شخص دوره. أن يعرف كل شخص أينما كان 
واجبه الملقى على عاتقه بنحو صحيح ويقوم به. وسوف يساعدنا الله بمشيئته عرَّ وجلٌ)0 

التخطيط الاستراتيجي لتكوين الشخصية المسلمة: 

من الأسباب الكبرى التي جعلت قادة الثورة الإسلامية يولون أهمية كبرى للتربية 
والتعليم هو كونه المؤسسة التي يمكنها أن تؤدي أدورها في تشكيل الشخصية التي تتناسب 
مع نظام ولاية الفقيه» ذلك أنه لا يمكن تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية بصورتها المثالية إلا 


دلق المرجع السابق» ص .١8١‏ 


0( المرجع السابق» ص١18.‏ 


5 


بعد توفر القابلية لذلك» وهي تستدعي القناعة بالإسلام» وبالقيم التي جاء بها ومحاولة تنفيذها 
في الحياة. 

وقد ظهر في هذا المجال ما يطلق عليه في إيران [وثيقة التحوّل البنيوي]» وهي الوثيقة 
التي ترسم سياسة الدولة» وتضع الخطط الاستراتيجية لما في المجال التربوي» وقد تحدث عنها 
الخامنئي كثيرا في خطبه ونوه بهاء ودعا إلى تفعيلها في الواقع» فقال: (لقد كنت دائاً أكرّر في 
لقاءاتي مع المعلّمين والمسؤولين الثقافيين» والمجلس الأعلى للثورة الثقافية وغيرهم هذا الأمرء 
ولحسن الحظ قد وصل إلى نتيجة» بحيث إِنْ [وثيقة التحوّل البنيوي] قد أعدّت وصوّبت. 
فاليوم لهذه المؤسسة وثيقة مدوّنة تحدّد منهج التحؤّل البنيوي في التعليم والتربية) 277 

وهو يذكر أن هذه الوثيقة تشبه الوصفة الطبية» وهي مع أهميتها ليست كافية» ذلك أننا 
(إذا ذهبنا إلى الطبيب» وأَدّينا حقٌّ المعاينة» والطبيب قام بالمعاينة أو التشخيصء وكتب لنا وصفة 
ووضعناها في جيبناء ثمّ ذهبنا إلى البيت وظننًا أن الأمر قد انتهى» فهل يختلف هذا الأمر عن 
عدم مراجعة الطبيب بشيء سوى أنه قد أنفقنا المال وقطعنا مسافة على الطريق» ينبغي تناول 
الدواء» ففي هذه الوصفة قد دُوّنَ اسم الدواء ومقدار ما ينبغي تناوله منه وفي أيٍّ وقت» ويجب 
تنفيذ هذا وتطبيقه» ولولم نفعل» فالذهاب إلى الطبيب وأخذ الوصفة كأن لم يكن. حسنٌ, لدينا 
الآن [وثيقة التحوّل البنيوي] في التربية والتعليم» وهذه الوصفة تحتاج إلى تخطيط دقيق فيا 
يتعلّق بكل بنودها. فإنَ الحديث هو حول التحوّل البنيوي لا الشكلي الظاهري)7) 

وبناء على هذا يدعو إلى أن تكون هناك (خارطة للطريق» ولا يكون الأمر بحيث إِنَّ أي 
مسؤول أو وزير أو مدير في أي قطاع يقوم اليوم باتخاذ قرار ثم يقوم في اليوم التالي بتغييره 
بحسب سليقته. فكلّ هذا هو إهدارٌ للأوقات والطاقات. وهذه نقطةٌ أساسية. ويجب أن يكون 


)١(‏ خطابات الخامنئى 7١١7؛‏ ص151. 


0( المرجع السابق» ص/67١.‏ 


وخر 


هناك تخطيطٌ محكمٌ ودقيقٌ لأجل هذا التحوّل البنيوي» يجب أن نضع بين الأيادي خارطةً 
للطريق» وهذا ما ينبغي أن يقبل به الجميع ويؤيّدوه ويؤمنوا به ويُضمن فيه أن التربية والتعليم 
ستسلك هذا الطريق حتى النهاية وطبق هذا البرنامج) ١‏ 

ومن أهم الأهداف التي تسعى خارطة الطريق في المجال التربوي» والتي ذكرها 
الخامنئي ودعا إلى تحقيقهاء والعمل بموجبهاء هي تشكيل الشخصية السوية التي تتبنى الإسلام 
والقيم الإسلامية بكل أبعادها ومجالاتهاء يقول: (بوسع المعلم تربية هذا الحدث أو الطفل 
وجعله إنساناً عالماً مفكراً يتحلى بروح البحث العلمي ويرغب في البحث والدراسة والعلم» 
أو يجعله إنساناً سطحياً غير راغب في العلم والتعمق والبحث العلمي. بوسعه أن يرجه 
ويقدمه للمجتمع إنساناً شريفاً نجيباً خيّراً طيب القلب طاهر النفسء أو على العكس قد يجعله 
إنساناً شريراً مسيئاً. وبمقدوره أن يجعله إنساناً متفائلاً ذا ثقة بالنفس ومملوءاً بالأمل وعحباً 
للعمل والنشاطء؛ أو على الضد من ذلك يمكنه تخريجه إنساناً يائساً قانطاً منعزلاً ومتكفئاً على 
نفسه. )| بوسعه أن يجعل منه إنساناً متديناً تقياً ورعاً وطاهراًء أو إنساناً غير مبالٍ وغير آبه 
للقيم الأخلاقية والتعاليم الدينية. بوسعه التغلب حتى على عوامل التربية الخارجية مثل 
وسائل الإعلام. بل إن التعليم المستمر على مدى سنوات والعمل على هذه المادة الخام والقلب 
المستعد لتقبّل الأشكال المختلفة» يمكنه التفوق حتى على الدور التربوي للوالدين. هذا هو 
دور المعلم)7) 

ويقول في خطاب آخر مخاطبا المعلمين: (صناعة الإنسان وتشكيل وبناء الإنسان 
المطلوب في الإسلام هو أمر يحصل بالتربية.. فالمعلّم يعلّم العلم» ويعلّم التفكيرء ويعلّم 
الأخلاق والسلوك أيضًا. إن تعليم الأخلاق والسلوك ليس من قبيل تعليم العلم بحيث يقرأ 


دلق المرجع السابق» ص91١.‏ 


0( المرجع السابق» ص28/١.‏ 


0 


الإنسان ويدرّس من الكتب فقط. درس الأخلاق لا يمكن نقله بواسطة الكتب» السلوك مؤثر 
أكثر من الكتاب والكلام. أي إِنْكم في الصف وبين التلاميذ تدرّسونهم بسلوككم. بالطبع» 
يجب القول والبيان بالكلام أيضًاء ويجب إسداء النصيحة, لكنّ السلوك تأثيره أعمق وأشمل. 
سلوك الإنسان يبيّن صدق الكلام؛ هذا هو ما نقوله للمعلّمين. هؤلاء الطلّاب أمانة في أيدي 
المعلّمِينء يجب الانتباه لهذا المعنى والاهتمام به. إذا قام معدّمونا ‏ إن شاء الله برفع مستوى 
الأطفال والتقدّم بهم الى الأمام بهذا الأسلوب, فأتصوّر أن ذلك سيكون له تأثيرات أساسيّة 
كبيرة في مستقبل المجتمع )!1 

وبناء على هذا يدعو إلى دعم خاص لهذا القطاع» باعتباره من أهم المؤسسات المنتجة في 
البلاد» لأنه لا ينتج بضاعة» وإنا ينتج إنساناء يقول: (واجب ومسؤوليّة جميع الأجهزة 
والمؤسّسات في الحكومة دعم قطاع التربية والتعليم. سواء المؤسّسات المختصّة بالتخطيط 
والميزانيّة أو الأجهزة التي تصادق على هذه الميزانيّات في مجلس الشورى الإسلاميٌ» يجب 
عليهم جميعًا أن تكون نظرتهم للتربية والتعليم مثل هذه النظرة» فلا يتصوّروا أن هذا القطاع 
قطاع يستهلك التكاليف والميزانيّات فقط ‏ وهذه نظرة مشهودة في بعض الأحيانء إذ يقولون 
إِنَ جهاز التربية والتعليم هو قطاع يستهلك ويكلّف . كلاء إِنّه جهاز كلما خصّصتم ميزانيّات» 
وأنفقتم عليه أكثر فستربحون أضعافًا مضاعفة. إِنّه قطاع سيتخرّج منه صناع الثروة في 
المستقبل» وصناع العلم في المستقبل» وصناع الحضارة في المستقبل» ومدراء المستقبل. ليس من 
الصحيح أن نتصوّر أن التربية والتعليم تحمّلنا نفقات ومصاريف فقط. كلاء فلا يوجد أرباح 
ومكاسب أكبر من مكاسب التربية والتعليم. كل ما تشاهدونه في كل أرجاء البلاد من 
مؤشّرات ومظاهر التقدّم والإنتاج والإبداع؛ فإنْ جذوره هناء أصلحوا هذا القطاع فيصلح 


دلق المرجع السابق» ص5 77. 


او 


عندها كل شيء) 07 

وإلى جانب الاهتام بدعم هذه المؤسسات لتؤدي دورهاء نرى الخامنئي يدعوها إل 
الالتزام بوظيفها وعدم الخروج عنهاء لبناء الأجيال الصاحة البعيدة عن كل الشوائب التي قد 
تنحرف بهاء يقول: (على المدراء الذين نختارهم أن ينصبٌ اهتمامهم على القضيّة الأصليّة في 
التربية والتعليم. إِنْ النزعات والتوجّهات السياسيّة والحزبيّة والفئويّة وما إلى ذلك هي سم 
مهلك للتربية والتعليم. لقد شاهدناء في فترة من الفترات طوال هذه الأعوام المتمادية مدى 
الضرر والخسارة التي لحقت بالتربية والتعليم. راقبوا واحذروا! فليكن التعامل مع مختلف 
مسائل قطاع التربية والتعليم بحيث تكون القضيّة الأهمٌ بالنسبة لمدير أي قسم أو دائرة في هذا 
الجهاز العظيم الواسع قضيّة [التربية والتعليم]» أن تكون قضيّة [تربية الإنسان]» وتربية 
الطاقات الثوريّة)(20) 

وهو يذكر هم أن الحدف النهائي الذي تسعى كل المؤسسات الإيرانية إلى تشكيله. 
وتستعمل كل الوسائل في ذلك هو تحقيق المجتمع المسلم بجميع القيم التي يحملهاء يقول: (إِنّنا 
حين| نشدّد على الطاقات والكوادر الثوريّة والمتديّنة» فلأنَ أمامنا دربًا طويلاء أمام هذا الشعب 
درب طويل. الهدف الذي رسم للجمهوريّة الإسلاميّة على أساس التعاليم الأساسيّة للثورة 
هو هدف سام جدَّاء فا هدف هو خلق مجتمع نموذجي. إِنكم تريدون وفي إطار إيران العزيزة» 
والواقعة من الناحية الجغرافيّة في منطقة حسّاسة جدًا من العالم» أن تصنعوا مجتمعًا يكون ببركة 
الإسلام وتحت راية القرآن» أسوة ونموذجا. نموذجا في الأبعاد الماديّة والتقدّم المادي» وفي 


الوقت نفسه أسوة ونموذج في الأبعاد المعنويّة والأخلاقيّة)20 


)020( المرجع السابق» ص8١ .١7‏ 
0( المرجع السابق» ص59 7. 
إفرفق المرجع السابق» ص779١.‏ 


لمك 





وبناء على هذا يدعو إلى التدقيق في كل ما تمارسه هذه المؤسسة ابتداء من التكوين الجيد 
للمعلمين بإنشاء جامعات خاصة بهم وبتحديث تكوينهم كل حين, وانتهاء بالمقررات 
الدراسية» والتي يقول في شأنها: (يجب الانتباه والتدقيق كثيرًا في الكتب الدراسيّة» إذ ينبغي أن 
تكون متقنة؛ فالمضمون والأفكار والكلام الضعيف في هذه الكتب مضرٌ. ليس أنّه غير مفيد 
بل هو مضرٌّء وكذلك الانحرافات السياسيّة أو الانحرافات الدينيّة أو الانحراف عن الحقائق 
والواقعيّات» في هذه الكتب مضرّة. الذين يتولّون مسؤوليّة هذه العمليّة يجب أن ينجزوا هذا 
العمل بمنتهى الأمانة والدقّة)(0© 

ويقول عن جامعة المعلّمين: (ذكرثٌ هذا للوزير المحترم قلت له: [جامعة المعلّمين]» أو 
[اجامعة إعداد المعلّم] . حسب التعبير القديم ‏ هي جامعة» ولكنّها تختلف عن الجامعات 
العاديّة. فضلًا عن الامتيازات الموجودة في الجامعات الأخرى. فإِنَّ ميزة إعداد المعلّم وتخريجه 
تختصٌ فقط بهذه الجامعة. ولهذا الأمر طبعًا شروطه ومقتضياته. ينبغي الاهتمام ببذه الجامعة 
بمنتهى الحديّة) (5) 

هذه بعض طروحات قادة الثورة الإسلامية في هذا المجال» وهي تبين عمق الأهداف 
التي يتوخونها من هذا الجانب المهم» وقد دل على مدى نجاحهم ني هذا الجانب ذلك الاستقرار 
الذي عاشه المجتمع الإيراني على الرغم من كل استعمل معه من أدوات الحرب الناعمة» والتي 
حاولت أن تثير شعبه. لكنه لم يثر» بل بقي وفيا لثورته وقادته.. وذلك وحده دليل على نجاح 
المخططات التربوية. 

رابعا ‏ الجانب العلمي وقيم الحضارة: 

مثلم| رأينا في الجوانب السابقة من حرص النظام الإيرانٍ على التميز والإبداع» والبعد 


دلق المرجع السابق» ص7 737. 


زفق المرجع السابق» ص .777١‏ 


عن التبعية والتقليد» والاهتام بالقيم والحقائق» بدل الشكليات والظواهر. نلاحظ كذلك في 
الجانب العلمي هذا الاهتمام» وربما بصورة أكثر وضوحا. 

حيث أننا عندما نتابع أحاديث قادة الثورة الإسلامية» وخصوصا القائد ا حالي» نجد 
اهتماما كبيرا بهذا الجانب» فهو يحضر الجلسات التي تصف الأوضاعء أو التي تضع 
الاستراتيجيات المستقبلية» ويدلي برأيه فيها» وبصورة لا نكاد نجدها عند أي زعيم من زعماء 
العالم. 

ومن الأمثلة على ذلك لقاؤه الذي تم بتاريخ 74/ 1/ 7٠١17‏ م, مع حشد من الباحثين 
والمختصّصين والمبدعين ومسؤولي المؤسّسات البحثية» والذي قال في مقدمته: (أَتمَنى أن 
تستطيع هذه الجلسة والجلسات الماثلة الأخرى أن تساعد على سد الحاجة الأساسية التي 
يعيشها بلدنا اليوم» والتي هي عبارة عن تنمية العلم والبحث العلمي والتقنية» وتخريج 
المواهب وإعدادهاء وزيادة انتشار ثمار المواهب المميّزة لشعبنا في حياة كل أبناء الشعب)17) 

ثم ذكر مدى ما يوليه النظام الإيراني للعلم والابتكارات العلمية» حتى يتحقق 
الاستقلال الحقيقي وني جميع الجوانب» فقال: (ما نصرٌ ونؤكد عليه هو أنْ العلم بالنسبة للبلاد 
رأس مال لا ينفد ولا ينتهي. إذا تحرّكت عجلة إنتاج العلم في بِلدٍ ماء وإذا كانت ثمّة موهبة 
انطلقت وسارث» وإذا بدأت الإمكانيات والقابليات تبرز وتظهر فستكون مصدراً لا ينفد. 
العلم ظاهرة ذاتية الإثار» وليس شيئاً يضطرٌ المرء من أجله للتبعية. نعم, إذا أردتم أخذ العلم 
حاضراً وجاهزاً فستكون فيه تبعية واحتياج للآخرين؛ ومدّ الأيدي نحوهم, ولكن بعد أن 
يتكوّن الصرح العلمي في بلد من البلدان» وإذا كانت في ذلك البلد مواهب, فسيكون كالينابيع 
المتدفقة) 50) 


.77١ص‎ 7١١7 خطابات الخامنئى‎ )١( 


0( المرجع السابق» ص .7377١‏ 


ومثلم| دعا في الاقتصاد إلى إيجاد الاقتصاد المقاوم الذي يخلص البلاد من التبعية» ويجعلها 
تستهلك ما تنتج لا ما يمن به عليهاء دعا كذلك في المجال العلمي إلى [الجهاد العلمي]. والذي 
لا يقل عن الجهاد في جبهات الحروبء يقول: (إن البلد اليوم بحاجة إلى جهادٍ علمي. وعندما 
أذكر العلم هنا فإن قصدي هو المعنى العام للعلم وليس العلوم التجريبية فقط. يلزمنا جهادٌ 
علمي.. ففي المفهوم الإسلامي يكون الجهاد عبارة عن ذلك السعي مقابل عدو ما أو خصم. 
فليس كل سعي جهاداً. فجهاد النفس. وجهاد الشيطان, والجهاد في الميدان العسكري هو 
نواجهة عد أز الف وتحن اليوم في عخال الم بسحائجة إلى مل :هذا انمع في البلدانشغر 
بأن هناك موانع علينا أن نزيلهاء وعوائق يجب أن نحطمهاء وفي مجال توفير الإمكانات العلمية 
يوجد خسة لدى أولئك الذين يمتلكونها ‏ وهي الدول المتطورة علمياء وعلينا أن نظهر من 
أنفسنا في المقابل عزّة و:مضة تحركاً نحو الأفضل. العالم اليوم ورغم تظاهره بالسخاء العلمي 
هو في منتهى الخسّة من حيث العلم. فالذين تمكُنواء لعوامل مختلفة» من أن يمتلكوا في فترة ما 
تطوراً علمياً واعتلوا مركب التطور وتفوّقوا على غيرهم ‏ وهم الدول الغربية المتطورة التي 
حصلت على ذلك منذ عصر النهضة:؛ وقد كان ذلك في أيدينا يوماً . هم احتكاريون. فهم لا 
يريدون أن تتسع دائرة هذا العلم وهذا الاقتدار» فلهذا يخالفون علم الشعوب» وخصوصاً بعد 
أن أصبح هذا العلم وسيلة بأيديهم للسياسة)(© 

وهو يذكر أن من دلائل لا أخلاقية الحضارة الغربية ذلك الاحتكار الذي تمارسه للعلم» 
مع أن الأصل فيه أن يشاع حتى يستفيد منه البشر جميعاء وهو يذكر أن هذا ليس خاصا بعصر 
من العصورء ففي الفترات السابقة كان العلم وسيلة للمستعمرين للهيمنة والظلم» يقول: 
(فالاستعار ظهر من العلم. والعلم هو الذي مكّنهم وجعلهم مقتدرين, لهذا جالوا العالم 


واستعمروه» هذا حين! كانت الشعوب تعيش مستقلة. فآين هي بريطانيا وأين هي أندونيسيا؟! 
)١(‏ خطابات الخامنئي 7٠0٠١‏ ص7١71.‏ 


ره 


فأولتك استطاعوا أن يحتلوا تلك المناطق بواسطة العلم. وعندما صار الاستععار وليد العلم 
واعتمدت القوة الدولية والقدرة السياسية على العلم» قالت إنه لا ينبغي لهذا العلم أن يكون 
بيد الآخرين» وإلا فإنه هدد هذه القدرة. وها هم اليوم وما زالوا على هذا المنوال) 227 

ومادام العلم أصبح هذه الصورة في يد الحضارة الغربية» فإن على العلماء الإيرانيين ‏ كى| 
يذكر الخامنئي ‏ أن يقوموا بدورهم الجهادي حتى لا تستعمر بلادهم بالعلم كما استعمرت بلاد 
أخرىء ولذلك يبث فيه الروح العقائدية التي تجعلهم يتحركون لمواجهة الخطرء وبكل عزم 
وإيمان. 

وهو يشير في هذا الجانب إلى ضرورة التخطيط وفق استراتيجية واضحة ودقيقة» يقول 
معلقا على بعض المشاركات في المؤتمر: (أشار الأصدقاء إلى التخطيط ائة سنة. بالطبع إنني لا 
أعتقد بالتخطيط ئة سنة» لكنني أستحسن هذا التفكير وهذه الروحية التي نشعر معها بأننا ما 
زلنا نخطو الخطوة الأولى رغم مرور ثلاثين سنة» حتى إذا أردنا أن نخطو عشر خطوات فهذا 
يعني ثلاثائة سنة. علينا أن نعلم أننا في خطواتنا الأولى» ويجب أن نعلم أننا نستطيع أن نخطو 
خطوات أكبر يجب أن نخلق هذا الشعور. وإنني أعتقد بأنه سيتحقق حتاًء فمثل| أن هذه 
الحركة العلمية العظيمة وهذه الإبداعات العلمية وهذا الإنتاج العلمي والعبور إلى حدود 
العلم لم تكن لتخطر على بالناء وها هي قد طحت وقيلت وتوبعتء وها أنتم ترون ثمراتها 
اليوم» لهذا فإننا نستطيع أن نخطو خطوات أكبر ونستطيع أن ننجز أعمالاً كبرى)”) 

ومثلم| دعا في الجوانب السابقة إلى الابتكار والخروج من التقليد والتبعية يدعو كذلك 
في هذا المجال» بل يبين الخطوات العملية لتحقيقه. وهي تنمية التفكير الإبداعي والنقدي في 
عقول الطلبة حتى تكون لديهم الآليات التي تجعلهم يعارسون الإنتاج بدل الاستهلاك؛ يقول: 


)020( المرجع السابق» ص١7١371.‏ 


0( المرجع السابق» ص5 ."١‏ 


2 


(أساس العلم وقاعدته هي الفلسفة» ولو لم يكن هناك فلسفة لم يوجد علم. مالم يكن تحليل 
واستنتاج فلسفي فالعلم سيكون بلا معنى. إن إنتاج الفكر مهم جداً. وبالطبع فإن إنتاج الفكر 
أصعب من إنتاج العلم. فالمفكرون والنخب الفكرية معرضون للآفات التي هي أقل في ساحة 
النخب العلمية. لهذا فإن العمل هنا صعب. لكنه مهم جداً) 7 

ولأجل تحقيق هذا يدعو إلى تحفيز الطلبة وتشجيعهم. وزرع الثقة فيهم» حتى يتمكنوا 
من أداء مسؤولياتهم» وإخراج بلادهم من التبعية العلمية» وتحقيق النصر في هذا الجانب, مثلم| 
تحقق في الجوانب الأخرىء يقول: (لقد كان الشعب الإيراني طوال أعوام متمادية قبل الثورة 
أسيراً لإضعاف روح الثقة بالذات. منذ أن فتح المسؤولون الحكوميون أعينهم أولاً» ثم فتح 
أبناء الشعب تدريجياً أعينهم وبهتوا أمام التقدّم العلمي المذهل للغربء بدأ ترويج الشعور 
بالنقص والدونية والاستهانة بالذات في هذا البلد وبين أبناء شعبه» ولحسن الحظً فإِنْ الثورة 
غيّرت كل شيء. بها في ذلك هذه ا حالة وهذه الروح. وعليه؛ فإِنَ تأسيس الأعمال والمشاريع 
الاقتصادية على أساس العلم يودي إلى تعزيز الروحية والشخصية والمهوية الوطنية ويزيد 
كذلك من الاقتدار السيامي. الاستقلال والاعتاد على الذات في بلد ما يورث الاقتدار 
السياسي فضلاً عن الاقتدار الاقتصادي الذي سيتحقق بشكل طبيعي) 7) 

ودعا ني هذا الصدد إلى الاهتام بالمخترعينء والسعي إليهم» وتشجيعهم, حتى لا تمتد 
إليهم الأيادي الغربية» لتأخذهم, يقول: (من القضايا المهمّة أن ترصد أجهزتنا الحكومية 
الاختراعات وبراءاتهاء وتتوجّه هي نحو أصحاب الاختراعات والنخب الفكرية وتطالبهم 
بالتعاون والمساعدة كي يستطيعوا أن يساهموا في تأسيس شركات البحث العلمي وفي أقسام 


معينة منها. لا تقعد أجهزتنا حتى يأتيها المخترعون ويراجعوها وتقع الأعمال في التلافيف 


020( المرجع السابق» ص6١١3.‏ 
(؟) خطابات الخامنتى .70١7‏ ص77 7. 


6 


والتعقيدات الإدارية والبيروقراطية وغيرها من المشكلات .. هذه الأمور تضعف بلا شك 
المحفزات والاستعدادات)17) 

ويقول: (حسب التقارير التي لديّ فإنَ الأجانب يرصدون المواهب الموجودة في بلادناء 
وما ينفعهم منها يأتون ويستثمرونه ويأخذونه. المواهب والطاقات الإنسانية أثمن ما يمتلكه 
البلد. يجب أن لا نسمح ولا ندع هذا يحصل. والشكل المنطقيّ لعدم السماح هو أن نوفر الفرص 
والأرضية» ونشجّع ونأخذ بالأيدي» وندفعهم نحو العمل» ونأخذهم إلى الميدان ليعملوا 
ويكونوا متفائلين متشوّقين» وعندها سيتوفر ذلك الينبوع المتدفق الذي لا ينضب)7) 

وهو يدعو لتحقيق هذاء وللمنع من هجرة الأدمغة» والاستفادة من كل الطاقات إلى 
التعامل الحريص على الطلبة» وتشجيعهم وتوفير الفرص لهم وعدم مارسة أي سلوك قد 
يجعلهم ينفرون من البحثء يقول: (هناك من يجلس على قلب الطالب الجامعي والأستاذ ليتلو 
عليه آيات اليأس والإحباط: هذا لا يتحقق, وهذا لا نقدر عليه» وهذا لا فائدة منه؛ فهؤلاء في 
الواقع مثل حشرة العث: مخلوقات دنيئة ومخربة ومدمرة. فالبلد يتتحرك نحو الأمام بكل يسرء 
والغرسة قد أصبحت بحمد الله شجرة طيبة.. فنحن نتقدم في جميع المجالات» وبالطبع نواجه 
ديات ولو أراذ المرء أن لا سقط أرضا فعلية أن لأسن أبداً. زا أرونا العدرلة فيال 
سقوط وارتطام. ومواجهة التحديات تعد من خصائص حركة أي شعبء وبدونها لا تكون 
حركة. فبهذا اليسر والثبات يتقدم شعبناء فيا تجلس جماعة من الناس لنشر اليأس 
والإحباط)0») 


ول يفته أن يذكر في هذا الموضع بعض مظاهر التقدم العلمي الذي حصل لإيران» وقد 


دلق المرجع السابق» ص 71775. 
0( المرجع السابق» ص 7375 . 
زفرف خطابات الخامنئى 57١٠١‏ ص5١"7.‏ 





علق على بعضهم في هذاء فقال: (لاحظت أن بعض المتحدثين ليس لديه اطلاع على بعض 
الأقسام الأخرىء وأنا مطلع عليها. على سبيل المثال في التكنولوجيا العسكرية هنا إنجازات 
كثيرة ومدهشة. وما يشاهده المرء في التلفزيون ليمس سوى واجهة» والواجهة لا يمكن أن تظهر 
عقيف الكت موعظيه اوضق انلا لهل اق الك 01 

وقال: (في هذه الإحصائيات التي ذُكرت لاحظتم أن تقدّم البلاد في القطاعات المهمّة 
والعلوم الحديثة والمؤثّرة في الحياة كان ملفتاً خلال عدّة أعوام. وهذا مؤشّر على وجود مواهب 
وإمكانيات واستعداد. علينا أن نأخذ هذه المسألة بجدّية» أي أن نتم لقضية العلم والاعتماد 
على العلم في البلاد» ونجعلها أساساً للأمور والمشاريع. هذا هو ما نقوله في هذه الأعوام) ) 

وهو يذكر أن تطور الاقتصاد مربتط بتطور العلم» فأحسن أدوات الاقتصاد المقاوم هو 
الجهاد العلمي» يقول: (إذا جرى الاهتمام بالعلم في القطاعات والمجالات المختلفة فستستطيع 
شركات البحث العلمي والتي تعمل وتنتج وتوفر الثروة على أساس العلم أن تصل باقتصاد 
البلاد تدريجياً للازدهار الواقعّ. الحصول على الثروة عن طريق بيع المصادر النافدة مثل النفط 
ونظائره ليس ازدهاراً ولا تقدّماًء نا هو خداع للذات. وقد وقعنا في هذا الفخ» ويجب أن 
نعترف ونتقبّل أن هذا فح بالنسبة لشعبنا. لقد ابتلينا ببيع الخام» وهذا واقعٌ وصلنا كتراث من 
الماضي وجرى تعويد البلاد عليه. طبعاً جرت محاولات في هذه الأعوام الأخيرة لترك هذا 
الإدمان المضرٌ بالبلاد» لكن هذا لم يحدث بنحو تام. يجب أن نعتقد أولاً أن البلد ينبغي أن يصل 
إلى حيث يستطيع بإرادته» وأنّه متى ما شاء يسد آبار نفطه .. يجب أن نصل إلى هذه العقيدة 
والقناعة. هذا ما يتعلق بقضية النفط. وبيع الخام في مختلف أنواع المواد الخام والمعادن لا يزال 


قائاً. وهذه من نقاط ضعفنا ومن مشكلات بلادنا. إذا أردنا أن ننجو من هذا الوضعء ونحقق 


020( المرجع السابق» ص١١3.‏ 


(؟) خطابات الخامنتى .7١١١‏ ص77 7. 


النمو الاقتصادي الحقيقي» فالسبيل إلى ذلك هو الاعتماد على العلم» وهذا متاح عن طريق 
تقوية شركات البحث العلمي) 27 

وذكر أن أهمية ذلك لا تقتصر على المجال الاقتصاديء بل تعم كل المجاللات» يقول: 
(إذا استطعنا إن شاء الله التقدّم ببناء الأعمال الاقتصادية على أساس العلم» وتحويل ذلك إلى 
طابع غالب على اقتصاد البلاد» فإنَ ذلك لن يمنح البلاد قوة اقتصادية وحسبء بل سيمنحها 
قوة سياسية أيضاًء وقوة ثقافية. حينم| يشعر البلد أن بوسعه إدارة نفسه وشعبه بعلمه ومعرفته 
ويقدّم الخدمات لسائر الشعوب» فسوف يشعر بالمحوية والشخصية. وهذا بالضبط ما تحتاجه 
الشعوب المسلمة اليوم) 7 

هذه مجرد ناذج عن مدى حضور الولي الفقيه في جميع مجالات الحياة في إيران» وتوجيهاته 
لماء وهو ما يبين أن دوره والصلاحيات التي أعطيت له لم تعط من فراغ. لأن هذا الدور وتلك 
الصلاحيات هي التي تتيح له أن يتدخل في السياسات المختلفة ليوجهها توجيها استراتيجيا 
لتحقيق المكاسب الكبرى. 

وأحب أن أختم هذا المبحث ببعض ما ذكرته وسائل الإعلام من النجاحات التي 
حققتها الجمهورية الإسلامية في هذا المجال» وفي تلك الفترة القصيرة المشحونة بالمؤامرات. 

ففي مقال إخباري بعنوان [إنجازات ايران ما بعد الثورة الإسلامية] وردت 
الإحصائيات التالية0©: 

في القطاع الصحي: زاد عدد الأطباء من 19.٠٠١‏ إلى أكثر من ١١١٠٠٠١‏ طبيب» 
والقضاء التام على حاجة البلاد إلى توظيف الأطباء الأجانب» فضلا عن جذب السياحة 


)020( المرجع السابق» ص 73777 . 
زفق المرجع السابق» ص73777. 
(*) انظر: إنجازات ايران ما بعد الثورة الإسلامية» موقع براس الإيراني الإخباريء ١٠‏ فبراير /701. 


5: 





الصحية» وقبول وعلاج المرضى الأجانب الذين يعانون من مختلف أنواع الامراض. 

ومن الابتكارات التي حققها الإيرانيون في هذا القطاع: التطور الكبير في مجال الخلايا 
الجذعية» وفي زراعة الكلى وعلاج أمراض العيون» بالإضافة إلى حصول إيران على المركز الأول 
في الشرق الأوسط بإنتاج 91 بالمئة من الأدوية اللازمة وتصدير الأدوية» ب! في ذلك العقاقير 
والتكنولوجيا الحيوية. 

وقد حصل الاكتفاء الذاتي في صنع اللقاحات والقضاء على شلل الأطفال وغيره من 
الأمراض الشاملة» حيث تغطي اللقاحات اليوم ٠١٠١‏ بالمئة من اراضي البلاد بعد أن كانت 7١‏ 
بالمئة قبل الثورة» وقد نتج عن هذا التطور انخفاض معدل وفيات الأطفال دون سن سنة 
واحدة من أكثر من ١١‏ بالمئة قبل الثورة إلى أقل من ه , ١‏ بالمئة والحد من وفيات الأمهات من 
؟ و 05 بالمئة إلى ؟ ؟ , ٠‏ بالمئة بعد الثورة. 

في المجال الصناعي: حصلت زيادة وتطوير معامل التكرير والبتروكيهاويات وتصنيع 
أكثر من ٠١‏ محطة كبيرة للنفط والغاز والبتروكيهماويات على مدى العقود الثلاثة الماضية. 

وارتفعت نسبة انتاج الاسمنت من 5 ,5 ملايين طن الى حوالي /١‏ مليون طن وازدادت 
الصادرات غير النفطية من "077 مليون دولار عام 191/4 الى ١‏ 01/7 مليارا عام .7١11/‏ 
والبتروكيماويات من 5 ملايين طن في عام ١41/4‏ إلى 7 مليون طن بعد الثورة. 

في المجال العلمي: يحتل الباحثون الإيرانيون اليوم المرتبة السادسة عشر من الإنتاج 
العلمي» وبحلول عام 235١١7‏ تم تسجيل أكثر من 71197 براءة اختراع في البلاد» وارتفع 
الترتيب العالمي لإيران في المجال العلمي في الفترة من ١445‏ إلى 7١١5‏ من ١5‏ إلى 07 بالمئة 
بعد الثورة. 


بالإضافة إلى ذلك تحتل ايران مرتبة كبيرة بين الدول المتقدمة الأخرى في مجال العلوم 


وارتفع مستوى الاكتفاء الذاتي في صناعة النفط من 5 بالمثة إلى 6١‏ بالمئة» 


6 


الجديدة مثل: نانو الالكترونيات الدقيقة ناهيك عن دخول العلم الى مجال تصنيع الروبوتات. 

أما الجامعات» فقد زادت قدرتها من ١0‏ جامعة حكومية إلى 1١4‏ جامعة ١١05(‏ جامعة 
حكومية و0500 جامعة غير حكومية) وزيادة عدد الطلاب من 175 ألف قبل الثورة إلى أكثر 
من 5 ملايين طالب في أعقاب الثورة الإسلامية. 

وقد ننج عن ذلك كله ارتفاع كبير وملحوظ في مجال نشر المقالات العلمية من ١‏ , 0/ 
(559 مقالة) في عام ١91/4‏ إلى ١‏ , 1705// (77 ألف مقالة) في السنة بعد الثورة. 

في المجال العام والاجتماعي: تطورت شبكات توزيع مياه الشرب مع زيادة قدرها من 
و" ملايين قبل الثورة إلى ١١55/19/‏ مشتركا بعد الثورة وعدد المدن التي لديها شبكة مياه 
صحية من 45 مدينة إلى أكثر من ٠٠٠١‏ مدينة ومن عدة مئات من القرى قبل الثورة إلى حوالي 
317" قرية حاليا. 

وزادت معاشات الضمان الاجتماعي من 44.6٠0٠‏ إلى حوالي ؛ ملايين شخص 
والتأمين الصحي من ٠١‏ بالمئة إلى أكثر من 40 بالمئة. 

وتم تنفيذ خطة مهر الإسكانية» وتطوير الصناعة السياحية» وتنظيم المعارض الدولية 
المختلفة» وتمهيد الطريق لتحسين نوعية الحياة للشعب الايراني. 

في المجال الزراعي: قبل الثورة» كان حدود الإنتاج الزراعي 5 مليون طن, والآن 
يتجاوز الانتاج الزراعي الايراني ٠٠١‏ مليون طنء بالإضافة إلى اعتماد البلاد على نفسها في 
انتاج كل المحاصيل. 

وتم توفير 4١‏ في المئة من طلب البلاد من المنتتجات الزراعية والاستراتيجية» مثل 
القمح» وتعتبر ايران ثاني أكبر منتج استراتيجي واستهلاكي للرز بمعدل نمو يتراوح بين 7٠‏ 
و١1‏ في المئة مقارنة بمرحلة ما قبل الثورة الإسلامية. 


وقد تطورت الصناعات ذات الصلة بالقطاع الزراعى بحيث زادت قدرة الإنتاج 


ملعف 


الزراعي في البلاد إلى 77 مليون طن في عام 27٠١5‏ وارتفعت في نهاية البرنامج الرابع إلى 47 
مليون طنء وإيران هي المنتج الأول للفستق والزعفران والرمان في العالم. 

في مجال بناء المدن والعمران: زيادة نسبة الوصول إلى المياه المكررة إلى ؟ 95 بالمئة من 
الشعب. وزيادة الطرق الرئيسية في البلاد من ”” ألف كيلومتر إلى أكثر من ٠١١‏ ألف كيلومتر» 
وتطوير السكك الحديدية من 5 آلاف كيلومتر إلى ما يقرب من ٠١‏ ألف كيلومترء وزيادة عدد 
المطارات من 77 مطارا إلى نحو ٠٠١‏ مطارء وزيادة عدد الموانئ ورفع طاقتها الى ٠١‏ ملايين 
طن» والطرق الريفية في عام ١41/1‏ كانت بطول 75 الف كيلو متر ومن التراب اما اليوم فيبلغ 
طولها أكثر من ٠٠١‏ الف كم و56 بالمئة منها طرق من الاسفلت. 

خامسا ‏ الجانب الفني وقيم الحضارة: 

من المزايا التي تميز بها النظام الإيراني» وباتفاق الكثير حتى المغرضين منهم, اهتمامه 
بالفنون الجميلة بجميع أنواعهاء ما تعلق منها بالسمع كالإنشاد والغناء» أو ما تعلق بالبصر 
كالرسم والنحتء أو ما تعلق بها جميعا كالمسرح والسين) وغيرهما. 

وميزته الأخرى المتعلقة مهذاء والتي ترد على تلك المفاهيم الخاطئة حول الطريقة التي 
يفكر بها الولي الفقيه» أو القدرات الشخصية الموفرة له. هو اهتمام كلا من قائده الأول» مؤسس 
الجمهورية الإسلامية الإمام الخميني» وخليفته السيد علي الخامئني بالفنونء وبالكتابة الأدبية» 
والنقد الأدبي» وبالشعر؛ فكلاهما أديب وشاعر وفنان. 

وقد ذكرنا في الجزء السابق» عند حديثنا عن العرفان بعض المقطوعات الجميلة 
للخميني» والتي تضاهي أشعار جلال الدين الرومي» وفريد الدين العطار» وابن الفارض» 
وغيرهم» كنموذج لذلك الاهتمام الأدبي» والروح الشاعرية. 

وهكذا شأن الخامنئي» فقد ذكرنا في الجزء السابق أيضا مدى اهتمامه بمطالعة الروايات 


والقصص. وخبرته فيهاء وتوجيهاته المتعلقة مباء وقد كانت علاقته بالأدب قديمة ابتدأت من 


0١ 


شبابه الباكر» حين| كان في مشهد. حيث شارك في بعض الجمعيات الأدبية التي تشكلت آنذاك 
بمشاركة شعراء كبار» و كان ينقد الشعر في هذه الجمعيات الأدبية. 

بالإضافة إلى ذلك كله كان شاعراء وقد كتبت بعض المواقع عنه تحت عنوان [خامنئي 
الشاعر متعطش ل (كأس ا حياة)] تقول: (كثيرة هي الأخبار التي تحيطنا بجوانب من شخصية 
السيد خامنئي السياسية» لكن قلة من المقربين منه تعرفوا على خامنئي الأديب والشاعر وتمكنوا 
من ولوج عالمه الخاص. فعلى الرغم من ولعه بالشعر منذ أكثر من ستين عاماًء إلا أنه لا يزال 
يشعر بالخجل من إلقاء قصائده أمام الملأ» ويتردد في إصدار ديوانه الأول. لكن الشهر الماضي 
تجاوز خامنئي خجله وألقى أحدث أعماله الشعرية أمام زملائه الشعراء) )١(‏ 

وعلقت كاتبة هذا الخبر عليه بقولها: (لطالما اهم علماء الدين بالانغلاق تجاه الفنون» 
وبأنهم لا يملكون نظرة واضحة في الفن» لكن خامنئي كسر هذه القاعدة بانفتاحه على الساحة 
الأدبية بشكل واسع. فهو من كبار الناقدين للأدب» وله ذوق نقدي يشهد له كبار الشعراء 
والأدباء المعاصرين الإيرانيين) 

ومن اهتاماته المتعلقة بهذا الجانب» والتي ترد على خصومه الذين يتهمونه ويتهمون 
مشروع الجمهورية الإسلامية بالتعصب للفارسية» اهتامهء بل عشقه للغة العربية» وآدابها 
وفنونها؛ فقد نقلت جريدة (كيهان العربي) بتاريخ ١؟‏ رجب 5١5١ه‏ عن بعض المقربين من 
السيد علي الخامنئي الدكتور محمد علي آذرشبء (المستشار الثقافي للخامنئي) قوله: (آية الله 
الخامنئيّ يعشق الأدب واللغة العربيّة» وإِنّه وحتّى اليوم مع زحمة الأعمال التي تحيط به يعقد 
جلسات بحث أسبوعية في الأدب والشعر العربيّ يتعرّض خلاها القليل من الشعر القديم 
ولكثير من الشعر الحديث» وخلالها أسمعه مرارًا يقول: (طالما تمنيت أنّنِي ولدت في بلد عربي 


يمكُنني من الكلام باللّغة العربيّة) 
)١(‏ خامنئي الشاعر متعطش ل (كأس الحياة)» زهراء ديراني» موقع الميادين. 


0 


ويعقب محمد علي آذرشب على هذا بقوله: (لقد طالع موسوعات في الأدب العربيّ 
بأجمعها ووضع عليها هوامش وتعليقات» من ذلك كتاب الأغاني» فقد طالعه بأجمعه ووضع 
على حواشيه تعليقات وملاحظات هامّة؛ ىا وضع فهرسًا كاملا قبل أن تبادر دار الكتب إلى 
طباعة فهرس الأغاني. وحاول منذ سن مبكر أن يقرأ لجبران خليل جبران» ويترجم له ويقرأ 
ديوان الجواهري ويعلّق عليه وحتّى في السجن ل يُفوّت فرصة الارتباط بمن له ذوق بالأدب 
العربي» من ذلك أنه التقى في سجن القلعة سنة 1977م بمجموعة من السجناء العرب 
الخوزستانيّين» فآنس بهم وآنسوا به وكان منهم المرحوم السيّد باقر النزاري» ويذكر الخامنئي. 
نه كان دائًا يحاول أن يتكلّم مع هؤلاء العرب ويتحادث معهمء وكان يعلّم بعضهم قواعد 
اللّغة العربيّة ويتعلّم منهم المحادثة العربيّة» حتّى أنَّه حينم| خرج من السجن عملوا له هوسة: 
(يا سيّد جدّك ويّانه) 230 

وني هذا المجال نذكر علاقته بالشاعر العراقي الكبير بل شاعر العَرّبٍ الأكبر مُحمّد 
مهدي الجواهريء. والذي كتب عنه على الصفحة الأولى من كتابه ( ذكرياتي ) قصيدة أهداها 


لقال كي 


2000 جريدة (كيهان العربي) بتاريخ 7١‏ رجب 5١5‏ اه. 


يَعجَرُ الحرف أن يُون عظيا 
أتّهها الشامخ الذي شاءَة الله 
لَّكَ في ذمّة الإله يَمِينْ 
لَك في السّلم مِنبدُ لا تجارى 
لَكَ أهلّ قوق الذرى وَعحَل 


فاغتفر لي ما جاء في ؤكرياي 


ألت. ذو منة :وأنت» المدل 
كُل ما قيل في سواه يَقِل 
ريا “لتورة. ‏ ستهل 
لَك في الحرب مضرّب لا يفل 
لَكَ بَعدَ المكرّمات وَقَبل 
يا عَطوفاً عَى خطى من يِل 


وده 


وبناء على هذه الاهتمامات. والتي يجهلها الكثير للأسف. ويتصورون الولي الفقيه 
بصورة الفقيه الجاف, الذي لا يعرف إلا الفتوى» وما يرتبط بهاء ويغفلون عن كون قادة الثورة 
الإسلامية جميعا كانوا فلاسفة ومفكرين وأدباء» ويتقنون فوق ذلك لغات متعددة تتيح لهم 
الاطلاع على الثقافة العالمية. 

وقد كان في إمكان النظام الإيراني أن يختار لقب [الولي الحكيم]ء بدل [الولي الفقيه]» 
لهذا الاعتبار» خاصة مع اهتمام جميع قادة الثورة الإسلامية ومفكريها بالحكمة والفلسفة» لكنهم 
لم يفعلوا ذلك لآن الولي الفقيه يهارس صلاحيته انطلاقا من الفقه» الذي هو التعرف على 
الأحكام الشرعية» والتعريف بهاء ومحاولة تنفيذها في الواقع. 

انطلاقا من هذا نحاول هنا باختصار أن نذكر تصورات قادة النظام الإسلامي في إيران» 
للفن, وأهميه» وخصائصه التي تتبناها الجمهورية الإسلامية. 

ومثلما سبق ذكره في الجوانب الأخرى من التحذير والتقليد والتبعية والتغريب» نرى 
كذلك في هذا الجانب دعوة ملحة من جميع القادة إلى الإبداع والابتكار» وبناء منظومة فنية 
شاملة نابعة من الهوية» ومن القيم الإسلامية. 

ولذلك نرى الخامنئي ينكر ‏ في محاضراته وخطبه وكتبه ‏ على الفنون الغربية» لأنها فنون 
مادية» وتضليلية» وتسيء إلى الأخلاق والقيم الإنسانية» وهي فوق ذلك تخدم الاستعمار 
والحرب الناعمة» يقول ‏ في خطاب له موجه للفنانين» في أحد لقاءاته مهم : (من النقاط التي 
ينبغي الالتفات إليها في مواجهة عالم الغرب بشكل كامل» هو عنصر الفنّ وأداته التي 
يستخدمها الغربيُّون. لقد استفادوا من الفنّ إلى أقصى الحدود من أجل ترويج هذه الثقافة 
الخاطئة والمنحطّة والماحقة للهويّات» ولا سيّ) الفنون المسرحية (الأدائية)» وخاصّة الاستفادة 
من السين| وبأقصى ما يمكن. فهؤلاء يجعلون أيّ شعب تحت الدراسة على شكل مشروع ماء 
فيكتشفون نقاط ضعفه» ويستفيدون من علماء النفس وعلاء الاجتاع والمؤرّخين والفئانين 


وأمثاههم» ليكتشفوا طرق الهيمنة على هذا الشعب. ثم بعد ذلك» يوصون منتجاً سيناتياً أو 
مؤسّسة فنيّة في هوليوود لكي تصنع فيلاً. فالكثير من الأفلام التي ينتجونها لنا وللدول هو من 
هذا القبيل) 207 

ثم ذكر مدى وضوح هذا الدور التضليلٍ الذي تقوم به السين| الأمريكية خصوصا مع 
جنيع الشعوب حتى الأوروبية منهاء يقول: ( ليس لديّ اطّلاعٌ على الأفلام المتعلّقة بالدّاخل 
الأمريكيّء لكنّ ما ينتجونه للشعوب فيه بعدٌ هجوميّ. قبل عدّة سنوات, نُشر في الأخبار أن 
بعض الدول الأوروبيّة الكبرى قرّرت أن تواجه الأفلام الأمريكية. هؤلاء ليسوا مسلمين 
لكنهم يستشعرون هذا الخطرء خطر ال حجوم) 7) 

وهو يذكر أن إيران تستشعر هذا الخطرء ولذلك تراقب كل ما يصدر من إنتاج فني 
غربيء وتضع البدائل له» يقول: (وبالطبع» إن الدول الإسلاميّة» وبلدنا الثوريّ بشكل أخصّ»ء 
يستشعرون هذا الأمر أكثر. فهم ينظرون ويقيسون الخصائصء ويزنون الأوضاعء وينتجون 
الأفلام» ويعدّون الأخبار على هذا الأساس, وكذا الإعلام فإنّهم يشكلونه ويبثونه وفقاً 
لذلك)00 

وقد سبق أن ذكر الخميني هذاء ودعا إليه في أوائل سنوات انتصار الثورة الإسلامية» 
حيث قال في خطاب موجه للشعب: (المراكز الإعلامية المسموعة والمرئية والتي هي على إتصال 
دائم بالأمّة ليل ونهار في سائر أنحاءالبلاد سواءالمطبوعات في مقالاتها وكتاباتهاء أو الإذاعة 
والتلفزيون في برامجها وتمثيلياتبا وعرض الفنون واختيار الأفلام والفنون البناءة» عليها كلها 
أن تعقد العزم وتعمل أكثر ما تستطيع وتطلب إلى الفنانين الملتزمين أن يأخذوا بنظر الإعتبار 


إبلق خطابات الخامنئى ءص600. 
زفق المرجع السابق» ص١ .6١‏ 


هرف المرجع السابق» ص١ .6١‏ 


زه 6 2 





أوضاع فئات المجتمع كافة في سبيل تربية المجتمع وتهذيبه بشكل صحيح. وتعليمه سبيل ا حياة 
الشريفة والمتحررة بالفنون والمسرحيات والتمثيليات والمسلسلات» ومنع الفنون المبتذلة 
والسيئة التعليم» فالشعب العزيز وعلى مدى خمسين عاماً أسود» قد ابتلى بمجلات وجرائد 
خرّبة ومفسدة لجيل الشبابء. كانت السين) والإذاعة والتلفزيون» أسوأ منها إذ دحرجت 
ببرامجها الشعب إلى حدّ كبيرالى أحضان الغرب والمتغرّبين. ووسائل الأعلام الجماعية أشد 
ضرراً وأسوأ من المدافع والذيانات والأسلحة المذمرة إذ أن رار الإسلحة أضرار عابرة 
والأضرار الثقافية باقية وتسري إلى الأجيال القادمة ى] شاهدتم وتشاهدونء ولو لم يكن 
اللطف الخاص من الله المثان والتغيير السريع لابناءالشعب على مستوى البلاد كلها فلا ندري 
إلى أين سيجرفٌ مصير الإسلام والبلاد)(1) 

ولهذا نراهم يسنون القوانين التي تحمي الفنون من الوقوع في فخ العلمانية» لتبتعد عن 
الدين الذي هو أعز ما يملكه الإيرانيون» بل إن الخامنئي لا يكتفي في خطابه للفنانين بتلك 
الشكليات المرتبطة بالدين» وإنما يدعو إلى ممارسة رقابة مشددة حتى لا تتسلل الأفكار العلانية 
في ثوب فنيء يقول: (في بعض الأحيان يكون الإعلام (والتوجهات الإعلامية)» ظاهره ديئاً 
والكلام كلام الدين» والشعار شعار الدينء أمّا في الباطن فيكون علانيّاء أي يدعو لفصل 
الدين عن الحياة) 

ويقول في لقاء آخر: (إنني لا أحمل أية نظرة تساهل أو تغاضي بالنسبة للتلفزيون ومن 
أنه نجية #فالفتون العقلة مهم تعدا ومدى التأثير الذي تحدثه وبناؤها للثقافة واسعٌ ا 
ونحن اليوم كأمّة حيّة لها كلمتها وتشعر مبويتها ووجودها لنا أعداء كبار ونواجه عداوات من 
مختلف الأنواع وبأساليب متعددة» منها ما يتعلق باستخدام الفنون وأكثرها الفنون التمثيلية. 


وهذا يدل على أهمية أن نولي كأمة حيّة وكجاعة لما كلمتها في العالم وهدفها قضية الفنون 
)020( صحيفة الإمام» ج9١»‏ ص: .١50‏ 


2 


التمثيلية الاهتمام الكافي لما ونبذل لأجلها الرساميل المادية والمعنوية)(21 

وهو يحذر من تلك المارسات التي تقع في الغرب بحجة السينا الواقعية» أو تصوير 
الواقع» ويعتبرها نوعا من الدعوة للفساد» يقول: (أجل إن إظهار حركة الشر لا إشكال فيه 
ولكن فليعلم بوجود حركة خيرء وأن شخصية البطل تسعى إليهاء وتحارب من أجلهاء 
وتضحي في سبيلهاء حتى أنه أحياناً يضحي بنفسه من أجلها ومن أجل الوصول إلى ذلك 
الهدف. وصحيحٌ أنكم هنا أظهرتم العيب والقبح, ولكنكم أظهرتم شيئاً أكبر وهو الجهاد من 
أجل مواجهة هذا المنكرء هذا ما يُسمّى انتقاداً. وإنني كعالم دين» وكمسؤول في نظام الجمهورية 
الإسلامية» أقول لكم إن مثل هذا الانتقاد لا إشكال فيه بل هو مطلوب لأن هذا الانتقاد يتقدّم 
بالمجتمع على طريق القضاء على النقائتص» ويمده بالحركة» وهو أمرٌ جيد. ولكن في بعض 
الأحيان لا يكون الأمر كذلك, وإنما اعتراض مجرد الاعتراض» حيث ينتزع المرء نقطة سلبية 
ويصر عليها. فهل أن النقاط السلبية ونقاط الضعف تزول من المجتمع؟ هل يمكن أن تُقتلع 
بشكل كامل؟ وهناك أمرٌ آخرء أن يكون معترضاً وسوداوياً وباعثاً على اليأس لا يعد هدفاً 
للفنان أو هدفاء وهو لا يُعد امتيازاً أو فخراًء ففي بعض الأحيان أنتم تُظهرون منكراً دون أن 
تُظهروا عامل الخير الذي من المفترض أن يتغلب على ذلك المنكر أو يواجهه. ومهذا تنشرون 
اليأس في المجتمع وتغذونه» ومن يشاهد فيلمكم من جانب آخر يقول: ما هي الفائدة؟ رغم 
الآثر الكبير الذي يكون للفيلم ورغم جودة التمثيل) 7) 

ويلخص لهم هذا المعنى بقوله: (أنا أقول لكم انتقدوا ولكن فليكن انتقادكم بالمعنى 
الواقعي للكلمة» أي أن تُظهروا صراع الخير والشر لكي يُعلم أنه مع وجود نقطة قبيحة ومنكرة 
في المجتمع» هناك دافع لإزالتهاء وهناك تيار يسعى لاقتلاعها والقضاء عليها. فإذا أظهرتم 


)١(‏ خطابات الخامنئى 7١٠١‏ ص”777. 


0( المرجع السابق» ص5 71. 


ا 


الفقرء فلا يكون ذلك بطريقة يظهر فيها الفقر في المجتمع دون أي تحرك لمواجهته. لو حصل 
ذلكء فإن هذا الفيلم سيكون مثبطاً حتمأً» ويعكس سوداوية الأجواء) 0 

وهو يشيد بالنجاحات التي حققها المشرفون على الفنون في إيران» ويذكر في بعض 
لقاءاته إحصاءات مرتبطة بهاء فيقول: (إنني أشك ركم جميعاً وأقدركم. بيد أنني أذكر أن هناك 
مجالاً كبيراً للعمل ولدينا إمكانات هائلة. فمن بين ٠"‏ ألف ساعة من البث خلال العام وضمن 
ما قدم لنا من إحصاء فإن أكثر من ٠١‏ بالمائة من المسلسلات هو من إنتاج محل وفي مجال 
الأفلام فإن ما يبلغ حوالي ٠‏ ؛ بالمائة هو إنتاج محلي» وهو رقمٌ مرتفع جداً» وهذا يدل على وجود 
إمكانات مدهشة في البلد» بل كثير من الدول في العالم لا تمتلك هذه الإمكانات ما خلا عدد 
محدود من الدول المعروفة في العالم. وفي الواقع فإن الكثير من مراكز صناعة الأفلام في مختلف 
الدول يدار من قبل مجموعة معدودة من الدول» وعمدتها أمريكا وهوليوود» ونحن لدينا هذه 
الإمكانات»؛ وهذه الموارد البشرية الجيدة» وهذه الإمكانات التجهيزية» وأيضاً القدرة البرمجية 
المميزة» وهذا التاريخ المليء بالحوادث. لهذا فإن لدينا إمكانات كبيرة للعمل. لقد بذلتم جهوداً 
كبيرة» وفي الواقع فإن نتاج أتعابكم هو هذه الآثار الجيدة» ولكن لا زال بين ما أنجز وما يمكن 
إنجازه مبذه الإمكانات العظيمة مسافة بعيدة) (5) 

ويذكر بعض الناذج الفنية الناجحة في ذلكء» فيقول: (ها أنتم هنا انظروا إلى مسلسل 
كمسلسل النبي يوسف. وهو مسلسل أنتج وتمت مراعاة جميع الجهات الشرعية وغيرها فيه. 
فإنه يبيّن سيرة أحد الأنبياء وأساس العمل فيه مبنيٌ على العفاف وليس على الأساس الرائج 
في الأفلام العالمية» من العشق والشهوة وأمثلما. وفيم| بعد يتم الإقبال عليه هذا الشكل في 
أنحاء العالم الإسلامي ‏ ولعله في بعض مناطق غير العالم الإسلامي. ولقد تم انتقاده في الجرائد 


دلق المرجع السابق» ص5 71. 


0( المرجع السابق» ص7377. 


0 


وأسيء القول نحوه واعترضوا عليه علناً واختلقوا حوله أموراً أخرى. في النهاية» مثل هذه 
الأمور تحدث,ء إنني أريد أن أقول لكم أن لا تحملوا في أنفسكم كل هذا القلق من الانتقاد 
والقيل والقال» فلو كان الأمر مبنياً على أن تعتنوا بمثل هذه الأمور المقلقة» ولعل بعضها غير 
واقعي وما يتصوره الفنان بسبب رقته» وهو وهم. لما أمكن للإنسان القيام بأي عمل» هذا ما 
أؤمن به. لهذا لا ينبغي أن تحزنوا كثيراً من هذه الأمور المقلقة) 20 

بعد إيرادنا هذه التصورات العامة لمكانة الفن عند قادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية» 
والدعم المعنوي والمادي الذي يولونه لهاء أحب أن أذكر هنا بعض نجاحات الفن الإيراني» 
وقدرته على أن يحظى باحترام العالم» ويحطم بذلك الكثير من أسطورات التشويه التي تشن 
حول تشدد نظام الولي الفقيه. 

ففي مقال بعنوان [ كيف انتزعت السين) الإيرانية احترام العالم؟] يقول صاحبه: 
(فجرت صناعة السينا الإيرانية مكامن الإبداع في أقل من عشرين سنة بعد قيام الثورة 
الإسلامية» وملأت الكرة الأرضية كلها بأعم الما اللامعة» وأصبحت هذه النجاحات مصدر 
فخر لإيران. والمدهش في هذه التجربة أنه بالرغم من أن الظروف لم تكن في صا حها (الحرب 
العراقية-الإيرانية إضافة إلى الفوضى العارمة والمؤامرات الخارجية) استطاعت هذه السين) أن 
تبرز وتفرض نفسها عالميا وتكرم في أكبر المحافل والمهرجانات. وأضحت بعض الدول مثل 
أمريكا وأستراليا وبريطانيا وألمانيا واليابان وغيرها تقيم مهرجانات خاصة بالأفلام الإيرانية. 
وباتت تعد من الدول الثلاث الأولى في العام وذلك بفوزها بأكثر من ألف ومائة وثمان وأربعين 
جائزة دولية ومشاركتها في أكثر من خمسة عشرة ألف مهرجان دولي في مختلف أنحاء العالم. كى| 
شارك خبراء السين) الإيرانية في تشكيلة لحان التحكيم للمهرجانات الدولية لأكثر من مائتين 


وحمسين مرة. وحصلت عشر إيرانيات على جوائز أحسن تمثلة من اكبر المهرجانات الدولية 
دلق المرجع السابق» ص”7377. 


حك 2 


مثل مونريال» ولوكارنو» وموسكوء والقاهرة» ونانت. كما رشحت بعض الممثلات الأخريات 
إلى أحسن ممثلة في القسم الأجنبي في الأوسكار الأمريكية)(1) 

وهكذا ذكر الكثير من النماذج عن نجاح الإيرانيين في نيل الجوائز العالمية على الرغم من 
الإمكانيات البسيطة التي يؤدون بها أعالهم» مقارنة بها هو عليه الحال في الدول الكبرى. 

ويتساءل الكاب العربي المغربي عن سر ذلك النجاح الذي حصل لإيران» ولم يحصل 
مثله للدول العربية» وخصوصا الخليجية على الرغم من الإمكانات الضخمة التي لديهاء ويجب 
عن ذلك بقوله: (في الوقت الذي نجد فيه الدول العربية ولاسيا الخليجية منها والتي تطل على 
سواحل إيران تستنسخ المركبات الرياضية العملاقة وناطحات السحاب الشاهقة وتتباهى بهاء 
نجد إيران تستثمر في الثقافة والفكر والفن الذي يرفع من شأن شعبها. فالاسمنت لا روح له 
سيم| إذا بنته أياد أجنبية بين| الثقافة تحمل تعريفا للمجتمع. وفي الوقت الذي نجد فيه المخرج 
المبدع العربي يقف لوحده في عراك مستميت لإنتاج فيلم واحدء وربم| الانسحاب بعد ذلك من 
الساحة الفنية إلى الأبد» نجد إيران تتخذ إستراتيجية تلقي بكل ثقلها المادي والمعنوي وراء 
مخرجيها وتجعل من السينا نافذة يطل عبرها الشعب الإيراني على العالم قصد التواصل مع 
الثقافات والحضارات الأخرى. وتتخذ إيران أهم خطوة مسؤولة فتعين مفكرا وفيلسوفا على 
رأس وزارة الثقافة من سنة ١987‏ إلى سنة 214147 أي عشر سنوات. وتضم وزارة الثقافة 
مؤسسة الفارابي السينائية» وتعهد هذا المفكر بالنهوض بالمشروع السينائي الإيراني وتبيئ 
الأرضية اللازمة وإعادة الثقة والاعتبار إليها خلال السنوات العشر. فكان هذا الرجل بمثابة 
الأب الروحي للسينا الإيرانية) 9) 

وهو يذكر بعض الآدلة على اهتمام النظام الإيراني بالفنون السينائية» فيقول: (نشير هنا 


.580١١-55- ١1/8 كيف انتزعت السين) الإيرانية احترام العالم؟ » حسن بنشليخة؛ نشر في هبة بريس يوم‎ )١( 


0( المرجع السابق. 


لحف 


أن في إيران أكثر من 02٠١‏ مخرج ويتخرج من معاهدها ٠١‏ امرأة محرجة سنويا وبذلك تتفوق 
حتى على الدول الغربية) 

ويذكر أن وزارة الثقافة الإيرانية أنشأت [مدينة سينائية] (جندت لما كل الطاقات 
ورؤوس الأموال وآخر المكتشفات التقنية والتكنولوجية المتطورة ى) هي الحال في 
استوديوهات هوليود. بذلك تكون قد أعدت الأرضية اللازمة للسين) الإيرانية خلال 
السنوات التالية ى) أنها أتاحت الجو اللائق للمخرجين حتى يبدعوا في إنتاجاتهم. وفتحت 
وزارة الثقافة هذه المدينة لكل المخرجين الإيرانيين دون استثناء وبأرخص الأثمنة في العالم. 
ويقوم بالإنتاج السينائي المخرجون بصفتهم منتجين منفذين ويحصلون على الدعم لأول ثلاثة 
أفلام ويتم شراؤها وتقوم شركة توزيع كبيرة أنشأتها الدولة بتوزيع الأفلام داخليا وخارجيا. 
وبنت أرقى وأكبر عدد ممكن من دور السين|.. ونجد أن في طهران لوحدها أكثر من ٠٠١‏ قاعة 
سينائية ىا أن هناك مركبات قيد البناء تتسع ل ١١١١‏ متفرج. كما دشنت وزارة الثقافة مهرجان 
الفجر السينائي الذي لا يكتفي في نشاطه بدعوة ضيوف أجانبء ويقيم لهم الحفلات 
الصاخبة» وتهدر الأموال الباهظة بدون فاتدة» بل الغرض أن يكون وسيلة لإنجاز إنتاجات 
مشتركة ودفع عملية تعاون أوثق مع المهرجانات الأخرى وتبادل الآراء على المستوى العالمي. 
وأصبح يعد تظاهرة فنية عالمية تستقبل أكثر من 55 دولة من بينها أمريكاء فرنساء اليابان» 
بريطانياء ايطالياء الصينء ألمانياء هولنداء ودول أمريكا الجنوبية وغيرها. وتوافد على المهرجان 
في السنة الماضية أكثر من 7٠٠١‏ وكيل من 47 بلد و717١‏ موزع ومنتج عالمي بما فيهم الولايات 
المتحدة» ما حضر 4١‏ موفدا من المهرجانات العالمية (لوكا رنواء كانء البندقية» برلين» تورنتو) 
هذا بالإضافة إلى ١4١‏ وكيل من 9" شركة إنتاج إيرانية حيث تم تبادل الأفلام الحامة 


المنتجة)(1) 


دلق المرجع السابق. 


61١ 


وهو يشيد كذلك بنوعية الأفلام والمسلسلات الإيرانية» وكونها نابعة من القيم» 
ومحافظة على الأصالة» فيقول: (تمكن السينائيون الإيرانيون بفضل كفاءتهم وجرأتهم وحبهم 
للفن السابع من العمل وتقديم أفلام واقعية تحمل رسائل إنسانية ومسحة جمالية وتحترم القيم 
ولا تشتم في ثوابت التراث» ولا تتاجر بجسد المرأة ومن دون أن تكشف حتى غطاء رأسهاء 
ولااتغطي بالضجيج والعنف الغير الواقعي والنماذج البطولية المزيفة تفاهة المضمون ولا تعتمد 
على ميزانية الديكورات الضخمة. إنها سين) بالغة البساطة» ملتزمة وهادفة» وبذلك تكون 
قدمت مجموعة من روائع الأفلام وناذج عظيمة للفن الإنساني الراقي. وأبرع ما في ذلك أنها 
تعتمد في تصوير الكثير من الأفلام على كاميرا الفيديو الرقمية المحمولة على الكتف (أغلب 
الأفلام الإيرانية تنتج بأقل من١٠٠‏ ألف دولار أي حوالي ١٠١‏ مليون سئتيم مغربي و تحصد 
الأرباح الكثيرة مثل فيلم [أطفال الجنة] الذي حقق أرباحا تتمثل في مليون دولار من أمريكا 
وحدهاء والأهم من ذلك أنها ليست سين) نجومء فمعظم أبطالها ليسوا تمثلين محترفين) 277 

وهو يشيد بالأفكار المطروحة في السين| الإيرانية» والنابعة من ثقافتهاء فيقول: (أما 
السيناريو فهو يحمل عمقا مدهشا ولغة ثرية متنوعة ومكتوب بنكهة الإبداعات القصصية 
الراسخة في الثقافة الإيرانية الشعبية» وتشم من خلاله رائحة حافظ الشيرازي وعمر الخيام 
وجلال الدين الرومي. ونظرا لطبيعته التأملية والفلسفية وقيمة مادته الجالية ولغته التعبيرية 
يصبح السيناريو واحدا من أهم خصوصيات وميزات السين) الإيرانية. فالطابع الشرقي المحلي 
حاضرء واهوية الثقافية مستمدة من الواقع الاجتماعي وقمة التمثيل تدهش المشاهد ومهارة 
الكاميرا وتحكمها في المشاهد ودقة اختيار مواضيعها والتركيز على الحس الحالي في أرقى 


مستجدياته حتى تحس أنك أمام السجاد الإيراني المفعم بروعة الفن وجمال النقوش والآلوان 


دلق المرجع السابق. 


51 


التي تعبر بدورها عن شاعرية الإنسان الإيراني ودفئه العاطفي وحبه للفن) 217 

وهو يذكر أن السين) الإيرانية متفردة في الكثير من النواحي عن السين العالمية» وخاصة 
فيا يرتبط بحفاظها على هويتها وأصالتهاء يقول: (والسين) الإيرانية مختلفة من خلال تأكيدها 
على هويتها وخصوصياتها وتفردها وعدم تشبهها بأي سينا أخرى. ومعروف أن أهم ما يميز 
السين) الإيرانية يتمثل في بساطتها العميقة في مضامينها ورمزيتها ما جعلها تنافس المستويات 
العالمية. وشكل الرهان على المحلية الذي اعتمدت عليه الأفلام الإيرانية أهم خطواتها نحو 
العالمية إذ اهتمت بتوثيق مشاغل مجتمعها و«مومه وتخلت في المقابل على الإكسسوارات الزاهية 
واهتمت بالمواظن الإبراني وآلامه وهواجسه. وبذلك تكون السينا الإيرانية قدمت استعراضاً 
راقياً يصل إلى الجمهور المحلي والعالمي يستحق كل الإعجاب والتقدير) 7 

وهو يشبهها في دقتها وغموضها وجمالها بالسجاد الإيراني» فيقول: (السين) الويرانية» 
مثل السجاد الإيراني: لوحة بديعة تنبض بالجمال وبشاعرية فياضة. وكان لزاما على المتفرج أن 
يدقق بعين ثاقبة لان السين| الإيرانية بها غموض غريب وإثارة لا يستطيع معها المتفرج الإمساك 
بالمعنى الذي يريد المخرج التعبير عنه. فالتفاصيل فيها مهمة لأنها تحمل الكثير من ألوان الطبيعة 
الشعرية والقصصية التي تزخر بها الثقافة الفارسية المليئة أيضا بالرموز الروحية والتعبيرات 
والإيحاءات الخفية. فهم يحكون قصة لكنهم لا يكشفون كل جوانبها ويتركون هذه المهمة 
للمتفرج ليتفاعل معها. فيكون الفيلم بديعا في تفاصيله وألوانه» مليئا بالفلسفة والعمق 
والتناغم الشعريء» غنيا بالمشاعر الإنسانية المستلهمة من الحوية والكرامة والحضارة 


الإيرانية)0) 


)020( المرجع السابق. 
0( المرجع السابق. 


1ه 





هذه مجرد شهادة صادقة عن بعض نجاحات الحمهورية الإسلامية الإيرانية في الجوانب 
الفنية» ومثلها شهادات كثيرة» وهي تتصاعد كل يوم بمقدار تطور القدرات الإيرانية في هذا 
الجانب» والذي لا يختلف كثيرا عن تطورها في سائر المجالات. 

والملفت للنظر في هذا الجانب خصوصا هو تلك العلاقة الطيبة بين الخامنئي وبين 
المخرجين, كالمخرج الكبير فرج الله سلحشور. صاحب مسلسل [يوسف عليه السلام]» 
والذي ذكر علاقته الشخصية بقائد الثورة الإسلامية» واستفادته من توجيهاته في إنتاجاته 
الفنية. 

وهكذا الحال مع شهريار بحراني» مخرج مسلسل [مريم المقدسة]ء والذي لقي إكبارا في 
جميع أنحاء العالم» فقد ذكر استفادته من توجيهات قائد الثورة الإسلامية» ومتابعته للمسلسل 
أثناء إخراجه. 

وهذا كله يزيل تلك الصورة القاتمة المتوحشة التي يرسمها له المغرضون؛ فهو ليس 
سياسيا فقط» وإن) هو أديب وشاعر وفنان.. وفوق ذلك فيلسوف ومفكر وفقيه.. ولست 


أدري إن ل يستحق مثل هذا منصب إرشاد شعبه وأهل بلده؛ فمن يستحقه. 


5